الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الْفَصْلُ الثَّانِي فِي أَنَّ مَذْهَبَ الْإِمَامِيَّةِ وَاجِبُ الِاتِّبَاعِ]
[مقدمة الْفَصْلُ الثَّانِي]
الْبَابُ الثَّانِي
قَالَ الرَّافِضِيُّ: (1) الْفَصْلُ الثَّانِي (2)
فِي أَنَّ مَذْهَبَ الْإِمَامِيَّةِ وَاجِبُ الِاتِّبَاعِ.
وَمَضْمُونُ مَا ذَكَرَهُ: أَنَّ النَّاسَ اخْتَلَفُوا بَعْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (3) ، فَيَجِبُ النَّظَرُ فِي الْحَقِّ وَاعْتِمَادِ الْإِنْصَافِ، وَمَذْهَبُ الْإِمَامِيَّةِ وَاجِبُ الِاتِّبَاعِ لِأَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: لِأَنَّهُ أَحَقُّهَا وَأَصْدَقُهَا ; وَلِأَنَّهُمْ بَايَنُوا جَمِيعَ الْفِرَقِ فِي أُصُولِ الْعَقَائِدِ ; وَلِأَنَّهُمْ جَازِمُونَ بِالنَّجَاةِ لِأَنْفُسِهِمْ ; وَلِأَنَّهُمْ (4) أَخَذُوا دِينَهُمْ عَنِ الْأَئِمَّةِ الْمَعْصُومِينَ (5)
وَهَذَا حِكَايَةُ لَفْظِهِ:
قَالَ الرَّافِضِيُّ:
(1) م: قَالَ الرَّافِضِيُّ، الْبَابُ الثَّانِي ; أ، ب: قَالَ الْمُصَنِّفُ الرَّافِضِيُّ.
(2)
الْفَصْلُ الثَّانِي: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) .
(3)
صِيغَةُ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ فِي (أ)، (ب) دَائِمًا: صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَسَتَثْبُتُ فِيمَا يَلِي الصِّيغَةُ الْمَوْجُودَةُ فِي (ن) أَوْ (ع) وَهِيَ: صلى الله عليه وسلم.
(4)
ن، م: وَأَنَّهُمْ.
(5)
يُلَخِّصُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ بِمَا سَبَقَ مُقَدِّمَةَ الْفَصْلِ الثَّانِي وَأَرْبَعَةَ أَوْجَهٍ مِنْ سِتَّةٍ أَوْرَدَهَا ابْنُ الْمُطَهَّرِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى وُجُوبِ اتِّبَاعِ مَذْهَبِ الْإِمَامِيَّةِ، عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ تَلْخِيصَ أَهَمِّ مَا فِي هَذَا الْفَصْلِ، ثُمَّ بَدَأَ بَعْدَ ذَلِكَ يَنْقُلُ أَلْفَاظَ ابْنِ الْمُطَهَّرِ بِنَصِّهَا.
إِنَّهُ (1) لَمَّا عَمَّتِ الْبَلِيَّةُ بِمَوْتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَاخْتَلَفَ النَّاسُ بَعْدَهُ، وَتَعَدَّدَتْ آرَاؤُهُمْ بِحَسَبِ تَعَدُّدِ أَهْوَائِهِمْ، فَبَعْضُهُمْ طَلَبَ الْأَمْرَ لِنَفْسِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَبَايَعَهُ (2) أَكْثَرُ النَّاسِ طَلَبًا لِلدُّنْيَا، كَمَا اخْتَارَ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ (3) مَلَكَ الرَّيَّ أَيَّامًا يَسِيرَةً (4) لَمَّا خُيِّرَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَتْلِ الْحُسَيْنِ (5) مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّ مَنْ قَتَلَهُ فِي النَّارِ (6)، وَإِخْبَارِهِ بِذَلِكَ (7) فِي شِعْرِهِ (8) ; حَيْثُ يَقُولُ:
(1) إِنَّهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن)، (م) وَفِي: ك = " مِنْهَاجُ الْكَرَامَةِ "، ص 89 (م) : لِأَنَّهُ.
(2)
وَبَايَعَهُ: كَذَا فِي (ن) ، (ب) ، (ك) . وَفِي (م)، (أ) : وَتَابَعَهُ
(3)
ا، م، ب: عَمْرُو بْنُ سَعْدٍ، وَهُوَ خَطَأٌ. وَالَّذِي أَثْبَتَهُ فِي (ك) ، (ن) . وَهُوَ عَمْرُو بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَلَّاهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادِ الرَّيَّ وَهَمَذَانَ، وَلَمَّا خَرَجَ الْحُسَيْنُ أَمَرَهُ بِقِتَالِهِ، فَكَرِهَ عُمَرُ ذَلِكَ وَاسْتَعْفَاهْ، فَهَدَّدَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بِالْعَزْلِ، فَاتَّجَهَ بِجُنْدِهِ إِلَى الْحُسَيْنِ، وَشَرَعَ فِي مُفَاوَضَتِهِ، وَكَادَ أَنْ يَنْجَحَ فِي إِنْهَاءِ الْخِلَافِ بِغَيْرِ قِتَالٍ، إِلَّا أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ أَصَرَّ عَلَى أَنْ يُبَايِعَ الْحُسَيْنُ يَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ، ثُمَّ نَشِبَ الْقِتَالُ بَيْنَ جُنْدِ عُمَرَ وَجُنْدِ الْحُسَيْنِ، وَقُتِلَ الْحُسَيْنُ رضي الله عنه سَنَةَ 61 هـ، وَلَمَّا غَلَبَ الْمُخْتَارُ بْنُ أَبِي عُبِيدٍ الثَّقَفِيِّ الْكَذَّابُ عَلَى الْكُوفَةِ قُتِلَ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ سَنَةَ 66 هـ، انْظُرِ الطَّبَرِيَّ (ط. الْمَعَارِفِ) خَبَرَ تَوْلِيَةِ عُمَرَ الرَّيَّ 5/409 - 410، أَحْدَاثَ سَنَةِ 61 هـ، 5/400 - 467، خَبَرَ قَتْلِ الْمُخْتَارِ لِعُمَرَ 6/60 - 62. وَانْظُرْ طَبَقَاتِ ابْنِ سَعْدٍ 5/168 ; مُرُوجَ الذَّهَبِ لِلْمَسْعُودِيِّ (ط. التِّجَارِيَّةِ 1377 - 1958) 3/70 - 72: الْأَعْلَامَ لِلزِّرِكْلِيِّ 5/205 - 206.
(4)
ن: أَيَّامًا كَثِيرَةً يَسِيرَةً.
(5)
ك، م: الْحُسَيْنِ عليه السلام.
(6)
ك: بِأَنَّ فِي قَتْلِهِ النَّارَ.
(7)
ب: وَاخْتِيَارِهِ ذَلِكَ
(8)
ا: فِي شِعْرٍ.
فَوَاللَّهِ مَا أَدْرِي وَإِنِّي لَصَادِقٌ
…
أُفَكِّرُ (1) فِي أَمْرِي (2) عَلَى خَطَرَيْنِ
أَأَتْرُكُ مُلْكَ الرَّيِّ وَالرَّيُّ مُنْيَتِي
…
أَمْ (3) أُصْبِحُ مَأْثُومًا بِقَتْلِ حُسَيْنِ
وَفِي قَتْلِهِ النَّارُ الَّتِي لَيْسَ دُونَهَا
…
حِجَابٌ وَمُلْكُ الرَّيِّ (4) قُرَّةُ عَيْنِي.
وَبَعْضُهُمُ اشْتَبَهَ الْأَمْرُ عَلَيْهِ (5) وَرَأَى (6) لِطَالِبِ (7) الدُّنْيَا مُتَابِعًا (8) فَقَلَّدَهُ [وَبَايَعَهُ](9) وَقَصَّرَ فِي نَظَرِهِ، فَخَفِيَ عَلَيْهِ الْحَقُّ، فَاسْتَحَقَّ (10) الْمُؤَاخَذَةَ مِنَ اللَّهِ (11) بِإِعْطَاءِ (12) الْحَقِّ [لِغَيْرِ](13) مُسْتَحِقِّهِ بِسَبَبِ إِهْمَالِ النَّظَرِ.
وَبَعْضُهُمْ قَلَّدَ لِقُصُورِ فِطْنَتِهِ (14) ، وَرَأَى الْجَمَّ الْغَفِيرَ،
(1) ن: أَفِكْرِي، وَهُوَ خَطَأٌ.
(2)
ب: أَمْرٍ، وَالْمُثْبَتُ فِي (ن) ، (ك) ، (م) ، (أ) .
(3)
ن، م، أ: أَوْ.
(4)
ن: م، أ: وَلِي فِي الرَّيِّ (وَكَذَا أَيْضًا فِي أَسْفَلِ الصَّفْحَةِ فِي: " مِنْهَاجِ الْكَرَامَةِ " طَبْعَةُ طَهْرَانَ) ، ص [0 - 9] .
(5)
ن، م: اشْتَبَهَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ.
(6)
ن، م، أ: رَأَى.
(7)
ن، ك، م، أ: طَالِبَ.
(8)
ب: مُبَايِعًا، ك: مُتَابِعًا لَهُ.
(9)
وَبَايَعَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (أ) .
(10)
ك: وَاسْتَحَقَّ ; م: فَاسْتَحَقَّ عَلَيْهِ.
(11)
ا، ب: اللَّهِ تَعَالَى.
(12)
ن، م: فَأَعْطَى.
(13)
لِغَيْرِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(14)
ا: فِتْنَتْهِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
فَتَابَعَهُمْ (1) ، وَتَوَهَّمَ أَنَّ الْكَثْرَةَ تَسْتَلْزِمُ الصَّوَابَ، وَغَفَلَ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى:{وَقَلِيلٌ مَا هُمْ} ، [سُورَةُ ص: 24] ، {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} ، [سُورَةُ سَبَأٍ: 13] .
وَبَعْضُهُمْ طَلَبَ الْأَمْرَ لِنَفْسِهِ بِحَقٍّ [لَهُ](2) ، وَبَايَعَهُ الْأَقَلُّونَ الَّذِي أَعْرَضُوا عَنِ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا، وَلَمْ يَأْخُذْهُمْ (3) فِي اللَّهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ، بَلْ أَخْلَصُوا لِلَّهِ (4) وَاتَّبَعُوا مَا أُمِرُوا بِهِ مِنْ طَاعَةِ مَنْ يَسْتَحِقُّ التَّقْدِيمَ.
وَحَيْثُ حَصَلَ (5) لِلْمُسْلِمِينَ هَذِهِ الْبَلِيَّةُ، وَجَبَ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ النَّظَرُ فِي الْحَقِّ وَاعْتِمَادُ الْإِنْصَافِ، وَأَنْ يُقِرَّ الْحَقَّ مُسْتَقَرَّهُ (6) وَلَا يَظْلِمُ مُسْتَحِقَّهُ، فَقَدْ قَالَ تَعَالَى (7) :{أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} ، [سُورَةُ هُودٍ: 18] .
وَإِنَّمَا كَانَ مَذْهَبُ الْإِمَامِيَّةِ وَاجِبُ الِاتِّبَاعِ لِوُجُوهٍ (8) ". هَذَا لَفَظَهُ.
(1) ك: فَبَايَعَهُمْ.
(2)
لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (أ) .
(3)
ك: فِي الْأَصْلِ (يُؤَاخِذْهُمْ) .
(4)
ك: لِلَّهِ تَعَالَى.
(5)
ك: حَصَلَتْ.
(6)
ك: مَقَرَّهُ.
(7)
ك: فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى.
(8)
ن، م: لِوُجُوهٍ أَرْبَعَةٍ قَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا، وَهُوَ خَطَأٌ.
فَيُقَالُ: إِنَّهُ [قَدْ](1) جَعَلَ الْمُسْلِمِينَ بَعْدَ نَبِيِّهِمْ أَرْبَعَةَ أَصْنَافٍ، وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ الْكَذِبِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الصَّحَابَةِ الْمَعْرُوفِينَ أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَافِ الْأَرْبَعَةِ، فَضْلًا عَنْ أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِمْ أَحَدٌ إِلَّا مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَافِ: إِمَّا طَالِبٌ لِلْأَمْرِ (2) بِغَيْرِ حَقٍّ (3) كَأَبِي بَكْرٍ فِي زَعْمِهِ، وَإِمَّا طَالَبٌ لِلْأَمْرِ بِحَقٍّ كَعَلِيٍّ فِي زَعْمِهِ، وَهَذَا كَذِبٌ عَلَى عَلِيٍّ رضي الله عنه وَعَلَى أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه (4) -، فَلَا عَلِيٌّ طَلَبَ الْأَمْرَ لِنَفْسِهِ قَبْلَ قَتْلِ عُثْمَانَ، وَلَا أَبُو بَكْرٍ طَلَبَ الْأَمْرَ لِنَفْسِهِ، فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ طَلَبُهُ بِغَيْرِ حَقٍّ. وَجَعَلَ الْقِسْمَيْنِ الْآخَرَيْنِ:[إِمَّا مُقَلِّدًا لِأَجْلِ الدُّنْيَا](5) ، وَإِمَّا مُقَلِّدًا لِقُصُورِهِ فِي النَّظَرِ.
وَذَلِكَ أَنَّ الْإِنْسَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَعْرِفَ الْحَقَّ وَأَنْ يَتَّبِعَهُ، وَهَذَا [هُوَ](6) الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ، صِرَاطُ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ (7) مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ، غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ، وَهَذَا هُوَ الصِّرَاطُ الَّذِي أَمَرَنَا اللَّهُ أَنْ نَسْأَلَهُ (8) هِدَايَتَنَا إِيَّاهُ فِي كُلِّ صَلَاةٍ، بَلْ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ.
وَقَدْ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: " «الْيَهُودُ مَغْضُوبٌ
(1) قَدْ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) .
(2)
ن: الْأَمْرَ.
(3)
بِغَيْرِ حَقٍّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) .
(4)
ن: عَلَى عَلِيٍّ وَأَبِي بَكْرٍ.
(5)
مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) فَقَطْ.
(6)
هُوَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن)(م) .
(7)
أ، م، ب: أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ.
(8)
م: أَمَرَ اللَّهُ أَنْ نَسْأَلَهُ ; أ، ب: أَمَرَنَا أَنْ نَسْأَلَهُ.
عَلَيْهِمْ وَالنَّصَارَى ضَالُّونَ» (1) ". وَذَلِكَ أَنَّ الْيَهُودَ عَرَفُوا الْحَقَّ وَلَمْ يَتَّبِعُوهُ اسْتِكْبَارًا وَحَسَدًا وَغُلُوًّا وَاتِّبَاعًا لِلْهَوَى، وَهَذَا هُوَ الْغَيُّ، وَالنَّصَارَى لَيْسَ لَهُمْ عِلْمٌ بِمَا يَفْعَلُونَهُ مِنَ الْعِبَادَةِ وَالزُّهْدِ وَالْأَخْلَاقِ، بَلْ فِيهِمُ الْجَهْلُ وَالْغُلُوُّ وَالْبِدَعُ وَالشِّرْكُ جَهْلًا مِنْهُمْ، وَهَذَا هُوَ الضَّلَالُ، وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنَ الْأُمَّتَيْنِ فِيهِ ضَلَالٌ وَغَيٌّ، لَكِنَّ الْغَيَّ أَغْلَبُ عَلَى الْيَهُودِ، وَالضَّلَالَ أَغْلَبُ عَلَى النَّصَارَى.
وَلِهَذَا وَصَفَ اللَّهُ الْيَهُودَ بِالْكِبْرِ وَالْحَسَدِ، وَاتِّبَاعِ الْهَوَى وَالْغَيِّ وَإِرَادَةِ الْعُلُوِّ فِي الْأَرْضِ (2) وَالْفَسَادِ. قَالَ تَعَالَى:{أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ} ، [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 87] ، وَقَالَ تَعَالَى:{أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} ، [سُورَةُ النِّسَاءِ: 54] ، وَقَالَ:{سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا}
(1) الْحَدِيثُ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رضي الله عنه فِي سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ فِي مَوْضِعَيْنِ 4/271، 272 (كِتَابُ تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ، بَابُ: وَمِنْ سُورَةِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ) وَأَوَّلُهُ فِي الْمَوْضِعِ الْأَوَّلِ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ. الْحَدِيثَ وَلَفْظَهُ: " فَإِنَّ الْيَهُودَ مَغْضُوبٌ عَلَيْهِمْ وَإِنَّ النَّصَارَى ضُلَّالٌ " وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ " هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، وَرَوَى شُعْبَةُ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ حُبَيْشٍ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْحَدِيثَ بِطُولِهِ " وَالْحَدِيثُ فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 4/378 وَفِيهِ: " إِنَّ الْمَغْضُوبَ عَلَيْهِمُ الْيَهُودُ وَإِنَّ الضَّالِّينَ النَّصَارَى. . " وَذَكَرَهُ الطَّبَرِيُّ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) وَذَكَرَ رِوَايَاتٍ أُخْرَى، وَقَدْ خَرَّجَهَا الشَّيْخُ أَحْمَدُ شَاكِر رحمه الله وَصَحَّحَ أَكْثَرُهَا. انْظُرِ التَّفْسِيرَ (ط. الْمَعَارِفِ) 1/185 - 188 193 - 195.
(2)
فِي الْأَرْضِ: سَاقِطَةٌ مِنْ أ، ب.
، [سُورَةُ الْأَعْرَافِ: 146] ، وَقَالَ تَعَالَى:{وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا} ، [سُورَةُ الْإِسْرَاءِ: 4] .
وَوَصَفَ النَّصَارَى بِالشِّرْكِ وَالضَّلَالِ وَالْغُلُوِّ وَالْبِدَعِ، فَقَالَ تَعَالَى:{اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} ، [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 31] ، وَقَالَ تَعَالَى:{قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ} ، [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 77] ، وَقَالَ تَعَالَى:{وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا} ، [سُورَةُ الْحَدِيدِ: 27] ، وَهَذَا مَبْسُوطٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ.
وَقَدْ نَزَّهَ اللَّهُ نَبِيَّهُ عَنِ الضَّلَالِ وَالْغَيِّ، فَقَالَ:{وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى - مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى - وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} ، [سُورَةُ النَّجْمِ: 1 - 3] (1) ، فَالضَّالُّ الَّذِي لَا يَعْرِفُ الْحَقَّ، وَالْغَاوِي الَّذِي يَتَّبِعُ هَوَاهُ، وَقَالَ تَعَالَى:{وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ} ، [سُورَةُ ص: 45] ، فَالْأَيْدِي الْقُوَّةُ (2) فِي طَاعَةِ اللَّهِ، وَالْأَبْصَارُ الْبَصَائِرُ فِي الدِّينِ.
وَقَالَ تَعَالَى: {وَالْعَصْرِ - إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ - إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} .
وَإِذَا كَانَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنَ الْعِلْمِ بِالْحَقِّ وَالْعَمَلِ بِهِ،
(1) آيَةُ: 3 مِنْ سُورَةِ النَّجْمِ لَيْسَتْ فِي (ن) ، (م) .
(2)
أ، ب: الْقُوَى.
وَكِلَاهُمَا (1) وَاجِبٌ، لَا يَكُونُ الْإِنْسَانُ مُفْلِحًا نَاجِيًا إِلَّا بِذَلِكَ، وَهَذِهِ الْأُمَّةُ خَيْرُ الْأُمَمِ، وَخَيْرُهَا الْقَرْنُ الْأَوَّلُ (2) ، كَانَ الْقَرْنُ الْأَوَّلُ أَكْمَلَ النَّاسِ فِي الْعِلْمِ النَّافِعِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ.
وَهَؤُلَاءِ الْمُفْتَرُونَ وَصَفُوهُمْ بِنَقِيضِ ذَلِكَ، بِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ وَيَتَّبِعُونَهُ، بَلْ كَانَ أَكْثَرُهُمْ عِنْدَهُمْ يَعْلَمُونَ الْحَقَّ وَيُخَالِفُونَهُ، كَمَا يَزْعُمُونَهُ فِي الْخُلَفَاءِ الثَّلَاثَةِ وَجُمْهُورِ الصَّحَابَةِ وَالْأُمَّةِ، وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ عِنْدَهُمْ لَا يَعْلَمُ الْحَقَّ، بَلِ اتَّبَعَ الظَّالِمِينَ تَقْلِيدًا لِعَدَمِ نَظَرِهِمُ الْمُفْضِي إِلَى الْعِلْمِ، وَالَّذِي لَمْ يَنْظُرْ قَدْ يَكُونُ تَرْكُهُ النَّظَرَ لِأَجْلِ الْهَوَى وَطَلَبِ الدُّنْيَا، وَقَدْ يَكُونُ لِقُصُورِهِ وَنَقْصِ إِدْرَاكِهِ.
وَادَّعَى أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ طَلَبَ الْأَمْرَ لِنَفْسِهِ بِحَقٍّ، يَعْنِي عَلِيًّا (3) ، وَهَذَا مِمَّا عَلِمْنَا بِالِاضْطِرَارِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ، فَلَزِمَ مِنْ ذَلِكَ - عَلَى قَوْلِ هَؤُلَاءِ - أَنْ تَكُونَ الْأُمَّةُ كُلُّهَا [كَانَتْ](4) ضَالَّةً بَعْدَ نَبِيِّهَا (5) لَيْسَ فِيهَا مُهْتَدٍ، فَتَكُونُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى بَعْدَ النَّسْخِ وَالتَّبْدِيلِ خَيْرًا مِنْهُمْ ; لِأَنَّهُمْ [كَانُوا](6)، كَمَا قَالَ اللَّهُ [تَعَالَى] (7) :{وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ} ، [سُورَةُ الْأَعْرَافِ: 157] ، وَقَدْ «أَخْبَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى
(1) ن، م: بِهِ كِلَاهُمَا.
(2)
ن، م: وَخَيْرُ الْقُرُونِ الْأَوَّلُ.
(3)
م: عَلِيًّا عليه السلام.
(4)
كَانَتْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(5)
ن: ثَبْتِهَا، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
(6)
كَانُوا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(7)
تَعَالَى: لَيْسَتْ فِي (ن) .
افْتَرَقَتْ عَلَى اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ» (1) فَرِقَّةً فِيهَا وَاحِدَةٌ نَاجِيَةٌ (2) ، وَهَذِهِ الْأُمَّةُ عَلَى مُوجَبِ مَا ذُكِرَ (3) لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ بَعْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ [صلى الله عليه وسلم](4) أُمَّةٌ تَقُومُ بِالْحَقِّ (5) وَلَا تَعْدِلُ بِهِ.
وَإِذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِي خِيَارِ قُرُونِهِمْ، فَفِيمَا بَعْدَ ذَلِكَ أَوْلَى. فَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى بَعْدَ النَّسْخِ وَالتَّبْدِيلِ خَيْرًا مِنْ خَيْرِ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ، فَهَذَا لَازِمٌ لِمَا يَقُولُهُ هَؤُلَاءِ الْمُفْتَرُونَ.
فَإِنْ كَانَ هَذَا فِي حِكَايَتِهِ لَمَا جَرَى عَقِبَ مَوْتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
(1) أ، ب: عَلَى أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ.
(2)
الْحَدِيثَ - مَعَ اخْتِلَافٍ فِي اللَّفْظِ - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، وَمُعَاوِيَةَ، وَغَيْرِهِمْ مِنَ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4/276 (كِتَابُ السُّنَّةِ، بَابُ شَرْحِ السُّنَّةِ) وَهُوَ فِيهَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَمُعَاوِيَةَ ; سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 4/134 - 135 (كِتَابُ الْإِيمَانِ بَابُ افْتِرَاقِ هَذِهِ الْأُمَّةِ) وَهُوَ فِيهَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: " وَفِي الْبَابِ عَنْ سَعْدٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، وَعَوْفِ بْنِ مَالِكٍ. حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَسَنٌ صَحِيحٌ " ; سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 2/1321 - 1322 (كِتَابُ الْفِتَنِ بَابُ افْتِرَاقِ الْأُمَّةِ) وَهُوَ فِيهَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَوْفِ بْنِ مَالِكٍ، وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ; الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 17/169 " عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ " وَقَالَ الْمُحَقِّقُ:" وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ " 3/120 - 145 (ط. الْحَلَبِيِّ) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ 4/102 (ط. الْحَلَبِيِّ) عَنْ مُعَاوِيَةَ. وَنَصُّ الْحَدِيثِ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ " افْتَرَقَتِ الْيَهُودُ عَلَى إِحْدَى أَوْ ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً وَتَفَرَّقَتِ النَّصَارَى عَلَى إِحْدَى أَوْ ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً " وَفِي رِوَايَةِ مُعَاوِيَةَ زَادَ: " ثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ وَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ وَهِيَ الْجَمَاعَةُ ".
(3)
أ، ب: مَا ذَكَرُوهُ ; م: مَا ذَكَرْتُمْ.
(4)
ن، م: بَعْدَ مَوْتِ نَبِيِّهِمْ.
(5)
ن: تَقُولُ بِالْحَقِّ.