الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْكَمَالِ، كَمَا قَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ الْمُصَنَّفِ فِي تَفْسِيرِ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) .
[عود إلى الكلام على لفظ الجسم]
وَأَمَّا لَفْظُ " الْجِسْمِ "(2) فَإِنَّ الْجِسْمَ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ كَمَا ذَكَرَهُ الْأَصْمَعِيُّ وَأَبُو زَيْدٍ وَغَيْرُهُمَا هُوَ الْجَسَدُ وَالْبَدَنُ (3)، وَقَالَ تَعَالَى:{وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ} [سُورَةُ الْمُنَافِقُونَ: 4]، وَقَالَ تَعَالَى {وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 247] ، فَهُوَ يَدُلُّ فِي اللُّغَةِ عَلَى مَعْنَى الْكَثَافَةِ وَالْغِلَظِ كَلَفْظِ الْجَسَدِ، ثُمَّ قَدْ يُرَادُ بِهِ نَفْسُ الْغَلِيظِ، وَقَدْ يُرَادُ بِهِ غِلَظُهُ، فَيُقَالُ: لِهَذَا الثَّوْبِ جِسْمٌ أَيْ غِلَظٌ وَكَثَافَةٌ، وَيُقَالُ: هَذَا أَجْسَمُ مِنْ هَذَا أَيْ أَغْلَظُ وَأَكْثَفُ. (4) ثُمَّ صَارَ لَفْظُ " الْجِسْمِ " فِي اصْطِلَاحِ أَهْلِ الْكَلَامِ أَعَمَّ مِنْ ذَلِكَ، فَيُسَمُّونَ الْهَوَاءَ وَغَيْرَهُ مِنَ الْأُمُورِ اللَّطِيفَةِ (5) جِسْمًا، وَإِنْ كَانَتِ الْعَرَبُ لَا تُسَمِّي هَذَا جِسْمًا، وَبَيْنَهُمْ نِزَاعٌ فِيمَا يُسَمَّى جِسْمًا: هَلْ هُوَ مُرَكَّبٌ مِنَ الْجَوَاهِرِ الْمُنْفَرِدَةِ الَّتِي لَا يَتَمَيَّزُ مِنْهَا شَيْءٌ عَنْ شَيْءٍ: إِمَّا جَوَاهِرُ مُتَنَاهِيَةٌ (6 كَمَا يَقُولُهُ أَكْثَرُ الْقَائِلِينَ بِالْجَوْهَرِ الْفَرْدِ، وَإِمَّا غَيْرُ مُتَنَاهِيَةٍ 6)(6) كَمَا يَقُولُهُ (7)
(1) ع: فِي تَفْسِيرِ (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ) وَالْمَقْصُودُ هُنَا كِتَابُ " تَفْسِيرِ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ " وَسَبَقَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ 2/140 (ت [0 - 9] ) .
(2)
سَبَقَ كَلَامُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ عَنْ مَعَانِي الْجِسْمِ 2/134 وَمَا بَعْدَهَا، 2/198 وَمَا بَعْدَهَا.
(3)
فِي " الصِّحَاحِ " لِلْجَوْهَرِيِّ: " قَالَ أَبُو زَيْدٍ: الْجِسْمُ: الْجَسَدُ، وَكَذَلِكَ الْجُسْمَانُ وَالْجُثْمَانُ. وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ: الْجِسْمُ وَالْجُسْمَانُ الْجَسَدُ وَالْجُثْمَانُ الشَّخْصُ ".
(4)
فِي اللِّسَانِ: " وَرَجُلٌ جُسْمَانِيٌّ وَجُثْمَانِيٌّ إِذَا كَانَ ضَخْمَ الْجُثَّةِ. . وَقَدْ جَسُمَ الشَّيْءُ أَيْ عَظُمَ. . وَالْأَجْسَمُ الْأَضْخَمُ.
(5)
ع: مِنَ الْأُمُورِ اللَّفْظِيَّةِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
(6)
: (6 - 6) سَاقِطٌ مِنْ (ب) ، (أ) .
(7)
ت، أ: كَمَا يَقُولُ.
: النَّظَّامُ (1) ، وَالْتَزَمَ الطَّفْرَةَ الْمَعْرُوفَةَ بِطَفْرَةِ النَّظَّامِ (2) ، أَوْ هُوَ مُرَكَّبٌ مِنَ الْمَادَّةِ وَالصُّورَةِ كَمَا يَقُولُهُ مَنْ يَقُولُهُ مِنَ الْمُتَفَلْسِفَةِ، أَوْ لَيْسَ مُرَكَّبًا لَا مِنْ هَذَا وَلَا مِنْ هَذَا كَمَا يَقُولُهُ أَكْثَرُ النَّاسِ، وَهُوَ قَوْلُ الْهِشَامِيَّةِ وَالْكُلَّابِيَّةِ (3) وَالنَّجَّارِيَّةِ وَالضِّرَارِيَّةِ وَكَثِيرٍ مِنَ الْكَرَّامِيَّةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ، وَكَثِيرٌ مِنَ الْكُتُبِ لَيْسَ فِيهَا إِلَّا الْقَوْلَانِ الْأَوَّلَانِ.
وَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَيْسَ مُرَكَّبًا لَا مِنْ هَذَا وَلَا مِنْ هَذَا، كَمَا قَدْ بُسِطَ فِي مَوْضِعِهِ.
وَيَنْبَنِي عَلَى هَذَا أَنَّ مَا يُحْدِثُهُ اللَّهُ مِنَ الْحَيَوَانِ (4) وَالنَّبَاتِ وَالْمَعَادِنِ فَإِنَّهَا أَعْيَانٌ يَخْلُقُهَا اللَّهُ تَعَالَى عَلَى قَوْلِ نُفَاةِ الْجَوْهَرِ الْفَرْدِ، وَعَلَى قَوْلِ
(1) سَبَقَ الْكَلَامَ عَنِ النَّظَّامِ 1/404. وَتَكَلَّمَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ مِنْ قَبْلُ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ عَنِ الْجَوَاهِرِ الْفَرْدَةِ أَوِ الْأَجْزَاءِ الَّتِي لَا تَتَجَزَّأُ وَنَاقَشَ أَقْوَالَ مُثْبِتِيهَا وَنُفَاتِهَا. انْظُرْ مَثَلًا: 1/414، 2/134 - 139، 208 - 209.
(2)
أَدَّى إِنْكَارُ النَّظَّامِ لِلْجَوَاهِرِ الْفَرْدَةِ وَقَوْلُهُ بِأَنَّهَا تَتَجَزَّأُ إِلَى مَا لَا نِهَايَةَ إِلَى قَوْلِهِ بِالطَّفْرَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ خُصُومَهُ اعْتَرَضُوا عَلَيْهِ بِقَوْلِهِمْ: إِذَا مَشَتْ نَمْلَةٌ عَلَى صَخْرَةٍ مِنْ طَرَفٍ إِلَى طَرَفٍ فَإِنَّهَا تَكُونُ قَدْ قَطَعَتْ مَا لَا يَتَنَاهَى، فَكَيْفَ يَقْطَعُ مَا يَتَنَاهَى مَا لَا يَتَنَاهَى؟ فَقَالَ النَّظَّامُ إِنَّ النَّمْلَةَ تَقْطَعُ بَعْضَ الصَّخْرَةِ بِالْمَشْيِ وَبَعْضَهَا بِالطَّفْرَةِ، أَيْ إِنَّهَا تَنْتَقِلُ مِنَ الْمَكَانِ الْأَوَّلِ إِلَى الثَّانِي سَيْرًا ثُمَّ تَطْفِرُ مِنَ الْمَكَانِ الثَّانِي إِلَى الرَّابِعِ أَوِ الْخَامِسِ. وَانْظُرِ: الْمَقَالَاتِ لِلْأَشْعَرِيِّ 2/18 - 19 ; الْمِلَلَ وَالنِّحَلَ 1/57 - 58 ; الْفَرْقَ بَيْنَ الْفِرَقِ، ص [0 - 9] 5 ; التَّبْصِيرَ فِي الدِّينِ، ص 43، الدُّكْتُورَ مُحَمَّد عَبْد الْهَادِي أَبُو رِيدَةَ: إِبْرَاهِيمَ بْنَ سَيَّارٍ النَّظَّامَ ; ص 129 - 131.
(3)
بَعْدَ كَلِمَةِ " وَالْكُلَّابِيَّةِ " فِي (ع) : وَالنَّصْرِيَّةِ، وَرَجَّحْتُ أَنْ تَكُونَ زِيَادَةً مِنَ النَّاسِخِ، وَانْظُرْ مَا سَبَقَ 2/137.
(4)
ب، أ: الْحَيَوَانَاتِ.
مُثْبِتِيهِ (1) إِنَّمَا يُحْدِثُ أَعْرَاضًا وَصِفَاتٍ (2) ، وَإِلَّا فَالْجَوَاهِرُ بَاقِيَةٌ وَلَكِنِ اخْتَلَفَ تَرْكِيبُهَا، وَيَنْبَنِي عَلَى ذَلِكَ الِاسْتِحَالَةُ.
فَمُثْبِتَةُ الْجَوْهَرِ الْفَرْدِ يَقُولُونَ: لَا تَسْتَحِيلُ حَقِيقَةٌ إِلَى حَقِيقَةٍ أُخْرَى، وَلَا تَنْقَلِبُ الْأَجْنَاسُ، بَلِ الْجَوَاهِرُ يُغَيِّرُ اللَّهُ عز وجل تَرْكِيبَهَا وَهِيَ بَاقِيَةٌ، وَالْأَكْثَرُونَ يَقُولُونَ بِاسْتِحَالَةِ بَعْضِ الْأَجْسَامِ إِلَى بَعْضٍ، وَانْقِلَابِ جِنْسٍ إِلَى جِنْسٍ، وَحَقِيقَةٍ إِلَى حَقِيقَةٍ، كَمَا تَنْقَلِبُ النُّطْفَةُ إِلَى عَلَقَةٍ، وَالْعَلَقَةُ (إِلَى)(3) مُضْغَةٍ، وَالْمُضْغَةُ عِظَامًا، وَكَمَا يَنْقَلِبُ الطِّينُ الَّذِي خَلَقَ (اللَّهُ)(4) مِنْهُ آدَمَ لَحْمًا وَدَمًا وَعِظَامًا، وَكَمَا تَنْقَلِبُ الْمَادَّةُ الَّتِي تُخْلَقُ مِنْهَا الْفَاكِهَةُ ثَمَرًا (5) وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَهَذَا قَوْلُ الْفُقَهَاءِ وَالْأَطِبَّاءِ وَأَكْثَرِ الْعُقَلَاءِ.
وَكَذَلِكَ يَنْبَنِي عَلَى هَذَا تَمَاثُلُ الْأَجْسَامِ، فَأُولَئِكَ يَقُولُونَ: الْأَجْسَامُ مُرَكَّبَةٌ مِنَ الْجَوَاهِرِ، وَهِيَ مُتَمَاثِلَةٌ، فَالْأَجْسَامُ مُتَمَاثِلَةٌ. وَالْأَكْثَرُونَ يَقُولُونَ: بَلِ الْأَجْسَامُ مُخْتَلِفَةُ الْحَقَائِقِ، وَلَيْسَتْ حَقِيقَةُ التُّرَابِ حَقِيقَةَ النَّارِ، وَلَا حَقِيقَةُ النَّارِ حَقِيقَةَ الْهَوَاءِ. وَهَذِهِ الْمَسَائِلُ مَسَائِلُ عَقْلِيَّةٌ لِبَسْطِهَا مَوْضِعٌ آخَرُ، وَالْمَقْصُودُ هُنَا بَيَانُ مَنْشَأِ النِّزَاعِ فِي مُسَمَّى الْجِسْمِ.
وَالنُّظَّارُ كُلُّهُمْ مُتَّفِقُونَ (6) - فِيمَا أَعْلَمُ - عَلَى أَنَّ الْجِسْمَ يُشَارُ إِلَيْهِ، وَإِنِ اخْتَلَفُوا فِي كَوْنِهِ مُرَكَّبًا مِنَ الْأَجْزَاءِ الْمُنْفَرِدَةِ، أَوْ مِنَ الْمَادَّةِ وَالصُّورَةِ، أَوْ لَا مِنْ هَذَا وَلَا مِنْ هَذَا.
(1) ب، أ: مُثْبِتَتِهِ.
(2)
ع، أ: وَصِفَاتًا.
(3)
مَا بَيْنَ الْقَوْسَيْنِ فِي (ع) فَقَطْ.
(4)
مَا بَيْنَ الْقَوْسَيْنِ فِي (ع) فَقَطْ.
(5)
ب، أ: تَمْرًا.
(6)
أ: يَخْتَلِفُونَ.