الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النُّبُوَّةِ مَا يَسْتَلْزِمُ هَذَا وَقَوْلُ الْقَائِلِ: لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَمْ تَحْصُلْ ثِقَةٌ فِيمَا يُبَلِّغُونَهُ عَنِ اللَّهِ كَذِبٌ صَرِيحٌ فَإِنَّ مَنْ آمَنَ وَتَابَ حَتَّى ظَهَرَ فَضْلُهُ وَصَلَاحُهُ وَنَبَّأَهُ اللَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ كَمَا نَبَّأَ إِخْوَةَ يُوسُفَ وَنَبَّأَ لُوطًا وَشُعَيْبًا وَغَيْرَهُمَا وَأَيَّدَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِمَا يَدُلُّ عَلَى نُبُوَّتِهِ فَإِنَّهُ يُوثَقُ فِيمَا يُبَلِّغُهُ كَمَا يُوثَقُ بِمَنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ وَقَدْ تَكُونُ الثِّقَةُ بِهِ أَعْظُمَ إِذَا كَانَ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَالتَّوْبَةِ قَدْ صَارَ أَفْضَلَ مِنْ غَيْرِهِ وَاللَّهُ تَعَالَى قَدْ أَخْبَرَ أَنَّهُ يُبَدِّلُ السَّيِّئَاتِ بِالْحَسَنَاتِ لِلتَّائِبِ كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الصَّحَابَةَ رضي الله عنهم مِنْ عَهْدِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم وَقَبْلَ أَنْ يَصْدُرَ مِنْهُمْ مَا يَدَّعُونَهُ مِنَ الْأَحْدَاثِ كَانُوا مِنْ خِيَارِ الْخَلْقِ وَكَانُوا أَفْضَلَ مِنْ أَوْلَادِهِمُ الَّذِينَ وُلِدُوا بَعْدَ الْإِسْلَامِ.
[الوجه الثالث التوبة بعد الذنب ترفع الدرجات]
ثُمَّ يُقَالُ: وَأَيْضًا، فَجُمْهُورُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْبِرِّ وَالتَّقْوَى مُتَّصِفًا بِصِفَاتِ الْكَمَالِ، وَوُجُوبُ بَعْضِ الذُّنُوبِ أَحْيَانًا مَعَ التَّوْبَةِ الْمَاحِيَةِ الرَّافِعَةِ لِدَرَجَتِهِ إِلَى أَفْضَلِ مِمَّا كَانَ عَلَيْهِ لَا يُنَافِي ذَلِكَ] (1) . وَأَيْضًا، فَوُجُوبُ (2) كَوْنِ النَّبِيِّ لَا يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ فَيَنَالُ مَحَبَّةَ اللَّهِ وَفَرَحَهُ بِتَوْبَتِهِ وَتَرْتَفِعُ دَرَجَتُهُ بِذَلِكَ وَيَكُونُ بَعْدَ التَّوْبَةِ الَّتِي يُحِبُّهُ اللَّهُ مِنْهُ خَيْرًا مِمَّا كَانَ قَبْلَهَا فَهَذَا مَعَ مَا فِيهِ مِنَ التَّكْذِيبِ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ غَضَّ مِنْ مَنَاصِبِ الْأَنْبِيَاءِ وَسَلَبَهُمْ هَذِهِ الدَّرَجَةَ وَمَنَعَ إِحْسَانَ اللَّهِ إِلَيْهِمْ وَتَفَضُّلَهُ عَلَيْهِمْ بِالرَّحْمَةِ وَالْمَغْفِرَةِ (3) .
(1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ فِي (ع) فَقَطْ.
(2)
ب، ا: وَأَيْضًا فَوَجَبَ ; ن، م: وَأَمَّا وُجُوبُ.
(3)
ع، ن، م: بِالْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ.
وَمَنِ اعْتَقَدَ أَنَّ كُلَّ مَنْ لَمْ يَكْفُرْ وَلَمْ يُذْنِبْ أَفْضَلُ مِنْ كُلِّ مَنْ آمَنَ بَعْدَ كُفْرِهِ وَتَابَ بَعْدَ ذَنْبِهِ (1) فَهُوَ مُخَالِفٌ مَا عُلِمَ بِالِاضْطِرَارِ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ، فَإِنَّهُ مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الصَّحَابَةَ الَّذِينَ آمَنُوا بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ كُفْرِهِمْ وَهَدَاهُمُ اللَّهُ بِهِ (2) بَعْدَ ضَلَالِهِمْ، وَتَابُوا إِلَى اللَّهِ بَعْدَ ذُنُوبِهِمْ أَفْضَلُ مِنْ أَوْلَادِهِمُ الَّذِينَ وُلِدُوا (3) عَلَى الْإِسْلَامِ. وَهَلْ يُشَبِّهُ بَنِي الْأَنْصَارِ بِالْأَنْصَارِ، أَوْ بَنِي (4) الْمُهَاجِرِينَ بِالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا مَنْ لَا عِلْمَ لَهُ؟ وَأَيْنَ الْمُنْتَقِلُ بِنَفْسِهِ (5) مِنَ السَّيِّئَاتِ إِلَى الْحَسَنَاتِ بِنَظَرِهِ وَاسْتِدْلَالِهِ وَصَبْرِهِ (6) وَاجْتِهَادِهِ وَمُفَارَقَتِهِ عَادَاتِهِ [وَمُعَادَاتِهِ] (7) لِأَوْلِيَائِهِ (8) [وَمُوَالَاتِهِ لِأَعْدَائِهِ] (9) إِلَى آخَرَ لَمْ (10) يَحْصُلْ لَهُ (11) مِثْلُ هَذِهِ الْحَالِ؟ وَقَدْ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه: إِنَّمَا تُنْقَضُ عُرَى الْإِسْلَامِ عُرْوَةً عُرْوَةً إِذَا نَشَأَ فِي الْإِسْلَامِ مَنْ لَمْ يَعْرِفِ الْجَاهِلِيَّةَ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا - يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا - إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [سُورَةُ الْفُرْقَانِ: 68 - 70] .
(1) ب، ا: أَوْ تَابَ بَعْدَ ذَنْبٍ.
(2)
بِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) ، (م) .
(3)
ع: فِي.
(4)
ن: بَنُو الْأَنْصَارِ الْأَنْصَارَ أَوْ بَنُو ; م: بَنُو الْأَنْصَارِ بِالْأَنْصَارِ وَبَنُو.
(5)
بِنَفْسِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) .
(6)
ن: وَاصْطِبَارِهِ.
(7)
وَمُعَادَاتِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) .
(8)
ب، ا، ن: لِأَصْدِقَائِهِ.
(9)
مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ فِي (ع) فَقَطْ.
(10)
ب، ا: مَا.
(11)
ن، م: مِنْهُ.
وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ (1) عَنْ أَبِي ذَرٍّ [رضي الله عنه](2) قَالَ: [قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «إِنِّي لَأَعْلَمُ آخِرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولًا الْجَنَّةَ، وَآخِرَ أَهْلِ النَّارِ خُرُوجًا مِنْهَا رَجُلٌ يُؤْتَى بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُقَالُ (3) : اعْرِضُوا عَلَيْهِ صِغَارَ ذُنُوبِهِ (4) وَارْفَعُوا عَنْهُ كِبَارَهَا، فَتُعْرَضُ عَلَيْهِ (5) صِغَارَ ذُنُوبِهِ فَيُقَالُ: عَمِلْتَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا كَذَا وَكَذَا (6) ، وَعَمِلْتَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا كَذَا وَكَذَا (7) ، فَيَقُولُ: نَعَمْ: لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُنْكِرَ، وَهُوَ مُشْفِقٌ مِنْ كِبَارِ ذُنُوبِهِ أَنْ تُعْرَضَ عَلَيْهِ. فَيُقَالُ لَهُ: فَإِنَّ (8) لَكَ مَكَانَ كُلِّ سَيِّئَةٍ حَسَنَةً. فَيَقُولُ: يَا رَبِّ (9) قَدْ عَمِلْتُ أَشْيَاءَ لَا أَرَاهَا هَاهُنَا " فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ] » (10) .
(1) مُسْلِمٍ 1/177 (كِتَابُ الْإِيمَانِ، بَابُ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً فِيهَا) . وَالْحَدِيثُ - مَعَ اخْتِلَافٍ يَسِيرٍ فِي الْأَلْفَاظِ - بِنَفْسِ السَّنَدِ فِي: سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 4/112 - 113 (كِتَابُ صِفَةِ جَهَنَّمَ، بَابُ مَا جَاءَ أَنَّ لِلنَّارِ نَفْسَيْنِ وَمَا ذَكَرَ مَنْ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مِنْ أَهْلِ التَّوْحِيدِ) .
(2)
رضي الله عنه: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) .
(3)
ع: فَيُقَالُ لَهُ، وَ " لَهُ " لَيْسَتْ فِي مُسْلِمٍ.
(4)
ع: سَيِّئَاتِهِ. وَالْمُثْبَتُ فِي (ب) ، (أ) ; وَهُوَ الَّذِي فِي مُسْلِمٍ.
(5)
ع: فَيَعْرِضُ اللَّهُ عَلَيْهِ ; وَالْمُثْبَتُ هُوَ الَّذِي فِي مُسْلِمٍ.
(6)
ع: يَوْمَ كَذَا كَذَا وَكَذَا.
(7)
ع: يَوْمَ كَذَا كَذَا وَكَذَا.
(8)
ع: إِنَّ.
(9)
ع: أَيْ رَبِّ.
(10)
نَصُّ الْحَدِيثِ بِأَكْمَلِهِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) وَبَعْضُ كَلِمَاتِهِ سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) .
فَأَيْنَ مَنْ يُبَدِّلُ [اللَّهُ] سَيِّئَاتِهِ (1) حَسَنَاتٍ إِلَى مَنْ لَمْ تَحْصُلْ لَهُ تِلْكَ الْحَسَنَاتُ (2) ؟ وَلَا رَيْبَ أَنَّ السَّيِّئَاتِ لَا يُؤْمَرُ بِهَا، وَلَيْسَ لِلْعَبْدِ أَنْ يَفْعَلَهَا لِيَقْصِدَ بِذَلِكَ التَّوْبَةَ مِنْهَا، فَإِنَّ هَذَا مِثْلُ مَنْ يُرِيدُ أَنْ يُحَرِّكَ الْعَدُوَّ عَلَيْهِ لِيَغْلِبَهُمْ بِالْجِهَادِ، أَوْ يُثِيرَ (3) الْأَسَدَ عَلَيْهِ لِيَقْتُلَهُ، وَلَعَلَّ الْعَدُوَّ يَغْلِبُهُ وَالْأَسَدَ يَفْتَرِسُهُ، بَلْ مِثْلُ (4) مَنْ يُرِيدُ أَنْ يَأْكُلَ السُّمَّ ثُمَّ يَشْرَبُ التِّرْيَاقَ وَهَذَا جَهْلٌ، بَلْ إِذَا قَدَرَ مَنِ ابْتُلِيَ بِالْعَدُوِّ فَغَلَبَهُ كَانَ أَفْضَلَ مِمَّنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ، وَكَذَلِكَ مَنْ صَادَفَهُ الْأَسَدُ وَكَذَلِكَ مَنِ اتَّفَقَ أَنْ شَرِبَ (5) السُّمَّ فَسُقِيَ تِرْيَاقًا [فَارُوقًا](6) يَمْنَعُ [نُفُوذَ] سَائِرِ السُّمُومِ فِيهِ (7) كَانَ بَدَنُهُ أَصَحَّ مِنْ بَدْنِ مَنْ لَمْ يَشْرَبْ ذَلِكَ التِّرْيَاقَ. وَالذُّنُوبُ إِنَّمَا تَضُرُّ أَصْحَابَهَا إِذَا لَمْ يَتُوبُوا مِنْهَا، وَالْجُمْهُورُ الَّذِينَ يَقُولُونَ بِجَوَازِ الصَّغَائِرِ عَلَيْهِمْ. [يَقُولُونَ](8) إِنَّهُمْ مَعْصُومُونَ مِنَ الْإِقْرَارِ عَلَيْهَا.
وَحِينَئِذٍ فَمَا وَصَفُوهُمْ (9) إِلَّا بِمَا فِيهِ كَمَالُهُمْ، فَإِنَّ الْأَعْمَالَ بِالْخَوَاتِيمِ،
(1) ب، ا، ن، م: فَأَيْنَ مَنْ تُبَدَّلُ سَيِّئَاتُهُ.
(2)
ن، م: إِلَى مَنْ لَا حَسَنَةَ لَهُ
(3)
ن، م: يَنْفِرَ.
(4)
ب: بَلْ كَمَنْ ; أ: بَلْ كَانَ مَنْ (وَهُوَ تَحْرِيفٌ) .
(5)
ع: وَكَذَلِكَ مَنْ شَرِبَ ; ب: وَكَذَا مَنِ اتَّفَقَ أَنَّهُ شَرِبَ ; أ: وَكَذَلِكَ مَنِ اتَّفَقَ أَنْ يَشْرَبَ.
(6)
فَارُوقًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) . وَفِي (أ) . فَسُقِيَ تِرْيَاقًا دُوقًا (وَهُوَ تَحْرِيفٌ) . وَفِي (ن) الْعِبَارَةُ مُضْطَرِبَةٌ هَكَذَا: فَارْوِ فَامْتَنَعَ. وَفِي (م) : فَسُقِيَ تِرْيَاقًا فَارُوقًا فَامْتَنَعَ. وَفِي الْقَامُوسِ: وَالتِّرْيَاقُ الْفَارُوقُ أَحْمَدُ التَّرَايِيقِ وَأَجَّلُ الْمَرْكَبَاتِ لِأَنَّهُ يُفَرِّقُ بَيْنَ الْمَرَضِ وَالصِّحَّةِ.
(7)
ع: يَمْنَعُ نُفُوذَ سَائِرِ السُّمِّ إِلَيْهِ ; ن، م: فَامْتَنَعَ سَائِرُ السُّمُومِ إِلَيْهِ.
(8)
يَقُولُونَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) .
(9)
ع: فَمَا وَصَفَهُمْ.