الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يُخَاطِبُهُ كَمَا يُخَاطِبُ النَّائِمُ، وَفِي الْعَمَلِيَّةِ بِحَيْثُ يُؤَثِّرُ فِي الْعُنْصُرِيَّاتِ تَأْثِيرًا غَرِيبًا - كَانَ نَبِيًّا عِنْدَهُمْ (1)". . وَهُمْ لَا يُثْبِتُونَ مَلَكًا مُفَضَّلًا يَأْتِي بِالْوَحْيِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا مَلَائِكَةً (2) . بَلْ وَلَا جِنًّا يَخْرُقُ اللَّهُ بِهِمُ الْعَادَاتِ لِلْأَنْبِيَاءِ، إِلَّا قُوَى النَّفْسِ (3) ". . وَقَوْلُ هَؤُلَاءِ، وَإِنْ كَانَ شَرًّا مِنْ أَقْوَالِ كُفَّارِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَهُوَ أَبْعَدُ الْأَقْوَالِ عَمَّا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ، فَقَدْ وَقَعَ فِيهِ كَثِيرٌ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ الَّذِينَ لَمْ يُشْرِقْ عَلَيْهِمْ نُورُ النُّبُوَّةِ مِنَ الْمُدَّعِينَ لِلنَّظَرِ الْعَقْلِيِّ وَالْكَشْفِ الْخَيَالِيِّ الصُّوفِيِّ وَإِنْ كَانَ غَايَةَ هَؤُلَاءِ الْأَقْيِسَةُ الْفَاسِدَةُ وَالشَّكُّ، وَغَايَةَ هَؤُلَاءِ الْخَيَالَاتُ الْفَاسِدَةُ وَالشَّطْحُ.
[الأنبياء هم أفضل الخلق]
وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ (4) .: - وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتُهَا وَكَثِيرٌ مِنَ النُّظَّارِ - أَنَّ اللَّهَ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَاتِهِ، فَالنَّبِيُّ يَخْتَصُّ بِصِفَاتٍ مَيَّزَهُ اللَّهُ بِهَا عَلَى غَيْرِهِ وَفِي عَقْلِهِ وَدِينِهِ، وَاسْتَعَدَّ بِهَا لِأَنْ يَخُصَّهُ اللَّهُ بِفَضْلِهِ وَرَحْمَتِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى:{وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ - أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ}
(1) جُمْلَةُ " كَانَ نَبِيًّا عِنْدَهُمْ " جَوَابٌ لِقَوْلِهِ " وَمَنْ كَانَ مُتَمَيِّزًا
(2)
فِي الْأَصْلِ: وَلَا مَلَائِكَتَهُ
(3)
فِي أَعْلَى هَذِهِ الصَّفْحَةِ مِنَ الْأَصْلِ كُتِبَ مَا يَلِي: " قِفْ عَلَى اشْتِرَاطِ النُّبُوَّةِ عِنْدَ الْحُكَمَاءِ الْمَشَّائِيِينَ، وَإِلَّا فَالطَّبِيعِيُّونَ وَالتَّنَاسُخِيَّةُ وَالْبَرَاهِمَةُ - وَهُمْ حُكَمَاءُ الْهِنْدِ - يُنْكِرُونَ أَصْلَ النُّبُوَّةِ
(4)
الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ السَّابِقَةُ هِيَ: قَوْلُ الْجَهْمِيَّةِ وَالْأَشَاعِرَةِ، وَقَوْلُ الْقَدَرِيَّةِ الْمُعْتَزِلَةِ وَالشِّيعَةِ، وَقَوْلُ الْفَلَاسِفَةِ وَمُتَفَلْسِفَةِ الصُّوفِيَّةِ
[سُورَةُ الزُّخْرُفِ: 31، 32]، وَقَالَ تَعَالَى:{مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 105]، وَقَالَ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ الْأَنْبِيَاءَ بِقَوْلِهِ:{وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ - وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ - وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ - وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 84 - 87] فَأَخْبَرَ أَنَّهُ اجْتَبَاهُمْ وَهَدَاهُمْ.
وَالْأَنْبِيَاءُ أَفْضَلُ الْخَلْقِ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ، وَبَعْدَهُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ وَالصَّالِحُونَ فَلَوْلَا وُجُوبُ كَوْنِهِمْ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ، الَّذِينَ هُمْ فَوْقَ أَصْحَابِ الْيَمِينِ، لَكَانَ الصِّدِّيقُونَ أَفْضَلَ مِنْهُمْ، أَوْ مِنْ بَعْضِهِمْ.
وَاللَّهُ تَعَالَى قَدْ جَعَلَ خَلْقَهُ ثَلَاثَةَ أَصْنَافٍ، فَقَالَ تَعَالَى: فِي تَقْسِيمِهِمْ فِي الْآخِرَةِ: {وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً - فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ - وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ - وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ - أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ - فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ} [سُورَةُ الْوَاقِعَةِ: 7 - 12]، وَقَالَ فِي تَقْسِيمِهِمْ عِنْدَ الْمَوْتِ:{فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ - فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ - وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ - فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ - وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ - فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ - وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ} [سُورَةُ الْوَاقِعَةِ: 88 - 94] وَكَذَلِكَ ذَكَرَ فِي سُورَةِ الْإِنْسَانِ وَالْمُطَفِّفِينَ هَذِهِ الْأَصْنَافَ الثَّلَاثَةَ.
وَالْأَنْبِيَاءُ أَفْضَلُ الْخَلْقِ، وَهُمْ (أَصْحَابُ)(1) ، السِّيَاقُ يَقْتَضِي إِثْبَاتَهَا. الدَّرَجَاتِ الْعُلَى فِي الْآخِرَةِ، فَيَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ مِنَ الْفُجَّارِ بَلْ وَلَا يَكُونُ مِنْ عُمُومِ أَصْحَابِ الْيَمِينِ بَلْ مِنْ أَفْضَلِ السَّابِقِينَ الْمُقَرَّبِينَ، فَإِنَّهُمْ أَفْضَلُ مِنْ عُمُومِ الصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ، وَإِنْ كَانَ النَّبِيُّ أَيْضًا يُوصَفُ بِأَنَّهُ صِدِّيقٌ وَصَالِحٌ وَقَدْ يَكُونُ شَهِيدًا، لَكِنَّ ذَاكَ أَمْرٌ يَخْتَصُّ بِهِمْ لَا يَشْرَكُهُمْ فِيهِ مَنْ لَيْسَ بِنَبِيٍّ، كَمَا قَالَ عَنِ الْخَلِيلِ:{وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ} [سُورَةُ الْعَنْكَبُوتِ: 27]، وَقَالَ يُوسُفُ:{تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} [سُورَةُ يُوسُفَ: 101] .
فَهَذَا مِمَّا يُوجِبُ تَنْزِيهَ الْأَنْبِيَاءِ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْفُجَّارِ وَالْفُسَّاقِ، وَعَلَى هَذَا إِجْمَاعُ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَجَمَاهِيرِهَا.
وَأَمَّا مَنْ جَوَّزَ أَنْ يَكُونَ غَيْرُ النَّبِيِّ أَفْضَلَ مِنْهُ فَهُوَ مِنْ أَقْوَالِ بَعْضِ مَلَاحِدَةِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ غُلَاةِ الشِّيعَةِ وَالصُّوفِيَّةِ وَالْمُتَفَلْسِفَةِ وَنَحْوِهِمْ.
وَمَا يُحْكَى عَنِ (2) . أَنَّهُمْ جَوَّزُوا الْكُفْرَ عَلَى النَّبِيِّ، فَهَذَا بِطَرِيقِ اللَّازِمِ لَهُمْ لِأَنَّ كُلَّ مَعْصِيَةٍ عِنْدَهُمْ كُفْرٌ، وَقَدْ جَوَّزُوا الْمَعَاصِيَ عَلَى النَّبِيِّ، وَهَذَا يَقْتَضِي فَسَادَ قَوْلِهِمْ بِأَنَّ كُلَّ مَعْصِيَةٍ كُفْرٌ
(1) أَصْحَابُ: سَاقِطَةٌ مِنَ الْأَصْلِ
(2)
الْفَضْلِيَّةِ مِنَ الْخَوَارِجِ الْفَضْلِيَّةُ فِرْقَةٌ مِنَ الْخَوَارِجِ ذَكَرَهُمُ ابْنُ حَزْمٍ فِي الْفِصَلِ 5/54 - وَسَمَّاهُمُ الْفُضَيْلِيَّةَ - فَقَالَ: " وَقَالَتِ الْفُضَيْلِيَّةُ مِنَ الصُّفْرِيَّةِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يَعْتَقِدْ ذَلِكَ بِقَلْبِهِ بَلِ اعْتَقَدَ الْكُفْرَ أَوِ الدَّهْرِيَّةَ أَوِ الْيَهُودِيَّةَ أَوِ النَّصْرَانِيَّةَ فَهُوَ مُسْلِمٌ عِنْدَ اللَّهِ مُؤْمِنٌ وَلَا يَضُرُّهُ إِذَا قَالَ الْحَقَّ بِلِسَانِهِ مَا اعْتَقَدَ بِقَلْبِهِ ". وَذَكَرَهُمُ الْأَشْعَرِيُّ فِي الْمَقَالَاتِ 1/183 وَسَمَّاهُمْ " الْفَضْلِيَّةَ " وَذَكَرَ عَنْهُمْ قَوْلًا قَرِيبًا مِنْ قَوْلِ ابْنِ حَزْمٍ. وَذَكَرَ الشَّهْرَسْتَانِيُّ (الْمِلَلِ وَالنِّحَلِ 1/124) مِنْ رِجَالِ الْخَوَارِجِ: الْفَضْلُ بْنُ عِيسَى الرَّقَاشِيُّ
وَقَوْلِهِمْ بِجَوَازِ الْمَعَاصِي عَلَيْهِمْ، وَإِلَّا فَلَمْ يَلْتَزِمُوا أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ كَافِرًا، وَلَازِمُ الْمَذْهَبِ لَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَذْهَبًا.
وَطَوَائِفُ أَهْلِ الْكَلَامِ الَّذِينَ يُجَوِّزُونَ بَعْثَةَ كُلِّ مُكَلَّفٍ، مِنَ الْجَهْمِيَّةِ وَالْأَشْعَرِيَّةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ مِنْ أَتْبَاعِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ كَالْقَاضِي أَبِي يَعْلَى وَابْنِ عَقِيلٍ وَغَيْرِهِمْ، مُتَّفِقُونَ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ أَفْضَلُ الْخَلْقِ، وَأَنَّ النَّبِيَّ لَا يَكُونُ فَاجِرًا. لَكِنْ يَقُولُونَ: هَذَا لَمْ يُعْلَمْ بِالْعَقْلِ بَلْ عُلِمَ بِالسَّمْعِ، بِنَاءً عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَصْلِهِمْ مِنْ أَنَّ اللَّهَ يَجُوزُ أَنْ يَفْعَلَ كُلَّ مُمْكِنٍ.
وَأَمَّا الْجُمْهُورُ الَّذِينَ يُثْبِتُونَ الْحِكْمَةَ وَالْأَسْبَابَ فَيَقُولُونَ: نَحْنُ نَعْلَمُ بِمَا عَلِمْنَاهُ مِنْ حِكْمَةِ اللَّهِ أَنَّهُ لَا يَبْعَثُ نَبِيًّا فَاجِرًا وَأَنَّ مَا يَنْزِلُ عَلَى الْبَرِّ الصَّادِقِ لَا يَكُونُ إِلَّا مَلَائِكَةً، لَا تَكُونُ شَيَاطِينَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:{وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ - نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ - عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ} - إِلَى قَوْلِهِ - {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ - تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ - يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ - وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ - أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ - وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ} [سُورَةُ الشُّعَرَاءِ: 192 - 226] .
فَهَذَا مِمَّا بَيَّنَ اللَّهُ بِهِ الْفَرْقَ بَيْنَ الْكَاهِنِ وَالنَّبِيِّ وَبَيْنَ الشَّاعِرِ وَالنَّبِيِّ، لَمَّا زَعَمَ الْمُفْتَرُونَ أَنَّ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم شَاعِرٌ وَكَاهِنٌ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ رضي الله عنها «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا أَتَاهُ الْوَحْيُ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ وَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ قَبْلَ أَنْ يَسْتَيْقِنَ أَنَّهُ مَلَكٌ قَالَ لِخَدِيجَةَ:" لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي ". قَالَتْ: كَلَّا، وَاللَّهِ لَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ، وَتَحْمِلُ
الْكَلَّ، وَتُقْرِي الضَّيْفَ، وَتُكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتُعِينَ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ» (1)) . . فَاسْتَدَلَّتْ رضي الله عنها بِحُسْنِ عَقْلِهَا عَلَى أَنَّ مَنْ يَكُونُ اللَّهُ قَدْ خَلَقَهُ بِهَذِهِ الْأَخْلَاقِ الْكَرِيمَةِ، الَّتِي هِيَ مِنْ أَعْظَمِ صِفَاتِ الْأَبْرَارِ الْمَمْدُوحِينَ، أَنَّهُ لَا يَجْزِيهِ فَيُفْسِدُ الشَّيْطَانُ عَقْلَهُ وَدِينَهُ، وَلَمْ يَكُنْ مَعَهَا قَبْلَ ذَلِكَ وَحَيٌّ تَعْلَمُ بِهِ انْتِفَاءَ ذَلِكَ، بَلْ عَلِمَتْهُ بِمُجَرَّدِ عَقْلِهَا الرَّاجِحِ.
وَكَذَلِكَ لَمَّا ادَّعَى النُّبُوَّةَ مَنِ ادَّعَاهَا مِنَ الْكَذَّابِينَ، مِثْلُ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ وَالْعَنْسِيِّ وَغَيْرِهِمَا، مَعَ مَا كَانَ يُشْتَبَهُ مِنْ أَمْرِهِمْ، لِمَا كَانَ يَنْزِلُ عَلَيْهِمْ مِنَ الشَّيَاطِينِ وَيُوحُونَ إِلَيْهِمْ، حَتَّى يَظُنَّ الْجَاهِلُ أَنَّ هَذَا مِنْ جِنْسِ مَا يَنْزِلُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ وَيُوحَى إِلَيْهِمْ، فَكَانَ مَا يَبْلُغُ الْعُقَلَاءَ وَمَا يَرَوْنَهُ (2) . مِنْ سِيرَتِهِمْ وَالْكَذِبِ الْفَاحِشِ وَالظُّلْمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ يُبِينُ لَهُمْ أَنَّهُ لَيْسَ بِنَبِيٍّ، إِذْ قَدْ عَلِمُوا أَنَّ النَّبِيَّ لَا يَكُونُ كَاذِبًا وَلَا فَاجِرًا.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ «عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا قَالَ لَهُ ذُو الْخُوَيْصِرَةِ: اعْدِلْ يَا مُحَمَّدُ، فَإِنَّكَ لَمْ تَعْدِلْ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: " لَقَدْ خِبْتَ وَخَسِرْتَ إِنْ لَمْ أَعْدِلْ، أَلَا تَأْمَنُونِي وَأَنَا أَمِينُ مَنْ فِي السَّمَاءِ» " (3) ، وَالرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ بِالْفَتْحِ أَيْ أَنْتَ خَاسِرٌ خَائِبٌ إِنْ لَمْ
(1) هَذَا جُزْءٌ مِنْ حَدِيثِ بَدْءِ الْوَحْيِ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها فِي: الْبُخَارِيِّ 1/3 - 4 (كِتَابُ بَدْءِ الْوَحْيِ، بَابُ كَيْفَ كَانَ بَدْءُ الْوَحْيِ) ، 6/173 - 174 (كِتَابُ التَّفْسِيرِ، سُورَةُ اقْرَأْ) ; مُسْلِمٍ 1/139 - 143 (كِتَابُ الْإِيمَانِ، بَابُ بَدْءِ الْوَحْيِ
(2)
فِي الْأَصْلِ: وَمَا يَرَوْهُ
(3)
هَذَا جُزْءٌ مِنْ حَدِيثٍ طَوِيلٍ عَنِ الْخَوَارِجِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فِي: الْبُخَارِيِّ 4/200 (كِتَابُ الْمَنَاقِبِ، بَابُ عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ) ; مُسْلِمٍ 2/743 - 744 (كِتَابُ الزَّكَاةِ، بَابُ ذِكْرِ الْخَوَارِجِ وَصِفَاتِهِمْ) ; سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4/335 - 337 (كِتَابُ السُّنَّةِ، بَابٌ فِي قِتَالِ الْخَوَارِجِ) . وَأَوَّلُ الْحَدِيثِ فِي الْبُخَارِيِّ: وَيْلَكَ وَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَعْدِلْ قَدْ خِبْتَ وَخَسِرْتَ إِنْ لَمْ أَكُنْ أَعْدِلُ ". وَانْظُرْ: دَرْءَ تَعَارُضِ الْعَقْلِ وَالنَّقْلِ 7/180 - 181.
أَعْدِلْ إِنْ ظَنَنْتَ أَنِّي ظَالِمٌ مَعَ اعْتِقَادِكَ أَنِّي نَبِيٌّ، فَإِنَّكَ تُجَوِّزُ أَنْ يَكُونَ الرَّسُولُ الَّذِي آمَنْتَ بِهِ ظَالِمًا، وَهَذَا خَيْبَةٌ وَخُسْرَانٌ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُنَافِي النُّبُوَّةَ وَيَقْدَحُ فِيهَا.
وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 161]، وَفِيهِ قِرَاءَتَانِ: يَغُلَّ وَيُغَلَّ، أَيْ يُنْسَبُ إِلَى الْغُلُولِ، بَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ مَا لِأَحَدٍ أَنْ يَنْسُبَهُ إِلَى الْغُلُولِ، كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَغُلَّ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ لَا يَكُونُ غَالًّا.
وَدَلَائِلُ هَذَا الْأَصْلِ عَظِيمَةٌ، لَكِنْ مَعَ وُقُوعِ الذَّنْبِ الَّذِي هُوَ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ ذَنْبٌ - وَقَدْ لَا يَكُونُ ذَنْبًا مِنْ غَيْرِهِ مَعَ تَعَقُّبِهِ بِالتَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ لَا يَقْدَحُ فِي كَوْنِ الرَّجُلِ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ السَّابِقِينَ وَلَا الْأَبْرَارِ، وَلَا يَلْحَقُهُ بِذَلِكَ وَعِيدٌ فِي الْآخِرَةِ، فَضْلًا عَنْ أَنْ يَجْعَلَهُ مِنَ الْفُجَّارِ.
وَقَدْ قَالَ تَعَالَى فِي عُمُومِ وَصْفِ الْمُؤْمِنِينَ: {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى - الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ} [سُورَةُ النَّجْمِ: 31، 32] . وَقَالَ: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ - الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ - وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ - أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 133 - 136] .
وَقَالَ تَعَالَى: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ - لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ - لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ} [سُورَةُ الزُّمَرِ: 33 - 35] . وَقَالَ: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ - أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ} [سُورَةُ الْأَحْقَافِ: 15، 16] .
وَقَدْ قَالَ فِي قِصَّةِ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام: {فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [سُورَةُ الْعَنْكَبُوتِ: 26]، وَقَالَ فِي قِصَّةِ شُعَيْبٍ عليه السلام:{قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَاشُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ - قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ} [سُورَةُ الْأَعْرَافِ: 88، 89]، وَقَالَ فِي سُورَةِ إِبْرَاهِيمَ:{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ} [سُورَةُ إِبْرَاهِيمَ: 13] .
وَقَدْ ذَمَّ اللَّهُ تَعَالَى وَتَبَارَكَ فِرْعَوْنَ بِكَوْنِهِ رَفَعَ نُبُوَّةَ مُوسَى بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَتْلِهِ
نَفْسًا بِغَيْرِ حَقٍّ فَقَالَ: {أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ - وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ - قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ - فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ} [سُورَةُ الشُّعَرَاءِ: 18 - 21]، وَكَانَ مُوسَى صلى الله عليه وسلم قَدْ تَابَ مِنْ ذَلِكَ كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَغَفَرَ لَهُ بِقَوْلِهِ:{فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ - قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [سُورَةُ الْقَصَصِ: 15، 16] .
فَإِنْ قِيلَ: فَإِذَا كَانَ قَدْ غَفَرَ لَهُ فَلِمَاذَا يَمْتَنِعُونَ مِنَ الشَّفَاعَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِأَجْلِ مَا بَدَا مِنْهُمْ (1) .، فَيَقُولُ آدَمُ إِذَا طُلِبَتْ مِنْهُ الشَّفَاعَةُ: إِنِّي نُهِيتُ عَنْ أَكْلِ الشَّجَرَةِ وَأَكَلْتُ مِنْهَا، نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى نُوحٍ، فَيَأْتُونَ نُوحًا (2) . فَيَقُولُ: إِنِّي دَعَوْتُ عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ دَعْوَةً لَمْ أُومَرْ بِهَا، وَالْخَلِيلُ يَذْكُرُ تَعْرِيضَاتِهِ الثَّلَاثَ الَّتِي سَمَّاهَا كَذِبًا وَكَانَتْ تَعْرِيضًا، وَمُوسَى يَذْكُرُ قَتْلَ النَّفْسِ (3) . .
(1) فِي الْأَصْلِ: لِأَجْلِ لِمَا بَدَا مِنْهُمْ، وَالصَّوَابُ مَا أَثْبَتُّهُ
(2)
فِي الْأَصْلِ بَعْدَ كَلِمَةِ " نُوحٍ " تُوجَدُ إِشَارَةٌ إِلَى الْهَامِشِ حَيْثُ تُوجَدُ كَلِمَتَانِ لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُمَا فِي الْمُصَوَّرَةِ إِلَّا: نُوحًا، وَأَثْبَتُّ مَا فِي حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ
(3)
رَوَى ابْنُ تَيْمِيَّةَ الْحَدِيثَ بِمَعْنَاهُ، وَهُوَ جُزْءٌ مِنْ حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ الَّذِي أَشَرْتُ إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ (ص 401 ت 9) عَلَى أَنَّ أَقْرَبَ الرِّوَايَاتِ إِلَى الْمَذْكُورَةِ هُنَا هِيَ رِوَايَةُ الْبُخَارِيِّ 6/84 - 85 (كِتَابُ التَّفْسِيرِ، سُورَةُ بَنِي إِسْرَائِيلَ، بَابُ ذُرِّيَّةِ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ) ; مُسْلِمٍ 1/180 - 187 (كِتَابُ الْإِيمَانِ، بَابُ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه وَفِيهَا (الْبُخَارِيِّ 6/84) : " فَيَقُولُ آدَمُ: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإِنَّهُ نَهَانِي عَنِ الشَّجَرَةِ فَعَصَيْتُهُ، نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى نُوحٍ، فَيَأْتُونَ نُوحًا فَيَقُولُونَ: يَا نُوحُ إِنَّكَ أَوَّلُ الرُّسُلِ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ وَقَدْ سَمَّاكَ اللَّهُ عَبْدًا شَكُورًا، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، أَلَا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ، فَيَقُولُ: إِنَّ رَبِّي عز وجل قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإِنَّهُ قَدْ كَانَتْ لِي دَعْوَةٌ دَعَوْتُهَا عَلَى قَوْمِي، نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى إِبْرَاهِيمَ ; فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ فَيَقُولُونَ: يَا إِبْرَاهِيمُ أَنْتَ نَبِيُّ اللَّهِ وَخَلِيلُهُ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، أَلَا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ فَيَقُولُ لَهُمْ: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإِنِّي قَدْ كُنْتُ كَذَبْتُ ثَلَاثَ كِذْبَاتٍ - فَذَكَرَهُنَّ أَبُو حَيَّانَ فِي الْحَدِيثِ - نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى مُوسَى ; فَيَأْتُونَ مُوسَى فَيَقُولُونَ: يَا مُوسَى أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ فَضَّلَكَ اللَّهُ بِرِسَالَتِهِ وَبِكَلَامِهِ عَلَى النَّاسِ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، أَلَا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ، فَيَقُولُ: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإِنِّي قَدْ قَتَلْتُ نَفْسًا لَمْ أُومَرْ بِقَتْلِهَا، نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى عِيسَى ; فَيَأْتُونَ عِيسَى فَيَقُولُونَ: يَا عِيسَى أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ وَكَلَّمْتَ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا، اشْفَعْ لَنَا، أَلَا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ، فَيَقُولُ عِيسَى: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ - وَلَمْ يَذْكُرْ ذَنْبًا - نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم ; فَيَأْتُونَ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم، فَيَقُولُونَ: يَا مُحَمَّدُ، أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ وَخَاتَمُ الْأَنْبِيَاءِ وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، أَلَا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ، فَأَنْطَلِقُ فَآتِي تَحْتَ الْعَرْشِ فَأَقَعُ سَاجِدًا لِرَبِّي عز وجل ; ثُمَّ يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَيَّ مِنْ مَحَامِدِهِ وَحُسْنِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ شَيْئًا لَمْ يَفْتَحْهُ عَلَى أَحَدٍ قَبْلِي، ثُمَّ يُقَالُ يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ، سَلْ تُعْطَهْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَأَرْفَعُ رَأْسِي فَأَقُولُ: أُمَّتِي يَا رَبِّ أُمَّتِي يَا رَبِّ. . الْحَدِيثَ. . "
قِيلَ: هَذَا مِنْ كَمَالِ فَضْلِهِمْ وَخَوْفِهِمْ وَعُبُودِيَّتِهِمْ وَتَوَاضُعِهِمْ، فَإِنَّ مِنْ فَوَائِدِ مَا يُتَابُ (1) . مِنْهُ أَنَّهُ يُكَمِّلُ عُبُودِيَّةَ الْعَبْدِ وَيَزِيدُهُ خَوْفًا وَخُضُوعًا فَيَرْفَعُ اللَّهُ بِذَلِكَ دَرَجَتَهُ، وَهَذَا الِامْتِنَاعُ مِمَّا يَرْفَعُ اللَّهُ بِهِ دَرَجَاتِهِمْ، وَحِكْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى فِي ذَلِكَ أَنْ تَصِيرَ الشَّفَاعَةُ لِمَنْ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ.
(1) فِي الْأَصْلِ: مَا يُثَابُ
وَلِهَذَا كَانَ مِمَّنِ امْتَنَعَ وَلَمْ يَذْكُرْ ذَنْبًا الْمَسِيحُ، وَإِبْرَاهِيمُ أَفْضَلُ مِنْهُ وَقَدْ ذَكَرَ ذَنْبًا، وَلَكِنْ قَالَ الْمَسِيحُ: لَسْتُ هُنَاكُمُ اذْهَبُوا إِلَى عَبْدٍ غَفَرَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ. وَتَأَخَّرَ الْمَسِيحُ عَنِ الْمَقَامِ الْمَحْمُودِ الَّذِي خُصَّ بِهِ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم هُوَ مِنْ فَضَائِلِ الْمَسِيحِ وَمِمَّا يُقَرِّبُهُ إِلَى اللَّهِ. صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ.
فَعُلِمَ أَنَّ تَأَخُّرَهُمْ عَنِ الشَّفَاعَةِ لَمْ يَكُنْ لِنَقْصِ دَرَجَاتِهِمْ عَمَّا كَانُوا عَلَيْهِ، بَلْ لِمَا عَلِمُوهُ مِنْ عَظَمَةِ الْمَقَامِ الْمَحْمُودِ الَّذِي يَسْتِدْعِي مِنْ كَمَالِ مَغْفِرَةِ اللَّهِ لِلْعَبْدِ، وَكَمَالِ عُبُودِيَّةِ الْعَبْدِ لِلَّهِ مَا اخْتَصَّ بِهِ مَنْ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، وَلِهَذَا قَالَ الْمَسِيحُ: اذْهَبُوا إِلَى مُحَمَّدٍ عَبْدًا غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، فَإِنَّهُ إِذَا غَفَرَ لَهُ مَا تَأَخَّرَ لَمْ يَخَفْ أَنْ يُلَامَ إِذَا ذَهَبَ إِلَى رَبِّهِ لِيَشْفَعَ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَشْفَعْ إِلَّا بَعْدَ الْإِذْنِ، بَلْ إِذَا سَجَدَ وَحَمِدَ رَبَّهُ بِمَحَامِدَ يَفْتَحُهَا عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ يُحْسِنُهَا قَبْلَ ذَلِكَ، فَيُقَالُ لَهُ:«أَيْ مُحَمَّدُ: ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَقُلْ يُسْمَعْ، وَسَلْ تُعْطَهْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ» ، وَهَذَا كُلُّهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا.
وَأَمَّا مَنْ (قِيلَ لَهُ)(1) . تَقَدَّمَ وَلَمْ يُعْرَفْ أَنَّهُ غُفِرَ لَهُ مَا تَأَخَّرَ فَيَخَافُ أَنْ يَكُونَ ذَهَابُهُ إِلَى الشَّفَاعَةِ - قَبْلَ أَنْ يُؤْذَنَ لَهُ فِي الشَّفَاعَةِ - ذَنْبًا، فَتَأَخَّرَ لِكَمَالِ خَوْفِهِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَيَقُولُ أَنَا قَدْ أَذْنَبْتُ وَمَا غُفِرَ لِي فَأَخَافَ أَنْ أُذْنِبَ ذَنْبًا (2) . آخَرَ ; فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ
(1) فِي الْأَصْلِ تُوجَدُ إِشَارَةٌ إِلَى الْهَامِشِ قَبْلَ كَلِمَةِ " تَقَدَّمَ " وَلَمْ يَظْهَرِ الْكَلَامُ السَّاقِطُ فِي الْمُصَوَّرَةِ، وَمَا أَثْبَتُّهُ يَصْلُحُ بِهِ الْكَلَامُ
(2)
ذَنْبًا: غَيْرُ مَوْجُودَةٍ فِي الْأَصْلِ وَالسِّيَاقُ يَقْتَضِيهَا
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «الْمُؤْمِنُ لَا يُلْدَغُ مِنْ جُحْرٍ مَرَّتَيْنِ» "(1) \ 70. .
وَمِنْ مَعَانِي ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُؤْتَى مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ، فَإِذَا ذَاقَ الذَّائِقُ مَا فِي الذَّنْبِ مِنَ الْأَلَمِ وَزَالَ عَنْهُ خَافَ أَنْ يُذْنِبَ ذَنْبًا آخَرَ فَيَحْصُلَ لَهُ مِثْلُ ذَلِكَ الْأَلَمِ، وَهَذَا كَمَنْ مَرِضَ مِنْ أَكْلَةٍ ثُمَّ عُوفِيَ، فَإِذَا دُعِيَ إِلَى أَكْلِ شَيْءٍ خَافَ أَنْ يَكُونَ مِثْلَ ذَلِكَ الْأَوَّلِ لَمْ يَأْكُلْهُ، يَقُولُ قَدْ أَصَابَنِي بِتِلْكَ الْأَكْلَةِ مَا أَصَابَنِي فَأَخَافُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ مِثْلَ تِلْكَ، وَلِبَسْطِ هَذِهِ الْأُمُورِ مَوْضِعٌ آخَرُ.
وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ الَّذِينَ (2) ادَّعَوُا الْعِصْمَةَ مِمَّا يُتَابُ مِنْهُ عُمْدَتُهُمْ أَنَّهُ لَوْ صَدَرَ مِنْهُمُ الذَّنْبُ لَكَانُوا أَقَلَّ دَرَجَةً مِنْ عُصَاةِ الْأُمَّةِ، لِأَنَّ دَرَجَتَهُمْ أَعْلَى فَالذَّنْبُ مِنْهُمْ أَقْبَحُ، وَأَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ فَاسِقًا فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ، وَأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَسْتَحِقُّ الْعُقُوبَةَ فَلَا يَكُونُ إِيذَاؤُهُ مُحَرَّمًا، وَأَذَى الرَّسُولِ مُحَرَّمٌ بِالنَّصِّ، وَأَنَّهُ يَجِبُ الِاقْتِدَاءُ بِهِمْ وَلَا يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ بِأَحَدٍ فِي ذَنْبٍ.
وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْعُقُوبَةَ وَنَقْصَ الدَّرَجَةِ إِنَّمَا يَكُونُ مَعَ عَدَمِ التَّوْبَةِ، وَهُمْ مَعْصُومُونَ مِنَ الْإِصْرَارِ بِلَا رَيْبٍ.
وَأَيْضًا، فَهَذَا إِنَّمَا يَتَأَتَّى فِي بَعْضِ الْكَبَائِرِ دُونَ الصَّغِيرَةِ (3) .، وَجُمْهُورُ
(1) قَالَ السُّيُوطِيُّ فِي: الْجَامِعِ الصَّغِيرِ " عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ إِنَّهُ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَهُوَ عَنْهُ رضي الله عنه فِي: الْبُخَارِيِّ 8/31 (كِتَابُ الْأَدَبِ، بَابُ لَا يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ. . إِلَخْ) ; مُسْلِمٍ 4/2295 (كِتَابُ الزُّهْدِ وَالرِّقَاقِ، بَابُ لَا يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ. . إِلَخْ) ; سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 367 \ - 368 (كِتَابُ الْأَدَبِ، بَابُ الْحَذَرِ مِنَ النَّاسِ) ; سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 2/2318 (كِتَابُ الْفِتَنِ ; بَابُ الْعُزْلَةِ) ; الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 17
(2)
فِي الْأَصْلِ: الَّذِي
(3)
دُونَ الصَّغِيرَةِ: الْمَقْصُودُ دُونَ الذُّنُوبِ الصَّغِيرَةِ
الْمُسْلِمِينَ عَلَى تَنْزِيهِهِمْ مِنَ الْكَبَائِرِ لَا سِيَّمَا الْفَوَاحِشُ، وَمَا ذَكَرَ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ نَبِيٍّ كَبِيرَةً فَضْلًا عَنِ الْفَاحِشَةِ، بَلْ ذَكَرَ فِي قِصَّةِ يُوسُفَ مَا يُبَيِّنُ أَنَّهُ يَصْرِفُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ عَنْ عِبَادِهِ الْمُخْلِصِينَ ; وَإِنَّمَا يُقْتَدَى بِهِمْ فِيمَا أُقِرُّوا عَلَيْهِ وَلَمْ يُنْهَوْا عَنْهُ.
وَأَيْضًا، فَالذُّنُوبُ أَجْنَاسٌ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ مِنْهُمْ كُلُّ جِنْسٍ، بَلِ الْكَذِبُ لَا يَجُوزُ مِنْهُمْ بِحَالٍ أَصْلًا، فَإِنَّ ذَلِكَ يُنَافِي مُطْلَقَ الصِّدْقِ، وَلِهَذَا تُرَدُّ شَهَادَةُ الشَّاهِدِ لِلْكِذْبَةِ الْوَاحِدَةِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ كَبِيرَةً فِي أَحَدِ قَوْلَيِ الْعُلَمَاءِ، وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ. وَلَوْ تَابَ شَاهِدُ الزُّورِ مِنَ الْكَذِبِ هَلْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ؟ فِيهِ قَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ، وَالْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ. وَكَذَلِكَ مَنْ كَذَبَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيثٍ وَاحِدٍ ثُمَّ تَابَ مِنْهُ لَمْ تُقْبَلْ رِوَايَتُهُ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِمْ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ حَسْمًا لِلْمَادَّةِ، لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَكُونَ أَظْهَرَ التَّوْبَةَ لِيُقْبَلَ حَدِيثُهُ.
فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَصْدُرَ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تَعَمُّدُ الْكَذِبِ أَلْبَتَّةَ، سَوَاءٌ كَانَ صَغِيرَةً، أَوْ كَبِيرَةً، بَلْ قَدْ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:" «مَا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ أَنْ تَكُونَ لَهُ خَائِنَةُ الْأَعْيُنِ» "(1) . . وَأَمَّا قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
(1) رَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ 3/79 (كِتَابُ الْجِهَادِ، بَابُ قَتْلِ الْأَسِيرِ وَلَا يُعْرَضُ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ) عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ فَتْحِ مَكَّةَ أَمَّنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم النَّاسَ إِلَّا أَرْبَعَةَ نَفَرٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَسَمَّاهُمْ وَابْنَ أَبِي سَرْحٍ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ. قَالَ: وَأَمَّا ابْنُ أَبِي سَرْحٍ فَإِنَّهُ اخْتَبَأَ عِنْدَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَلَمَّا دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم النَّاسَ إِلَى الْبَيْعَةِ جَاءَ بِهِ حَتَّى أَوْقَفَهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ: بَايِعْ عَبْدَ اللَّهِ ; فَرَفَعَ رَأْسَهُ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ ثَلَاثًا: كُلُّ ذَلِكَ يَأْبَى، فَبَايَعَهُ بَعْدَ ثَلَاثٍ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ:" أَمَا كَانَ فِيكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ يَقُومُ إِلَى هَذَا حَيْثُ رَآنِي كَفَفْتُ يَدِي عَنْ بَيْعَتِهِ فَيَقْتُلُهُ؟ " فَقَالُوا: مَا نَدْرِي يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا فِي نَفْسِكَ، أَلَا أَوْمَأْتَ إِلَيْنَا بِعَيْنِكَ. قَالَ:" إِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ أَنْ تَكُونَ لَهُ خَائِنَةُ الْأَعْيُنِ ". وَالْحَدِيثُ أَيْضًا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4/183 (كِتَابُ الْحُدُودِ، بَابُ الْحُكْمِ فِيمَنِ ارْتَدَّ) ، سُنَنِ النَّسَائِيِّ 7/97 - 98 (كِتَابُ تَحْرِيمِ الدَّمِ، بَابُ الْحُكْمِ فِي الْمُرْتَدِّ) . وَانْظُرِ الْخَبَرَ فِي سِيرَةِ ابْنِ هِشَامٍ 4/52
وَسَلَّمَ -: " «لَمْ يَكْذِبْ إِبْرَاهِيمُ إِلَّا ثَلَاثَ كِذْبَاتٍ كُلُّهُنَّ فِي ذَاتِ اللَّهِ» (1) . " فَتِلْكَ كَانَتْ مَعَارِيضَ (2) ". فَكَانَ مَأْمُورًا بِهَا، وَكَانَتْ مِنْهُ طَاعَةً لِلَّهِ، وَالْمَعَارِيضُ قَدْ تُسَمَّى كَذِبًا لِكَوْنِهِ أَفْهَمَ خِلَافَ مَا فِي نَفْسِهِ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أُمِّ كُلْثُومٍ قَالَتْ: «لَمْ أَسْمَعِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يُرَخِّصُ فِيمَا يَقُولُ النَّاسُ إِنَّهُ كَذِبٌ إِلَّا فِي ثَلَاثٍ: حَدِيثُ الرَّجُلِ لِامْرَأَتِهِ، وَإِصْلَاحُهُ بَيْنَ النَّاسِ، وَفِي الْحَرْبِ» (3)) . .
(1) الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: الْبُخَارِيِّ 4/140 - 140 (كِتَابُ الْأَنْبِيَاءِ، بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا) ، 6/84 - 85 (كِتَابُ التَّفْسِيرِ، سُورَةُ بَنِي إِسْرَائِيلَ) ; مُسْلِمٍ 4/1840 - 1841 (كِتَابُ الْفَضَائِلِ، بَابُ مِنْ فَضَائِلِ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ. .) وَنَصُّ الْحَدِيثِ (وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " لَمْ يَكْذِبْ إِبْرَاهِيمُ النَّبِيُّ عليه السلام قَطُّ إِلَّا ثَلَاثَ كِذْبَاتٍ: ثِنْتَيْنِ فِي ذَاتِ اللَّهِ: قَوْلُهُ: إِنِّي سَقِيمٌ، وَقَوْلُهُ: بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا، وَوَاحِدَةٌ فِي شَأْنِ سَارَّةَ فَإِنَّهُ قَدِمَ أَرْضَ جَبَّارٍ وَمَعَهُ سَارَّةُ وَكَانَتْ أَحْسَنَ النَّاسِ فَقَالَ لَهَا: إِنَّ هَذَا الْجَبَّارَ إِنْ يَعْلَمْ أَنَّكِ امْرَأَتِي يَغْلِبْنِي عَلَيْكِ فَإِنْ سَأَلَكِ فَأَخْبِرِيهِ أَنَّكِ أُخْتِي فَإِنَّكِ أُخْتِي فِي الْإِسْلَامِ. . الْحَدِيثَ. وَهُوَ أَيْضًا فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 2/355 - 356 (كِتَابُ الطَّلَاقِ، بَابُ فِي الرَّجُلِ يَقُولُ لِامْرَأَتِهِ: يَا أُخْتِي) ; سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 5/4 (كِتَابُ التَّفْسِيرِ، سُورَةُ الْأَنْبِيَاءِ) ; الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 18/35 - 36
(2)
فِي اللِّسَانِ: " الْمَعَارِيضُ: التَّوْرِيَةُ بِالشَّيْءِ عَنِ الشَّيْءِ. . جَمْعُ مِعْرَاضٍ: مِنَ التَّعْرِيضِ
(3)
الْحَدِيثُ مَرْوِيٌّ بِأَلْفَاظٍ مُتَقَارِبَةٍ عَنْ أُمِّ كُلْثُومٍ بِنْتِ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ رضي الله عنها فِي: مُسْلِمٍ 4/2011 - 2012 (كِتَابُ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ وَالْآدَابِ، بَابُ تَحْرِيمِ الْكَذِبِ وَبَيَانِ مَا يُبَاحُ مِنْهُ) ; سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4/385 - 386 (كِتَابُ الْأَدَبِ، بَابُ فِي إِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ) ; سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 3/222 - 223 (أَبْوَابُ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ ; بَابُ فِي مَا جَاءَ فِي إِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ) ; الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 6/403 - 404. وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ قِطْعَةً مِنَ الْحَدِيثِ 3/183 (كِتَابُ الصُّلْحِ، بَابُ لَيْسَ الْكَاذِبُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ
قَالَتْ: فِيمَا (1) . يَقُولُ النَّاسُ إِنَّهُ كَذِبٌ، وَهُوَ الْمَعَارِيضُ.
وَأَمَّا مَا تَقَوَّلَهُ الرَّافِضَةُ مِنْ أَنَّ النَّبِيَّ قَبْلَ النُّبُوَّةِ وَبَعْدَهَا لَا يَقَعُ مِنْهُ خَطَأٌ وَلَا ذَنْبٌ صَغِيرٌ، وَكَذَلِكَ الْأَئِمَّةُ، فَهَذَا مِمَّا انْفَرَدُوا بِهِ عَنْ فِرَقِ الْأُمَّةِ كُلِّهَا، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ السَّلَفِ.
وَمِنْ مَقْصُودِهِمْ بِذَلِكَ الْقَدْحُ فِي إِمَامَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رضي الله عنهما لِكَوْنِهِمَا أَسْلَمَا بَعْدَ الْكُفْرِ، وَيَدَّعُونَ أَنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه لَمْ يَزَلْ مُؤْمِنًا، وَأَنَّهُ لَمْ يُخْطِ قَطُّ وَلَمْ يُذْنِبْ قَطُّ، وَكَذَلِكَ تَمَامُ الِاثْنَيْ عَشَرَ.
وَهَذَا مِمَّا يُظْهِرُ كَذِبَهُمْ وَضَلَالَهُمْ فِيهِ لِكُلِّ ذِي عَقْلٍ يَعْرِفُ أَحْوَالَهُمْ، وَلِهَذَا كَانُوا هُمْ أَغْلَى الطَّوَائِفِ فِي ذَلِكَ وَأَبْعَدَهُمْ عَنِ الْعَقْلِ وَالسَّمْعِ.
وَنُكْتَةُ أَمْرِهِمْ أَنَّهُمْ ظَنُّوا وُقُوعَ ذَلِكَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَئِمَّةِ نَقْصًا، وَأَنَّ ذَلِكَ يَجِبُ تَنْزِيهُهُمْ عَنْهُ، وَهُمْ مُخْطِئُونَ إِمَّا فِي هَذِهِ الْمُقَدِّمَةِ، وَإِمَّا فِي هَذِهِ الْمُقَدِّمَةِ.
أَمَّا الْمُقَدِّمَةُ الْأُولَى فَلَيْسَ مَنْ تَابَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَأَنَابَ إِلَيْهِ بِحَيْثُ صَارَ بَعْدَ التَّوْبَةِ أَعْلَى دَرَجَةً مِمَّا كَانَ قَبْلَهَا مَنْقُوصًا وَلَا مَغْضُوضًا مِنْهُ، بَلْ هَذَا مُفَضَّلٌ عَظِيمٌ مُكَرَّمٌ، وَبِهَذَا يَنْحَلُّ جَمِيعُ مَا يُورِدُونَهُ مِنَ الشُّبَهِ.
وَإِذَا عُرِفَ أَنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ يَكُونُ الرَّجُلُ مِنْهُمْ قَدْ أَسْلَمَ بَعْدَ كُفْرِهِ وَآمَنَ بَعْدَ نِفَاقِهِ وَأَطَاعَ بَعْدَ مَعْصِيَتِهِ، كَمَا كَانَ أَفْضَلُ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ - وَهُمُ السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ - يُبَيِّنُ صِحَّةَ هَذَا الْأَصْلِ.
(1) فِي الْأَصْلِ: فَمَا، وَبَعْدَهَا إِشَارَةُ الْهَامِشِ، وَلَمْ يَظْهَرِ التَّصْوِيبُ فِي الْمُصَوَّرَةِ. وَرَجَّحْتُ أَنْ يَكُونَ الصَّوَابُ مَا أَثْبَتَهُ وَهُوَ الَّذِي وَرَدَ قَبْلَ ذَلِكَ بِقَلِيلٍ، أَوْ يَكُونُ: مِمَّا، وَهُوَ الَّذِي وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ فِي مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ
وَالْإِنْسَانُ يَنْتَقِلُ مِنْ نَقْصٍ إِلَى كَمَالٍ، فَلَا يُنْظَرُ إِلَى نَقْصِ الْبِدَايَةِ، وَلَكِنْ يُنْظَرُ إِلَى كَمَالِ النِّهَايَةِ، فَلَا يُعَابُ الْإِنْسَانُ بِكَوْنِهِ كَانَ نُطْفَةً ثُمَّ صَارَ عَلَقَةً ثُمَّ صَارَ مُضْغَةً، إِذَا كَانَ اللَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ خَلَقَهُ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ. وَمَنْ نَظَرَ إِلَى مَا كَانَ فَهُوَ مِنْ جِنْسِ إِبْلِيسَ الَّذِي قَالَ:{أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [سُورَةُ ص: 76]، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى:{إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ - فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} [سُورَةُ ص: 71، 72] ، فَأَمَرَهُمْ بِالسُّجُودِ لَهُ إِكْرَامًا لِمَا شَرَّفَهُ اللَّهُ بِنَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ مَخْلُوقًا مِنْ طِينٍ، وَالْمَلَائِكَةُ مَخْلُوقُونَ مِنْ نُورٍ، وَإِبْلِيسُ مَخْلُوقٌ مِنْ نَارٍ، كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" «خَلَقَ اللَّهُ الْمَلَائِكَةَ مِنْ نُورٍ، وَخَلَقَ إِبْلِيسَ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ، وَخَلَقَ آدَمَ مِمَّا وَصَفَ لَكُمْ» "(1) . .
وَكَذَلِكَ التَّوْبَةُ بَعْدَ السَّيِّئَاتِ ; قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 222] . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ أَنَّهُ قَالَ: " «لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ رَجُلٍ أَضَلَّ رَاحِلَتَهُ بِأَرْضٍ دَوِيَّةٍ مُهْلِكَةٍ عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ فَقَالَ تَحْتَ شَجَرَةٍ يَنْتَظِرُ الْمَوْتَ، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ إِذَا بِدَابَّتِهِ عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَكَيْفَ تَجِدُونَ فَرَحَهُ بِهَا؟ قَالُوا: عَظِيمًا يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ هَذَا بِرَاحِلَتِهِ» "(2) . .
(1) الْحَدِيثُ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها فِي مُسْلِمٍ 4/2294 (كِتَابُ الزُّهْدِ وَالرَّقَائِقِ، بَابٌ فِي أَحَادِيثَ مُتَفَرِّقَةٍ) وَلَفْظُهُ: " قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " خُلِقَتِ الْمَلَائِكَةُ مِنْ نُورٍ، وَخُلِقَ الْجَانُّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ، وَخُلِقَ آدَمُ مِمَّا وُصِفَ لَكُمْ " ; الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 6/153، 168
(2)
الْحَدِيثُ مَرْوِيٌّ مِنْ وُجُوهٍ عِدَّةٍ عَنْ عَدَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَبِأَلْفَاظٍ مُتَقَارِبَةٍ فِي: الْبُخَارِيِّ \ 67 - 68 (كِتَابُ الدَّعَوَاتِ، بَابُ التَّوْبَةِ) ; مُسْلِمٍ 4/2102 - 2105 (كِتَابُ التَّوْبَةِ، بَابٌ فِي الْحَضِّ عَلَى التَّوْبَةِ وَالْفَرَحِ بِهَا) ; سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 4 - 70 (كِتَابُ صِفَةِ الْقِيَامَةِ، بَابُ 15) ; الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 5/225 - 226 (الْأَرْقَامُ: 3627 - 3629) . وَانْظُرْ: جَامِعَ الْأُصُولِ 3/63 - 67
وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: إِنَّ الْعَبْدَ لَيَفْعَلُ الذَّنْبَ فَيَدْخُلُ بِهِ الْجَنَّةَ.
وَإِذَا ابْتَلَى الْعَبْدَ بِالذَّنْبِ، وَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُ سَيَتُوبُ مِنْهُ وَيَتَجَنَّبُهُ، فَفِي ذَلِكَ مِنْ حِكْمَةِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ بِعَبْدِهِ أَنَّ ذَلِكَ يَزِيدُهُ عُبُودِيَّةً وَتَوَاضُعًا وَخُشُوعًا وَذُلًّا وَرَغْبَةً فِي كَثْرَةِ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ وَنَفْرَةً قَوِيَّةً عَنِ السَّيِّئَاتِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" «لَا يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ مَرَّتَيْنِ» "(1) . .
وَذَلِكَ أَيْضًا يَدْفَعُ عَنْهُ الْعُجْبَ وَالْخُيَلَاءَ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا يَعْرِضُ لِلْإِنْسَانِ وَهُوَ أَيْضًا يُوجِبُ الرَّحْمَةَ لِخَلْقِ اللَّهِ وَرَجَاءَ التَّوْبَةِ وَالرَّحْمَةِ لَهُمْ إِذَا أَذْنَبُوا وَتَرْغِيبَهُمْ فِي التَّوْبَةِ.
وَهُوَ أَيْضًا يُبَيِّنُ (2) . مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَإِحْسَانِهِ وَكَرَمِهِ مَا لَا يَحْصُلُ بِدُونِ ذَلِكَ، كَمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:" «لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ ثُمَّ يَسْتَغْفِرُونَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ» "(3) \ 414. .
(1) وَرَدَ الْحَدِيثُ قَبْلَ صَفَحَاتٍ، ص 426
(2)
فِي الْأَصْلِ: يَتَبَيَّنُ، وَالسِّيَاقُ يُرَجِّحُ صَوَابَ مَا أَثْبَتُّ
(3)
الْحَدِيثُ رَوَاهُ بِأَلْفَاظٍ مُتَقَارِبَةٍ: مُسْلِمٌ 4/2105 - 2106 (كِتَابُ التَّوْبَةِ، بَابٌ سُقُوطُ الذَّنْبِ بِالِاسْتِغْفَارِ تَوْبَةً) عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنهما، وَالتِّرْمِذِيِّ فِي سُنَنِهِ 4/79 - 80 (كِتَابُ صِفَةِ الْجَنَّةِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي صِفَةِ الْجَنَّةِ وَنَعِيمِهَا) ، 5/207 - 208 (كِتَابُ الدَّعَوَاتِ، بَابُ 105) ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ (ط. الْمَعَارِفِ) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه 15/218 (رَقْمُ 8068) . وَهُوَ مَرْوِيٌّ بِمَعْنَاهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه 4/217 - 218 (رَقْمُ 2623) ، وَفِي جُزْءٍ مِنْ حَدِيثٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه 15/187 - 191 (رَقْمُ 8030، 8031) وَهُوَ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ رضي الله عنه فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ)
وَهُوَ أَيْضًا يُبَيِّنُ قُوَّةَ حَاجَةِ الْعَبْدِ إِلَى الِاسْتِعَانَةِ بِاللَّهِ وَالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ وَاللَّجَأِ إِلَيْهِ فِي أَنْ يَسْتَعْمِلَهُ فِي طَاعَتِهِ وَيُجَنِّبَهُ مَعْصِيَتَهُ، وَأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ إِلَّا بِفَضْلِ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِعَانَتِهِ لَهُ، فَإِنَّ مَنْ ذَاقَ مَرَارَةَ الِابْتِلَاءِ وَعَجْزَهُ عَنْ دَفْعِهِ إِلَّا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ، كَانَ شُهُودُ قَلْبِهِ وَفَقْرُهُ إِلَى رَبِّهِ وَاحْتِيَاجُهُ إِلَيْهِ فِي أَنْ يُعِينَهُ عَلَى طَاعَتِهِ وَيُجَنِّبَهُ مَعْصِيَتَهُ أَعْظَمَ مِمَّنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ. وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَ دَاوُدُ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ التَّوْبَةِ خَيْرًا مِنْهُ قَبْلَ الْخَطِيئَةِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَوْ لَمْ تَكُنِ التَّوْبَةُ أَحَبَّ الْأَشْيَاءِ إِلَيْهِ لَمَا ابْتَلَى بِالذَّنْبِ أَكْرَمَ الْخَلْقِ عَلَيْهِ.
وَلِهَذَا تَجِدُ التَّائِبَ الصَّادِقَ أَثْبَتَ عَلَى الطَّاعَةِ وَأَرْغَبَ فِيهَا وَأَشَدَّ حَذَرًا مِنَ الذَّنْبِ مِنْ كَثِيرٍ مِنَ الَّذِينَ لَمْ يُبْتَلَوْا بِذَنْبٍ، كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، فَإِنَّهُ لَمَّا قَتَلَ رَجُلًا بَعْدَ أَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:" «أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ أَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» ؟ "(1)) . أَثَّرَ هَذَا فِيهِ حَتَّى كَانَ يَمْتَنِعُ أَنْ يَقْتُلَ أَحَدًا يَقُولُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَكَانَ هَذَا مِمَّا أَوْجَبَ امْتِنَاعَهُ مِنَ الْقِتَالِ فِي الْفِتْنَةِ.
وَقَدْ تَكُونُ التَّوْبَةُ مُوجِبَةً لَهُ مِنَ الْحَسَنَاتِ مَا لَا يَحْصُلُ لِمَنْ يَكُنْ مِثْلُهُ (تَائِبًا) مِنَ الذَّنْبِ (2) .، كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، وَهُوَ أَحَدُ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ:
(1) الْحَدِيثُ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ وَجُنْدُبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ رضي الله عنهما فِي: الْبُخَارِيِّ 5/144 (كِتَابُ الْمَغَازِي، بَابُ بَعْثِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ إِلَى الْحُرَقَاتِ) ; مُسْلِمٍ 1/96 - 98 (كِتَابُ الْإِيمَانِ، بَابُ تَحْرِيمِ قَتْلِ الْكَافِرِ بَعْدَ أَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ
(2)
فِي الْأَصْلِ: لِمَنْ لَمْ يَكُنْ مِثْلُهُ مِنَ الذَّنْبِ، وَزِدْتُ كَلِمَةَ (تَائِبًا) لِيَسْتَقِيمَ الْكَلَامُ
{لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 117]، ثُمَّ قَالَ:{وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 118] .
وَإِذَا ذُكِرَ حَدِيثُ كَعْبٍ فِي قَضِيَّةٍ تَبَيَّنَ أَنَّ اللَّهَ رَفَعَ دَرَجَتَهُ بِالتَّوْبَةِ، وَلِهَذَا قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا أَعْلَمُ أَحَدًا ابْتَلَاهُ اللَّهُ بِصِدْقِ الْحَدِيثِ أَعْظَمَ مِمَّا ابْتَلَانِي (1) . .
وَكَذَلِكَ قَالَ بَعْضُ مَنْ كَانَ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ عَدَوَاةً لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَسُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو، وَالْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، وَأَبِي سُفْيَانَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الَّذِي كَانَ مِنْ أَشَدِّ الْكُفَّارِ هِجَاءً وَإِيذَاءً لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا تَابَ وَأَسْلَمَ كَانَ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ إِسْلَامًا وَأَشَدِّهِمْ حَيَاءً وَتَعْظِيمًا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَكَذَلِكَ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ، قَالَ الْحَارِثُ: مَا نَطَقْتُ بِخَطِيئَةٍ مُنْذُ أَسْلَمْتُ (2) . ; وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ فِي أَخْبَارِ التَّوَّابِينَ.
(1) الْحَدِيثُ عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه فِي: الْبُخَارِيِّ 6/3 - 7 (كِتَابُ الْمَغَازِي، بَابُ حَدِيثُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ) ; مُسْلِمٍ 4/2120 - 2129 (كِتَابُ التَّوْبَةِ، بَابُ حَدِيثِ تَوْبَةِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ وَصَاحِبَيْهِ) ; سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 4/345 - 346 (كِتَابُ التَّفْسِيرِ، وَمِنْ سُورَةِ التَّوْبَةِ) ; الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 3/456 - 459
(2)
لَمْ أَهْتَدِ إِلَى هَذَا الْأَثَرِ، وَلَكِنْ رَوَى الْمُنْذِرِيُّ (التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ 4/306) عَنِ الْحَارِثِ ابْنِ هِشَامٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَخْبِرْنِي بِأَمْرٍ أَعْتَصِمُ بِهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: امْلِكْ هَذَا، وَأَشَارَ إِلَى لِسَانِهِ. قَالَ الْمُنْذِرِي: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادَيْنِ أَحَدُهُمَا جَيِّدٌ. وَرَوَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الْحَدِيثَ بِمَعْنَاهُ فِي " الِاسْتِيعَابِ " فِي تَرْجَمَةِ الْحَارِثِ
فَمَنْ يَجْعَلُ التَّائِبَ الَّذِي اجْتَبَاهُ اللَّهُ وَهَدَاهُ مَنْقُوصًا بِمَا كَانَ مِنَ الذَّنْبِ الَّذِي تَابَ مِنْهُ، وَقَدْ صَارَ بَعْدَ التَّوْبَةِ خَيْرًا مِمَّا كَانَ قَبْلَ التَّوْبَةِ، فَهُوَ جَاهِلٌ بِدِينِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَا بَعَثَ اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ نَقْصٌ مَعَ وُجُودِ مَا ذُكِرَ فَجَمِيعُ مَا يَذْكُرُونَهُ هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ نَقْصٌ، وَهُوَ نَقْصٌ إِذَا لَمْ يَتُبْ مِنْهُ، أَوْ هُوَ نَقْصٌ عَمَّنْ سَاوَاهُ إِذَا لَمْ يُصِرَّ بَعْدَ التَّوْبَةِ مِثْلَهُ، فَأَمَّا إِذَا تَابَ تَوْبَةً مَحَتْ أَثَرَهُ بِالْكُلِّيَّةِ وَبَدَّلَتْ سَيِّئَاتِهِ حَسَنَاتٍ فَلَا نَقْصَ فِيهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى حَالِهِ، وَإِذَا صَارَ بَعْدَ التَّوْبَةِ أَفْضَلَ مِمَّنْ يُسَاوِيهِ أَوْ مِثْلَهُ لَمْ يَكُنْ نَاقِصًا عَنْهُ (1) . .
وَلَسْنَا نَقُولُ إِنَّ كُلَّ مَنْ أَذْنَبَ وَتَابَ فَهُوَ أَفْضَلُ مِمَّنْ لَمْ يُذْنِبْ ذَلِكَ الذَّنْبَ، بَلْ هَذَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ النَّاسِ، فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَكُونُ بَعْدَ التَّوْبَةِ أَفْضَلَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَعُودُ إِلَى مَا كَانَ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَعُودُ إِلَى مِثْلِ حَالِهِ، وَالْأَصْنَافُ الثَّلَاثَةُ فِيهِمْ مَنْ هُوَ أَفْضَلُ مِمَّنْ لَمْ يُذْنِبْ وَيَتُبْ، وَفِيهِمْ مَنْ هُوَ مِثْلُهُ، وَفِيهِمْ مَنْ هُوَ دُونَهُ.
وَهَذَا الْبَابُ فِيهِ مَسَائِلُ كَثِيرَةٌ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ تَفْصِيلِهَا، وَلِبَسْطِهَا مَوْضِعٌ آخَرُ، وَالْمَقْصُودُ التَّنْبِيهُ.
وَلِهَذَا كَانَ السَّلَفُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ مُتَّفِقِينَ عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ مِنْ أَحْوَالِ الْأَنْبِيَاءِ، لَا يُعْرَفُ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمُ الْقَوْلُ بِمَا أَحْدَثَتْهُ الْمُعْتَزِلَةُ وَالرَّافِضَةُ وَمَنْ
(1) فِي الْأَصْلِ: وَإِذَا صَارَ بَعْدَ التَّوْبَةِ أَفْضَلَ مِمَّنْ يُسَاوِيهِ أَوْ أَفْضَلَ لَمْ يَكُنْ نَاقِصًا عَنْهُ، وَلَعَلَّ الصَّوَابَ مَا أَثْبَتُّهُ