المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وَقَدْ تَنَازَعَ الْعُقَلَاءُ أَيْضًا: هَلْ يُمْكِنُ وُجُودُ مَوْجُودٍ قَائِمٍ بِنَفْسِهِ - منهاج السنة النبوية - جـ ٢

[ابن تيمية]

فهرس الكتاب

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي فِي أَنَّ مَذْهَبَ الْإِمَامِيَّةِ وَاجِبُ الِاتِّبَاعِ]

- ‌[مقدمة الْفَصْلُ الثَّانِي]

- ‌[الرد على القسم الأول من كلام ابن المطهر في المقدمة من وجوه]

- ‌[الوجه الأول في الرد على قول ابن المطهر: تَعَدَّدَتْ آرَاؤُهُمْ بِحَسَبَ تَعَدُّدِ أَهْوَائِهِمْ]

- ‌[الْوَجْهُ الثَّانِي كَذِبُ ابن المطهر وَتَحْرِيفه فِيمَا نَقَلَهُ عَنْ حَالِ الصَّحَابَةِ بَعْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[الْوَجْهُ الثَّالِثُ في بيان زهد أبي بكر وزهد من بايعه]

- ‌[الْوَجْهُ الرَّابِعُ أَنْ يُقَالَ أَهْلُ السُّنَّةِ مَعَ الرَّافِضَةِ كَالْمُسْلِمِينَ مَعَ النَّصَارَى]

- ‌[الْوَجْهُ الْخَامِسُ تَمْثِيلُ ابن المطهر بِقِصَّةِ عُمَرَ بْنِ سَعْدٍ من أقبح القياس]

- ‌[الرد على القسم الثاني من المقدمة]

- ‌[الرد على القسم الأخير من المقدمة]

- ‌[فصل كلام ابن المطهر بعد المقدمة وجوب اتباع مذهب الإمامية لوجوه]

- ‌[الوجه الأول حتى الرابع من وجوه قول الرافضي وَإِنَّمَا كَانَ مَذْهَبُ الْإِمَامِيَّةِ وَاجِبَ الِاتِّبَاعِ]

- ‌[الوجه الخامس وفيه الرد التفصيلي على القسم الأول من كلام ابن المطهر]

- ‌[التعليق على قوله إن الله منزه عن مشابهة المخلوقات]

- ‌[التعليق على قوله أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَخْصُوصُ بِالْأَزَلِيَّةِ وَالْقِدَمِ]

- ‌[التعليق على قوله أن كل ما سواه محدث]

- ‌[التعليق على قوله لأنه واحد وليس بجسم ولا جوهر]

- ‌[التعليق على قوله ولا في مكان]

- ‌[الكلام على قوله وَإِلَّا لَكَانَ مُحْدَثًا]

- ‌[الرد على دليل الرافضة والمعتزلة]

- ‌[الإثبات المفصل لصفات الكمال والنفي المجمل لصفات النقص]

- ‌[عمدة الفلاسفة على نفي الصفات هي حجة التركيب]

- ‌[مناقشة الحجة الَّتِي احْتَجَّ بِهَا هَؤُلَاءِ الْفَلَاسِفَةُ وَمَنْ وَافَقَهُمْ عَلَى نَفْيِ الصِّفَاتِ]

- ‌[امتناع وجود ربين للعالم]

- ‌[عود إلى الكلام على اتصاف الله بصفات الكلام]

- ‌[فساد استدلال الفلاسفة بآيات سورة الأنعام]

- ‌[عود إلى الكلام على معاني لفظ الجسم]

- ‌[مناقشة نفاة الصفات إجمالا]

- ‌[مقالات الرافضة في التجسيم]

- ‌[معنى لفظ أهل السنة وموقفهم من إطلاق لفظ الجسم]

- ‌[موقف النفاة كالمعتزلة وموافقيهم]

- ‌[موقف الأشعري من إثبات الصفات]

- ‌[الْوَجْهُ السَّادِسُ وفيه أن أكثر متقدمي الإمامية كانوا مجسمة]

- ‌[الْوَجْهُ السَّابِعُ وفيه عرض لمقالات الرافضة]

- ‌[فَصْلٌ موافقة جعفر الصادق لسائر السلف في مسألة القرآن]

- ‌[مقالات الروافض في القرآن]

- ‌[أقوال أئمة الإسلام في القرآن]

- ‌[معارضة أدلة الإمامية بأدلة غيرهم من المبتدعة]

- ‌[طرق إثبات وجود الله عند أهل السنة]

- ‌[طرق إثبات حُدُوثُ الْعَالَمِ]

- ‌[الرد على قوله عن الإمامية إنهم يقولون إن الله قادر على جميع المقدورات]

- ‌[التعليق على قوله إنه عَدْلٌ حَكِيمٌ لَا يَظْلِمُ أَحَدًا وَلَا يَفْعَلُ الْقَبِيحَ وَإِلَّا لَزِمَ الْجَهْلُ أَوِ الْحَاجَةُ]

- ‌[مقالات الرافضة فِي خلق أَعْمَالِ الْعِبَادِ]

- ‌[التعليق على قوله يُثِيبُ الْمُطِيعَ وَيَعْفُو عَنِ الْعَاصِي أَوْ يُعَذِّبُهُ]

- ‌[مقالات الروافض في الوعيد]

- ‌[القول الأول في معنى الظلم عند مثبتة القدر]

- ‌[الْقَوْلُ الثَّانِي فِي مَعْنَى الظُّلْمِ عند مثبتة القدر]

- ‌[التعليق على قوله أَوْ يُعَذِّبُهُ بِجُرْمِهِ مِنْ غَيْرِ ظُلْمٍ لَهُ]

- ‌[التعليق على قوله وأن أفعاله محكمة واقعة لغرض ومصلحة]

- ‌[التعليق على قوله إنه أرسل الرسل لإرشاد العالم]

- ‌[التعليق على قوله وَأَنَّهُ تَعَالَى غَيْرُ مَرْئِيٍّ وَلَا مُدْرَكٍ بِشَيْءٍ مِنَ الْحَوَاسِّ]

- ‌[التعليق على قوله ولأنه لَيْسَ فِي جِهَةٍ]

- ‌[تنازع مثبتة الرؤية في العلو والاستواء]

- ‌[ابن تيمية يسلك طريقين من البيان في مسألة الرؤية]

- ‌[الطريق الأول]

- ‌[الطَّرِيقُ الثَّانِي]

- ‌[لفظ الحيز]

- ‌[فَصْلٌ التعليق على قوله وأن أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ وَإِخْبَارَهُ حَادِثٌ لِاسْتِحَالَةِ أَمْرِ الْمَعْدُومِ وَنَهْيِهِ وَإِخْبَارِهِ]

- ‌[تفصيل القول في مقالة أهل السنة]

- ‌[التعليق على قوله وأن الْأَنْبِيَاءَ مَعْصُومُونَ مِنَ الْخَطَأِ وَالسَّهْوِ]

- ‌[الوجه الأول اختلافهم في عصمة الأنبياء]

- ‌[الوجه الثاني العصمة قبل البعثة غير واجبة]

- ‌[الوجه الثالث التوبة بعد الذنب ترفع الدرجات]

- ‌[معنى قوله تعالى لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ]

- ‌[التعليق على قوله إِنَّ هَذَا يَنْفِي الْوُثُوقَ وَيُوجِبُ التَّنْفِيرَ]

- ‌[لَوَازِمُ النُّبُوَّةُ وَشُرُوطُهَا]

- ‌[الأنبياء هم أفضل الخلق]

- ‌[غلو الرافضة أدخلهم فيما حرمه الله من العبادات الشركية]

- ‌[التعليق على قوله أَنَّ الْأَئِمَّةَ مَعْصُومُونَ كَالْأَنْبِيَاءِ]

- ‌[الرد على قوله وَأَخَذُوا أَحْكَامَهُمْ الْفُرُوعِيَّةَ عَنِ الْأَئِمَّةِ الْمَعْصُومِينَ]

- ‌[الرد على قوله إِنَّ الْإِمَامِيَّةَ يَتَنَاقَلُونَ ذَلِكَ عَنِ الثِّقَاتِ]

- ‌[الرد على قوله وَلَمْ يَلْتَفِتُوا إِلَى الْقَوْلِ بِالرَّأْيِ وَالِاجْتِهَادِ وَحَرَّمُوا الْأَخْذَ بِالْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ]

- ‌[الرد على سائر أقسام كلام ابن المطهر في الوجه الأول]

- ‌[فَصْلٌ كلام ابن المطهر على مذهب أهل السنة في الصفات والرد عليه]

- ‌[عرض ابن المطهر لمقالة الحشوية والمشبهة ورد ابن تيمية من وجوه]

- ‌[الكلام على لفظ الحشوية]

- ‌[لَفْظُ الْمُشَبِّهَةِ]

- ‌[طريقة السلف في الصفات]

- ‌[عود إلى الكلام على لفظ الجسم]

- ‌[حقيقة الملائكة]

- ‌[عمدة النفاة دليل التركيب]

- ‌[بطلان القول بأن العرب أطلقوا اسم الجنس على المركب من الأجزاء من وجوه]

- ‌[القاعدة الواجب اتباعها في مسألة الصفات]

- ‌[استطراد في مناقشة نفاة الصفات]

- ‌[تنازع الناس فِي الْأَسْمَاءِ الَّتِي تَسَمَّى اللَّهُ بِهَا وَتَسَمَّى بِهَا عِبَادُهُ]

- ‌[عود إلى الكلام على لفظي المشبهة والحشوية]

- ‌[الرد على قول: سُمُّوا مُشَبِّهَةً لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّهُ جِسْمٌ من وجوه]

- ‌[أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ ومحنة خلق القرآن]

- ‌[التعليق على ما ذكره الرافضي من رمد الله وبكائه وغير ذلك]

- ‌[التعليق على قول الرافضي: يَفْضُلُ عَنْهُ الْعَرْشِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ أَرْبَعَ أَصَابِعَ]

- ‌[قول ابن المطهر إن قول الكرامية بالجهة يعني الحدوث والاحتياج إلى جهة ورد ابن تيمية]

الفصل: وَقَدْ تَنَازَعَ الْعُقَلَاءُ أَيْضًا: هَلْ يُمْكِنُ وُجُودُ مَوْجُودٍ قَائِمٍ بِنَفْسِهِ

وَقَدْ تَنَازَعَ الْعُقَلَاءُ أَيْضًا: هَلْ يُمْكِنُ وُجُودُ مَوْجُودٍ قَائِمٍ بِنَفْسِهِ لَا يُشَارُ إِلَيْهِ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُرَى، عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ؛ فَقِيلَ: لَا يُمْكِنُ ذَلِكَ بَلْ هُوَ مُمْتَنِعٌ، وَقِيلَ: بَلْ هُوَ مُمْتَنِعٌ فِي الْمُحْدَثَاتِ الْمُمْكِنَةِ الَّتِي تَقْبَلُ الْوُجُودَ وَالْعَدَمَ دُونَ الْوَاجِبِ، وَقِيلَ: بَلْ ذَلِكَ مُمْكِنٌ فِي الْمُمْكِنِ وَالْوَاجِبِ، وَهَذَا قَوْلُ بَعْضِ الْفَلَاسِفَةِ (1 وَمَنْ وَافَقَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْمِلَلِ، 1)(1)(2 مَا عَلِمْتُ بِهِ قَائِلًا مِنْ أَهْلِ الْمِلَلِ إِلَّا مَنْ أَخَذَهُ عَنْ هَؤُلَاءِ الْفَلَاسِفَةِ 2) . (2) وَمُثْبِتُو ذَلِكَ يُسَمُّونَهَا الْمُجَرَّدَاتِ وَالْمُفَارَقَاتِ، وَأَكْثَرُ الْعُقَلَاءِ يَقُولُونَ: إِنَّمَا وُجُودُ هَذِهِ فِي الْأَذْهَانِ لَا فِي الْأَعْيَانِ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ مِنْ ذَلِكَ وُجُودُ نَفْسِ الْإِنْسَانِ الَّتِي تُفَارِقُ بَدَنَهُ وَتَتَجَرَّدُ عَنْهُ.

وَأَمَّا الْمَلَائِكَةُ الَّتِي أَخْبَرَتْ بِهَا الرُّسُلَ فَالْمُتَفَلْسِفَةُ الْمُنْتَسِبُونَ إِلَى الْمُسْلِمِينَ يَقُولُونَ: هِيَ الْعُقُولُ وَالنُّفُوسُ الْمُجَرَّدَاتُ وَهِيَ الْجَوَاهِرُ الْعَقْلِيَّةُ.

[حقيقة الملائكة]

وَأَمَّا أَهْلُ الْمِلَلِ وَمَنْ عَلِمَ مَا أَخْبَرَ اللَّهُ بِهِ مِنْ صِفَاتِ الْمَلَائِكَةِ، فَيَعْلَمُونَ قَطْعًا أَنَّ الْمَلَائِكَةَ لَيْسَتْ هَذِهِ الْمُجَرَّدَاتِ الَّتِي يُثْبِتُهَا هَؤُلَاءِ، مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ قَدْ بُسِطَتْ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ؛ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ مَخْلُوقُونَ مِنْ نُورٍ، كَمَا أَخْبَرَ بِذَلِكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ. (3)

(1) : (1 - 1) سَاقِطٌ مِنْ (ع) .

(2)

: (2 - 2) سَاقِطٌ مِنْ (ب) ، (أ) .

(3)

الْإِشَارَةُ هُنَا إِلَى الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: خُلِقَتِ الْمَلَائِكَةُ مِنْ نُورٍ، وَخُلِقَ الْجَانُّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ، وَخُلِقَ آدَمُ مِمَّا وُصِفَ لَكُمْ. وَقَدْ ذَكَرْتُ مَكَانَهُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَالْمُسْنَدِ فِيمَا سَبَقَ 1/366 (ت [0 - 9] ) .

ص: 533

وَهُمْ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ - لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ - يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ - وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ} [سُورَةُ الْأَنْبِيَاءِ: 26 - 29] .

وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ عَنِ الْمَلَائِكَةِ أَنَّهُمْ أَتَوْا إِبْرَاهِيمَ وَلُوطًا فِي صُورَةِ الْبَشَرِ حَتَّى قَدَّمَ لَهُمْ إِبْرَاهِيمُ الْعِجْلَ، وَكَانَ جِبْرِيلُ عليه السلام يَأْتِي النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي صُورَةِ دِحْيَةَ الْكَلْبِيِّ (1) . وَأَتَاهُ (2) مَرَّةً فِي صُورَةِ أَعْرَابِيٍّ حَتَّى رَآهُ الصَّحَابَةُ (3) ، وَقَدْ رَآهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي

(1) ، صَحِيحَ مُسْلِمٍ 4/1906 (كِتَابُ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ، بَابٌ مِنْ فَضَائِلِ أُمِّ سَلَمَةَ) حَدِيثٌ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ رضي الله عنه. وَفِي جُزْءٍ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ رِوَايَةٌ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنه، وَرَوَى هَذَا الْجُزْءَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ 4 (كِتَابُ الْمَنَاقِبِ، بَابُ عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ فِي الْإِسْلَامِ) وَنَصُّهَا - وَهَذِهِ رِوَايَةُ الْبُخَارِيِّ -: " حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ قَالَ: أُنْبِئْتُ أَنَّ جِبْرِيلَ عليه السلام أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَعِنْدَهُ أُمُّ سَلَمَةَ، فَجَعَلَ يُحَدِّثُ، ثُمَّ قَامَ. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِأُمِّ سَلَمَةَ: مَنْ هَذَا؟ - أَوْ كَمَا قَالَ - قَالَ: قَالَتْ: هَذَا دِحْيَةُ. قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: ايْمُ اللَّهِ مَا حَسِبْتُهُ إِلَّا إِيَّاهُ حَتَّى سَمِعْتُ خُطْبَةَ نَبِيِّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِخَبَرِ جِبْرِيلَ - أَوْ كَمَا قَالَ -. قَالَ: فَقُلْتُ لِأَبِي عُثْمَانَ: مِمَّنْ سَمِعْتَ هَذَا؟ قَالَ: مِنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ ". وَانْظُرْ: جَامِعَ الْأُصُولِ لِابْنِ الْأَثِيرِ 12/44 - 45. وَفِي الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 8/167 عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: وَكَانَ جِبْرِيلُ عليه السلام يَأْتِي النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي صُورَةِ دِحْيَةَ. قَالَ الشَّيْخُ أَحْمَد شَاكِر رحمه الله: إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ - وَانْظُرْ تَعْلِيقَهُ. وَانْظُرِ: الصَّفَدِيَّةَ لِابْنِ تَيْمِيَّةَ 1/197

(2)

ب، أ: وَأَتَى.

(3)

فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ 4/112 (كِتَابُ بَدْءِ الْخَلْقِ، بَابُ ذِكْرِ الْمَلَائِكَةِ) عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ الْحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَيْفَ كَانَ يَأْتِيهِ الْوَحْيُ. . . وَفِي الْحَدِيثِ: ". . يَتَمَثَّلُ لِي الْمَلَكُ أَحْيَانًا رَجُلًا فَيُكَلِّمُنِي فَأَعِي مَا يَقُولُ ". وَفِي الْبُخَارِيِّ فِي مَوْضِعَيْنِ آخَرَيْنِ 1

ص: 534

صُورَتِهِ الَّتِي خُلِقَ عَلَيْهَا مَرَّتَيْنِ (1) :: مَرَّةً بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَمَرَّةً فِي السَّمَاءِ عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (2) .

(1) عَلَّقَ مُسْتَجِي زَادَهْ فِي هَامِشِ (ع) عِنْدَ هَذَا الْمَوْضِعِ بِقَوْلِهِ: " هَذَا أَعْدَلُ شَاهِدٍ لِدَعْوَى الْمُصَنِّفِ، وَإِبْطَالٌ لِقَوْلِ مَنْ يَقُولُ مِنَ الْإِسْلَامِيِّينَ إِنَّهُمْ مُجَرَّدَاتٌ، وَيُبْطِلُ قَوْلَهُمْ أَيْضًا أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: جَاعِلُ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ (سُورَةُ فَاطِرٍ: 1) ، فَيُشْعِرُ أَنَّهُ خَلَقَهُمُ اللَّهُ فِي طِبَاعِ الْأَجْسَامِ، ثَبَتَ لَهُمْ مَا هُوَ مِنْ خَوَاصِّ الْأَجْسَامِ وَهُوَ الْأَجْنِحَةُ. وَلَا يُقَالُ هَاهُنَا بِالْمِثْلِ، كَمَا يُقَالُ فِي أَكْثَرِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الِاسْتِدْلَالِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَيُبْطِلُهُ (فِي الْأَصْلِ: يُبْطِلُ) أَيْضًا قَوْلُ الشَّارِعِ فِي حَقِّهِمْ: سُكَّانُ السَّمَاوَاتِ، سُكَّانُ الْأَرَضِينَ، سُكَّانُ الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ. وَبِالْجُمْلَةِ فَالْقَوْلُ بِتَجْرِيدِ الْمَلَائِكَةِ مَأْخُوذٌ مِنَ الْفَلَاسِفَةِ، يَقُولُ مَنْ يَقُولُ ذَلِكَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ اتِّبَاعًا لِلْفَلَاسِفَةِ، وَكَلَامُ اللَّهِ وَكَلَامُ رَسُولِهِ يَأْبَى عَنْهُ كُلَّ الْإِبَاءِ، حَتَّى أَنَّ كَوْنَ الْمَلَائِكَةِ وَنُفُوسَ الْبَشَرِ الَّتِي هِيَ أَرْوَاحُهَا مِنْ مَقُولَةِ الْأَجْسَامِ اللَّطِيفَةِ لَا مِنَ الْمُجَرَّدَاتِ يَكَادُ يُعَدُّ مِنَ الضَّرُورَاتِ الدِّينِيَّةِ، غَايَتُهَا أَنَّ رُؤْيَتَهَا مَشْرُوطَةٌ بِإِرَادَةِ اللَّهِ وَمُتَوَقِّفَةٌ عَلَيْهَا، وَمَتَى أَرَادَ سبحانه وتعالى رُؤْيَتَهَا رَأَيْنَا، وَمَتَى لَمْ يُرِدْ مَا رَأَيْنَا "

(2)

فِي الْبُخَارِيِّ 4/115 (كِتَابُ بَدْءِ الْخَلْقِ، بَابُ إِذَا قَالَ أَحَدُكُمْ آمِينَ) حَدِيثٌ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَأَى جِبْرِيلَ لَهُ سِتُّمِائَةِ جَنَاحٍ. وَجَاءَ هَذَا الْحَدِيثُ نَفْسُهُ فِي الْبُخَارِيِّ مَرَّتَيْنِ فِي مَوْضِعَيْنِ آخَرَيْنِ 6/141 (كِتَابُ التَّفْسِيرِ، سُورَةُ النَّجْمِ، بَابُ فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى) ، 6/141 (كِتَابُ التَّفْسِيرِ، سُورَةُ النَّجْمِ، بَابُ فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى) . وَفِي نَفْسِ الْمَوْضِعِ 6/140 - 141 (كِتَابُ التَّفْسِيرِ، سُورَةُ النَّجْمِ) حَدِيثٌ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها سُئِلَتْ فِيهِ هَلْ رَأَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَبَّهُ؟ قَالَتْ فِي آخِرِ جَوَابِهَا: وَلَكِنْ رَأَى جِبْرِيلَ عليه السلام فِي صُورَتِهِ مَرَّتَيْنِ. وَفِي نَفْسِ الْكِتَابِ، بَابٌ (لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى) 6/141 حَدِيثٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: فَرَأَى رَفْرَفًا أَخْضَرَ سَدَّ الْأُفُقَ. وَفِي الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: " رَأَيْتُ جِبْرِيلَ عَلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى وَلَهُ سِتُّمِائَةِ جَنَاحٍ. . الْحَدِيثَ. وَانْظُرِ الْبُخَارِيَّ 4/151 - 116 وَانْظُرِ الصَّفَدِيَّةَ 21/201 - 202.

ص: 535

وَالْمَلَائِكَةُ تَنْزِلُ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ تَصْعَدُ (1) إِلَى السَّمَاءِ، كَمَا تَوَاتَرَتْ (2) بِذَلِكَ النُّصُوصُ. وَقَدْ أَنْزَلَهَا [اللَّهُ](3) يَوْمَ بَدْرٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ وَيَوْمَ الْخَنْدَقِ لِنَصْرِ رَسُولِهِ وَالْمُؤْمِنِينَ (4)، كَمَا قَالَ تَعَالَى:{إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ} [سُورَةُ الْأَنْفَالِ: 9]، وَقَالَ:{ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 26]، وَقَالَ:{فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا} [سُورَةُ الْأَحْزَابِ: 9]، وَقَالَ:{أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} [سُورَةُ الزُّخْرُفِ: 80]، وَقَالَ:{حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ} (5)[سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 71]، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ} [سُورَةُ الْأَنْفَالِ: 50]، {وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 93] .

وَمِثْلُ هَذَا فِي الْقُرْآنِ كَثِيرٌ يُعْلَمُ بِبَعْضِهِ أَنَّ مَا وَصَفَ (اللَّهُ) بِهِ (6) الْمَلَائِكَةَ

(1) ع: وَتَصْعَدُ.

(2)

ب، أ: نَزَلَتْ.

(3)

اللَّهُ: فِي (ع) فَقَطْ.

(4)

ب، أ: وَالنَّصْرُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالْمُؤْمِنِينَ.

(5)

فِي النُّسَخِ الثَّلَاثِ: جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ، وَهُوَ خَطَأٌ.

(6)

ب، أ: وَصَفَ بِهِ.

ص: 536

يُوجِبُ الْعِلْمَ الضَّرُورِيَّ أَنَّهَا لَيْسَتْ (1) مَا يَقُولُهُ: هَؤُلَاءِ فِي الْعُقُولِ وَالنُّفُوسِ، سَوَاءٌ قَالُوا: إِنَّ الْعُقُولَ عَشْرَةٌ وَالنُّفُوسَ تِسْعَةٌ، كَمَا هُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَهُمْ، أَوْ قَالُوا: غَيْرَ ذَلِكَ. (2) وَلَيْسَتِ الْمَلَائِكَةُ أَيْضًا الْقُوَى الْعَالِمَةَ (3) الَّتِي فِي النُّفُوسِ كَمَا قَدْ يَقُولُونَهُ، بَلْ جِبْرِيلُ عليه السلام (4) مَلَكٌ (5) مُنْفَصِلٌ عَنِ الرَّسُولِ يَسْمَعُ كَلَامَ اللَّهِ مِنَ اللَّهِ وَيَنْزِلُ بِهِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، كَمَا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ النُّصُوصُ وَالْإِجْمَاعُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ. (6) وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: إِنَّ جِبْرِيلَ هُوَ الْعَقْلُ الْفَعَّالُ، (7) أَوْ هُوَ مَا يُتَخَيَّلُ فِي (8) نَفْسِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنَ الصُّوَرِ الْخَيَالِيَّةِ، وَكَلَامُ اللَّهِ مَا يُوجَدُ فِي نَفْسِهِ كَمَا يُوجَدُ فِي نَفْسِ النَّائِمِ (9) .

(1) ب، أ: أَنَّهُ لَيْسَ.

(2)

يَذْكُرُ الْفَلَاسِفَةُ الْمُسْلِمُونَ فِي أَكْثَرِ كُتُبِهِمْ وَرَسَائِلِهِمْ أَنَّ الْعُقُولَ السَّمَاوِيَّةَ إِنَّمَا هِيَ مَلَائِكَةٌ. انْظُرْ مَثَلًا: الْفَارَابِيَّ: السِّيَاسَاتِ الْمَدَنِيَّةَ، ص [0 - 9] ، ط. حَيْدَرَ آبَادَ، 1345 ; ابْنَ سِينَا: أَقْسَامَ الْعُلُومِ الْعَقْلِيَّةِ ص [0 - 9] 13، ضِمْنَ تِسْعِ رَسَائِلَ فِي الْحِكْمَةِ وَالطَّبِيعِيَّاتِ، الْقَاهِرَةَ، 1326/1908 ; رِسَالَةَ الزِّيَارَةِ وَالدُّعَاءِ، ص 33، ضِمْنَ مَجْمُوعَةِ جَامِعِ الْبَدَائِعِ، الْقَاهِرَةَ، 1330/1917.

(3)

ب، أ: الصَّالِحَةَ.

(4)

عليه السلام: زِيَادَةٌ فِي (ع) .

(5)

مَلَكٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) .

(6)

ع: إِجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ.

(7)

انْظُرْ مَثَلًا: السِّيَاسَاتِ الْمَدَنِيَّةَ لِلْفَارَابِيِّ، ص [0 - 9] ; أَقْسَامَ الْعُلُومِ الْعَقْلِيَّةِ لِابْنِ سِينَا، ص [0 - 9]14.

(8)

ب، أ: وَهُوَ مَا يُتَخَيَّلُ مِنْ. . .

(9)

انْظُرْ مَثَلًا: الرِّسَالَةَ الْعَرْشِيَّةَ لِابْنِ سِينَا، ص 12، ضِمْنَ مَجْمُوعِ رَسَائِلِ الشَّيْخِ الرَّئِيسِ، ط. حَيْدَرَ آبَادَ، 1354.

ص: 537

وَهَذَا مِمَّا يَعْلَمُ كُلُّ مِنْ لَهُ عِلْمٌ بِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ (1) أَنَّهُ مِنْ أَعْظَمِ الْأُمُورِ تَكْذِيبًا لِلرَّسُولِ، وَيَعْلَمُ أَنَّ هَؤُلَاءِ أَبْعَدُ عَنْ مُتَابَعَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ كُفَّارِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَهَذَا مَبْسُوطٌ فِي مَوَاضِعَ. وَالْمَقْصُودُ هُنَا الْكَلَامُ عَلَى مَجَامِعِ مَا يُعْرَفُ بِهِ مَا أَشَارَ إِلَيْهِ هَذَا مِنْ عَقَائِدِ الْمُسْلِمِينَ وَاخْتِلَافِهِمْ.

فَإِذَا عُرِفَ تَنَازُعُ النُّظَّارِ فِي حَقِيقَةِ الْجِسْمِ، فَلَا رَيْبَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ لَيْسَ مُرَكَّبًا مِنَ الْأَجْزَاءِ الْمُنْفَرِدَةِ، وَلَا مِنَ الْمَادَّةِ وَالصُّورَةِ، وَلَا يَقْبَلُ سُبْحَانَهُ التَّفْرِيقَ وَالِانْفِصَالَ (2) وَلَا كَانَ مُتَفَرِّقًا فَاجْتَمَعَ، بَلْ هُوَ سُبْحَانَهُ أَحَدٌ صَمَدٌ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ.

فَهَذِهِ الْمَعَانِي الْمَعْقُولَةُ مِنَ التَّرْكِيبِ كُلُّهَا مُنْتَفِيَةٌ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى، لَكِنَّ الْمُتَفَلْسِفَةَ وَمَنْ وَافَقَهُمْ تُزِيدُ عَلَى ذَلِكَ وَتَقُولُ:(3) إِذَا كَانَ مَوْصُوفًا بِالصِّفَاتِ كَانَ مُرَكَّبًا، وَإِذَا كَانَتْ لَهُ حَقِيقَةٌ لَيْسَتْ هِيَ مُجَرَّدَ الْوُجُودِ كَانَ مُرَكَّبًا.

فَيَقُولُ لَهُمُ الْمُسْلِمُونَ الْمُثْبِتُونَ لِلصِّفَاتِ: النِّزَاعُ لَيْسَ فِي لَفْظِ " الْمُرَكَّبِ "، فَإِنَّ هَذَا اللَّفْظَ إِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى مُرَكَّبٍ رَكَّبَهُ غَيْرُهُ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ عَاقِلًا لَا يَقُولُ:(4) إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى مُرَكَّبٌ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ.

وَقَدْ يُقَالُ: لَفْظُ " الْمُرَكَّبِ " عَلَى مَا كَانَتْ أَجْزَاؤُهُ مُتَفَرِّقَةً فَجُمِعَ: إِمَّا جَمْعَ

(1) ب، أ: كُلُّ مَنْ عَلِمَ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ.

(2)

ب، أ: وَالِاتِّصَالَ.

(3)

ع: وَيَقُولُونَ.

(4)

ب، أ: وَمَعْلُومٌ أَنَّ فُلَانًا يَقُولُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

ص: 538

امْتِزَاجٍ، وَإِمَّا غَيْرَ امْتِزَاجٍ كَتَرْكِيبِ الْأَطْعِمَةِ وَالْأَشْرِبَةِ وَالْأَدْوِيَةِ وَالْأَبْنِيَةِ وَاللِّبَاسِ مِنْ أَجْزَائِهَا. وَمَعْلُومٌ نَفْيُ هَذَا التَّرْكِيبِ عَنِ اللَّهِ، وَلَا نَعْلَمُ عَاقِلًا يَقُولُ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى مُرَكَّبٌ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ.

وَكَذَلِكَ التَّرْكِيبُ بِمَعْنَى أَنَّهُ مُرَكَّبٌ مِنَ الْجَوَاهِرِ الْمُنْفَرِدَةِ، أَوْ مِنَ الْمَادَّةِ وَالصُّورَةِ - وَهُوَ التَّرْكِيبُ الْجِسْمِيُّ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِهِ (1) - وَهَذَا أَيْضًا مُنْتَفٍ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى. وَالَّذِينَ قَالُوا: إِنَّ اللَّهَ جِسْمٌ، قَدْ يَقُولُ بَعْضُهُمْ: إِنَّهُ مُرَكَّبٌ هَذَا التَّرْكِيبَ، وَإِنْ كَانَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ - بَلْ أَكْثَرُهُمْ - يَنْفُونَ ذَلِكَ، وَيَقُولُونَ: إِنَّمَا نَعْنِي بِكَوْنِهِ جِسْمًا أَنَّهُ مَوْجُودٌ أَوْ أَنَّهُ (2) قَائِمٌ بِنَفْسِهِ، أَوْ أَنَّهُ يُشَارُ إِلَيْهِ، أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ. لَكِنْ بِالْجُمْلَةِ هَذَا التَّرْكِيبُ وَهَذَا التَّجْسِيمُ يَجِبُ تَنْزِيهُ اللَّهِ تَعَالَى (3) عَنْهُ.

وَأَمَّا كَوْنُهُ سُبْحَانَهُ ذَاتًا (4) مُسْتَلْزِمَةً لِصِفَاتِ الْكَمَالِ، لَهُ عِلْمٌ وَقُدْرَةٌ وَحَيَاةٌ فَهَذَا لَا يُسَمَّى مُرَكَّبًا (5) فِيمَا يُعْرَفُ مِنَ اللُّغَاتِ. وَإِذَا سَمَّى مُسَمٍّ (6) هَذَا مُرَكَّبًا (7) لَمْ يَكُنِ النِّزَاعُ مَعَهُ فِي اللَّفْظِ، بَلْ فِي الْمَعْنَى الْعَقْلِيِّ. وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا دَلِيلَ عَلَى نَفْيِ هَذَا، كَمَا قَدْ بُسِطَ فِي مَوْضِعِهِ، بَلِ الْأَدِلَّةُ الْعَقْلِيَّةُ تُوجِبُ إِثْبَاتَهُ.

(1) عِبَارَةُ " عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِهِ " فِي (ع) فَقَطْ.

(2)

أَنَّهُ سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) .

(3)

ب، أ: تَنْزِيهُ الرَّبِّ.

(4)

ع، أ: ذَاتٌ.

(5)

ع: تَرْكِيبًا.

(6)

ع، أ: مُسَمًّى.

(7)

ع: تَرْكِيبًا.

ص: 539

وَلِهَذَا كَانَ جَمِيعُ الْعُقَلَاءِ مُضْطَرِّينَ إِلَى إِثْبَاتِ مَعَانٍ مُتَعَدِّدَةٍ لِلَّهِ تَعَالَى، فَالْمُعْتَزِلِيُّ يُسَلِّمُ أَنَّهُ حَيٌّ عَالِمٌ قَادِرٌ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ كَوْنَهُ جِسْمًا لَيْسَ هُوَ مَعْنَى كَوْنِهِ عَالِمًا، وَمَعْنَى كَوْنِهِ عَالِمًا لَيْسَ مَعْنَى كَوْنِهِ قَادِرًا.

وَالْمُتَفَلْسِفُ يَقُولُ إِنَّهُ عَاقِلٌ وَمَعْقُولٌ وَعَقْلٌ، وَلَذِيذٌ وَمُتَلَذِّذٌ وَلَذَّةٌ، وَعَاشِقٌ وَمَعْشُوقٌ وَعِشْقٌ (1) ، وَمَعْلُومٌ بِصَرِيحِ الْعَقْلِ أَنَّ كَوْنَهُ يُحِبُّ لَيْسَ (هُوَ) كَوْنُهُ يَعْلَمُ، وَكَوْنَهُ مَحْبُوبًا مَعْلُومًا لَيْسَ (هُوَ) مَعْنَى كَوْنِهِ (مُحِبًّا) عَالِمًا، (2) (وَالْمُتَفَلْسِفُ يَقُولُ: مَعْنَى " كَوْنِهِ " عَالِمًا) (3) هُوَ مَعْنَى كَوْنِهِ قَادِرًا مُؤَثِّرًا فَاعِلًا، وَذَلِكَ هُوَ نَفْسُ ذَاتِهِ، فَيَجْعَلُ الْعِلْمَ هُوَ الْقُدْرَةُ وَهُوَ الْفِعْلُ، وَيَجْعَلُ الْقُدْرَةَ هِيَ (4) الْقَادِرُ، وَالْعِلْمَ هُوَ الْعَالِمُ، وَالْفِعْلَ هُوَ الْفَاعِلُ.

(وَبَعْضُ مُتَأَخِّرِيهِمْ - وَهُوَ الطُّوسِيُّ - ذَكَرَ فِي " شَرْحِ كِتَابِ الْإِشَارَاتِ " أَنَّ الْعِلْمَ هُوَ الْمَعْلُومُ (5) وَمَعْلُومٌ

(1) انْظُرْ مَثَلًا " النَّجَاةَ " لِابْنِ سِينَا (3/243 - 245) حَيْثُ يَعْقِدُ فَصْلًا عُنْوَانُهُ " فَصْلٌ فِي أَنَّ وَاجِبَ الْوُجُودِ بِذَاتِهِ عَقْلٌ وَعَاقِلٌ وَمَعْقُولٌ "، وَفَصْلًا آخَرَ (3/245 - 246) بِعُنْوَانِ:" فَصْلٌ فِي أَنَّهُ بِذَاتِهِ مَعْشُوقٌ وَعَاشِقٌ وَلَذِيذٌ وَمُلْتَذٌّ وَأَنَّ اللَّذَّةَ هِيَ إِدْرَاكُ الْخَيْرِ الْمُلَائِمِ ".

(2)

أ: وَمَعْلُومٌ بِصَرِيحِ الْعَقْلِ أَنَّ كَوْنَهُ يُحِبُّ لَيْسَ كَوْنَهُ يَعْلَمُ، وَكَوْنَهُ مَحْبُوبًا مَعْلُومًا لَيْسَ مَعْنَى كَوْنِهِ عَالِمًا ; ب: وَمَعْلُومٌ بِصَرِيحِ الْعَقْلِ أَنَّ كَوْنَهُ يُحِبُّ لَيْسَ كَوْنُهُ مَحْبُوبًا وَكَوْنَهُ مَعْلُومًا لَيْسَ مَعْنَى كَوْنِهِ عَالِمًا. وَالْمُثْبَتُ عَنْ (ع) .

(3)

مَا بَيْنَ الْقَوْسَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ب) ، (أ) . وَزِدْتُ (كَوْنِهِ) لِيَسْتَقِيمَ الْكَلَامُ.

(4)

ب، أ: هُوَ.

(5)

يَقُولُ نَصِيرُ الدِّينِ الطُّوسِيُّ (شَرْحَ الْإِشَارَاتِ الْمَطْبُوعَ مَعَ الْإِشَارَاتِ وَالتَّنْبِيهَاتِ لِابْنِ سِينَا، تَحْقِيقَ الدُّكْتُورِ سُلَيْمَان دُنْيَا، ق [0 - 9] ، 4، ص [0 - 9] 14 - 715) : " الْعَاقِلُ كَمَا لَا يَحْتَاجُ فِي إِدْرَاكِ ذَاتِهِ لِذَاتِهِ إِلَى صُورَةِ ذَاتِهِ الَّتِي بِهَا هُوَ هُوَ، فَلَا يَحْتَاجُ أَيْضًا فِي إِدْرَاكِ مَا يَصْدُرُ عَنْ ذَاتِهِ لِذَاتِهِ إِلَى صُورَةٍ غَيْرِ صُورَةِ ذَلِكَ الصَّادِرِ الَّتِي بِهَا هُوَ هُوَ. وَاعْتَبِرْ مِنْ نَفْسِكَ أَنَّكَ تَعْقِلُ شَيْئًا بِصُورَةٍ تَتَصَوَّرُهَا أَوْ تَسْتَحْضِرُهَا، فَهِيَ صَادِرَةٌ عَنْكَ، لَا بِانْفِرَادِكَ مُطْلَقًا، بَلْ بِمُشَارَكَةٍ مَا مِنْ غَيْرِكَ، وَمَعَ ذَلِكَ فَأَنْتَ لَا تَعْقِلُ تِلْكَ الصُّورَةَ بِغَيْرِهَا، بَلْ كَمَا تَعْقِلُ ذَلِكَ الشَّيْءَ بِهَا، كَذَلِكَ تَعْقِلُهَا أَيْضًا بِنَفْسِكَ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَتَضَاعَفَ الصُّوَرَ فِيكَ، بَلْ رُبَّمَا تَتَضَاعَفُ اعْتِبَارَاتُكَ الْمُتَعَلِّقَةُ بِذَاتِكَ وَبِتِلْكَ الصُّورَةِ فَقَطْ عَلَى سَبِيلِ التَّرْكِيبِ. وَإِذَا كَانَ حَالُكَ مَعَ مَا يَصْدُرُ عَنْكَ بِمُشَارَكَةِ غَيْرِكَ هَذِهِ الْحَالُ، فَمَا ظَنُّكَ بِحَالِ الْعَاقِلِ مَعَ مَا يَصْدُرُ عَنْهُ لِذَاتِهِ مِنْ غَيْرِ مُدَاخَلَةِ غَيْرِهِ فِيهِ؟ وَلَا تَظُنَّ أَنَّ كَوْنَكَ مَحَلًّا لِتِلْكَ الصُّورَةِ شَرْطٌ فِي تَعَقُّلِكَ إِيَّاهَا، فَإِنَّكَ تَعْقِلُ ذَاتَكَ مَعَ أَنَّكَ لَسْتَ بِمَحَلٍّ لَهَا، بَلْ إِنَّمَا كَانَ كَوْنُكَ مَحَلًّا لِتِلْكَ الصُّورَةِ شَرْطًا فِي حُصُولِ تِلْكَ الصُّورَةِ لَكَ، الَّذِي هُوَ شَرْطٌ فِي تَعَقُّلِكَ إِيَّاهَا، فَإِنْ حَصَلَتْ تِلْكَ الصُّورَةُ لَكَ بِوَجْهٍ آخَرَ غَيْرِ الْحُلُولِ فِيكَ، حَصَلَ التَّعَقُّلُ مِنْ غَيْرِ حُلُولٍ فِيكَ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ حُصُولَ الشَّيْءِ لِفَاعِلِهِ فِي كَوْنِهِ حُصُولًا لِغَيْرِهِ لَيْسَ دُونَ حُصُولِ الشَّيْءِ لِقَابِلِهِ. فَإِذَنِ؛ الْمَعْلُولَاتُ الذَّاتِيَّةُ لِلْعَاقِلِ الْفَاعِلِ لِذَاتِهِ حَاصِلَةٌ لَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَحِلَّ فِيهِ، فَهُوَ عَاقِلٌ إِيَّاهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ تَكُونَ هِيَ حَالَّةٌ فِيهِ ". وَانْظُرْ مُقَدِّمَةَ الدُّكْتُورِ سُلَيْمَان دُنْيَا لِلْجُزْءِ الثَّانِي مِنَ " الْإِشَارَاتِ " ص [0 - 9] 15 - 116.

ص: 540