الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الْوَجْهُ الرَّابِعُ أَنْ يُقَالَ أَهْلُ السُّنَّةِ مَعَ الرَّافِضَةِ كَالْمُسْلِمِينَ مَعَ النَّصَارَى]
، فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ يُؤْمِنُونَ بِأَنَّ الْمَسِيحَ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، وَلَا يَغْلُونَ فِيهِ غُلُوَّ النَّصَارَى، وَلَا يَجْفُونَ جَفَاءَ الْيَهُودِ. وَالنَّصَارَى تَدَّعِي فِيهِ الْإِلَهِيَّةَ، وَتُرِيدُ أَنْ تُفَضِّلَهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى، بَلْ تُفَضِّلَ الْحَوَارِيِّينَ عَلَى هَؤُلَاءِ الرُّسُلِ، كَمَا تُرِيدُ الرَّوَافِضُ أَنْ تُفَضِّلَ مَنْ قَاتَلَ مَعَ عَلِيٍّ كَمُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ وَالْأَشْتَرِ النَّخَعِيِّ، عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَجُمْهُورِ الصَّحَابَةِ مِنْ (1) الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، فَالْمُسْلِمُ إِذَا نَاظَرَ النَّصْرَانِيَّ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَقُولَ فِي عِيسَى إِلَّا الْحَقَّ، لَكِنْ إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَعْرِفَ جَهْلَ النَّصْرَانِيِّ (2) وَأَنَّهُ لَا حُجَّةَ لَهُ، فَقَدِّرِ الْمُنَاظَرَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْيَهُودِيِّ (3) ; فَإِنَّ النَّصْرَانِيَّ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُجِيبَ عَنْ شُبْهَةِ الْيَهُودِيِّ إِلَّا بِمَا يُجِيبُ بِهِ الْمُسْلِمُ ; فَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ وَإِلَّا كَانَ مُنْقَطِعًا مَعَ الْيَهُودِيِّ، فَإِنَّهُ إِذَا أُمِرَ (4) بِالْإِيمَانِ بِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، فَإِنْ قَدَحَ فِي نُبُوَّتِهِ بِشَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ، لَمْ يُمْكِنْهُ أَنْ يَقُولَ شَيْئًا إِلَّا قَالَ لَهُ الْيَهُودِيُّ (5) فِي الْمَسِيحِ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنَّ الْبَيِّنَاتِ لِمُحَمَّدٍ أَعْظَمُ مِنَ الْبَيِّنَاتِ لِلْمَسِيحِ، وَبُعْدَ أَمْرِ مُحَمَّدٍ (6) عَنِ الشُّبْهَةِ أَعْظَمُ مِنْ بُعْدِ الْمَسِيحِ عَنْ
(1) عِبَارَةُ " الصَّحَابَةِ مِنْ ": سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .
(2)
ن، م: النَّصَارَى.
(3)
أ، ب: الْيَهُودُ.
(4)
ن: أَمِنَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
(5)
أ: إِلَّا قَالَهُ الْيَهُودِيُّ ; ب: إِلَّا قَالَ الْيَهُودِيُّ.
(6)
أب: وَبُعْدَ أَمْرِهِ.
الشُّبْهَةِ (1) ، فَإِنَّ جَازَ الْقَدْحُ فِيمَا دَلِيلُهُ أَعْظَمُ وَشُبْهَتُهُ أَبْعَدُ عَنِ الْحَقِّ، فَالْقَدْحُ فِيمَا دُونَهُ أَوْلَى، وَإِنْ كَانَ الْقَدْحُ فِي الْمَسِيحِ بَاطِلًا، فَالْقَدْحُ فِي مُحَمَّدٍ أَوْلَى بِالْبُطْلَانِ، فَإِنَّهُ إِذَا بَطَلَتِ الشُّبْهَةُ الْقَوِيَّةُ، فَالضَّعِيفَةُ أَوْلَى بِالْبُطْلَانِ، وَإِذَا ثَبَتَتِ الْحُجَّةُ الَّتِي غَيْرُهَا أَقْوَى مِنْهَا فَالْقَوِيَّةُ أَوْلَى بِالثَّبَاتِ.
(2 وَلِهَذَا كَانَ مُنَاظَرَةٌ كَثِيرَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لِلنَّصَارَى مِنْ هَذَا الْبَابِ، كَالْحِكَايَةِ الْمَعْرُوفَةِ عَنِ الْقَاضِي أَبِي بَكْرِ بْنِ الطَّيِّبِ 2)(2) لَمَّا أَرْسَلَهُ الْمُسْلِمُونَ إِلَى مَلِكِ النَّصَارَى بِالْقُسْطَنْطِينِيَّةِ، فَإِنَّهُمْ عَظَّمُوهُ وَعَرَفَ النَّصَارَى (3) قَدْرَهُ، فَخَافُوا أَنْ لَا يَسْجُدَ لِلْمَلِكِ إِذَا دَخَلَ، فَأَدْخَلُوهُ مِنْ بَابٍ صَغِيرٍ لِيَدْخُلَ مُنْحَنِيًا، فَفَطِنَ لِمَكْرِهِمْ، فَدَخَلَ مُسْتَدْبِرًا (4) مُتَلَقِّيًا لَهُمْ بِعَجُزِهِ، فَفَعَلَ نَقِيضَ مَا قَصَدُوهُ، وَلَمَّا جَلَسَ وَكَلَّمُوهُ أَرَادَ بَعْضُهُمُ الْقَدْحَ فِي الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ لَهُ: مَا قِيلَ فِي عَائِشَةَ امْرَأَةِ نَبِيِّكُمْ؟ يُرِيدُ إِظْهَارَ قَوْلِ الْإِفْكِ الَّذِي يَقُولُهُ [مَنْ يَقُولُهُ مِنْ] الرَّافِضَةِ أَيْضًا (5)، فَقَالَ الْقَاضِي: ثِنْتَانِ قُدِحَ فِيهِمَا وَرُمِيَتَا بِالزِّنَا (6) إِفْكًا وَكَذِبًا: مَرْيَمُ وَعَائِشَةُ، فَأَمَّا مَرْيَمُ فَجَاءَتْ بِالْوَلَدِ تَحْمِلُهُ مِنْ غَيْرِ زَوْجٍ، وَأَمَّا عَائِشَةُ فَلَمْ تَأْتِ بِوَلَدٍ مَعَ أَنَّهُ (7) كَانَ لَهَا زَوْجٌ، فَأُبْهِتَ النَّصَارَى.
(1) ن: عَنِ السُّنَّةِ ; م: عَنِ السُّبَّةِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
(2)
(2 - 2) : بَدَلًا مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ فِي (ن)، (م) : وَمِنْ هَذَا الْبَابِ مَا حُكِيَ عَنِ الْقَاضِي أَبِي بَكْرِ بْنِ الطَّيِّبِ. وَفِي هَامِشِ (م) أَمَامَ هَذَا الْمَوْضِعَ كُتِبَ: " قِفْ عَلَى قِصَّةٍ عَجِيبَةٍ ".
(3)
ن، م: وَعَرَفُوا النَّصَارَى، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
(4)
ن: مُسْتَدِيرًا، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
(5)
) ن، م: الَّذِي تَقُولُهُ الرَّافِضَةُ أَيْضًا.
(6)
23) ن، م: رُمِيَتَا بِالزِّنَا وَقُدِحَ فِيهِمَا.
(7)
25) ن، م: مَعَ أَنَّهَا.
وَكَانَ مَضْمُونُ كَلَامِهِ أَنَّ ظُهُورَ بَرَاءَةِ عَائِشَةَ أَعْظَمُ مِنْ ظُهُورِ بَرَاءَةِ مَرْيَمَ، وَأَنَّ الشُّبْهَةَ إِلَى مَرْيَمَ أَقْرَبُ مِنْهَا إِلَى عَائِشَةَ، فَإِذَا كَانَ مَعَ هَذَا قَدْ ثَبَتَ كَذِبُ الْقَادِحِينَ فِي مَرْيَمَ، فَثُبُوتُ كَذِبِ الْقَادِحِينَ فِي عَائِشَةَ أَوْلَى (1) .
وَمِثْلُ هَذِهِ الْمُنَاظَرَةِ أَنْ يَقَعَ التَّفْضِيلَ بَيْنَ طَائِفَتَيْنِ، وَمَحَاسِنُ إِحْدَاهُمَا أَكْثَرُ وَأَعْظَمُ (2) ، وَمَسَاوِيهَا (3) أَقَلُّ وَأَصْغَرُ، فَإِذَا ذُكِرَ مَا فِيهَا مِنْ ذَلِكَ عُورِضَ بِأَنَّ مَسَاوِئَ تِلْكَ أَعْظَمُ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى:{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ} [ثُمَّ قَالَ](4){وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 217](5) ، فَإِنَّ الْكُفَّارَ عَيَّرُوا سَرِيَّةً مِنْ سَرَايَا الْمُسْلِمِينَ بِأَنَّهُمْ قَتَلُوا ابْنَ الْحَضْرَمِيِّ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، فَقَالَ تَعَالَى: هَذَا كَبِيرٌ وَمَا عَلَيْهِ الْمُشْرِكُونَ مِنَ الْكُفْرِ بِاللَّهِ وَالصَّدِّ عَنْ سَبِيلِهِ وَعَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجِ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ، فَإِنَّ هَذَا صَدٌّ عَمًّا لَا تَحْصُلُ النَّجَاةُ
(1) قِصَّةُ الْبَاقِلَّانِيِّ مَعَ مِلْكِ الرُّومِ وَمُنَاقَشَتِهِ مَعَ النَّصَارَى مَذْكُورَةٌ فِي " تَبْيِينِ كَذِبِ الْمُفْتَرِي " لِابْنِ عَسَاكِرَ، ص 218 - 219 ; تَارِيخِ بَغْدَادَ 5/379 - 380، وَانْظُرْ تَرْجَمَتَهُ الْمَنْقُولَةَ عَنْ كِتَابِ " تَرْتِيبِ الْمَدَارِكِ " لِلْقَاضِي عِيَاضٍ، فِي آخِرِ نَشْرَةِ الدُّكْتُورِ مُحَمَّد عَبْد الْهَادِي أَبِي رِيدَة، وَالْأُسْتَاذِ مَحْمُود الْخُضَيْرِي لِكِتَابِ التَّمْهِيدِ، ص 250 - 256، ط. لَجْنَةِ التَّأْلِيفِ، الْقَاهِرَةِ، 1366/1947. وَسَبَقَتْ تَرْجَمَةُ الْبَاقِلَّانِيِّ 1/394.
(2)
ن، م: أَعْظَمُ وَأَكْثَرُ.
(3)
أ: وَمَسَاوِيهُمَا.
(4)
ثُمَّ قَالَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(5)
عِبَارَةُ " وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ ": لَيْسَتْ فِي (ن) ، (م) .
وَالسَّعَادَةُ إِلَّا بِهِ، وَفِيهِ مِنِ انْتِهَاكِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنِ انْتِهَاكِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ.
لَكِنَّ هَذَا النَّوْعَ (1) قَدِ اشْتَمَلَتْ كُلٌّ مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ فِيهِ (2) عَلَى مَا يُذَمُّ، وَأَمَّا النَّوْعُ الْأَوَّلُ فَيَكُونُ كُلٌّ مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ لَا يَسْتَحِقُّ الذَّمَّ، بَلْ هُنَاكَ شَبَهٌ (3) فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَأَدِلَّةٌ فِي الْمَوْضِعَيْنِ (4) ، وَأَدِلَّةُ أَحَدِ الصِّنْفَيْنِ أَقْوَى وَأَظْهَرُ، وَشُبْهَتُهُ (5) أَضْعَفُ وَأَخْفَى، فَيَكُونُ أَوْلَى بِثُبُوتِ الْحَقِّ مِمَّنْ تَكُونُ أَدِلَّتُهُ أَضْعَفَ وَشُبْهَتُهُ أَقْوَى.
وَهَذَا حَالُ النَّصَارَى وَالْيَهُودِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ، وَهُوَ حَالُ أَهْلِ الْبِدَعِ مَعَ أَهْلِ السُّنَّةِ [لَا سِيَّمَا الرَّافِضَةُ](6) .
وَهَكَذَا أَمْرُ [أَهْلِ](7) السُّنَّةِ مَعَ الرَّافِضَةِ فِي أَبِي بَكْرٍ وَعَلِيٍّ، فَإِنَّ الرَّافِضِيَّ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُثْبِتَ إِيمَانَ عَلِيِّ وَعَدَالَتِهِ وَأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ - فَضْلًا عَنْ إِمَامَتِهِ - إِنْ (8) لَمْ يُثْبِتْ ذَلِكَ لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ، وَإِلَّا فَمَتَى أَرَادَ إِثْبَاتَ ذَلِكَ لَعَلِيٍّ وَحْدَهُ لَمْ تُسَاعِدْهُ الْأَدِلَّةُ، كَمَا أَنَّ النَّصْرَانِيَّ إِذَا أَرَادَ إِثْبَاتَ نُبُوَّةَ الْمَسِيحِ دُونَ مُحَمَّدٍ لَمْ تُسَاعِدْهُ الْأَدِلَّةُ، فَإِذَا
(1) ب (فَقَطْ) : لَكِنَّ فِي هَذَا النَّوْعِ.
(2)
فِيهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .
(3)
ن، م: شُبْهَةٌ.
(4)
ن، م: لِلْمَوْضِعَيْنِ
(5)
ن، م، أ: وَشُبْهَتُهُمْ.
(6)
مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(7)
أَهْلِ: زِيَادَةٌ فِي (ب) فَقَطْ.
(8)
ن، م: إِذْ.
قَالَتْ (1) لَهُ الْخَوَارِجُ الَّذِينَ يُكَفِّرُونَ عَلِيًّا أَوِ النَّوَاصِبُ الَّذِينَ يُفَسِّقُونَهُ: إِنَّهُ كَانَ ظَالِمًا طَالِبًا لِلدُّنْيَا، وَإِنَّهُ طَلَبَ الْخِلَافَةَ لِنَفْسِهِ وَقَاتَلَ عَلَيْهَا بِالسَّيْفِ، وَقَتَلَ عَلَى ذَلِكَ أُلُوفًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى عَجَزَ عَنِ انْفِرَادِهِ بِالْأَمْرِ، وَتَفَرَّقَ عَلَيْهِ أَصْحَابُهُ وَظَهَرُوا عَلَيْهِ فَقَاتَلُوهُ، فَهَذَا (2) الْكَلَامُ إِنْ كَانَ فَاسِدًا فَفَسَادُ كَلَامِ الرَّافِضِيِّ فِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ أَعْظَمُ (3) ، وَإِنْ كَانَ مَا قَالَهُ فِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ مُتَوَجَّهًا مَقْبُولًا فَهَذَا أَوْلَى بِالتَّوَجُّهِ وَالْقَبُولِ ; لِأَنَّهُ مِنَ الْمَعْلُومِ لِلْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ أَنَّ مَنْ وَلَّاهُ النَّاسُ بِاخْتِيَارِهِمْ وَرِضَاهُمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَضْرِبَ أَحَدًا لَا بِسَيْفٍ وَلَا عَصًا، وَلَا أَعْطَى أَحَدًا مِمَّنْ وَلَّاهُ مَالًا (4) ، وَاجْتَمَعُوا عَلَيْهِ فَلَمْ يُولِّ أَحَدًا مِنْ أَقَارِبِهِ وَعِتْرَتِهِ، وَلَا خَلَّفَ لِوَرَثَتِهِ مَالًا مِنْ مَالِ الْمُسْلِمِينَ وَكَانَ لَهُ مَالٌ [قَدْ] أَنْفَقَهُ (5) فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَمْ يَأْخُذْ بَدَلَهُ، وَأَوْصَى أَنْ يُرَدَّ إِلَى بَيْتِ مَالِهِمْ مَا كَانَ عِنْدَهُ لَهُمْ، وَهُوَ جَرْدُ قَطِيفَةٍ وَبَكْرٌ وَأَمَةٌ سَوْدَاءُ (6) وَنَحْوُ ذَلِكَ، حَتَّى قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ لِعُمْرَ: أَتَسْلُبُ هَذَا آلَ أَبِي بَكْرٍ؟ قَالَ: كَلَّا وَاللَّهِ، لَا يَتَحَنَّثُ فِيهَا (7) أَبُو بَكْرٍ وَأَتَحَمَّلُهَا أَنَا. وَقَالَ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ يَا أَبَا بَكْرٍ لَقَدْ أَتْعَبْتَ الْأُمَرَاءَ بَعْدَكَ (8) .
(1) ن، م: قَالَ.
(2)
ن، م: فَقَاتَلَهُ وَهَذَا، وَهُوَ خَطَأٌ.
(3)
ن، م، أ: أَعْظَمُ فَسَادًا.
(4)
ن، م: وَلَا أَعْطَاهُ مَالًا.
(5)
ن، م: وَلَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ أَنْفَقَهُ.
(6)
ن، م: وَأَمَةٌ سَوْدَاءُ وَبَكْرٌ.
(7)
ن: يَتَحَنَّثُ عَنْهَا ; ك: يَتَحَنَّثُ مِنْهَا.
(8)
هَذَا الْخَبَرُ مَرْوِيٌّ فِي طَبَقَاتِ ابْنِ سَعْدٍ 3/196 - 197. وَجَرْدُ قَطِيفَةٍ أَيْ: قَطِيفَةٌ انْجَرَدَ خَمَلُهَا وَخَلَقَتْ (اللِّسَانُ مَادَّةُ جَرَدَ) .
ثُمَّ مَعَ هَذَا لَمْ يَقْتُلْ مُسْلِمًا عَلَى وِلَايَتِهِ، وَلَا قَاتَلَ مُسْلِمًا بِمُسْلِمٍ، بَلْ قَاتَلَ بِهِمُ الْمُرْتَدِّينَ [عَنْ دِينِهِمْ](1) وَالْكَفَّارَ، حَتَّى شَرَعَ بِهِمْ فِي فَتْحِ الْأَمْصَارِ، وَاسْتَخْلَفَ الْقَوِيَّ الْأَمِينَ الْعَبْقَرِيَّ، الَّذِي فَتَحَ الْأَمْصَارَ وَنَصَبَ الدِّيوَانَ وَعَمَّرَ (2) بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ.
فَإِنَّ جَازَ لِلرَّافِضِيِّ أَنْ يَقُولَ: إِنَّ هَذَا كَانَ طَالِبًا (3) لِلْمَالِ (4) وَالرِّيَاسَةِ، أَمْكَنَ النَّاصِبِيُّ أَنْ يَقُولَ: كَانَ عَلِيٌّ ظَالِمًا طَالِبًا لِلْمَالِ وَالرِّيَاسَةِ، قَاتَلَ عَلَى الْوِلَايَةِ حَتَّى قَتَلَ الْمُسْلِمِينَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَلَمْ يُقَاتِلْ كَافِرًا، وَلَمْ يَحْصُلْ لِلْمُسْلِمِينَ فِي مُدَّةِ وِلَايَتِهِ إِلَّا شَرٌّ وَفِتْنَةٌ فِي دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ.
فَإِنْ جَازَ أَنْ يُقَالَ: عَلِيٌّ كَانَ مُرِيدًا لِوَجْهِ اللَّهِ، وَالتَّقْصِيرُ مِنْ غَيْرِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ، أَوْ يُقَالُ: كَانَ مُجْتَهِدًا مُصِيبًا وَغَيْرُهُ مُخْطِئًا مَعَ هَذِهِ (5) الْحَالِ، فَأَنْ (6) يُقَالُ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ مُرِيدَيْنِ وَجْهَ اللَّهِ مُصِيبَيْنِ، وَالرَّافِضَةُ مُقَصِّرُونَ فِي مَعْرِفَةِ حَقِّهِمْ مُخْطِئُونَ فِي ذَمِّهِمْ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى [وَالْأَحْرَى](7) ، فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ كَانَ بُعْدُهُمَا عَنْ شُبْهَةِ طَلَبِ الرِّيَاسَةِ وَالْمَالِ أَشَدُّ مِنْ بُعْدِ عَلِيٍّ عَنْ ذَلِكَ، وَشُبْهَةُ الْخَوَارِجِ الَّذِينَ ذَمُّوا عَلِيًّا وَعُثْمَانَ وَكَفَّرُوهُمَا أَقْرَبُ مِنْ شُبْهَةِ الرَّافِضَةِ الَّذِينَ ذَمُّوا أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ
(1) عَنْ دِينِهِمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(2)
أ، ب: وَعَمَّ.
(3)
ن، م: كَانَ هَذَا طَالِبًا.
(4)
ن (فَقَطْ) : لِلْكَمَالِ.
(5)
هَذِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) .
(6)
ن، م: فَإِنَّهُ.
(7)
وَالْأَحْرَى: زِيَادَةٌ فِي (ب)، (م) . وَفِي (أ) : وَالْأُخْرَى.
وَعُثْمَانَ وَكَفَّرُوهُمْ (1) ، فَكَيْفَ بِحَالِ الصَّحَابَةِ [وَالتَّابِعِينَ](2) الَّذِينَ تَخَلَّفُوا عَنْ بَيْعَتِهِ أَوْ قَاتَلُوهُ؟ فَشُبْهَتُهُمْ أَقْوَى مِنْ شُبْهَةِ مَنْ قَدَحَ فِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ، فَإِنَّ أُولَئِكَ قَالُوا: مَا يُمْكِنُنَا أَنْ نُبَايِعَ إِلَّا مَنْ يَعْدِلُ عَلَيْنَا (3) وَيَمْنَعُنَا مِمَّنْ يَظْلِمُنَا وَيَأْخُذُ حَقَّنَا مِمَّنْ ظَلَمَنَا، فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ هَذَا كَانَ عَاجِزًا أَوْ ظَالِمًا وَلَيْسَ عَلَيْنَا أَنْ نُبَايِعَ عَاجِزًا أَوْ ظَالِمًا (4) .
وَهَذَا الْكَلَامُ إِذَا كَانَ بَاطِلًا، فَبُطْلَانُ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ كَانَا ظَالِمَيْنِ طَالِبَيْنِ لِلْمَالِ وَالرِّيَاسَةِ (5) أَبْطَلَ وَأُبْطِلَ. وَهَذَا الْأَمْرُ لَا يَسْتَرِيبُ فِيهِ مَنْ لَهُ بَصَرٌ وَمَعْرِفَةٌ، وَأَيْنَ (6) شُبْهَةٌ مِثْلُ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ (* الَّذِي وَافَقَ عَمْرًا (7) عَلَى عَزْلِ عَلِيٍّ وَمُعَاوِيَةَ، وَأَنْ يُجْعَلَ الْأَمْرَ شُورَى فِي الْمُسْلِمِينَ *) (8) مِنْ شُبْهَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَبَأٍ (9) وَأَمْثَالِهِ الَّذِينَ يَدَّعُونَ أَنَّهُ إِمَامٌ مَعْصُومٌ، أَوْ أَنَّهُ إِلَهٌ أَوْ نَبِيٌّ (10) ؟ بَلْ أَيْنَ شُبْهَةُ الَّذِينَ رَأَوْا أَنْ يُوَلُّوا مُعَاوِيَةَ مِنْ شُبْهَةِ الَّذِينَ يَدَّعُونَ أَنَّهُ إِلَهٌ أَوْ نَبِيٌّ؟ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ كَفَّارٌ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ بِخِلَافِ أُولَئِكَ.
(1) ب: ذَمُّوا أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَكَفَّرُوهُمَا.
(2)
وَالتَّابِعِينَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(3)
ن: نَعْدِلُ عَلِيًّا، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
(4)
ن، م: عَاجِزًا وَلَا ظَالِمًا.
(5)
أ، ب: لِلرِّيَاسَةِ وَالْمَالِ.
(6)
ن: وَأَنَّى.
(7)
ن: عُمَرَ، وَهُوَ خَطَأٌ.
(8)
: مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) .
(9)
ن، م: عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَنًا، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
(10)
سَبَقَتِ الْإِشَارَةُ مِنْ قَبْلِ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَبَأٍ وَمَقَالَتِهِ. انْظُرْ هَذَا الْكِتَابَ 1/23 - 24، 308.
وَمِمَّا يُبَيِّنُ هَذَا أَنَّ الرَّافِضَةَ تَعْجَزُ عَنْ إِثْبَاتِ إِيمَانِ عَلِيِّ وَعَدَالَتِهِ [مَعَ كَوْنِهِمْ عَلَى مَذْهَبِ الرَّافِضَةِ، وَلَا يُمْكِنُهُمْ ذَلِكَ إِلَّا إِذَا صَارُوا مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ](1)، فَإِذَا قَالَتْ لَهُمُ الْخَوَارِجُ وَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ تُكَفِّرُهُ أَوْ تُفَسِّقُهُ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ كَانَ مُؤْمِنًا، بَلْ كَانَ كَافِرًا أَوْ ظَالِمًا - كَمَا يَقُولُونَ [هُمْ](2) فِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ - لَمْ يَكُنْ لَهُمْ دَلِيلٌ عَلَى إِيمَانِهِ وَعَدْلِهِ (3) إِلَّا وَذَلِكَ (4) الدَّلِيلُ عَلَى إِيمَانِ (5) أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ أَدُلُّ.
فَإِنِ احْتَجُّوا بِمَا تَوَاتَرَ مِنْ إِسْلَامِهِ وَهِجْرَتِهِ وَجِهَادِهِ، فَقَدْ تَوَاتَرَ ذَلِكَ عَنْ هَؤُلَاءِ، بَلْ تَوَاتَرَ إِسْلَامُ مُعَاوِيَةَ وَيَزِيدَ وَخُلَفَاءِ بَنِي أُمَيَّةَ وَبَنِي الْعَبَّاسِ، وَصَلَاتُهُمْ وَصِيَامُهُمْ وَجِهَادُهُمْ لِلْكُفَّارِ، فَإِنِ ادَّعَوْا فِي وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ النِّفَاقَ أَمْكَنَ الْخَارِجِيُّ أَنْ يَدَّعِيَ النِّفَاقَ، وَإِذَا ذَكَرُوا شُبْهَةً ذَكَرَ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهَا.
وَإِذَا قَالُوا مَا تَقُولُهُ أَهْلُ الْفِرْيَةِ مِنْ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ كَانَا مُنَافِقَيْنِ فِي الْبَاطِنِ عَدُوَّيْنِ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَفْسَدَا دِينَهُ بِحَسْبِ الْإِمْكَانِ، أَمْكَنَ الْخَارِجِيَّ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ فِي (* عَلِيٍّ، وَيُوَجَّهُ ذَلِكَ بِأَنْ يَقُولَ: كَانَ يَحْسُدُ ابْنَ عَمِّهِ، وَالْعَدَاوَةُ (6) فِي الْأَهْلِ، وَأَنَّهُ كَانَ يُرِيدُ فَسَادَ دِينِهِ فَلَمْ
(1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(2)
هُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن)، (م) . وَفِي (أ) : هُوَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
(3)
م: وَعَدَالَتِهِ.
(4)
أ، ب: وَذَاكَ.
(5)
إِيمَانِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .
(6)
وَالْعَدَاوَةُ: كَذَا فِي (م) ، وَالْكَلِمَةُ غَيْرُ ظَاهِرَةٍ فِي (ن) .
يَتَمَكَّنْ مِنْ ذَلِكَ فِي *) (1) حَيَاتِهِ وَحَيَاةِ الْخُلَفَاءِ الثَّلَاثَةِ ; حَتَّى سَعَى فِي قَتْلِ الْخَلِيفَةِ الثَّالِثِ وَأَوْقَدَ الْفِتْنَةَ حَتَّى تَمَكَّنَ مِنْ (2) قَتْلِ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ وَأُمَتِّهِ بُغْضًا لَهُ وَعَدَاوَةً، وَأَنَّهُ كَانَ مُبَاطِنًا لِلْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ ادَّعَوْا فِيهِ الْإِلَهِيَّةَ وَالنُّبُوَّةَ، وَكَانَ يُظْهِرُ (3) خِلَافَ مَا يُبْطِنُ ; لِأَنَّ دِينَهُ التَّقِيَّةُ، فَلَمَّا أَحْرَقَهُمْ بِالنَّارِ أَظْهَرَ إِنْكَارَ ذَلِكَ، وَإِلَّا فَكَانَ فِي الْبَاطِنِ مَعَهُمْ، وَلِهَذَا كَانَتِ الْبَاطِنِيَّةُ مِنْ أَتْبَاعِهِ وَعِنْدَهُمْ سِرُّهُ، وَهُمْ يَنْقُلُونَ عَنْهُ الْبَاطِنَ الَّذِينَ يَنْتَحِلُونَهُ.
وَيَقُولُ الْخَارِجِيُّ مِثْلَ هَذَا الْكَلَامِ الَّذِي يُرَوَّجُ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ أَعْظَمَ (4) مِمَّا يُرَوِّجُ كَلَامَ الرَّافِضَةِ فِي الْخُلَفَاءِ الثَّلَاثَةِ ; لِأَنَّ شُبَهَ (5) الرَّافِضَةِ أَظْهَرُ فَسَادًا مِنْ شُبَهِ (6) الْخَوَارِجِ وَالنَّوَاصِبِ (7) ، وَالْخَوَارِجِ (8) أَصَحُّ مِنْهُمْ عَقْلًا وَقَصْدًا، وَالرَّافِضَةُ أَكْذِبُ وَأَفْسَدُ دِينًا.
وَإِنْ أَرَادُوا إِثْبَاتَ إِيمَانِهِ وَعَدَالَتِهِ بِنَصِّ (9) الْقُرْآنِ عَلَيْهِ، قِيلَ لَهُمْ (10) : الْقُرْآنُ عَامٌّ، وَتَنَاوُلُهُ لَهُ لَيْسَ بِأَعْظَمَ (11) مِنْ تَنَاوُلِهِ لِغَيْرِهِ، (* وَمَا مِنْ آيَةٍ يَدَّعُونَ اخْتِصَاصَهَا بِهِ إِلَّا أَمْكَنَ أَنْ يُدَّعَى اخْتِصَاصُهَا
(1) : مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) .
(2)
أ: حَتَّى غَلَا مِنْ ; ب: حَتَّى غَلَا فِي.
(3)
ن، م: وَيُظْهِرُ.
(4)
ن، م: أَكْثَرُ.
(5)
أ، ب: شُبْهَةَ.
(6)
أ، ب: شُبْهَةِ.
(7)
وَالنَّوَاصِبِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .
(8)
أ، ب: وَهُمْ.
(9)
ن، م: بِنَبَأِ.
(10)
لَهُمْ: زِيَادَةٌ فِي (ن) فَقَطْ.
(11)
ن، م: لَيْسَ أَعْظَمَ.
أَوِ اخْتِصَاصُ مِثْلِهَا أَوْ أَعْظَمُ مِنْهَا بِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَبَابُ الدَّعْوَى بِلَا حُجَّةٍ مُمْكِنَةٍ، وَالدَّعْوَى فِي فَضْلِ الشَّيْخَيْنِ أَمْكَنُ مِنْهَا *) (1) فِي فَضْلِ غَيْرِهِمَا.
وَإِنْ قَالُوا: ثَبَتَ (2) ذَلِكَ بِالنَّقْلِ وَالرِّوَايَةِ ; فَالنَّقْلُ وَالرِّوَايَةُ فِي أُولَئِكَ أَشْهَرُ وَأَكْثَرُ (3) ; فَإِنِ ادَّعَوْا تَوَاتُرًا فَالتَّوَاتُرُ هُنَاكَ أَصَحُّ، وَإِنِ اعْتَمَدُوا عَلَى نَقْلِ الصَّحَابَةِ فَنَقْلُهُمْ لِفَضَائِلِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ أَكْثَرُ.
ثُمَّ هُمْ يَقُولُونَ: إِنِ الصَّحَابَةَ ارْتَدُوا إِلَّا نَفَرًا قَلِيلًا، فَكَيْفَ تُقْبَلُ رِوَايَةُ هَؤُلَاءِ فِي فَضِيلَةِ أَحَدٍ؟ وَلَمْ يَكُنْ فِي الصَّحَابَةِ رَافِضَةٌ كَثِيرُونَ يَتَوَاتَرُ نَقْلُهُمْ، فَطَرِيقُ النَّقْلِ مَقْطُوعٌ عَلَيْهِمْ إِنْ لَمْ يَسْلُكُوا طَرِيقَ (* أَهْلِ السُّنَّةِ، كَمَا هُوَ مَقْطُوعٌ عَلَى النَّصَارَى فِي إِثْبَاتِ نُبُوَّةِ الْمَسِيحِ إِنْ لَمْ يَسْلُكُوا طَرِيقَ *)(4) الْمُسْلِمِينَ.
وَهَذَا كَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُثْبِتَ فِقْهَ ابْنِ عَبَّاسٍ دُونَ عَلِيٍّ، أَوْ فِقْهَ ابْنِ عُمَرَ دُونَ أَبِيهِ، أَوْ فِقْهَ عَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ (5) دُونَ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي يَثْبُتُ فِيهَا لِلشَّيْءِ حُكْمٌ دُونَ مَا هُوَ أَوْلَى (6) بِذَلِكَ الْحُكْمِ مِنْهُ، فَإِنَّ هَذَا تَنَاقُضٌ مُمْتَنِعٌ عِنْدَ مَنْ سَلَكَ طَرِيقَ الْعِلْمِ وَالْعَدْلِ.
(1) : مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطَةٌ مِنْ (م) .
(2)
ن: يَثْبُتُ.
(3)
أ، ب: أَكْثَرُ وَأَشْهَرُ.
(4)
: مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) .
(5)
فِي الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدٍ اسْمُهُ عَلْقَمَةُ أَوِ الْأَسْوَدُ، وَلَكِنَّ الْأَرْجَحَ أَنَّ ابْنَ تَيْمِيَّةَ يَقْصِدُ اثْنَيْنَ مِنْ تَلَامِذَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنهما عَلْقَمَةُ بْنُ قَيْسِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ النَّخَعِيُّ (تَرْجَمَتُهُ فِي: تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ 7/276 - 278 ; طَبَقَاتِ ابْنِ سَعْدٍ 6/86 - 92) وَالْأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ قَيْسٍ النَّخَعِيُّ (تَرْجَمَتُهُ فِي: تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ 1/342 - 343 ; طَبَقَاتِ ابْنِ سَعْدٍ 6/70 - 75) .
(6)
ن (فَقَطْ) : دُونَ غَيْرِهِ مَا هُوَ أَوْلَى. . . إِلَخْ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.