الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَهَذَا هُوَ التَّسَلْسُلُ الْمُمْتَنِعُ فِي صَرِيحِ الْعَقْلِ، وَلِهَذَا كَانَ هَذَا مُمْتَنِعًا بِاتِّفَاقِ الْعُقَلَاءِ، كَمَا أَنَّ الدَّوْرَ الْمُمْتَنِعَ هُوَ الدَّوْرُ الْقَبْلِيُّ.
فَأَمَّا التَّسَلْسُلُ فِي الْآثَارِ وَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ الشَّيْءُ حَتَّى يَكُونَ قَبْلَهُ غَيْرُهُ، أَوْ لَا يَكُونُ إِلَّا وَيَكُونُ بَعْدَ غَيْرِهِ فَهَذَا لِلنَّاسِ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: قِيلَ: هُوَ مُمْتَنِعٌ فِي الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلِ. وَقِيلَ: بَلْ هُوَ جَائِزٌ فِي الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلِ. وَقِيلَ مُمْتَنِعٌ فِي الْمَاضِي جَائِزٌ فِي الْمُسْتَقْبَلِ. وَالْقَوْلُ بِجَوَازِهِ مُطْلَقًا هُوَ مَعْنَى قَوْلِ السَّلَفِ وَأَئِمَّةِ الْحَدِيثِ وَقَوْلِ جَمَاهِيرِ الْفَلَاسِفَةِ الْقَائِلِينَ بِحُدُوثِ هَذَا الْعَالَمِ وَالْقَائِلِينَ بِقِدَمِهِ. وَقَدْ بُسِطَ الْكَلَامُ عَلَى أَدِلَّةِ الطَّائِفَتَيْنِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، فَإِنَّا قَدْ بَسَطْنَا الْكَلَامَ فِيمَا ذَكَرَهُ مِنْ أُصُولِ الدِّينِ أَضْعَافَ مَا تَكَلَّمَ بِهِ هُوَ وَنَبَّهْنَا عَلَى مَجَامِعِ الْأَقْوَالِ] (1)
[التعليق على قوله وأن الْأَنْبِيَاءَ مَعْصُومُونَ مِنَ الْخَطَأِ وَالسَّهْوِ]
[الوجه الأول اختلافهم في عصمة الأنبياء]
(فَصْلٌ)
وَأَمَّا قَوْلُهُ (2) : " وَأَنَّ (3) الْأَنْبِيَاءَ مَعْصُومُونَ مِنَ (4) الْخَطَأِ وَالسَّهْوِ وَالْمَعْصِيَةِ صَغِيرِهَا وَكَبِيرِهَا مِنْ أَوَّلِ الْعُمُرِ إِلَى آخِرِهِ، وَإِلَّا لَمْ يَبْقَ وُثُوقٌ بِمَا يُبَلِّغُونَهُ، فَانْتَفَتْ فَائِدَةُ الْبَعْثَةِ وَلَزِمَ التَّنْفِيرُ عَنْهُمْ ". فَيُقَالُ: أَوَّلًا: [إِنَّ](5) الْإِمَامِيَّةَ مُتَنَازِعُونَ فِي عِصْمَةِ الْأَنْبِيَاءِ.
(1) هُنَا يَنْتَهِي السَّقْطُ الْمُشَارُ إِلَى أَوَّلِهِ ص 390.
(2)
سَبَقَ وُرُودُ الْكَلَامِ التَّالِي فِي " مِنْهَاجِ الْكَرَامَةِ "(ك) 1/82 (م) ، وَفِيمَا سَبَقَ 2/99.
(3)
ب، ا، ن، م: إِنَّ.
(4)
ك: عَنْ.
(5)
إِنَّ: زِيَادَةٌ فِي (ب) ، (أ) .
قَالَ الْأَشْعَرِيُّ فِي " الْمَقَالَاتِ "(1) : وَاخْتَلَفَتْ (2) الرَّوَافِضُ فِي الرَّسُولِ (3) هَلْ يَجُوزُ عَلَيْهِ أَنْ يَعْصِيَ أَمْ لَا؟ وَهُمْ فِرْقَتَانِ: فَالْفِرْقَةُ الْأُولَى مِنْهُمْ: يَزْعُمُونَ أَنَّ الرَّسُولَ جَائِزٌ عَلَيْهِ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ، وَأَنَّ النَّبِيَّ قَدْ عَصَى فِي أَخْذِ الْفِدَاءِ يَوْمَ بَدْرٍ، فَأَمَّا الْأَئِمَّةُ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، فَإِنَّ الرَّسُولَ إِذَا عَصَى فَإِنَّ الْوَحْيَ يَأْتِيهِ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ، وَالْأَئِمَّةُ لَا يُوحَى إِلَيْهِمْ وَلَا تَهْبِطُ الْمَلَائِكَةُ عَلَيْهِمْ، وَهُمْ مَعْصُومُونَ، فَلَا يَجُوزُ عَلَيْهِمْ أَنْ يَسْهُوا وَ [لَا] يَغْلَطُوا (4) وَإِنْ جَازَ عَلَى الرَّسُولِ الْعِصْيَانُ ". قَالَ (5) :" وَالْقَائِلُ بِهَذَا الْقَوْلِ هِشَامُ بْنُ الْحَكَمِ. وَالْفِرْقَةُ الثَّانِيَةُ مِنْهُمْ: يَزْعُمُونَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَى الرَّسُولِ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ عز وجل، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ عَلَى الْأَئِمَّةِ، لِأَنَّهُمْ جَمِيعًا حُجَجُ اللَّهِ، وَهُمْ مَعْصُومُونَ مِنَ الزَّلَلِ وَلَوْ جَازَ عَلَيْهِمُ السَّهْوُ وَاعْتِمَادُ الْمَعَاصِي وَرُكُوبُهَا (6) لَكَانُوا قَدْ سَاوَوُا الْمَأْمُومِينَ فِي جَوَازِ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، كَمَا جَازَ (7) عَلَى الْمَأْمُومِينَ وَلَمْ يَكُنِ الْمَأْمُومُونَ (8) أَحْوَجَ إِلَى الْأَئِمَّةِ مِنَ الْأَئِمَّةِ لَوْ كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا عَلَيْهِمْ جَمِيعًا (9) ". (10)
[وَأَيْضًا، فَكَثِيرٌ مِنْ شُيُوخِ الرَّافِضَةِ مَنْ يَصِفُ اللَّهَ تَعَالَى بِالنَّقَائِصِ
(1)(مَقَالَاتِ الْإِسْلَامِيِّينَ) 1/115 - 116.
(2)
ب، ا، م: وَاخْتَلَفَ.
(3)
الْمَقَالَاتِ 1/115: الرَّسُولِ عليه السلام.
(4)
ن، م: وَيَغْلَطُوا.
(5)
قَالَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) .
(6)
وَرُكُوبُهَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) .
(7)
ع: جَازَ ذَلِكَ.
(8)
ب، ا: الْمَأْمُومُ.
(9)
ن: لَوْ جَازَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ ; م: لَوْ جَازَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَبَعْدَ هَذَا الْكَلَامِ تُوجَدُ فِي (ب)، (أ) عِبَارَةُ:" فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقِرَّهُمُ اللَّهُ عَلَى الْخَطَأِ فِي شَيْءٍ مِمَّا بَلَّغُوهُ مِنْهُمْ "، وَهِيَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا وَسَتِرُدُ فِيمَا بَعْدُ (ص 396) وَسَنُشِيرُ إِلَيْهَا بِإِذْنِ اللَّهِ.
(10)
الْكَلَامُ بَعْدَ الْقَوْسِ فِي (ع) فَقَطْ وَيَنْتَهِي ص 396.
كَمَا تَقَدَّمَ حِكَايَةُ بَعْضِ ذَلِكَ، فَزُرَارَةُ بْنُ أَعْيَنَ وَأَمْثَالُهُ يَقُولُونَ: يَجُوزُ الْبَدَاءُ عَلَيْهِ وَأَنَّهُ يَحْكُمُ بِالشَّيْءِ ثُمَّ يَتَبَيَّنُ لَهُ مَا لَمْ يَكُنْ عَلِمَهُ فَيَنْتَقِضُ حُكْمُهُ لِمَا ظَهَرَ لَهُ مِنْ خَطَئِهِ. فَإِذَا قَالَ مِثْلُ هَؤُلَاءِ بِأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ وَالْأَئِمَّةَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَخْفَى عَلَيْهِمْ عَاقِبَةُ فِعْلِهِمْ، فَقَدْ نَزَّهُوا الْبَشَرَ عَنِ الْخَطَأِ مَعَ تَجْوِيزِهِمُ الْخَطَأَ عَلَى اللَّهِ، وَكَذَلِكَ هِشَامُ بْنُ الْحَكَمِ وَزَارَةُ بْنُ أَعْيَنَ وَأَمْثَالُهُمَا مِمَّنْ يَقُولُ إِنَّهُ يَعْلَمُ مَا لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِهِ.
وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا مِنْ أَعْظَمِ النَّقَائِصِ فِي حَقِّ الرَّبِّ، فَإِذَا قَالُوا مَعَ ذَلِكَ: إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ وَالْأَئِمَّةَ لَا يَبْدُو لَهُمْ خِلَافُ مَا رَأَوْا فَقَدْ جَعَلُوهُمْ لَا يَعْلَمُونَ مَا لَمْ يَكُونُوا يَعْلَمُونَهُ فِي مِثْلِ هَذَا، وَقَالُوا: بِجَوَازِ ذَلِكَ فِي غَيْرِهِ.
وَأَمَّا مَا تَقُولُهُ: غُلَاتُهُمْ مِنْ إِلَاهِيَّةِ عَلِيٍّ، أَوْ نُبُوَّتِهِ، وَغَلَطِ جِبْرِيلَ بِالرِّسَالَةِ فَهُوَ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُذْكَرَ هُنَا. وَلَا رَيْبَ أَنَّ الشِّرْكَ وَالْغُلُوَّ يُخْرِجُ أَصْحَابَهُ إِلَى أَنْ يَجْعَلُوا الْبَشَرَ مِثْلَ الْإِلَهِ، بَلْ أَفْضَلَ مِنَ الْإِلَهِ فِي بَعْضِ الْأُمُورِ، كَمَا ذَكَرَ اللَّهُ عَنِ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ قَالَ:{وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلَا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 136]، وَقَالَ تَعَالَى:{وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 108] .
فَهَؤُلَاءِ لَمَّا سُبَّتْ آلِهَتُهُمْ سَبُّوا اللَّهَ مُقَابَلَةً، فَجَعَلُوهُمْ مُمَاثِلِينَ لِلَّهِ وَأَعْظَمَ فِي قُلُوبِهِمْ، كَمَا تَجِدُ كَثِيرًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ يُحِبُّ مَا اتَّخَذَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا أَكْثَرَ مِمَّا يُحِبُّ اللَّهَ تَعَالَى، وَتَجِدُ أَحَدَهُمْ يَحْلِفُ بِاللَّهِ وَيَكْذِبُ،