الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَهَذَا الْمَقَامُ بُرْهَانٌ بَيِّنٌ لِمَنْ تَأَمَّلَهُ. وَبَيَانُهُ أَنَّ النَّاسَ مُتَنَازِعُونَ فِي إِثْبَاتِ الصِّفَاتِ لِلَّهِ: فَأَهْلُ السُّنَّةِ يُثْبِتُونَ الصِّفَاتِ لِلَّهِ، وَكَثِيرٌ مِنَ الْفَلَاسِفَةِ وَالشِّيعَةِ يُوَافِقُهُمْ عَلَى ذَلِكَ، وَأَمَّا الْجَهْمِيَّةُ وَغَيْرُهُمْ - كَالْمُعْتَزِلَةِ (1) وَمَنْ وَافَقَهُمْ مِنَ الشِّيعَةِ وَالْفَلَاسِفَةِ كَابْنِ سِينَا وَنَحْوِهِ - فَإِنَّهُمْ يَنْفُونَ الصِّفَاتِ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى، وَيَقُولُونَ:(2) : إِنَّ إِثْبَاتَهَا تَجْسِيمٌ وَتَشْبِيهٌ وَتَرْكِيبٌ (3)
[عمدة الفلاسفة على نفي الصفات هي حجة التركيب]
وَعُمْدَةُ ابْنِ سِينَا [وَأَمْثَالِهِ](4) عَلَى نَفْيِهَا هِيَ (5) حُجَّةُ التَّرْكِيبِ، وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ صِفَةٌ لَكَانَ مُرَكَّبًا، وَالْمُرَكَّبُ مُفْتَقِرٌ إِلَى جُزْئَيْهِ، وَجُزْءَاهُ (6) غَيْرُهُ، وَالْمُفْتَقِرُ إِلَى غَيْرِهِ لَا يَكُونُ وَاجِبًا بِنَفْسِهِ.
وَقَدْ تَكَلَّمَ النَّاسُ عَلَى إِبْطَالِ هَذِهِ الْحُجَّةِ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ بِسَبَبِ أَنَّ لَفْظَ " التَّرْكِيبِ " وَ " الْجُزْءِ " وَ " الِافْتِقَارِ " وَ " الْغَيْرِ " أَلْفَاظٌ مُجْمَلَةٌ.
فَيُرَادُ بِالْمُرَكَّبِ مَا رَكَّبَهُ غَيْرُهُ، وَمَا كَانَ مُتَفَرِّقًا فَاجْتَمَعَ، وَمَا يَقْبَلُ التَّفْرِيقَ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ مُنَزَّهٌ عَنْ هَذَا بِالِاتِّفَاقِ، وَأَمَّا الذَّاتُ الْمَوْصُوفَةُ بِصِفَاتٍ لَازِمَةٍ لَهَا، فَإِذَا سَمَّى الْمُسَمِّي هَذَا تَرْكِيبًا، كَانَ هَذَا اصْطِلَاحًا لَهُ لَيْسَ هُوَ الْمَفْهُومَ مِنْ لَفْظِ الْمُرَكَّبِ.
وَالْبَحْثُ إِذَا كَانَ فِي الْمَعَانِي الْعَقْلِيَّةِ لَمْ يُلْتَفَتْ فِيهِ إِلَى اللَّفْظِ.
(1) ن، م: مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ.
(2)
ن، م: فَهُمْ يَنْفُونَ الصِّفَاتِ لِلَّهِ وَيَقُولُونَ. .
(3)
ن: تَشْبِيهٌ وَتَجْسِيمٌ وَتَرْكِيبٌ ; م: سُنَّةٌ وَتَرْكِيبٌ. .
(4)
" وَأَمْثَالِهِ " سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(5)
ن، م: هُوَ.
(6)
ن: وَجُزْؤُهُ.
فَيُقَالُ: هَبْ أَنَّكُمْ سَمَّيْتُمْ هَذَا تَرْكِيبًا (1) فَلَا دَلِيلَ لَكُمْ عَلَى نَفْيِهِ. وَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ نَاظَرَهُمْ أَبُو حَامِدٍ الْغَزَالِيُّ فِي " التَّهَافُتِ ".
وَكَذَلِكَ لَفْظُ " الْجُزْءِ " يُرَادُ بِهِ بَعْضُ الشَّيْءِ الَّذِي رُكِّبَ مِنْهُ، كَأَجْزَاءِ الْمُرَكَّبَاتِ مِنَ الْأَطْعِمَةِ وَالنَّبَاتَاتِ وَالْأَبْنِيَةِ (2) ، وَبَعْضُهُ الَّذِي يُمْكِنُ [فَصْلُهُ](3) عَنْهُ كَأَعْضَاءِ الْإِنْسَانِ، وَيُرَادُ بِهِ صِفَتُهُ اللَّازِمَةُ لَهُ كَالْحَيَوَانِيَّةِ لِلْحَيَوَانِ وَالْإِنْسَانِيَّةِ لِلْإِنْسَانِ وَالنَّاطِقِيَّةِ لِلنَّاطِقِ، وَيُرَادُ بِهِ بَعْضُهُ الَّذِي لَا يُمْكِنُ تَفْرِيقُهُ كَجُزْءِ الْجِسْمِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ مُفَارَقَتُهُ لَهُ: إِمَّا الْجَوْهَرُ الْفَرْدُ، وَإِمَّا الْمَادَّةُ وَالصُّورَةُ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِثُبُوتِ ذَلِكَ [وَيَقُولُ: إِنَّهُ] (4) لَا يُوجَدُ إِلَّا بِوُجُودِ الْجِسْمِ، وَإِمَّا غَيْرُ ذَلِكَ عِنْدَ مَنْ لَا يَقُولُ بِذَلِكَ.
فَإِنَّ النَّاسَ مُتَنَازِعُونَ فِي الْجِسْمِ: هَلْ هُوَ مُرَكَّبٌ مِنَ الْمَادَّةِ وَالصُّورَةِ، أَوْ مِنَ الْجَوَاهِرِ الْمُنْفَرِدَةِ، أَوْ لَا مِنْ هَذَا [وَلَا مِنْ هَذَا](5) ؟ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ. وَأَكْثَرُ الْعُقَلَاءِ عَلَى الْقَوْلِ الثَّالِثِ كَالْهِشَامِيَّةِ وَالنَّجَّارِيَّةِ وَالضِّرَارِيَّةِ وَالْكُلَّابِيَّةِ [وَالْأَشْعَرِيَّةِ](6) وَكَثِيرٍ مِنَ الْكَرَّامِيَّةِ، وَكَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ وَالتَّصَوُّفِ وَالْمُتَفَلْسِفَةِ وَغَيْرِهِمْ.
وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ لَفْظَ " الْجُزْءِ "(7) لَهُ عِدَّةُ مَعَانٍ بِحَسَبِ
(1) ن، م: مُرَكَّبًا.
(2)
ن، م: مِنَ الْأَطْعِمَةِ وَالْأَبْنِيَةِ وَالثِّيَابِ.
(3)
فَصْلُهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(4)
وَيَقُولُ إِنَّهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) .
(5)
وَلَا مِنْ هَذَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) .
(6)
وَالْأَشْعَرِيَّةِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(7)
ن، م: الْحَرَكَةِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ مِنَ النَّاسِخِ.