الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هُوَ، وَلَكِنَّ الْجَهْمِيَّةَ وَالْمُعْتَزِلَةَ لَمَّا كَانَ أَصْلُهُمْ أَنَّ الرَّبَّ لَا تَقُومُ بِهِ الصِّفَاتُ وَالْأَفْعَالُ وَالْكَلَامُ، لَزِمَهُمْ أَنْ يَقُولُوا: كَلَامُهُ بَائِنٌ عَنْهُ مَخْلُوقٌ [مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ](1) . وَكَانَ أَوَّلُ مَنْ ظَهَرَ عَنْهُ هَذَا (2) الْجَعْدَ بْنَ دِرْهَمٍ (3) ثُمَّ الْجَهْمَ [ابْنَ صَفْوَانَ](4) ، ثُمَّ صَارَ هَذَا فِي الْمُعْتَزِلَةِ.
[أقوال أئمة الإسلام في القرآن]
وَلَمَّا ظَهَرَ هَذَا سَأَلُوا أَئِمَّةَ الْإِسْلَامِ مِثْلَ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ (5) وَأَمْثَالِهِ، فَقَالُوا لِجَعْفَرٍ [الصَّادِقِ] (6) : الْقُرْآنُ خَالِقٌ أَمْ مَخْلُوقٌ؟ (7) فَقَالَ: لَيْسَ بِخَالِقٍ وَلَا مَخْلُوقٍ، وَلَكِنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ قَوْلَهُ:" لَيْسَ بِخَالِقٍ وَلَا مَخْلُوقٍ " لَمْ يُرِدْ بِهِ [أَنَّهُ](8) لَيْسَ بِكَاذِبٍ وَلَا مَكْذُوبٍ، لَكِنْ أَرَادَ [أَنَّهُ](9) لَيْسَ هُوَ الْخَالِقَ لِلْمَخْلُوقَاتِ، وَلَا هُوَ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ وَلَكِنَّهُ كَلَامُ الْخَالِقِ.
وَكَذَلِكَ مَا نُقِلَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ -[رضي الله عنه](10) - لَمَّا قِيلَ
(1) مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(2)
ن، م: ظَهَرَ هَذَا عَنْهُ.
(3)
عَلَى هَامِشِ نُسْخَةِ (ع) بَعْدَ نَقْلِ بَعْضِ الْعِبَارَاتِ السَّابِقَةِ مَا يَلِي: " قُلْتُ: جَعْدُ بْنُ دِرْهَمٍ ذَبَحَهُ خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقَسْرِيُّ بِيَدِهِ بَعْدَ مَا نَزَلْ عَنِ الْخُطْبَةِ فِي عِيدِ الْأَضْحَى، فَقَالَ فِي أَثْنَاءِ خُطْبَتِهِ: أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ جَعْدًا هَذَا يَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَا اتَّخَذَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا وَلَا كَلَّمَ مُوسَى تَكْلِيمًا، قُومُوا وَضَحُّوا - تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنَّا وَمِنْكُمْ - فَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُضَحِّيَ جَعْدَ بْنَ دِرْهَمٍ. فَنَزَلَ عَنْ خُطْبَتِهِ وَذَبَحَهُ بِيَدِهِ، وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ ". وَهَذَا الْخَبَرُ فِي الْكَامِلِ لِابْنِ الْأَثِيرِ 5/104.
(4)
ابْنَ صَفْوَانَ: زِيَادَةٌ فِي (ع) .
(5)
م: سَأَلُوا عَيْنَ الْأَعْلَامِ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ الصَّادِقَ.
(6)
الصَّادِقِ: زِيَادَةٌ فِي (ع) .
(7)
ع: الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ أَمْ خَالِقٌ.
(8)
أَنَّهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(9)
أَنَّهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(10)
رضي الله عنه: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) وَفِي (م) : عليه السلام.
لَهُ: حَكَّمْتَ مَخْلُوقًا! ؟ قَالَ: لَمْ أُحَكِّمْ مَخْلُوقًا وَإِنَّمَا حَكَّمْتُ الْقُرْآنَ.
وَمَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي " الرَّدِّ عَلَى الْجَهْمِيَّةِ "(1) . قَالَ: " كَتَبَ إِلَيَّ حَرْبٌ الْكِرْمَانِيُّ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُصَفَّى، (2) ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ جُمَيْعٍ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا حَكَّمَ عَلِيٌّ الْحَكَمَيْنِ، قَالَتِ الْخَوَارِجُ: حَكَّمْتَ رَجُلَيْنِ؟ قَالَ: مَا حَكَّمْتُ مَخْلُوقًا، إِنَّمَا حَكَّمْتُ الْقُرْآنَ.
حَدَّثَنَا الْأَشَجُّ، ثَنَا يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ، ثَنَا حَسَنُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ، قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ لِلْحَكَمَيْنِ: احْكُمَا بِالْقُرْآنِ كُلِّهِ، فَإِنَّهُ كُلَّهُ لِي ".
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: " ثَنَا أَبِي (3) ، ثَنَا الصُّهَيْبِيُّ ابْنُ عَمِّ عَلِيِّ بْنِ عَاصِمٍ وَعَلِيِّ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُدَيْرٍ (4)، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: كَانَ ابْنُ
(1) الْإِمَامُ الْحَافِظُ النَّاقِدُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَافِظِ الْكَبِيرِ أَبِي حَاتِمٍ مُحَمَّدِ بْنِ إِدْرِيسَ الْمُنْذِرِ التَّمِيمِيُّ الْحَنْظَلِيُّ، وُلِدَ سَنَةَ 240 وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 327. قَالَ الذَّهَبِيُّ:" وَلَهُ مُصَنَّفٌ كَبِيرٌ فِي " الرَّدِّ عَلَى الْجَهْمِيَّةِ " يَدُلُّ عَلَى إِمَامَتِهِ ". انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ وَمُصَنَّفَاتِهِ: تَذْكِرَةَ الْحُفَّاظِ لِلذَّهَبِيِّ (الطَّبْعَةَ الثَّالِثَةَ بِحَيْدَرَآبَادَ، 1376/1957) 3/829 - 832، فَوَاتَ الْوَفَيَاتِ لِابْنِ شَاكِرٍ 1/542 - 543 ; طَبَقَاتِ الْحَنَابِلَةِ، 2 ; الْعِبَرَ لِلذَّهَبِيِّ (ط. الْكُوَيْتِ) 2/208 ; تَارِيخَ الْأَدَبِ الْعَرَبِيِّ لِبُرُوكْلِمَانْ 3/223 ; الْأَعْلَامَ لِلزِّرِكْلِيِّ 4/99 ; سِزْكِينْ م [0 - 9] ، ج [0 - 9] ، ص [0 - 9] 52 - 355
(2)
هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُصَفَّى بْنِ بُهْلُولٍ الْحِمْصِيُّ، تُوُفِّيَ سَنَةَ 246. تَرْجَمَتُهُ فِي: الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ ج [0 - 9] ، ق [0 - 9] ، ص [0 - 9] 04 ; الْخُلَاصَةِ لِلْخَزْرَجِيِّ، ص 307 ; اللُّبَابِ لِابْنِ الْأَثِيرِ 1/319.
(3)
عِبَارَةُ " ثَنَا أَبِي " سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) ، (م) وَهِيَ فِي (ن) .
(4)
فِي الْخُلَاصَةِ لِلْخَزْرَجَيِّ، ص 250:" عِمْرَانُ بْنُ حُدَيْرٍ بِمُهْمَلَاتٍ مُصَغَّرًا. . مَاتَ سَنَةَ 149 ".
عَبَّاسٍ فِي جِنَازَةٍ فَسَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ: يَا رَبَّ الْقُرْآنِ ارْحَمْهُ. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَهْ، الْقُرْآنُ مِنْهُ، الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ وَلَيْسَ بِمَرْبُوبٍ، مِنْهُ خَرَجَ وَإِلَيْهِ يَعُودُ.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمَّارِ بْنِ الْحَارِثِ، ثَنَا أَبُو مَرْوَانَ الطَّبَرِيُّ بِمَكَّةَ - يَعْنِي الْحَكَمَ بْنَ مُحَمَّدٍ - ثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ: سَمِعْتُ مَشْيَخَتَنَا مُنْذُ سَبْعِينَ سَنَةً يَقُولُونَ: الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ. وَفِي رِوَايَةٍ: مِنْهُ بَدَأَ وَإِلَيْهِ يَعُودُ ". وَهَذَا رَوَاهُ (1) غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ [سُفْيَانَ] (2) بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرٍو، وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ " خَلْقِ أَفْعَالِ الْعِبَادِ " (3) .
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: " ثَنَا أَبِي، ثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْعَظِيمِ، ثَنَا رُوَيْمُ بْنُ يَزِيدَ الْمُقْرِي، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ بَكِيرٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سُئِلَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عَنِ الْقُرْآنِ، فَقَالَ: لَيْسَ بِخَالِقٍ وَلَا مَخْلُوقٍ وَلَكِنَّهُ كَلَامُ الْخَالِقِ، وَرَوَاهُ أَبُو زُرْعَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ مَنْصُورٍ، عَنْ رُوَيْمٍ، فَذَكَرَهُ.
وَحَدَّثَنَا (4) جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ هَارُونَ، ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُصْعَبٍ، ثَنَا مُوسَى بْنُ دَاوُدَ الْكُوفِيُّ عَنْ رَجُلٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَأَلَهُ: إِنَّ قَوْمًا يَقُولُونَ: الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ؟ فَقَالَ: لَيْسَ بِخَالِقٍ وَلَا مَخْلُوقٍ وَلَكِنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ.
(1) ع: رِوَايَةُ.
(2)
سُفْيَانَ: زِيَادَةٌ فِي (ع) .
(3)
هَذَا الْأَثَرُ ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي أَوَّلِ كِتَابِ " خَلْقِ أَفْعَالِ الْعِبَادِ " ص [0 - 9] 17: ضِمْنَ مَجْمُوعَةِ " عَقَائِدِ السَّلَفِ "، وَفِيهِ:. . وَلَيْسَ بِمَخْلُوقٍ وَلَمْ يَذْكُرِ الرِّوَايَةَ الثَّانِيَةَ.
(4)
ن، م: وَقَالَ.
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ سَهْلٍ الرَّمْلِيُّ، ثَنَا مُوسَى بْنُ دَاوُدَ، ثَنَا مَعْبَدٌ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ مُعَاوِيَةَ (1) بْنِ عَمَّارٍ الذَّهَبِيِّ، قَالَ: قُلْتُ لِجَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ: إِنَّهُمْ يَسْأَلُونِي عَنِ الْقُرْآنِ: مَخْلُوقٌ أَوْ خَالِقٌ؟ فَقَالَ: إِنَّهُ لَيْسَ بِخَالِقٍ وَلَا مَخْلُوقٍ، وَلَكِنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ.
وَحَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ، ثَنَا سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ، فَذَكَرَهُ.
وَحَدَّثَنَا أَبِي (2)، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الصَّبَّاحِ، ثَنَا مَعْبَدٌ بِمِثْلِهِ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فِيمَا كَتَبَ إِلَيَّ، قَالَ: قَالَ أَبِي (3) : وَحُدِّثْتُ (4) عَنْ مُوسَى بْنِ دَاوُدَ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَنْ مَعْبَدٍ، قَالَ (5) : رَأَيْتُ مَعْبَدًا هَذَا وَلَمْ يَكُنْ بِهِ بَأْسٌ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ (6) ثُمَّ قَالَ: كَانَ يُفْتِي بِرَأْيِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ مَوْلَى الْمُهَلَّبِ بْنِ أَبِي صُفْرَةَ، ثَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ أَخِيهِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ، قَالَ: سُئِلَ أَبِي [جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ](7) عَنِ الْقُرْآنِ: خَالِقٌ أَوْ مَخْلُوقٌ؟ قَالَ: لَوْ كَانَ خَالِقًا لَعُبِدَ، وَلَوْ كَانَ مَخْلُوقًا لَنَفِدَ ".
وَمِثْلُ هَذِهِ الْآثَارِ كَثِيرَةٌ عَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَالْأَئِمَّةِ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ (8)
(1) ن، م: أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ مُعَاوِيَةُ. . إِلَخْ.
(2)
ن: وَحَدَّثَنَا أَبِي. وَسَقَطَتْ كَلِمَةُ " وَحَدَّثَنَا " مِنْ (م) .
(3)
م: قَالَ لِي أَبِي.
(4)
ع: وَجَدْتُ، وَهُوَ خَطَأٌ.
(5)
ن، م: فَقَالَ.
(6)
ع: عَنْهُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
(7)
بْنُ مُحَمَّدٍ: زِيَادَةٌ فِي (ع) .
(8)
ن، م: مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ.
وَغَيْرِهِمْ. فَعَلِيٌّ -[رضي الله عنه](1) - لَمْ يُرِدْ بِقَوْلِهِ: مَا حَكَّمْتُ مَخْلُوقًا وَإِنَّمَا حَكَّمْتُ الْقُرْآنَ، أَيْ: مَا حَكَّمْتُ كَلَامًا مُفْتَرًى ; فَإِنَّ الْخَوَارِجَ إِنَّمَا قَالُوا لَهُ: حَكَّمْتَ مَخْلُوقًا مِنَ النَّاسِ! ؟ - وَهُمَا أَبُو مُوسَى وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ (2) - فَقَالَ: لَمْ أُحَكِّمْ مَخْلُوقًا، وَإِنَّمَا حَكَّمْتُ الْقُرْآنَ، وَهُوَ كَلَامُ اللَّهِ.
فَالْحُكْمُ لِلَّهِ، وَهُوَ سُبْحَانُهُ يَصِفُ كَلَامَهُ بِأَنَّهُ يَحْكُمُ وَيَقُصُّ (3)[وَيُفْتِي](4)، كَقَوْلِهِ:{إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ} [سُورَةُ النَّمْلِ: 76] وَكَقَوْلِهِ (5) : {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 127] أَيْ: وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ.
وَقَوْلِهِ: {وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 213) .
وَإِذَا أُضِيفَ الْحُكْمُ وَالْقَصَصُ وَالْإِفْتَاءُ (6) إِلَى الْقُرْآنِ - الَّذِي هُوَ كَلَامُ اللَّهِ - فَاللَّهُ هُوَ الَّذِي (7) حَكَمَ بِهِ وَأَفْتَى بِهِ وَقَصَّ بِهِ، كَمَا أَضَافَ ذَلِكَ إِلَى نَفْسِهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ.
(1) رضي الله عنه: زِيَادَةٌ فِي (ع) .
(2)
م: وَهُمَا الْحَكَمَانِ.
(3)
ن، م: وَيَقْضِي.
(4)
وَيُفْتِي: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) .
(5)
ن: وَقَوْلِهِ ; م: فِي قَوْلِهِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
(6)
ن: وَالْإِقْبَالُ، وَهُوَ خَطَأٌ.
(7)
ن: الَّذِي هُوَ.
فَهَذَا هُوَ مُرَادُ عَلِيِّ [بْنِ أَبِي طَالِبٍ] وَجَعْفَرِ [بْنِ مُحَمَّدٍ] وَغَيْرِهِمَا (1) مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ -[رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ](2) - وَسَائِرِ سَلَفِ الْأُمَّةِ بِلَا رَيْبٍ. فَتَبَيَّنَ أَنَّ هَؤُلَاءِ الرَّافِضَةَ مُخَالِفُونَ لِأَئِمَّةِ أَهْلِ الْبَيْتِ وَسَائِرِ السَّلَفِ فِي مَسْأَلَةِ الْقُرْآنِ كَمَا خَالَفُوهُمْ فِي غَيْرِهَا.
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إِنَّهُ مَجْعُولٌ، فَاللَّهُ لَمْ يَصِفْهُ بِأَنَّهُ مَجْعُولٌ مُعَدَّى إِلَى مَفْعُولٍ وَاحِدٍ، بَلْ قَالَ:{إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [سُورَةُ الزُّخْرُفِ: 3]، فَإِذَا قَالُوا: هُوَ مَجْعُولٌ قُرْآنًا عَرَبِيًّا، فَهَذَا حَقٌّ. وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى:{مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ} [سُورَةُ الْأَنْبِيَاءِ: 2]، فَهَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ " الذِّكْرَ " نَوْعَانِ: مُحْدَثٌ وَغَيْرُ مُحْدَثٍ، كَمَا تَقُولُ: مَا جَاءَنِي مِنْ رَجُلٍ عَدْلٍ إِلَّا قَبِلْتُ شَهَادَتَهُ، وَصِفَةُ النَّكِرَةِ لِلتَّخْصِيصِ، وَعِنْدَهُمْ كُلُّ ذَلِكَ مُحْدَثٌ، وَالْمُحْدَثُ فِي الْقُرْآنِ لَيْسَ هُوَ الْمُحْدَثُ فِي كَلَامِهِمْ، فَلَمْ يُوَافِقُوا الْقُرْآنَ.
ثُمَّ إِذَا قِيلَ: هُوَ مُحْدَثٌ (3) ، لَمْ يَلْزَمْ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مَخْلُوقًا بَائِنًا (4) عَنِ اللَّهِ، بَلْ إِذَا تَكَلَّمَ اللَّهُ بِهِ (5) بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ وَهُوَ قَائِمٌ بِهِ، جَازَ أَنْ يُقَالَ: هُوَ مُحْدَثٌ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ كَلَامُهُ الْقَائِمُ بِذَاتِهِ وَلَيْسَ بِمَخْلُوقٍ.
وَهَذَا قَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ. وَقَدِ احْتَجَّ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: " «إِنَّ اللَّهَ يُحْدِثُ مِنْ أَمْرِهِ مَا
(1) ن، م: عَلِيٍّ وَجَعْفَرٍ وَغَيْرِهِمَا.
(2)
عِبَارَةُ " رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ": زِيَادَةٌ فِي (ع) .
(3)
ن: إِنَّهُ مُحْدَثٌ.
(4)
ن، م: ثَابِتًا، وَهُوَ خَطَأٌ.
(5)
ع: بَلْ إِذَا تَكَلَّمَ بِهِ.