المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[الوجه الأول في الرد على قول ابن المطهر: تعددت آراؤهم بحسب تعدد أهوائهم] - منهاج السنة النبوية - جـ ٢

[ابن تيمية]

فهرس الكتاب

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي فِي أَنَّ مَذْهَبَ الْإِمَامِيَّةِ وَاجِبُ الِاتِّبَاعِ]

- ‌[مقدمة الْفَصْلُ الثَّانِي]

- ‌[الرد على القسم الأول من كلام ابن المطهر في المقدمة من وجوه]

- ‌[الوجه الأول في الرد على قول ابن المطهر: تَعَدَّدَتْ آرَاؤُهُمْ بِحَسَبَ تَعَدُّدِ أَهْوَائِهِمْ]

- ‌[الْوَجْهُ الثَّانِي كَذِبُ ابن المطهر وَتَحْرِيفه فِيمَا نَقَلَهُ عَنْ حَالِ الصَّحَابَةِ بَعْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[الْوَجْهُ الثَّالِثُ في بيان زهد أبي بكر وزهد من بايعه]

- ‌[الْوَجْهُ الرَّابِعُ أَنْ يُقَالَ أَهْلُ السُّنَّةِ مَعَ الرَّافِضَةِ كَالْمُسْلِمِينَ مَعَ النَّصَارَى]

- ‌[الْوَجْهُ الْخَامِسُ تَمْثِيلُ ابن المطهر بِقِصَّةِ عُمَرَ بْنِ سَعْدٍ من أقبح القياس]

- ‌[الرد على القسم الثاني من المقدمة]

- ‌[الرد على القسم الأخير من المقدمة]

- ‌[فصل كلام ابن المطهر بعد المقدمة وجوب اتباع مذهب الإمامية لوجوه]

- ‌[الوجه الأول حتى الرابع من وجوه قول الرافضي وَإِنَّمَا كَانَ مَذْهَبُ الْإِمَامِيَّةِ وَاجِبَ الِاتِّبَاعِ]

- ‌[الوجه الخامس وفيه الرد التفصيلي على القسم الأول من كلام ابن المطهر]

- ‌[التعليق على قوله إن الله منزه عن مشابهة المخلوقات]

- ‌[التعليق على قوله أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَخْصُوصُ بِالْأَزَلِيَّةِ وَالْقِدَمِ]

- ‌[التعليق على قوله أن كل ما سواه محدث]

- ‌[التعليق على قوله لأنه واحد وليس بجسم ولا جوهر]

- ‌[التعليق على قوله ولا في مكان]

- ‌[الكلام على قوله وَإِلَّا لَكَانَ مُحْدَثًا]

- ‌[الرد على دليل الرافضة والمعتزلة]

- ‌[الإثبات المفصل لصفات الكمال والنفي المجمل لصفات النقص]

- ‌[عمدة الفلاسفة على نفي الصفات هي حجة التركيب]

- ‌[مناقشة الحجة الَّتِي احْتَجَّ بِهَا هَؤُلَاءِ الْفَلَاسِفَةُ وَمَنْ وَافَقَهُمْ عَلَى نَفْيِ الصِّفَاتِ]

- ‌[امتناع وجود ربين للعالم]

- ‌[عود إلى الكلام على اتصاف الله بصفات الكلام]

- ‌[فساد استدلال الفلاسفة بآيات سورة الأنعام]

- ‌[عود إلى الكلام على معاني لفظ الجسم]

- ‌[مناقشة نفاة الصفات إجمالا]

- ‌[مقالات الرافضة في التجسيم]

- ‌[معنى لفظ أهل السنة وموقفهم من إطلاق لفظ الجسم]

- ‌[موقف النفاة كالمعتزلة وموافقيهم]

- ‌[موقف الأشعري من إثبات الصفات]

- ‌[الْوَجْهُ السَّادِسُ وفيه أن أكثر متقدمي الإمامية كانوا مجسمة]

- ‌[الْوَجْهُ السَّابِعُ وفيه عرض لمقالات الرافضة]

- ‌[فَصْلٌ موافقة جعفر الصادق لسائر السلف في مسألة القرآن]

- ‌[مقالات الروافض في القرآن]

- ‌[أقوال أئمة الإسلام في القرآن]

- ‌[معارضة أدلة الإمامية بأدلة غيرهم من المبتدعة]

- ‌[طرق إثبات وجود الله عند أهل السنة]

- ‌[طرق إثبات حُدُوثُ الْعَالَمِ]

- ‌[الرد على قوله عن الإمامية إنهم يقولون إن الله قادر على جميع المقدورات]

- ‌[التعليق على قوله إنه عَدْلٌ حَكِيمٌ لَا يَظْلِمُ أَحَدًا وَلَا يَفْعَلُ الْقَبِيحَ وَإِلَّا لَزِمَ الْجَهْلُ أَوِ الْحَاجَةُ]

- ‌[مقالات الرافضة فِي خلق أَعْمَالِ الْعِبَادِ]

- ‌[التعليق على قوله يُثِيبُ الْمُطِيعَ وَيَعْفُو عَنِ الْعَاصِي أَوْ يُعَذِّبُهُ]

- ‌[مقالات الروافض في الوعيد]

- ‌[القول الأول في معنى الظلم عند مثبتة القدر]

- ‌[الْقَوْلُ الثَّانِي فِي مَعْنَى الظُّلْمِ عند مثبتة القدر]

- ‌[التعليق على قوله أَوْ يُعَذِّبُهُ بِجُرْمِهِ مِنْ غَيْرِ ظُلْمٍ لَهُ]

- ‌[التعليق على قوله وأن أفعاله محكمة واقعة لغرض ومصلحة]

- ‌[التعليق على قوله إنه أرسل الرسل لإرشاد العالم]

- ‌[التعليق على قوله وَأَنَّهُ تَعَالَى غَيْرُ مَرْئِيٍّ وَلَا مُدْرَكٍ بِشَيْءٍ مِنَ الْحَوَاسِّ]

- ‌[التعليق على قوله ولأنه لَيْسَ فِي جِهَةٍ]

- ‌[تنازع مثبتة الرؤية في العلو والاستواء]

- ‌[ابن تيمية يسلك طريقين من البيان في مسألة الرؤية]

- ‌[الطريق الأول]

- ‌[الطَّرِيقُ الثَّانِي]

- ‌[لفظ الحيز]

- ‌[فَصْلٌ التعليق على قوله وأن أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ وَإِخْبَارَهُ حَادِثٌ لِاسْتِحَالَةِ أَمْرِ الْمَعْدُومِ وَنَهْيِهِ وَإِخْبَارِهِ]

- ‌[تفصيل القول في مقالة أهل السنة]

- ‌[التعليق على قوله وأن الْأَنْبِيَاءَ مَعْصُومُونَ مِنَ الْخَطَأِ وَالسَّهْوِ]

- ‌[الوجه الأول اختلافهم في عصمة الأنبياء]

- ‌[الوجه الثاني العصمة قبل البعثة غير واجبة]

- ‌[الوجه الثالث التوبة بعد الذنب ترفع الدرجات]

- ‌[معنى قوله تعالى لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ]

- ‌[التعليق على قوله إِنَّ هَذَا يَنْفِي الْوُثُوقَ وَيُوجِبُ التَّنْفِيرَ]

- ‌[لَوَازِمُ النُّبُوَّةُ وَشُرُوطُهَا]

- ‌[الأنبياء هم أفضل الخلق]

- ‌[غلو الرافضة أدخلهم فيما حرمه الله من العبادات الشركية]

- ‌[التعليق على قوله أَنَّ الْأَئِمَّةَ مَعْصُومُونَ كَالْأَنْبِيَاءِ]

- ‌[الرد على قوله وَأَخَذُوا أَحْكَامَهُمْ الْفُرُوعِيَّةَ عَنِ الْأَئِمَّةِ الْمَعْصُومِينَ]

- ‌[الرد على قوله إِنَّ الْإِمَامِيَّةَ يَتَنَاقَلُونَ ذَلِكَ عَنِ الثِّقَاتِ]

- ‌[الرد على قوله وَلَمْ يَلْتَفِتُوا إِلَى الْقَوْلِ بِالرَّأْيِ وَالِاجْتِهَادِ وَحَرَّمُوا الْأَخْذَ بِالْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ]

- ‌[الرد على سائر أقسام كلام ابن المطهر في الوجه الأول]

- ‌[فَصْلٌ كلام ابن المطهر على مذهب أهل السنة في الصفات والرد عليه]

- ‌[عرض ابن المطهر لمقالة الحشوية والمشبهة ورد ابن تيمية من وجوه]

- ‌[الكلام على لفظ الحشوية]

- ‌[لَفْظُ الْمُشَبِّهَةِ]

- ‌[طريقة السلف في الصفات]

- ‌[عود إلى الكلام على لفظ الجسم]

- ‌[حقيقة الملائكة]

- ‌[عمدة النفاة دليل التركيب]

- ‌[بطلان القول بأن العرب أطلقوا اسم الجنس على المركب من الأجزاء من وجوه]

- ‌[القاعدة الواجب اتباعها في مسألة الصفات]

- ‌[استطراد في مناقشة نفاة الصفات]

- ‌[تنازع الناس فِي الْأَسْمَاءِ الَّتِي تَسَمَّى اللَّهُ بِهَا وَتَسَمَّى بِهَا عِبَادُهُ]

- ‌[عود إلى الكلام على لفظي المشبهة والحشوية]

- ‌[الرد على قول: سُمُّوا مُشَبِّهَةً لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّهُ جِسْمٌ من وجوه]

- ‌[أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ ومحنة خلق القرآن]

- ‌[التعليق على ما ذكره الرافضي من رمد الله وبكائه وغير ذلك]

- ‌[التعليق على قول الرافضي: يَفْضُلُ عَنْهُ الْعَرْشِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ أَرْبَعَ أَصَابِعَ]

- ‌[قول ابن المطهر إن قول الكرامية بالجهة يعني الحدوث والاحتياج إلى جهة ورد ابن تيمية]

الفصل: ‌[الوجه الأول في الرد على قول ابن المطهر: تعددت آراؤهم بحسب تعدد أهوائهم]

مِنَ (1) اخْتِلَافِ الْأُمَّةِ، فَكَيْفَ [بِسَائِرِ](2) مَا يَنْقُلُهُ وَيَسْتَدِلُّ بِهِ؟

[الرد على القسم الأول من كلام ابن المطهر في المقدمة من وجوه]

[الوجه الأول في الرد على قول ابن المطهر: تَعَدَّدَتْ آرَاؤُهُمْ بِحَسَبَ تَعَدُّدِ أَهْوَائِهِمْ]

وَنَحْنُ نُبَيِّنُ فَسَادَ (3) مَا فِي هَذِهِ الْحِكَايَةِ مِنَ الْأَكَاذِيبِ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ فَنَقُولُ:

أَمَّا قَوْلُهُ (4) : " لَمَّا عَمَّتِ الْبَلِيَّةُ [عَلَى كَافَّةِ الْمُسْلِمِينَ] (5) بِمَوْتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (6) - وَاخْتَلَفَ النَّاسُ بَعْدَهُ (7) ، وَتَعَدَّدَتْ آرَاؤُهُمْ بِحَسَبِ أَهْوَائِهِمْ (8) ، فَبَعْضُهُمْ طَلَبَ الْأَمْرَ لِنَفْسِهِ [بِغَيْرِ حَقٍّ] (9) ، وَبَايَعَهُ (10) أَكْثَرُ النَّاسِ طَلَبًا لِلدُّنْيَا، كَمَا اخْتَارَ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ (11) مُلْكَ الرَّيِّ أَيَّامًا يَسِيرَةً، لَمَّا خُيِّرَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَتْلِ الْحُسَيْنِ، مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّ فِي قَتْلِهِ النَّارَ وَإِخْبَارِهِ بِذَلِكَ (12) فِي شِعْرِهِ "

(1) ن، م، أ: فِي. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ب) .

(2)

بِسَائِرِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . وَفِي (ب) : سَائِرُ.

(3)

فَسَادَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .

(4)

أ، ب: مَا ذَكَرَهُ هَذَا الْمُفْتَرِي مِنْ قَوْلِهِ إِنَّهُ.

(5)

عَلَى كَافَّةِ الْمُسْلِمِينَ: سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .

(6)

بَعْدَ عِبَارَةِ: بِمَوْتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تُوجَدُ فِي (ن) عِبَارَةُ: فَكَيْفَ بِسَائِرِ مَا يَنْقُلُهُ أَوْ يَسْتَدِلُّ بِهِ، وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ مَكَانُهَا قَبْلَ هَذَا السَّطْرِ بِسُطُورٍ قَلِيلَةٍ وَأَخْطَأَ النَّاسِخُ بِتَكْرَارِهَا هُنَا.

(7)

بَعْدَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) .

(8)

ب (فَقَطْ) : بِحَسَبِ تَعَدُّدِ أَهْوَائِهِمْ.

(9)

عِبَارَةُ " بِغَيْرِ حَقٍّ " سَاقِطَةٌ مِنْ جَمِيعِ النُّسَخِ، وَهِيَ فِي كَلَامِ ابْنِ الْمُطَهَّرِ الَّذِي سَبَقَ وُرُودُهُ قَبْلَ صَفَحَاتٍ قَلِيلَةٍ (ص [0 - 9] ) .

(10)

أ، م، ب: وَتَابَعَهُ.

(11)

ب: عَمْرُو بْنُ سَعْدٍ.

(12)

ب: وَاخْتِيَارِهِ ذَلِكَ.

ص: 16

فَيُقَالُ: فِي هَذَا الْكَلَامِ مِنَ الْكَذِبِ وَالْبَاطِلِ (1) وَذَمِّ خِيَارِ الْأُمَّةِ بِغَيْرِ حَقٍّ مَا لَا يَخْفَى، وَذَلِكَ (2) مِنْ وُجُوهٍ:

أَحَدُهَا: " قَوْلُهُ تَعَدَّدَتْ آرَاؤُهُمْ بِحَسَبَ تَعَدُّدِ أَهْوَائِهِمْ "، فَيَكُونُونَ كُلُّهُمْ مُتَّبِعِينَ أَهْوَاءَهُمْ: لَيْسَ فِيهِمْ طَالِبُ حَقٍّ وَلَا مُرِيدٌ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى (3) وَالدَّارِ الْآخِرَةِ، وَلَا مَنْ كَانَ قَوْلُهُ عَنِ اجْتِهَادٍ وَاسْتِدْلَالٍ، وَعُمُومُ لَفْظِهِ يَشْمَلُ عَلِيًّا وَغَيْرَهُ.

وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَصَفَهُمْ بِهَذَا هُمُ الَّذِينَ أَثْنَى اللَّهُ عَلَيْهِمْ هُوَ وَرَسُولُهُ - وَرَضِيَ عَنْهُمْ وَوَعَدَهُمُ الْحُسْنَى، كَمَا قَالَ تَعَالَى:{وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} ، [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 100] ، وَقَالَ تَعَالَى:{مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} ، [سُورَةُ الْفَتْحِ: 29] ، وَقَالَ تَعَالَى:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} إِلَى قَوْلِهِ: {أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ - وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ}

(1) ن، م: الْبَاطِلِ.

(2)

وَذَلِكَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) . وَفِي (أ) : ذَلِكَ.

(3)

ن، م: وَلَا يُرِيدُ وَجْهَ اللَّهِ.

ص: 17

[سُورَةُ الْأَنْفَالِ: 72 - 75]، وَقَالَ:{لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} [سُورَةُ الْحَدِيدِ: 10]، وَقَالَ تَعَالَى:{لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ - وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ - وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [سُورَةُ الْحَشْرِ: 8 - 10] .

وَهَذِهِ الْآيَاتُ تَتَضَمَّنُ الثَّنَاءَ عَلَى الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَعَلَى الَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَسْتَغْفِرُونَ لَهُمْ وَيَسْأَلُونَ اللَّهَ أَنْ لَا يَجْعَلَ فِي قُلُوبِهِمْ غِلًّا لَهُمْ، وَتَتَضَمَّنُ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْأَصْنَافَ هُمُ الْمُسْتَحِقُّونَ لِلْفَيْءِ.

وَلَا رَيْبَ أَنَّ [هَؤُلَاءِ](1) الرَّافِضَةَ خَارِجُونَ مِنَ الْأَصْنَافِ الثَّلَاثَةِ، فَإِنَّهُمْ لَمْ يَسْتَغْفِرُوا لِلسَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ (2) ، وَفِي قُلُوبِهِمْ غِلٌّ عَلَيْهِمْ. فَفِي (3) الْآيَاتِ الثَّنَاءُ عَلَى الصَّحَابَةِ وَعَلَى أَهْلِ السُّنَّةِ الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُمْ، وَإِخْرَاجُ الرَّافِضَةِ مِنْ ذَلِكَ، وَهَذَا نَقِيضُ (4) مَذْهَبِ الرَّافِضَةِ.

(1) هَؤُلَاءِ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) .

(2)

الْأَوَّلِينَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .

(3)

ن، م: وَفِي.

(4)

ب (فَقَطْ) : يُفْتَضُّ.

ص: 18

وَقَدْ رَوَى ابْنُ بَطَّةَ وَغَيْرِهِ مِنْ حَدِيثِ [أَبِي بَدْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا](1) عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: النَّاسُ عَلَى ثَلَاثِ (2) مَنَازِلَ، فَمَضَتْ مَنْزِلَتَانِ وَبَقِيَتْ وَاحِدَةٌ، فَأَحْسَنُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ كَائِنُونَ أَنْ تَكُونُوا بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ الَّتِي بَقِيَتْ، ثُمَّ قَرَأَ:{لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا} هَؤُلَاءِ الْمُهَاجِرُونَ وَهَذِهِ مَنْزِلَةٌ قَدْ مَضَتْ.

ثُمَّ قَرَأَ (3) : {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} (4)، ثُمَّ قَالَ: هَؤُلَاءِ الْأَنْصَارُ وَهَذِهِ مَنْزِلَةٌ قَدٌ مَضَتْ.

ثُمَّ قَرَأَ: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} ، فَقَدْ مَضَتْ هَاتَانِ وَبَقِيَتْ هَذِهِ الْمَنْزِلَةُ، فَأَحْسَنُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ كَائِنُونَ أَنْ تَكُونُوا بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ الَّتِي بَقِيَتْ أَنْ تَسْتَغْفِرُوا اللَّهَ لَهُمْ (5) .

وَرَوَى أَيْضًا بِإِسْنَادِهِ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ سَبَّ السَّلَفَ فَلَيْسَ لَهُ فِي الْفَيْءِ نَصِيبٌ ; لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} الْآيَةَ (6) .

(1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .

(2)

ثَلَاثِ: كَذَا فِي (م) ، (ب) . وَفِي (ن)، (أ) : ثَلَاثَةِ.

(3)

ن: ثُمَّ قَالَ.

(4)

ن، م:. . . . مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ، الْآيَةَ.

(5)

ن: أَنْ يَسْتَغْفِرُوا اللَّهَ لَهُمْ ; أ: أَنْ تَسْتَغْفِرَ لَهُمْ ; ب: أَنْ تَسْتَغْفِرُوا لَهُمْ.

(6)

لَمْ أَجِدِ الْأَثَرَيْنِ السَّابِقَيْنِ فِي الْإِبَانَةِ لِابْنِ بَطَّةَ وَلَكِنْ فِيهِ " ص [0 - 9] 9 ": " قَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ: " الَّذِي يَشْتُمُ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَيْسَ لَهُ سَهْمٌ أَوْ قَالَ: نَصِيبٌ فِي الْإِسْلَامِ. " وَانْظُرْ مَا يَلِي: ص [0 - 9] 2 ت (7) . وَقَدْ أَوْرَدَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ الْأَثَرَ الْأَوَّلَ مُخْتَصَرًا فِي " الصَّارِمِ الْمَسْلُولِ " (ط. مَكْتَبَةِ تَاجٍ، بِطَنْطَا، تَحْقِيقُ مُحَمَّد مُحْيِي الدِّين عَبْد الْحَمِيد، 1379 - 1960) ص [0 - 9]74.

ص: 19

وَهَذَا مَعْرُوفٌ مِنْ مَالِكٍ وَغَيْرِ مَالِكٍ (1) مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، كَأَبِي عُبَيْدٍ الْقَاسِمِ بْنِ سَلَّامٍ، وَكَذَلِكَ ذَكَرَهُ أَبُو حَكِيمِ النَّهْرَوَانِيُّ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ مِنَ الْفُقَهَاءِ.

وَرَوَى أَيْضًا عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عِمَارَةَ، عَنِ الْحَكَمِ (2) ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ [رضي الله عنهما] (3) قَالَ: أَمَرَ اللَّهِ بِالِاسْتِغْفَارِ لِأَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقْتَتِلُونَ.

وَقَالَ (4) عُرْوَةُ: قَالَتْ لِي عَائِشَةُ [رضي الله عنها](5) : يَا ابْنَ أُخْتِي (6) أُمِرُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِأَصْحَابِ مُحَمَّدٍ (7) صلى الله عليه وسلم فَسَبُّوهُمْ (8) .

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ [رضي الله عنه](9) قَالَ: قَالَ

(1) ن، م: وَغَيْرِهِ.

(2)

ب: الْحَكِيمُ، وَهُوَ الْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ. انْظُرِ الْجَرْحَ وَالتَّعْدِيلَ ج [0 - 9] ، ق [0 - 9] ، ص [0 - 9]7.

(3)

رضي الله عنهما: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) .

(4)

ن، م: قَالَ.

(5)

رضي الله عنها: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) .

(6)

ن، م: ابْنَ أَخِي، وَهُوَ خَطَأٌ.

(7)

أ، ب: أُمِرُوا بِالِاسْتِغْفَارِ لِأَصْحَابِ النَّبِيِّ.

(8)

سَتَرِدُ رِوَايَةٌ أُخْرَى لِلْأَثَرِ الْأَوَّلِ بَعْدَ صَفْحَتَيْنِ. وَأَمَّا الْأَثَرُ الثَّانِي فَقَدْ وَرَدَ فِي الْإِبَانَةِ (ص 15) مُخْتَصَرًا: " وَقَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: أُمِرُوا بِالِاسْتِغْفَارِ لِأَصْحَابِ مُحَمَّدٍ فَسَبُّوهُمْ " وَأَوْرَدَهُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِي " الصَّارِمِ الْمَسْلُولِ " ص [0 - 9] 74 وَقَالَ: رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

(9)

رضي الله عنه: زِيَادَةٌ فِي (ب) .

ص: 20

رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا (1) مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ» (2) .

وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ [رضي الله عنه](3) . أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " «لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ (4) مِثْلَ أُحُدٍ [ذَهَبًا (5) ] مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ» (6) ".

وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَيْضًا، عَنْ جَابِرِ [بْنِ عَبْدِ اللَّهِ] (7) قَالَ: قِيلَ لِعَائِشَةَ: إِنَّ نَاسًا يَتَنَاوَلُونَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ [صلى الله عليه وسلم](8) حَتَّى أَبَا

(1) ن، م: فَلَوْ أَنْفَقَ أَحَدُكُمْ مِلْءَ الْأَرْضِ ذَهَبًا.

(2)

الْحَدِيثُ - مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ - عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه فِي: الْبُخَارِيِّ 5 (كِتَابُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا) ، مُسْلِمٍ 4/1967 - 1968 (كِتَابُ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ، بَابُ تَحْرِيمِ سَبِّ الصَّحَابَةِ. .) ; سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4/297 - 298 (كِتَابُ السُّنَّةِ، بَابٌ فِي النَّهْيِ عَنْ سَبِّ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ; سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 5/357 - 358 (كِتَابُ الْمَنَاقِبِ، بَابٌ فِي مَنْ سَبَّ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ; الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 3/11، 54، 63، 64 ; سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 1/57 (الْمُقَدِّمَةُ، بَابُ فَضْلِ أَهْلِ بَدْرٍ) وَفِي اللِّسَانِ: " الْمُدُّ ضَرْبٌ مِنَ الْمَكَايِيلِ وَهُوَ رُبُعُ صَاعٍ ; وَهُوَ قَدْرُ مُدِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَالصَّاعُ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ (شَرْحُ مُسْلِمٍ 16/93) : " وَقَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: النَّصِيفُ النِّصْفُ. . . وَمَعْنَاهُ: لَوْ أَنْفَقَ أَحَدُكُمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ ثَوَابُهُ فِي ذَلِكَ ثَوَابَ نَفَقَةِ أَحَدِ أَصْحَابِي مُدًّا وَلَا نِصْفَ مُدٍّ

(3)

رضي الله عنه: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب)

(4)

ن: لَوْ أَنْفَقَ أَحَدُكُمْ

(5)

ذَهَبًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) .

(6)

الْحَدِيثُ فِي مُسْلِمٍ 4/1967، وَهُوَ فِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 1/57

(7)

ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) .

(8)

ن: أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ ; م: أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم.

ص: 21

بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَقَالَتْ: وَمَا تَعْجَبُونَ مِنْ هَذَا؟ (1) انْقَطَعَ عَنْهُمُ الْعَمَلُ فَأَحَبَّ اللَّهُ أَنْ لَا يَقْطَعَ عَنْهُمُ الْأَجْرَ (2) .

وَرَوَى ابْنُ بَطَّةَ بِالْإِسْنَادِ الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ (* قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةَ (3) . حَدَّثَنَا رَجَاءٌ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ [رضي الله عنهما] (4) . قَالَ: لَا تَسُبُّوا أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ (5) -. فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَمَرَ (6) . بِالِاسْتِغْفَارِ لَهُمْ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُمْ سَيَقْتَتِلُونَ (7) .

(1) ن، م: مِنْ ذَلِكَ.

(2)

لَمْ أَسْتَطِعِ الْعُثُورَ عَلَى هَذَا الْأَثَرِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ

(3)

ن: أَبُو مُعَاوِيَةَ. وَلَعَلَّ الصَّوَابَ ابْنُ مُعَاوِيَةَ وَهُوَ مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيُّ. قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: إِنَّهُ ثَبْتٌ حَافِظٌ (الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ، ج [0 - 9] ، ق [0 - 9] ، ص [0 - 9] 73) . وَذَكَرَ ابْنُ حَجَرٍ (لِسَانِ الْمِيزَانِ 2/455) أَنَّهُ رَوَى عَنْ رَجَاءِ بْنِ الْحَارِثِ أَبِي سَعِيدِ بْنِ عَوْذٍ وَهُوَ الَّذِي رَوَى عَنْ مُجَاهِدٍ. وَانْظُرِ الْجَرْحَ وَالتَّعْدِيلَ: ج [0 - 9] ، ق [0 - 9] ، ص [0 - 9] 01 - 502 ; مَنَاقِبَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ لِابْنِ الْجَوْزِيِّ (ط. الْخَانْجِيِّ بِالْقَاهِرَةِ، 1399) ص [0 - 9] 5

(4)

رضي الله عنهما: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب)

(5)

فِي كِتَابِ الْإِبَانَةِ ص 15: أَصْحَابَ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم

(6)

أ، ب: قَدْ أَمَرَنَا، وَالْمُثْبَتُ عَنْ (ن) وَعَنْ كِتَابِ الْإِبَانَةِ

(7)

وَرَدَ هَذَا الْأَثَرُ فِي كِتَابِ " الشَّرْحِ وَالْإِبَانَةِ عَلَى أُصُولِ الدِّيَانَةِ " لِابْنِ بَطَّةَ الْعَكْبَرِيِّ، ص [0 - 9] 5، بِتَحْقِيقِ الْأُسْتَاذِ هِنْرِي لَاوِسْت، طَبْعَةُ الْمَعْهَدِ الْفَرَنْسِيِّ، دِمَشْقَ، 1958. وَلَكِنْ يَبْدُو أَنَّ هَذِهِ النُّسْخَةُ الْمَنْشُورَةُ هِيَ عَنْ نُسْخَةٍ مُخْتَصَرَةٍ مِنْ أَصْلِ الْكِتَابِ، إِذْ أَنَّ جَمِيعَ أَسَانِيدِ الْأَحَادِيثِ وَالْآثَارِ فِيهَا مَحْذُوفَةٌ. وَقَدْ أَشَارَ الْمُؤَلِّفُ إِلَى ذَلِكَ فِي مُقَدِّمَةِ الْكِتَابِ (ص [0 - 9] ) .

وَالْأَثَرُ يَبْدُو فِيهِ هَكَذَا: وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا تَسُبُّوا. . إِلَخْ. وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ أَبِي يَعْلَى (طَبَقَاتِ الْحَنَابِلَةِ 2/152) أَنَّ لِابْنِ بَطَّةَ: الْإِبَانَةُ الْكُبْرَى وَالْإِبَانَةُ الصُّغْرَى، فَالْأَرْجَحُ أَنَّ الْمَنْشُورَ هُوَ الصَّغِيرَةُ، خَاصَّةً وَأَنَّ النُّسْخَةَ الْخَطِّيَّةَ النَّاقِصَةَ مِنَ الْكُتَّابِ الْمَوْجُودَةِ بِالْخِزَانَةِ التَّيْمُورِيَّةِ بِدَارِ الْكُتُبِ الْمِصْرِيَّةِ، وَهِيَ الْمُجَلَّدُ الثَّانِي فَقَطْ مِنَ الْإِبَانَةِ، بِهَا سَبْعَةُ أَجْزَاءٍ. انْظُرْ فِهْرِسَ الْخِزَانَةِ التَّيْمُورِيَةِ 4/3 مَطْبَعَةُ دَارِ الْكُتُبِ الْمِصْرِيَّةِ 1369/1950. وَقَدْ أَوْرَدَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ هَذَا الْأَثَرَ فِي الصَّارِمِ الْمَسْلُولِ، ص 574: " عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَا تَسُبُّوا أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَمَرَ بِالِاسْتِغْفَارِ لَهُمْ وَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُمْ سَيَقْتَتِلُونَ " رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ. وَهُوَ فِي " فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ " رَقْمُ 18 - 1741

ص: 22

وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ *) (1)(2) بْنِ مَهْدِيِّ، وَطَرِيقِ غَيْرِهِ عَنْ وَكِيعٍ وَأَبِي نُعَيْمٍ، ثَلَاثَتُهُمْ عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ نُسَيْرِ بْنِ ذُعْلُوقٍ (3) .: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ: لَا تَسُبُّوا أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ (4) ، فَلَمُقَامُ أَحَدِهِمْ سَاعَةً، يَعْنِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ (5) صلى الله عليه وسلم خَيْرٌ مِنْ عَمَلِ أَحَدِكُمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً.

وَفِي رِوَايَةِ وَكِيعٍ: خَيْرٌ مِنْ عِبَادَةِ أَحَدِكُمْ عُمْرَهُ (6) .

(1) ن: أَحْمَدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ

(2)

مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) .

(3)

م: بَشِيرِ بْنِ ذُعْلُوقٍ ; أ: بِشْرِ بْنِ ذُوعْلُوقٍ. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ن) ، (ب) . وَقَدْ ذَكَرَهُ ابْنُ مَاكُولَا فِي " الْإِكْمَالِ " 1/301 (حَيْدَر أَبَاد، 1381/1962) وَقَالَ: رَوَى عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَبَكْرِ بْنِ مَاعِزٍ، حَدَّثَ عَنْهُ الثَّوْرِيُّ وَعُبَيْدَةُ بْنُ مُعَتِّبٍ وَسَعِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الرَّبِيعِ، وَانْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ 10/424 - 425

(4)

م: مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم

(5)

أ، ب: النَّبِيِّ.

(6)

لَمْ أَجِدْ هَذَا الْأَثَرَ فِي " الْإِبَانَةِ " لِابْنِ بَطَّةَ وَلَا فِي " الْمُسْنَدِ ". وَذَكَرَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِي " الصَّارِمِ الْمَسْلُولِ " ص 580، فَقَالَ:" وَإِلَى هَذَا أَشَارَ ابْنُ عُمَرَ، قَالَ نُسَيْرُ بْنُ ذُعْلُوقٍ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنه يَقُولُ: لَا تَسُبُّوا أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ فَإِنَّ مُقَامَ أَحَدِهِمْ خَيْرٌ مِنْ عَمَلِكُمْ كُلِّهِ، رَوَاهُ اللَّكَائِيُّ " وَهُوَ فِي " فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ " الْأَرْقَامُ 15، 20، 1729، 1736

ص: 23

وَقَالَ تَعَالَى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا - وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا - وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا - وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا} [سُورَةُ الْفَتْحِ: 18 - 21] .

وَالَّذِينَ بَايَعُوهُ (1) . تَحْتَ الشَّجَرَةِ بِالْحُدَيْبِيَةَ عِنْدَ جَبَلِ التَّنْعِيمِ (2) \ 321. كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ أَلْفٍ وَأَرْبَعِمِائَةٍ، بَايَعُوهُ لَمَّا صَدَّهُ الْمُشْرِكُونَ عَنِ الْعُمْرَةِ، ثُمَّ صَالَحَ الْمُشْرِكِينَ صُلْحَ الْحُدَيْبِيَةِ الْمَعْرُوفِ، وَذَلِكَ سَنَةُ سِتٍّ مِنَ الْهِجْرَةِ فِي ذِي الْقِعْدَةِ، ثُمَّ رَجَعَ [بِهِمْ] (3)) ، (م) . إِلَى الْمَدِينَةِ وَغَزَا بِهِمْ خَيْبَرَ، فَفَتَحَهَا (4) . اللَّهُ عَلَيْهِمْ فِي أَوَّلِ سَنَةِ سَبْعٍ، وَقَسَّمَهَا (5) . بَيْنَهُمْ، وَمَنَعَ الْأَعْرَابَ الْمُتَخَلِّفِينَ (6) . عَنِ الْحُدَيْبِيَةِ مِنْ ذَلِكَ.

(1) أ، ب: بَايَعُوا

(2)

فِي الْمُسْنَدِ 3/122 (ط. الْحَلَبِيِّ) عَنْ أَنَسٍ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ الْحُدَيْبِيَةَ هَبَطَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ ثَمَانُونَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ فِي السِّلَاحِ مِنْ قِبَلِ جَبَلِ التَّنْعِيمِ فَدَعَا عَلَيْهِمْ فَأُخِذُوا وَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: (وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ) . قَالَ: يَعْنِي جَبَلَ التَّنْعِيمِ مِنْ مَكَّةَ. وَوَرَدَ الْحَدِيثُ بِأَلْفَاظٍ مُقَارِبَةٍ بَعْدَ صَفْحَتَيْنِ (3/124) عَنْ أَنَسٍ أَيْضًا، كَمَا وَرَدَ فِي تَفْسِيرِ الطَّبَرِيِّ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ السَّابِقَةِ 26/59. أَمَّا فِي " تَاجِ الْعَرُوسِ " مَادَّةُ " نَعَمَ ":" التَّنْعِيمُ " عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ أَوْ أَرْبَعَةٍ مِنْ مَكَّةَ الْمُشَرَّفَةِ، وَهُوَ أَقْرَبُ أَطْرَافِ الْحِلِّ إِلَى الْبَيْتِ الشَّرِيفِ، سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّ عَلَى يَمِينِهِ جَبَلُ نُعَيْمٍ كَزُبَيْرٍ، وَعَلَى يَسَارِهِ جَبَلُ نَاعِمٍ، وَالْوَادِي اسْمُهُ نَعْمَانُ بِالْفَتْحِ ". وَانْظُرْ مُعْجَمَ الْبُلْدَانِ، مَادَّةَ " التَّنْعِيمِ " وَمُعْجَمَ مَا اسْتُعْجِمَ 1

(3)

بِهِمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن

(4)

ب (فَقَطْ) : فَفَتَحَ

(5)

ن: فَقَسَّمَهَا

(6)

ن، م: وَقَسَّمَهَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْأَعْرَابِ الْمُتَخَلِّفِينَ. . . إِلَخْ، وَهُوَ خَطَأٌ ظَاهِرٌ

ص: 24

كَمَا قَالَ [اللَّهُ تَعَالَى](1) .: {سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لَا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا} [سُورَةُ الْفَتْحِ: 15] .

وَقَدْ أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ رَضِيَ عَنْهُمْ (2) ، وَأَنَّهُ عَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ، وَأَنَّهُ أَثَابَهُمْ (3) . فَتْحًا قَرِيبًا.

وَهَؤُلَاءِ هُمْ أَعْيَانُ مَنْ بَايَعَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ بَعْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، لَمْ يَكُنْ فِي الْمُسْلِمِينَ مَنْ يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِمْ، بَلْ كَانَ الْمُسْلِمُونَ [كُلُّهُمْ] (4) . يَعْرِفُونَ فَضْلَهُمْ عَلَيْهِمْ ; لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَيَّنَ فَضَلَّهُمْ فِي الْقُرْآنِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:{لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} [سُورَةُ الْحَدِيدِ: 10](5) ، فَفَضَّلَ الْمُنْفِقِينَ الْمُقَاتِلِينَ قَبْلَ الْفَتْحِ، وَالْمُرَادُ بِالْفَتْحِ هُنَا صُلْحُ الْحُدَيْبِيَةِ، وَلِهَذَا سُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: أَوَفَتْحٌ (6) . هُوَ؟ فَقَالَ " نَعَمْ "(7)) .

(1) اللَّهُ تَعَالَى: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب)

(2)

أ، ب: وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ أَنَّهُ سبحانه وتعالى رَضِيَ عَنْهُمْ

(3)

ن، م: فَأَثَابَهُمْ

(4)

كُلُّهُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م)

(5)

ن، م:. . وَقَاتَلُوا، الْآيَةَ

(6)

ن، م: أَفَتْحٌ

(7)

الْحَدِيثُ عَنْ مُجِمِّعِ بْنِ جَارِيَةَ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 3/101 - 102 (كِتَابُ الْجِهَادِ، بَابٌ فِيمَنْ أَسْهَمَ لَهُ سَهْمًا) أَنَّهُ قَالَ: شَهِدْنَا الْحُدَيْبِيَةَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا انْصَرَفْنَا عَنْهَا إِذِ النَّاسُ يَهُزُّونَ الْأَبَاعِرَ، فَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ لِبَعْضٍ: مَا لِلنَّاسِ؟ قَالُوا: أُوحِيَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَخَرَجْنَا مَعَ النَّاسِ نُوجِفُ فَوَجَدْنَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَاقِفًا عَلَى رَاحِلَتِهِ عِنْدَ كُرَاعِ الْغَمِيمِ، فَلَمَّا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ النَّاسُ قَرَأَ عَلَيْهِمْ:(إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا)، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَتْحٌ هُوَ؟ قَالَ: " نَعَمْ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إِنَّهُ لَفَتْحٌ ". . الْحَدِيثَ: وَهُوَ فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 3/420 - 486. وَانْظُرْ تَفْسِيرَ ابْنِ كَثِيرٍ (ط. الشَّعْبِ) 7/308 (تَفْسِيرَ الْآيَةِ الْأُولَى مِنْ سُورَةِ الْفَتْحِ

ص: 25

وَأَهْلُ الْعِلْمِ يَعْلَمُونَ أَنَّ فِيهِ (1) . أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا - لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا - وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا} [سُورَةُ الْفَتْحِ: 1 - 3](2)، فَقَالَ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! هَذَا لَكَ فَمَا لَنَا [يَا رَسُولَ اللَّهِ] ؟ (3) ; فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ} [سُورَةُ الْفَتْحِ: 4] .

وَهَذِهِ الْآيَةُ نَصٌّ فِي تَفْضِيلِ الْمُنْفِقِينَ الْمُقَاتِلِينَ قَبْلَ الْفَتْحِ عَلَى الْمُنْفِقِينَ الْمُقَاتِلِينَ (4) بَعْدَهُ، وَلِهَذَا ذَهَبَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّ السَّابِقِينَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 100] هُمْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلُوا، وَأَهْلُ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ كُلُّهُمْ مِنْهُمْ، وَكَانُوا أَكْثَرَ مَنْ أَلْفٍ وَأَرْبَعِمِائَةٍ.

وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ (5) . هُمْ مَنْ صَلَّى [إِلَى](6) .

(1) ن، م: وَقَدِ اتَّفَقَ النَّاسُ عَلَى أَنَّ فِيهِ

(2)

لَمْ تَرِدِ الْآيَةُ الثَّالِثَةُ مِنْ سُورَةِ الْفَتْحِ فِي (ن) ، (م)

(3)

يَا رَسُولَ اللَّهِ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) .

(4)

الْمُقَاتِلِينَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب)

(5)

ن: السَّابِقِينَ مِنَ الْأَوَّلِينَ

(6)

إِلَى: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م)

ص: 26

الْقِبْلَتَيْنِ، وَهَذَا ضَعِيفٌ، فَإِنَّ الصَّلَاةَ إِلَى الْقِبْلَةِ الْمَنْسُوخَةِ لَيْسَ بِمُجَرَّدِهِ فَضِيلَةٌ ; وَلِأَنَّ النَّسْخَ لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِمُ الَّذِي يَفْضُلُونَ بِهِ ; وَلِأَنَّ التَّفْضِيلَ بِالصَّلَاةِ إِلَى الْقِبْلَتَيْنِ لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ، كَمَا دَلَّ عَلَى التَّفْضِيلِ بِالسَّبْقِ إِلَى الْإِنْفَاقِ وَالْجِهَادِ وَالْمُبَايَعَةِ تَحْتَ الشَّجَرَةِ، وَلَكِنَّ فِيهِ سَبْقَ الَّذِينَ أَدْرَكُوا ذَلِكَ عَلَى (1) . مَنْ لَمْ يُدْرِكْهُ (2) ، كَمَا أَنَّ الَّذِينَ أَسْلَمُوا قَبْلَ أَنْ تُفْرَضَ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، هُمْ سَابِقُونَ عَلَى مَنْ تَأَخَّرَ إِسْلَامُهُ عَنْهُمْ (3) ، وَالَّذِينَ أَسْلَمُوا قَبْلَ أَنْ تُجْعَلَ صَلَاةُ الْحَضَرِ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ هُمْ سَابِقُونَ عَلَى مَنْ تَأَخَّرَ إِسْلَامُهُ عَنْهُمْ (4) ، وَالَّذِينَ أَسْلَمُوا قَبْلَ أَنْ يُؤْذَنَ فِي الْجِهَادِ، أَوْ قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ، هُمْ سَابِقُونَ عَلَى مَنْ أَسْلَمَ بَعْدَهُمْ، وَالَّذِينَ أَسْلَمُوا قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ صِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ، هُمْ سَابِقُونَ عَلَى مَنْ أَسْلَمَ بَعْدَهُمْ، وَالَّذِينَ أَسْلَمُوا قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ (5) . الْحَجُّ، هُمْ سَابِقُونَ عَلَى مَنْ تَأَخَّرَ عَنْهُمْ، [وَالَّذِينَ أَسْلَمُوا قَبْلَ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ هُمْ سَابِقُونَ عَلَى مَنْ أَسْلَمَ بَعْدَهُمْ](6) ، وَالَّذِينَ أَسْلَمُوا قَبْلَ تَحْرِيمِ الرِّبَا كَذَلِكَ، فَشَرَائِعُ الْإِسْلَامِ مِنَ الْإِيجَابِ وَالتَّحْرِيمِ كَانَتْ تَنْزِلُ شَيْئًا فَشَيْئًا، وَكُلُّ مَنْ أَسْلَمَ قَبْلَ أَنْ تُشْرَعَ شَرِيعَةٌ (7) . فَهُوَ سَابِقٌ عَلَى مَنْ تَأَخَّرَ عَنْهُ، وَلَهُ بِذَلِكَ فَضِيلَةٌ، فَفَضِيلَةُ مَنْ أَسْلَمَ قَبْلَ نَسْخِ الْقِبْلَةِ عَلَى مَنْ أَسْلَمَ بَعْدَهُ (8) . هِيَ مِنْ هَذَا الْبَابِ.

(1) ن، م: وَعَلَى، وَهُوَ خَطَأٌ

(2)

انْظُرْ وُجُوهَ تَأْوِيلِ الْآيَةِ فِي تَفْسِيرِ الطَّبَرِيِّ 14/434 - 439 (ط. الْمَعَارِفِ)

(3)

ن: مِنْهُمْ

(4)

ن، م: تَأَخَّرَ إِسْلَامُهُمْ

(5)

ن، م: قَبْلَ فَرْضِ

(6)

مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م)

(7)

ن، م: قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ الْحَجُّ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ

(8)

ن، م، أ: بَعْدَهَا

ص: 27

وَلَيْسَ مِثْلُ هَذَا مِمَّا (1) . يَتَمَيَّزُ بِهِ السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ عَنِ التَّابِعِينَ، إِذْ لَيْسَ بَعْضُ هَذِهِ الشَّرَائِعِ بِأَوْلَى بِجَعْلِهِ (2) . خَيْرًا مِنْ بَعْضٍ ; وَلِأَنَّ الْقُرْآنَ وَالسُّنَّةَ قَدْ دَلَّا عَلَى تَقْدِيمِ (3) . أَهْلِ الْحُدَيْبِيَةِ، فَوَجَبَ أَنْ تُفَسَّرَ هَذِهِ الْآيَةُ بِمَا يُوَافِقُ سَائِرَ النُّصُوصِ.

وَقَدْ عُلِمَ بِالِاضْطِرَارِ أَنَّهُ كَانَ فِي هَؤُلَاءِ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعَلِيٌّ (4) . وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ، وَبَايَعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم[بِيَدِهِ](5) . عَنْ عُثْمَانَ ; لِأَنَّهُ كَانَ (6) . غَائِبًا قَدْ أَرْسَلَهُ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ لِيُبَلِغَهُمْ رِسَالَتَهُ، وَبِسَبَبِهِ بَايَعَ [النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم](7) . النَّاسُ لَمَّا بَلَغَهُ أَنَّهُمْ قَتَلُوهُ.

وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرِ [بْنِ عَبْدِ اللَّهِ](8) . رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ (9) : " «لَا يَدْخُلُ النَّارَ أَحَدٌ بَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ» . (10) ".

(1) أ، ب: مَا

(2)

أ: أَوْلَى مِمَّنْ يَجْعَلُهُ، ب: أَوْلَى بِمَنْ يَجْعَلُهُ

(3)

ن، م: تَفْضِيلِ

(4)

ب: أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ، وَفِي (أ) : أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ. . . إِلَخْ. وَالصَّوَابُ مَا أَثْبَتُّهُ وَهُوَ الَّذِي فِي (ن) ، (م)

(5)

بِيَدِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م)

(6)

أ، ب: لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ

(7)

مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م)

(8)

بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب)

(9)

أ، ب: أَنَّهُ قَالَ

(10)

الْحَدِيثُ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ فِي: الْمُسْنَدُ (ط. الْحَلَبِيِّ) 3/350 إِلَّا أَنْ فِيهِ: أَحَدٌ مِمَّنْ بَايَعَ، وَجَاءَ الْحَدِيثُ عَنْ أُمِّ مُبَشِّرٍ رضي الله عنها فِي: مُسْلِمٍ 4/1942 (كِتَابُ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ، بَابٌ مِنْ فَضَائِلِ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ) وَنَصُّهُ: عَنْ جَابِرٍ، أَخْبَرَتْنِي أُمُّ مُبَشِّرٍ أَنَّهَا سَمِعَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ عِنْدَ حَفْصَةَ:" لَا يَدْخُلُ النَّارَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ أَحَدُ الَّذِينَ بَايَعُوا تَحْتَهَا ". قَالَتْ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَانْتَهَرَهَا، فَقَالَتْ حَفْصَةُ:(وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا)، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: " قَدْ قَالَ اللَّهُ عز وجل: (ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا) . وَجَاءَ الْحَدِيثُ أَيْضًا عَنْ حَفْصَةَ فِي: سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 2/1431 (كِتَابُ الزُّهْدِ، بَابُ ذِكْرِ الْبَعْثِ) . وَذَكَرَ أَحْمَدُ رِوَايَةَ مُسْلِمٍ فِي مُسْنَدِهِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 6/420. وَذَكَرَ رِوَايَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ بِأَلْفَاظٍ مُقَارِبَةٍ (وَفِيهِمَا: لَا يَدْخُلُ النَّارَ أَحَدٌ - وَفِي رِوَايَةٍ: رَجُلٌ - شَهِدَ بَدْرًا وَالْحُدَيْبِيَةَ) : 3/396، 6/285 - 362.

ص: 28

وَقَالَ تَعَالَى: {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 117](1) ، فَجَمَعَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الرَّسُولِ فِي التَّوْبَةِ.

وَقَالَ [تَعَالَى](2) .: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا} [سُورَةُ الْأَنْفَالِ: 72](3) . إِلَى قَوْلِهِ: {وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ} [سُورَةُ الْأَنْفَالِ: 75] ، فَأَثْبَتَ الْمُوَالَاةَ (4) . بَيْنَهُمْ.

وَقَالَ لِلْمُؤْمِنِينَ:

(1) عِبَارَةُ " إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ " لَمْ تَرِدْ فِي (ن)

(2)

تَعَالَى: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب)

(3)

فِي (ن) : لَمْ يَرِدْ قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا) . وَيُوجَدُ سَقْطٌ فِي (م) بَعْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: (. . . أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) حَتَّى قَوْلِهِ تَعَالَى: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ. . .)

(4)

ن: الْوِلَايَةَ

ص: 29

{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 51] إِلَى قَوْلِهِ: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ - وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} [الْمَائِدَةِ: 55 - 56](1)، وَقَالَ:{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 71] ، فَأَثْبَتَ الْمُوَالَاةَ بَيْنَهُمْ، وَأَمَرَ بِمُوَالَاتِهِمْ، وَالرَّافِضَةُ تَتَبَرَّأُ (2) . مِنْهُمْ، وَلَا تَتَوَلَّاهُمْ (3) ، وَأَصْلُ الْمُوَالَاةِ الْمَحَبَّةُ، وَأَصْلُ الْمُعَادَاةِ الْبُغْضُ، وَهُمْ يُبْغِضُونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَهُمْ.

وَقَدْ وَضَعَ بَعْضُ الْكَذَّابِينَ حَدِيثًا مُفْتَرًى أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي عَلِيٍّ لَمَّا تَصَدَّقَ بِخَاتَمِهِ فِي الصَّلَاةِ (4) ، وَهَذَا كَذِبٌ (5) . بِإِجْمَاعِ أَهْلِ الْعِلْمِ [بِالنَّقْلِ](6) ، وَكَذِبُهُ بَيِّنٌ (7)، مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ:

مِنْهَا: أَنَّ قَوْلَهُ (الَّذِينَ) صِيغَةُ جَمْعٍ، وَعَلِيٌّ وَاحِدٌ.

وَمِنْهَا: أَنَّ (الْوَاوَ)(8) . لَيْسَتْ وَاوَ الْحَالِ، إِذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ

(1) فِي (ن) : وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ. . إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ. . إِلَخْ

(2)

أ، ب: تَبِينُ

(3)

ن: تُوَالِيهِمْ ; م: تَتَوَالَهُمْ

(4)

الْآيَةُ الْمَقْصُودَةُ هُنَا هِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ)[سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 55]، وَالْحَدِيثُ الْمَوْضُوعُ الْمُشَارُ إِلَيْهِ ذَكَرَهُ ابْنُ الْمُطَهَّرِ بِتَمَامِهِ فِي " مِنْهَاجِ الْكَرَامَةِ " وَنَقَلَهُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِي " مِنْهَاجِ السُّنَّةِ " وَرَدَّ عَلَيْهِ تَفْصِيلًا: انْظُرْ: مِنْهَاجَ السُّنَّةِ (بُولَاقٍ) 4 - 9

(5)

م: وَهُوَ كَذِبٌ

(6)

بِالنَّقْلِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م)

(7)

ن، م: يُتَبَيَّنُ

(8)

وَهِيَ الْوَاوُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (وَهُمْ رَاكِعُونَ)

ص: 30

لَا يَسُوغُ (1) . أَنْ يَتَوَلَّى إِلَّا مَنْ أَعْطَى الزَّكَاةَ فِي حَالِ الرُّكُوعِ، فَلَا يَتَوَلَّى سَائِرُ الصَّحَابَةِ وَالْقَرَابَةِ (2) \ 5.

وَمِنْهَا: أَنَّ الْمَدْحَ إِنَّمَا يَكُونُ بِعَمَلٍ وَاجِبٍ أَوْ مُسْتَحَبٍّ (3) ، وَإِيتَاءُ (4) . الزَّكَاةِ فِي نَفْسِ الصَّلَاةِ لَيْسَ وَاجِبًا وَلَا مُسْتَحَبًّا [بِاتِّفَاقِ عُلَمَاءِ الْمِلَّةِ](5) . فَإِنَّ فِي الصَّلَاةِ شُغْلًا.

وَمِنْهَا: أَنَّهُ لَوْ كَانَ إِيتَاؤُهَا فِي الصَّلَاةِ حَسَنًا، لَمْ يَكُنْ فَرْقٌ بَيْنَ حَالِ الرُّكُوعِ وَغَيْرِ حَالِ الرُّكُوعِ، بَلْ إِيتَاؤُهَا فِي الْقِيَامِ وَالْقُعُودِ أَمْكَنُ.

وَمِنْهَا: أَنَّ عَلِيًّا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

(* وَمِنْهَا: أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَيْضًا خَاتَمٌ، وَلَا كَانُوا يَلْبَسُونَ الْخَوَاتِمَ، حَتَّى كَتَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم كِتَابًا إِلَى كِسْرَى، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّهُمْ لَا يَقْبَلُونَ كِتَابًا إِلَّا مَخْتُومًا، فَاتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ وَنَقَشَ فِيهَا: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ *)(6) .

وَمِنْهَا: أَنَّ إِيتَاءَ غَيْرِ الْخَاتَمِ فِي الزَّكَاةِ خَيْرٌ مِنْ إِيتَاءِ الْخَاتَمِ، فَإِنَّ أَكْثَرَ الْفُقَهَاءِ يَقُولُونَ: لَا يُجْزِئُ (7) . إِخْرَاجُ الْخَاتَمِ فِي الزَّكَاةِ.

وَمِنْهَا: أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ فِيهِ أَنَّهُ أَعْطَاهُ السَّائِلَ (8) ، وَالْمَدْحُ فِي الزَّكَاةِ أَنْ

(1) ن، م: لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَا يُشْرَعُ

(2)

انْظُرْ تَفْصِيلَ هَذِهِ النُّقْطَةِ فِي (ب)

(3)

ن، م: وَاجِبٍ وَمُسْتَحَبٍّ

(4)

ن، م: وَأَمَّا

(5)

مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م)

(6)

مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب)

(7)

ن، م: لَا يَجُوزُ

(8)

أَيْ أَنَّهُ أَعْطَى الْخَاتَمَ لِلسَّائِلِ

ص: 31

يُخْرِجَهَا ابْتِدَاءً وَيُخْرِجَهَا عَلَى الْفَوْرِ، لَا يَنْتَظِرُ أَنْ يَسْأَلَهُ سَائِلٌ.

وَمِنْهَا: أَنَّ الْكَلَامَ فِي سِيَاقِ النَّهْيِ عَنْ مُوَالَاةِ الْكُفَّارِ، وَالْأَمْرِ بِمُوَالَاةِ الْمُؤْمِنِينَ، كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ سِيَاقُ الْكَلَامِ.

وَسَيَجِيءُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى هَذِهِ الْآيَةِ، فَإِنَّ الرَّافِضَةَ لَا يَكَادُونَ يَحْتَجُّونَ بِحُجَّةٍ إِلَّا كَانَتْ [حُجَّةً](1) . عَلَيْهِمْ لَا لَهُمْ، كَاحْتِجَاجِهِمْ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى الْوِلَايَةِ الَّتِي هِيَ الْإِمَارَةُ، وَإِنَّمَا هِيَ فِي الْوِلَايَةِ الَّتِي هِيَ ضِدُّ الْعَدَاوَةِ، وَالرَّافِضَةُ مُخَالِفُونَ لَهَا. (2)

وَالْإِسْمَاعِيلِيَّةُ (3) وَالنَّصِيرِيَّةُ وَنَحْوُهُمْ يُوَالُونَ الْكُفَّارَ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُنَافِقِينَ، وَيُعَادُونَ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ (4) . . اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَهَذَا أَمْرٌ مَشْهُورٌ فِيهِمْ (5) ، يُعَادُونَ خِيَارَ عِبَادِ اللَّهِ الْمُؤْمِنِينَ، وَيُوَالُونَ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى وَالْمُشْرِكِينَ مِنَ التُّرْكِ وَغَيْرِهِمْ.

وَقَالَ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [سُورَةُ الْأَنْفَالِ: 64]، أَيْ:[اللَّهُ] كَافِيكَ (6) . وَكَافِي مَنِ اتَّبَعَكَ (7) . مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. وَالصَّحَابَةُ أَفْضَلُ مَنِ اتَّبَعَهُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَأَوَّلُهُمْ (8) .

(1) حُجَّةً: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ

(2)

انْظُرْ تَفْصِيلَ هَذَا الْكَلَامِ فِي (ب) 4 (الْوَجْهُ السَّادِسَ عَشَرَ)

(3)

ن، (م) : كَالْإِسْمَاعِيلِيَّةِ، وَسَبَقَ الْكَلَامُ عَلَى الْإِسْمَاعِيلِيَّةِ وَالنَّصِيرِيَّةِ، انْظُرْ: 1/10

(4)

ن، م: وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ

(5)

فِيهِمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب)

(6)

ن، م: أَيْ كَافِيكَ

(7)

أ، ب: كَافِيكَ وَمَنِ اتَّبَعَكَ

(8)

ن: وَوَالَاهُمْ، م: وَأَوْلَاهُمْ

ص: 32

وَقَالَ تَعَالَى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ - وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا - فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} (1) ، وَالَّذِينَ رَآهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا هُمُ الَّذِينَ كَانُوا عَلَى عَصْرِهِ.

وَقَالَ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ} [سُورَةُ الْأَنْفَالِ: 62 - 63] ، وَإِنَّمَا أَيَّدَهُ فِي حَيَاتِهِ بِالصَّحَابَةِ.

وَقَالَ تَعَالَى: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ - لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ - لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ} [سُورَةُ الزُّمَرِ: 33 - 35] . وَهَذَا الصِّنْفُ الَّذِي يَقُولُ الصِّدْقَ وَيُصَدِّقُ بِهِ، خِلَافُ الصِّنْفِ الَّذِي يَفْتَرِي الْكَذِبَ، أَوْ يُكَذِّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ، كَمَا سَنَبْسُطُ الْقَوْلَ فِيهِمَا (2) . إِنْ شَاءَ اللَّهُ.

وَالصَّحَابَةُ الَّذِينَ كَانُوا يَشْهَدُونَ (3) . أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَأَنَّ الْقُرْآنَ حَقٌّ (4) ، هُمْ أَفْضَلُ مَنْ جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ بَعْدَ الْأَنْبِيَاءِ.

(1) الْآيَةُ الْأَخِيرَةُ مِنْ سُورَةِ النَّصْرِ لَيْسَتْ فِي (ن) ، (م)

(2)

ن، م: فِيهَا

(3)

أ، ب: كَالَّذِينِ يَشْهَدُونَ

(4)

ن: مُحِقٌّ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ

ص: 33

وَلَيْسَ فِي الطَّوَائِفِ الْمُنْتَسِبَةِ إِلَى الْقِبْلَةِ [أَعْظَمُ](1) . افْتِرَاءٍ [لِلْكَذِبِ](2) . عَلَى اللَّهِ، وَتَكْذِيبًا بِالْحَقِّ مِنَ الْمُنْتَسِبِينَ إِلَى التَّشَيُّعِ (3) ، وَلِهَذَا لَا يُوجَدُ الْغُلُوُّ فِي طَائِفَةٍ أَكْثَرَ مِمَّا يُوجَدُ فِيهِمْ. وَمِنْهُمْ مَنِ ادَّعَى إِلَهِيَّةِ الْبَشَرِ، وَادَّعَى النُّبُوَّةَ فِي غَيْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَادَّعَى الْعِصْمَةَ فِي الْأَئِمَّةِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ (4) . مِمَّا هُوَ أَعْظَمُ مِمَّا يُوجَدُ فِي سَائِرِ الطَّوَائِفِ، وَاتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْكَذِبَ لَيْسَ فِي طَائِفَةٍ مِنَ الطَّوَائِفِ (5) . الْمُنْتَسِبِينَ إِلَى الْقِبْلَةِ أَكْثَرَ مِنْهُ فِيهِمْ.

قَالَ تَعَالَى: {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى} [سُورَةُ النَّمْلِ: 59] . قَالَ طَائِفَةٌ مِنَ السَّلَفِ: هُمْ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ [صلى الله عليه وسلم](6) . . وَلَا رَيْبَ أَنَّهُمْ أَفْضَلُ الْمُصْطَفِينَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ الَّتِي قَالَ اللَّهُ فِيهَا: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ - جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ - وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ - الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ} [سُورَةُ فَاطِرٍ: 32 - 35](7) ، فَأُمَّةُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم هُمُ (8) .

(1) أَعْظَمُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ

(2)

لِلْكَذِبِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م)

(3)

ن: الشِّيَعِ

(4)

ن: وَغَيْرَ ذَلِكَ

(5)

الطَّوَائِفِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب)

(6)

صلى الله عليه وسلم: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . وَذَكَرَهُ الطَّبَرِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ (20/3) عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ

(7)

ن، م: بِإِذْنِ اللَّهِ. . إِلَى قَوْلِهِ: وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ

(8)

هُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب)

ص: 34

الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ بَعْدَ الْأُمَّتَيْنِ قَبْلَهُمْ: الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ أَنَّهُمُ الَّذِينَ اصْطَفَى.

وَتَوَاتَرَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: " «خَيْرُ الْقُرُونِ الْقَرْنُ الَّذِي بُعِثْتُ فِيهِمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ» "(1) \ 156. وَمُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ هُمُ الْمُصْطَفُونَ مِنَ الْمُصْطَفِينَ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ.

(1) يَذْكُرُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ هَذَا الْحَدِيثَ بِهَذَا اللَّفْظِ الَّذِي يَبْدَأُ بِعِبَارَةِ: وَخَيْرُ الْقُرُونِ قَرْنِي. . أَوْ " خَيْرُ الْقُرُونِ الْقَرْنُ. . إِلَخْ فِي كَثِيرٍ مِنْ كُتُبِهِ. وَقَدْ بَحَثْتُ عَنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ طَوِيلًا فَلَمْ أَجِدْهَا. وَقَدْ جَاءَ الْحَدِيثُ عَنْ عَدَدٍ كَبِيرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ: أَبُو هُرَيْرَةَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَعِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ وَعَائِشَةُ وَالنُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ وَبُرَيْدَةُ الْأَسْلَمِيُّ رضي الله عنهم. وَجَاءَ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ مِنْهَا: خَيْرُكُمْ قَرْنِي، خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، خَيْرُ أُمَّتِي الْقَرْنُ. . خَيْرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ الْقَرْنُ الَّذِي بُعِثْتُ أَنَا فِيهِمْ. بُعِثْتُ فِي خَيْرِ قُرُونِ بَنِي آدَمَ، أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ؟ قَالَ أَنَا وَالَّذِينَ مَعِي. انْظُرِ: الْبُخَارِيَّ: 3/171 (كِتَابُ الشَّهَادَاتِ، بَابُ لَا يَشْهَدُ عَلَى شَهَادَةِ جَوْرٍ إِذَا شَهِدَ) 5 - 3، 3 (كِتَابُ فَضَائِلِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ، بَابُ فَضَائِلِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ وَمَنْ صَحِبَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَوْ رَآهُ. .) ، 8/91 (كِتَابُ الرِّقَاقِ، بَابُ مَا يُحْذَرُ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا) ، 8/134 (كِتَابُ الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ، بَابُ إِذَا قَالَ أَشْهَدُ بِاللَّهِ. . .) ، 8/141 - 142 (كِتَابُ الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ، بَابُ إِثْمِ مَنْ لَا يَفِي) ; مُسْلِمٍ 4/1962 - 1965 (كِتَابُ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ، بَابُ فَضْلِ الصَّحَابَةِ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ. . .) ; سُنَنِ النَّسَائِيِّ (بِشَرْحِ السُّيُوطِيِّ) 7/17 (كِتَابُ الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ، بَابُ الْوَفَاءِ بِالنَّذْرِ) ; سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ (بِتَحْقِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مُحَمَّد عُثْمَان) 3/339 - 340 (كِتَابُ الْفِتَنِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي الْقَرْنِ الثَّالِثِ) ، 3/376 (كِتَابُ الشَّهَادَاتِ) ، 5/357 (كِتَابُ الْمَنَاقِبِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي فَضْلِ مَنْ رَأَى النَّبِيَّ. .) ; سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4/297 (كِتَابُ السُّنَّةِ، بَابٌ فِي فَضْلِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ. .) ; سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 2/791 (كِتَابُ الْأَحْكَامِ، بَابُ كَرَاهِيَةِ الشَّهَادَةِ لِمَنْ لَمْ يَسْتَشْهِدْ) ; تَرْتِيبُ مُسْنَدِ أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ، تَحْقِيقُ الشَّيْخِ أَحْمَد عَبْد الرَّحْمَن الْبَنَّا (ط. الْمُنِيرِيَّةِ بِالْأَزْهَرِ، 1353/1934 2/198 - 199 (كِتَابُ الْفَضَائِلِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي فَضْلِ الْقُرُونِ الْأُولَى) ; الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 5/209، 6/29، 86، 116، 12/90، 15/106، الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 2/340، 373، 410، 416، 417، 479، 4/267، 276، 277، 278، 426، 427، 436، 440، 5/350، 357، 6

ص: 35

قَالَ تَعَالَى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [سُورَةُ الْفَتْحِ: 29](1) .

وَقَالَ تَعَالَى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [سُورَةُ النُّورِ: 55] . فَقَدْ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا [وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ](2) . بِالِاسْتِخْلَافِ، كَمَا وَعَدَهُمْ فِي تِلْكَ الْآيَةِ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا، وَاللَّهُ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الَّذِينَ اسْتَخْلَفَهُمْ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَكَّنَ لَهُمْ دِينَ الْإِسْلَامِ، وَهُوَ الدِّينُ الَّذِي ارْتَضَاهُ لَهُمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:{وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}

(1) فِي (أ)، (ب) كُتِبَ جُزْءٌ مِنَ الْآيَةِ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ، وَبَعْدَهَا: إِلَى آخَرِ السُّورَةِ، وَالْمُثْبَتُ عَنْ (ن)

(2)

وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ: سَاقِطٌ مِنْ (ن)

ص: 36

[سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 3] ، وَبَدَّلَهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا، لَهُمْ مِنْهُ الْمَغْفِرَةُ (1) . وَالْأَجْرُ الْعَظِيمُ.

وَهَذَا يُسْتَدَلُّ بِهِ مِنْ وَجْهَيْنِ: يُسْتَدَلُّ بِهِ (2) . عَلَى أَنَّ الْمُسْتَخْلَفِينَ مُؤْمِنُونَ عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ (3) . ; لِأَنَّ الْوَعْدَ لَهُمْ لَا لِغَيْرِهِمْ، وَيُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى أَنَّ هَؤُلَاءِ مَغْفُورٌ لَهُمْ، وَلَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ (4) . عَظِيمٌ ; لِأَنَّهُمْ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَتَنَاوَلَتْهُمُ الْآيَتَانِ: آيَةُ النُّورِ وَآيَةُ الْفَتْحِ.

وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ هَذِهِ النُّعُوتَ مُنْطَبِقَةٌ عَلَى الصَّحَابَةِ عَلَى زَمَنِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ، فَإِنَّهُ إِذْ ذَاكَ حَصَلَ الِاسْتِخْلَافُ، وَتَمَكَّنَ الدِّينُ وَالْأَمْنُ بَعْدَ الْخَوْفِ، لَمَّا قَهَرُوا فَارِسَ وَالرُّومَ، وَفَتَحُوا الشَّامَ وَالْعِرَاقَ وَمِصْرَ وَخُرَاسَانَ وَإِفْرِيقِيَّةَ، وَلَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ وَحَصَلَتِ الْفِتْنَةُ لَمْ يَفْتَحُوا شَيْئًا مِنْ بِلَادِ الْكُفَّارِ، بَلْ طَمِعَ فِيهِمُ الْكُفَّارُ بِالشَّامِ وَخُرَاسَانَ، وَكَانَ بَعْضُهُمْ يَخَافُ بَعْضًا.

وَحِينَئِذٍ فَقَدَ دَلَّ الْقُرْآنُ عَلَى إِيمَانِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ، وَمَنْ كَانَ مَعَهُمْ فِي زَمَنِ الِاسْتِخْلَافِ وَالتَّمْكِينِ وَالْأَمْنِ. وَالَّذِينَ كَانُوا فِي زَمَنِ الِاسْتِخْلَافِ وَالتَّمْكِينِ وَالْأَمْنِ، وَأَدْرَكُوا زَمَنَ الْفِتْنَةِ - كَعَلِيٍّ وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ وَأَبِي مُوسَى [الْأَشْعَرِيِّ](5) . وَمُعَاوِيَةَ وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ - دَخَلُوا فِي الْآيَةِ ; لِأَنَّهُمُ اسْتُخْلِفُوا وَمُكِّنُوا وَأَمِنُوا.

(1) أ، ب: وَبَدَّلَهُمْ بَعْدَ خَوْفِهِمْ آمِنًا لَهُمُ الْمَغْفِرَةَ (فِي أ: لَهُمْ مِنَ الْمَغْفِرَةِ)

(2)

يُسْتَدَلُّ بِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب)

(3)

ن، م: عَمِلُوا عَمَلًا صَالِحًا

(4)

أ، ب: وَلَهُمْ أَجْرٌ

(5)

الْأَشْعَرِيِّ: لَيْسَتْ فِي (ن)

ص: 37

وَأَمَّا مَنْ (1) . حَدَثَ فِي زَمَنِ الْفِتْنَةِ، كَالرَّافِضَةِ الَّذِينَ حَدَثُوا فِي الْإِسْلَامِ فِي زَمَنِ الْفِتْنَةِ وَالِافْتِرَاقِ، وَكَالْخَوَارِجِ الْمَارِقِينَ (2) . فَهَؤُلَاءِ لَمْ يَتَنَاوَلْهُمُ النَّصُّ، فَلَمْ يَدْخُلُوا فِيمَنْ وُصِفَ بِالْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ; لِأَنَّهُمْ: أَوَّلًا: لَيْسُوا مِنَ الصَّحَابَةِ الْمُخَاطَبِينَ بِهَذَا، وَلَمْ يَحْصُلْ لَهُمْ مِنْ الِاسْتِخْلَافِ وَالتَّمْكِينِ وَالْأَمْنِ بَعْدَ الْخَوْفِ مَا حَصَلَ لِلصَّحَابَةِ، بَلْ لَا يَزَالُونَ خَائِفِينَ مُقَلْقَلِينَ (3) . غَيْرَ مُمَكَّنِينَ.

فَإِنْ قِيلَ: لَمْ قَالَ: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ} [سُورَةُ الْفَتْحِ: 29]، وَلَمْ يَقُلْ: وَعَدَهُمْ كُلَّهُمْ؟ قِيلَ: كَمَا قَالَ: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [سُورَةُ النُّورِ: 55]، وَلَمْ يَقُلْ: وَعَدَكُمْ (4) .

وَ " مِنْ " تَكُونُ لِبَيَانِ الْجِنْسِ، فَلَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ قَدْ بَقِيَ مِنَ الْمَجْرُورِ بِهَا شَيْءٌ خَارِجٌ عَنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ [تَعَالَى] (5) .:{فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ} [سُورَةُ الْحَجِّ: 30] ، فَإِنَّهُ لَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مِنَ الْأَوْثَانِ مَا لَيْسَ بِرِجْسٍ.

وَإِذَا قُلْتَ: ثَوْبٌ مِنْ حَرِيرٍ، فَهُوَ كَقَوْلِكَ: ثَوْبُ حَرِيرٍ. وَكَذَلِكَ قَوْلُكَ: بَابٌ مِنْ حَدِيدٍ، كَقَوْلِكَ: بَابُ حَدِيدٍ، وَذَلِكَ لَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ حَرِيرٌ وَحَدِيدٌ غَيْرُ الْمُضَافِ إِلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ الَّذِي يَتَصَوَّرُهُ كُلِّيًّا،

(1) ن: فَأَمَّا مَنْ ; م: فَأَمَّا مَا

(2)

ن، م: وَالْمَارِقِينَ

(3)

ن، م: مُعْتَقَلِينَ

(4)

ن، م، أ: وَلَمْ يَقُلْ: مِنْهُمْ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ

(5)

تَعَالَى: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب)

ص: 38

فَإِنَّ الْجِنْسَ الْكُلِّيَّ هُوَ مَا لَا يَمْنَعُ تَصَوُّرُهُ مِنْ وُقُوعِ الشَّرِكَةِ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُشْتَرَكًا فِيهِ فِي الْوُجُودِ، فَإِذَا كَانَتْ " مِنْ " لِبَيَانِ الْجِنْسِ (* كَانَ التَّقْدِيرُ:{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا} مِنْ هَذَا الْجِنْسِ، وَإِنْ كَانَ الْجِنْسُ كُلُّهُمْ مُؤْمِنِينَ *) (1) . مُصْلِحِينَ (2) .

وَكَذَلِكَ إِذَا قَالَ: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} مِنْ هَذَا الْجِنْسِ وَالصِّنْفِ {مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} لَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ أَنَّ يَكُونَ جَمِيعُ هَذَا الْجِنْسِ مُؤْمِنِينَ صَالِحِينَ (3) .

وَلَمَّا قَالَ لِأَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: {وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا} [سُورَةُ الْأَحْزَابِ: 31](4) ، لَمْ يَمْنَعْ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهُنَّ تَقْنُتُ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلُ صَالِحًا.

وَلَمَّا قَالَ تَعَالَى: {وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 54] ، لَمْ يَمْنَعْ هَذَا (5) . أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمْ مُتَّصِفًا بِهَذِهِ الصِّفَةِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُمْ لَوْ عَمِلُوا سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحُوا لَمْ يَغْفِرْ إِلَّا لِبَعْضِهِمْ.

(1) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م)

(2)

ب (فَقَطْ) : صَالِحِينَ

(3)

م: مُصْلِحِينَ.

(4)

عِبَارَةُ " وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا ": لَيْسَتْ فِي (ن) ، (م)

(5)

هَذَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب)

ص: 39

وَلِهَذَا تَدْخُلُ " مِنْ " هَذِهِ فِي النَّفْيِ لِتَحْقِيقِ نَفْيِ الْجِنْسِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} [سُورَةُ الطُّورِ: 21]، وَقَوْلِهِ:{وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 62]، وَقَوْلِهِ (1) .:{فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} [سُورَةُ الْحَاقَّةِ: 47] .

وَلِهَذَا إِذَا دَخَلَتْ فِي النَّفْيِ تَحْقِيقًا أَوْ تَقْدِيرًا أَفَادَتْ نَفْيَ الْجِنْسِ قَطْعًا، فَالتَّحْقِيقُ مَا ذُكِرَ، وَالتَّقْدِيرُ: كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 62]، [وَقَوْلِهِ] (2) . {لَا رَيْبَ فِيهِ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 2] وَنَحْوِ ذَلِكَ، بِخِلَافِ مَا إِذَا لَمْ تَكُنْ " مِنْ " مَوْجُودَةً، كَقَوْلِكَ: مَا رَأَيْتُ رَجُلًا، فَإِنَّهَا ظَاهِرَةٌ لِنَفْيِ الْجِنْسِ، وَلَكِنْ قَدْ يَجُوزُ أَنْ يُنْفَى بِهَا الْوَاحِدُ مِنَ الْجِنْسِ، كَمَا قَالَ سِيبَوَيْهِ: يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: مَا رَأَيْتُ رَجُلًا بَلْ رَجُلَيْنِ، فَتَبَيَّنَ (3) . أَنَّهُ يَجُوزُ إِرَادَةُ الْوَاحِدِ، وَإِنْ كَانَ الظَّاهِرُ نَفْيَ الْجِنْسِ، بِخِلَافِ مَا إِذَا دَخَلَتْ " مِنْ " فَإِنَّهَا تَنْفِي نَفْيَ الْجِنْسِ قَطْعًا (4) .

وَلِهَذَا لَوْ قَالَ لِعَبِيدِهِ: مَنْ أَعْطَانِي مِنْكُمْ أَلْفًا فَهُوَ حُرٌّ، فَأَعْطَاهُ كُلُّ وَاحِدٍ أَلْفًا، عُتِقُوا كُلُّهُمْ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لِنِسَائِهِ: مَنْ أَبْرَأَتْنِي مِنْكُنَّ مِنْ صَدَاقِهَا فَهِيَ طَالِقٌ، فَأَبْرَأْنَهُ كُلُّهُنَّ، طُلِّقْنَ كُلُّهُنَّ. فَإِنَّ الْمَقْصُودَ بِقَوْلِهِ:" مِنْكُمْ " بَيَانُ جِنْسِ الْمُعْطَى وَالْمُبَرَّئِ لَا إِثْبَاتُ هَذَا الْحُكْمِ لِبَعْضِ الْعَبِيدِ وَالْأَزْوَاجِ.

فَإِنْ قِيلَ: فَهَذَا كَمَا لَا يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ الْمَذْكُورِ مُتَّصِفًا بِهَذِهِ الصِّفَةِ

(1) وَقَوْلِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب)

(2)

وَقَوْلِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م)

(3)

ن، م: فَبَيَّنَ

(4)

أ، ب: فَإِنَّهُ يَنْفِي الْجِنْسَ قَطْعًا

ص: 40

فَلَا يُوجِبُ ذَلِكَ أَيْضًا، [فَلَيْسَ] (1) . فِي قَوْلِهِ:{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} مَا يَقْتَضِي (2) . أَنْ يَكُونُوا كُلُّهُمْ كَذَلِكَ.

قِيلَ: نَعَمْ، وَنَحْنُ لَا نَدَّعِي أَنَّ مُجَرَّدَ هَذَا اللَّفْظِ دَلَّ عَلَى أَنَّ جَمِيعَهُمْ مَوْصُوفُونَ بِالْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَلَكِنَّ مَقْصُودَنَا أَنَّ " مِنْ " لَا يُنَافِي شُمُولَ هَذَا الْوَصْفِ لَهُمْ، فَلَا يَقُولُ قَائِلٌ:[إِنَّ](3) . الْخِطَابَ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمَدْحَ شَمِلَهُمْ وَعَمَّهُمْ بِقَوْلِهِ: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} (4) . إِلَى آخَرِ الْكَلَامِ.

وَلَا رَيْبَ أَنَّ هَذَا مَدْحٌ لَهُمْ بِمَا ذُكِرَ مِنَ الصِّفَاتِ: وَهُوَ الشِّدَّةُ عَلَى الْكُفَّارِ وَالرَّحْمَةُ بَيْنَهُمْ، وَالرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا، وَالسِّيمَا فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ، وَأَنَّهُمْ يَبْتَدِئُونَ مَنْ ضَعْفٍ إِلَى كَمَالِ الْقُوَّةِ وَالِاعْتِدَالِ كَالزَّرْعِ.

وَالْوَعْدُ بِالْمَغْفِرَةِ وَالْأَجْرِ الْعَظِيمِ لَيْسَ عَلَى مُجَرَّدِ هَذِهِ الصِّفَاتِ، بَلْ عَلَى الْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ، فَذَكَرَ مَا بِهِ يَسْتَحِقُّونَ الْوَعْدَ، وَإِنَّ كَانُوا (5) . كُلُّهُمْ بِهَذِهِ الصِّفَةِ، وَلَوْلَا ذِكْرُ ذَلِكَ لَكَانَ يُظَنُّ أَنَّهُمْ بِمُجَرَّدِ مَا ذُكِرَ (* يَسْتَحِقُّونَ الْمَغْفِرَةَ وَالْأَجْرَ الْعَظِيمَ، وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ بَيَانُ سَبَبِ الْجَزَاءِ، بِخِلَافِ مَا إِذَا ذُكِرَ *)(6) . الْإِيمَانُ

(1) فَلَيْسَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن)

(2)

ن، م: مَا يُوجِبُ

(3)

إِنَّ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب)

(4)

عِبَارَةُ " أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ " فِي (ن) فَقَطْ

(5)

ن، م: وَلَوْ كَانُوا

(6)

مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م)

ص: 41

وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ، فَإِنَّ الْحُكْمَ إِذَا عَلِقَ بِاسْمٍ مُشْتَقٍّ مُنَاسِبٍ، كَانَ مَا مِنْهُ الِاشْتِقَاقُ سَبَبَ الْحُكْمِ.

فَإِنْ قِيلَ: فَالْمُنَافِقُونَ كَانُوا فِي الظَّاهِرِ مُسْلِمِينَ، قِيلَ: الْمُنَافِقُونَ لَمْ يَكُونُوا مُتَّصِفِينَ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ، وَلَمْ يَكُونُوا مَعَ الرَّسُولِ وَالْمُؤْمِنِينَ، وَلَمْ يَكُونُوا مِنْهُمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:{فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ - وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 52 - 53](1) .

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ - وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ} [سُورَةُ الْعَنْكَبُوتِ: 10 - 11] .

وَقَالَ: {إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا - الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 140 - 141] . إِلَى قَوْلِهِ: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا - إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 145 - 146] .

(1) عِبَارَةُ " فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ " فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) .

ص: 42

وَقَالَ تَعَالَى: {وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 56] .

وَقَالَ تَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [سُورَةُ الْمُجَادِلَةِ: 14](1)، فَأَخْبَرَ أَنَّ الْمُنَافِقِينَ لَيْسُوا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَلَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ: وَهَؤُلَاءِ لَا يُوجَدُونَ فِي طَائِفَةٍ مِنَ الْمُتَظَاهِرِينَ بِالْإِسْلَامِ أَكْثَرَ مِنْهُمْ فِي الرَّافِضَةِ وَمَنِ انْضَوَى (2) . إِلَيْهِمْ.

وَقَدْ قَالَ تَعَالَى (3) .: {يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [سُورَةُ التَّحْرِيمِ: 8] .

وَقَالَ تَعَالَى: {يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا} [سُورَةُ الْحَدِيدِ: 13] ، فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ الْمُنَافِقِينَ لَمْ يَكُونُوا دَاخِلِينَ فِي الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ، وَالَّذِينَ كَانُوا مُنَافِقِينَ، مِنْهُمْ مَنْ تَابَ عَنْ نِفَاقِهِ وَانْتَهَى عَنْهُ، (4) . الْغَالِبُ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى:{لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا مَلْعُونِينَ - أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا} [سُورَةُ الْأَحْزَابِ:

(1) ن، م:. . وَلَا مِنْهُمْ. . . الْآيَةَ

(2)

أ، ب: انْطَوَى

(3)

ن، م: وَقَالَ تَعَالَى

(4)

وَهُمْ ن، م: وَمِنْهُمْ، وَهُوَ خَطَأٌ

ص: 43

60 -

61] ، فَلَمَّا لَمْ يُغْرِهِ اللَّهُ بِهِمْ وَلَمْ يُقَتِّلْهُمْ تَقْتِيلًا، بَلْ كَانُوا يُجَاوِرُونَهُ بِالْمَدِينَةِ، دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُمُ انْتَهَوْا.

وَالَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ بِالْحُدَيْبِيَةِ كُلُّهُمْ بَايَعَهُ (1) . تَحْتَ الشَّجَرَةِ إِلَّا الْجَدُّ بْنُ قَيْسٍ (2) ، فَإِنَّهُ اخْتَبَأَ تَحْتَ (3) . جَمَلٍ أَحْمَرَ.

وَكَذَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: " «كُلُّهُمْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا صَاحِبَ الْجَمَلِ الْأَحْمَرِ» "(4) .

(1) أ، ب: بَايَعُوهُ

(2)

فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 3/396: " عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: كَانَ الْعَبَّاسُ آخِذًا بِيَدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُوَافِقُنَا، فَلَمَّا فَرَغْنَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَخَذْتُ وَأَعْطَيْتُ. قَالَ فَسَأَلْتُ جَابِرًا يَوْمَئِذٍ: كَيْفَ بَايَعْتُمْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَعْلَى الْمَوْتِ؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنْ بَايَعْنَاهُ عَلَى أَنْ لَا نَفِرَّ. قُلْتُ لَهُ: أَفَرَأَيْتَ يَوْمَ الشَّجَرَةِ؟ قَالَ: كُنْتُ آخِذًا بِيَدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ حَتَّى بَايَعْنَاهُ. قُلْتُ: كَمْ كُنْتُمْ؟ قَالَ: كُنَّا أَرْبَعَ عَشَرَ مِائَةً فَبَايَعْنَاهُ كُلُّنَا إِلَّا الْجَدَّ بْنَ قَيْسٍ اخْتَبَأَ تَحْتَ بَطْنِ بَعِيرٍ، وَنَحَرْنَا يَوْمَئِذٍ سَبْعِينَ مِنَ الْبُدْنِ لِكُلِّ سَبْعَةٍ جَزُورٌ ". وَانْظُرْ خَبَرَ اخْتِبَاءِ الْجَدِّ بْنِ قَيْسٍ وَعَدَمِ بَيْعَتِهِ فِي: طَبَقَاتِ ابْنِ سَعْدٍ 2/100 ; سِيرَةِ ابْنِ هِشَامٍ 3/330 ; تَارِيخِ الطَّبَرِيِّ (ط. الْمَعَارِفِ) 2/632 ; تَفْسِيرِ الطَّبَرِيِّ 26/54 - 55. وَقَدْ تَرْجَمَ ابْنُ حَجَرٍ فِي الْإِصَابَةِ (1/230) لِلْجَدِّ بْنِ قَيْسٍ وَسَمَّاهُ: جَدَّ بْنَ قَيْسِ بْنِ صَخْرِ بْنِ خَنْسَاءَ بْنِ سِنَانِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ غُنْمِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَلَمَةَ الْأَنْصَارِيَّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، وَقَالَ إِنَّهُ كَانَ سَيِّدُ بَنِي سَلَمَةَ، وَذَكَرَ أَنَّهُ كَانَ خَالَ جَابِرٍ، وَأَنَّهُ حَمَلَهُ وَهُوَ صَغِيرٌ فِي بَيْعَةِ الْعَقَبَةِ. وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: إِنَّ إِسْنَادَ هَذَا الْحَدِيثِ قَوِيٌّ، ثُمَّ قَالَ:" وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا) نَزَلَتْ فِي نَفَرٍ مِمَّنْ تَخَلَّفَ عَنْ تَبُوكَ مِنْهُمْ أَبُو لُبَابَةَ وَالْجَدُّ بْنُ قَيْسٍ لَمْ يَتُبْ عَلَيْهِمْ " وَقَالَ: إِنَّهُ تَابَ وَحَسُنَتْ تَوْبَتُهُ وَمَاتَ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ

(3)

أ، ب: خَلْفَ

(4)

لَمْ أَجِدِ الْحَدِيثَ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَلَكِنْ جَاءَتْ أَلْفَاظٌ بِمَعْنَاهَا ضِمْنَ حَدِيثٍ طَوِيلٍ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه وَنَصُّهُ فِي مُسْلِمٍ 4/2144 - 2145 (كِتَابُ صِفَاتِ الْمُنَافِقِينَ وَأَحْكَامِهِمْ، الْبَابُ الْأَوَّلِ) : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " مَنْ يَصْعَدِ الثَّنِيَّةَ ثَنِيَّةَ الْمُرَارِ، فَإِنَّهُ يُحَطُّ عَنْهُ مَا حُطَّ عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ. قَالَ فَكَانَ أَوَّلُ مَنْ صَعِدَهَا خَيْلُنَا، خَيْلُ بَنِي الْخَزْرَجِ، ثُمَّ تَتَامَّ النَّاسُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " وَكُلُّكُمْ مَغْفُورٌ لَهُ، إِلَّا صَاحِبَ الْجَمَلِ الْأَحْمَرِ " فَأَتَيْنَاهُ فَقُلْنَا لَهُ: تَعَالَ يَسْتَغْفِرْ لَكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: وَاللَّهِ لَأَنْ أَجِدَ ضَالَّتِي أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لِي صَاحِبُكُمْ. قَالَ: وَكَانَ رَجُلٌ يَنْشُدُ ضَالَّةً لَهُ ". قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِهِ 17/126 - 127: " مَنْ يَصْعَدِ الثَّنِيَّةَ ثَنِيَّةَ الْمُرَارِ: هَكَذَا هُوَ فِي الرِّوَايَةِ الْأَوْلَى: الْمُرَارِ، بِضَمِّ الْمِيمِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ، وَفِي الثَّانِيَةِ: الْمُرَارِ أَوِ الْمَرَارِ بِضَمِّ الْمِيمِ أَوْ فَتْحِهَا عَلَى الشَّكِّ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِضَمِّهَا أَوْ كَسْرِهَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَالْمُرَارُ شَجَرٌ مُرٌّ. وَأَصْلُ الثَّنِيَّةِ الطَّرِيقُ بَيْنَ جَبَلَيْنِ، وَهَذِهِ الثَّنِيَّةُ عِنْدَ الْحُدَيْبِيَةِ. . قَالَ الْقَاضِي: قِيلَ: هَذَا الرَّجُلُ هُوَ الْجَدُّ بْنُ قَيْسٍ الْمُنَافِقُ ". وَانْظُرْ " الِاسْتِقَامَةَ " لِابْنِ تَيْمِيَّةَ 2/265، 287 - 288

ص: 44

[وَبِالْجُمْلَةِ](1) . فَلَا رَيْبَ أَنَّ الْمُنَافِقِينَ كَانُوا مَغْمُورِينَ أَذِلَّاءَ مَقْهُورِينَ (2) ، لَا سِيَّمَا فِي آخِرِ أَيَّامِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَفِي غَزْوَةِ تَبُوكَ ; لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ:{يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [سُورَةُ الْمُنَافِقِينَ: 8] ، فَأَخْبَرَ أَنَّ الْعِزَّةَ لِلْمُؤْمِنِينَ لَا لِلْمُنَافِقِينَ، فَعُلِمَ أَنَّ الْعِزَّةَ وَالْقُوَّةَ كَانَتْ فِي الْمُؤْمِنِينَ، وَأَنَّ الْمُنَافِقِينَ كَانُوا أَذِلَّاءَ بَيْنَهُمْ.

فَيَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ الصَّحَابَةُ الَّذِينَ كَانُوا أَعَزَّ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْمُنَافِقِينَ، بَلْ ذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ مَنْ كَانَ أَعَزَّ كَانَ أَعْظَمَ إِيمَانًا، وَمِنَ الْمَعْلُومِ (3) . أَنَّ

(1) وَبِالْجُمْلَةِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن)

(2)

أ، ب: مَغْمُورِينَ مَقْهُورِينَ أَذِلَّاءَ. وَفِي (ن) : مَغْمُورِينَ ذُلًّا مَقْهُورِينَ. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (م)

(3)

ن، م: وَمَعْلُومٌ

ص: 45

السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ - الْخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ (1) . وَغَيْرَهُمْ - كَانُوا أَعَزَّ النَّاسِ، وَهَذَا كُلُّهُ مِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّ الْمُنَافِقِينَ كَانُوا ذَلِيلِينَ فِي الْمُؤْمِنِينَ، فَلَا يَجُوزُ أَنَّ يَكُونَ الْأَعِزَّاءُ مِنَ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ، وَلَكِنَّ هَذَا الْوَصْفَ مُطَابِقٌ لِلْمُتَّصِفِينَ بِهِ مِنَ الرَّافِضَةِ وَغَيْرِهِمْ.

وَالنِّفَاقُ وَالزَّنْدَقَةُ فِي الرَّافِضَةِ أَكْثَرُ مِنْهُ فِي سَائِرِ الطَّوَائِفِ، بَلْ لَا بُدَّ لِكُلٍّ مِنْهُمْ مِنْ شُعْبَةِ نِفَاقٍ، فَإِنَّ أَسَاسَ النِّفَاقِ الَّذِي بُنِيَ عَلَيْهِ الْكَذِبُ، وَأَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ بِلِسَانِهِ مَا لَيْسَ فِي قَلْبِهِ، كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنِ الْمُنَافِقِينَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ.

وَالرَّافِضَةُ تَجْعَلُ هَذَا مِنْ أُصُولِ دِينِهَا وَتُسَمِّيِهِ التَّقِيَّةَ، وَتَحْكِي هَذَا عَنْ أَئِمَّةِ أَهْلِ الْبَيْتِ الَّذِينَ بَرَّأَهُمُ اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ، حَتَّى يَحْكُوا (2) . عَنْ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ أَنَّهُ قَالَ: التَّقِيَّةُ دِينِي وَدِينُ آبَائِي (3) .

وَقَدْ نَزَّهَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ وَغَيْرِهِمْ عَنْ ذَلِكَ، بَلْ كَانُوا مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ صِدْقًا وَتَحْقِيقًا لِلْإِيمَانِ، وَكَانَ دِينُهُمُ التَّقْوَى لَا التَّقِيَّةَ (4) .

وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً}

(1) ن، م: وَالْخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ

(2)

أ، ب: حَتَّى يَحْكُوا ذَلِكَ ; ن: حَتَّى يُحْكَى

(3)

فِي كِتَابِ " الْأُصُولِ مِنَ الْكَافِي " لِأَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ الْكَلْبِيِّ 2/219، الطَّبْعَةِ الثَّانِيَةِ، ط. طَهْرَانَ، 1381 عَنْ مَعْمَرِ بْنِ خَلَّادٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ عليه السلام عَنِ الْقِيَامِ لِلْوُلَاةِ، فَقَالَ: أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام: التَّقِيَّةُ مِنْ دِينِي وَدِينِ آبَائِي، وَلَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا تَقِيَّةَ لَهُ

(4)

ن، م: التَّقْوَى وَالتَّقِيَّةَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ

ص: 46

[سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 28] إِنَّمَا هُوَ الْأَمْرُ بِالِاتِّقَاءِ مِنَ الْكُفَّارِ (1) . لَا الْأَمْرُ (2) . بِالنِّفَاقِ وَالْكَذِبِ.

وَاللَّهُ تَعَالَى قَدْ أَبَاحَ لِمَنْ أُكْرِهَ عَلَى كَلِمَةِ الْكُفْرِ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهَا إِذَا كَانَ قَلْبُهُ مُطَمْئِنًا بِالْإِيمَانِ، لَكِنْ لَمْ يُكْرِهْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ عَلَى شَيْءٍ [مِنْ ذَلِكَ](3)، حَتَّى أَنَّ أَبَا بَكْرٍ [رضي الله عنه] رضي الله عنه:(4) . لَمْ يُكْرِهْ أَحَدًا لَا مِنْهُمْ وَلَا مِنْ غَيْرِهِمْ عَلَى مُبَايَعَتِهِ (5) ، فَضْلًا أَنْ يُكْرِهَهُمْ عَلَى مَدْحِهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، بَلْ كَانَ عَلِيٌّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ يُظْهِرُونَ ذِكْرَ (6) . فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ وَالثَّنَاءَ عَلَيْهِمْ وَالتَّرَحُّمَ عَلَيْهِمْ وَالدُّعَاءَ لَهُمْ، وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يُكْرِهُهُمْ عَلَى شَيْءٍ مِنْهُ بِاتِّفَاقِ النَّاسِ.

وَقَدْ كَانَ فِي زَمَنِ بَنِي أُمَيَّةَ وَبَنِي الْعَبَّاسِ خَلْقٌ عَظِيمٌ (7) . دُونَ عَلِيٍّ وَغَيْرِهِ (8) . فِي الْإِيمَانِ وَالتَّقْوَى يَكْرَهُونَ مِنْهُمْ أَشْيَاءَ وَلَا يَمْدَحُونَهُمْ وَلَا يَثْنُونَ عَلَيْهِمْ وَلَا يُقَرِّبُونَهُمْ، وَمَعَ هَذَا لَمْ يَكُنْ هَؤُلَاءِ يَخَافُونَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ أُولَئِكَ يُكْرِهُونَهُمْ، مَعَ أَنَّ الْخُلَفَاءَ [الرَّاشِدِينَ](9) . كَانُوا بِاتِّفَاقِ الْخَلْقِ

(1) يَقُولُ الطَّبَرِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ (ط. الْمَعَارِفِ) 6/316: " فَالتَّقِيَّةُ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ إِنَّمَا هِيَ تَقِيَّةٌ مِنَ الْكُفَّارِ لَا مِنْ غَيْرِهِمْ "

(2)

ن، م: أَمَرَ

(3)

مِنْ ذَلِكَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

(4)

زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب)

(5)

أ، ب: مُتَابَعَتِهِ

(6)

ن، م: مِنْ ذِكْرِ

(7)

م: خَلْقٌ كَثِيرٌ عَظِيمٌ

(8)

ن، م: وَغَيْرِهِمْ

(9)

الرَّاشِدِينَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م)

ص: 47

أَبْعَدَ عَنْ قَهْرِ النَّاسِ وَعُقُوبَتِهِمْ عَلَى طَاعَتِهِمْ مِنْ هَؤُلَاءِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنِ النَّاسُ مَعَ هَؤُلَاءِ مُكْرَهِينَ عَلَى أَنْ يَقُولُوا بِأَلْسِنَتِهِمْ خِلَافَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ (1) ، فَكَيْفَ يَكُونُونَ مُكْرَهِينَ مَعَ الْخُلَفَاءِ عَلَى ذَلِكَ ; بَلْ عَلَى الْكَذِبِ وَشَهَادَةِ الزُّورِ وَإِظْهَارِ الْكُفْرِ - كَمَا تَقُولُهُ الرَّافِضَةُ - مِنْ غَيْرِ أَنْ يُكْرِهَهُمْ أَحَدٌ عَلَى ذَلِكَ؟ .

فَعُلِمَ أَنَّ مَا تَتَظَاهَرُ بِهِ الرَّافِضَةُ، هُوَ مِنْ بَابِ الْكَذِبِ وَالنِّفَاقِ، وَأَنْ يَقُولُوا بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ، لَا مِنْ بَابِ مَا يُكْرَهُ الْمُؤْمِنُ عَلَيْهِ مِنَ التَّكَلُّمِ بِالْكُفْرِ.

وَهَؤُلَاءِ أَسْرَى الْمُسْلِمِينَ فِي بِلَادِ الْكُفَّارِ غَالِبُهُمْ يُظْهِرُونَ دِينَهُمْ، وَالْخَوَارِجُ مَعَ تَظَاهُرِهِمْ بِتَكْفِيرِ الْجُمْهُورِ وَتَكْفِيرِ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَمَنْ وَالَاهُمَا يَتَظَاهَرُونَ بِدِينِهِمْ، وَإِذَا سَكَنُوا بَيْنَ الْجَمَاعَةِ سَكَنُوا عَلَى الْمُوَافَقَةِ وَالْمُخَالَفَةِ (2) . وَالَّذِي يَسْكُنُ فِي مَدَائِنِ الرَّافِضَةِ فَلَا يُظْهَرُ الرَّفْضَ، وَغَايَتُهُ إِذَا ضَعَفَ أَنْ يَسْكُتَ عَنْ ذِكْرِ مَذْهَبِهِ، لَا يَحْتَاجُ أَنْ يَتَظَاهَرَ بِسَبَبِ الْخُلَفَاءِ وَالصَّحَابَةِ إِلَّا أَنْ يَكُونُوا قَلِيلًا.

فَكَيْفَ يُظَنُّ بِعَلِيٍّ [رضي الله عنه](3) . وَغَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ أَنَّهُمْ كَانُوا أَضْعَفَ دِينًا وَقُلُوبًا (4) . مِنَ الْأَسْرَى فِي بِلَادِ الْكُفْرِ، وَمِنْ عَوَامِّ [أَهْلِ](5) .

(1) أ: خِلَافَ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ ; م: بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ

(2)

ن: وَإِذَا سَكَتُوا بَيْنَ الْجَمَاعَةِ سَكَتُوا عَنِ الْمُوَافَقَةِ وَالْمُخَالَفَةِ ; م: وَإِذَا سَكَتُوا بَيْنَ الْجَمَاعَةِ سَكَنُوا عَنِ الْمُوَافَقَةِ ; أ: وَإِذَا سَكَنُوا بَيْنَ الْجَمَاعَةِ سَكَتُوا عَنِ الْمُوَافَقَةِ.

(3)

رضي الله عنه: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب)

(4)

وَقُلُوبًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب)

(5)

أَهْلِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (أ)

ص: 48

السُّنَّةِ، وَمِنَ النَّوَاصِبِ (1) ".؟ مَعَ أَنَّا قَدْ عَلِمْنَا بِالتَّوَاتُرِ أَنَّ أَحَدًا لَمْ يُكْرِهْ عَلِيًّا وَلَا أَوْلَادَهُ (2) . عَلَى ذِكْرِ فَضَائِلِ الْخُلَفَاءِ وَالتَّرَحُّمِ عَلَيْهِمْ، بَلْ كَانُوا يَقُولُونَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ إِكْرَاهٍ ; وَيَقُولُهُ أَحَدُهُمْ لِخَاصَّتِهِ، كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ بِالنَّقْلِ الْمُتَوَاتِرِ (3) .

(4 وَأَيْضًا فَقَدْ يُقَالُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى 4)(4) .: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [سُورَةُ النُّورِ: 55] إِنَّ ذَلِكَ وَصْفٌ لِلْجُمْلَةِ بِوَصْفٍ يَتَضَمَّنُ حَالَهُمْ (5) . عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ} [سُورَةُ الْفَتْحِ: 29] ، وَالْمَغْفِرَةُ وَالْأَجْرُ فِي الْآخِرَةِ يَحْصُلُ لِكُلِّ وَاحِدٍ وَاحِدٍ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَتَّصِفَ بِسَبَبِ ذَلِكَ وَهُوَ الْإِيمَانُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ، إِذْ قَدْ يَكُونُ فِي الْجُمْلَةِ مُنَافِقٌ.

وَفِي الْجُمْلَةِ كُلُّ (6) . مَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ خِطَابِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُتَّقِينَ (7) .

(1) سَبَقَ الْكَلَامُ عَنِ النَّوَاصِبِ 1 وَفِي " تَاجِ الْعَرُوسِ " مَادَّةُ " نَصَبَ ": " النَّوَاصِبُ وَالنَّاصِبَةُ وَأَهْلُ النَّصْبِ وَهُمُ الْمُتَدَيِّنُونَ بِبِغْضَةِ سَيِّدِنَا أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَيَعْسُوبِ الْمُسْلِمِينَ أَبِي الْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه وَكَرَّمَ وَجْهَهُ - لِأَنَّهُمْ نَصَبُوا لَهُ أَيْ عَادَوْهُ وَأَظْهَرُوا لَهُ الْخِلَافَ وَهُمْ طَائِفَةُ الْخَوَارِجِ

(2)

ن، م: عَلِيًّا وَأَوْلَادَهُ

(3)

ن، م: كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ بِالتَّوَاتُرِ

(4)

(4 - 4) بَدَلًا مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ فِي (ن)، (م) يُوجَدُ بَيَاضٌ بِمِقْدَارِ كَلِمَتَيْنِ وَبَعْدَهُ عِبَارَةُ: فَقَدْ بَيَّنَ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ. . . إِلَخْ

(5)

أ، ب: إِنَّ ذَلِكَ وَصْفُ الْجُمْلَةِ بِصِفَةٍ تَتَضَمَّنُ حَالَهُمْ

(6)

ن، م: وَبِالْجُمْلَةِ فَكُلُّ

(7)

ن: وَالْمُنَافِقِينَ، وَهُوَ خَطَأٌ

ص: 49