الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الَّتِي حَصَلَ عِنْدَهَا آثَارٌ. [فَإِنَّ الْجُمْهُورَ الْمُثْبِتِينَ لِلْحِكْمَةِ يَقُولُونَ: فَعَلَ كَذَا لِأَجْلِ ذَلِكَ وَفَعَلَ كَذَا بِكَذَا. وَأُولَئِكَ يَقُولُونَ: فَعَلَ عِنْدَهُ لَا بِهِ وَلَا لَهُ](1) .
[التعليق على قوله وَأَنَّهُ تَعَالَى غَيْرُ مَرْئِيٍّ وَلَا مُدْرَكٍ بِشَيْءٍ مِنَ الْحَوَاسِّ]
وَأَمَّا قَوْلُهُ (2) : " وَأَنَّهُ تَعَالَى غَيْرُ مَرْئِيٍّ وَلَا مُدْرَكٍ بِشَيْءٍ مِنَ الْحَوَاسِّ (3) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ} (4) [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 103] وَلِأَنَّهُ (5) لَيْسَ فِي جِهَةٍ ".
فَيُقَالُ: [لَهُ](6) : أَوَّلًا: النِّزَاعُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَيْنَ [طَوَائِفِ](7) الْإِمَامِيَّةِ كَمَا النِّزَاعُ فِيهَا بَيْنَ غَيْرِهِمْ (8)، فَالْجَهْمِيَّةُ وَالْمُعْتَزِلَةُ وَالْخَوَارِجُ (9) وَطَائِفَةٌ مِنْ غَيْرِ (* الْإِمَامِيَّةِ (10) تُنْكِرُهَا. وَالْإِمَامِيَّةُ لَهُمْ فِيهَا قَوْلَانِ: فَجُمْهُورُ قُدَمَائِهِمْ يُثْبِتُ (11) الرُّؤْيَةَ، وَجُمْهُورُ *) (12) مُتَأَخِّرِيهِمْ يَنْفُونَهَا. وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ أَكْثَرَ قُدَمَائِهِمْ يَقُولُونَ بِالتَّجْسِيمِ (13) .
(1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ب) ، (أ) ، وَالْكَلَامُ فِي (ن) ، (م) نَاقِصٌ وَمُضْطَرِبٌ.
(2)
وَرَدَتِ الْعِبَارَةُ التَّالِيَةُ فِي (ك) 1/82 (م) وَهَذَا الْجُزْءُ ص 98.
(3)
ن: الْحَوْلَيْنِ ; م: الْحَقِّ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
(4)
فِي (ع) ، (ب) ، (أ)، (م) : " لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَفِي (ن) ذَكَرَ بَاقِي الْآيَةِ، وَكَذَا هِيَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ السَّابِقَيْنِ.
(5)
ب، ا: لِأَنَّهُ.
(6)
لَهُ: زِيَادَةٌ فِي (ع) .
(7)
طَوَائِفِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(8)
ب، ا: كَالنِّزَاعِ فِيهَا بَيْنَ غَيْرِ الْإِمَامِيَّةِ.
(9)
ع: وَمَنْ تَبِعَهُمْ مِنَ الْخَوَارِجِ.
(10)
ع: وَطَائِفَةٌ مِنَ الْإِمَامِيَّةِ، وَرَجَّحْتُ أَنْ يَكُونَ الْمَقْصُودُ الْكَلَامَ عَلَى طَائِفَةٍ مِنَ الشِّيعَةِ غَيْرِ الْإِمَامِيَّةِ، إِذْ إِنَّ ابْنَ تَيْمِيَّةَ يَتَكَلَّمُ بَعْدَ ذَلِكَ مُبَاشَرَةً عَلَى قَوْلَيْنِ لِلْإِمَامِيَّةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.
(11)
ب (فَقَطْ) : يُثْبِتُونَ ; ن، ع، ا: تُثْبِتُ.
(12)
الْكَلَامُ بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) .
(13)
ب، ا، ن، م: بِالْجِسْمِ.
قَالَ الْأَشْعَرِيُّ (1) : " وَكُلُّ الْمُجَسِّمَةِ (2) إِلَّا نَفَرًا قَلِيلًا (3) يَقُولُ (4) بِإِثْبَاتِ الرُّؤْيَةِ، وَقَدْ يُثْبِتُ الرُّؤْيَةَ مَنْ لَا يَقُولُ بِالتَّجْسِيمِ ".
قُلْتُ: وَأَمَّا الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ وَأَئِمَّةُ الْإِسْلَامِ الْمَعْرُوفُونَ بِالْإِمَامَةِ فِي الدِّينِ، كَمَالِكٍ وَالثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَأَمْثَالِ هَؤُلَاءِ، وَسَائِرِ أَهْلِ السُّنَّةِ (5) وَالْحَدِيثِ وَالطَّوَائِفِ الْمُنْتَسِبِينَ (6) إِلَى السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ كَالْكُلَّابِيَّةِ وَالْأَشْعَرِيَّةِ وَالسَّالِمِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ، فَهَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى إِثْبَاتِ الرُّؤْيَةِ لِلَّهِ تَعَالَى، وَالْأَحَادِيثُ بِهَا مُتَوَاتِرَةٌ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِحَدِيثِهِ.
[وَكَذَلِكَ الْآثَارُ بِهَا مُتَوَاتِرَةٌ عَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ، وَقَدْ ذَكَرَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ مِنَ الْأَئِمَّةِ الْعَالِمِينَ بِأَقْوَالِ السَّلَفِ أَنَّ الصَّحَابَةَ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ اللَّهَ يُرَى فِي الْآخِرَةِ بِالْأَبْصَارِ، وَمُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَرَاهُ أَحَدٌ فِي الدُّنْيَا بِعَيْنِهِ، وَلَمْ يَتَنَازَعُوا فِي ذَلِكَ إِلَّا فِي نَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم خَاصَّةً: مِنْهُمْ مَنْ نَفَى رُؤْيَتَهُ بِالْعَيْنِ فِي الدُّنْيَا وَمِنْهُمْ مَنْ أَثْبَتَهَا. وَقَدْ بَسَطْتُ هَذِهِ الْأَقْوَالَ وَالْأَدِلَّةَ مِنَ الْجَانِبَيْنِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ. وَالْمَقْصُودُ هُنَا نَقْلُ إِجْمَاعِ السَّلَفِ عَلَى إِثْبَاتِ الرُّؤْيَةِ
(1) فِي الْمَقَالَاتِ 1/265.
(2)
ن، م: الْجَهْمِيَّةِ، وَهُوَ خَطَأٌ ظَاهِرٌ.
(3)
الْمَقَالَاتِ: يَسِيرًا.
(4)
ب، ا، ع، م: يَقُولُونَ.
(5)
ن، م: أَهْلِ الْبَيْتِ.
(6)
ع، ن: الْمُنْتَسِبُونَ.
بِالْعَيْنِ فِي الْآخِرَةِ وَنَفْيِهَا فِي الدُّنْيَا، إِلَّا الْخِلَافَ فِي النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم خَاصَّةً] (1) .
وَأَمَّا احْتِجَاجُهُ [وَاحْتِجَاجُ النُّفَاةِ أَيْضًا] بِقَوْلِهِ [تَعَالَى](2) : {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 103] فَالْآيَةُ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ لَا لَهُمْ، لِأَنَّ الْإِدْرَاكَ: إِمَّا أَنْ يُرَادَ بِهِ مُطْلَقُ الرُّؤْيَةِ، أَوِ الرُّؤْيَةُ، أَوِ الرُّؤْيَةُ الْمُقَيَّدَةُ بِالْإِحَاطَةِ، وَالْأَوَّلُ بَاطِلٌ، لِأَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ مَنْ رَأَى شَيْئًا يُقَالُ: إِنَّهُ [أَدْرَكَهُ، كَمَا لَا يُقَالُ:](3) أَحَاطَ بِهِ، كَمَا سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ [رضي الله عنهما] (4) عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ (5) : أَلَسْتَ تَرَى السَّمَاءَ؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ: أَكُلُّهَا تُرَى (6) ؟ قَالَ: لَا.
وَمَنْ رَأَى جَوَانِبَ الْجَيْشِ أَوِ الْجَبَلِ (7) أَوِ الْبُسْتَانِ أَوِ الْمَدِينَةِ لَا يُقَالُ: إِنَّهُ أَدْرَكَهَا (8)، وَإِنَّمَا يُقَالُ: أَدْرَكَهَا إِذَا أَحَاطَ بِهَا رُؤْيَةً (9) ، وَنَحْنُ فِي هَذَا الْمَقَامِ لَيْسَ عَلَيْنَا بَيَانُ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا ذَكَرْنَا هَذَا بَيَانًا لِسَنَدِ (10) الْمَنْعِ، بَلِ الْمُسْتَدِلُّ بِالْآيَةِ عَلَيْهِ أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّ الْإِدْرَاكَ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ مُرَادِفٌ لِلرُّؤْيَةِ، وَأَنَّ كُلَّ مَنْ رَأَى شَيْئًا يُقَالُ فِي لُغَتِهِمْ إِنَّهُ أَدْرَكَهُ، وَهَذَا لَا سَبِيلَ إِلَيْهِ، كَيْفَ وَبَيْنَ لَفْظِ
(1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ب) ، (أ) ، (ن) ، (م) .
(2)
ب، ا: وَأَمَّا احْتِجَاجُ النُّفَاةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ; ن، م: وَأَمَّا احْتِجَاجُهُ بِقَوْلِهِ.
(3)
مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(4)
رضي الله عنهما: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن)، (م) . وَفِي (ع) : رضي الله عنه.
(5)
ن، م: قَالَ.
(6)
ع: أَتُرَى كُلُّهَا؟
(7)
ن، م: جَوَانِبَ الْخَيْلِ أَوِ الْجَيْشِ ; ': جَوَانِبَ الْجَيْشِ أَوِ الْجُنْدِ.
(8)
ع: أَدْرَكَهُ.
(9)
ن: وَلَا يُقَالُ إِنَّهُ أَدْرَكَهَا إِلَّا إِذَا أَحَاطَ بِهَا رُؤْيَةً ; م: إِلَّا إِذَا أَحَاطَ بِهَا رُؤْيَةً.
(10)
ع: لِنُسْنِدَ ; أ: لِسَدِّ.
الرُّؤْيَةِ وَلَفْظِ الْإِدْرَاكِ (1) عُمُومٌ وَخُصُوصٌ [أَوِ اشْتِرَاكٌ لَفْظِيٌّ](2) ، فَقَدْ تَقَعُ رُؤْيَةٌ بِلَا إِدْرَاكٍ، [وَقَدْ يَقَعُ إِدْرَاكٌ بِلَا رُؤْيَةٍ](3) ، فَإِنَّ الْإِدْرَاكَ (4) يُسْتَعْمَلُ فِي إِدْرَاكِ الْعِلْمِ وَإِدْرَاكِ الْقُدْرَةِ، فَقَدَ (5) يُدْرَكُ الشَّيْءُ بِالْقُدْرَةِ وَإِنْ لَمْ يُشَاهَدْ، كَالْأَعْمَى الَّذِي طَلَبَ رَجُلًا هَارِبًا مِنْهُ (6) فَأَدْرَكَهُ وَلَمْ يَرَهُ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى:{فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ - قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [سُورَةُ الشُّعَرَاءِ: 61، 62] فَنَفَى مُوسَى الْإِدْرَاكَ مَعَ إِثْبَاتِ التَّرَائِي (7) ، فَعُلِمَ (8) أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ رُؤْيَةٌ بِلَا إِدْرَاكٍ. وَالْإِدْرَاكُ هُنَا هُوَ إِدْرَاكُ الْقُدْرَةِ، أَيْ مَلْحُوقُونَ (9) مُحَاطٌ بِنَا وَإِذَا انْتَفَى (10) هَذَا الْإِدْرَاكُ فَقَدْ تَنْتَفِي (11) إِحَاطَةُ الْبَصَرِ [أَيْضًا](12) .
وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ [تَعَالَى](13) ، ذَكَرَ هَذِهِ الْآيَةَ يَمْدَحُ بِهَا (14) نَفْسَهُ
(1) ن، م: وَبَيْنَ الرُّؤْيَةِ وَالْإِدْرَاكِ.
(2)
عِبَارَةُ " أَوِ اشْتِرَاكٌ لَفْظِيٌّ " سَاقِطَةٌ مِنْ (ن)، (م) وَمَوْجُودَةٌ فِي (ب) فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا بَعْدَ عِبَارَةِ: وَقَدْ يَقَعُ إِدْرَاكٌ بِلَا رُؤْيَةٍ.
(3)
مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(4)
ب: وَإِنَّ الْإِدْرَاكَ ; ن، م: وَالْإِدْرَاكُ ; أ: وَإِنَّ الِاسْتِدْرَاكَ.
(5)
ن، م: يُقَالُ.
(6)
مِنْهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) .
(7)
ع: الرُّؤْيَةِ.
(8)
ن، م: أَيْ يُعْلَمُ.
(9)
أ، ب، م: مُلْحَقُونَ.
(10)
ن، م: نَفَى.
(11)
ن، م: يَنْفِي.
(12)
أَيْضًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (ع) .
(13)
تَعَالَى: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) .
(14)
ن، م: فِيهَا.
سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَمَعْلُومٌ أَنَّ كَوْنَ الشَّيْءِ لَا يُرَى لَيْسَ صِفَةَ مَدْحٍ، لِأَنَّ النَّفْيَ الْمَحْضَ لَا يَكُونُ مَدْحًا إِنْ لَمْ يَتَضَمَّنْ أَمْرًا ثُبُوتِيًّا، وَلِأَنَّ الْمَعْدُومَ (1) أَيْضًا لَا يُرَى، وَالْمَعْدُومُ لَا يُمْدَحُ، فَعُلِمَ أَنَّ مُجَرَّدَ نَفْيِ الرُّؤْيَةِ لَا مَدْحَ فِيهِ.
[وَهَذَا أَصْلٌ مُسْتَمِرٌّ، وَهُوَ أَنَّ الْعَدَمَ الْمَحْضَ الَّذِي لَا يَتَضَمَّنُ ثُبُوتًا لَا مَدْحَ فِيهِ وَلَا كَمَالَ، فَلَا يَمْدَحُ الرَّبُّ نَفْسَهُ بِهِ، بَلْ وَلَا يَصِفُ نَفْسَهُ بِهِ، وَإِنَّمَا يَصِفُهَا بِالنَّفْيِ الْمُتَضَمِّنِ مَعْنَى ثُبُوتٍ، كَقَوْلِهِ: {لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ} وَقَوْلِهِ: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} ، وَقَوْلِهِ: {وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ} ، وَقَوْلِهِ: {وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 255] وَقَوْلِهِ: {لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ} [سُورَةُ سَبَأٍ: 3]، وَقَوْلِهِ:{وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ} [سُورَةُ ق: 38] ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْقَضَايَا السَّلْبِيَّةِ الَّتِي يَصِفُ الرَّبُّ تَعَالَى بِهَا نَفْسَهُ، وَأَنَّهَا تَتَضَمَّنُ اتِّصَافَهُ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ الثُّبُوتِيَّةِ، مِثْلَ كَمَالِ حَيَاتِهِ وَقَيُّومِيَّتِهِ وَمِلْكِهِ وَقُدْرَتِهِ وَعِلْمِهِ وَهِدَايَتِهِ وَانْفِرَادِهِ بِالرُّبُوبِيَّةِ وَالْإِلَهِيَّةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَكُلُّ مَا يُوصَفُ بِهِ الْعَدَمُ الْمَحْضُ فَلَا يَكُونُ إِلَّا عَدَمًا مَحْضًا، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْعَدَمَ الْمَحْضَ يُقَالُ فِيهِ: إِنَّهُ يُرَى، فَعُلِمَ أَنَّ نَفْيَ الرُّؤْيَةِ عَدَمٌ مَحْضٌ، وَلَا يُقَالُ فِي الْعَدَمِ الْمَحْضِ: لَا يُدْرَكُ، وَإِنَّمَا يُقَالُ: هَذَا فِيمَا لَا يُدْرَكُ لِعَظَمَتِهِ لَا لِعَدَمِهِ] (2) .
[وَإِذَا (3) كَانَ الْمَنْفِيُّ هُوَ الْإِدْرَاكَ، فَهُوَ سبحانه وتعالى (4) لَا يُحَاطُ بِهِ
(1) ب، أ: لِأَنَّ الْمَعْدُومَ ; ن، م: وَلِأَنَّ الْعَدَمَ.
(2)
مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ب) ، (أ) ، (ن)(م) .
(3)
ب، أ: وَإِنْ.
(4)
وَتَعَالَى: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .
رُؤْيَةً، كَمَا لَا يُحَاطُ بِهِ عِلْمًا، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ إِحَاطَةِ الْعِلْمِ وَالرُّؤْيَةِ نَفْيُ الْعِلْمِ (1) وَالرُّؤْيَةِ، بَلْ يَكُونُ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُ يُرَى وَلَا يُحَاطُ بِهِ (2 كَمَا يُعْلَمُ وَلَا يُحَاطُ بِهِ 2)(2) فَإِنَّ تَخْصِيصَ الْإِحَاطَةِ بِالنَّفْيِ (3) يَقْتَضِي أَنَّ مُطْلَقَ الرُّؤْيَةِ لَيْسَ بِمَنْفِيٍّ، وَهَذَا الْجَوَابُ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ مِنَ السَّلَفِ وَغَيْرِهِمْ، وَقَدْ رُوِيَ مَعْنَاهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما (4) وَغَيْرِهِ] (5) . (6 وَقَدْ رُوِيَ فِي ذَلِكَ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم 6)(6) . وَلَا (7) تَحْتَاجُ
(1) الْعِلْمِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .
(2)
(2 - 2) : سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) .
(3)
بِالنَّفْيِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .
(4)
رضي الله عنهما: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) .
(5)
مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) وَجَاءَ فِي (م) فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ.
(6)
(6 - 6) سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) . وَجَاءَ فِي الدُّرِّ الْمَنْثُورِ لِلسُّيُوطِيِّ 3/37 (ط. إِيرَانَ، 1377) : " قَوْلُهُ تَعَالَى: (لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ) الْآيَةَ. أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالْعُقَيْلِيُّ وَابْنُ عَدِيٍّ وَأَبُو الشَّيْخِ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي قَوْلِهِ: (لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ) قَالَ: لَوْ أَنَّ الْإِنْسَ وَالْجِنَّ وَالشَّيَاطِينَ وَالْمَلَائِكَةَ - مُنْذُ خُلِقُوا إِلَى أَنْ فَنَوْا - صُفُّوا صَفًّا وَاحِدً مَا أَحَاطُوا بِاللَّهِ أَبَدًا. قَالَ الذَّهَبِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ. وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالطَّبَرَانِيُّ وَالْحَاكِمُ - وَصَحَّحَهُ - وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَاللَّالْكَائِيُّ فِي " السُّنَّةِ " عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: رَأَى مُحَمَّدٌ رَبَّهُ، قَالَ عِكْرِمَةُ: فَقُلْتُ لَهُ: أَلَيْسَ اللَّهُ يَقُولُ: (لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ) ؟ قَالَ: لَا أُمَّ لَكَ، ذَاكَ نُورُهُ الَّذِي هُوَ نُورُهُ إِذَا تَجَلَّى بِنُورِهِ لَا يُدْرِكُهُ شَيْءٌ، وَفِي لَفْظٍ: إِنَّمَا إِذَا تَجَلَّى بِكَيْفِيَّتِهِ لَمْ يَقُمْ لَهُ بَصَرٌ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ) قَالَ: " لَا يُحِيطُ بَصَرُ أَحَدٍ بِاللَّهِ ". ثُمَّ أَوْرَدَ السُّيُوطِيُّ الْأَثَرَ الَّذِي أَوْرَدَهُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ آنِفًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَاءَ فِيهِ: أَلَسْتَ تَرَى السَّمَاءَ. . إِلَخْ. فَلَعَلَّ هَذَا الْحَدِيثَ الْمَرْفُوعَ وَتِلْكَ الْآثَارَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ هِيَ الَّتِي عَنَى ابْنُ تَيْمِيَّةَ الْإِشَارَةَ إِلَيْهَا.
(7)
ب، أ: فَلَا.