الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يَنْبَغِي أَنْ يَذْكُرَ مَا يَخْتَصُّ بِالْإِمَامَةِ (1) ، كَمَسْأَلَةِ إِثْبَاتِ الِاثْنَى عَشَرَ وَعِصْمَتِهِمْ.
الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنْ يُقَالَ: مَا فِي هَذَا الْكَلَامِ مِنْ حَقٍّ فَأَهْلُ السُّنَّةِ قَائِلُونَ بِهِ - أَوْ جُمْهُورُهُمْ - وَمَا كَانَ فِيهِ مِنْ بَاطِلٍ فَهُوَ رَدٌّ، فَلَيْسَ اعْتِقَادُ مَا فِي هَذَا الْقَوْلِ مِنَ الْحَقِّ خَارِجًا عَنْ أَقْوَالِ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَنَحْنُ نَذْكُرُ ذَلِكَ مُفَصَّلًا.
[الوجه الخامس وفيه الرد التفصيلي على القسم الأول من كلام ابن المطهر]
[التعليق على قوله إن الله منزه عن مشابهة المخلوقات]
الْوَجْهُ الْخَامِسُ: قَوْلُهُ: " إِنَّهُمُ اعْتَقَدُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَخْصُوصُ بِالْأَزَلِيَّةِ وَالْقِدَمِ (2) ، وَأَنَّ كُلَّ مَا سِوَاهُ مُحْدَثٌ ; لِأَنَّهُ وَاحِدٌ، وَأَنَّهُ لَيْسَ بِجِسْمٍ وَلَا فِي مَكَانٍ، وَإِلَّا لَكَانَ مُحْدَثًا، بَلْ نَزَّهُوهُ عَنْ مُشَابَهَةِ (3) الْمَخْلُوقَاتِ "(4) .
فَيُقَالُ لَهُ: هَذَا إِشَارَةٌ إِلَى مَذْهَبِ الْجَهْمِيِّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ، وَمَضْمُونُهُ أَنَّهُ لَيْسَ لِلَّهِ عِلْمٌ (5) وَلَا قُدْرَةٌ وَلَا حَيَاةٌ، وَأَنَّ أَسْمَاءَهُ الْحُسْنَى: كَالْعَلِيمِ وَالْقَدِيرِ وَالسَّمِيعِ وَالْبَصِيرِ وَالرَّءُوفِ وَالرَّحِيمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، لَا تَدُّلُّ عَلَى صِفَاتٍ لَهُ قَائِمَةٍ بِهِ، وَأَنَّهُ لَا يَتَكَلَّمُ وَلَا يَرْضَى وَلَا يَسْخَطُ، وَلَا يُحِبُّ وَلَا يُبْغِضُ، وَلَا يُرِيدُ إِلَّا مَا يَخْلُقُهُ مُنْفَصِلًا عَنْهُ مِنَ الْكَلَامِ وَالْإِرَادَةِ، وَأَنَّهُ لَمْ يَقُمْ بِهِ كَلَامٌ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: " إِنَّ اللَّهَ مُنَزَّهٌ عَنْ مُشَابَهَةِ الْمَخْلُوقَاتِ "
(1) ن: مَا يَخْتَصُّ بِمَسْأَلَةِ الْإِمَامِيَّةِ ; م: مَا يَخْتَصُّ بِمَسْأَلَةِ الْإِمَامَةِ ; أ: مَا يَخْتَصُّ بِالْإِمَامِيَّةِ.
(2)
ن، م: بِالْقِدَمِ وَالْأَزَلِيَّةِ.
(3)
ب: مُشَابَهَتِهِ، وَفِي (ن) ، (م) ، (أ)، (ك) عِنْدَ إِيرَادِ النَّصِّ السَّابِقِ: مُشَابَهَةِ.
(4)
أَوْرَدَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ هُنَا بَعْضَ كَلَامِ ابْنِ الْمُطَهَّرِ وَوَرَدَ النَّصُّ بِأَكْمَلِهِ مِنْ قَبْلُ، ص [0 - 9] 7 - 98، وَقَارِنْ (ك) ص 82 (م) .
(5)
ن، م: أَنَّ اللَّهَ لَيْسَ لَهُ عِلْمٌ.
فَيُقَالُ لَهُ] (1) : أَهْلُ السُّنَّةِ أَحَقُّ بِتَنْزِيهِهِ عَنْ مُشَابَهَةِ الْمَخْلُوقَاتِ مِنَ الشِّيعَةِ، فَإِنَّ التَّشْبِيهَ وَالتَّجْسِيمَ الْمُخَالِفَ لِلْعَقْلِ وَالنَّقْلِ لَا يُعْرَفُ فِي أَحَدٍ مِنْ طَوَائِفِ الْأُمَّةِ أَكْثَرَ مِنْهُ فِي طَوَائِفِ الشِّيعَةِ، وَهَذِهِ كُتُبُ الْمَقَالَاتِ كُلُّهَا تُخْبِرُ عَنْ أَئِمَّةِ الشِّيعَةِ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنَ الْمَقَالَاتِ الْمُخَالِفَةِ لِلْعَقْلِ وَالنَّقْلِ فِي التَّشْبِيهِ وَالتَّجْسِيمِ بِمَا لَا يُعْرَفُ نَظِيرُهُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ سَائِرِ الطَّوَائِفِ، ثُمَّ قُدَمَاءُ الْإِمَامِيَّةِ وَمُتَأَخِّرُوهُمْ مُتَنَاقِضُونَ فِي هَذَا الْبَابِ، فَقُدَمَاؤُهُمْ غَلَوْا فِي التَّشْبِيهِ وَالتَّجْسِيمِ، وَمُتَأَخِّرُوهُمْ غَلَوْا فِي النَّفْيِ وَالتَّعْطِيلِ، فَشَارَكُوا فِي ذَلِكَ الْجَهْمِيَّةَ وَالْمُعْتَزِلَةَ دُونَ سَائِرِ طَوَائِفِ الْأُمَّةِ.
وَأَمَّا أَهْلُ السُّنَّةِ الْمُثْبِتُونَ لِخِلَافَةِ الثَّلَاثَةِ، فَجَمِيعُ أَئِمَّتِهِمْ وَطَوَائِفِهِمُ الْمَشْهُورَةِ مُتَّفِقُونَ عَلَى نَفْيِ التَّمْثِيلِ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالَّذِينَ أَطْلَقُوا لَفْظَ " الْجِسْمِ " عَلَى اللَّهِ مِنَ الطَّوَائِفِ الْمُثْبِتِينَ لِخِلَافَةِ الثَّلَاثَةِ كَالْكَرَّامِيَّةِ، هُمْ أَقْرَبُ إِلَى صَحِيحِ الْمَنْقُولِ وَصَرِيحِ الْمَعْقُولِ مِنَ الَّذِينَ أَطْلَقُوا لَفْظَ " الْجِسْمِ " مِنَ الْإِمَامِيَّةِ.
وَقَدْ ذَكَرَ أَقْوَالَ الْإِمَامِيَّةِ فِي ذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ (2) وَمِنْ غَيْرِهِمْ، كَمَا
(1) يُوجَدُ فِي الْكَلَامِ التَّالِي سَقْطٌ كَبِيرٌ فِي نُسْخَةِ " ن "، " م " يَبْدَأُ مِنْ قَوْلِهِ: أَهْلُ السُّنَّةِ أَحَقُّ بِتَنْزِيهِهِ، وَيَنْتَهِي فِي ص 110 عِنْدَ قَوْلِهِ: وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ، وَسَنُشِيرُ إِلَى نِهَايَةِ السَّقْطِ هُنَاكُ بِإِذْنِ اللَّهِ.
(2)
يَعْتَرِفُ الْمَامِقَانِيُّ فِي تَرْجَمَةِ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ (تَنْقِيحِ الْمَقَالِ 3/294 - 301) بِكَثْرَةِ الْأَخْبَارِ الْمَرْوِيَّةِ عَنْ هِشَامٍ فِي التَّجْسِيمِ حَتَّى أَنَّ الْكِلِّينِيَّ ذَكَرَ خَمْسَةً مِنْهَا فِي " الْكَافِي " وَيَنْقُلُ الْمَامِقَانِيُّ عَنْ هِشَامٍ نَصَّ خَبَرٍ مِنْ هَذِهِ الْأَخْبَارِ الْخَمْسَةِ (ص [0 - 9] 00) وَفِيهِ يَقُولُ هِشَامٌ: " إِنَّ اللَّهَ جِسْمٌ صَمَدِيٌّ نُورِيٌّ " كَمَا يَنْقُلُ عَنِ الْبَرْقِيِّ قَوْلَهُ إِنَّ هِشَامًا كَانَ مِنْ غِلْمَانِ أَبِي شَاكِرٍ (الدِّيصَانِيِّ) الزِّنْدِيقِ وَأَنَّهُ كَانَ جِسْمِيًّا رَدِيئًا. وَفِي (أَخْبَارِ الرِّجَالِ) لِلْكَشِّيِّ فِي تَرْجَمَةِ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ الْجَوَالِيقِيِّ (ص [0 - 9] 83) أَنَّهُ كَانَ يَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ صُورَةٌ وَأَنَّ آدَمَ خُلِقَ عَلَى مِثْلِ الرَّبِّ ثُمَّ يُشِيرُ إِلَى جَنْبِهِ وَشَعَرِ رَأْسِهِ لِيُبَيِّنَ الْمُمَاثَلَةَ.
ذَكَرَهَا ابْنُ النُّوبَخْتِيِّ فِي كِتَابِهِ الْكَبِيرِ (1) ، وَكَمَا ذَكَرَهَا أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمَعْرُوفِ فِي " مَقَالَاتِ الْإِسْلَامِيِّينَ وَاخْتِلَافِ الْمُصَلِّينَ "(2) وَكَمَا ذَكَرَهَا الشَّهْرَسْتَانِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمَعْرُوفِ " بِالْمِلَلِ وَالنِّحَلِ "(3) ، وَكَمَا ذَكَرَهَا غَيْرُ هَؤُلَاءِ (4) .
وَطَوَائِفُ السُّنَّةِ وَالشِّيعَةِ تَحْكِي عَنْ قُدَمَاءِ أَئِمَّةِ الْإِمَامِيَّةِ مِنْ مُنْكَرِ
(1) تَكَلَّمْتُ مِنْ قَبْلُ عَلَى النُّوبَخْتِيِّ وَكِتَابِهِ " الْآرَاءُ وَالدِّيَانَاتُ " فِي هَذَا الْكِتَابِ 1، وَالْكِتَابُ الْكَبِيرُ الْمَقْصُودُ هُنَا هُوَ " الْآرَاءُ وَالدِّيَانَاتُ " وَقَدْ ذَكَرَ عَنْهُ النَّجَاشِيُّ (الرِّجَالُ، ص [0 - 9] 0) أَنَّهُ كِتَابٌ كَبِيرٌ حَسَنٌ يَحْتَوِي عَلَى عُلُومٍ كَثِيرَةٍ ".
(2)
تَكَلَّمَ الْأَشْعَرِيُّ - وَهُوَ الْمَعْرُوفُ بِأَمَانَتِهِ وَدِقَّتِهِ فِي عَرْضِ أَقْوَالِ جَمِيعِ مُخَالِفِيهِ - عَنِ التَّجْسِيمِ عِنْدَ الْإِمَامِيَّةِ فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْ كِتَابِهِ " مَقَالَاتِ الْإِسْلَامِيِّينَ " الْأَوَّلُ: ج [0 - 9]، ص [0 - 9] 02 - 105: وَبَدَأَ الْكَلَامُ بِقَوْلِهِ: " وَاخْتَلَفَ الرَّوَافِضُ أَصْحَابُ الْإِمَامِيَّةِ فِي التَّجْسِيمِ، وَهُمْ سِتُّ فِرَقٍ " وَيُفَصِّلُ الْأَشْعَرِيُّ الْكَلَامَ بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ مَقَالَاتِهِمْ، وَيَنْقُلُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ نَصَّ كَلَامِهِ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فِي هَذَا الْكِتَابِ بَعْدَ صَفَحَاتٍ (بُولَاقٍ 1/203) . وَالْمَوْضِعُ الثَّانِي مِنَ الْمَقَالَاتِ ج [0 - 9]، ص [0 - 9] 57 - 259 وَعُنْوَانُ الْكَلَامِ فِيهِ: هَذَا شَرْحُ اخْتِلَافِ النَّاسِ فِي التَّجْسِيمِ، ثُمَّ يَبْدَأُ الْأَشْعَرِيُّ بِإِيرَادِ كَلَامِ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ، وَيَتَكَلَّمُ فِي النِّهَايَةِ عَنْ مَقَالَةِ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ الْجَوَالِيقِيِّ.
(3)
يَقُولُ الشَّهْرَسْتَانِيُّ - وَهُوَ الَّذِي يَتَّهِمُهُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ بِالْمَيْلِ إِلَى التَّشَيُّعِ - فِي " الْمِلَلِ وَالنِّحَلِ " 1/154: " فَلِهَذَا صَارَتِ الْإِمَامِيَّةُ مُتَمَسِّكِينَ بَالْعَدْلِيَّةِ فِي الْأُصُولِ، وَبِالْمُشَبِّهَةِ فِي الصِّفَاتِ مُتَحَيِّرِينَ تَائِهِينَ ". وَيَعْرِضُ الشَّهْرَسْتَانِيُّ أَقْوَالَ الْهِشَامَيْنِ بِالتَّفْصِيلِ وَيَسْرُدُ كَلَامَهُمَا فِي التَّجْسِيمِ 1/164 - 165. وَانْظُرْ أَيْضًا: نِهَايَةَ الْإِقْدَامِ، ص [0 - 9] 03 وَمَا بَعْدَهَا.
(4)
انْظُرْ مَثَلًا: أُصُولَ الدِّينِ لِابْنِ طَاهِرٍ الْبَغْدَادِيِّ، ص [0 - 9] 3 - 77 ; الْفَرْقَ بَيْنَ الْفِرَقِ، ص [0 - 9] 0 - 43، التَّبْصِيرَ فِي الدِّينِ، ص [0 - 9] 3 - 25 ; كَشَّافَ اصْطِلَاحَاتِ الْفُنُونِ لِلتَّهَانَوِيِّ، مَادَّةَ " الْمُشَبِّهَةِ " ; دَائِرَةَ الْمَعَارِفِ الْإِسْلَامِيَّةِ، مَادَّةَ " التَّشْبِيهِ "، " جَسَمَ ". وَانْظُرْ مَا سَبَقَ أَنْ ذَكَرْنَاهُ عَنِ الْمُجَسِّمَةِ فِي هَذَا الْكِتَابِ 1/9 (ت [0 - 9] ) .
التَّجْسِيمِ وَالتَّشْبِيهِ، مَا لَا يُعْرَفُ مِثْلُهُ عَنِ الْكَرَّامِيَّةِ وَأَتْبَاعِهِمْ مِمَّنْ يُثْبِتُ إِمَامَةَ الثَّلَاثَةِ.
وَأَمَّا مَنْ لَا يُطْلِقُ عَلَى اللَّهِ اسْمَ " الْجِسْمِ "، كَأَئِمَّةِ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالتَّفْسِيرِ وَالتَّصَوُّفِ وَالْفِقْهِ، مِثْلِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَأَتْبَاعِهِمْ، وَشُيُوخِ الْمُسْلِمِينَ الْمَشْهُورِينَ فِي الْأُمَّةِ، وَمَنْ قَبْلَهُمْ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ، فَهَؤُلَاءِ لَيْسَ فِيهِمْ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ جِسْمٌ، وَإِنْ كَانَ أَيْضًا لَيْسَ مِنَ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ مَنْ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِجِسْمٍ. وَلَكِنَّ مَنْ نَسَبَ التَّجْسِيمَ إِلَى بَعْضِهِمْ، فَهُوَ بِحَسَبَ مَا اعْتَقَدَهُ مِنْ مَعْنَى الْجِسْمِ وَرَآهُ لَازِمًا لِغَيْرِهِ.
فَالْمُعْتَزِلَةُ وَالْجَهْمِيَّةُ وَنَحْوُهُمْ مِنْ نُفَاةِ الصِّفَاتِ يَجْعَلُونَ كُلَّ مَنْ أَثْبَتَهَا مُجَسِّمًا مُشَبِّهًا، وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يَعُدُّ مِنَ الْمُجَسِّمَةِ وَالْمُشَبِّهَةِ مِنَ الْأَئِمَّةِ الْمَشْهُورِينَ كَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَأَصْحَابِهِمْ، كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ أَبُو حَاتِمٍ صَاحِبُ كِتَابِ " الزِّينَةِ "(1) ، وَغَيْرُهُ لَمَّا ذَكَرَ طَوَائِفَ الْمُشَبِّهَةِ
(1) أَبُو حَاتِمٍ أَحْمَدُ بْنُ حَمْدَانَ بْنِ أَحْمَدَ اللَّيْثِيُّ الْوَرْسَنَانِيُّ، الْمَعْرُوفُ بِأَبِي حَاتِمٍ الرَّازِيِّ، ذَكَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ فِي " لِسَانِ الْمِيزَانِ " فِي قِسْمِ الْكُنَى، وَسَمَّاهُ أَبَا حَاتِمٍ الْكُشِّيَّ وَذَكَرَهُ فِي الْأَسْمَاءِ وَسَمَّاهُ: أَحْمَدَ بْنَ حَمْدَانَ بْنِ أَحْمَدَ الْوَرْسَامِيَّ أَبَا حَاتِمٍ اللَّيْثِيَّ، وَقَالَ عَنْهُ:" ذَكَرَهُ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ بَابَوَيْهِ فِي " تَارِيخِ الرَّيِّ " وَقَالَ: كَانَ مِنْ أَهْلِ الْفَضْلِ وَالْأَدَبِ وَالْمَعْرِفَةِ بِاللُّغَةِ وَسَمِعَ الْحَدِيثَ كَثِيرًا وَلَهُ تَصَانِيفُ، ثُمَّ أَظْهَرَ الْقَوْلَ بِالْإِلْحَادِ وَصَارَ مِنْ دُعَاةِ الْإِسْمَاعِيلِيَّةِ، وَأَضَلَّ جَمَاعَةً مِنَ الْأَكَابِرِ، وَمَاتَ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ ". وَأَوْرَدَ بُرُوكْلِمَانُ اسْمَهُ كَالْآتِي (تَارِيخُ الْأَدَبِ الْعَرَبِيِّ، 3/352، تَرْجَمَةِ الدُّكْتُورِ عَبْدِ الْحَلِيمِ النَّجَّارِ، ط. الْمَعَارِفِ) : أَبُو حَاتِمٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَمْدَانَ (كُتِبَتْ سَهْوًا هَمْدَانَ) الرَّازِيُّ الْوَرْسَانِيُّ. وَلَمْ أَجِدْ فِي اللُّبَابِ لِابْنِ الْأَثِيرِ إِلَّا الْوَرْسَنَانِيَّ نِسْبَةً إِلَى وَرْسَنَانَ، قَالَ: وَظَنِّي أَنَّهَا مِنْ قُرَى سَمَرْقَنْدَ. وَذَكَرَ ابْنُ النَّدِيمِ فِي الْفِهْرِسْتِ (189) كِتَابَ الزِّينَةِ لِأَبِي حَاتِمِ الرَّازِيِّ ضِمْنَ كُتُبِ الْإِسْمَاعِيلِيَّةِ وَقَالَ عَنْهُ " كَبِيرٌ نَحْوَ أَرْبَعِمِائَةِ وَرَقَةٍ، وَذَكَرَ لَهُ أَيْضًا كِتَابَ الْجَامِعِ فِيهِ فِقْهٌ وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَقَدْ ذَكَرَ هَذَا الْكِتَابَ الشَّيْخُ الْكَوْثَرِيُّ فِي فِهْرِسِ كِتَابِ قَوَاعِدِ آلِ مُحَمَّدٍ لِمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الدَّيْلَمِيِّ وَقَالَ: الْجَامِعُ فِي الْفِقْهِ لِأَبِي حَاتِمِ بْنِ حَمْدَانَ الْوَرْسَنَانِيِّ. وَلِأَبِي حَاتِمٍ الرَّازِيِّ كِتَابُ أَعْلَامِ النُّبُوَّةِ، وَقَدْ نَشَرَ بِ. كِرَوَاسُ جُزْءًا مِنْهُ ضِمْنَ كِتَابِ رَسَائِلِ الرَّازِيِّ الْفَلْسَفِيَّةِ "، 1939.
فَقَالَ (1) : " وَمِنْهُمْ طَائِفَةٌ يُقَالُ لَهُمُ الْمَالِكِيَّةُ يَنْتَسِبُونَ إِلَى رَجُلٍ يُقَالُ لَهُ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، وَمِنْهُمْ طَائِفَةٌ يُقَالُ لَهُمُ الشَّافِعِيَّةُ يَنْتَسِبُونَ إِلَى رَجُلٍ يُقَالُ لَهُ الشَّافِعِيُّ ".
وَشُبْهَةُ هَؤُلَاءِ أَنَّ الْأَئِمَّةَ الْمَشْهُورِينَ كُلَّهُمْ يُثْبِتُونَ الصِّفَاتِ لِلَّهِ تَعَالَى، وَيَقُولُونَ: إِنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ، وَيَقُولُونَ: إِنَّ اللَّهَ يُرَى فِي الْآخِرَةِ.
هَذَا مَذْهَبُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ وَغَيْرِهِمْ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْأَئِمَّةِ الْمَتْبُوعِينَ مِثْلِ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَالثَّوْرِيِّ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ (وَالشَّافِعِيِّ)(2) ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقَ وَدَاوُدَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ خُزَيْمَةَ وَمُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيِّ (3) ، وَأَبِي بَكْرٍ
(1) طُبِعَ قِسْمٌ مِنْ كِتَابِ الزِّينَةِ فِي الْكَلِمَاتِ الْعَرَبِيَّةِ وَالْإِسْلَامِيَّةِ لِأَبِي حَاتِمٍ أَحْمَدَ بْنِ حَمْدَانَ الرَّازِيِّ بِتَحْقِيقِ الْأُسْتَاذِ حُسَيْنِ بْنِ فَيْضِ اللَّهِ الْهَمْدَانِيِّ، وَفِي الْجُزْأَيْنِ الْأَوَّلِ (ط. الْقَاهِرَةِ، 1957) وَالثَّانِي (ط. الْقَاهِرَةِ، 1958) لَمْ يَصِلِ الْمُؤَلِّفُ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي نَقَلَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ هَذَا النَّصَّ عَنْهُ، وَهُوَ الَّذِي يُوجَدُ عَلَى الْأَغْلَبِ فِي كَلَامِهِ عَنِ الْفِرَقِ، وَانْظُرْ مُقَدِّمَةَ الْمُؤَلِّفِ 1/56 - 57.
(2)
وَالشَّافِعِيِّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) .
(3)
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيُّ الْإِمَامُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْفَقِيهُ الْحَافِظُ، وُلِدَ بِبَغْدَادَ سَنَةَ 202 وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 294. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ 9/489 - 490 ; تَذْكِرَةِ الْحُفَّاظِ 2/201 - 203 تَارِيخِ بَغْدَادَ 3/315 - 318 ; الْأَعْلَامِ لِلزِّرِكْلِيِّ 7/346.
بْنِ الْمُنْذِرِ (1) وَمُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ وَأَصْحَابِهِمْ.
وَالْجَهْمِيَّةُ وَالْمُعْتَزِلَةُ يَقُولُونَ: مَنْ أَثْبَتَ لِلَّهِ الصِّفَاتِ، وَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ يُرَى فِي الْآخِرَةِ، وَالْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ، فَإِنَّهُ مُجَسِّمٌ مُشَبِّهٌ، وَالتَّجْسِيمُ بَاطِلٌ. وَشُبْهَتُهُمْ فِي ذَلِكَ أَنَّ الصِّفَاتِ أَعْرَاضٌ لَا تَقُومُ إِلَّا بِجِسْمٍ، وَمَا قَامَ بِهِ الْكَلَامُ وَغَيْرُهُ مِنَ الصِّفَاتِ لَا يَكُونُ إِلَّا جِسْمًا، وَلَا يَرَى إِلَّا مَا هُوَ جِسْمٌ أَوْ قَائِمٌ بِجِسْمٍ.
وَلِهَذَا صَارَ مُثْبِتَةُ الصِّفَاتِ مَعَهُمْ ثَلَاثَ طَوَائِفَ: طَائِفَةٌ نَازَعَتْهُمْ فِي الْمُقَدِّمَةِ الْأُولَى، وَطَائِفَةٌ نَازَعَتْهُمْ فِي الْمُقَدِّمَةِ الثَّانِيَةِ، وَطَائِفَةٌ نَازَعَتْهُمْ نِزَاعًا مُطْلَقًا فِي وَاحِدَةٍ مِنَ الْمُقَدِّمَتَيْنِ، وَلَمْ تُطْلِقْ فِي النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ أَلْفَاظًا مُجْمَلَةً مُبْتَدَعَةً لَا أَصْلَ لَهَا فِي الشَّرْعِ، وَلَا هِيَ صَحِيحَةٌ فِي الْعَقْلِ، بَلِ اعْتَصَمَتْ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَأَعْطَتِ الْعَقْلَ حَقَّهُ، فَكَانَتْ مُوَافِقَةً لِصَرِيحِ الْمَعْقُولِ، وَصَحِيحِ الْمَنْقُولِ.
فَالطَّائِفَةُ الْأُولَى الْكُلَّابِيَّةُ وَمَنْ وَافَقَهُمْ، وَالطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ الْكَرَّامِيَّةُ وَمَنْ وَافَقَهُمْ.
فَالْأُولَى قَالُوا: إِنَّهُ تَقُومُ بِهِ (2) الصِّفَاتُ، وَيُرَى فِي الْآخِرَةِ، وَالْقُرْآنُ
(1) أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُنْذِرِ النَّيْسَابُورِيُّ شَيْخُ الْحَرَمِ فَقِيهٌ مُجْتَهِدٌ مِنَ الْحُفَّاظِ صَنَّفَ فِي اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ كُتُبًا لَمْ يُصَنَّفْ مِثْلُهَا. وُلِدَ سَنَةَ 242 وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 318 - عَلَى الْأَرْجَحِ - انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: وَفِيَّاتِ الْأَعْيَانِ 3/344 ; تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ وَاللُّغَاتِ لِلنَّوَوِيِّ، ق [0 - 9] ، ج [0 - 9] ، ص [0 - 9] 96 - 197 ; لِسَانِ الْمِيزَانِ 5/27 - 28 ; تَذْكِرَةِ الْحُفَّاظِ 3/782 - 783 ; طَبَقَاتِ الشَّافِعِيَّةِ 3/102 - 108 ; الْأَعْلَامِ لِلزِّرِكْلِيِّ 6/184.
(2)
أ: قَالُوا: يَقُولُ إِنَّهُ تَقُومُ بِهِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
كَلَامُ اللَّهِ قَائِمٌ بِذَاتِهِ، وَلَيْسَتِ الصِّفَاتُ أَعْرَاضًا وَلَا الْمَوْصُوفُ جِسْمًا [000](1) لَمْ نُسَلِّمْ أَنَّ ذَلِكَ مُمْتَنِعٌ.
(1) الْكَلَامُ بَعْدَ عِبَارَةِ: " وَلَا الْمَوْصُوفُ جِسْمًا " غَيْرُ مُتَّصِلٍ، وَوَاضِحٌ أَنَّ (أ) ، (ب) يُوجَدُ فِيهِمَا سَقْطٌ يَتَأَلَّفُ مِنْ سُطُورٍ عَدِيدَةٍ وَسَأَجْتَهِدُ هُنَا فِي كِتَابَةِ مَا يَقُومُ مَقَامَ هَذَا السَّقْطِ بِحَسَبِ فَهْمِيِ لِمَقْصُودِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ وَبِمَا يَتَّفِقُ مَعَ السِّيَاقِ - مَعَ الِاقْتِبَاسِ مِنْ نُصُوصِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ فِي مَوَاضِعَ مُخْتَلِفَةٍ مِنْ مُؤَلَّفَاتِهِ -. وَلَكِنَّ الْكُلَّابِيَّةَ وَمَنْ وَافَقَهُمْ مِنَ الْأَشَاعِرَةِ وَالسَّالِمِيَّةِ لَمْ يُثْبِتُوا الصِّفَاتَ الِاخْتِيَارِيَّةَ الَّتِي تَكُونُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ، مِثْلَ كَوْنِهِ يَتَكَلَّمُ بِمَشِيئَتِهِ، عِنْدَمَا يَشَاءُ، بِكَلَامٍ مُعَيَّنٍ، إِذْ أَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّ مَا يَقُومُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ لَا يَكُونُ إِلَّا مَخْلُوقًا حَادِثًا مُنْفَصِلًا عَنْهُ، فَلَوِ اتَّصَفَ الرَّبُّ بِهِ لَقَامَتْ بِهِ الْحَوَادِثُ، وَلَوْ قَامَتْ بِهِ لَمْ يَخْلُ عَنْهَا، وَعَلَى ذَلِكَ فَيَجِبُ أَنْ نَقُولَ إِنَّ اللَّهَ يَتَكَلَّمُ بِكَلَامٍ قَدِيمٍ لَازِمٍ لِلذَّاتِ أَزَلًا وَأَبَدًا، لَيْسَ شَيْءٌ مِنْهُ مُتَعَلِّقٌ بِمَشِيئَتِهِ تَعَالَى وَاخْتِيَارِهِ. وَكَذَلِكَ سَائِرُ الصِّفَاتِ الِاخْتِيَارِيَّةِ مِثْلِ كَوْنِهِ تَعَالَى يُحِبُّ وَيَرْضَى وَيَسْمَعُ وَيَرَى وَهُوَ إِذَا رَأَى الشَّيْءَ بَعْدَ حُدُوثِهِ فَهُوَ إِنَّمَا يَرَى مَوْجُودًا فِي عِلْمِهِ لَا مَوْجُودًا بَائِنًا عَنْهُ. وَالطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ أَثْبَتَتِ الصِّفَاتِ الِاخْتِيَارِيَّةَ وَقَالَتْ: إِنَّ اللَّهَ يَتَكَلَّمُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ كَلَامًا قَدِيمًا بِذَاتِهِ، وَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِحُرُوفٍ وَأَصْوَاتٍ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ، لِيَتَخَلَّصُوا بِذَلِكَ مِنْ بِدْعَتَيِ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْكُلَّابِيَّةِ، لَكِنَّهُمْ قَالُوا: إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُمْكِنُهُ فِي الْأَزَلِ أَنْ يَتَكَلَّمَ، بَلْ صَارَ الْكَلَامُ مُمْكِنًا لَهُ بَعْدَ أَنْ كَانَ مُمْتَنِعًا عَلَيْهِ، مِنْ غَيْرِ حُدُوثِ سَبَبٍ أَوْجَبَ إِمْكَانَ الْكَلَامِ وَقُدْرَتَهُ عَلَيْهِ. وَقَالَ الْكَرَّامِيَّةُ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُمْ إِنَّ الْحَوَادِثَ الَّتِي تَقُومُ بِهِ تَعَالَى لَا يَخْلُو مِنْهَا وَلَا يَزُولُ عَنْهَا، لِأَنَّهُ لَوْ قَامَتْ بِهِ الْحَوَادِثُ ثُمَّ زَالَتْ عَنْهُ كَانَ قَابِلًا لِذَلِكَ لَمْ يَخْلُ مِنْهُ، وَمَا لَمْ يَخْلُ مِنَ الْحَوَادِثِ فَهُوَ حَادِثٌ، وَالْحُدُوثُ عِنْدَهُمْ غَيْرُ الْإِحْدَاثِ، وَالْقُرْآنُ عِنْدَهُمْ حَادِثٌ لَا مُحْدَثٌ، لِأَنَّ الْمُحْدَثَ يَفْتَقِرُ إِلَى إِحْدَاثٍ، بِخِلَافِ الْحُدُوثِ. وَنَحْنُ نُوَافِقُ الْكَرَّامِيَّةَ فِي إِثْبَاتِهِمْ لِلصِّفَاتِ الِاخْتِيَارِيَّةِ وَفِي قَوْلِهِمْ بِأَنَّهُ يَتَكَلَّمُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ كَلَامًا قَائِمًا بِذَاتِهِ، وَلَكِنَّنَا نُخَالِفُهُمْ فِي الْأَصْلِ الَّذِي بَنَوْا عَلَيْهِ قَوْلَهُمْ بِأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مُمْكِنًا مُنْذُ الْأَزَلِ، فَهُمْ إِذَا قَالُوا إِنَّ ذَلِكَ مُمْتَنِعٌ لِامْتِنَاعِ حَوَادِثَ لَا أَوَّلَ لَهَا، لَمْ نُسَلِّمْ أَنَّ ذَلِكَ مُمْتَنِعٌ.
ثُمَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يُشَنِّعُ عَلَى الطَّائِفَةِ الْأُولَى بِأَنَّهَا مُخَالِفَةٌ لِصَرِيحِ الْعَقْلِ وَالنَّقْلِ بِالضَّرُورَةِ ; حَيْثُ أَثْبَتَتْ رُؤْيَةً لِمَرْئِيٍّ لَا بِمُوَاجَهَةٍ، وَأَثْبَتَتْ كَلَامًا لِمُتَكَلِّمٍ يَتَكَلَّمُ لَا بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ.
وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ يُشَنِّعُ عَلَى الثَّانِيَةِ بِأَنَّهَا مُخَالِفَةٌ لِلنَّظَرِ الْعَقْلِيِّ الصَّحِيحِ.
وَلَكِنَّ مَعَ هَذَا فَأَكْثَرُ النَّاسِ يَقُولُونَ: إِنَّ النُّفَاةَ الْمُخَالِفِينَ لِلطَّائِفَتَيْنِ مِنَ الْجَهْمِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ، وَأَتْبَاعِهِمْ مِنَ الشِّيعَةِ، أَعْظَمُ مُخَالَفَةً لِصَرِيحِ الْمَعْقُولِ - بَلْ وَلِضَرُورَةِ الْعَقْلِ - مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ.
وَأَمَّا مُخَالَفَةُ هَؤُلَاءِ لِنُصُوصِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَمَا اسْتَفَاضَ عَنْ سَلَفِ الْأُمَّةِ، فَهَذَا أَظْهَرُ وَأَشْهَرُ مِنْ أَنْ يَخْفَى عَلَى عَالِمٍ، وَلِهَذَا أَسَّسُوا دِينَهُمْ عَلَى أَنَّ بَابَ التَّوْحِيدِ وَالصِّفَاتِ لَا يُتَّبَعُ فِيهِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ، وَإِنَّمَا يُتَّبَعُ فِيهِ مَا رَأَوْهُ بِقِيَاسِ عُقُولِهِمْ، وَأَمَّا نُصُوصُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، فَإِمَّا أَنْ يَتَأَوَّلُوهَا، وَإِمَّا أَنْ يُفَوِّضُوهَا، وَإِمَّا أَنْ يَقُولُوا: مَقْصُودُ الرَّسُولِ أَنْ يُخَيِّلَ إِلَى الْجُمْهُورِ اعْتِقَادًا يَنْتَفِعُونَ بِهِ فِي الدُّنْيَا، وَإِنْ كَانَ كَذِبًا وَبَاطِلًا، كَمَا يَقُولُ ذَلِكَ مَنْ يَقُولُهُ مِنَ الْمُتَفَلْسِفَةِ وَأَتْبَاعِهِمْ، وَحَقِيقَةُ قَوْلِهِمْ أَنَّ الرُّسُلَ كَذَبَتْ فِيمَا أَخْبَرَتْ بِهِ عَنِ اللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ; لِأَجْلِ مَا رَأَوْهُ مِنْ مَصْلَحَةِ الْجُمْهُورِ فِي الدُّنْيَا.
وَأَمَّا الطَّائِفَةُ الثَّالِثَةُ، فَأَطْلَقُوا فِي النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ مَا جَاءَ بِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، وَمَا تَنَازَعَ النُّظَّارُ فِي نَفْيِهِ وَإِثْبَاتِهِ مِنْ غَيْرِ اعْتِصَامٍ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، لَمْ تُوَافِقْهُمْ فِيهِ عَلَى مَا ابْتَدَعُوهُ فِي الشَّرْعِ وَخَالَفُوا بِهِ الْعَقْلَ، بَلْ إِمَّا أَنْ يُمْسِكُوا عَنِ التَّكَلُّمِ بِالْبِدَعِ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا، وَإِمَّا أَنْ يُفَصِّلُوا الْقَوْلَ فِي اللَّفْظِ
وَالْمَلْفُوظِ الْمُجْمَلِ، فَمَا كَانَ فِي إِثْبَاتِهِ مِنْ حَقٍّ يُوَافِقُ الشَّرْعَ أَوِ الْعَقْلَ أَثْبَتُوهُ، وَمَا كَانَ مِنْ نَفْيِهِ حَقٌّ (1) فِي الشَّرْعِ أَوِ الْعَقْلِ نَفَوْهُ، وَلَا يُتَصَوَّرُ عِنْدَهُمْ تَعَارُضُ الْأَدِلَّةِ الصَّحِيحَةِ الْعِلْمِيَّةِ، لَا السَّمْعِيَّةِ وَلَا الْعَقْلِيَّةِ.
وَالْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ يَدُلُّ بِالْإِخْبَارِ تَارَةً، وَيَدُلُّ بِالتَّنْبِيهِ تَارَةً، وَالْإِرْشَادِ وَالْبَيَانِ لِلْأَدِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ تَارَةً، وَخُلَاصَةُ مَا عِنْدَ أَرْبَابِ النَّظَرِ الْعَقْلِيِّ فِي الْإِلَهِيَّاتِ مِنَ الْأَدِلَّةِ الْيَقِينِيَّةِ وَالْمَعَارِفِ الْإِلَهِيَّةِ قَدْ جَاءَ بِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، مَعَ زِيَادَاتٍ وَتَكْمِيلَاتٍ لَمْ يَهْتَدِ إِلَيْهَا إِلَّا مَنْ هَدَاهُ اللَّهُ بِخِطَابِهِ، فَكَانَ فِيمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ (2) مِنَ الْأَدِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ وَالْمَعَارِفِ الْيَقِينِيَّةِ فَوْقَ مَا فِي عُقُولِ جَمِيعِ الْعُقَلَاءِ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ.
وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ لَهَا بَسْطٌ عَظِيمٌ قَدْ بُسِطَ مِنْ ذَلِكَ مَا بُسِطَ فِي مَوَاضِعَ مُتَعَدِّدَةٍ، وَالْبَسْطُ التَّامُّ لَا يَتَحَمَّلُهُ هَذَا الْمَقَامُ، فَإِنَّ لِكُلِّ مَقَامٍ مَقَالًا.
وَلَكِنَّ الرَّافِضَةَ لَمَّا اعْتَضَدَتْ بِالْمُعْتَزِلَةِ، وَأَخَذُوا يَذُمُّونَ أَهْلَ السُّنَّةِ بِمَا هُمْ فِيهِ مُفْتَرُونَ: عَمْدًا أَوْ جَهْلًا، ذَكَرْنَا مَا يُنَاسِبُ ذَلِكَ فِي هَذَا الْمَقَامِ.
وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ] (3) مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ اللَّهَ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، لَا فِي ذَاتِهِ وَلَا فِي صِفَاتِهِ وَلَا فِي أَفْعَالِهِ. وَلَكِنَّ لَفْظَ " التَّشْبِيهِ " فِي كَلَامِ هَؤُلَاءِ النُّفَاةِ الْمُعَطِّلَةِ (4) لَفْظٌ مُجْمَلٌ، فَإِنْ أَرَادَ بِلَفْظِ (5) التَّشْبِيهِ مَا نَفَاهُ
(1) أ: حَقًّا، وَهُوَ خَطَأٌ.
(2)
ب: فَكَانَ مَا قَدْ جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ.
(3)
الْكَلَامُ بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) وَقَدْ أَشَرْتُ إِلَى أَوَّلِهِ (ص [0 - 9] 03) مِنْ قَبْلُ، وَتُوجَدُ بَدَلًا مِنْهُ فِي النُّسْخَتَيْنِ هَذِهِ الْعِبَارَاتُ:. . فَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ أَهْلِ السُّنَّةِ فَإِنَّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى. . . إِلَخْ.
(4)
أ، ب: فِي كَلَامِ النَّاسِ.
(5)
م، أ، ب: بِنَفْيِ.
(1 الْقُرْآنُ وَدَلَّ عَلَيْهِ الْعَقْلُ فَهَذَا حَقٌّ، فَإِنَّ خَصَائِصَ الرَّبِّ تَعَالَى لَا يُوصَفُ بِهَا شَيْءٌ 1)(1) مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ، وَلَا يُمَاثِلُهُ [شَيْءٌ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ فِي](2) شَيْءٍ مِنْ صِفَاتِهِ.
مَذْهَبُ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتِهَا أَنْ يُوصَفَ اللَّهُ بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ، وَبِمَا وَصَفَهُ بِهِ رَسُولُهُ، مِنْ غَيْرِ تَحْرِيفٍ وَلَا تَعْطِيلٍ، وَمِنْ غَيْرِ تَكْيِيفٍ وَلَا تَمْثِيلٍ، يُثْبِتُونَ لِلَّهِ مَا أَثْبَتَهُ مِنَ الصِّفَاتِ، وَيَنْفُونَ عَنْهُ مُمَاثَلَةَ (3) الْمَخْلُوقَاتِ، [يُثْبِتُونَ لَهُ صِفَاتِ الْكَمَالِ، وَيَنْفُونَ عَنْهُ ضُرُوبَ (4) الْأَمْثَالِ، يُنَزِّهُونَهُ عَنِ النَّقْصِ وَالتَّعْطِيلِ، وَعَنِ التَّشْبِيهِ وَالتَّمْثِيلِ](5) ، إِثْبَاتٌ بِلَا تَشْبِيهٍ (6)، وَتَنْزِيهٌ بِلَا تَعْطِيلٍ:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} رَدٌّ عَلَى الْمُمَثِّلَةِ، {وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [سُورَةُ الشُّورَى: 11] رَدٌّ عَلَى الْمُعَطِّلَةِ.
وَمَنْ جَعَلَ صِفَاتِ الْخَالِقِ مِثْلَ صِفَاتِ الْمَخْلُوقِ فَهُوَ الْمُشَبِّهُ الْمُبْطِلُ الْمَذْمُومُ. وَإِنْ أَرَادَ بِالتَّشْبِيهِ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ لِلَّهِ شَيْءٌ مِنَ الصِّفَاتِ، فَلَا يُقَالُ: لَهُ عِلْمٌ وَلَا قُدْرَةٌ وَلَا حَيَاةٌ ; لِأَنَّ الْعَبْدَ مَوْصُوفٌ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ ; فَلَزِمَهُ (7) أَنْ لَا يُقَالَ لَهُ: حَيٌّ عَلِيمٌ قَدِيرٌ ; لِأَنَّ الْعَبْدَ يُسَمَّى بِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ، وَكَذَلِكَ فِي كَلَامِهِ وَسَمْعِهِ وَبَصَرِهِ وَرُؤْيَتِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
(1)(1 - 1) : سَاقِطٌ مِنْ (م) .
(2)
مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م)
(3)
أ، ب: مُشَابَهَةَ.
(4)
أ: ضَرْبَ.
(5)
مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م)
(6)
ب (فَقَطْ) : تَمْثِيلٍ.
(7)
أ، ب: فَيَلْزَمُ.
وَهُمْ يُوَافِقُونَ أَهْلَ السُّنَّةِ (* (1) عَلَى أَنَّ اللَّهَ مَوْجُودٌ حَيٌّ عَلِيمٌ قَادِرٌ، وَالْمَخْلُوقُ يُقَالُ لَهُ:[مَوْجُودٌ](2) حَيٌّ عَلِيمٌ قَدِيرٌ وَلَا يُقَالُ: هَذَا تَشْبِيهٌ (3) يَجِبُ نَفْيُهُ.
[وَهَذَا مِمَّا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ (4) وَصَرِيحُ الْعَقْلِ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُخَالِفَ فِيهِ عَاقِلٌ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّى نَفْسَهُ بِأَسْمَاءٍ، وَسَمَّى بَعْضَ عِبَادِهِ بِأَسْمَاءٍ، وَكَذَلِكَ سَمَّى صِفَاتِهِ بِأَسْمَاءٍ، وَسَمَّى بَعْضَهَا صِفَاتِ خَلْقِهِ، وَلَيْسَ الْمُسَمَّى كَالْمُسَمَّى، فَسَمَّى نَفْسَهُ حَيًّا عَلِيمًا قَدِيرًا، رَءُوفًا رَحِيمًا، عَزِيزًا حَكِيمًا، سَمِيعًا بَصِيرًا، مَلِكًا مُؤْمِنًا، جَبَّارًا مُتَكَبِّرًا، كَقَوْلِهِ: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 255]، وَقَوْلِهِ:{إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ} [سُورَةُ الشُّورَى: 50]، وَقَالَ:{وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 225]، وَقَالَ:{وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 228، 240]، وَقَالَ:{إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} [سُورَةُ الْحَجِّ: 65]، وَقَالَ:{إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 58]، وَقَالَ:{هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ} [سُورَةُ الْحَشْرِ: 23] .
وَقَدْ سَمَّىَ بَعْضَ عِبَادِهِ حَيًّا، فَقَالَ:{يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ} [سُورَةُ الرُّومِ: 19] .
(1) : مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ: عَلَى أَنَّ اللَّهَ مَوْجُودٌ ص [0 - 9]12. قَائِلًا لِلْبَاطِلِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ (ص [0 - 9] 17) : سَاقِطٌ مِنْ (م) ، وَتُوجَدُ عِبَارَةُ " يَجِبُ نَفْيُهُ " بَعْدَ عِبَارَةِ " أَنَّ اللَّهَ مَوْجُودٌ ".
(2)
مَوْجُودٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) .
(3)
أ، ب: التَّشْبِيهُ.
(4)
وَهَذَا مِمَّا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ (ص [0 - 9] 12) : كَانَ مُشَبِّهًا قَائِلًا لِلْبَاطِلِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (ص [0 - 9] 12) : هَذَا الْكَلَامُ بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) وَسَأُشِيرُ إِلَيْهِ عِنْدَ نِهَايَتِهِ بِإِذْنِ اللَّهِ.
وَبَعْضَهُمْ عَلِيمًا بِقَوْلِهِ: {وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ} [سُورَةُ الذَّارِيَاتِ: 28](1)، وَبَعْضَهُمْ حَلِيمًا بِقَوْلِهِ:{فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ} [سُورَةُ الصَّافَّاتِ: 101]، وَبَعْضَهُمْ رَءُوفًا رَحِيمًا بِقَوْلِهِ:{بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 128]، وَبَعْضَهُمْ سَمِيعًا بَصِيرًا (بِقَوْلِهِ:{فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} [سُورَةُ الْإِنْسَانِ: 2] ) (2)، وَبَعْضَهُمْ عَزِيزًا بِقَوْلِهِ:{قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ} [سُورَةُ يُوسُفَ: 51]، وَبَعْضَهُمْ مَلِكًا بِقَوْلِهِ:{وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا} [سُورَةُ الْكَهْفِ: 79]، وَبَعْضَهُمْ مُؤْمِنًا بِقَوْلِهِ:{أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا} [سُورَةُ السَّجْدَةِ: 18]، وَبَعْضَهُمْ جَبَّارًا مُتَكَبِّرًا بِقَوْلِهِ:{كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ} [سُورَةُ غَافِرٍ: 35] .
وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يُمَاثِلُ الْحَيُّ الْحَيَّ، وَلَا الْعَلِيمُ الْعَلِيمَ، وَلَا الْعَزِيزُ الْعَزِيزَ، وَلَا الرَّءُوفُ الرَّءُوفَ، وَلَا الرَّحِيمُ الرَّحِيمَ، وَلَا الْمَلِكُ الْمَلِكَ، وَلَا الْجَبَّارُ الْجَبَّارَ، وَلَا الْمُتَكَبِّرُ الْمُتَكَبِّرَ.
وَقَالَ: {وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 255]، وَقَالَ:{أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 166]، وَقَالَ:{وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ} [سُورَةُ فَاطِرٍ: 11]، وَقَالَ:{إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [سُورَةُ الذَّارِيَاتِ: 58]، وَقَالَ:{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً} [سُورَةُ فُصِّلَتْ: 15] .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
(1) أ، ب:(وَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ) ، وَلَعَلَّهُ سَهْوٌ مِنَ النَّاسِخِ.
(2)
مَا بَيْنَ الْقَوْسَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (أ) وَأَثْبَتُّهُ مِنْ (ب) .
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُعَلِّمُنَا الِاسْتِخَارَةَ فِي الْأُمُورِ كُلِّهَا كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ، يَقُولُ: " إِذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالْأَمْرِ فَيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ، ثُمَّ لِيَقُلِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ، وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ الْعَظِيمِ، فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلَا أَقْدِرُ، وَتَعْلَمُ وَلَا أَعْلَمُ وَأَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ. اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ - يُسَمِّيهِ - خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي، فَاقْدُرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لِي ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ، وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي، فَاصْرِفْهُ عَنِّي وَاصْرِفْنِي عَنْهُ، وَاقْدُرْ لِيَ الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ ثُمَّ رَضِّنِي بِهِ» (1) .
وَفِي حَدِيثِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ الَّذِي رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ أَنَّ (2) النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَدْعُو بِهَذَا الدُّعَاءِ: " «اللَّهُمَّ بِعِلْمِكَ الْغَيْبَ، وَبِقُدْرَتِكَ عَلَى الْخَلْقِ، أَحْيِنِي مَا كَانَتِ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتِ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَشْيَتَكَ فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، وَأَسْأَلُكَ كَلِمَةَ الْحَقِّ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا، وَأَسْأَلُكَ الْقَصْدَ فِي
(1) الْحَدِيثُ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه فِي: الْبُخَارِيِّ 2/56 (كِتَابُ التَّهَجُّدِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي التَّطَوُّعِ) ، 8/81 (كِتَابُ الدَّعَوَاتِ، بَابُ الدُّعَاءِ عِنْدَ الِاسْتِخَارَةِ) ، 9/118 (كِتَابُ التَّوْحِيدِ، بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: قُلْ هُوَ الْقَادِرُ) ; سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 2/120 (كِتَابُ الْوِتْرِ، بَابٌ فِي الِاسْتِخَارَةِ) ; سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 2/298 - 299 (كِتَابُ الْوِتْرِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي صَلَاةِ الِاسْتِخَارَةِ) ; سُنَنِ النَّسَائِيِّ 6/66 (كِتَابُ النِّكَاحِ، بَابُ كَيْفَ الِاسْتِخَارَةُ) ; سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 1/440 (كِتَابُ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ وَالسُّنَّةِ فِيهَا، بَابُ مَا جَاءَ فِي صَلَاةِ الِاسْتِخَارَةِ) ; الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 3/344. وَلَيْسَ الْحَدِيثُ فِي مُسْلِمٍ، وَانْظُرْ: مِفْتَاحَ كُنُوزِ السُّنَّةِ (الِاسْتِخَارَةُ) .
(2)
أ: عَنْ.
الْفَقْرِ وَالْغِنَى، وَأَسْأَلُكَ نَعِيمًا لَا يَنْفَدُ، وَقُرَّةَ عَيْنٍ لَا تَنْقَطِعُ، وَأَسْأَلُكَ الرِّضَا بَعْدَ الْقَضَاءِ، وَأَسْأَلُكَ بَرْدَ الْعَيْشِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَأَسْأَلُكَ لَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ، وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ فِي غَيْرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ، وَلَا فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ، اللَّهُمَّ زَيِّنَّا بِزِينَةِ الْإِيمَانِ، وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ» " (1) .
فَقَدْ سَمَّى اللَّهُ وَرَسُولُهُ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى عِلْمًا وَقُدْرَةً وَقُوَّةً، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (2) :{اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً} [سُورَةُ الرُّومِ: 54]، وَقَالَ:{وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ} [سُورَةُ يُوسُفَ: 68] ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَيْسَ الْعِلْمُ كَالْعِلْمِ، وَلَا الْقُوَّةُ كَالْقُوَّةِ، وَنَظَائِرُ هَذَا كَثِيرَةٌ.
وَهَذَا لَازِمٌ لِجَمِيعِ الْعُقَلَاءِ، فَإِنَّ مَنْ نَفَى بَعْضَ مَا وَصَفَ اللَّهُ بِهِ نَفْسَهُ كَالرِّضَا وَالْغَضَبِ وَالْمَحَبَّةِ وَالْبُغْضِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَزَعَمَ أَنَّ ذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ التَّشْبِيهَ وَالتَّجْسِيمَ.
قِيلَ لَهُ: فَأَنْتَ تُثْبِتُ لَهُ الْإِرَادَةَ وَالْكَلَامَ وَالسَّمْعَ وَالْبَصَرَ، مَعَ أَنَّ مَا تُثْبِتُهُ لَيْسَ مِثْلَ صِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ، فَقُلْ فِيمَا أَثْبَتَّهُ مِثْلَ قَوْلِكَ فِيمَا نَفَيْتَهُ وَأَثْبَتَهَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا.
فَإِنْ قَالَ: أَنَا لَا أُثْبِتُ شَيْئًا مِنَ الصِّفَاتِ.
قِيلَ لَهُ: فَأَنْتَ تُثْبِتُ لَهُ الْأَسْمَاءَ الْحُسْنَى مِثْلَ: حَيٍّ وَعَلِيمٍ وَقَدِيرٍ،
(1) الْحَدِيثُ عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ رضي الله عنه مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ فِي: سُنَنِ النَّسَائِيِّ 3/46 - 47 (كِتَابُ السَّهْوِ، بَابُ الدُّعَاءِ بَعْدَ الذِّكْرِ، نَوْعٌ مِنْهُ) ; الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 4/264 ; الْمُسْتَدْرَكِ لِلْحَاكِمِ 1/524 - 525 (كِتَابُ الدُّعَاءِ، بَابُ دُعَاءِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ. . .) وَقَالَ الْحَاكِمُ: " هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَلَمْ يُخْرِجَاهُ "، وَقَالَ الذَّهَبِيُّ فِي " تَلْخِيصِ الْمُسْتَدْرَكِ ":" صَحِيحٌ ".
(2)
ب: وَقَدْ قَالَ تَعَالَى.
وَالْعَبْدُ يُسَمَّى بِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ، وَلَيْسَ مَا تُثْبِتُ لِلرَّبِّ مِنْ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ مُمَاثِلًا لِمَا تُثْبِتُ لِلْعَبْدِ، فَقُلْ فِي صِفَاتِهِ نَظِيرَ قَوْلِكَ ذَلِكَ فِي مُسَمَّى أَسْمَائِهِ.
فَإِنْ قَالَ: وَأَنَا لَا أُثْبِتُ لَهُ الْأَسْمَاءَ الْحُسْنَى، بَلْ أَقُولُ هِيَ مَجَازٌ، أَوْ هِيَ أَسْمَاءٌ لِبَعْضِ مُبْتَدَعَاتِهِ، كَقَوْلِ غُلَاةِ الْبَاطِنِيَّةِ وَالْمُتَفَلْسِفَةِ.
قِيلَ لَهُ: فَلَا بُدَّ أَنْ تَعْتَقِدَ أَنَّهُ حَقٌّ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ، وَالْجِسْمُ مَوْجُودٌ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ وَلَيْسَ هُوَ مُمَاثِلًا لَهُ.
فَإِنْ قَالَ: أَنَا لَا أُثْبِتُ شَيْئًا، بَلْ أُنْكِرُ وُجُودَ الْوَاجِبِ.
قِيلَ لَهُ: مَعْلُومٌ بِصَرِيحِ الْعَقْلِ أَنَّ الْمَوْجُودَ إِمَّا وَاجِبٌ بِنَفْسِهِ، وَإِمَّا غَيْرُ وَاجِبٍ بِنَفْسِهِ، وَإِمَّا قَدِيمٌ أَزَلِيٌّ، وَإِمَّا حَادِثٌ كَائِنٌ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ، وَإِمَّا مَخْلُوقٌ مُفْتَقِرٌ إِلَى خَالِقٍ، وَإِمَّا غَيْرُ مَخْلُوقٍ وَلَا مُفْتَقِرٍ إِلَى خَالِقٍ، وَإِمَّا فَقِيرٌ إِلَى مَا سِوَاهُ، وَإِمَّا غَنِيٌّ عَمَّا سِوَاهُ.
وَغَيْرُ الْوَاجِبِ بِنَفْسِهِ لَا يَكُونُ إِلَّا بِالْوَاجِبِ بِنَفْسِهِ، وَالْحَادِثُ لَا يَكُونُ إِلَّا بِقَدِيمٍ، وَالْمَخْلُوقُ لَا يَكُونُ إِلَّا بِخَالِقٍ، وَالْفَقِيرُ لَا يَكُونُ إِلَّا بِغَنِيٍّ عَنْهُ، فَقَدْ لَزِمَ عَلَى تَقْدِيرِ النَّقِيضَيْنِ وُجُودُ مَوْجُودٍ وَاجِبٍ بِنَفْسِهِ قَدِيمٍ أَزَلِيٍّ خَالِقٍ غَنِيٍّ عَمَّا سِوَاهُ، وَمَا سِوَاهُ بِخِلَافِ ذَلِكَ.
وَقَدْ عُلِمَ بِالْحِسِّ وَالضَّرُورَةِ وُجُودُ مَوْجُودٍ حَادِثٍ كَائِنٍ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ، وَالْحَادِثُ لَا يَكُونُ وَاجِبًا بِنَفْسِهِ، وَلَا قَدِيمًا أَزَلِيًّا، وَلَا خَالِقًا لِمَا سِوَاهُ، وَلَا غَنِيًّا عَمَّا سِوَاهُ، فَثَبَتَ بِالضَّرُورَةِ وُجُودُ مَوْجُودَيْنِ: أَحَدُهُمَا غَنِيٌّ وَالْآخِرُ فَقِيرٌ، وَأَحَدُهُمَا خَالِقٌ وَالْآخِرُ مَخْلُوقٌ، وَهُمَا مُتَّفِقَانِ فِي كَوْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا شَيْئًا مَوْجُودًا ثَابِتًا، بَلْ وَإِذَا كَانَ الْمُحْدَثُ جِسْمًا فَكُلٌّ مِنْهُمَا قَائِمٌ بِنَفْسِهِ.
وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَيْضًا أَنَّ أَحَدَهُمَا لَيْسَ مُمَاثِلًا لِلْآخَرِ فِي حَقِيقَتِهِ، إِذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَتَمَاثَلَا فِيمَا يَجِبُ وَيَجُوزُ وَيَمْتَنِعُ ; وَأَحَدُهُمَا يَجِبُ قِدَمُهُ وَهُوَ مَوْجُودٌ بِنَفْسِهِ ; وَأَحَدُهُمَا غَنِيٌّ عَنْ كُلِّ مَا سِوَاهُ وَالْآخِرُ لَيْسَ بِغَنِيٍّ، وَأَحَدُهُمَا خَالِقٌ وَالْآخِرُ لَيْسَ بِخَالِقٍ، فَلَوْ تَمَاثَلَا لَلَزِمَ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمَا وَاجِبَ الْقِدَمِ لَيْسَ بِوَاجِبِ الْقِدَمِ، مَوْجُودًا بِنَفْسِهِ لَيْسَ بِمَوْجُودٍ بِنَفْسِهِ، غَنِيًّا عَمَّا سِوَاهُ لَيْسَ بِغَنِيٍّ عَمَّا سِوَاهُ، خَالِقًا لَيْسَ بِخَالِقٍ، فَيَلْزَمُ اجْتِمَاعَ النَّقِيضَيْنِ عَلَى تَقْدِيرِ تُمَاثِلِهِمَا، [وَهُوَ](1) مُنْتَفٍ بِصَرِيحِ الْعَقْلِ، كَمَا هُوَ مُنْتَفٍ بِنُصُوصِ الشَّرْعِ، مَعَ اتِّفَاقِهِمَا فِي أُمُورٍ أُخْرَى، كَمَا أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَوْجُودٌ ثَابِتٌ لَهُ حَقِيقَةٌ وَذَاتٌ هِيَ نَفْسُهُ، وَالْجِسْمُ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ، وَهُوَ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ.
فَعُلِمَ بِهَذِهِ الْبَرَاهِينِ الْبَيِّنَةِ اتِّفَاقُهُمَا مِنْ وَجْهٍ وَاخْتِلَافُهُمَا مِنْ وَجْهٍ، فَمَنْ نَفَى مَا اتَّفَقَا فِيهِ كَانَ مُعَطِّلًا قَائِلًا لِلْبَاطِلِ، وَمَنْ جَعَلَهُمَا مُتَمَاثِلَيْنِ كَانَ مُشَبِّهًا قَائِلًا لِلْبَاطِلِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ] *) (2) .
وَذَلِكَ ; لِأَنَّهُمَا وَإِنِ اتَّفَقَا فِي مُسَمَّى مَا اتَّفَقَا فِيهِ (3) ، فَاللَّهُ تَعَالَى مُخْتَصٌّ بِوُجُودِهِ وَعِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ [وَسَائِرِ صِفَاتِهِ](4) ، وَالْعَبْدُ لَا يَشْرَكُهُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَالْعَبْدُ [أَيْضًا](5) مُخْتَصٌّ بِوُجُودِهِ وَعِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ، وَاللَّهُ تَعَالَى (6) مُنَزَّهٌ
(1) وَهُوَ سَاقِطٌ مِنْ (أ) .
(2)
الْكَلَامُ بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ وَهُوَ الَّذِي بَدَأَ ص 112 عِنْدَ عِبَارَةِ " وَهَذَا مِمَّا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ " وَالَّذِي يَنْتَهِي فِي هَذَا الْمَوْضِعِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) وَسَقَطَتْ عِبَارَاتٌ قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ (م) أَشَرْتُ إِلَيْهَا فِي ص 112.
(3)
ن، م: فِي مُسَمَّى ذَلِكَ.
(4)
وَسَائِرِ صِفَاتِهِ: سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(5)
أَيْضًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(6)
أ: وَأَنَّهُ تَعَالَى.
عَنْ مُشَارَكَةِ الْعَبْدِ فِي خَصَائِصِهِ، وَإِذَا اتَّفَقَا فِي مُسَمَّى الْوُجُودِ وَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ، فَهَذَا الْمُشْتَرُكُ مُطْلَقٌ كُلِّيٌّ يُوجَدُ فِي الْأَذْهَانِ لَا فِي الْأَعْيَانِ، وَالْمَوْجُودُ (1) فِي الْأَعْيَانِ مُخْتَصٌّ لَا اشْتِرَاكَ فِيهِ.
وَهَذَا مَوْضِعٌ اضْطَرَبَ فِيهِ كَثِيرٌ مِنَ النُّظَّارِ ; حَيْثُ تَوَهَّمُوا أَنَّ [الِاتِّفَاقَ فِي](2) مُسَمَّى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ الْوُجُودُ الَّذِي لِلرَّبِّ هُوَ الْوُجُودُ الَّذِي لِلْعَبْدِ.
وَطَائِفَةٌ ظَنَّتْ أَنَّ لَفْظَ " الْوُجُودِ " يُقَالُ بِالِاشْتِرَاكِ اللَّفْظِيِّ، وَكَابَرُوا عُقُولَهُمْ، فَإِنَّ هَذِهِ الْأَسْمَاءَ عَامَّةٌ قَابِلَةٌ لِلتَّقْسِيمِ، كَمَا يُقَالُ: الْمَوْجُودُ يَنْقَسِمُ إِلَى وَاجِبٍ وَمُمْكِنٍ وَقَدِيمٍ وَحَادِثٍ. وَمَوْرِدُ التَّقْسِيمِ [مُشْتَرَكٌ](3) بَيْنَ الْأَقْسَامِ، وَاللَّفْظُ الْمُشْتَرَكُ كَلَفْظِ " الْمُشْتَرَى " الْوَاقِعِ عَلَى الْمُبْتَاعِ وَالْكَوْكَبِ لَا يَنْقَسِمُ مَعْنَاهُ، وَلَكِنْ يُقَالُ لَفْظُ " الْمُشْتَرَى " يُقَالُ عَلَى كَذَا وَعَلَيَ كَذَا.
وَطَائِفَةٌ ظَنَّتْ أَنَّهَا إِذَا سَمَّتْ هَذَا اللَّفْظَ وَنَحْوَهُ مُشَكِّكًا لَكَوْنِ الْوُجُودِ بِالْوَاجِبِ أَوْلَى مِنْهُ بِالْمُمْكِنِ، خَلَصْتُ مِنْ هَذِهِ الشُّبْهَةِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ. فَإِنْ تَفَاضُلَ الْمَعْنَى الْمُشْتَرِكِ الْكُلِّيِّ لَا يَمْنَعُ (4) أَنْ يَكُونَ أَصْلُ الْمَعْنَى مُشْتَرِكًا بَيْنَ اثْنَيْنِ، كَمَا أَنَّ مَعْنَى " السَّوَادِ " مُشْتَرِكٌ بَيْنَ هَذَا السَّوَادِ وَهَذَا السَّوَادِ، وَبَعْضُهُ أَشَدُّ مِنْ بَعْضٍ.
(1) ن: وَالْوُجُودُ.
(2)
الِاتِّفَاقَ فِي: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن)، وَفِي (م) : الِاشْتِرَاكَ فِي.
(3)
مُشْتَرَكٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(4)
ن: لَا يَمْتَنِعُ.
وَطَائِفَةٌ ظَنَّتْ أَنَّ مَنْ قَالَ: الْوُجُودُ مُتَوَاطِئٌ عَامٌّ، فَإِنَّهُ يَقُولُ: وُجُودُ الْخَالِقِ زَائِدٌ عَلَى حَقِيقَتِهِ، وَمَنْ قَالَ: حَقِيقَتُهُ هِيَ وُجُودُهُ، قَالَ: إِنَّهُ مُشْتَرِكٌ اشْتِرَاكًا لَفْظِيًّا، وَأَمْثَالُ هَذِهِ الْمَقَالَاتِ الَّتِي قَدْ بُسِطَ الْكَلَامُ عَلَيْهَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ.
وَأَصْلُ خَطَأِ هَؤُلَاءِ تَوَهُّمُهُمْ أَنَّ هَذِهِ الْأَسْمَاءَ الْعَامَّةَ الْكُلِّيَّةَ يَكُونُ مُسَمَّاهَا الْمُطْلَقُ الْكُلِّيُّ هُوَ بِعَيْنِهِ ثَابِتًا فِي هَذَا الْمُعَيَّنِ [وَهَذَا الْمُعَيَّنُ](1) ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ مَا يُوجَدُ فِي الْخَارِجِ لَا يُوجَدُ مُطْلَقًا كُلِّيًّا، لَا يُوجَدُ إِلَّا مُعَيَّنًا مُخْتَصًّا. (* وَهَذِهِ الْأَسْمَاءُ إِذَا سُمِّيَ بِهَا كَانَ مُسَمَّاهَا مُخْتَصًّا بِهِ، (2 وَإِذَا سُمِّيَ بِهَا الْعَبْدُ كَانَ مُسَمَّاهَا مُخْتَصًّا بِهِ 2)(2) *) (3) فَوُجُودُ اللَّهِ وَحَيَاتُهُ لَا يَشْرَكُهُ فِيهَا (4) غَيْرُهُ، بَلْ وُجُودُ هَذَا الْمَوْجُودِ الْمُعَيَّنِ لَا يَشْرَكُهُ فِيهِ غَيْرُهُ، فَكَيْفَ بِوُجُودِ الْخَالِقِ؟ .
وَإِذَا قِيلَ: قَدِ اشْتَرَكَا فِي مُسَمَّى الْوُجُودِ (5) ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَتَمَيَّزَ أَحَدُهُمَا عَنِ الْآخَرِ بِمَا يَخُصُّهُ، وَهُوَ الْمَاهِيَّةُ وَالْحَقِيقَةُ الَّتِي تَخُصُّهُ.
قِيلَ: اشْتِرَاكًا فِي الْوُجُودِ الْمُطْلَقِ الذِّهْنِيِّ، لَا اشْتِرَاكًا فِي مُسَمَّى الْحَقِيقَةِ (6) وَالْمَاهِيَّةُ وَالذَّاتُ وَالنَّفْسُ. وَكَمَا أَنَّ حَقِيقَةُ هَذَا تَخُصُّهُ،
(1) وَهَذَا الْمُعَيَّنُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(2)
(2 - 2) سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) ، (م) .
(3)
مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) .
(4)
، م: فِيهِ.
(5)
، ب: فِي الْمُسَمَّى.
(6)
، م: بَلِ اشْتَرَكَا فِي الْوُجُودِ الْمُطْلَقِ الذِّهْنِيِّ كَمَا اشْتَرَكَا فِي مُسَمَّى الْحَقِيقَةِ. . إِلَخْ.