الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَالَ: " وَالْفِرْقَةُ الثَّانِيَةُ (1) مِنْهُمْ: يَذْهَبُونَ إِلَى إِثْبَاتِ الْوَعِيدِ، وَأَنَّ اللَّهَ [عز وجل] (2) يُعَذِّبُ كُلَّ مُرْتَكِبٍ لِلْكَبَائِرِ (3) مِنْ أَهْلِ مَقَالَتِهِمْ كَانَ أَوْ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ مَقَالَتِهِمْ، وَيُخَلِّدُهُمْ فِي النَّارِ ".
وَهَذَا قَوْلُ أَئِمَّةِ هَذَا الْإِمَامِيِّ مِنَ (4) الْمُعْتَزِلَةِ وَنَحْوِهِمْ.
[القول الأول في معنى الظلم عند مثبتة القدر]
وَأَمَّا قَوْلُهُ: " وَيُثِيبُ الْمُطِيعَ لِئَلَّا يَكُونَ ظَالِمًا "(5) فَقَدْ قَدَّمْنَا [أَنَّ] لِلْمُثْبِتِينَ (6) لِلْقَدَرِ فِي تَفْسِيرِ الظُّلْمِ الَّذِي يَجِبُ تَنْزِيهُ اللَّهِ عَنْهُ قَوْلَيْنِ (7) أَحَدُهُمَا: أَنَّ الظُّلْمَ [هُوَ] الْمُمْتَنِعُ لِذَاتِهِ وَهُوَ الْمُحَالُ لِذَاتِهِ (8) .
[وَإِنْ كَانَ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ فَالرَّبُّ قَادِرٌ عَلَيْهِ، وَكُلُّ مَا كَانَ قَادِرًا عَلَيْهِ لَا يَكُونُ ظَالِمًا. وَهَذَا قَوْلُ الْجَهْمِ وَالْأَشْعَرِيِّ وَمُوَافِقِيهِمَا، وَقَوْلُ كَثِيرٍ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ، أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ.
وَيُرْوَى عَنْ إِيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ (9) قَالَ: مَا نَاظَرْتُ بِعَقْلِي كُلِّهِ إِلَّا الْقَدَرِيَّةَ،
(1) ن: وَالثَّانِيَةُ.
(2)
عز وجل: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) .
(3)
الْمَقَالَاتِ: الْكَبَائِرِ.
(4)
ب، أ: عَنْ.
(5)
أَعَادَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ هُنَا بَعْضَ كَلَامِ ابْنِ الْمُطَهَّرِ السَّابِقِ بِنَصِّهِ. وَفِي (ن)، (م) : لِئَلَّا يَكُونَ ذَلِكَ ظُلْمًا.
(6)
أ: فَقَدْ قَدَّمْنَا الْمُثْبِتِينَ ; ب: فَقَدْ قَدَّمْنَا لِلْمُثْبِتِينَ ; ن، م: فَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْمُثْبِتِينَ.
(7)
سَبَقَ ذِكْرُ قَوْلَيْ أَهْلِ السُّنَّةِ فِي تَفْسِيرِ الظُّلْمِ 1/134 - 135.
(8)
ن، م: أَنَّ الظُّلْمَ مُمْتَنِعٌ بِنَفْسِهِ وَهُوَ مُحَالٌ لِذَاتِهِ.
(9)
إِيَاسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ الْمُزَنِيُّ، أَبُو وَاثِلَةَ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ:" كَانَ ثِقَةً، وَكَانَ قَاضِيًا عَلَى الْبَصْرَةِ، وَلَهُ أَحَادِيثُ، وَكَانَ عَاقِلًا مِنَ الرِّجَالِ فَطِنًا ". وَيُضْرَبُ بِإِيَاسٍ الْمَثَلُ فِي الذَّكَاءِ، وَقَدْ تُوُفِّيَ سَنَةَ 122. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: طَبَقَاتِ ابْنِ سَعْدٍ 7/234 - 235 ; وَفَيَاتِ الْأَعْيَانِ 1/223 - 226 ; تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ 1/39 ; الْأَعْلَامِ لِلزِّرِكْلِيِّ 1/376 - 377.
قُلْتُ لَهُمْ: أَخْبِرُونِي عَنِ الظُّلْمِ مَا هُوَ؟ قَالُوا: التَّصَرُّفُ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ. قُلْتُ: فَلِلَّهِ كُلُّ شَيْءٍ.
وَهَذَا قَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ أَتْبَاعِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ] (1) .
(1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ب) ، (أ) ، (ن)، (م) . وَأَمَامَ آخِرِ هَذَا الْكَلَامِ يُوجَدُ فِي هَامِشِ نُسْخَةِ (ع) تَعْلِيقٌ طَوِيلٌ هَذَا نَصُّهُ:" يَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ طَائِفَةً مِنَ الْمَاتُرِيدِيَّةِ يَقُولُونَ: إِنَّ التَّصَرُّفَ فِي مِلْكِهِ إِنَّمَا يَحْسُنُ إِذَا كَانَ عَلَى مُقْتَضَى الْحِكْمَةِ، وَإِذَا كَانَ خَارِجًا عَنْ مُقْتَضَى الْحِكْمَةِ يَكُونُ سَفَهًا يَجِبُ تَنْزِيهُ اللَّهِ تَعَالَى عَنْهُ، وَظَنِّي أَنَّ مَنْ يَقُولُ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ بِالْعِلَلِ وَالْأَسْبَابِ وَالْحِكَمِ وَالْمَصَالِحِ لَا يَقُولُ: إِنَّ التَّصَرُّفَ فِي مِلْكِهِ يَحْسُنُ عَلَى الْإِطْلَاقِ، فَالْقَائِلُ بِأَنَّ التَّصَرُّفَ فِي مِلْكِهِ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ يَحْسُنُ لَا بُدَّ وَأَنْ لَا يَقُولَ بِالْعِلَلِ وَالْأَسْبَابِ وَالْحِكَمِ وَالْمَصَالِحِ، كَالْأَشْعَرِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ فَهُمْ قَائِلُونَ بِالْمَشِيئَةِ الْمَحْضَةِ، حَتَّى فَسَّرُوا الْحِكْمَةَ بِمَا يَقَعُ عَلَى قَصْدِ فَاعِلِهِ، وَالسَّفَهَ بِمَا لَا يَقَعُ عَلَى قَصْدِهِ لِعِلَّةٍ. وَأَمَّا مَنْ يَقُولُ بِالْحِكَمِ وَالْمَصَالِحِ وَالْعِلَلِ وَالْأَسْبَابِ مِثْلَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ وَمَنْ يَحْذُو حَذْوَهُمْ فَلَيْسَتِ الْحِكْمَةُ عِنْدَهُمْ مُفَسَّرَةً كَذَلِكَ، بَلْ هِيَ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ عَاقِبَةٌ حَمِيدَةٌ، أَوْ مَا لَهُ نَفْعٌ لِلْفَاعِلِ أَوْ لِغَيْرِهِ. وَكَذَلِكَ مَنْ يَقُولُ بِالْحُسْنِ وَالْقُبْحِ الْعَقْلِيَّيْنِ مِثْلَ الْمَاتُرِيدِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ يَقُولُونَ بِأَنَّ التَّصَرُّفَ فِي مِلْكِهِ إِنَّمَا يَكُونُ حَسَنًا إِذَا كَانَ مُوَافِقًا عَلَى قَضِيَّةِ الْعَقْلِ، فَهُمْ لَا يُجَوِّزُونَ عَقْلًا تَعْذِيبَ الْمُطِيعِ وَتَنْعِيمَ الْعَاصِي، وَكَذَا لَا يُجَوِّزُونَ الْعَفْوَ عَنِ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ عَقْلًا. وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ بِأَنَّ التَّحْسِينَ وَالتَّقْبِيحَ مِنَ اللَّهِ، فَلَوْ حَسَّنَ مَا قَبَّحَهُ وَقَبَّحَ مَا حَسَّنَهُ فَلَهُ ذَلِكَ - مِثْلَ الْأَشْعَرِيِّ وَأَضْرَابِهِ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ - فَكُلُّ ذَلِكَ فِي التَّجْوِيزِ الْعَقْلِيِّ، وَلَقَدْ كَانَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ، مَعَ أَنَّهُمَا مِنْ عُظَمَاءِ الْحَنَفِيَّةِ، لَمْ يَقُولَا بِمَا قَالَهُ الْمَاتُرِيدِيَّةِ مِنَ الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ الْعَقْلِيَّيْنِ، بَلْ قَالَا بِمَا قَالَ بِهِ الْأَشْعَرِيُّ مِنَ الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ الْعَقْلِيَّيْنِ. وَقَدْ قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ: إِنَّ الْأَشْعَرِيَّ يُجَوِّزُ الْمُؤَاخَذَةَ عَلَى مَا لَيْسَ مِنْ فِعْلِ الْعَبْدِ وَأَثَرِهِ وَلَا إِيجَادِهِ، يُرِيدُ أَنَّهُمْ لَا يُجَوِّزُونَ ذَلِكَ بَلْ يَقُولُونَ بِامْتِنَاعِهِ، فَفِعْلُ الْعَبْدِ لَيْسَ مِنَ اللَّهِ وَحْدَهُ عِنْدَهُمْ، بَلْ مِنَ اللَّهِ وَمِنَ الْعَبْدِ مَعًا، حَتَّى يَصِحَّ التَّنْعِيمُ وَالتَّعْذِيبُ. وَقَدْ قَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ - مَعَ أَنَّهُ شَافِعِيٌّ - أَطَمَّ مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ فِي " النَّظَّامِيَّةِ ": إِنَّ فِعْلَ الْعَبْدِ مِنَ الْعَبْدِ وَحْدَهُ، ثُمَّ ذَكَرَ فِي إِثْبَاتِهِ قَوَاقِعَ وَقَوَادِحَ عَلَى قَوْلِ الْأَشْعَرِيِّ وَتَهْجِينِهِ، مَعَ ذِكْرِهِ فِي " الْإِرْشَادِ " مِثْلَ قَوْلِ الْأَشْعَرِيِّ، وَادَّعَى أَنَّهُ مِمَّا يَدِينُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ، وَهُوَ عَجِيبٌ مِنَ الْإِمَامِ، وَلَقَدْ أَنْكَرَ صَاحِبُ " الْمَقَاصِدِ " ذَلِكَ الْقَوْلَ مِنَ الْإِمَامِ لِاغْتِرَارِهِ بِقَوْلِهِ فِي " الْإِرْشَادِ " وَلِعَدَمِ رُؤْيَتِهِ لِرِسَالَةِ الْإِمَامِ الْمَوْسُومَةِ بِالنَّظَّامِيَّةِ لِعِلَّةٍ (؟) وَلَقَدْ صَرَّحَ تِلْمِيذُهُ فِي شَرْحِهِ لِلْإِرْشَادِ بِكَوْنِ هَذَا الْقَوْلِ قَوْلًا أَخِيرًا لِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ، وَقَصَدَ تَأْيِيدَهُ وَتَهْجِينَ قَوْلِهِ فِي " الْإِرْشَادِ "، وَالْإِمَامُ الرَّازِيُّ أَيْضًا نَقَلَ عَنْ إِمَامِ الْحَرَمَيْنِ ذَلِكَ، وَكَذَا الشَّهْرَسْتَانِيُّ فِي " الْمِلَلِ ".
فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ لَا يُقَالُ: يُثِيبُ الطَّائِعَ لِئَلَّا يَكُونَ ظُلْمًا (1) .
[فَإِنَّ الْمُمْتَنِعَ لِذَاتِهِ الَّذِي لَا يَكُونُ مَقْدُورًا لَا يُتَصَوَّرُ وُقُوعُهُ، فَأَيُّ شَيْءٍ كَانَ مَقْدُورًا وَفُعِلَ لَمْ يَكُنْ ظُلْمًا عِنْدَ هَؤُلَاءِ، وَهَؤُلَاءِ يُجَوِّزُونَ أَنْ يُعَذِّبَ اللَّهُ الْعَبْدَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ بِلَا ذَنْبٍ، كَمَا يُجَوِّزُونَ تَعْذِيبَ أَطْفَالِ الْكُفَّارِ وَمَجَانِينَهُمْ بِلَا ذَنْبٍ، ثُمَّ مِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يَقْطَعُ بِدُخُولِ أَطْفَالِ الْكُفَّارِ النَّارَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُجَوِّزُهُ وَيَتَوَقَّفُ فِيهِ، وَطَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ يَقْطَعُونَ بِذَلِكَ وَيَنْقُلُونَهُ عَنْ أَحْمَدَ، وَهُوَ خَطَّاءٌ عَلَى أَحْمَدَ، بَلْ نُصُوصُ أَحْمَدَ الْمُتَوَاتِرَةُ عَنْهُ وَعَنْ غَيْرِهِ مِنَ الْأَئِمَّةِ مُطَابَقَةٌ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي ذَلِكَ.
وَهَؤُلَاءِ إِنَّمَا اشْتَبَهَ عَلَيْهِمُ الْأَمْرُ لِأَنَّ أَحْمَدَ سُئِلَ عَنْهُمْ فِي بَعْضِ أَجْوِبَتِهِ فَأَجَابَ بِالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: " «اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ» ". فَظَنَّ هَؤُلَاءِ أَنَّ أَحْمَدَ أَجَابَ بِحَدِيثٍ «رُوِيَ عَنْ خَدِيجَةَ أَنَّهَا سَأَلَتِ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَطْفَالِ الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ: " إِنَّهُمْ فِي النَّارِ "، فَقَالَتْ: بِلَا عَمَلٍ؟ فَقَالَ: " اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ» . وَهَذَا الْحَدِيثُ كَذِبٌ مَوْضُوعٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ (2) ، وَمَنْ هُوَ دُونَ أَحْمَدَ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ يَعْرِفُ هَذَا فَضْلًا عَنْ مِثْلِ أَحْمَدَ.
(1) فِي (م) : يُثِيبُ الْمُطِيعَ. وَفِي (ب)(فَقَطْ) ظَالِمًا. وَبَعْدَ هَذِهِ الْكَلِمَةِ يُوجَدُ كَلَامٌ سَاقِطٌ مِنْ (ب) ، (أ) ، (ن) ، (م) وَيَنْتَهِي السَّقْطُ فِي ص 309.
(2)
لَمْ أَجِدْ هَذَا الْحَدِيثَ مَرْوِيًّا عَنْ خَدِيجَةَ رضي الله عنها وَلَكِنِّي وَجَدْتُ حَدِيثًا قَرِيبًا مِنْهُ ذَكَرَهُ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي فَتْحِ الْبَارِي 3/196 فِي شَرْحِهِ لِأَحَادِيثِ بَابِ " مَا قِيلَ فِي أَوْلَادِ الْمُشْرِكِينَ " فَقَالَ: " وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُعَاذٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ سَأَلَتْ خَدِيجَةُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَوْلَادِ الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ: هُمْ مَعَ آبَائِهِمْ، فَسَأَلَتْهُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَقَالَ: اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ، ثُمَّ سَأَلَتْهُ بَعْدَ مَا اسْتَحْكَمَ الْإِسْلَامُ فَنَزَلَ (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) قَالَ: هُمْ عَلَى الْفِطْرَةِ، أَوْ قَالَ: فِي الْجَنَّةِ. وَأَبُو مُعَاذٍ هُوَ سُلَيْمَانُ بْنُ أَرْقَمَ وَهُوَ ضَعِيفٌ ". وَقَدْ تَكَلَّمَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ (الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ، ج [0 - 9] ، ق [0 - 9] ، ص [0 - 9] 00 - 101) عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَرْقَمَ وَأَوْرَدَ أَقْوَالَ الْأَئِمَّةِ فِيهِ، وَكُلُّهَا عَلَى تَضْعِيفِهِ مِنْهَا مَا ذَكَرَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: سُلَيْمَانُ بْنُ أَرْقَمَ أَبُو مُعَاذٍ لَيْسَ يَسْوَى فَلْسًا وَلَيْسَ بِشَيْءٍ، وَمِنْهَا حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: سُلَيْمَانُ بْنُ أَرْقَمَ: مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ. وَذَكَرَ ابْنُ حَجَرٍ (فَتْحِ الْبَارِي 3/195) حَدِيثًا آخَرَ عَنْ عَائِشَةَ بِنَفْسِ الْمَعْنَى: " وَرَوَى أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ وِلْدَانِ الْمُسْلِمِينَ، قَالَ: فِي الْجَنَّةِ. وَعَنْ أَوْلَادِ الْمُشْرِكِينَ، قَالَ: فِي النَّارِ. فَقَلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ يُدْرِكُوا الْأَعْمَالَ؟ قَالَ: رَبُّكِ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ، لَوْ شِئْتِ أَسْمَعْتُكِ تَضَاغِيَهُمْ فِي النَّارِ ". وَعَلَّقَ ابْنُ حَجَرٍ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: " وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ جِدًّا لِأَنَّ فِي إِسْنَادِهِ أَبَا عَقِيلٍ مَوْلَى بُهَيَّةَ وَهُوَ مَتْرُوكٌ ". وَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِأَلْفَاظٍ مُقَارِبَةٍ ابْنَ عَبْدِ الْبَرِّ فِي تَجْرِيدِ التَّمْهِيدِ، ص 322، وَعَلَّقَ بِقَوْلِهِ: وَأَبُو عَقِيلٍ هَذَا صَاحِبُ بُهَيَّةَ لَا يُحْتَجُّ بِمِثْلِهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالنَّقْلِ ". وَانْظُرْ تَرْجَمَةَ أَبِي عَقِيلٍ يَحْيَى بْنِ الْمُتَوَكِّلِ فِي: الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ، ج [0 - 9] ، ق [0 - 9] ، ص [0 - 9] 89 - 190 ; لِسَانِ الْمِيزَانِ 6/767. وَوُجِدْتُ فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 6/208 جُزْءًا مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ، وَفِي سَنَدِهِ: عَنْ أَبِي عَقِيلٍ يَحْيَى بْنِ الْمُتَوَكِّلِ عَنْ بُهَيَّةَ عَنْ عَائِشَةَ.
وَأَحْمَدُ لَمْ يُجِبْ بِهَذَا، وَإِنَّمَا أَجَابَ بِالْحَدِيثِ الَّذِي فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ ". ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ: اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [سُورَةُ الرُّومِ: 30] قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ مَنْ يَمُوتُ مِنْ أَطْفَالِ الْمُشْرِكِينَ وَهُوَ صَغِيرٌ؟ فَقَالَ:
" اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ» (1) . وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ أَيْضًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنْ أَطْفَالِ الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ:
(1) رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا مِنْ وُجُوهٍ عِدَّةٍ وَبِأَلْفَاظٍ مُتَقَارِبَةٍ وَجَاءَ مُطَوَّلًا فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ وَمُخْتَصَرًا فِي بَعْضٍ آخَرَ. انْظُرْ: الْبُخَارِيَّ 2/94 - 95 (كِتَابُ الْجَنَائِزِ، بَابُ إِذَا أَسْلَمَ الصَّبِيُّ) ، 2/100 (كِتَابُ الْجَنَائِزِ، بَابُ مَا قِيلَ فِي أَوْلَادِ الْمُشْرِكِينَ) ، 6/114 (كِتَابُ التَّفْسِيرِ، سُورَةُ الرُّومِ) ، 8/123 (كِتَابُ الْقَدَرِ، بَابٌ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ) ; مُسْلِمًا 4/2048 - 2047 (كِتَابُ الْقَدَرِ، بَابُ مَعْنَى: كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ) ; سُنَنَ أَبِي دَاوُدَ 4/318 - 316 (كِتَابُ السُّنَّةِ، بَابٌ فِي ذَرَارِيِّ الْمُشْرِكِينَ) ; سُنَنَ التِّرْمِذِيِّ 3/303 (كِتَابُ الْقَدَرِ، بَابُ كُلُّ مَوْلُودٍ. . إِلَخْ) وَانْظُرْ شَرْحَ ابْنِ الْعَرَبِيِّ عَلَى سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 8/303 - 306 ; الْمُسْنَدَ (ط. الْمَعَارِفِ) 12/169 - 170 (رَقْمُ 7181) ، 13/181 - 182 (الْأَرْقَامُ 7436 - 7438) ، 14/129 - 130 (رَقْمُ 7698) ، 207 (رَقْمُ 7782) ; الْمُوَطَّأَ (ط. فُؤَاد عَبْد الْبَاقِي) 1/241 ; صَحِيحَ ابْنِ حِبَّانَ 292 - 296 (الْأَرْقَامُ 128 - 130) ، 1/300 (رَقْمُ 133) - وَانْظُرْ تَعْلِيقَاتِ الْمُحَقِّقِ ; تَرْتِيبُ مُسْنَدِ الطَّيَالِسِيِّ 2/235 (وَهُوَ فِي مُسْنَدِ الطَّيَالِسِيِّ، رَقْمُ 2356 - 2433) . وَرَوَى أَحْمَدُ الْحَدِيثَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 3/353. وَالْحَدِيثُ مَرْوِيٌّ مَعَ اخْتِلَافٍ فِي اللَّفْظِ عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ سَرِيعٍ فِي: الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 3/435، 4/24 ; صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ 1/297 - 298 (رَقْمُ 132) ; تَفْسِيرِ الطَّبَرِيِّ (ط. الْمَعَارِفِ 13/231 - وَانْظُرِ التَّعْلِيقَ 231 - 232) ; الْحَاكِمَ فِي مُسْتَدْرَكِهِ 3/123 ; الْبَيْهَقِيَّ فِي السُّنَنِ 9/77 ; الْهَيْثَمِيَّ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ 5/316 ; الِاسْتِيعَابَ لِابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ (فِي تَرْجَمَةِ الْأَسْوَدِ) . وَانْظُرْ أَيْضًا عَنِ الْحَدِيثِ بِرِوَايَاتِهِ الْمُتَعَدِّدَةِ: شَرْحَ مُسْلِمٍ لِلنَّوَوِيِّ 16/207 - 208 ; تَفْسِيرَ ابْنِ كَثِيرٍ (تَفْسِيرَ آيَةِ 30 مِنْ سُورَةِ الرُّومِ) ; تَجْرِيدَ التَّمْهِيدِ لِابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ (ط. الْقُدْسِيِّ، 1350) ص 290 - 332. أَمَّا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: " كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ ": فَأَكْثَرُ أَهْلِ اللُّغَةِ عَلَى أَنَّ هَذَا الْفِعْلَ (نُتِجَ) لَا يَكُونُ إِلَّا مَبْنِيًا لِلْمَجْهُولِ، فَيُقَالُ: نُتِجَتِ النَّاقَةُ تُنْتَجُ، عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ، بِمَعْنَى وَلَدَتْ. . وَقَالَ يُقَالُ: نَتَجَ الرَّجُلُ نَاقَتَهُ (بِالْبِنَاءِ لِلْمَعْلُومِ) إِذَا وَلَّدَهَا (بِتَضْعِيفِ اللَّامِ) . وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ 16/209: " (جَمْعَاءَ) بِالْمَدِّ، أَيْ مُجْتَمِعَةَ الْأَعْضَاءِ، سَلِيمَةً مِنْ نَقْصٍ، لَا يُوجَدُ فِيهَا (جَدْعَاءَ) بِالْمَدِّ، وَهِيَ مَقْطُوعَةُ الْأُذُنِ أَوْ غَيْرُهَا مِنَ الْأَعْضَاءِ، وَمَعْنَاهُ: أَنَّ الْبَهِيمَةَ تَلِدُ الْبَهِيمَةَ كَامِلَةَ الْأَعْضَاءِ، لَا نَقْصَ فِيهَا، وَإِنَّمَا يَحْدُثُ فِيهَا الْجَدْعُ وَالنَّقْصُ بَعْدَ وِلَادَتِهَا ".