الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَإِنْ قِيلَ: هُوَ فِي مَكَانٍ بِمَعْنَى (1) إِحَاطَةِ غَيْرِهِ بِهِ وَافْتِقَارِهِ إِلَى غَيْرِهِ.
فَاللَّهُ مُنَزَّهٌ عَنِ الْحَاجَةِ إِلَى الْغَيْرِ وَإِحَاطَةِ الْغَيْرِ بِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
وَإِنْ أُرِيدَ بِالْمَكَانِ مَا فَوْقَ الْعَالَمِ وَمَا هُوَ الرَّبُّ فَوْقَهُ؛ قِيلَ: [إِذَا لَمْ يَكُنْ](2) إِلَّا خَالِقٌ أَوْ مَخْلُوقٌ، وَالْخَالِقُ بَائِنٌ مِنَ الْمَخْلُوقِ (3) ، كَانَ هُوَ الظَّاهِرُ الَّذِي لَيْسَ فَوْقَهُ شَيْءٌ.
وَإِذَا قَالَ [الْقَائِلُ](4) : هُوَ سُبْحَانَهُ فَوْقَ سَمَاوَاتِهِ عَلَى عَرْشِهِ (5) بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهُ ; فَهَذَا الْمَعْنَى حَقٌّ سَوَاءً: سَمَّيْتَ ذَلِكَ مَكَانًا أَوْ لَمْ تُسَمِّهِ.
وَإِذَا عُرِفَ الْمَقْصُودُ فَمَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ (6) مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ سَلَفُ الْأُمَّةِ، وَهُوَ الْقَوْلُ (7) الْمُطَابِقُ لِصَحِيحِ الْمَنْقُولِ وَصَرِيحِ الْمَعْقُولِ.
[الكلام على قوله وَإِلَّا لَكَانَ مُحْدَثًا]
[الرد على دليل الرافضة والمعتزلة]
وَأَمَّا قَوْلُهُ: " وَإِلَّا لَكَانَ مُحْدَثًا " فَمَضْمُونُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ جِسْمًا أَوْ فِي مَكَانٍ لَكَانَ مُحْدَثًا.
[فَيُقَالُ لَهُ: قَدْ بَيَّنَّا مَا يُنْفَى عَنْهُ مِنْ مَعَانِي الْجِسْمِ وَالْمَكَانِ، وَبَيَّنَّا مَا لَا يَجُوزُ نَفْيُهُ عَنْهُ، وَإِنْ سَمَّاهُ بَعْضُ النَّاسِ جِسْمًا وَمَكَانًا، لَكِنْ مَا الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ مُحْدَثًا](8) وَأَنْتَ (9) لَمْ تَذْكُرْ دَلِيلًا عَلَى ذَلِكَ؟
(1) ن، م: هُوَ فِي الْمَعْنَى بِمَعْنَى، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
(2)
مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(3)
ن، م: وَلَا مَخْلُوقَ بَائِنٌ مِنَ الْخَالِقِ.
(4)
الْقَائِلُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(5)
ن، م: فَوْقَ عَرْشِهِ.
(6)
وَالْجَمَاعَةِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .
(7)
ن، م: الْمَعْقُولُ.
(8)
مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) فَقَطْ.
(9)
ن: فَأَنْتَ ; م: قُلْتَ.
وَكَأَنَّهُ (1) اكْتَفَى بِالدَّلِيلِ الْمَشْهُورِ الَّذِي يَذْكُرُهُ [سَلَفُهُ] وَشُيُوخُهُ (2) الْمُعْتَزِلَةُ: مِنْ أَنَّهُ لَوْ كَانَ جِسْمًا لَمْ يَخْلُ عَنِ الْحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ، وَمَا لَمْ يَخْلُ (3) عَنِ الْحَوَادِثِ فَهُوَ حَادِثٌ لِامْتِنَاعِ حَوَادِثَ لَا أَوَّلَ لَهَا. ثُمَّ يَقُولُونَ: وَلَوْ [كَانَ] قَامَ بِهِ (4) عِلْمٌ وَقُدْرَةٌ وَحَيَاةٌ وَكَلَامٌ (5) وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنَ الصِّفَاتِ لَكَانَ جِسْمًا.
وَهَذَا الدَّلِيلُ عَنْهُ (6) جَوَّابَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يُقَالَ [لَهُ: هُوَ] عِنْدَكَ (7) حَيٌّ عَلِيمٌ قَدِيرٌ، وَمَعَ هَذَا فَلَيْسَ بِجِسْمٍ عِنْدَكَ، مَعَ أَنَّكَ لَا تَعْلَمُ حَيًّا عَلِيمًا قَدِيرًا (8) إِلَّا جِسْمًا فَإِنْ كَانَ قَوْلُكَ (9) حَقًّا أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ لَهُ حَيَاةٌ وَعِلْمٌ وَقُدْرَةٌ، وَأَنْ يَكُونَ مُبَايِنًا لِلْعَالَمِ عَالِيًا عَلَيْهِ وَلَيْسَ بِجِسْمٍ.
فَإِنْ قُلْتَ: لَا أَعْقِلُ مُبَايِنًا عَالِيًا إِلَّا جِسْمًا؛ قِيلَ لَكَ: وَلَا يُعْقَلُ حَيٌّ عَلِيمٌ قَدِيرٌ إِلَّا جِسْمٌ، فَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ مُسَمَّى (10) بِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ مَا لَيْسَ بِجِسْمٍ، أَمْكَنَ أَنْ يَتَّصِفَ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ مَا لَيْسَ بِجِسْمٍ، وَإِلَّا فَلَا ; لِأَنَّ الِاسْمَ (11) مُسْتَلْزِمٌ لِلصِّفَةِ.
(1) ن، م: فَكَأَنَّهُ.
(2)
ن، م: الَّذِي يَذْكُرُهُ شُيُوخُهُ.
(3)
ن، م: وَمَا لَا يَخْلُو.
(4)
ن، م: وَلَوْ قَامَ بِهِ.
(5)
وَكَلَامٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .
(6)
ن، م: فَهَذَا الدَّلِيلُ عَلَيْهِ.
(7)
ن، م: أَنْ يُقَالَ عِنْدَكَ.
(8)
ن، م: عَالِمًا قَادِرًا.
(9)
ن، م: قَوْلُهُ.
(10)
ن، م: أَنْ يُسَمَّى.
(11)
ن، م: الْجِسْمَ، وَهُوَ خَطَأٌ.
وَكَذَلِكَ إِذَا قَالَ: لَوْ كَانَ فَوْقَ الْعَالَمِ لَكَانَ جِسْمًا، وَلَكَانَ إِمَّا أَكْبَرَ مِنَ الْعَالَمِ وَإِمَّا أَصْغَرَ وَإِمَّا مُسَاوِيًا لَهُ، وَكُلُّ ذَلِكَ مُمْتَنِعٌ، فَيُقَالُ لَهُ: إِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ يَقُولُونَ: إِنَّهُ فَوْقَ الْعَالَمِ وَلَيْسَ بِجِسْمٍ.
فَإِذَا قَالَ النَّافِي (1) : قَوْلُ هَؤُلَاءِ مَعْلُومٌ فَسَادُهُ بِضَرُورَةِ الْعَقْلِ، قِيلَ لَهُ: فَأَنْتَ تَقُولُ: إِنَّهُ مَوْجُودٌ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ، وَلَيْسَ بِدَاخِلٍ فِي الْعَالَمِ وَلَا خَارِجٍ عَنْهُ، وَلَا مُبَايِنٍ لَهُ وَلَا مُحَايِثٍ (2) لَهُ، وَأَنَّهُ لَا يَقْرُبُ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَا يَبْعُدُ مِنْهُ شَيْءٌ، [وَلَا يَصْعَدُ إِلَيْهِ شَيْءٌ](3) وَلَا يَنْزِلُ مِنْهُ شَيْءٌ، وَأَمْثَالُ ذَلِكَ مِنَ النَّفْيِ الَّذِي إِذَا عَرَضَ عَلَى الْفِطْرَةِ السَّلِيمَةِ جَزَمَتْ جَزْمًا قَاطِعًا أَنَّ هَذَا بَاطِلٌ وَأَنَّ وُجُودَ مِثْلِ هَذَا مُمْتَنِعٌ، وَكَانَ جَزْمُهَا بِبُطْلَانِ هَذَا أَقْوَى مِنْ جَزْمِهَا بِبُطْلَانِ كَوْنِهِ فَوْقَ الْعَالَمِ وَلَيْسَ بِجِسْمٍ.
فَإِنْ كَانَ حُكْمُ الْفِطْرَةِ السَّلِيمَةِ مَقْبُولًا وَجَبَ بُطْلَانُ مَذْهَبِكَ، فَلَزِمَ أَنْ يَكُونَ فَوْقَ الْعَالَمِ، وَإِنْ كَانَ مَرْدُودًا بَطَلَ رَدُّكَ لِقَوْلِ مَنْ يَقُولُ: إِنَّهُ فَوْقَ الْعَالَمِ وَلَيْسَ بِجِسْمٍ، فَإِنَّ الْفِطْرَةَ الْحَاكِمَةَ بِامْتِنَاعِ هَذَا هِيَ الْحَاكِمَةُ بِامْتِنَاعِ هَذَا، فَيَمْتَنِعُ قَبُولُ حُكْمِهَا فِي أَحَدِ الْمَوْضِعَيْنِ دُونَ الْآخَرِ.
وَذَلِكَ أَنَّ هَؤُلَاءِ النُّفَاةَ يَزْعُمُونَ أَنَّ الْحُكْمَ بِهَذَا الْمَنْعِ مِنْ حُكْمِ الْوَهْمِ الْمَرْدُودِ لَا مِنْ حُكْمِ الْعَقْلِ الْمَقْبُولِ، وَيَقُولُونَ: إِنَّ الْوَهْمَ هُوَ أَنْ يُدْرَكَ فِي الْمَحْسُوسَاتِ (4) مَا لَيْسَ بِمَحْسُوسٍ، كَمَا تُدْرِكُ الشَّاةُ عَدَاوَةَ الذِّئْبِ
(1) ب (فَقَطْ) : فَإِذَا قَالَ لَنَا.
(2)
ن، م: مُجَانِبٍ.
(3)
مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(4)
ن، م: فِي الْمَحْسُوسِ.
وَتُدْرِكُ السَّخْلَةُ (1) صَدَاقَةُ أُمِّهَا، وَيَقُولُونَ: الْحُكْمُ الْفِطْرِيُّ الْمَوْجُودُ فِي قُلُوبِ بَنِي آدَمَ، بِامْتِنَاعِ وُجُودِ مِثْلِ هَذَا هُوَ حُكْمُ الْوَهْمِ لَا حُكْمَ الْعَقْلِ (2) ، فَإِنَّ حُكْمَ الْوَهْمِ إِنَّمَا يُقْبَلُ فِي الْمَحْسُوسَاتِ لَا فِيمَا لَيْسَ بِمَحْسُوسٍ (3) .
فَيُقَالُ لَهُمْ: إِنْ كَانَ هَذَا صَحِيحًا فَقَوْلُكُمْ: إِنَّهُ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ فَوْقَ الْعَالَمِ وَلَيْسَ بِجِسْمٍ هُوَ أَيْضًا مِنْ حُكْمِ الْوَهْمِ ; لِأَنَّهُ حُكْمٌ فِيمَا لَيْسَ بِمَحْسُوسٍ عِنْدَكُمْ، وَكَذَلِكَ حُكْمُهُ بِأَنَّ كُلَّ مَا يُرَى (4) فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ بِجِهَةٍ مِنَ الرَّائِي هُوَ حُكْمُ الْوَهْمِ أَيْضًا.
وَكَذَلِكَ سَائِرُ مَا يَدَّعُونَ امْتِنَاعَهُ عَلَى الرَّبِّ [هُوَ](5) مِثْلَ دَعْوَى امْتِنَاعِ كَوْنِهِ لَا مُبَايِنًا وَلَا مُحَايِثًا (6) ، فَإِنْ كَانَ حُكْمُ الْفِطْرَةِ بِهَذَا الِامْتِنَاعِ مَقْبُولًا فِي
(1) فِي اللِّسَانِ: السَّخْلَةُ وَلَدُ الشَّاةِ مِنَ الْمَعَزِ وَالضَّأْنِ، ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى. . أَبُو زَيْدٍ: يُقَالُ لِوَلَدِ الْغَنَمِ سَاعَةَ تَضَعُهُ أُمُّهُ مِنَ الضَّأْنِ وَالْمَعِزِ جَمِيعًا، ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى، سَخْلَةٌ.
(2)
ن: الْفِعْلِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
(3)
يُعَرِّفُ ابْنُ سِينَا فِي كِتَابِهِ النَّجَاةِ (ج [0 - 9] ، ص [0 - 9] 63، نَشْرُ مُحْيِي الدِّينِ الْكُرْدِيِّ، الطَّبْعَةُ الثَّانِيَةُ 1357/1938) الْقُوَّةَ الْوَهْمِيَّةَ بِقَوْلِهِ: " ثُمَّ الْقُوَّةُ الْوَهْمِيَّةُ وَهِيَ قُوَّةٌ مُرَتَّبَةٌ فِي نِهَايَةِ التَّجْوِيفِ الْأَوْسَطِ مِنَ الدِّمَاغِ تُدْرِكُ الْمَعَانِيَ الْغَيْرَ مَحْسُوسَةٍ الْمَوْجُودَةَ فِي الْمَحْسُوسَاتِ الْجُزْئِيَّةِ كَالْقُوَّةِ الْحَاكِمَةِ بِأَنَّ الذِّئْبَ مَهْرُوبٌ مِنْهُ وَأَنَّ الْوَلَدَ مَعْطُوفٌ عَلَيْهِ ". وَانْظُرْ كِتَابَ الشِّفَاءِ، الْقِسْمَ الْخَاصَّ بِالنَّفْسِ، ج [0 - 9] ، ص [0 - 9] 60 - 161، 177 - 179، نَشْرُ يَانْ بَاكُوش، طَبْعُ الْمَجْمَعِ الْعِلْمِيِّ التِّشِكُوسْلُوفَاكِيِّ، بَرَاغ، 1956 مَبْحَثٌ عَنِ الْقُوَّةِ النَّفْسَانِيَّةِ، ضِمْنَ مَجْمُوعَةٍ بِعُنْوَانِ: أَحْوَالُ النَّفْسِ، نَشَرَهَا الدُّكْتُورُ أَحْمَد فُؤَاد الْأَهْوَانِي، ص [0 - 9] 66 - 167، الْقَاهِرَةِ، 1952.
(4)
ن: كُلَّ مَنْ لَا يُرَى ; م: كُلَّ مَا لَا يُرَى، وَكِلَاهُمَا خَطَأٌ.
(5)
هُوَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ.
(6)
ن، م: مُجَانِبًا.
شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ قُبِلَ فِي نَظِيرِهِ، وَإِلَّا فَقَبُولُهُ فِي أَحَدِ الْمُتَمَاثِلِينَ وَرَدُّهُ فِي الْآخَرِ تَحَكُّمٌ.
وَهَؤُلَاءِ بَنَوْا كَلَامَهُمْ عَلَى أُصُولٍ مُتَنَاقِضَةٍ، فَإِنَّ الْوَهْمَ عِنْدَهُمْ قُوَّةٌ فِي النَّفْسِ تُدْرِكُ فِي الْمَحْسُوسَاتِ مَا لَيْسَ بِمَحْسُوسٍ، وَهَذَا الْوَهْمُ لَا يُدْرِكُ إِلَّا مَعْنًى جُزْئِيًّا لَا كُلِّيًّا كَالْحِسِّ وَالتَّخَيُّلِ، وَأَمَّا الْأَحْكَامُ الْكُلِّيَّةُ فَهِيَ عَقْلِيَّةٌ، فَحُكْمُ الْفِطْرَةِ بِأَنَّ كُلَّ مَوْجُودَيْنِ إِمَّا مُتَحَايِثَانِ (1) وَإِمَّا مُتَبَايِنَانِ، وَبِأَنَّ مَا لَا يَكُونُ دَاخِلَ الْعَالَمِ وَلَا خَارِجَهُ لَا يَكُونُ إِلَّا مَعْدُومًا، وَأَنَّهُ يَمْتَنِعُ وُجُودُ مَا هُوَ كَذَلِكَ، وَنَحْوَ ذَلِكَ، أَحْكَامٌ كُلِّيَّةٌ عَقْلِيَّةٌ، لَيْسَتْ أَحْكَامًا جُزْئِيَّةً شَخْصِيَّةً فِي جِسْمٍ مُعَيَّنٍ حَتَّى يُقَالَ: إِنَّهَا مِنْ حُكْمِ الْوَهْمِ.
وَأَيْضًا فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ: [إِنَّ](2) حُكْمَ الْوَهْمِ فِيمَا لَيْسَ بِمَحْسُوسٍ بَاطِلٌ ; لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُدْرِكُ مَا فِي الْمَحْسُوسَاتِ مِنَ الْمَعَانِي الَّتِي لَيْسَتْ مَحْسُوسَةً، أَيْ: لَا يُمْكِنُ إِحْسَاسُهَا، وَمَعْلُومٌ أَنَّ كَوْنَ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا تُمْكِنُ رُؤْيَتُهُ أَوْ تُمْكِنُ مَسْأَلَةٌ مَشْهُورَةٌ، [فَسَلَفُ الْأُمَّةِ](3) وَأَئِمَّتُهَا وَجُمْهُورُ نُظَّارِهَا وَعَامَّتُهَا عَلَى أَنَّ اللَّهَ يُمْكِنُ رُؤْيَتُهُ وَرُؤْيَةُ الْمَلَائِكَةِ وَالْجِنِّ وَسَائِرِ مَا يَقُومُ بِنَفْسِهِ، فَإِذَا ادَّعَى الْمُدَّعِي أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ رُؤْيَتُهُ وَلَا رُؤْيَةُ الْمَلَائِكَةِ (4) الَّتِي يُسَمِّيهَا هُوَ (5) الْمُجَرَّدَاتِ
(1) ن، م: مُتَجَانِبَانِ.
(2)
إِنَّ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) .
(3)
فَسَلَفُ الْأُمَّةِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(4)
أ، ب: أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ رُؤْيَتُهُ أَوْ لَا يُمْكِنُ رُؤْيَتُهُ وَلَا رُؤْيَةُ الْمَلَائِكَةِ. . إِلَخْ.
(5)
هُوَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) فَقَطْ.
وَالنُّفُوسَ وَالْعُقُولَ، فَهُوَ يَدَّعِي وُجُودَ مَوْجُودٍ قَائِمٍ بِنَفْسِهِ لَا يُمْكِنُ الْإِحْسَاسُ بِهِ بِحَالٍ.
فَإِذَا احْتَجَّ عَلَيْهِ بِالْقَضَايَا الْفِطْرِيَّةِ الَّتِي تُحْكَمُ بِهَا الْفِطْرَةُ كَمَا تُحْكَمُ بِسَائِرِ الْقَضَايَا الْفِطْرِيَّةِ، لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَقُولَ: هَذَا حُكْمُ الْوَهْمِ فِيمَا لَيْسَ بِمَحْسُوسٍ، فَلَا يُقْبَلُ ; لِأَنَّ الْوَهْمَ إِنَّمَا يُدْرِكُ مَا فِي الْمَحْسُوسِ ; فَإِنَّهُ يُقَالُ لَهُ: إِنَّمَا يَثْبُتُ أَنَّ هَذَا مِمَّا لَا يُمْكِنُ أَنْ يُرَى وَيُحَسَّ بِهِ إِذَا ثَبَتَ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ بَاطِلٌ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ بَاطِلٌ إِذَا ثَبَتَ وُجُودُ مَوْجُودٍ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُرَى وَيُحَسَّ بِهِ، وَأَنْتَ لَمْ تُثْبِتْ هَذَا الْمَوْجُودَ، إِلَّا بِدَعْوَاكَ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ بَاطِلٌ، وَلَمْ تُثْبِتْ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ بَاطِلٌ (1) إِلَّا بِدَعْوَاكَ وُجُودَ هَذَا الْمَوْجُودِ، فَصَارَ حَقِيقَةَ قَوْلِكَ دَعْوًى مُجَرَّدَةً بِلَا دَلِيلٍ.
فَإِذَا ثَبَتَ امْتِنَاعُ رُؤْيَتِهِ بِإِبْطَالِ هَذَا الْحُكْمِ، كَانَ هَذَا دَوْرًا مُمْتَنِعًا، وَكُنْتَ قَدْ جَعَلْتَ الشَّيْءَ مُقَدِّمَةً فِي إِثْبَاتِ نَفْسِهِ، فَإِنَّهُ يُقَالُ لَكَ: لَمْ تُثْبِتْ إِمْكَانَ وُجُودِ غَيْرِ مَحْسُوسٍ إِنْ لَمْ تُثْبِتْ بُطْلَانَ هَذَا الْحُكْمِ، وَلَا تُثْبِتُ بُطْلَانَهُ إِنْ لَمْ تُثْبِتْ مَوْجُودًا قَائِمًا بِنَفْسِهِ لَا يُمْكِنُ رُؤْيَتُهُ وَلَا الْإِحْسَاسُ بِهِ.
فَإِذَا قُلْتَ: الْوَهْمُ يُسَلِّمُ (2) مُقَدِّمَاتٍ تَسْتَلْزِمُ ثُبُوتَ هَذَا، قِيلَ لَكَ: لَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ مُقَدِّمَةً مُسْتَلْزَمَةً لِهَذَا أَصْلًا، بَلْ جَمِيعُ مَا يَنْبَنِي عَلَيْهِ ثُبُوتُ إِمْكَانِ هَذَا، وَإِمْكَانُ وُجُودِ مَا لَا يُمْكِنُ رُؤْيَتُهُ وَلَا يُشَارُ إِلَيْهِ، مُقَدِّمَاتٌ مُتَنَازَعٌ فِيهَا بَيْنَ الْعُقَلَاءِ، لَيْسَ فِيهَا مُقْدِمَةٌ وَاحِدَةٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا، فَضْلًا عَنْ أَنْ تَكُونَ ضَرُورِيَّةً أَوْ حِسِّيَّةً يُسَلِّمُهَا الْوَهْمُ.
(1) ن، م: وَلَمْ يُثْبَتْ بِهِ بَاطِلٌ.
(2)
أ: يَسْتَلْزِمُ.
ثُمَّ يُقَالُ لَكَ: إِذَا جَوَّزْتَ أَنْ يَكُونَ فِي الْفِطْرَةِ حَاكِمَانِ بَدِيهِيَّانِ: أَحَدُهُمَا حُكْمُهُ بَاطِلٌ، وَالْآخَرُ حُكْمُهُ حَقٌّ، لَمْ يُوَثَّقْ بِشَيْءٍ مِنْ حُكْمِ الْفِطْرَةِ، حَتَّى يُعْلَمَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ حُكْمِ الْحَاكِمِ الْحَقِّ، وَلَا يُعْرَفُ عَنْ ذَلِكَ حَتَّى يُعْرَفَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنَ الْحُكْمِ الْبَاطِلِ، وَلَا يُعْرَفُ أَنَّهُ بَاطِلٌ حَتَّى تُعْرَفَ الْمُقَدِّمَاتُ الْبَدِيهِيَّةُ الْفِطْرِيَّةُ، الَّتِي بِهَا يُعْلَمُ أَنَّ ذَلِكَ الْحُكْمَ بَاطِلٌ، فَيَلْزَمُ مِنْ هَذَا (1) أَنْ لَا يُعْرَفَ شَيْءٌ بِحُكْمِ الْفِطْرَةِ، فَإِنَّهُ لَا يُعْرَفُ الْحَقُّ حَتَّى يُعْرَفُ الْبَاطِلُ، وَلَا يُعْرَفُ الْبَاطِلُ حَتَّى يُعْرَفَ الْحَقُّ، فَلَا يُعْرَفُ الْحَقُّ بِحَالٍ.
وَأَيْضًا، فَالْأَقْيِسَةُ الْقَادِحَةُ فِي تِلْكَ الْأَحْكَامِ الْفِطْرِيَّةِ الْبَدِيهِيَّةِ أَقْيِسَةٌ نَظَرِيَّةٌ، وَالنَّظَرِيَّاتُ مُؤَلَّفَةٌ مِنَ الْبَدِيهِيَّاتِ، فَلَوْ جَازَ الْقَدْحُ فِي الْبَدِيهِيَّاتِ بِالنَّظَرِيَّاتِ لَزِمَ فَسَادُ الْبَدِيهِيَّاتِ وَالنَّظَرِيَّاتِ، فَإِنَّ فَسَادَ الْأَصْلِ يَسْتَلْزِمُ فَسَادَ فَرْعِهِ، فَتَبَيَّنَ أَنَّ مَنْ سَوَّغَ الْقَدْحَ فِي الْقَضَايَا الْبَدِيهِيَّةِ الْأَوَّلِيَّةِ [الْفِطْرِيَّةِ بِقَضَايَا] نَظَرِيَّةٍ (2) ، فَقَوْلُهُ بَاطِلٌ يَسْتَلْزِمُ فَسَادَ الْعُلُومِ الْعَقْلِيَّةِ بَلْ وَالسَّمْعِيَّةِ.
وَأَيْضًا لَفْظُ " الْوَهْمِ " فِي اللُّغَةِ الْعَامَّةِ يُرَادُ بِهِ الْخَطَأُ، وَأَنْتَ أَرَدْتَ بِهِ قُوَّةً تُدْرِكُ مَا فِي الْأَجْسَامِ مِنَ الْمَعَانِي الَّتِي لَيْسَتْ مَحْسُوسَةً، وَحِينَئِذٍ فَالْحَاكِمُ بِهَذَا الِامْتِنَاعِ إِنْ كَانَ حَكَمَ بِهِ فِي غَيْرِ جِسْمٍ فَلَيْسَ هُوَ الْوَهْمَ، وَإِنْ كَانَ إِنَّمَا حَكَمَ بِهِ فِي جِسْمٍ فَحُكْمُهُ صَادِقٌ فِيهِ، فَلِمَ قُلْتَ: إِنَّ هَذَا هُوَ حُكْمُ الْوَهْمِ فِيمَا لَا يُقْبَلُ حُكْمُهُ فِيهِ؟ .
وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَا تَحْكُمُ بِهِ (3) الْفِطْرَةُ السَّلِيمَةُ مِنَ الْقَضَايَا الْكُلِّيَّةِ الْمَعْلُومَةِ
(1) ن، م: فَيُعْرَفُ مِنْ هَذَا. .
(2)
ن (فَقَطْ) : الْبَدِيهِيَّةِ الْأَوَّلِيَّةِ النَّظَرِيَّةِ، وَهُوَ خَطَأٌ.
(3)
ن، م: مَا لَا تَحْكُمُ بِهِ، وَهُوَ خَطَأٌ.
لَهَا، لَيْسَ فِيهَا مَا يَحْصُلُ (1) بَعْضُهُ مِنْ حُكْمِ الْوَهْمِ الْبَاطِلِ، وَبَعْضُهُ مِنْ حُكْمِ الْعَقْلِ الصَّادِقِ، وَإِنَّمَا يُعْلَمُ أَنَّ الْحُكْمَ مِنْ حُكْمِ الْوَهْمِ الْبَاطِلِ إِذَا عُرِفَ بُطْلَانُهُ، فَأَمَّا أَنْ يَدَّعِيَ بُطْلَانَهُ بِدَعْوَى كَوْنِهِ مِنْ حُكْمِ الْوَهْمِ، فَهَذَا غَيْرُ مُمْكِنٍ، [وَبَسْطُ هَذِهِ الْأُمُورِ لَهُ مَوْضِعٌ آخَرُ](2) .
وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ هَذَا الْمُبْتَدِعَ وَأَمْثَالَهُ مِنْ نُفَاةِ مَا أَثْبَتَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ لِنَفْسِهِ مِنْ مَعَانِي الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ مِنَ الْجَهْمِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ، وَمَنْ وَافَقَهُمْ مِنَ الْمُتَفَلْسِفَةِ وَالرَّافِضَةِ [وَغَيْرِهِمْ](3) ، لَا يَعْتَمِدُونَ فِيمَا يَقُولُونَهُ عَلَى دَلِيلٍ صَحِيحٍ لَا سَمْعِيٍ وَلَا عَقْلِيٍّ.
أَمَّا السَّمْعِيَّاتُ فَلَيْسَ مَعَهُمْ نَصٌّ وَاحِدٌ يَدُلُّ عَلَى قَوْلِهِمْ [لَا قَطْعًا وَلَا ظَاهِرًا](4) ، وَلَكِنَّ نُصُوصَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مُتَظَاهِرَةٌ عَلَى نَقِيضِ (5) قَوْلِهِمْ، وَدَالَّةٌ عَلَى ذَلِكَ أَعْظَمَ مِنْ دَلَالَتِهَا عَلَى الْمَعَادِ وَالْمَلَائِكَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا أَخْبَرَ اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ، وَلِهَذَا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ (6) الدَّهْرِيَّةَ الْمُنْكِرُونَ لِلْقِيَامَةِ وَلِمَعَادِ الْأَبْدَانِ، وَقَالُوا: إِذَا جَازَ لَكُمْ أَنْ تَتَأَوَّلُوا مَا وَرَدَ فِي الصِّفَاتِ، جَازَ لَنَا أَنْ نَتَأَوَّلَ مَا وَرَدَ فِي الْمَعَادِ، وَقَدْ أَجَابُوهُمْ بِأَنَّا قَدْ عَلِمْنَا ذَلِكَ بِالِاضْطِرَارِ مِنْ دِينِ الرَّسُولِ.
(1) ن (فَقَطْ) : مَا يَحْكُمُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
(2)
مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(3)
وَغَيْرِهِمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(4)
مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(5)
ن: بَعْضِ، وَهُوَ خَطَأٌ.
(6)
أ، ب: وَلِهَذَا تَسَلَّطَ عَلَيْهِمْ ; م: وَلِهَذَا سُلِّطَ عَلَيْهِمْ.
فَقَالَ لَهُمْ أَهْلُ الْإِثْبَاتِ: وَهَكَذَا الْعِلْمُ بِالصِّفَاتِ (1) فِي الْجُمْلَةِ هُوَ مِمَّا يَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ مَجِيِءُ الرَّسُولِ بِهِ، وَذِكْرُهُ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَعْظَمُ مِنْ ذِكْرِ الْمَلَائِكَةِ وَالْمَعَادِ، مَعَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الْعَرَبِ لَمْ تَكُنْ تُنَازِعُ فِيهِ كَمَا كَانَتْ تُنَازِعُ فِي الْمَعَادِ، مَعَ أَنَّ التَّوْرَاةَ مَمْلُوءَةٌ مِنْ ذَلِكَ، وَلَمْ يُنْكِرْهُ الرَّسُولُ عَلَى الْيَهُودِ كَمَا أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ مَا حَرَّفُوهُ وَمَا وَصَفُوا بِهِ الرَّبَّ مِنَ النَّقَائِصِ كَقَوْلِهِمْ:{إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 181]، وَ {يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 64]
[وَنَحْوِ ذَلِكَ](2) ، وَذَلِكَ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ (3) أَظْهَرُ فِي السَّمْعِ وَالْعَقْلِ مِنَ الْمَعَادِ، فَإِذَا كَانَتْ نُصُوصُ الْمَعَادِ لَا [يَجُوزُ](4) تَحْرِيفُهَا فَهَذَا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَهَذِهِ الْأُمُورُ مَبْسُوطَةٌ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ (5) .
وَالْجَوَابُ الثَّانِي: (6) أَنْ يُقَالَ: هَذَا الدَّلِيلُ قَدْ عُرِفَ ضَعْفُهُ ; لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ هَذَا الْحَادِثُ لَيْسَ بِدَائِمٍ، وَهَذَا لَيْسَ بِدَائِمٍ بَاقٍ، يَجِبُ أَنْ يَكُونَ نَوْعُ الْحَوَادِثِ لَيْسَتْ بِدَائِمَةٍ (7) بَاقِيَةٍ كَمَا أَنَّهُ إِذَا كَانَ هَذَا الْحَادِثُ لَيْسَ بِبَاقٍ، [وَهَذَا الْحَادِثُ لَيْسَ بِبَاقٍ](8) ، يَجِبُ أَنْ يَكُونَ نَوْعُ الْحَوَادِثِ لَيْسَ بِبَاقٍ.
(1) ب: فَيُقَالُ لَهُمْ: وَهَكَذَا الْإِثْبَاتُ وَكَذَا الْعِلْمُ بِالصِّفَاتِ ; أ: مِثْلُ نُسْخَةِ (ب) إِلَّا أَنَّ فِيهَا. فَقَالَ لَهُمْ. . . إِلَخْ. وَأَمَّا الْمُثْبَتُ فَهُوَ عَنْ (ن) ، (م) .
(2)
وَنَحْوِ ذَلِكَ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) .
(3)
ن، م: عَلَى أَنَّهُ.
(4)
يَجُوزُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(5)
ن، م: فِي مَوْضِعِهَا.
(6)
بَدَأَ الْجَوَابُ الْأَوَّلُ عَلَى دَلِيلِ الرَّافِضَةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ ص 146.
(7)
أ، ب: دَائِمَةً.
(8)
مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. وَفِي (أ)، (ب) : وَهَذَا لَيْسَ بِبَاقٍ.
بَلْ هِيَ بَاقِيَةٌ دَائِمَةٌ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فِي الْكِتَابِ (1) وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَجُمْهُورِهَا (2)، كَمَا قَالَ تَعَالَى:{أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا} [سُورَةُ الرَّعْدِ: 35] ، وَالْمُرَادُ دَوَامُ نَوْعِهِ (3) ، لَا دَوَامُ كُلِّ فَرْدٍ فَرْدٍ.
قَالَ تَعَالَى: {لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 21]، وَالْمُقِيمُ هُوَ نَوْعُهُ. وَقَالَ:{إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ} [سُورَةُ ص: 54] ، وَالْمُرَادُ أَنَّ نَوْعَهُ لَا يَنْفَدُ وَإِنْ كَانَ كُلُّ جُزْءٍ مِنْهُ يَنْفَدُ، أَيْ: يَنْقَضِي وَيَنْصَرِمُ (4) .
وَأَيْضًا فَإِنَّ ذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ حُدُوثَ الْحَوَادِثِ بِلَا سَبَبٍ، وَذَلِكَ مُمْتَنِعٌ فِي صَرِيحِ الْعَقْلِ. وَهَذَا الدَّلِيلُ هُوَ أَصْلُ الْكَلَامِ الَّذِي ذَمَّهُ السَّلْفُ وَعَابُوهُ ; لِأَنَّهُمْ رَأَوْهُ بَاطِلًا لَا يُقِيمُ حَقًّا وَلَا يَهْدِمُ بَاطِلًا، [وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا فِي مَسْأَلَةِ الْحُدُوثِ](5) .
وَتَمَامُ كَشْفِ (6) ذَلِكَ أَنْ نَقُولَ فِي: الْوَجْهِ الْخَامِسِ (7) : إِنَّ النَّاسَ عَلَيْهِمْ أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَيُصَدِّقُوهُ فِيمَا أَخْبَرَ، وَيُطِيعُوهُ فِيمَا أَمَرَ فَهَذَا أَصِلُ السَّعَادَةِ وَجِمَاعُهَا.
(1) ن، م، أ: بِالْكِتَابِ.
(2)
ن، م: وَإِجْمَاعِ الْأَئِمَّةِ.
(3)
ن، م: دَوَامُ وُقُوعِهِ.
(4)
أ، ب: وَيَتَصَرَّمُ.
(5)
مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(6)
كَشْفِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .
(7)
الْوَجْهِ الْخَامِسِ: كَذَا فِي (ب) ، (أ) ، (ن) ، (م) وَيَبْدُو أَنَّ ابْنَ تَيْمِيَّةَ يَصِلُ كَلَامَهُ هُنَا أَوَّلَ كَلَامِهِ فِي الْوَجْهِ الْخَامِسِ مِنَ الْوُجُوهِ الَّتِي رَدَّ بِهَا عَلَى الْقِسْمِ السَّابِقِ مِنْ كَلَامِ ابْنِ الْمُطَهَّرِ (ص [0 - 9] 7 - 99) وَأَوَّلُ الْوَجْهِ الْخَامِسِ فِي ص [0 - 9] 02 مِنْ هَذَا الْجُزْءِ.
وَالْقُرْآنُ كُلُّهُ يُقَرِّرُ هَذَا الْأَصْلَ قَالَ تَعَالَى: {الم - ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ - الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ - وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ - أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 1 - 5] ، فَقَدْ وَصَفَ سُبْحَانَهُ بِالْهُدَى وَالْفَلَاحِ الْمُؤْمِنِينَ الْمَوْصُوفِينَ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ.
وَقَالَ تَعَالَى لَمَّا أَهْبَطَ آدَمَ مِنَ الْجَنَّةِ: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى - وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى - قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا - قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} [سُورَةُ طه: 123 - 126] ، فَقَدْ أَخْبَرَ أَنَّ مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى الَّذِي أَتَانَا مِنْهُ، وَهُوَ مَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ، فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى، وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِهِ، وَهُوَ الذِّكْرُ الَّذِي أَنْزَلَهُ، وَهُوَ كُتُبَهُ الَّتِي بَعَثَ بِهَا رُسُلَهُ (1)، بِدَلِيلِ أَنَّهُ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ:{كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} .
وَالذِّكْرُ مَصْدَرٌ يُضَافُ تَارَةً (2) إِلَى الْفَاعِلِ وَتَارَةً إِلَى الْمَفْعُولِ، كَمَا يُقَالُ: دَقَّ الثَّوْبُ، وَدَقَّ الْقَصَّارُ (3)، وَيُقَالُ (4) : أَكْلُ زَيْدٍ، وَأَكْلُ الطَّعَامِ،
(1) ن: الَّتِي بُعِثَتْ بِهِ الرُّسُلُ ; م: الَّذِي بُعِثَ بِهَا الرُّسُلُ.
(2)
أ، ب: تَارَةً يُضَافُ.
(3)
قَصَرَ الثَّوْبَ وَقَصَّرَهُ (بِتَضْعِيفِ الصَّادِ) قِصَارَةً وَقَصْرًا حَوَّرَهُ وَدَقَّهُ بِالْقَصَرَةِ، وَهِيَ قِطْعَةٌ مِنَ الْخَشَبِ، وَفَاعِلُ ذَلِكَ الْقَصَّارُ (انْظُرِ: اللِّسَانَ) .
(4)
ن: نَقُولُ ; م: وَنَقُولُ.