الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الاستحباب ومن مكارم الأخلاق.
لكن هذه القاعدة استثنت حالة يجب فيها الوفاء بالوعد وذلك إذا كانت المواعيد شروطاً في عقد لازم. وبهذا الاستثناء يزول التّضادّ الظّاهري بين القاعدتين ويكون المراد أنّ المواعيد لا يتعلّق بها اللزوم إذا كانت مطلقة عن الشّرطيّة في العقود اللازمة.
ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما:
إذا قال رجل لآخر: بع بيتك هذا لفلان، فإن لم يعطك ثمنه فأنا أعطيكه، فباعه منه، ثم طالبه بالثّمن فلم يعطه المشتري للبائع بعد مطالبته إيّاه، بأن امتنع من الدّفع والأداء، فهنا يلزم الرّجل المُوعِد أداء الثمن المذكور للبائع بناء على وعده المعلّق.
ومنها: إذا قال الكفيل بالنّفس: إن لم أوافك بمديونك فلان غداً، فأَنا أدفع له دَينه. فَلَم يوافه في الغد لزمه الدّين.
ومنها: إذا كفل رجل عن رجل بألف درهم بأمره على أن يعطيه بها هذا الحيوان رهناً - لحيوان موجود - فوقعت الكفالة بهذا بغير شرط من الكفيل على المكفول - أي لم يشترط الكفيل على الطّالب بأن يقول: أكفل لك بهذا المال عن فلان إن رهن فلان هذا الحيوان، فإن لم يدفعه فأنا بريء من الكفالة - ثم إنّ المكفول عنه أبى أن يدفع إليه الحيوان، فإنّ الحيوان لا يكون رهناً؛ لأنّ الكفيل لم يقبضه، (والرّهن لا يتمّ إلا بالقبض)، ولا يجبر المكفول عنه على دفعه؛ لأنّ ذلك كان وعداً من جهته، والكفالة لازمة للكفيل؛ لأنّه التزم المال للطّالب بالكفالة المطلقة.
وأقول: ولكن من حسن الخلق وتمام الإيمان أن يفي المكفول بوعده، وأن يعطي الحيوان رهناً للكفيل وإن لم يشترط؛ لأنّ (المؤمن إذا وعد وفى، والمنافق إذا وعد أخلف).
ومنها: إذا دفع ربّ مال ألف درهم للمضارب مضاربة على أنّ ثلث الرّبح للمضارب، وثلثه يقضى به دين المضارب الذي عليه للناس، وثلث الرّبح لربّ المال. فالمضاربة جائزة، وللمضارب ثُلث الرّبح؛ لأنّ المديون إنّما يقضى الدّين من مال نفسه، فما شرط لقضاء دين المضارب يكون مشروطاً للمضارب، ولا يجبر على قضاء الدّين منه؛ لأنّ الاختيار له في الدفع الدّين. والذي سبق من ربّ المال وعد بقضاء الدّين من بعض الرّبح الذي يستحقّه. والمواعيد لا يتعلّق بها اللزوم.
ومنها: إذا كان لرجل على رجل مال من ثمن مبيع مؤجّل، قد حلَّ أجله، فأخّره عنه إلى أجل، فإنّ هذا التّأخير غير لازم فللبائع أن يرجع في الأجل، إلا أن يكون ذلك على وجه الصّلح بينهما.
ومنها: إذا قال المشتري للشّفيع: أنا أبيعك الدّار التيَ تشفع فيها بما اشتريتها به. فقال الشّفيع: قد قبلت. ثم إنّ المشتري أبى بعد ذلك أن يعطيه، فلا شفعة للشّفيع بعد ذلك؛ لأنّه أظهر الرّغبة في شراء مستقبل، وذلك يتضمّن إسقاط حقّه في الشّفعة، ولا يتمّ البيع بينهما بما جرى من اللفظ؛ لأنّ ذلك عبارة عن وعد لا إيجاب.