الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القاعدة الرّابعة والتّسعون [نيّة التّخصيص]
أولاً: لفظ ورود القاعدة:
نيّة التّخصيص فيما ثبت بمقتضى الكلام صحيحة كما تصحّ في الملفوظ. عند الخصاف (1).
ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها:
سبق بيان أنّ النّيَّة تخصّص اللفظ العام وتقصره على بعض أفراده، وذلك إذا كان هذا العام ملفوظاً ومنطوقاً به.
لكن هل النّيَّة تخصّص ما ثبت بمقتض الكلام لا بلفظه؟ ومقتضى الكلام فحواه ومعناه لا لفظه.
عند جمهور الحنفيّة - كما سبق بيانه - أنّ التّخصيص إنّما يكون في الملفوظ لا غير. ولكن هذه القاعدة تفيد أنّه يجوز ويصحّ نيَّة تخصيص عموم ثبت بمقتضى الكلام وفحواه لا بلفظه، وهذا ممّا خالف فيه الخصاف رحمه الله جمهور الحنفيّة؛ لأنّ المقتضى عنده كالمنصوص في أنّ له عموماً فتجوز نيّة التّخصيص فيه.
ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها:
إذا أراد قاضٍ أن يستحلفَ وصيّاً على المال: أنه ما قضى ديناً، وأنّه ما وصل إليه تَرِكَةٌ، ولا أمر بشيء منها يباع، ولا وَكَّل به -
(1) المبسوط جـ 6 ص 115، 116، 132.
وكان الوصي قد فعل ذلك - فعند جمهور الحنفيّة أنّ للوصي أن يحلف وينوي غير ما استحلف عليه؛ لأنّه كان مظلوماً. (واليمين على نيَّة الحالف إن كان مظلوماً). وعند الخصاف يحلف وينوي أنّه ما فعل شيئاً من ذلك. في وقت غير الوقت الذي فعل فيه، أو في مكان كذا لغير المكان الذي فعل فيه، أو مع إنسان غير الذي عامله. وذلك لأنّ الحنفيّة يرون أنّه لا يجوز للقاضي أن يسأل الوصي عمّا وصله إليه من تركة الميّت وعمّا فعل فيها؛ لأنّ الوصي أمين، (والقول في المحتمل قول الأمين)، وهو متبرّع في قبول الوصاية، فاستحلافه يكون ظلماً له.
ومنها: إذا حلف لا يساكن فلاناً - وهو ينوي مساكنته في بيت - فيعمل بنيّته، وإن لم يكن المكان من لفظه، ولكن بمقتضى الكلام أنّ المساكنة لا تكون إلا في مكان، ولذلك صحّ نيَّة التّخصيص فيه.
ومنها: إذا حلف لا يخرج ونوى السّفر صحّت نيّته كذلك.
ومنها: إذا أقرّ بنسب غلام صغير، فجاءت أمّ الصّغير بعد موته تطلب ميراث الزّوجات فإنّها تستحقّ ذلك؛ لأنّ إقراره بالنّسب يقتضي الفراش بين المقرّ وبين أمّ الصّغير، فجعل الثّابت بمقتضى الكلام كالثّابت بالنّصّ.
وهي تستحقّ الميراث إذا لم تقم بيِّنة على أنّه طلّقها قبل موته وانقضت عدّتها. ولم يكن الطّلاق طلاق الفارّ. والله أعلم.