المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

بسم الله الرحمن الرحيم   ‌ ‌المقدمة الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على - نتاج الفكر في أحكام الذكر

[عبد الله بن مانع الروقي]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌الحكم الأول

- ‌الحكم الثاني

- ‌الحكم الثالث

- ‌الحكم الرابع

- ‌الحكم الخامس

- ‌الحكم السادس

- ‌الحكم السابع

- ‌الحكم الثامن

- ‌الحكم التاسع

- ‌الحكم العاشر

- ‌الحكم الحادي عشر

- ‌الحكم الثاني عشر

- ‌الحكم الثالث عشر

- ‌الحكم الرابع عشر

- ‌الحكم الخامس عشر

- ‌الحكم السادس عشر

- ‌الحكم السابع عشر

- ‌الحكم الثامن عشر

- ‌الحكم التاسع عشر

- ‌الحكم العشرون

- ‌الحكم الواحد والعشرون

- ‌الحكم الثاني والعشرون

- ‌الحكم الثالث والعشرون

- ‌الحكم الرابع والعشرون

- ‌الحكم الخامس والعشرون

- ‌الحكم السادس والعشرون

- ‌الحكم السابع والعشرون

- ‌الحكم الثامن والعشرون

- ‌الحكم التاسع والعشرون

- ‌الحكم الثلاثون

- ‌الحكم الواحد والثلاثون

- ‌الحكم الثاني والثلاثون

- ‌الحكم الثالث والثلاثون

- ‌الحكم الرابع والثلاثون

- ‌الحكم الخامس والثلاثون

- ‌الحكم السادس والثلاثون

- ‌الحكم السابع والثلاثون

- ‌الحكم الثامن والثلاثون

- ‌الحكم التاسع والثلاثون

- ‌الحكم الأربعون

- ‌الحكم الواحد والأربعون

- ‌الحكم الثاني والأربعون

- ‌الحكم الثالث والأربعون

- ‌الحكم الرابع والأربعون

- ‌الحكم الخامس والأربعون

- ‌الحكم السادس والأربعون

- ‌الحكم السابع والأربعون

- ‌الحكم الثامن والأربعون

- ‌الحكم التاسع والأربعون

- ‌الحكم الخمسون

الفصل: بسم الله الرحمن الرحيم   ‌ ‌المقدمة الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على

بسم الله الرحمن الرحيم

‌المقدمة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه؛ أما بعد:

فإن الذكر من أجلّ الطاعات بل هو روح العبادات، وهو عبودية القلب وبه سعادته، وهو المراد من التشريع والمقصد من التكليف، قال الله جل وعلا:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} [الأحزاب: 41، 42]، وقال:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الأنفال: 45]. وقال: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ} [الأحزاب: 35]. أي كثيرًا، وقال تعالى:{فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا} [البقرة: 200]. وقال: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14]. وقال {وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ} [آل عمران: 41].

ص: 5

نصه (1): قوله: «مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه» مثل الحي والميت، سقط لفظ «ربه» الثانية من رواية يير أبي ذر (2)،

هكذا وقع في جميع شيخ البخاري، وقد أخرجه مسلم عن أبي كريب، وهو محمد بن العلاء شيخ البخاري فيه بسنده المذكور بلفظ:«مثل البيت الذي يذكر الله فيه والبيت الذي لا يذكر الله فيه مثل الحي والميت» (3) وكذا أخرجه الإسماعيلي وابن حبان (4) في

(1) فتح الباري لابن حجر (11/ 210).

(2)

أبو ذر الهروي: الحافظ الإمام المجود، العلامة شيخ الحرم، أبو ذر، عبد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن غُفير بن محمد، المعروف ببلده بابن السماك، الأنصاري الخراساني الهروي المالكي، صاحب التصانيف، وراوي الصحيح عن ثلاثة: المستملي والحموي والكشميهني. قال: ولدت سنة خمس أو ست وخمسين وثلاث مئة. قال أبو بكر الخطيب: قدم أبو ذر بغداد، وحدث بها وأنا غائب، وخرج إلى مكة وجاور، ثم تزوج في العرب، وأقام بالسروات، فكان حج كل عام ويحدث ثم يرجع إلى أهله، وكان ثقة ضابطًا دينًا، مات بمكة في ذي القعدة، سنة أربع وثلاثين وأربع مئة. أنظر: سير أعلام النبلاء (13/ 213) ..

(3)

سبق تخريجه.

(4)

هو: محمد بن حبان بن أحمد بن حبان، أبو حاتم، البستي. نسبته إلى (بست) في سجستان. تنقل في الأقطار في طلب العلم. محدث، مؤرخ، عالم بالطب والنجوم. ولي القضاء بسمرقند ثم قضاء نسا. قال ابن السمعاني: كان إمام عصره. من مصنفاته: المسند الصحيح على التقاسيم والأنواع، المشهور بصحيح ابن حبان في الحديث، وروضة العقلاء في الأدب؛ والثقات في رجال الحديث؛ ووصف العلوم وأنواعها. أنظر: طبقات الشافعية 2/ 141؛ والأعلام للزركلي 6/ 306؛ وتذكرة الحفاظ 3/ 125؛ وشذرات الذهب 3/ 16.

ص: 7

صحيحه (1)، جميعًا عن أبي يعلى (2)، (3) عن أي كريب، وكذا أخرجه أبو عوانة (4)، (5) عن أحمد بن عبد الحميد، والإسماعيلي أيضًا عن الحسن بن سفيان عن عبد الله بن براد، وعن القاسم بن زكريا، عن يوسف بن موسى، وإبراهيم بن سعيد الجوهري، وموسى بن عبد الرحمن المسروقي، والقاسم بن دينار، كلهم عن أبي أسامة، فتوارد هؤلاء على هذا اللفظ يدل على أنه هو الذي حدث به بريد بن عبد الله، شيخ أبي أسامة، وانفراد البخاري باللفظ المذكور دون بقية أصحاب أبي كريب، وأصحاب أبي أسامة يشعر بأنه رواه من حفظه، أو تجوّز في روايته بالمعنى الذي وقع له، وهو أن الذي يوصف

(1) صحيح ابن حبان (رقم: 854).

(2)

هو: أحمد بن علي بن المثنى بن يحيي بن عيسى بن هلال التميمي أبو يعلى، من أهل الموصل، من المتقنين في الروايات والمواظبين على رعاية الدين وأسباب الطاعات. الحافظ الثقة، محدّث الجزيرة، قال يزيد بن محّمد الأزدي: كان أبو يعلى من أهل الصّدق والأمانة والدين والعلم. ووثقه ابن حبان ووصفه بالإتقان والدين ثم قال: وبينه وبين النبيّ ثلاثة أنفس. وقال الحاكم: كنت أرى أبا علي الحافظ معجبًا بأبي يعلى وإتقانه وحفظه لحديثه حتى كان لا يخفى عليه منه إلاّ اليسير. قال الحاكم: هو ثقة مأمون. مات سنة 307هـ. الثقات 8/ 55، تذكرة الحفّاظ 2/ 707.

(3)

مسند أبي يعلى (رقم: 7306).

(4)

هو: يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، أبو عوانة، النيسابوري ثم الاسفراييني. من أكابر حفاظ الحديث. نعته ياقوت بأحد حفاظ الدنيا. سمع يونس بن عبد الأعلى وأحمد بن الأزهر وعلي بن إشكاب وغيرهم .. وحدث عنه الحافظ أحمد بن علي الرازي وأبو علي النيسابوري وابن عدي. طاف الشام ومصر والعراق والحجاز والجزيرة واليمن وبلاد فارس في طلب الحديث، واستقر في اسفرايين فتوفي بها. وهو أول من أدخل كتب الشافعي ومذهبه إليها. من تصانيفه:

«الصحيح المسند» وهو مخرج على صحيح مسلم، وله فيه زيادات. أنظر: تذكرة الحفاظ 3/ 2، والأعلام 9/ 256، ومعجم المؤلفين 13/ 242.

(5)

مسند أبي عوانة (رقم: 3910).

ص: 8

بالحياة والموت حقيقة هو الساكن، لا السكن، وأن إطلاق الحي والميت في وصف البيت، إنما يراد به ساكن البيت فشبّه الذاكر بالحي الذي ظاهره متزين بنور الحياة وباطنة بنور المعرفة. ا. هـ.

قال أبو محمد: ولما كان الذكر بالمحل الأسنى، والمقام الأعلى، كان أصحابه من الخليقة على الكمال، هم أكمل الخلق في الدنيا والأخرى؛ فكان أكمل من يقوم به ثلاثة أصناف: الملائكة، فهم {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ} [الأنبياء: 20] والنبيون الكرام عليهم أفضل الصلاة والسلام، وأهل الجنة الذين اصطفاهم لكرامته وأتم عليهم نعمته، فهم يُلهمون التسبيح والتحميد؛ كما يُلهمون النفس، وكان أبعد الناس عنه هم شر الخليقة من الكفار والمنافقين والأبالسة والشياطين، بل هؤلاء ينفرون من الذكر، وهو عليهم عمى، قال ابن كثير (1) في تفسيره (2) ما نصه: وأما الكافر الظالم نفسه بذلك، فلا يزيده سماعه القرآن إلا بعدًا وتكذيبًا وكفرًا. والآفة من الكافر لا من القرآن، كما قال تعالى:{قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ} [فصلت: 44]، وقال تعالى: {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ

(1) هو: محمد بن إسماعيل بن عمر بن كثير، أبو عبد الله، البصروي، ثم الدمشقي، الشافعي. (أبوه الحافظ ابن كثير. المفسر. المؤرخ المشهور) محدث، حافظ، مؤرخ. قال ابن حجر: وسمع معي بدمشق. ثم رحل إلى القاهرة، فسمع من بعض شيوخنا، وتمهر في هذا الشأن قليلا وتخرج بابن النجيب، ودرس في مشيخة الحديث بعد أبيه بتربة أم صالح. أنظر: شذرات الذهب 6/ 35، والضوء اللامع 7/ 138.

(2)

تفسير ابن كثير/ دار طيبة (5/ 112).

ص: 9

مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ} (1) والآيات في ذلك كثيرة

روينا في صحيح البخاري من طريق الزهري (2) قال أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن قال:

قال أبو هريرة (3) رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة» (4).

ورويناه في صحيح مسلم: من طريق حماد بن زيد عن ثابت عن أبى بردة عن الأغر المزنى (5) - وكانت له صحبة - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم

(1) سورة التوبة، الآية: 124، 125

(2)

هو: محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب. من بني زهرة، من قريش. تابعي من كبار الحفاظ والفقهاء مدني سكن الشام. هو أول من دون الأحاديث النبوية. ودون معها فقه الصحابة. قال أبو داود: جميع حديث الزهري (2200) حديث. أخذ عن بعض الصحابة. وأخذ عنه مالك بن أنس وطبقته. أنظر: تهذيب التهذيب 9/ 445. 451 وتذكرة الحفاظ 1/ 102؛ والوفيات 1/ 451؛ والأعلام للزركلي 7/ 317.

(2)

هو عبد الرحمن بن صخر من قبيلة دوس، وقيل في اسمه غير ذلك، صحابي، راوية الإسلام. أكثر الصحابة رواية له. أسلم 7 هـ وهاجر إلى المدينة، ولزم تانبي صلى الله عليه وسلم، فروى عنه أكثر من خمسة آلاف حديث. ولاه أمير المؤمنين عمر البحرين

(3)

صحيح البخاري (رقم: 6307).

(4)

هو: الأغر بن يسار المزني ويقال الجهني روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ليغان على قلبي وروى عن أبي بكر وعنه أبو بردة بن أبي موسى الأشعري ومعاوية بن قرة، قلت: أنكر بن قانع على من جعله مزنيا، وإنكاره هو المنكر، وأما بن مندة فاعلهما اثنين فلم يصب، وقال أبو علي بن السكن: حدثنا محمد بن الحسن عن البخاري، قال مسعر: يقول في روايته عن الأغر الجهني والمزني أصح. تهذيب التهذيب (1/ 318).

ص: 10

قال: «إنه ليغان على قلبي وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة» . (1) .. وهذا الذكر مع عظمته وفضله لا يوفّق له إلا القليل من الخلق، فسبحان البارئ جلّ شأنه يهدي من يشاء لفضله ويصرفه عمن يشاء بعدله .. لا إله إلا هو.

فصل: وهذه العبادة العظيمة القدر الجليلة، أحدث الناس فيها ما أحدثوا من ابتداع واستحسان وزيادة على ما رسم الشارع وأبان .. فصارت عند كثير من المسلمين اليوم في طول العالم الإسلامي وعرضه- ضربًا من ضروب البدع الصّادّة، وعن طريق المهتدين منحرفة عن الجادّة، فكان لزاما على من علم الحق بدليله أن يرد التائه إلى جادة الصواب، والمبتدع إلى طريق النبي صلى الله عليه وسلم والأصحاب.

فصل: روينا في سنن الدامي (2): من طريق عمر بن يحيى، قال: سمعت أبي يحدث عن أبيه قال: كنا نجلس على باب عبد الله بن

(1) صحيح مسلم (رقم: 2702).

(2)

هو عبد الله بن عبد الرحمن بن الفضل التميمي الدرامي، أبو محمد. من أهل سمرقند. مفسر ومحدث وفقيه. استقضي على (سمرقند) فأبى فألح عليه السلطان؛ فقضي بقضية واحدة ثم استعفى؛ فأعفى. من تصانيفه: السنن؛ والثلاثيات. وكلاهما في الحديث؛ والمسند؛ والتفسير؛ وكتاب الجامع. أنظر تهذيب التهذيب 5/ 294؛ وتذكرة الحفاظ 2/ 105 ومعجم المؤلفين 6/ 71.

ص: 11

مسعود (1) قبل صلاة الغداة، فإذا خرج مشينا معه إلى المسجد، فجاءنا أبو موسى الأشعري (2)،

فقال: أَخرج إليكم أبو عبد الرحمن بعد، قلنا: لا، فجلس معنا حتى خرج، فلما خرج قمنا إليه جميعًا، فقال له أبو موسى: يا أبا عبد الرحمن إني رأيت في المسجد أنفا أمرًا أنكرته، ولم أر والحمد لله إلا خيرًا، قال: فما هو، فقال: إن عشت فستراه، قال: رأيت في المسجد قوما حلقا جلوسًا، ينتظرون الصلاة، في كل حلقة رجل، وفي أيديهم حصا، فيقول: كبروا مائة، فيكبرون مائة، فيقول: هللوا مائة، فيهللون مائة، ويقول: سبحوا مائة، فيسبحون مائة، قال: فماذا قلت لهم، قال: ما قلت لهم شيئًا، انتظار رأيك، أو انتظار أمرك، قال: أفلا أمرتهم أن يعدوا سيئاتهم، وضمنت لهم أن لا يضيع من حسناتهم، ثم مضى ومضينا معه، حتى أتى حلقة من تلك الحلق، فوقف عليهم، فقال: ما هذا الذي أراكم تصنعون، قالوا: يا أبا عبد الله حصا نعد به التكبير والتهليل والتسبيح، قال: فعدوا

(1) هو: عبد الله بن مسعود بن يافل بن حبيب الهذلي، أبو عبد الرحمن من أهل مكة. من أكابر الصحابة فضلًا وعقلًا. ومن السابقين إلى الإسلام. وهاجر إلى أرض الحبشة الهجرتين. شهد بدرا وأحدا والخندق والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. كان ملازما لرسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أقرب الناس إليه هديا ودلا وسمتا. أخذ من فيه سبعين سورة لا ينازعه فيها أحد. بعثه عمر إلى أهل الكوفة ليعلمهم أمور دينهم. له في الصحيحين 848 حديثًا. أنظر: الطبقات لابن سعد 3/ 106؛ والإصابة 2/ 368؛ والأعلام 4/ 480.

(2)

هو: عبد الله بن قيس بن سليم، من الأشعريين، ومن أهل زبيد باليمن. صحابي من الشجعان الفاتحين الولاة. قدم مكة عند ظهور الإسلام، فأسلم، وهاجر إلى الحبشة. واستعمله النبي صلى الله عليه وسلم على زبيد وعدن. وولاه عمر بن الخطاب البصرة سنة 17هـ، فافتتح أصبهان والأهواز، ولما ولي عثمان أقره عليها، ثم ولاه الكوفة. وأقره علي، ثم عزله. ثم كان أحد الحكمين بين علي ومعاوية. وبعد التحكيم رجع إلى الكوفة وتوفي بها. أنظر: الأعلام للزركلي 4/ 254؛ والإصابة؛ وغاية النهاية 1/ 442 ..

ص: 12

سيئاتكم، فأنا ضامن أن لا يضيع من حسناتكم شيء، ويحكم يا أمة محمد، ما أسرع هلكتكم، هؤلاء صحابة نبيكم صلى الله عليه وسلم، متوافرون، وهذه ثيابه لم تبل، وأنيته لم تكسر، والذي نفسي بيده، إنكم لعلي ملةٍ هي أهدي من ملة محمد، أو مفتتحوا باب ضلالة، قالوا: والله يا أبا عبد الرحمن، ما أردنا إلا الخير، قال: وكم من مريد للخير لن يصيبه، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا أن قوما يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، وأيم الله ما أدري لعل أكثرهم منكم، ثم تولى عنهم، فقال عمرو بن سلمة: رأينا عامة أولئك الحلق يطاعنونا يوم النهروان مع الخوارج. (1) قلت: وهذا إسناد صالح.

وأخرجه ابن وضاح (2): قال: أخبرنا أسد، عن عبد الله بن رجاء، عن عبيد الله بن عمر، عن يسار أبي الحكم، أن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه حدث أن أناسا بالكوفة يسبحون بالحصا في المسجد، فأتاهم، وقد كوّم كل رجل منهم بين يديه كومة حصا، قال: فلم يزل يحصبهم بالحصا حتى أخرجهم من المسجد، ويقول:«لقد أحدثتم بدعة ظلما، أو قد فضلتم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم علما» (3)

(1) سنن الدامي (رقم: 210)

(2)

هو: محمد بن وضاح بن يزيد، قيل: ابن بديع، أبو عبد الله المالكي مولى عبد الرحمن بن معاوية الأندلسي. فقيه، محدث، حافظ، روى عن يحيى بن يحيى ومحمد بن خالد ومحمد بن المبار، الصوري وإبراهيم بن المنذر وعبد الملك بن حبيب وغيرهم. وعنه أحمد بن خالد وابن لبابة وابن المواز وقاسم بن أصبغ ووهب بن مسرة وغيرهم. وقال الحميدي: من الرواة المكثرين والأئمة المشهورين وكان أحمد بن خالد لا يقدم أحدًا عليه وكان يعظمه جدًا ويصف فضله وورعه. من تصانيفه: كتاب العباد والعوابد ورسالة السنة وكتاب الصلاة في التعليق. أنظر: شجرة النور الزكية 76، والديباج المذهب 239، ولسان الميزان 5/ 416، والأعلام 7/ 358.

(3)

البدع لابن وضاح (رقم: 16).

ص: 13

وفيه اختصار وانقطاع وأخرج آثارا بنحوه عن جماعة من السلف ..

وقد فشا في هذه العصر من البدع - لا سيما مع انتشار وسائل التقنية وتبادل المعلومات مع انتشار الجهل - الشيء الكثير، وزاد هذا الأمر شدة تصدي بعض الوعاظ - الذين يسميهم السلف بالقُصّاص والمذكرين- وهم ليسوا من حملة العلم ولا من طلابه. فانتشرت الأحاديث الضعيفة والواهية، وراجت سوقهم وهي في الأصل كاسدة، وأحاط كثير من الناس بهؤلاء وتحلقوا عليهم، وُترك أخذ العلم من معادنه بل هانوا عليهم ..

فلا تسأل عن الجهل والخرافات والبلايا والطامات. فذهبت حرمة الدين وحملته جملة بقدر ما تصدر أولئك الغمرة .. والله المستعان.

فصل: وقد وضعت هذا السفر نصحا لنفسي وللمسلمين، ورجوت فيه الذب عن معالم الدين، ورمت فيه إبراز حقائق الذكر وأعلامه، والتقعيد لضوابطه وأحكامه، وجعلته في أحكام تتخللها فوائد كثيرة ومسائل.

وقد أسميته (نتاج الفكر في أحكام الذكر)، وذكرت فيه ضوابط وقواعد فالحكم ينتظمها .. والله أسأل أن يكون هذا من العمل الصالح المقبول وأن يحقق فيه رجائي والمأمول وأن يقضي لي بإدراك رضاه ودخول جنته، وأن يجود عليّ بمغفرة الذنوب بمحض كرمه ومنّته، فهو أكرم مأمول وأجود مسئول. {إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ} [إبراهيم: 39].

ص: 14

فصل: ومن أراد النصح النصح لنفسه فليلزم الأذكار الشرعية، والأوراد النبوية، وليعود نفسه عليها، فإن الخير عادة، والشر لجاجة، والنفس السوية متى قيدت للذكر ألفته وأحبته.

قال الذهبي (1) في سيره في ترجمة داود بن أبي هند أنه قال: (2) كنت وأنا غلام أختلف إلى السوق، فإذا انقلبت إلى البيت، جعلت على نفسي أن أذكر الله إلى مكان كذا وكذا، فإذا بلغت إلى ذلك المكان، جعلت على نفسي أن أذكر الله كذا وكذا حتى آتي المنزل

فانظر رعاك الله كيف عوّد نفسه هذا الذكر بأدنى كلفة، وهذا لرغبة القوم في الخير، وكانوا أحرص شيء عليه.

وأكمل الطرائق في العقائد والعبادات والأخلاق، هي طريقة النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه الكرام، هداة الأمة من بعده، ومشاعل الأنام والظلام، ثم من تبعهم من أهل القرون المفضلة، التي هي خير القرون التي عاشت على المعمورة. والنظر في سيرهم وأحوالهم من أسباب استقامة النفس وزكاتها، وصلاح حالها.

(1) هو: محمد بن أحمد بن عثمان بن فايماز، أبو عبد الله، شمس الدين الذهبي. تركماني الأصل، من أهل دمشق شافعي. إمام حافظ مؤرخ، كان محدث عصره. سمع عن كثير بدمشق وبعلبك ومكة ونابلس. برع في الحديث وعلومه. كان يرحل إليه من سائر البلاد. وكان فيه ميل إلى آراء الحانبلة، ويمتاز بأنه كان لا يتعدى حديثًا يورده حتى يبين ما فيه من ضعف متن، أو ظلام إسناد، أو طعن في روايته. من تصانيفه: الكبائر؛ وتاريخ الإسلام في واحد وعشرين مجلدًا؛ وتجريد الأصل في أحاديث الرسول. أنظر: طبقات الشافعية الكبرى 5/ 216؛ والنجوم الزاهرة 10/ 183؛ ومعجم المؤلفين 8/ 289.

(2)

سير أعلام النبلاء ط الرسالة (6/ 378).

ص: 15

وكذا من تبعهم من الصلحاء والزهاد ممن جاءوا بعدهم، ومن سير الذهبي: عمرو بن واقد: عن ابن حلبس:

قيل لأبي الدرداء (1) رضي الله عنه وكان لا يفتر من الذكر: كم تسبح في كل يوم؟ قال: مائة ألف، إلا أن تخطئ الأصابع. (2)

وفي ترجمة البويطي صاحب الشافعي ما نصه: وكان إماما في العلم، قدوة في العمل، زاهدًا ربانيًا، متهادًا، دائم الذكر والعكوف على الفقه (3).

وفي ترجمة الحافظ عبدالرحمن بن منده: قال ابن أخيه ما نصه: كان عمي سيفا على أهل البدع، وهو أكبر من أن يثني عليه مثلي، كان -والله- آمرا بالمعروف ناهيًا عن المنكر، كثير الذكر، قاهرًا لنفسه، عظيم الحلم، كثير العلم (4).

وفي ترجمة أبي بكر الشحامي: قال السمعاني: كتبت عنه الكثير، وكان يملي في الجامع الجديد بنيسابور كل جمعة مكان أخيه،

(1) هو: عويمر بن مالك بن قيس بن أمية، أبو الدرداء الأنصاري. من بني الخزرج صحابي، كان قبل البعثة تاجرًا في المدينة، ولما ظهر الإسلام اشتهر بالشجاعة والنسك. ولاه معاوية قضاء دمشق بأمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهو أول قاض بها. قال ابن الجزري: كان من العلماء الحكماء. وهو أحد الذين جمعوا القرآن حفظًا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم بلا خلاف. مات بالشام، له في كتب الحديث 179 حديثًا. أنظر: الإصابة 3/ 45، وأسد الغابة 4/ 159، والأعلام 5/ 281.

(2)

سير أعلام النبلاء ط الرسالة 12/ 59 وأنظر: ابن عساكر 13/ 377/ 2.

(3)

سير أعلام النبلاء ط الرسالة 12/ 59 وأنظر: فيات الأعيان 7/ 63، وتهذيب الكمال 1563، وطبقات الشافعية للسبكي 2/ 164.

(4)

سير أعلام النبلاء ط الرسالة (18/ 352) وأنظر: تذكرة الحفاظ 3/ 166، وذيل طبقات الحنابلة 1/ 28.

ص: 16

وكان كخير الرجال، متواضعًا متوددًا، ألوفًا، دائم الذكر، كثير التلاوة، وصولا للرحم (1).

وفي ترجمة الموفق ابن قدامة شيخ الحنابلة في عصره قال أبو عبد الله اليونيني: أما ما علمته من أحوال شيخنا وسيدنا موفق الدين، فإنني إلى الآن ما أعتقد أن شخصًا ممن رأيته حصل له من الكمال في العلوم، والصفات الحميدة التي حصل بها الكمال سواه، فإنه كان كاملًا في صورته ومعناه من حيث الحسن، والإحسان، والحلم والسؤدد، والعلوم المختلفة، والأخلاق الجميلة، رأيت منه ما يعجز عنه كبار الأولياء، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:

«ما أنعم الله على عبد نعمة أفضل من أن يلهمه ذكره» (2). فقلت بهذا: إن إلهام الذكر أفضل من الكرامات، وأفضل الذكر ما يتعدى إلى العباد، وهو تعليم العلم والسنة، وأعظم من ذلك، وأحسن ما كان جبلة وطبعا؛ كالحلم، والكرم، والعقل، والحياء، وكان الله قد جبله على خلق شريف، وأفرغ عليه المكارم إفراغًا، وأسبغ عليه النعم، ولطف به في كل حال (3).

وغيرهم كثير ممن منّ الله عليه بكثرة الذكر من أهل التوفيق والحظوة، رزقنا الله ذلك بمنّه وكرمه.

وممن أدركت في عصرنا شي الْسلام، وعلم الأنام في زمانه، شيخنا المبجل أبا عبد الله عبدالعزيز بن عبد الله آل باز، المحدث الفقيه الأصولي المفسر، المتوفى سنة (1421هـ)، فلم أر في عصرنا مثله في

(1) سير أعلام النبلاء ط الرسالة (20/ 110)

(2)

مسند البراز (رقم: 3890).

(3)

سير أعلام النبلاء ط الرسالة (22/ 170).

ص: 17

كثرة الذكر، وحضور الدمعة، وصدق التأله، وكمال النصح لنفسه، ولغيره، وقد حباه الله من جميل الخصال، وطيب الفعال ما لا يتفق وجوده في غيره من أهل هذا الزمان، بل من أزمان، فرحمه الله رحمة واسعة، وجزاه عني وعن المسلمين أبلغ الجزاء، وأوفاه

فبمثل هذا تعمر الأوقات وتقضى الدهور والسنوات.

فصل: وقد نبتت في عصرنا نوابت سوء سبابة، امتهنوا الوقيعة في الناس، وأداموا السب، وأمعنوا في أعراض الصالحين، وأدمنوا الثلب، فلله كم انتهكوا من أعراض الصالحين وآذوهم، وكم اقترضوا من أعراض الغافلين وضروهم، والله الموعد، ولله في الانتقام لأوليائه سنن ماضيات، وعوائد مقضيات، فلا {فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا} [مريم: 84].

وفي درر أبي الفضل الكامنة في أعيان المائة الثامنة: عن أحدهم ما نصه: وفي أواخر عمره تغير ذهنه ونسي غالب محفوظاته حتى القرآن ويقال إن ذلك كان عقوبة له لكثرة وقيعته في الناس - عفا الله تعالى عنه بمنه وكرمه ومات في صفر سنة 792 (1).

ولم يعالجوا أدواءهم كما فعل ابن وهب كما في ترجمته في سير الذهبي: نذرت أني كلما اغتبت إنسانًا أن أصوم يومًا،

(1) الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة (6/ 24).

ص: 18

فأجهدني، فكنت أغتاب وأصوم، فنويت أني كلما اغتبت إنسانًا، أن أتصدق بدرهم، فمن حب الدراهم تركت الغيبة (1).

لكن ذا شأن أهل التوفيق والتسديد، وقد حرموه إلا من شاء الله وتاب ورجع إلى مولاه وثاب.

فصل: وهذه الأحكام والضوابط والفوائد التي حرارتها مع قلة البضاعة، هي منتخبة من كلام العلماء وتقريراتهم، جمعتها من تصانيفهم ومؤلفاتهم، مع زيادة جملة من عندي، فما كان فيها من صواب، فهو محض توفيق وتسديد من الرحيم، وما كان من غلط أو غفلة أو نقص، فهو من النفس والشيطان الرجيم، وأخيرًا لا يفوتني أن أشكر التلميذين النجيبين والأخوين الفاضلين /الشيخ مشعل بن بندر الشمري و /الشيخ علي بن عبد المنعم اللذين قاما بالتنسيق والتصحيح والصفّ فجزاهما الله عني خير الجزاء وأجزله

والحمد لله حمد الشاكرين، وهذا أوان الشروع في صلب الموضوع.

(1) سير أعلام النبلاء ط الرسالة (9/ 228).

ص: 19