الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحكم الخامس
التقيد بالعدد شرط لحصول الفضل الخاص المرتب على هذا العدد.
مثاله: الذكر بعد الصلاة: من سبّح الله دبر كل صلاة ثلاثًا وثلاثين
…
إلخ .. فلابد من التعيين بهذا العدد دون نقص ولا زيادة.
قال الحافظ ابن حار: (1) وقد كان بعض العلماء يقول: إن الأعداد الواردة؛ كالذكر عقب الصلوات إذا رتب عليها ثواب مخصوص، فزاد الآتي بها على العدد المذكور لا يحصل له ذلك الثواب المخصوص؛ لاحتمال أن يكون لتلك الأعداد حكمة وخاصية تفوت بمجاوز ذلك العدد، قال شيخنا الحافظ أبو الفضل في شرح الترمذي: وفيه نظر؛ لأنه أتى بالمقدار الذي رُتب الثواب على الإتيان به فحصل الثواب بذلك، فإن زاد عليه من جنسه كيف تكون الزيادة مزيلة لذلك الثواب بعد حصوله.
ويمكن أن يفترق الحال فيه بالنية، فإن نوى عند الانتهاء إليه امتثال الأمر الوارد، ثم أتى بالزيادة، فالأمر كما قال شيخنا لا محالة، وإن زاد بغير نية بأن يكون الثواب رتب على عشرة مثلًا فرتبه هو على
(1) فتح الباري (2/ 330).
مائة، فيتجه القول الماضي، وقد بالغ القرافي في القواعد، فقال: من البدع المكروهة الزيادة في المندوربات المحددة شرعًا؛ لأن شأن العظماء إذا حددا شيئًا أن يوقف عنده، ويعد الخارج عنه مسيئًا للأدب، وقد مثّله بعض العلماء بالدواء يكون فيه الشفاء مثلًا، أو فيه سكر فلو زيد فيه أوقية أخرى لتخلف الانتفاع به، فلو اقتصر على الأوقية في الدواء ثم استعمل من السكر بعد ذلك ما شاء لم يتخلف الانتفاع به. ا. هـ.
وقال ابن الملقن في شرح العمدة (1) معقبًا على قول القرافي ما نصه: قلت روى النسائي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا: «من سبح في دبر كل صلاة مكتوبة مائة، وكبر مائة، وهلل مائة، وحمد مائة يفر له ذنوبه وإن كانت أكثر من زبد البحر» فهذا زائد على ذلك المقدار فاتسع الباب.
قلت: هذا الخبر معلول فأخرجه النسائي في المجتبى (2) وفي الكبرى (3) من طريق أبي الزبير عن أبي علقمة عن أبي هريرة رضي الله عنه فذكره.
قال الدارقطني في العلل: (4) حدث به أبو الزبير، عن أبي علقمة، عن أبي هريرة. ورواه عطاء بن أبي رباح، واختلف عنه حدث به عنه ابنه يعقوب، فرواه مكي بن إبراهيم، عن يعقوب بن عطاء، عن أبيه، عن علقمة مولى عبد الله بن الحارث بن نوفل، عن أبي هريرة وهو الصحيح.
قلت: والطريق التي صححها الدارقطني وقعت للنسائي في
(1) شرح العمدة (4/ 53).
(2)
المجتبي (3/ 79).
(3)
السنن الكبرى (رقم: 9969).
(4)
العلل (11/ 219).
الكبرى (ط الرسالة) ووقع فيها تصحيف (عن عطاء بن أبي علقمة) وصوابه عن عطاء، عن أبي علقمة (1).
وقال النسائي عقبه: يعقوب بن عطاء بن أبي رباح ضعيف (2).
قلت: يعقوب ضعيف، وأبو علقمة إن كان محفوظًا فمن رجال مسلم، وإن كان المحفوظ عطاء بن أبي علقمة مجهول.
وممن ضعفه ابن رجب (3) في فتح الباري (4) بقوله: وخرجه النسائي في الكبرى بإسناد ضعيف، وروي مرفوعًا على أبي هريرة رضي الله عنه، وخرجه النسائي في السنن بإسناده، أخرجه أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا
…
فذكره ا. هـ.
وجاء بإسناد آخر من طريق إبراهيم بن طهمان، عن الحجاج بن
(1) هو الذي ذكره الدارقطني في علله، وقال المزي في تهذيب الكمال (20/ 99) في ترجمة عطاء بن أبي علقمة. قال مكي بن إبراهيم عن يعقوب بن عطاء عن عطاء بن أبي علقمة والصواب إن شاء الله: عن يعقوب بن عطاء عن أبي علقمة، وقال المزي في ترجمة يعقوب بن عطاء بن أبي رباح. وروي عن عطاء بن أبي علقمة إن كان محفوظًا.
قلت: والصواب يعقوب بن عطاء بن أبي رباح عن أبيه عن أبي علقمة، وهو الذي صححه الدارقطني في علله، ووقوع التصحيف في كلام الدارقطني فيه نظر، والصحيح أن بين يعقوب وأبي علقمة عطاء.
(2)
السنن الكبرى (رقم: 9969).
(3)
هو: عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي، أبو الفرج، زين الدين، وجمال الدين أيضا، ولد ببغداد، وتوفي بدمشق من علماء الحنابلة؛ كان محدثا حافظا فقيها أصوليا ومؤرخا. أتقن فن الحديث وصار أعرف أهل عصره بالعلل، وتتبع الطرق. تخرج به غالب أصحابه الحنابلة. من تصانيفه: تقرير القواعد وتحرير الفوائد المشهور بقواعد ابن رجب في الفقه، وجامع العلوم والحكم وهو شرح الأربعين النووية، وشرح سنن الترمذي ومعه شرح العلل، آخر أبوابه، وذيل طبقات الحنابلة. أنظر: الدرر الكامنة 2/ 221؛ وشذرات الذهب 3/ 339؛ ومعجم المؤلفين 5/ 118.
(4)
فتح الباري (5/ 246).
الحجاج، عن أبي الزبير، عن أبي علقمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه: وتقدم. وفي هذا الإسناد نظر، والأشبه أنه غير محفوظة، ويخشى أن أبا الزبير (1) تحمله عن ضعيف فدلسه.
وقال العيني (2): (3) الصواب الذي قاله الشيخ - أي في شرح
(1) هو: محمد بن مسلم بن تدرس القرشي الأسدي، أبو الزبير المكي، مولى حكيم بن حزام. رَوَى عَن: جابر بن عَبد الله، وذكوان أبي صالح السمان، وسَعيد بن جبير، وسفيان بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ الثقفي، وصالح أبي الخليل، وصفوان بن عَبد الله بْن صفوان وعَبد الله بن الزبير، وعطاء بْن أَبي رباح، وعكرمة مولى ابن عباس، وغيرهم. روَى عَنه: إِبْراهِيم بن إسْماعِيل بن مجمع الأنصاري، وإبراهيم بن طهمان، وإبراهيم بن ميمون الصائغ، وإبراهيم بن يزيد الخوزي، والأجلح بن عَبد اللهِ الكندي، وإسماعيل بن أمية القرشي، وغيرهم. مشهور بالتدليس قال سعيد بن أبي مريم حدثنا الليث بن سه قال جئت أبا الزبير فدفع لي كتابين فانقلبت بهما ثم قلت في نفس لو أني عاودته فسألته اسمع هذا كله من جابر قال فسألته فقال منه ما سمعته ومنه ما حدثت عنه فقلت له، اعلم لي ما سمعت منه فاعلم لي على هذا الذي عندي ولهذا توقف جماعة من الأئمة بما لم يروه الليث عن أبي الزبير عن جابر بلفظ عن وفي صحيح مسلم عدة أحاديث مما قال فيها أبو الزبير عن جابر وليست من طريق الليث وكأن مسلما رحمه الله اطلع على أنها مما رواه الليث عنه ولم يروها من طريقه، والله أعلم. أنظر: الجرح والتعديل: 8/ الترجمة 8/ 319، والمراسيل: 193، تهذيب الكمال في أسماء الرجال (26/ 402).
(2)
هو: محمود بن أحمد بن موسى، أبو الثناء وأبو محمد، قاضي القضاة بدر الدين العيني. أصله من حلب، ومولده في عينتاب (وإليها نسبته)، فقيه حنفي، ومؤرخ من كبار المحدثين. تفقه على والده. كان فصيحًا باللغتين العربية والتركية. برع في الفقه والتفسير والحديث واللغة والتاريخ وغيرها من العلوم. دخل القاهرة، وولي الحسبة مرارًا. ولي عدة تداريس ووظائف دينية، أفتى ودرّس وأكب على الاشتغال إلى أن ولي نظر السجون ثم قضاء قضاة الحنفية بالديار المصرية. من تصانيفه: عمدة القارئ في شرح البخاري؛ والبناية في شرح الهداية؛ ورمز الحقائق شرح الكنز. أنظر: الجواهر المضية 2/ 165، والفوائد البهية ص 207، وشذرات الذهب 7/ 286، والأعلام للزركلي 8/ 38.
(3)
عمدة القاري شرح صحيح البخاري (6/ 131).
الترمذي - أن هذا ليس من الحدود التي نهي عن اعتدائها ومجاوزة أعدادها، والدليل على ذلك ما رواه مسلم (1) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حين يصبح وحين يمسي سبحان الله وبحمده مائة مرة لم يأت أحد يوم القيامة بأفضل مما جاء به إلا أحد قال مثل ما قال أو زاد عليه» . ا. هـ.
وتعقبه في فتح الملهم (2) بقوله: قلت هذا ليس بصريح في الزيادة على عدد هذا الذكر المخصوص، بل اللفظ يشمل ما إذا زاد شيئًا من القول الطيب أو العمل الحسن.
فإن قلت: الشرط في هذا أن يقول الذكر المنصوص عليه بالعدد متتابعًا أم لا! والشرط أن يكون في مجلس واحد أم لا.!
قلت: كل منهما ليس بشرط، ولكن الأفضل أن يأتي به متتابعًا، وأن يراعي الوقت الذي عين فيه» كذا في العمدة ا. هـ.
والخلاصة: أن حصول العدد شرط للفضل الخاص، والزيادة ليست ملغية إن عُدَّ ممتثلًا وكيف يعد ممتثلًا: نقول بالفصل بالنية، والنية تتبع العلم، وعلى هذا إن علم الفضل ونواه بالعدد تمّ المراد.
(1) صحيح مسلم (رقم: 2692).
(2)
فتح الملهم (4/ 254).