الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحكم الواحد والأربعون
الاستهزاء بالأذكار الشرعية أو الاستخفاف بها كفر مخرج من الملة قال الله جل وعلا: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة: 65، 66]. الآية. وأي صورة لإهانة الذكر مكتوبًا أو غير مكتوب داخلة في هذه الآية، ومن ذلك حرق المصاحف وكتب الحديث والذكر للإهانة لا للصيانة هي كفر وزندقة.
وأما حرقها لأجل الصيانة عن الامتهان لتمزقها. فليس كذلك فقد حرق عثمان رضي الله عنه المصاحف في الأمصار درءا للاختلاف، وكذا حرم توسدها للإهانة، وأما توسدها خوفا من السرقة أو التنجيس أو من عدو يهينها فيتجه جوازه، وقد نص عليه جماعة، وأما كتابة القرءان أو أسماء الله أو الأذكار الشرعية بالنجاسات فكفر شنيع وردة إن فعله مسلم والعياذ بالله.
ومن صور الاستخفاف به الغناء به قال في كفاية الأخيار: (1) وأما الكفر بالفعل فكالسجود للصنم والشمس والقمر، وإلقاء المصحف في القاذورات، والسحر الذي فيه عبادة الشمس، وكذا الذبح للأصنام
(1) كفاية الأخيار 1/ 494.
والسخرياء باسم من أسماء الله تعالى أو بأمره أو وعيده أو قراءة القرآن على ضرب الدف، وكذا لو كان يتعاطى الخمر والزنا ويقدم اسم الله تعالى استخفافا به فإنه يكفر. ا. هـ.
وقال في مجمع الأنهر في ملتقى الأبحر: (1)«الثالث في القرآن والأذكار والصلاة ونحوها» . إذا أنكر آية من القرآن واستخف بالقرآن أو بالمسجد أو بنحوه مما يعظم في الشرع أو عاب شيئا من القرآن أو خطئ أو سخر بآية منه كفر إلا المعوذتين ففي إنكارهما اختلاف والصحيح كفره وقيل إن كان عاميا يكفر وإن كان عالما لا لكن ذهب بعض الفقهاء إلى عدم إيجاب الكفر ويكفر باعتقاد أن القرآن مخلوق حقيقة وكذا بخلق الإيمان ويجب أكفار الذين يقولون إن القرآن جسم إذا كتب وعرض إذا قرئ.
وفي فصول العمادية إذا قرأ القرآن على دقّ الدفّ والقصب يكفر. ا. هـ.
تنبيه: من صور الاستخفاف بالذكر أن يفتتح به الاجتماعات الباطلة، والمؤتمرات الآثمة، والمهرجانات والألعاب وغيرها مما يكون القرآن، والحمد والصلاة على نبيه مقدمة لها، ثم بعد ذلك لا تسأل عن الكفر بالقرآن ونبذه خلف الظهور وانعقاد الخناصر على تنحيته، فو الله لو كان افتتاحهم بآلات الطرب لكان أهون من اتخاذ آيات الله هزوا.
فائدة: فيما وقع لبعض المستهزئين، ذكر أبو العباس في مجموع فتاويه:(2) ذكره الطبراني في «كتاب السنة «عن زكريا بن يحي الساجي
(1) مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر 1/ 692.
(2)
مجموع الفتاوى 4/ 539.
قال: كنا نختلف إلى بعض الشيوخ لسماع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاسترعنا في المشي ومعنا شاب ماجن. فقال: ارفعوا أرجلكم عن أجنحة الملائكة. لا تكسروها. قال: فما زال حتى جفته رجلاه
…
وقال قبل ذلك: (1) ذكر: أبو سعيد بن السمعاني عن الشيخ العارف يوسف الهمداني عن الشيخ الفقيه أبي إسحاق الشيرازي عن القاضي أبي الطيب الطبري قال: كنا جلوسا بالجامع ببغداد فجاء خراساني سألنا عن المصراة. فأجبناه فيها واحتججنا بحديث أبي هريرة فطعن في أبي هريرة فوقعت حية من السقف وجاءت حتى دخلت الحلقة وذهبت إلى ذلك الأعجمي فضربته فقتلته. ا. هـ.
قال الذهبي في سيره (2) ما نصه: قال الحافظ أبو سعد السمعاني: سمعت أبا المعمر المبارك بن أحمد، سمعت أبا القاسم يوسف بن علي الزنجاني الفقيه، سمعت الفقيه أبا إسحاق الفيروزابادي، سمعت القاضي أبا الطيب يقول: كنا في مجلس النظر بجامع المنصور، فجاء شاب خراساني، فسأل عن مسألة المصراة، فطالب بالدليل، حتى استدل بحديث أبي هريرة الوارد فيها، فقال - وكان حنفيا -: أبو هريرة غير مقبول الحديث.
فما استتم كلامه حتى سقط عليه حية عظيمة من سقف الجامع، فوثب الناس من أجلها، وهرب الشاب منها وهي تتبعه.
فقيل له: تب تب. فقال: تبت. فغابت الحية، فلم ير لها أثر. إسنادها أئمة. ا. هـ وفي سياقها اختلاف، عمّا ذكر أبو العباس في فتاويه.
(1) مجموع الفتاوى 4/ 538.
(2)
سير أعلام النبلاء 2/ 618.
تنبيه: يكره كتابة ما فيه ذكر الله على العملات؛ لأن هذا سبب لامتهانها.
فائدة: سمعت شيخنا ابن عثيمين رحمه الله، يقول: قرأت زمن الطلب قصة امرأة لا تتكلم إلا بالقرآن خشية الزلل، وكل فعلها زلل، ثم علل ذلك بامتهان القرآن ووضعه في غير موضعه.
قلت: وهذا سياق القصة، قال: عبد الله بن المبارك،: خرجت حاجًا إلى بيت الله الحرام وزيارة قبر نبيه عليه الصلاة والسلام، فبينما أنا في بعض الطريق إذ أنا بسواد، فتميزت ذاك فإذا هي عجوز عليها درع من صوف وخمار من صوف، فقلت: السلام عليك ورحمة الله وبركاته، فقالت:{سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ} [يس: 58]. قال: فقلت لها: يرحمك الله ما تصنعين في هذا المكان، قالت:{وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} [الرعد: 33]. فعلمت أنها ضالة عن الطريق، فقلت لها: أين تريدين، قالت:{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} [الإسراء: 1]. فعلمت أنها قد قضت حجها، وهي تريد بيت المقدس، فقلت لها: أنت منذ كم في هذا الموضع قالت: {ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا} [مريم: 10]. فقلت: ما أرى معك طعامًا تأكلين، قال:{هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ} [الشعراء: 79]. فقلت: فبأي شيء تتوضئين، قالت:{فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43]. فقلت لها: أن معي طعامًا فهل لك في الأكل، قال: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى
اللَّيْلِ} [البقرة: 187]. فقلت: ليس هذا شهر رمضان، قالت:{وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 158]. فقلت: قد أبيح لنا الإفطار في السفر، قالت:{وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 184]. فقلت: لم لا تكلميني كما أكلمك، قالت:{مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18]. فقلت: فمن أي الناس أنت، قالت:{وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء: 36].
فقلت: قد أخطأت فاجعليني في حل، قالت:{قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ} [يوسف: 92]. فقلت: فهل لك أن أحملك على ناقتي هذه فتدركي القافلة، قالت:{وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ} [البقرة: 197]. قال: فأنخت ناقتي، قالت:{قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [البقرة: 197]. فغضضت بصري عنها، وقلت لها: اركبي، فلما أرادت أن تركب نفرت الناقة فمزقت ثيابها، فقالت:{وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} [الشورى: 30]. فقلت: لها أبصري حتى أعلقها، قالت:{فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ} [الأنبياء: 79]. فعلقت الناقة، وقلت لها: اركبي، فلما ركبت، قالت:{سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (13) وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ} [الزخرف: 13، 14]. قال:
فأخذت بزمام الناقة وجعلت أسرع وأصيح، فقالت:{وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ} [لقمان: 19]. فجعلت أمشي رويدًا رويدًا وأترنم بالشعر، فقالت:{فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20]. فقلت لها: لقد أوتيت خيرًا كثيرًا، قالت:{وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} [البقرة: 269]. فلما مشيت بها قليلًا، قلت: ألك زوج، قالت:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [المائدة: 101]. فسكت ولم أكملها حتى أدركت بها القافلة، فقلت لها: هذه القافلة فمن لك فيها، فقالت:{الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الكهف: 46]. فعلمت أن لها أولادًا، فقلت: وما شأنهم في الحج، قالت:{وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} [النحل: 16].
فعلمت أنهم أدلاء الركب فقصدت بها القباب والعمارات، فقلت: هذه القباب فمن لك فيها، قالت:{وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} [النساء: 125]. {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء: 164]. {يَايَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ} [مريم: 12]. فناديت يا إبراهيم يا موسى يا يحيى، فإذا أنا بشبان كأنهم الأقمار قد أقبلوا، فلما استقر بهم الجلوس، قالت:{فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ} [الكهف: 19]. فمضى أحدهم فاشترى طعامًا فقدموه بين يدي، وقالت: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ
الْخَالِيَةِ} [الحاقة: 24]. فقلت: الآن طعامكم علي حرام حتى تخبروني بأمرها، فقالوا: هذه أمّنا لها منذ أربعين سنة لم تتكلم إلا بالقرآن، مخافة أن تزل فيسخط عليها الرحمن، فسبحان القادر على ما يشاء، فقلت:{ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الحديد: 21] ا. هـ. (1)
ولا يشرع أيضا عند احترام كتب الذكر وأجله القرآن تقبيلها.
وأما ما أخرجه الدرامي في سننه: (2) أخبرنا سليمان بن حرب، حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن ابن أبي مليكة، أن عكرمة بن أبي جهل، كان يضع المصحف على وجهه ويقول:«كتاب ربي، كتاب ربي» .
فلا يثبت بل هو منقطع فابن أبي مليكة لم يدرك، عكرمة وهو موقوف أيضا على عكرمة.
وسئل ابن تيمية في الفتاوى: (3) عن القيام للمصحف وتقبيله؟ وهل يكره أيضا أن يفتح فيه الفأل؟.
فأجاب: الحمد لله، القيام للمصحف وتقبيله لا نعلم فيه شيئا مأثورا عن السلف، وقد سئل الإمام أحمد عن تقبيل المصحف. فقال: ما سمعت فيه شيئا. ولكن روي عن عكرمة بن أبي جهل: أنه كان يفتح المصحف ويضع وجهه عليه ويقول: «كلام ربي. كلام ربي» .
(1) انظر جواهر الأدب1/ 405.
(2)
الدرامي (رقم: 339).
(3)
مجموع الفتاوى 23/ 65.
ولكن السلف وإن لم يكن من عادتهم القيام له، فلم يكن من عادتهم قيام بعضهم لبعض اللهم إلا لمثل القادم من مغيبه ونحو ذلك. ولهذا قال أنس: لم يكن شخص أحب إليهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانوا إذا رأوه لم يقوموا لما يعلمون من كراهته لذلك. والأفضل للناس أن يتبعوا طريق السلف في كل شيء. ا. هـ.