المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الحكم الثاني لا بأس أن يقال الذكر الضعيف أو الموقوف على - نتاج الفكر في أحكام الذكر

[عبد الله بن مانع الروقي]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌الحكم الأول

- ‌الحكم الثاني

- ‌الحكم الثالث

- ‌الحكم الرابع

- ‌الحكم الخامس

- ‌الحكم السادس

- ‌الحكم السابع

- ‌الحكم الثامن

- ‌الحكم التاسع

- ‌الحكم العاشر

- ‌الحكم الحادي عشر

- ‌الحكم الثاني عشر

- ‌الحكم الثالث عشر

- ‌الحكم الرابع عشر

- ‌الحكم الخامس عشر

- ‌الحكم السادس عشر

- ‌الحكم السابع عشر

- ‌الحكم الثامن عشر

- ‌الحكم التاسع عشر

- ‌الحكم العشرون

- ‌الحكم الواحد والعشرون

- ‌الحكم الثاني والعشرون

- ‌الحكم الثالث والعشرون

- ‌الحكم الرابع والعشرون

- ‌الحكم الخامس والعشرون

- ‌الحكم السادس والعشرون

- ‌الحكم السابع والعشرون

- ‌الحكم الثامن والعشرون

- ‌الحكم التاسع والعشرون

- ‌الحكم الثلاثون

- ‌الحكم الواحد والثلاثون

- ‌الحكم الثاني والثلاثون

- ‌الحكم الثالث والثلاثون

- ‌الحكم الرابع والثلاثون

- ‌الحكم الخامس والثلاثون

- ‌الحكم السادس والثلاثون

- ‌الحكم السابع والثلاثون

- ‌الحكم الثامن والثلاثون

- ‌الحكم التاسع والثلاثون

- ‌الحكم الأربعون

- ‌الحكم الواحد والأربعون

- ‌الحكم الثاني والأربعون

- ‌الحكم الثالث والأربعون

- ‌الحكم الرابع والأربعون

- ‌الحكم الخامس والأربعون

- ‌الحكم السادس والأربعون

- ‌الحكم السابع والأربعون

- ‌الحكم الثامن والأربعون

- ‌الحكم التاسع والأربعون

- ‌الحكم الخمسون

الفصل: ‌ ‌الحكم الثاني لا بأس أن يقال الذكر الضعيف أو الموقوف على

‌الحكم الثاني

لا بأس أن يقال الذكر الضعيف أو الموقوف على الصحابة ومن بعدهم، أحيانًا ولكن بشروط:

1 -

ألا يكون في لفظه ما يمنعه الشارع ولا في معناه فسادًا أو موهمًا لفساد، ولذا لا نقبل ما رواه الطبراني في الأوسط (1) قال: حدثنا يعقوب بن إسحاق بن الزبير، ثنا عبد الله بن محمد أبو عبد الرحمن الأذرمي، نا هشيم، عن حميد، عن أنس (2) رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بأعرابي وهو يدعو في صلاته، وهو يقول: يا من لا تراه العيون، ولا تخالطه الظنون، ولا يصفه الواصفون. مع أن هشيما لم يصرح بالسماع.

وجه النكارة: لا تراه العيون فإنه يوهم عدم النظر إليه جل وعلا بإطلاق، ومن عقائد أهل السنة ثبوت رؤيته سبحانه في الآخرة لأهل

(1) الطبراني في الأوسط (رقم: 9448).

(2)

هو: أنس بن مالك بن النضر، النجاري الخزرجي الأنصاري، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه، خدمه إلى أن قبض. ثم رحل إلى دمشق، ومنها إلى البصرة، فمات بها آخر من مات بها من الصحابة. له في الصحيحين 2286 حديثًا. أنظر: الأعلام للزركلي؛ والإصابة؛ وطبقات ابن سعد؛ وتهذيب ابن عساكر 3/ 199؛ وصفة الصفوة 1/ 298.

ص: 32

الإيمان؛ كما ثبت في النصوص، وأجمع عليه أهل السنة، وكذا قوله لا يصفه الواصفون، فالله وصف نفسه بنعوت الكمال وكذا أنبياؤه والصالحون من بعدهم.

والقاعدة في الألفاظ الموهمة التي لها معنيان صحيح وفاسد، فإن ثبتت هذه الألفاظ كتابا أو سنة، فهي محمولة على المعاني الصحيحة، وإن لم تثبت فتطرح، وتمنع لأجل الإيهام، ولأجل سد الباب لحفظ الاعتقاد، وألفاظ الشرع الصحيحة هي أكمل الألفاظ وأحسنها ومعانيها أصح المعاني وأجزلها.

2 -

عدم المواظبة عليه؛ لأن المواظبة مشعرة باتخاذه دينًا يتعبد لله به، وهذا ممنوع، وأيضًا في ذلك مزاحمة لما رتبه الشارع من أذكار ودعوات صحيحة، وحث الناس على العمل بها وندب إليها، وهذا ممنوع فإن قيل لم لا يذكر مطلقًا، فالجواب لو قيل هذا لمنع كل دعاء غير وارد لم يلتزم به صاحبه أن يدعو به الإنسان مع الشروط المذكورة وهذا محال، فالسلف من الصحابة فمن بعدهم ما زالوا يأتون وأذكار مطلقة ليست واردة، لكن لم يتخذوها دينًا ويواظبوا عليها، هذا كله في الأدعية والأذكار المطلقة فحسب، أما الأذكار والدعوات المقيدة الواردة عن الصحابة فمن بعدهم، فهي محل بحث، والأصل المنع إلا بثبوت عن المصطفى عليه الصلاة والسلام فهي عبادة لا تتلقى إلا عنه والله المستعان ومن الشروط.

3 -

ألا يعتقد ثبوتها عن النبي عليه الصلاة والسلام وهذا القيد خاص بالمرفوع الضعيف؛ لأن ذلك افتراء على الشارع وكذب عليه، هذا إذا كانت الأخبار واهية، فتنشأ البدع، والضلالات؛ لأن الكذب على الله ورسوله من أعظم الذنوب؛ ولأن رواية الأحاديث

ص: 33

المكذوبة ونسبتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم سبب للضلال والانحراف عن الحق، فالكذب عليه ليس ككذب على أحد لا في الحال ولا في العقوبة روينا في صحيح البخاري (1) ومسلم (2) في مقدمة صحيحه:

من طريق سعيد بن عبيد، عن علي بن ربيعة، عن المغيرة (3) رضي الله عنه، قال:

سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إن كذبا علي ليس ككذب على أحد، من كذب علي متعمدا، فليتبوأ مقعده من النار» ، وأما إذا كانت الأخبار ضعيفة فأصل المفسدة موجود.

4 -

ألا يدعو إلى هذه الأذكار ويحث عليها، بل يستعملها الإنسان في خاصة نفسه.

فإن قيل وهل هنا، أعظم من إخراج أصحاب السنن والمسانيد والمعاجم وغيرهم كثيرًا من الأخبار في الأذكار وبيان فضلها وجزاءها إما في الدنيا أو في الآخرة مع ضعفها الظاهر في أسانيدها.؟!

والجواب من وجوه:

أولاً: أنهم قد نبهوا على ضعف كثير منها وعدم صحته فلم

(1) صحيح البخاري (رقم: 1291).

(2)

مسلم (رقم: 4).

(3)

هو: المغيرة بن شعبة بن أبي عامر بن مسعود الثقفي، أحد دهاة العرب وقادتهم وولاتهم. صحابي، يقال له «مغيرة الرأي» ، وفد إلى المقوقس في الجاهلية. تأخر إسلامه إلى السنة الخامسة للهجرة، وشهد الحديبية واليمامة وفتوح الشام، وذهبت عينه يوم اليرموك. وشهد القادسية ونهاوند وهمدان. ولاه عمر ثم عثمان. واعتزل الفتنة بين علي ومعاوية. ثم ولاه معاوية الكوفة. أنظر: الأعلام 8/ 406؛ والإصابة 3/ 452؛ وأسد الغابة 4/ 406.

ص: 34

يكن في هذا دعوة وحث عليها وترغيب فيها، بل كان في ذلك دعوة لتركها والترغيب عنها.

ثانيًا: ما قدر أنهم لم يتكلموا على أسانيدها وحالها من الضعف والوهن فقد أبانوا عن عورها بذكر أسانيدها وهذا مذهب جمهرة من الأئمة والمصنفين كانوا يرون أنهم إذا ذكروا الإسناد برئوا من العهدة لظهور العلة وبيان سبب الاطراح فإن قيل فلمَ يروونها أصلًا؟

فالجواب: هي وقعت لهم في الطلب والأخذ، وهذا من الذب عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وكانوا يرخصون في مثل هذا في باب الرواية لا في العمل؛ نعم كان الأولى البيان للضعيف، أو رواية الصحيح وما شابهه وتر، الضعيف.

وهذا ما فعله صاحبا الصحيح (البخاري ومسلم) رحمهما الله، فشكرت الأمة لهما هذا الصنيع، ومن لم يلتزم بهذا فله اجتهاده، وحاجة الفقيه للصحيح وما قاربه وما لم يشتد ضعفه معلومة، وهذا باب واسع ليس هذا محل بسطه والله المستعان.

بعد هذا كله هنا، فائدة مهمة بعد هذا التقرير، وهي أن في قول الذكر الضعيف بالشروط المتقدمة فائدة مهمة لطلبة العلم وحملته، وهي أن في هذا نوعًا من حفظ العلم، ولهذا من لا يذكر إلا الصحيح ويترك الضعيف مع طول الأمد ينسى الضعيف وسبب ضعفه، وهذا وإن كان لا يضره إلا أن من يعلم الصحيح ويعلم الضعيف، وسبب ضعفه أكمل علمًا وأقوى حجة وحفظًا، فكان فيما ذكرنا نوعًا من الإعانة على الحفظ والتذكر، والله الموفق.

أمثلة عليه: لم يثبت عند دخول المنزل من الأذكار سوى بسم الله، كما في حديث جابر الذي أخرجه مسلم وغيره من طريق ابن جري، قال أخبرني أبو الزبير، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول:

«إذا دخل الرجل بيته، فذكر الله عند دخوله وعند

ص: 35

طعامه، قال الشيطان: لا مبيت لكم، ولا عشاء، وإذا دخل، فلم يذكر الله عند دخوله، قال الشيطان: أدركتم المبيت، وإذا لم يذكر الله عند طعامه، قال: أدركتم المبيت والعشاء» وفي بعض ألفاظه الصحيحة عند غير مسلم «فذكر اسم الله» (1).

ولو قال أحيانًا قليلة «بسم الله اللهم إني أسألك خير المولج وخير المخرج، بسم الله ولجنا وبسم الله خرجنا، وعلى ربنا توكلنا» أخرجه أبو داود (2) من طريق شريح بن عبيد، عن أبي مالك الأشعري (3) رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا ولج الرجل بيته، فليقل: اللهم إني أسألك خير المولج، وخير المخرج، بسم الله ولجنا، وبسم الله خرجنا، وعلى الله ربنا توكلنا، ثم ليسلم على أهله» (4) وهو

(1) أخرجه مسلم (رقم: 2018) وأحمد (رقم: 14729) وأبو داود (رقم: 3765) والنسائي (رقم: 9935) وابن ماجه (رقم: 3887).

(2)

هو سليمان بن الأشعث بن بشير أزدي من سجستان. كان من أئمة الحديث. رحل في طلبه. واختار في كتابه (4800) حديث من نصف مليون حديث يرويها. معدود من كبار أصحاب الإمام أحمد. وروى عنه المسائل. انتقل إلى البصرة بعد تخريب الزنج لها، لكي ينشر بها الحديث، وبها توفي. من مصنفاته أيضا: المراسيل؛ والبعث. أنظر: طبقات الحنابلة لأبي يعلى ص 118؛ وطبقات ابن أبي يعلى 1/ 162؛ والأعلام للزركلي 3/ 182.

(3)

اختلف في اسمه، قيل: الحارث بن الحارث، وقيل: عبيد، وقيل: كعب بن عاصم وقيل غير ذلك. صحابي، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعنه عبد الرحمن بن ينم الأشعري وأبو صالح الأشعري وشهر بن حوشب وأبو سلام الأسود وغيرهم. قال ابن حار: أبو مالك الأشعري الذي روى عنه أبو إسلام وشهر بن حوشب هو الحارث بن الحارث الأشعري، وأما أبو مالك الأشعري هذا فهو آخر قديم مات في خلافة عمر رضي الله عنه. ثم قال: الفصل بينهما في غاية الإشكال، حتى قال أبو أحمد الحاكم في ترجمته أبو مالك الأشعري: أمره مشتبه جدًا. أنظر: الإصابة 4/ 171، والاستيعاب 4/ 1745، وأسد الغابة 5/ 272، وتهذيب التهذيب 2/ 137، 12/ 218.

(4)

أخرجه أبو داود (رقم: 5096) والمعجم الكبير للطبراني (رقم: 3452).

ص: 36

حديث ضعيف لانقطاعه بين شريح وأبي مالك لم يضره، وكان معينًا له على حفظه وحفظ علته، والشروط المتقدمة منطبقة:

أولاً: ليس في لفظ هذا الخبر ولا في معناه فساد ولا إيهام.

ثانيًا: ولم يواظب عليه كما ذكرنا.

ثالثا: ولم يعتقد ثبوته، بل اعتقد ضعفه.

رابعًا: لم يدع إليه، ولم يحث على استعماله. وهنا أنقل كلاما لشيخنا ابن عثيمين من كتاب لقاءات الباب المفتوح السؤال (رقم: 1021).

فضيلة الشيخ: بالنسبة للحديث الذي رواه الترمذي والحاكم (1) أن رجلًا عطس ثم قال: الحمد لله والسلام على رسول الله، فقال له ابن عمر (2): وأنا معك، الحمد لله والصلاة على رسول الله، ولكن ما

(1) الحاكم: هو محمد بن عبد الله بن حمدويه، الشهير بالحاكم، يعرف بابن البيع. من حفاظ الحديث والمصنفين فيه. من أهل نيسابور. سمع بنيسابور وحدها من نحو ألف شي، وبغيرها من نحو ألف. وتفقه بأبي علي بن أبي هريرة وأبي سهل الصعلوكي. كان يرجع إليه في علل الحديث وصحيحه وسقيمه. وحفظ نحو 300 ألف حديث. اتهم بالتشيع، ودافع عنه السبكي. من تصانيفه:«المستدرك على الصحيحين» ؛ و «تاريخ نيسابور» ؛ و «معرفة علوم الحديث» .

أنظر: طبقات الشافعية للسبكي 3/ 64؛ وميزان الاعتدال 3/ 85؛ وتاريخ بغداد 5/ 473.

(2)

هو: عبد الله بن عمر بن الخطاب، أبو عبد الرحمن. قرشي عدوي. صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم. نشأ في الإسلام، وهاجر مع أبيه إلى الله ورسوله. شهد الخندق وما بعدها، ولم يشهد بدرا ولا أحدًا لصغره. أفتى الناس ستين سنة. ولما قتل عثمان عرض عليه ناس أن يبايعوه بالخلافة فأبى. شهد فتح إفريقية. كف بصره في آخر حياته. كان آخر من توفي بمكة من الصحابة. هو أحد المكثرين من الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم. انظر: الأعلام للزركلي 4/ 246؛ والإصابة؛ وطبقات ابن سعد؛ وسير النبلاء للذهبي.

ص: 37

هكذا علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهل هذا القول بدعة؟

الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الأذكار الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم كاملة من كل وجه، فإذا كان المشروع للعاطس أن يقول: الحمد لله فقط فليقتصر الإنسان عليها، فإذا زاد عليها نظرنا إن كان يرى أن الزيادة عليها أفضل فهذا مبتدع، وإن كان يرى أن هذه الزيادة من باب الجائز ويفعلها أحيانًا فهذه ليست ببدعة، لكن الأولى المحافظة على ما جاءت به الشريعة من الأذكار سواء في أذكار السلام أو العطاس أو غير ذلك، فإنه أفضل وأولى وأكمل. ا. هـ.

ص: 38