الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحكم الواحد والعشرون
الذكر الجماعي وصورته ما ذكره العلماء ومنهم شيخنا ابن باز بقوله:
أما التكبير الجماعي المبتدع، فهو أن يرفع جماعة - اثنان فأكثر- الصوت بالتكبير جميعا يبدأونه جميعا، وينهونه جميعا بصوت واحد وبصفة خاصة.
وهذا العمل لا أصل له ولا دليل عليه، فهو بدعة في صفة التكبير ما أنزل الله بها من سلطان، فمن أنكر التكبير بهذه الصفة فهو محق؛ وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم:«من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد» (1) أي مردود غير مشروع. ا. هـ.
قلت: كتب عامل لعمر رضي الله عنه: إن ها هنا قومًا يجتمعون، فيدعون للمسلمين وللأمير.
فكتب إليه عمر رضي الله عنه: أقبل بهم معك، فأقبل، وقال عمر رضي الله عنه للبواب:
أعد سوطًا، فلما دخلوا على عمر رضي الله عنه، علا أميرهم ضربًا بالسوط. (2)
(1) مسلم (رقم: 1718).
(2)
أخرجه ابن وضاح في البدع ص 18 بسند قوي.
وقال شيخ الإسلام في الفتاوى الكبرى: (1) وأما دعاء الإمام والمأمومين جميعا عقيب الصلاة فلم ينقل هذا أحد عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن نقل عنه: أنه أمر معاذا أن يقول دبر كل صلاة: «اللهم أعني على ذكرك، وشكرك، وحسن عبادتك» (2) ونحو ذلك. ولفظ دبر الصلاة قد يراد به آخر جزء من الصلاة. كما يراد بدبر الشيء مؤخره، وقد يراد به ما بعد انقضائها، كما في قوله تعالى:{وَأَدْبَارَ السُّجُودِ} [ق: 40]. وقد يراد به مجموع الأمرين، وبعض الأحاديث يفسر بعضًا لمن تتبع ذلك وتدبره. وبالجملة فهنا شيئان:
أحدهما: دعاء المصلي المنفرد، كدعاء المصلي صلاة الاستخارة، وغيرها من الصلوات، ودعاء المصلي وحده، إماما كان أو مأموما.
والثاني: دعاء الإمام والمأمومين جميعا، فهذا الثاني لا ريب أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله في أعقاب المكتوبات، كما كان يفعل الأذكار المأثورة عنه، إذ لو فعل ذلك لنقله عنه أصحابه، ثم التابعون، ثم العلماء، كما نقلوا ما هو دون ذلك. ا. هـ.
وقال أيضا في المسائل والأجوبة: (3) وأما دعاء الإمام والمأمومين بعد الصلاة - رافعي أصواتهم وغير رافعيها - فهذا ليس في سنة الصلاة الراتبة، لم يكن يفعله النبي صلى الله عليه وسلم، وقد استحبت طائفة من العلماء من أصحاب الشافعي وأحمد في وقت الصلاة صلاة الفجر وصلاة العصر؛
(1) الفتاوى الكبرى 2/ 216.
(2)
أخرجه أحمد (رقم: 22172) وأبو داود (رقم: 1522) والنسائي (رقم: 9937) والحاكم (رقم: 1010) وقال: صحيح الإسناد على شرط الشيخين.
(3)
المسائل والأجوبة 1/ 233.
لأنه لا صلاة بعدها، وبعض الناس يستحبه في أدبار الخمس.
والذي عليه الأئمة الكبار أن ذلك ليس من سنة الصلاة، ولا يستحب الدوام عليه؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يفعله هو ولا خلفاؤه الراشدون، ولكن كان يذكر الله عقب كل صلاة، ويرغب في ذلك، ويجهر بالذكر عقيب الصلاة، كما ثبت في الأحاديث الصحيحة - حديث المغيرة بن شعبة وعبد الله بن الزبير. ا. هـ.
وقال في الفتاوى الكبرى: (1) ما لم يُسن له الاجتماع المعتاد الدائم:
كالتعريف في الأمصار، والدعاء المجتمع عليه عقب الفجر، والعصر، والصلاة، والتطوع المطلق في جماعة، والاجتماع لسماع القرآن وتلاوته، أو سماع العلم، والحديث، ونحو ذلك، فهذه الأمور لا يكره الاجتماع لها مطلقا، ولم يسن مطلقا، بل المداومة عليها بدعة فيستحب أحيانا، ويباح أحيانا وتكره المداومة عليها، وهذا هو الذي نص عليه أحمد في الاجتماع على الدعاء، والقراءة، والذكر، ونحو ذلك، والتفريق بين السنة والبدعة في المداومة أمر عظيم ينبغي التفطن له. ا. هـ.
وفي المجموع: (2) وسئل رحمه الله: عن عوام فقراء يجتمعون في مسجد يذكرون ويقرءون شيئًا من القرآن ثم يدعون ويكشفون رءوسهم ويبكون ويتضرعون وليس قصدهم من ذلك رياء ولا سمعة بل يفعلونه على وجه التقرب إلى الله تعالى فهل يجوز ذلك أم لا؟
فأجاب: الحمد لله، الاجتماع على القراءة والذكر والدعاء حسن مستحب إذا لم يتخذ ذلك عادة راتبة - كالاجتماعات المشروعة - ولا
(1) الفتاوى الكبرى 5/ 357.
(2)
المجموع (22/ 522).
اقترن به بدعة منكرة وأما كشف الرأس مع ذلك فمكروه لا سيما إذا اتخذ على أنه عبادة فإنه حينئذ يكون منكرا ولا يجوز التعبد بذلك والله أعلم. ا. هـ.
وقال الشاطبي في الاعتصام ما نصه: (1) وإلا فأين في الكتاب أو في السنة الاجتماع للذكر على صوت واحد جهرًا عاليًا؟ وقد قال تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [الأعراف: 55]. والمعتدون في التفسير: هم الرافعون أصواتهم بالدعاء.
وعن أبي موسى قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فجعل الناس يجهرون بالتكبير، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«أيها الناس أربعوا على أنفسكم، إنكم ليس تدعون أصم ولا غائبًا، إنكم تدعون سميعًا قريبًا، وهو معكم» . (2) وهذا الحديث من تمام تفسير الآية. ولم يكونوا يكبرون على صوت واحد، ولكنه نهاهم عن رفع الصوت ليكونوا ممتثلين للآية. وقد جاء عن السلف أيضا النهي عن الاجتماع على الذكر والدعاء بالهيئة التي يجتمع عليها هؤلاء المبتدعون، وجاء عنهم النهي عن المساجد المتخذة لذلك، وهي الربط التي يشبهونها بالصُفة. ذكر من ذلك ابن وهب وابن وضاح (3) وغيرهما ما فيه كفاية لمن وفقه الله. ا. هـ.
وقال سماحة الشيخ ابن باز في فتاويه: (4) والسنة للإمام والمنفرد والمأموم الجهر بهذه الأذكار بعد كل صلاة فريضة، جهرًا متوسطًا ليس
(1) الاعتصام للشاطبي 2/ 108.
(2)
أخرجه البخاري (رقم: 2992) ومسلم (رقم: 2704).
(3)
البدع والنهي عنها ص 34.
(4)
مجموع فتاوى ابن باز 11/ 189.
فيه تكلف، وقد ثبت في الصحيحين (1) عن ابن عباس رضي الله عنه: أن رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم قال ابن عباس رضي الله عنه: كنت أعلم إذا انصرفوا بذلك إذا سمعته.
ولا يجوز أن يجهروا بصوت جماعي بل كل واحد يذكر بنفسه من دون مراعاة لصوت غيره؛ لأن الذكر الجماعي بدعة لا أصل لها في الشرع المطهر. ا. هـ.
وقال شيخنا أيضًا في فتاويه ما نصه: (2) والتكبير الجماعي محدث فهو بدعة، وعمل الناس إذا خالف الشرع المطهر وجب منعه وإنكاره؛ لأن العبادات توقيفية لا يشرع فيها إلا ما دل عليه الكتاب والسنة، أما أقوال الناس وآراؤهم فلا حجة فيها إذا خالفت الأدلة الشرعية، وهكذا المصالح المرسلة لا تثبت بها العبادات، وإنما تثبت العبادة بنص من الكتاب أو السنة أو إجماع قطعي.
والمشروع أن يكبر المسلم على الصفة المشروعة الثابتة بالأدلة الشرعية وهي التكبير فرادى.
وقد أنكر التكبير الجماعي ومنع منه سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم مفتي الديار السعودية رحمه الله وأصدر في ذلك فتوى، وصدر مني في منعه أكثر من فتوى، وصدر في منعه أيضا فتوى من اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
وألف فضيلة الشيخ حمود بن عبد الله التويجري رحمه الله رسالة قيمة
(1) البخاري (رقم: 805) ومسلم (رقم: 583).
(2)
مجموع فتاوى ابن باز 13/ 22.
في إنكاره والمنع منه، وهي مطبوعة ومتداولة ا. هـ. وفتاوي شيخنا ابن باز رحمه الله في هذا البحث كثيرة .... وسئل ابن عثيمين رحمه الله في الباب المفتوح:
فضيلةَ الشيخ: توجد ظاهرة، وهي: أن التكبير يوم العيد قبل الصلاة يكون جماعيًا، ويكون في ميكرفون، وكذلك في أيام التشريق يكون جماعيًا في أدبار الصلوات، ويقولون: هذا قياسًا على الأذان، فما حكم هذا؟
الجواب: التكبير في عشر ذي الحجة ليس مقيدًا بأدبار الصلوات، وكذلك في ليلة العيد -عيد الفطر- ليس مقيدًا بأدبار الصلوات، فكونهم يقيدونه بأدبار الصلوات فيه نظر، ثم كونهم يجعلونه جماعيًا فيه نظر أيضًا؛ لأنه خلاف عادة السلف، وكونهم يذكرونه على المآذن فيه نظر، فهذه ثلاثة أمور كلها فيها نظر.
والمشروع في أدبار الصلوات أن تأتي بالأذكار المعروفة المعهودة، ثم إذا فرغت كَبِّر، وكذلك المشروع ألا يُكَبِّر الناس جميعًا، بل كلٌّ يكبر وحده، هذا هو المشروع كما في حديث أنس رضي الله عنه: كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم فمنهم المهلل ومنهم المكبر. (1) ولم يكونوا على حال واحد. ا. هـ.
وسئل أيضًا: فضيلةَ الشيخ! قلتم: إنه يجوز أن يرفع الصوت بالذكر بعد الصلاة، ولكن إن أدى هذا إلى أن يكون الذكر جماعيًا بين المصلين فهل يجوز؟
الجواب: أنا في الواقع لم أقل: يجوز! بل قلت: إنه من السنة، يعني: الأفضل، فإنه من السنة ولا شك.
وأما أداء هذا الذكر جماعة فهذا بدعة؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام وأصحابه لم يكونوا يفعلون ذلك، كلُّ يذكر على نفسه لكنهم يجهرون. ا. هـ.
(1) مسلم (رقم: 1285).
وسئل أيضا: بعض الناس يجتمعون على حديث ذكر، وفي النهاية يقومون بدعاء جماعي واحد يدعو والبقية يقولون: آمين، هل هذا صحيح؟
الجواب: هذا صحيح إذا لم يتخذ عادة، فإن اتخذ عادة صار سنة، وهو ليس بسنة، فإذا كان هذا عادة كلما جلسوا ختموا بالدعاء، فهذا بدعة لا نعلمها عن النبي عليه الصلاة والسلام، وأما إذا كان أحيانًا كأن يمر بهم وعيد أو ترغيب ثم يدعون الله عز وجل فلا بأس، لأنه فرق بين الشيء الراتب والعارض، العارض قد يفعله الإنسان أحيانًا ولا يداوم عليه، كما كان الرسول عليه الصلاة والسلام أحيانًا يصلي معه بعض الصحابة في صلاة الليل جماعة، ومع ذلك ليس بسنة أن يصلي الإنسان جماعة في صلاة الليل إلا أحيانًا. ا. هـ.
وفتاوي الشيخ في هذا الموضوع كثيرة، وقال رحمه الله في لقاءات الباب المفتوح:(1) أما قراءة القرءان بصوت واحد من أجل التحفظ أو التعلم فلا بأس بها، وأما إذا كانت من أجل التعبد فلا
…
الخ كلامه.
فائدة قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوي: (2) في جواب لسؤال ما نصه: الحمد لله رب العالمين، صلاة التطوع في جماعة نوعان: أحدهما: ما تسن له الجماعة الراتبة كالكسوف والاستسقاء وقيام رمضان فهذا يفعل في الجماعة دائما كما مضت به السنة. الثاني: ما لا تسن له الجماعة الراتبة: كقيام الليل والسنن الرواتب وصلاة الضحى وتحية المسجد ونحو ذلك، فهذا إذا فعل جماعة أحيانًا جاز. وأما الجماعة الراتبة في ذلك فغير مشروعة بل بدعة مكروهة. الخ كلامه رحمه الله.
قلت: صلاة الضحى جماعة كما في حديث عتبان متفق عليه، وصلاة تحية المسجد جماعة كما في حديث سعد عند مسلم (2890)
(1) السؤال (رقم: 1422).
(2)
مجموع الفتاوى (23/ 413).