المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الحكم الثالث الذكر المقيد بحال أو زمان أو مكان يفوت بفوات - نتاج الفكر في أحكام الذكر

[عبد الله بن مانع الروقي]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌الحكم الأول

- ‌الحكم الثاني

- ‌الحكم الثالث

- ‌الحكم الرابع

- ‌الحكم الخامس

- ‌الحكم السادس

- ‌الحكم السابع

- ‌الحكم الثامن

- ‌الحكم التاسع

- ‌الحكم العاشر

- ‌الحكم الحادي عشر

- ‌الحكم الثاني عشر

- ‌الحكم الثالث عشر

- ‌الحكم الرابع عشر

- ‌الحكم الخامس عشر

- ‌الحكم السادس عشر

- ‌الحكم السابع عشر

- ‌الحكم الثامن عشر

- ‌الحكم التاسع عشر

- ‌الحكم العشرون

- ‌الحكم الواحد والعشرون

- ‌الحكم الثاني والعشرون

- ‌الحكم الثالث والعشرون

- ‌الحكم الرابع والعشرون

- ‌الحكم الخامس والعشرون

- ‌الحكم السادس والعشرون

- ‌الحكم السابع والعشرون

- ‌الحكم الثامن والعشرون

- ‌الحكم التاسع والعشرون

- ‌الحكم الثلاثون

- ‌الحكم الواحد والثلاثون

- ‌الحكم الثاني والثلاثون

- ‌الحكم الثالث والثلاثون

- ‌الحكم الرابع والثلاثون

- ‌الحكم الخامس والثلاثون

- ‌الحكم السادس والثلاثون

- ‌الحكم السابع والثلاثون

- ‌الحكم الثامن والثلاثون

- ‌الحكم التاسع والثلاثون

- ‌الحكم الأربعون

- ‌الحكم الواحد والأربعون

- ‌الحكم الثاني والأربعون

- ‌الحكم الثالث والأربعون

- ‌الحكم الرابع والأربعون

- ‌الحكم الخامس والأربعون

- ‌الحكم السادس والأربعون

- ‌الحكم السابع والأربعون

- ‌الحكم الثامن والأربعون

- ‌الحكم التاسع والأربعون

- ‌الحكم الخمسون

الفصل: ‌ ‌الحكم الثالث الذكر المقيد بحال أو زمان أو مكان يفوت بفوات

‌الحكم الثالث

الذكر المقيد بحال أو زمان أو مكان يفوت بفوات محله أو زمانه أو مكانه، ولا سبيل إلا قضائه، هذا هو الأصل، فأما فوات المكان والزمان فظاهر يمكن ضبطه، وأما فوات المحل فينظر، فإن ذكره عقيب محله على وجه لا يخرجه عن محله؛ كأن يكون ذكره ولم يكن ثَم فصل يقطع الموالاة فلم يفت، وإن ذكره بعد محله على وجه يقطع الموالاة ويحصل فصل طويل فقد فات.

مثاله: إذا جاء الذكر مقيدًا بالليل، والليل من يروب الشمس إلى طلوع الفجر، فمن ذكره في الليل فقد أتى به على وجهه، ومن ذكره بعد طلوع الفجر أو قبل غروب الشمس فلم يأت به.

مثال آخر: كفارة المجلس إذا قالها المرء قبل أن يقوم من مجلسه فقد أتى بها، وإن فارق المجلس وانفصل عنه فقالها فلم يأت بها.

مثال آخر: إذا أتى العبد بالأذكار عقيب صلاة الفريضة مباشرة، من تسبيح وتحميد وتكبير وقراءة لآية الكرسي والمعوذات، فقد أتى بها على وجهها المشروع، فإن طال الفصل عرفًا فقد فاتت، وهذا مقام يحتاج إلى بسط فنقول: أخرج البخاري (1) تحت باب تفكر الرجل

(1) البخاري (رقم: 1221).

ص: 39

الشيء في الصلاة، ثم روى من طريق عمر بن سعيد عن ابن أبي مليكة عن عقبة بن الحارث رضي الله عنه قال: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم فلما سلم قام سريعًا فدخل على بعض نسائه، ثم خرج ورأى ما في وجوه القوم من تعجبهم لسرعته، فقال:«ذكرت وأنا في الصلاة تبرًا عندنا فكرهت أن يُمسي أو يبيت عندنا فأمرت بقسمته» .

وأخرج البخاري: (1) من طريق الزهري عن عروة عن عائشة (2) رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم في خميصة لها أعلام فنظر إلى أعلامها نظرة فلما انصرف قال: «اذهبوا بخميصتي هذه إلى أبي جهم وأتوني بأنبجانية أبي جهم، فإنِا ألهتني آنفا عن صلاتي» .

وفي لفظ لمسلم: (3) «فلما قضى صلاته قال: اذهبوا بهذه الخميصة

» الحديث.

ففي الحديث الأول فصل بالانتقال، والظاهر أنه لم يقل الأذكار فورًا عليه الصلاة والسلام، بل اشتغل بإخراج ذلك التبر وسأل عنه. وكل ذلك قبل الذكر والدعاء، وفي الحديث الثاني: تكلم بعد الصلاة مباشرة قبل الذكر، فهذان الفاصلان لا يمنعان الذكر بعد ذلك؛ لأن هذا فاصل يسير لا

(1) البخاري (رقم: 373).

(2)

هي: عائشة الصديقة بنت أبي بكر الصديق عبد الله بن عثمان. أم المؤمنين، وأفقه نساء المسلمين. كانت أديبة عالمة. كنيت بأم عبد الله. لها خطب ومواقف. وكان أكابر الصحابة يراجعونِا في أمور الدين. وكان مسروق إذا روى عنها يقول: حدثتني الصديقة بنت الصديق. نقمت على عثمان رضي الله عنه في خلافته أشياء، ثم لما قتل غضبت لمقتله. وخرجت على علي رضي الله عنه، وكان موقفها المعروف يوم الجمل ثم رجعت عن ذلك، وردها علي إلى بيتها معززة مكرمة. للزركشي كتاب (الإجابة لما استدركته عائشة على الصحابة). أنظر: الإصابة 4/ 359؛ وأعلام النساء 2/ 760؛ ومنهاج السنة 2/ 182. 198.

(3)

مسلم (رقم: 556).

ص: 40

يمنع حصول الذكر في محله، وهل مثل هذا ما يكون من سكوت بعد الفريضة لسماع موعظة؟

فالجواب: محل احتمال قد يقال أن الإتيان بالأذكار دبر الصلاة أولى، وقد يقال بل سماع الموعظة مأمور به شرعًا إما وجوبًا أو استحبابًا، فيكون سكوته هنا سكوتًا يعذر فيه من قبل الشارع، لا يمنع إتيانه بالأذكار بعد ذلك

واختار هذا شيخنا ابن عثيمين رحمه الله ومثل هذا ما في الصحيح من حديث شعبة عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس رضي الله عنه قال: أقيمت الصلاة والنبي صلى الله عليه وسلم يناجي رجلًا فلم يزل يناجيه حتى نام أصحابه ثم جاء فصلى بهم (1) .. وفي لفظ لمسلم (2): من طريق حماد عن ثابت عن أنس رضي الله عنه قال: أقيمت صلاة العشاء فقال رجل: لي حاجة فقام النبي صلى الله عليه وسلم يناجيه حتى نام القوم - أو بعض القوم - ثم صلوا.

وبوّب البخاري عليه: باب الإمام تعرض له الحاجة بعد الإقامة (3)، وقال الحافظ:(4) في الحديث جواز الفصل بين الإقامة والإحرام إذا كان لحاجة، أما إذا كان لغير حاجة فهو مكروه، وأعاده في باب الكلام إذا أقيمت الصلاة، وعلق شيخنا ابن باز رحمه الله بقوله لا حرج في ذلك إذا كان الأمر مهمًا. ا. هـ.

وهنا أنقل كلامًا لشيخ الإسلام في الموالاة لا يخلو من فوائد:

(1) أخرجه البخاري (رقم: 6292 و 5934) ومسلم (رقم 124) وأحمد (رقم: 12336).

(2)

صحيح مسلم (رقم: 376).

(3)

صحيح البخاري (1/ 130).

(4)

فتح الباري (2/ 124).

ص: 41

قال رحمه الله: (1) ومذهب أحمد (2) في هذا أوسع من مذهب غيره: فعنده إذا قطع التتابع لعذر شرعي لا يمكن مع إمكان الاحتراز منه - مثل أن يتخلل الشهرين صوم شهر رمضان أو يوم الفطر أو يوم النحر أو أيام منى أو مرض أو نفاس ونحو ذلك - فإنه لا يمنع التتابع الواجب ولو أفطر لعذر مبيح؛ كالسفر فعلى وجهين. فالوضوء أولى إذا ترك التتابع فيه لعذر شرعي وإن أمكن الاحتراز منه. وأيضا فالموالاة واجبة في قراءة الفاتحة قالوا: إنه لو قرأ بعضها وسكت سكوتًا طويلًا لغير عذر: كان عليه إعادة قراءتها. ولو كان السكوت لأجل استماع قراءة الإمام أو لو فصل بذكر مشروع - كالتأمين ونحوه - لم تبطل الموالاة بل يتم قراءتها ولا يبتدئها ومسألة الوضوء كذلك سواء فإنه فرق الوضوء لعذر شرعي. ومعلوم أن الموالاة في الكلام أوكد من الموالاة في الأفعال. الخ. كلامه رحمه الله.

وهنا نذكر حديثًا مهمًا متفرعا على ما تقدم للفائدة، وهو حديث أنس رضي الله عنه:«من صلى لله أربعين يومًا يدر، التكبيرة الأولى كتب له برائتان» (3) قال الترمذي: حدثنا عقبة بن مكرم، ونصر بن علي، قالا:

(1) مجموع الفتاوى (21/ 139).

(2)

هو: أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني، أبو عبد الله. من بني ذهل بن شيبان الذين ينتمون إلى قبيلة بكر بن وائل. إمام المذهب الحنبلي، وأحد أئمة الفقه الأربعة. أصله من مرو، وولد ببغداد. امتحن في أيام المأمون والمعتصم ليقول بخلق القرآن فأبى وأظهر الله على يديه مذهب أهل السنة. ولما توفي الواثق وولي المتوكل أكرم أحمد، ومكث مدة لا يولي أحدًا إلا بمشورته. له المسند، وفيه ثلاثون ألف حديث؛ والمسائل؛ والأشربة؛ وفضائل الصحابة، وغيرها. أنظر: الأعلام للزركلي 1/ 192؛ وطبقات الحنابلة لأبي يعلى ص 3 - 11؛ وطبقات الحنابلة لابن أبي يعلى ص 1/ 4 - 20؛ والبداية والنهاية 10/ 325 - 343.

(3)

الترمذي (رقم: 241).

ص: 42

حدثنا سلم بن قتيبة، عن طعمة بن عمرو، عن حبيب بن أبي ثابت، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صلى لله أربعين يومًا في جماعة يدر، التكبيرة الأولى كتب له براءتان: براءة من النار، وبراءة من النفاق» وقد روي هذا الحديث عن أنس رضي الله عنه موقوفًا، ولا أعلم أحدًا رفعه إلا ما روى سلم بن قتيبة، عن طعمة بن عمرو، وإنما يروى هذا عن حبيب بن أبي حبيب البالي، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قوله. حدثنا بذلك هناد قال: حدثنا وكيع، عن خالد بن طهمان، عن حبيب بن أبي حبيب البجلي، عن أنس رضي الله عنه قوله ولم يرفعه. وروى إسماعيل بن عياش هذا الحديث، عن عمارة بن غزية، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو هذا.

وهذا حديث غير محفوظ، وهو حديث مرسل. عمارة بن غزية لم يدرك أنس بن مالك رضي الله عنه، قال محمد بن إسماعيل: حبيب بن أبي حبيب يكنى أبا الكشوثا، ويقال أبو عميرة ا. هـ.

وقال عبد الرزاق: حدثنا الثوري، عن عاصم الأحول، عن عاصم، عن أنس قال:«من لم تفته الركعة الأولى من الصلاة أربعين يوما، كتبت له براءتان، براءة من النار، وبراءة من النفاق» (1) وهذا إسناد صحيح، ومثله لا يقال بالرأي، فله حكم الرفع، وأما المرفوع فلا يثبت؛ كما قال الترمذي والدارقطني .. وسبب إيرادنا لهذا الخبر هنا لفائدة، وهي متى تكون مدركا للتكبيرة حتى تحوز الفضل.

قال علي قاري في مرقاة المفاتيح شارحا للخبر قوله: (2)(يدرك): حال (التكبيرة الأولى): ظاهرها التكبيرة التحريمية مع الإمام، فاحتمل أن تشمل التكبيرة التحريمية للمقتدي عند لحوق الركوع،

(1) مصنف عبد الرزاق (رقم: 2019).

(2)

مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (3/ 880).

ص: 43

فيكون المراد إدراك الصلاة بكمالها مع الجماعة، وهو يتم بإدراك الركعة الأولى.

وقال في المرعاة شارحا للحديث: (1)(التكبيرة الأولى) أي التكبيرة التحريمة مع الإمام.

وتفسيره هنا هو الصحيح الموافق للفظ النبوي قال عليه الصلاة والسلام «وإذا كبر فكبروا» (2) وهذا يقتضي الفورية فالصحيح أن العبد لا يدر، تكبيرة الإحرام ولا فضلها؛ إلا بالإتيان بها عقيب تكبير الإمام بدون تراخ، وهنا تنبيه أن كل محل لذكر فالموالاة فيه بحسبه، ولهذا في حديث كعب بن عجرة مرفوعًا: «معقبات لا يخيب قائلهن

». (3) والمعقبات: من التعقيب وهو الجلوس بعد انقضاء الصلاة للدعاء ونحوه، ويجوز أن يراد منه العود مرة بعد أخرى. (4)

قلت: فعلى التفسير الأول وهو الأقرب، يكون من أدلة اشتراط الموالاة بين صلاة الفريضة والذكر بعدها.

وقال الحافظ في الفتح (5): على حديث أبي هريرة رضي الله عنه تسبحون وتحمدون وتكبرون خلف كل صلاة، قال ما نصه: هذه الرواية مفسرة للرواية التي عند المصنف في الدعوات وهي قوله: «دبر كل صلاة» (6)

(1) مراعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (4/ 102).

(2)

أخرجه البخاري (رقم: 378) ومسلم (رقم: 404).

(3)

أخرجه مسلم (رقم: 596).

(4)

نزل الأبرار ص 98.

(5)

الفتح (2/ 328).

(6)

أخرجه البخاري (رقم: 6329) ومسلم (رقم: 595).

ص: 44

ولجعفر الفريابي في حديث أبي ذر رضي الله عنه: «إثر كل صلاة» (1) إلى قوله: ومقتضى الحديث أن الذكر المذكور يُقال عند الفراغ من الصلاة، فلو تأخر ذلك عن الفراغ، فإن كان يسيرًا بحيث لا يعد معرضًا، أو كان ناسيًا، أو متشاغلًا بما ورد أيضًا بعد الصلاة كآية الكرسي فلا يضر، وظاهر قوله «كل صلاة» يشمل الفرض والنفل لكن حمله أكثر العلماء على الفرض وقد وقع في حديث كعب بن عارة عند مسلم التقييد بالمكتوبة، وكأنهم حملوا المطلقات عليها، وعلى هذا يكون التشاغل بعد المكتوبة بالراتبة بعدها فاصلًا بين المكتوبة والذكر أو لا؟ محل نظر. ا. هـ.

وقال في كشف اللثام: (2) وقال ابن نصر الله من علماء مذهبنا في حواشيه: الظاهر أن مرادهم أن يقول ذلك وهو قاعد، ولو قاله بعد قيامه وفي ذهابه، فالظاهر أنه مصيب للسنة، أيضًا إذْ لا تحجير في ذلك، ولو شغل عن ذلك ثم تذكره، فالظاهر: حصول أجره الخاص له أيضًا إذا كان قريبًا للعذر، أما لو تركه عمدًا ثم استدركه بعد زمن طويل، فالظاهر: فوات أجره الخاص وبقاء أجر الذكر المطلق انتهى، هكذا نقله العلامة النادي. ا. هـ.

وقال النووي (3) في المجموع (4) عن الذكر بالتهليل الوارد عقب

(1) أهرجه وروي أيضًا عن أبي هريرة أخرجه السراج (رقم: 1357) ومعجم ابن الأعرابي (رقم: 175)، وروي عن أم الحكم، أو ضباعة ابنتي الزبير بن عبد المطلب أخرجه أبو داود (رقم: 2987) وشرخ معاني الآثار (رقم: 5417).

(2)

كشف اللثام (3/ 108).

(3)

هو: يحيى بن شر بن مري بن حسن، النووي (أو النواوي) أبو زكريا، محيي الدين. من أهل نوى من قرى حوران جنوبي دمشق. علامة في الفقه الشافعي والحديث واللغة، تعلم في دمشق وأقام بها زمنا. من تصانيفه: المجموع شرح المهذب، لم يكمله؛ وروضة الطالبين؛ والمنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج. طبقات الشافعية للسبكي 5/ 165؛ والأعلام للزركلي 9/ 185؛ والنجوم الزاهرة 7/ 278.

(4)

المجموع 1/ 457.

ص: 45

الوضوء ما نصه: اتفق أصحابنا وغيرهم على استحباب هذا الذكر عقيب الوضوء ولا يؤخره عن الفراغ. ا. هـ.

وعلم مما تقدم أن الذكر لا يُقضى لفوات محله؛ لأن القضاء يحتاج إلى خطاب جديد، والأمر هنا كمن فات عليه صوم يوم عرفة أو عاشوراء، أو دخل المسجد فجلس طويلا، ولم يكن أتى بتحية المسجد، فلا ينفع إتيانه بها بعد ذلك.

فائدة: أخرج مسلم (1) في صحيحه من طريق عبد الرحمن بن عبد القاري، قال: سمعت عمر بن الخطاب، يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من نام عن حزبه، أو عن شيء منه، فقرأه فيما بين صلاة الفجر، وصلاة الظهر، كتب له كأنما قرأه من الليل» .

قال في التمهيد (2) ما نصه: وهذا الوقت فيه من السعة ما ينوب عن صلاة الليل فيتفضل الله برحمته على من استدر، من ذلك ما فاته وليس من زوال الشمس إلى صلاة الظهر ما يستدر، فيه كل أحد حزبه وهذا بّين والله أعلم ا. هـ.

قال في المرقاة: (3) وعن عمر رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من نام عن حزبه» ، أي: عن ورده يعني عن تمامه «أو عن شيء منه» ، أي: من حزبه يعني عن بعض ورده من القرآن، أو الأدعية والأذكار، وفي معناه الصلاة. «فقرأ فيما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر، كتب له» : جواب الشرط، وقوله:«كأنما قرأه» : صفة مصدر محذوف، أي: أثبت أجره في صحيفة عمله إثباتا مثل إثباته حين قرأه «من

(1) صحيح مسلم (رقم: 747).

(2)

التمهيد (12/ 272).

(3)

مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (3/ 935).

ص: 46

الليل»: قال بعض علمائنا؛ لأن ما قبل الظهر؛ كأنه من جملة الليل، ولذا يجوز الصوم بنية قبل الزوال. اهـ. وفيه أن تقييد نية الصوم بما قبل الزوال ليس لكونه من جملة الليل، بل لتقع النية في أكثر أجزاء النهار، والمراد بما قبل الزوال هو الضحوة الكبرى.

فالوجه أن يقال: في الحديث إشارة إلى قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا} [الفرقان: 62].

قال القاضي: أي ذوي خلفة يخلف كل منهما الآخر يقوم مقامه فيما ينبغي أن يعمل فيه من فاته ورده في أحدهما تداركه في الآخر. اهـ.

وهو منقول عن كثير من السلف، كابن عباس، وقتادة، والحسن، وسلمان، كما ذكره السيوطي في الدر.

وأخرج عن الحسن أنه قال: من عاز بالليل كان له في أول النهار مستعتب، ومن عاز بالنهار كان له في أول الليل مستعتب. اهـ. فتخصيصه بما قبل الزوال مع شمول الآية النهار بالكمال إشارة إلى المبادرة بقضاء الفوت قبل إتيان الموت، فإن في التأخير آفات خصوصًا في حق الطاعات والعبادات، أو لأن وقت القضاء أولى أن يصر إلى القضاء، أو لأن ما قارب الشيء يعطى حكمه، ولا منع من الجمع لاجتماع الحكم، فإن قائله أُعطي جوامع الكلم. ا. هـ.

قُلت: في هذا الموضع شرع القضاء توسعة وتخفيفا في حق المعذور والأصل أن العبادة المؤقتة بوقت تفوت بفواته، ولا تقضى؛ لأن القضاء يحتاج إلى أمر جديد سواء كان الأمر في الأصل أمر إيجاب أو استحباب، وإنما عُهد الأمر بالقضاء في خطاب الشارع

ص: 47

للمعذور كالناسي والنائم ونحوهما، كما قال تعالى:{وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 185] وهذا في الصوم في قوله عليه الصلاة والسلام: «من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها

» (1) الحديث .. وهذا في الصلاة.

قال في مجموع الفتاوى: (2) (

لأن القضاء إنما يجب بأمر جديد، ولا أمر هنا يلزمها بالقضاء، ولأنِا أخرت تأخيرا جائزا، فهي غير مفرطة. وأما النائم أو الناسي، وإن كان غير مفرط أيضًا، فإن ما يفعله ليس قضاء، بل ذلك وقت الصلاة في حقه حين يستيقظ ويذكر. كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:«من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها فإن ذلك وقتها» وليس عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث واحد بقضاء الصلاة بعد وقتها، وإنما وردت السنة بالإعادة في الوقت لمن ترك واجبًا من واجبات الصلاة؛ كأمره للمسيء في صلاته بالإعادة لما ترك الطمأنينة المأمور بها؛ وكأمره لمن صلى خلف الصف منفردًا بالإعادة لما ترك المصافة الواجبة؛ وكأمره لمن ترك لمعة من قدمه لم يصبها الماء بالإعادة لما ترك الوضوء المأمور به، وأمر النائم والناسي بأن يصليا إذا ذكرا وذلك هو الوقت في حقهما والله سبحانه وتعالى أعلم. ا. هـ.

وأخرج مسلم (3) عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كان إذا فاتته الصلاة من الليل من وجع، أو غيره، صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة» .

(1) أخرجه البخاري (رقم: 597) ومسلم (رقم: 684).

(2)

مجموع الفتاوى (23/ 335).

(3)

مسلم (رقم: 746).

ص: 48

قال النووي في شرح مسلم: (1) قولها وكان إذا غلبه نوم أو وجع عن قيام الليل صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة هذا دليل على استحباب المحافظة على الأوراد وأنِا إذا فاتت تقضى.

وقال في أذكاره ما نصه: (2) ينبغي لمن كان له وظيفةٌ من الذكر في وقت من ليل أو نهار، أو عقب صلاة أو حالة من الأحوال ففاتته أن يتداركها ويأتي بها إذا تمكن منها ولا يهملها، فإنه إذا اعتاد الملازمة عليها لم يعرضها للتفويت، وإذا تساهل في قضائها سَهُلَ عليه تضييعُها في وقتها. ا. هـ.

وتعقبه ابن علان في الفتوحات بقوله: (3) والمراد بالأحوال المتعلقة بالأوقات لا المتعلقة بالأسباب؛ كالذكر عند رؤية الهلال، وسماع الرعد ونحو ذلك، فلا يندب تداركه عند فوات سببه، وهذا وإن لم أر من ذكره فقد صرح به الفقهاء بما يؤخذ منه ذلك، وهو قولهم: الصلاة ذات السبب؛ كالتحية لا يندب قضاؤها عند فوات سببها بخلا ذات الوقت. ا. هـ.

فائدة: قال ابن عثيمين في الشرح الممتع ما نصه: (4) وقوله: «مكبِّرًا» حال من فاعل «يركع» حال مقارنة، يعني: في حال هويه إلى الركوع يكبرُ فلا يبدأ قبل، ولا يؤخِّره حتى يصل إلى الركوع، أي: يجب أن يكون التكبير فيما بين الانتقالِ والانتهاء، حتى قال الفقهاءُ رحمهم الله: «لو بدأ بالتكبير قبل أن يهوي، أو أتمهُ بعد أن يصِلَ إلى الركوع؛ فإنه لا يجزئه؛ لأنهم يقولون:

إنَّ هذا تكبيرٌ في الانتقال فمحله ما بين

(1) شرح النووي على مسلم 6/ 27.

(2)

الأذكار للنووي ص 13.

(3)

الفتوحات الربانية والأذكار النووية 1/ 149.

(4)

الشرح الممتع على زاد المستقنع لمحمد العثيمين (3/ 28).

ص: 49

الركُّنين، فإنْ أدخله في الركُّن الأول لم يصح، وإن أدخله في الركُّن الثاني لم يصح؛ لأنه مكان لا يشرع فيه هذا الذكر، فالقيام لا يشرع فيه التكبير، والركوع لا يشرع فيه التكبير، إنما التكبير بين القيام وبين الركوع، ولا شكَّ أن هذا القولَ له وجهة مِن النظر؛ لأن التَّكبير علامة على الانتقالِ؛ فينبغي أن يكون في حالِ الانتقال. ا. هـ.

فائدة: تسبيح الركوع والسجود يلزم أن يكون في حال الركوع الشرعي والسجود الشرعي، وعليه لو سبّح في سجوده وهو رافع رجله مثلًا لم يصح تسبيحه لفوات الحال.

فائدة في مسائل أبو داود: (1) قال: سمعت أحمد سئل عمن أدرك الإمام راكعًا، فكبر ثم ركع فرفع الإمام؟ قال إذا أمكن يديه من ركبتيه قبل أن يرفع الإمام فقد أدرك.

والمذهب: أن من أدر، الركوع مع الإمام أدرك الركعة، سواءً أدرك معه الطمأنينة، أو لا إذا اطمأن المأموم، وهذا ما عليه جماهير الأصحاب (2).

قلت: وهو الصحيح خلافا للشافعية؛ لأن الإمام يرفع قبل المأمومين فمكثهم بعده معتبر، وحينئذ إذا سبّح كان تسبيحه في مكانه، وهذا سبب إيراد المسألة هنا، فافهم.

تنبيه: قال مسلم في صحيحه: (3) حدثنا محمد بن رمح أخبرنا

(1) مسائل الإمام أحمد رواية أبي داود السجستاني (ص: 53).

(2)

مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه 2/ 711، وأنظر: المغني 1/ 504، الفروع 1/ 453، الأنصاف 2/ 223، 224، الروض المربع 1/ 239.

(3)

مسلم (رقم: 386).

ص: 50

الليث (1) عن الحكيم بن عبد الله بن قيس القرشى ح وحدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث عن الحكيم بن عبد الله عن عامر بن سعد بن أبى وقاص عن سعد بن أبى وقاص (2) رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من قال حين يسمع المؤذن أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله رضيت بالله ربا وبمحمد رسولا وبالْسلام دينا. يفر له ذنبه» . قال ابن رمح في روايته «من قال حين يسمع المؤذن وأنا أشهد» . ولم يذكر قتيبة قوله وأنا.

هذا سياق مسلم وقد بينت رواية ابن أبي شيبة موضع هذا الذكر - رضيت بالله ربا - قال ابن أبي شيبة (3): (4) - حدثنا يحيى بن إسحاق،

(1) هو: الليث بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي، بالولاء، أبو الحارث. إمام أهل مصر في عصره حديثًا وفقهًا. قال ابن تغري بردي: كان كبير الديار المصرية، وأمير من بها في عصره، بحيث أن القاضي والنائب من تحت أمره ومشورته. أصله من خراسان. ومولده في قلقشندة، ووفاته بالفسطاط. كان من الكرماء الأجواد. وقال الشافعي: الليث أفقه من مالك، إلا أن أصحابه لم يقوموا به. له تصانيف. انظر: الأعلام 6/ 115؛ وتذكرة الحفاظ 1/ 207.

(2)

هو: سعد بن مالك، واسم مالك أهيب بن عبد مناف بن زهرة، أبو إسحاق، قرشي. من كبار الصحابة. أسلم قديما وهاجر، وكان أول من رمى بسهم في سبيل الله. وهو أحد الستة أهل الشورى. وكان مجاب الدعوة. تولى قتال جيوش الفرس وفتح الله على يديه العراق. أعتزل الفتنة أيام علي ومعاوية. توفي بالمدينة. أنظر: تهذيب التهذيب 3/ 484.

(3)

هو: عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن عثمان، أبو بكر، العبسي، من أهل الكوفة. إمام في الحديث وغيره. كان متقنًا حافظًا مكثرًا. سمع شريف بن عبد الله، وسفيان بن عيينة، وعبد الله بن المبارك وطبقتهم. روى عنه البخاري ومسلم وأحمد بن حنبل وآخرون. ولما قدم بغداد في أيام المتوكل حزروا من حضر مجلسه بثلاثين ألفا. قال أبو زرعة الرازي: ما رأيت أحفظ من أبي بكر بن أبي شيبة. من تصانيفه: المسند والأحكام والتفسير. تذكرة الحفاظ 2/ 18؛ وشذرات الذهب 2/ 85؛ وتاريخ بغداد 10/ 66، ومعجم المؤلفين 6/ 107.

(4)

ابن أبي شيبة 29249.

ص: 51

حدثنا الليث بن سعد، عن الحكيم بن عبد الله بن قيس، عن عامر بن سعد، عن أبيه سعد، أنه قال:«من قال إذا قال المؤذن أشهد أن لا إله إلا الله: رضيت بالله ربا، وبالإسلام دينًا وبمحمد نبيا، يفر له ذنوبه، فقال له رجل: يا سعد، ما تقدم من ذنبه، وما تأخر» قال: لا هكذا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله.

وفيها زيادة بيان أنه لا يكرر الشهادتين، بل يكتفي بإجابته ثم يقول:

رضيت

الخ. وكذا وقع في مستخرج أبي عوانة (1).

فائدة: المزايا المرتبة على الذكر في المسجد هل المراد المسجد كله أو موضع صلاته منه.

قال ابن رجب: (2) هذا فيه تردد وفي صحيح مسلم (3).

عن جابر بن سمرة (4)، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى الفار جلس في مصلاه حتى تطلع الشمس حسناء.

وفي رواية له: (5) كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يقوم من مصلاه الذِي يصلي فيهِ الصبح أو الغداة حَتَّى تطلع الشمس، فإذا طلعت الشمس قام.

ومعلوم؛ أنهُ صلى الله عليه وسلم لم يكن جلوسه في الموضع الذي صلى فيه؛

(1) مستخرج أبي عوانة (رقم: 995).

(2)

شرح البخاري لابن رجب 6/ 43.

(3)

صحيح مسلم (رقم: 670).

(4)

هو: جابر بن سمرة رضي الله عنهما، ابن جنادة بن جندب، أبو عبد الله، السوائي. صحابي. روى عن النبي وعمر وعلي وعن أبيه وخاله سعد بن أبي وقاص رضي الله عنهم. وعنه سماك بن حرب وجعفر بن أبي ثور، وأبو عون الثقفي وغيرهم، روى له البخاري ومسلم 146 حديثا. أنظر: الإصابة 1/ 212.

(5)

صحيح مسلم (رقم: 2322).

ص: 52

لأنه كان ينفتل إلى أصحابه عقب الصلاة ويقبل عليهم بوجهه.

وخرجه الطبراني (1) وعنده: (2) كان إذا صلى الصبح جلس يذكر الله حَتَّى تطلع الشمس.

ولفظة: (الذكر) غريبة. وفي تمام حديث جابر بن سمرة الذي خرجه مسلم وكانوا يتحدثون فيأخذون في أمر الجاهليَّة، فيضحكون ويتبسم.

وهذا يدل على أنه لم ينكر على من تحدث وضحك في ذلك الوقت، فهذا الحديث يدل على أن المراد بمصلاه الذي يجلس فيه المسجد كله.

وإلى هذا ذهب طائفة من العلماء، منهم: ابن بطة من أصحابنا وغيره.

وقد روي عن أبي هريرة ما يخالف هذا. روى مالك في الموطأ (3): عن نُعيم المُجمر، أنه سمع أبا هريرة، يقول: إذا صلى أحدكم ثم جلس في مصلاه لم تزل الملائكة تصلى عليه، تقول: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، فإن قام من مصلاه فجلس في المسجد ينتظر الصلاة لم تزل الملائكة تصلي عليه في مصلاه حتى يصلي .. فهذا يدل على أنه إذا تحول من موضع صلاته من المسجد إلى غيره من

(1) هو: سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطر، أبو القاسم، من طبرية بفلسطين، ولد بعكا، ورحل إلى الحجاز واليمن ومصر وغيرها، وتوفي بأصبهان، له ثلاثة معاجم، المعجم الصغير، والمعجم الأوسط، والمعجم الكبير، وكلها في الحديث. وله: تفسير، ودلائل النبوة. أنظر: الأعلام للزركلي، والنجوم الزاهرة4/ 59، وتهذيب ابن عساكر 6/ 240.

(2)

المعجم الصغير (الروض الداني)(رقم: 1189).

(3)

الموطأ (رقم: 383).

ص: 53

المسجد انقطع حكم جلوسه في مصلاه، فإن جلس ينتظر الصلاة كان حكمه حكم من ينتظرها، وصلت عليه الملائكة - أيضًا -، فإن لم يجلس منتظرًا للصلاة فلا شيء له؛ لأنه لم يجلس في مصلاه ولا هو منتظر للصلاة.

قال ابن عبد البر (1): إلا أنه لا يقال: إنه تصلي عليه الملائكة (2).

يعني: على المتحول من مكانه وهو ينتظر الصلاة كما تصلي على الذي في مصلاه ينتظر الصلاة

يشير إلى أن الحديث المرفوع إنما فيه صلاة الملائكة على من يجلس في مصلاه لا على المنتظر للصلاة.

ولكن قد روي في حديث مرفوع، فروى عَطاء بن السائب، عن أبي عبد الرحمان السلمي، عن علي، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول:«من صلى الفار ثمَّ جلس في مصلاه صلت عليه الملائكة، وصلاتهم عليه: اللهم اغفر له، اللهم أرحمه، ومن ينتظر الصلاة صلت عليه الملائكة، وصلاتهم عليه: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه» . خرجه الإمام أحمد (3).

(1) هو: يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر النمري الحافظ، أبو عمر. ولد بقرطبة. من أجلة المحدثين والفقهاء، شيخ علماء الأندلس، ومؤرخ أديب، مكثر من التصنيف. رحل رحلات طويلة وتوفي بشاطبة. من تصانيفه: الاستذكار في شرح مذاهب علماء الأمصار، والتمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد؛ والكافي في الفقه. أنظر: الشذرات 3/ 314، وترتيب المدارك، 4/ 556، 808، وشجرة النور ص 119، الأعلام 9/ 317، والديباج المذهب ص 357.

(2)

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (16/ 205).

(3)

أخرجه أحمد (رقم: 1251).

ص: 54

وقال علي بن المديني (1): هو حديث كوفي، وإسناده حسن.

وذكر ابن عبد البر - أيضًا -: (2) أنه يحتمل أن يكون بقاؤه في مصلاه شرطًا في انتظار الصلاة - أيضًا، كما كان شرطًا في الجلوس في مصلاه.

وهذا الذي قاله بعيد، وإنما يمكن أن يقال فيمن صلى صلاة ثم جلس ينتظر صلاة أخرى، فأما من دخل المسجد ليصلي صلاة واحدة، وجلس ينتظرها قبل أن تقام فأي مُصلى له حتى يشترط أن لا يفارقه؟ قال: وقيامه من مجلسه، المراد به: قيامه لعرض الدنيا، فأما إذا قام إلى ما يعينه على ما كان يصنعه في مجلسه من الذكر.

يعني: أنه غير مراد، ولا قاطع للصلاة عليه. والله سبحانه وتعالى أعلم. ا. هـ وسمعت شيخنا ابن باز يقول: المسجد كله مُصلى ولو انتقل ..

(1) هو: علي بن عبد الله بن جعفر السعدي، أبو الحسن، ابن المديني. أصله من المدينة، ولد بالبصرة وتوفي بسر من رأى. محدث، حافظ، أصولي ومشارك في بعض العلوم. سمع ابن عيينة وطبقته، وأخذ عنه الذهلي والبخاري وأبو داود وغيرهم. قال عبد الرحمن بن مهدي: كان ابن المديني أعلم الناس بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وخاصة بحديث سيفان بن عيينة. من تصانيفه: المسند في الحديث؛ وتفسير غريب الحديث. أنظر: طبقات الشافعية لابن السبكي 1/ 266، وتذكرة الحفاظ 2/ 15، ومعجم المؤلفين 7/ 132.

(2)

فتح الباري لابن رجب (6/ 45).

ص: 55