المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌الحكم الأول

- ‌الحكم الثاني

- ‌الحكم الثالث

- ‌الحكم الرابع

- ‌الحكم الخامس

- ‌الحكم السادس

- ‌الحكم السابع

- ‌الحكم الثامن

- ‌الحكم التاسع

- ‌الحكم العاشر

- ‌الحكم الحادي عشر

- ‌الحكم الثاني عشر

- ‌الحكم الثالث عشر

- ‌الحكم الرابع عشر

- ‌الحكم الخامس عشر

- ‌الحكم السادس عشر

- ‌الحكم السابع عشر

- ‌الحكم الثامن عشر

- ‌الحكم التاسع عشر

- ‌الحكم العشرون

- ‌الحكم الواحد والعشرون

- ‌الحكم الثاني والعشرون

- ‌الحكم الثالث والعشرون

- ‌الحكم الرابع والعشرون

- ‌الحكم الخامس والعشرون

- ‌الحكم السادس والعشرون

- ‌الحكم السابع والعشرون

- ‌الحكم الثامن والعشرون

- ‌الحكم التاسع والعشرون

- ‌الحكم الثلاثون

- ‌الحكم الواحد والثلاثون

- ‌الحكم الثاني والثلاثون

- ‌الحكم الثالث والثلاثون

- ‌الحكم الرابع والثلاثون

- ‌الحكم الخامس والثلاثون

- ‌الحكم السادس والثلاثون

- ‌الحكم السابع والثلاثون

- ‌الحكم الثامن والثلاثون

- ‌الحكم التاسع والثلاثون

- ‌الحكم الأربعون

- ‌الحكم الواحد والأربعون

- ‌الحكم الثاني والأربعون

- ‌الحكم الثالث والأربعون

- ‌الحكم الرابع والأربعون

- ‌الحكم الخامس والأربعون

- ‌الحكم السادس والأربعون

- ‌الحكم السابع والأربعون

- ‌الحكم الثامن والأربعون

- ‌الحكم التاسع والأربعون

- ‌الحكم الخمسون

الفصل: ‌الحكم السادس والعشرون

‌الحكم السادس والعشرون

الأصل في الذكر أن يكون سرًا، وإنما يشرع الجهر في مواضع، لأغراض صحيحة، قال الله جل وعلا:{وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ} [الأعراف: 205] قال في زاد المسير (1) ما نصه: في هذا الذكر أربعة أقوال:

أحدها: أنه القراءة في الصلاة، قاله ابن عباس فعلى هذا، أمر أن يقرأ في نفسه في صلاة الإسرار.

والثاني: أنه القراءة خلف الإمام سرًا في نفسه، قاله قتادة.

والثالث: أنه ذكر الله باللسان.

والرابع: أنه ذكر الله باستدامة الفكر، لا يغفل عن الله تعالى، ذكر القولين الماوردي. ا. هـ.

قال النسفي في تفسيره: (2) هو عام في الأذكار من قراءة القرآن والدعاء والتسبيح والتهليل وغير ذلك. ا. هـ.

(1) زاد المسير في علم التفسير 2/ 184.

(2)

تفسير النسفي 1/ 628.

ص: 184

وقال ابن كثير في تفسيره ما نصه: {وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ} وهكذا يستحب أن يكون الذكر لا يكون نداء ولا جهرًا بليغًا؛ ولهذا لما سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: أقريبِ ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه؟ فأنزل الله: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة: 186]. (1)

وفي الصحيحين عن أبي موسى الأشعري، قال: رفع الناس أصواتهم بالدعاء في بعض الأسفار، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم:«أيها الناس، اربعوا على أنفسكم، فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا؛ إن الذي تدعونه سميع قريب» (2).ا. هـ.

وقال شيخ الإسلام في كتاب الاستقامة ما نصه: (3) الوجه السادس: أن رفع الأصوات في الذكر المشروع لا يجوز؛ إلا حيث جاءت به السنة؛ كالأذان والتلبية ونحو ذلك، فالسنة للذاكرين والداعين ألا يرفعوا أصواتهم رفعًا شديدًا؛ كما ثبت في الصحيح:(4) عن أبي موسى أنه قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكنا إذا علونا على شرف كبرنا فارتفعت أصواتنا، فقال:«يا أيها الناس أربعوا على أنفسكم، فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبًا، إنما تدعون سميعًا قريبًا، إن الذي تدعون أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته» .

وقد قال تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [الأعراف: 55].

(1) رواه الطبري في تفسيره 3/ 480.

(2)

البخاري (رقم: 4205) ومسلم (رقم: 2704).

(3)

الاستقامة 1/ 322.

(4)

سبق تخريجه.

ص: 185

وقالِ عن زكريا {إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا} [مريم: 3]. وقال تعالى: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ} [الأعراف: 205]. وفي هذه الآثار عن سلف الأمة وأئمتها ما ليس هذا موضعه؛ كما قال الحسن البصري: رفع الصوت بالدعاء بدعة، وكذلك نص عليه أحمد بن حنبل وغيره، وقال قيس بن عباد: وهو من كبار التابعين من أصحاب علي رضي الله عنه روى عنه الحسن البصري، قال: كانوا يستحبون خفض الصوت عند الذكر وعند الجنائز وعند القتال. ا. هـ.

وقال في الفتاوي الكبرى: (1) وهذا لأن الذكر قد تكون السنة المخافتة به، ويجهر به لمصلحة راجحة مثل تعليم المأمومين، فإنه قد ثبت في الصحيح: أن ابن عباس قد جهر بالفاتحة على الجنازة، ليعلمهم أنها سنة. (2)

إلى قوله: واتفق العلماء على أن الجهر بذلك ليس بسنة راتبة: لكن جهر به للتعليم، ولذلك نقل عن بعض الصحابة أنه كان يجهر أحيانًا بالتعوذ، فإذا كان من الصحابة من جهر بالاستفتاح والاستعاذة مع إقرار الصحابة له على ذلك، فالجهر بالبسملة أولى أن يكون كذلك. وأن يشرع الجهر بها أحيانا لمصلحة راجحة.

وقال: (3) بل السنة في الذكر كله ذلك، كما قال تعالى: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا

(1) الفتاوى الكبرى لابن تيمية 2/ 121.

(2)

البخاري (رقم: 1335).

(3)

الفتاوى الكبرى لابن تيمية 2/ 200.

ص: 186

تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ}.

[الأعراف: 205]

وفي الصحيحين: (1) أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا معه في سفر. فجعلوا يرفعون أصواتهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أيها الناس أربعوا على أنفسكم؛ فإنكم لا تدعون أصم، ولا غائبا، وإنما تدعون سميعًا قريبًا، إن الذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته» وهذا الذي ذكرناه في الصلاة عليه والدعاء، مما اتفق عليه العلماء، فكلهم يأمرون العبد إذا دعا أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم كما يدعو، لا يرفع صوته بالصلاة عليه أكثر من الدعاء، سواء كان في صلاة، كالصلاة التامة، وصلاة الجنازة، أو كان خارج الصلاة، حتى عقيب التلبية فإنه يرفع صوته بالتلبية، ثم عقيب ذلك يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو سرًا، وكذلك بين تكبيرات العيد إذا ذكر الله، وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم فإنه وإن جهر بالتكبير لا يجهر بذلك. ا. هـ.

وقال ابن القيم في كتابه الكلام على مسالة السماع (2) ما نصه: الوجه العاشر: أن رفع الأصوات بالذكر المشروع مكروه؛ إلا حيث جاءت به السنة

الخ.

وقال السرخسي في المبسوط (3) ما نصه: والمستحب عندنا في الأذكار والدعاء الخفية إلا فيما تعلق بإعلانه مقصود كالأذان للإعلام، والخطبة للوعظ، وتكبيرات الصلوات لإعلام التحرم والانتقال والقراءة لإسماع المؤتم. ا. هـ.

(1) سبق تخريجه.

(2)

مسالة السماع ص 348.

(3)

المبسوط 4/ 6.

ص: 187

وقال في بدائع الصنائع: (1) لأن المخافتة أصل في الأذكار والجهر بها بدعة. ا. هـ.

فائدة: أخرج البخاري (2) في باب: قراءة فاتحة الكتاب في صلاة الجنازة، من طريق سعد بن إبراهيم عن طلحة بن عبد الله بن عوف، قال: صليت خلف ابن عباس رضي الله عنه على جنازة فقرأ بفاتحة الكتاب، فقال: ليعلموا أنها سنة.

فائدة أخرى: سئل شيخنا ابن باز (3) رحمه الله عن جهره عليه الصلاة والسلام بالقراءة في ركعتي الطواف مع أنها بالنهار: فقال لتعليم الصحابة مثل ما جهر ابن عباس بالفاتحة. ا. هـ.

ومما يجلي الأمر من السنة تشبيه الجهر بالقرآن؛ كالجهر بالصدقة فقد أخرج أحمد (4) وغيره (5): من طريق بحير بن سعد، عن خالد بن معدان، عن كثير بن مرة، عن عقبة بن عامر رضي الله عنه (6)، قال:

(1) بدائع الصنائع 1/ 204.

(2)

البخاري (رقم: 1335).

(3)

مسائل ابن باز لعبد الله بن مانع 1/ 425.

(4)

أحمد (رقم: 17368) قال أبو عبد الرحمن- ابن الإمام أحمد-: قال أبي: كان حماد بن خالد حافظًا، وكان يحدثنا، وكان يخيط، كتبت عنه أنا ويحيى بن معين.

(5)

أخرجه الترمذي (رقم: 2919) وقال: حسن غريب. وأبو داود (رقم: 1335) والنسائي (رقم: 2342) وابن حبان (رقم: 734) والطبراني في الشاميين (رقم: 1164) والبيهقي (رقم: 4488) والديلمي (رقم: 2623).

(6)

هو عقبة بن عامر بن عيسى الجهني، يكنى أبا حماد. وقيل غير ذلك. كان قارئًا عالمًا بالفرائض والفقه، قديم الهجرة والسابقة والصحبة. وهو أحد من جمع القرآن. روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعمر، وروى عنه أبو أمامة وابن عباس وقيس بن أبي حازم وآخرون. ولي إمرة مصر من قبل معاوية سنة 44 هـ. انظر: تهذيب التهذيب 7/ 242 والاستيعاب 3/ 1073.

ص: 188

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الجاهر بالقرآن كالجاهر بالصدقة، والمسر بالقرآن كالمسر بالصدقة» .

قال في المرقاة (1) ما نصه: قوله: «الجاهر بالقرآن» أي بقراءته «كالجاهر بالصدقة» أي: كالمعلن بإعطاءها «والمسر بالقرآن كالمسر بالصدقة» وقد قال الله تعالى: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 271]. فالظاهر من الحديث إن السر أفضل من الجهر؛ كما أشار إليه النسائي، حيث عقد على هذا الحديث باب فضل السر على الجهر؛ لكن الذي يقتضيه أمره صلى الله عليه وسلم لأبي بكر:«ارفع من صوتك» (2) إن الاعتدال في القراءة أفضل، فإما أن يحمل الجهر في الحديث على المبالغة والسر على الاعتدال، أو على أن هذا الحديث محمول على ما إذا كان الحال تقتضي السر، وإلا فالاعتدال في ذاته أفضل قاله السندي. وقال الترمذي: معنى هذا الحديث إن الذي يسر بالقراءة القرآن أفضل من الذي يجهر بقراءة القرآن؛ لأن صدقة السر أفضل عند أهل العلم من صدقة العلانية، وإنما معنى هذا عند أهل العلم لكي يأمن الرجل من العجب؛ لأن الذي يسرُّ بالعمل لا يخاف عليه بالعجب ما يخاف عليه في العلانية. انتهى. قلت: وردت أحاديث تقتضي استحباب رفع الصوت بالقراءة، وأحاديث تقتضي الأسرار وخفض الصوت، فمن الأول ما تقدم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عند الشيخين:(3)«ما أذن الله لشي ما أذن لنبي حسن الصوت بالقرآن يجهر به» ومن الثاني حديث عقبة هذا وحديث

(1) المرقاة 7/ 284.

(2)

أبو داود (رقم: 1329) والترمذي (رقم: 447) وقال: هذا حديث غريب، وصححه ابن خزيمة (رقم: 1161).

(3)

البخاري (رقم: 7044) ومسلم (رقم: 792).

ص: 189

معاذ بن جبل أخرجه الحاكم. (1) بلفظ: حديث عقبة وصححه على شرط البخاري ووافقه الذهبي.

قال النووي في الأذكار: (2) والجمع بينهما إن الإسرار أبعد من الرياء فهو أفضل في حق من يخاف ذلك، فإن لم يخف الرياء فالجهر أفضل بشرط أن لا يؤذي غيره من مصل أو نائم أو غيرهما يعني إن الإخفاء أفضل حيث خاف الرياء أو تأذى مصلون أو نيام بجهره، والجهر أفضل في غير ذلك لأن العمل فيه أكبر ولأنه يتعدى نفعه إلى غيره أي من استماع أو تعلم أو إقتداء أو انزجار أو كونه شعارًا للدين، ولأنه يوقظ قلب القاريء ويجمع همه إلى الفكر ويصرف سمعه إليه ولأنه يطرد النوم عنه ويزيد في النشاط ويوقظ غيره من نائم وغافل وينشطه فمتى حضره شيء من هذه النيات فالجهر أفضل- انتهى. قال السيوطي: ويدل لهذا الجمع حديث أبي داود (3) بسند صحيح عن أبي سعيد رضي الله عنه: اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فسمعهم يجهرون بالقراءة فكشف الستر. وقال: «ألا أن كلكم مناج لربه فلا يؤذين بعضكم بعضًا، ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة» قلت: ويدل له أيضًا ما روى الديلمي (4) في مسند الفردوس عن ابن عمر رضي الله عنه مرفوعًا:

«السر أفضل من العلانية، والعلانية أفضل لمن أراد الاقتداء به» ذكره الذهبي في ترجمة عبد الملك بن مهران عن عثمان بن زائدة عن

(1) أخرجه الحاكم 1/ 555.

(2)

الأذكار للنووي ص 107.

(3)

أبو داود (رقم: 1334).

(4)

أخرجه الديلمي (رقم: 3572). وأورده أيضًا: الحكيم (4/ 71) والعقيلي (3/ 202)، ترجمة (رقم:1203. عثمان بن زائدة) وقال: حديثه غير محفوظ. وابن الجوزي في العلل المتناهية (رقم: 1377) وقال: هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ص: 190

نافع عن ابن عمر. قال السيوطي: (1) وقال بعضهم يستحب الجهر ببعض القراءة والأسرار ببعضها لأن المسر قد يميل فيأنس بالجهر والجاهر قد يكل فيستريح بالإسرار ا. هـ.

(1) الإتقان في علوم القرآن 1/ 374.

ص: 191