الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحكم التاسع والعشرون
الأصل أن الأذكار الشرعية لا يُصاحبها عند القيام بها شيءٌ من عمل البدن من الاضطراب أو الإغماء أو الصعق أو الاهتزاز أو الرقص أو التمايل أو التصفيق، أو الإشارة باليد أو الأصابع أو بالأبصار أو مسح الوجوه، هذا هو الأصل. وهكذا كان حال أكمل الذاكرين عليه الصلاة والسلام وصحبه، فلم يكن فيهم من يصعق أو يغشى عليه أو يصيبه جنون، وذلك لكمال أحوالهم، وثبات قلوبهم وصدق خشوعهم.
قال شيخ الإسلام في فتاويه (1) ما نصه: وأما «الرقص» فلم يأمر الله به ولا رسوله ولا أحد من الأئمة، بل قد قال الله في كتابه:{وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ} [لقمان: 19]. وقال في كتابه: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا} [الفرقان: 63]. أي: بسكينة ووقار. وإنما عبادة المسلمين الركوع والسجود؛ بل الدف والرقص في الطابق لم يأمر الله به ولا رسوله ولا أحد من سلف الأمة؛ بل أمروا بالقرآن في الصلاة والسكينة. ا. هـ.
(1) مجموع الفتاوى 11/ 599.
وقال أيضا في الفتاوى الكبرى: (1) وما يحصل عند السماع والذكر المشروع من وجل القلب، ودمع العين، واقشعرار الجسوم، فهذا أفضل الأحوال التي نطق بها الكتاب والسنة، وأما الاضطراب الشديد والغشي والموت والصيحات، فهذا إن كان صاحبه مغلوبًا عليه لم يلم عليه، كما قد كان يكون في التابعين ومن بعدهم، فإن منشأه قوة الوارد على القلب مع ضعف القلب، والقوة والتمكن أفضل كما هو حال النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة.
وأما السكون قسوة وجفاء فهذا مذموم لا خير فيه. ا. هـ.
وقال في مجموع الفتاوي (2) ما نصه: وهذا «السماع» له آثار إيمانية من المعارف القدسية والأحوال الزكية يطول شرحها ووصفها، وله في الجسد آثار محمودة من خشوع القلب ودموع العين واقشعرار الجلد، وهذا مذكور في القرآن. وهذه الصفات موجودة في الصحابة ووجدت بعدهم آثار ثلاثة:
الاضطراب والصراخ والإغماء والموت في التابعين.
وقال أيضًا: (3) ووجد بعدهم في التابعين آثار ثلاثة: الاضطراب والاختلاج والإغماء- أو الموت والهيام؛ فأنكر بعض السلف ذلك - إما لبدعتهم وإما لحبهم. وأما جمهور الأئمة والسلف فلا ينكرون ذلك؛ فإن السبب إذا لم يكن محظورا كان صاحبه فيما تولد عنه معذورا. لكن سبب ذلك قوة الوارد على قلوبهم وضعف قلوبهم عن حمله فلو لم يؤثر السماع لقسوتهم كانوا مذمومين كما ذم الله الذين قال فيهم: {ثُمَّ
(1) الفتاوى الكبرى 2/ 385.
(2)
مجموع الفتاوى 11/ 562.
(3)
مجموعة الفتاوى 11/ 591.
قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ} [البقرة: 74]. وقال: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد: 16]. ولو أثر فيهم آثارًا محمودة لم يجذبهم عن حد العقل. لكانوا كمن أخرجهم إلى حد الغلبة كانوا محمودين أيضًا ومعذورين.
فأما سماع القاصدين لصلاح القلوب في الاجتماع على ذلك: إما نشيد مجرد نظير الغبار. وإما بالتصفيق ونحو ذلك. فهو السماع المحدث في الإسلام فإنه أحدث بعد ذهاب القرون الثلاثة الذين أثنى عليهم النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: «خير القرون: القرن الذي بعثت فيه ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم» (1) وقد كرهه أعيان الأمة ولم يحضره أكابر المشايخ. الخ كلامه.
وقال أيضا في منهاج السنة: (2) ونبينا صلى الله عليه وسلم والسابقون الأولون هم أفضل وما أصاب أحدًا منهم هذا الفناء ولا صعق ولا موت عند سماع القرآن وإنما تجد هذا الصعق في التابعين لا سيما في عُباد البصريين. ا. هـ.
وقال في مختصر الفتاوى المصرية: (3) وأما سماع القرآن والتماوت أو الموت عنده والغشي ونحوه؛ كما نقل عن زُرارة بن أوفى قاضي البصرة، أنه سمع قارئًا يقرأ فإذا نقر في الناقور فمات، وكذا
(1) أخرجه أحمد (رقم: 20061) ومسلم (رقم: 6568) وأبو داود (رقم: 4657) والترمذي (رقم: 2222).
(2)
منهاج السنة 5/ 356.
(3)
مختصر الفتاوى المصرية ص 568.
جرى لأبي جهير، فأنكر ذلك طائفة من الصحابة والتابعين، وظن ذلك تكلفًا وتصنعًا؛ كما قال ابن سيرين: بيننا وبين الذين يصعقون عن سماع القرآن أن يقرأ واحد منهم على رأس الحائط، فإن خر فهو صادق، ومنهم من أنكره؛ لأنه رآه بدعة مخالفة لما عرف من هدى الصحابة رضي الله عنهم، والذي عليه الجمهور من هؤلاء أنه إذا كان مغلوبًا لم ينكر عليه، وإن كان حال الثبات أكمل منه ولهذا لما سئل أحمد عن هذا، قال: قرىء القرآن على يحيى بن سعيد فغشي عليه، وأخذ أن يدفع عن نفسه، ولو قدر لدفعه، فما رأيت أعقل منه.
ونقل عن الشافعي: أنه أصابه ذلك، وكذلك عن الفضيل بن عياض. وبالجملة فهذا كثير ممن لا يستراب في صدقه؛ لكن أحوال الصحابة ? هي التي ذكرت في القرآن من وجل القلوب ودمع العيون واقشعرار الجلود، وقد ينكر أحوال هؤلاء من عنده قسوة قلب لا يلين عند تلاوة القرآن، ويغلو فيهم من يظن أن حالهم أكمل الأحوال، فكل من الطرفين مذموم، بل المراتب ثلاثة، ظالم لنفسه الذي هو قاس القلب لا يلين للقرآن، ولا للذكر ففيه شبه من اليهود لقوله تعالى:{ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ} [البقرة: 74]. الآية.
والثاني: حال الذي فيه ضعف عن حمل ما يرد على قلبه، فهذا يصعق صعق موت، أو يشي لقوة الوارد، وليس هذا بعلامة على الإيمان أو التقوى، فإنه قد يحصل لمن يفرح أو يحزن أو يخاف أو يحب، ففي عشاق أهل الصور من أمرضه العشق أو قتله أو جننه وكذلك في غيرهم.
والحاصل أنه إذا لم يكن ثم تفريط ولا عدوان ولا ذنب له فيما
أصابه، وجعل له ضعف، فليس بملوم، كمن سمع القرآن سماعًا شرعيًا، ولم يفرط بترك ما وجب له من ذلك. ا. هـ.
وقال ابن القيم في المدارج (1) ما نصه: وليس أيضا هذه الحال بلازمة لجميع السالكين، بل هي عارضة لبعضهم، منهم من يبتلى بها، كأبي يزيد وأمثاله، ومنهم من لا يبتلى بها، وهم أكمل وأقوى، فإن الصحابة رضي الله عنهم، وهم سادات العارفين، وأئمة الواصلين المقربين، وقدوة السالكين، لم يكن منهم من ابتلي بذلك، مع قوة إرادتهم، وكثرة منازلاتهم، ومعاينة ما لم يعاينه غيرهم، ولا شم له رائحة، ولم يخطر على قلبه، فلو كان هذا الفناء كمالًا لكانوا هم أحق به وأهله، وكان لهم منه ما لم يكن لغيرهم.
ولا كان هذا أيضًا لنبينا صلى الله عليه وسلم، ولا حالًا من أحواله، صلى الله عليه وسلم، ولهذا في ليلة المعراج لما أسري به، وعاين ما عاين مما أراه الله إياه من آياته الكبرى، لم تعرض له هذه الحال، بل كان كما وصفه الله عز وجل بقوله:{مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (17) لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} [النجم: 17، 18]. وقال {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ} [الإسراء: 60]. وقال ابن عباس: هي رؤيا عين، أريها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به، ومع هذا فأصبح بينهم لم يتغير عليه حاله، ولم يعرض له صعق ولا غشي، يخبرهم عن تفصيل ما رأى، غير فانٍ عن نفسه، ولا عن شهوده، ولهذا كانت حاله أكمل من حال موسى بن عمران رضي الله عنه لما خر صعقا حين تجلى ربه للجبل وجعله دكًا. ا. هـ.
(1) مدارج السالكين 1/ 177.
وقال الشاطبي في الاعتصام (1) ما نصه: وحكي أن شابا كان يصحب الجنيد إمام الصوفية في وقته، فكان الشاب إذا سمع شيئا من الذكر يزعق، فقال له الجنيد يومًا: إن فعلت ذلك مرة أخرى لم تصحبني، فكان إذا سمع شيئًا يتغير ويضبط نفسه حتى كان يقطر العرق منه بكل شعرة من بدنه قطرة، فيومًا من الأيام صاح صيحة تلفت نفسه. فهذا الشاب قد ظهر فيه مصداق ما قاله السلف؛ لأنه لو كانت صيحته الأولى غلبته لم يقدر على ضبط نفسه، وإن كان بشدة، كما لم يقدر على ضبط نفسه الربيع بن خثيم، وعليه أدبه الشيخ حين أنكر عليه ووعده بالفرقة، إذ فهم منه أن تلك الزعقة من بقايا رعونة النفس، فلما خرج الأمر عن كسبه بدليل موته؛ كانت صيحته عفوًا لا حرج عليه فيها إن شاء الله.
بخلاف هؤلاء القوم الذين لم يشموا من أوصاف الفضلاء رائحة، فأخذوا بالتشبه بهم، فأبرز لهم هواهم التشبه بالخوارج، ويا ليتهم وقفوا عند هذا الحد المذموم، ولكن زادوا على ذلك الرقص والزمر والدوران والضرب على الصدور، وبعضهم يضرب على رأسه، وما أشبه ذلك من العمل المضحك للحمقى؛ لكونه من أعمال الصبيان والمجانين، المبكي للعقلاء رحمة لهم، ولم يتخذ مثل هذا طريقًا إلى الله وتشبها بالصالحين.
وقد صح من حديث العرباض بن سارية (2) رضي الله عنه؛ قال: «وعظنا
(1) الاعتصام 2/ 355.
(2)
هو: عرباض بن سارية، أبو نجيح، السلمي، له صحبة. وهو من أهل الصفة. روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن عبيدة بن الجراح. روت عنه ابنته أم حبيبة وكذلك روى عنه عبد الرحمن بن عمر السلمي وسويد بن جبلة السلمي وعمرو بن الأسود العنسي وأبو أمامة الباهلي وعبد الرحمن بن عائذ وغيرهم. قال ضمضم بن زرعة، عن شريح بن عبيد: كان عتبة بن عبيد يقول: عرباض خير مني، وعرباض يقول: عتبة خير مني، سبقني إلى النبي صلى الله عليه وسلم بسنة. قال أبو بكر بن البرقي: له بضعة عشر حديثًا. انظر: تهذيب التهذيب 7/ 174، وأسد الغابة 3/ 399، وسير أعلام النبلاء 3/ 419، والاستيعاب 3/ 1238.
رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة بليغة؛ ذرفت منها العيون، وجلت منها القلوب» الحديث. (1)
فقال الإمام الآجري العالم السني أبو بكر: ميزوا هذا الكلام؛ فإنه لم يقل: صرخنا من موعظة، ولا زعقنا، ولا طرقنا على رؤوسنا، ولا ضربنا على صدورنا، ولا زفنّا، ولا رقصنا. كما يفعل كثير من الجهال؛ يصرخون عند المواعظ ويزعقون ويتغاشون.
قال: وهذا كله من الشيطان يلعب بهم، وهذا كله بدعة وضلالة، ويقال لمن فعل هذا: اعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم أصدق الناس موعظة، وأنصح الناس لأمته، وأرق الناس قلبًا، وخير الناس من جاء بعده، لا يشك في ذلك عاقل؛ ما صرخوا عند موعظته ولا زعقوا ولا رقصوا ولا زفنوا، ولو كان هذا صحيحا؛ لكانوا أحق الناس بهذا أن يفعلوه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنه بدعة وباطل ومنكر، فاعلم ذلك. انتهى كلامه، وهو واضح فيما نحن فيه. ا. هـ.
فائدة: أخرج أبو داود في سننه: (2) من طريق معاوية بن صالح، يحدث عن أبي عثمان، عن جبير بن نفير، عن عقبة بن عامر (3) رضي الله عنه،
(1) أخرجه أحمد (رقم: 17184) أبو داود (رقم: 4609) والترمذي (رقم: 2676) قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.
(2)
أبو داود (رقم: 169)
(3)
هو: عقبة بن عامر بن عيسى الجهني، يكنى أبا حماد. وقيل غير ذلك. كان قارئًا عالمًا بالفرائض والفقه، قديم الهجرة والسابقة والصحبة. وهو أحد من جمع القرآن. روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعمر، وروى عنه أبو أمامة وابن عباس وقيس بن أبي حازم وآخرون. ولي إمرة مصر من قبل معاوية سنة 44 هـ. انظر: تهذيب التهذيب 7/ 242. والاستيعاب 3/ 1073.
قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم خدام أنفسنا، نتناوب الرعاية - رعاية إبلنا - فكانت علي رعاية الإبل، فروحتها بالعشي، فأدركت رسول الله يخطب الناس، فسمعته يقول:«ما منكم من أحد يتوضأ فيحسن الوضوء، ثم يقوم فيركع ركعتين، يقبل عليهما بقلبه ووجهه، إلا قد أوجب» ، فقلت: بخ بخ، ما أجود هذه، فقال رجل من بين يدي التي قبلها: يا عقبة، أجود منها، فنظرت فإذا هو عمر بن الخطاب، فقلت: ما هي يا أبا حفص؟ قال: إنه قال آنفًا قبل أن تجيء: «ما منكم من أحد يتوضأ فيحسن الوضوء، ثم يقول حين يفرغ من وضوئه: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية، يدخل من أيها شاء» ، قال معاوية: وحدثني ربيعة بن يزيد، عن أبي إدريس، عن عقبة بن عامر، .. ثم أعاده من طريق عبد الله بن يزيد المقرئ، عن حيوة وهو ابن شريح، عن أبي عقيل، عن ابن عمه، عن عقبة بن عامر الجهني، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه، ولم يذكر أمر الرعاية، قال: عند قوله: «فأحسن الوضوء» ، ثم رفع بصره إلى السماء، فقال: وساق الحديث، بمعنى حديث معاوية.
وأصل الحديث عند مسلم. (1) لكن هذا السياق الذي فيه رفع البصر إلى السماء لا يثبت فيه جهاله.
وأخرجه أيضا الدارمي (2) وسياقه عنده: من طريق حيوة، أنبأنا أبو عقيل زهرة بن معبد، عن ابن عمه، عن عقبة بن عامر رضي الله عنه، أنه
(1) أخرجه مسلم (رقم: 234). وأخرجه أحمد (رقم: 17352) والنسائي (رقم: 148) وابن ماجه (رقم: 419).
(2)
سنن الدارمي (رقم: 743).
خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما يحدث أصحابه، فقال:«من قام إذا استقلت الشمس، فتوضأ فأحسن الوضوء، ثم صلى ركعتين، خرج من ذنوبه، كيوم ولدته أمه» فقال عقبة: فقلت: الحمد لله الذي رزقني أن أسمع هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكان تجاهي جالسا: أتعجب من هذا؟ فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أعجب من هذا قبل أن تأتي، فقلت: وما ذلك بأبي أنت وأمي؟ فقال عمر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من توضأ فأحسن الوضوء، ثم رفع بصره إلى السماء - أو قال نظره إلى السماء - فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، فتحت له ثمانية أبواب الجنة يدخل من أيهن شاء» .
فائدة أخرى: روى الطبراني في الدعاء (1)، وابن السني في عمل اليوم والليلة (2): من طريق سلام الطويل، عن زيد العمي، عن معاوية بن قرة، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قضى صلاته يعني وسلم مسح جبهته بيده اليمنى، ثم يقول:«بسم الله الذي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم الرحيم، اللهم أذهب عني الهم والحزن» ولا يصح سلام واهي وزيد ضعيف.
وهذا الفعل - أعني مسح الجبهة - عند السلام من الصلاة يكثر في مسلمي شرق آسيا، والله المستعان.
فائدة: أخرج البخاري ومسلم: (3) من طريق مالك، عن مخرمة بن سليمان، عن كريب، مولى ابن عباس: أنه أخبره، عن عبد الله بن
(1) الدعاء للطبراني (رقم: 659).
(2)
عمل اليوم والليلة لابن السني (رقم: 112).
(3)
البخاري (رقم: 1198) ومسلم (رقم: 763).
عباس رضي الله عنه: أنه بات عند ميمونة أم المؤمنين رضي الله عنها وهي خالته - قال: فاضطجعت على عرض الوسادة، «واضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهله في طولها، فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتصف الليل - أو قبله بقليل، أو بعده بقليل - ثم استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجلس، فمسح النوم عن وجهه بيده، ثم قرأ العشر آيات خواتيم سورة آل عمران، ثم قام إلى شن معلقة، فتوضأ منها، فأحسن وضوءه، ثم قام يصلي» الحديث.
فائدة: قال الباجي: (1) وقوله استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس يمسح النوم عن وجهه بيده يحتمل أمرين:
أحدهما: أنه أراد به إزالة النوم من الوجه.
والثاني: إزالة الكسل بمسح الوجه. ا. هـ.
وقال النووي في شرح مسلم: (2) قوله فجعل يمسح النوم عن وجهه معناه أثر النوم وفيه استحباب هذا. ا. هـ.
فائدة: استحب بعضهم السجود المفرد للدعاء، وإليك النقول قال في الباعث:(3) واغتر بعض الجهال المتعلمين منهم بقوله: {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} [العلق: 19]. وظن أن هذا يقتضي عموم السجود في جميع الأوقات، وأن كل سجود على الإطلاق يحصل به التقرب من الله تعالى، وهو قرب الكرامة، واتعضد بما جاء قبل ذلك من التعجب والإنكار في قوله تعالى:{أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى (9) عَبْدًا إِذَا صَلَّى} [العلق: 9، 10]. وغفل عن السجود المقرب إلى الله تعالى هو السجود المأذون فيه، وهو المشروع لا كل
(1) المنتقى شرح الموطأ 1/ 218.
(2)
شرح مسلم 6/ 46.
(3)
الباعث على إنكار البدع والحوادث ص 29.
سجود من حيث الصورة والإنكار، وقع في الآية ووقع على ما ينهي عن الصلاة المأذون فيها، وهي المشروعة، فتلك لا ينبغي لأحد أن ينهى عنها.
وقال: (1) وقال صاحب التتمة: جرت عادة بعض الناس بالسجود بعد الفراغ من الصلاة، يدعو فيه، قال: وتلك سجدة لا يعرف لها أصل، ولا نقلت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا عن أصحابه، والأولى أن يدعو بالصلاة لما روى من الأخبار فيه. والله أعلم.
قلت- أبو شامة-: ولا يلزم من كون السجود قربة في الصلاة أن يكون قربه خارج الصلاة؛ كالركوع، قال الفقيه أبو محمد: لم ترد الشريعة بالتقرب إلى الله تعالى بسجدة منفردة لا سبب لها، فإن القرب لها أسباب وشرائط وأوقات وأركان لا تصلح بدونها، وكما لا يتقرب إلى الله تعالى بالوقوف بعرفة ومزدلفة ورمي الجمار والسعي بين الصفا والمروة من غير نسك واقع في وقته بأسبابه وشرائطه، فكذلك لا يتقرب إلى الله تعالى بسجدة منفردة وإن كانت قربة. ا. هـ.
وقال في كشاف القناع: (2) قال الشيخ: ولو أراد الدعاء فعفر وجهه لله في التراب وسجد له ليدعوه فيه، فهذا سجود لأجل الدعاء، ولا شيء يمنعه، والمكروه: هو السجود بلا سبب.
ويعني بالشيخ ابن تيمية، والصحيح أنه لا يشرع، فالعبادة موقوفة على مورد الخبر.
تنبيه: لا تشرع الإشارة بالسبابة بين السجدتين، وأما ما رواه
(1) الباعث على إنكار البدع والحوادث ص 61.
(2)
كشاف القناع 1/ 450.
أحمد: (1) قال: حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا سفيان، عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن وائل بن حجر قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم كبر فرفع يديه حين كبر، يعني استفتح الصلاة، ورفع يديه حين كبر، ورفع يديه حين ركع، ورفع يديه حين قال: سمع الله لمن حمده وسجد فوضع يديه حذو أذنيه، ثم جلس فافترش رجله اليسرى، ثم وضع يده اليسرى على ركبته اليسرى، ووضع ذراعه اليمنى على فخذه اليمنى، ثم أشار بسبابته، ووضع الإبهام على الوسطى، وقبض سائر أصابعه، ثم سجد، فكانت يداه حذاء أذنيه.
وفيه إثبات الإشارة بين السجدتين، فخبر شاذ تفرد به عبد الرزاق، عن الثوري، وقد خالفه عبد الله بن الوليد العدني عند أحمد (2) والحميدي (3) في مسنده ومحمد بن يوسف الفريابي (ثلاثتهم) عن الثوري فلم يذكروا ما ذكر عبد الرزاق من الإشارة بين السجدتين.
وأما أصل حديث وائل بطرقه، وكذا الأخبار في هذه الجلسة، فليس فيها ذكر الإشارة في هذا الموضع البتة، ولا أعلم أحدا قال بالإشارة في هذا الموضع؛ إلا الشيخ ابن عثيمين، ولم يسبقه أحد، ولم يوافقه أحد.
وقد بحثت هذه المسألة بتوسع في نفح العبير فراجعه إن أحببت.
تنبيه: رفع اليدين عند الدعاء مما تواترت به الأخبار، لكن ها هنا تقسيم فالأحوال ثلاثة:
(1) أحمد (رقم: 18858).
(2)
أحمد (رقم: 18871).
(3)
الحميدي (رقم: 909).
1 -
أن يثبت الدعاء مع رفع اليدين.
2 -
أن يثبت الدعاء مع ترك الرفع.
3 -
أن يثبت الدعاء ويسكت عن الرفع، فهنا لا يواظب على رفع اليدين، ويلزمه ملازمة الحال الأول، ولكن لا بأس بالرفع في الحين بعد الحين.
وأما الحالة الثانية: فمن أمثلتها الرفع أدبار الصلوات المفروضة، فلم يجيء عنه عليه الصلاة والسلام أنه كان يرفع يديه، فإن قيل قد أخرج الشيخان:(1) من طريق عمرو بن ميمون الأودي، عن ابن مسعود رضي الله عنه، قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي عند البيت، وأبو جهل وأصحاب له جلوس، وقد نحرت جزور بالأمس، فقال أبو جهل: أيكم يقوم إلى سلا جزور بني فلان، فيأخذه فيضعه في كتفي محمد إذا سجد؟ فانبعث أشقى القوم فأخذه، فلما سجد النبي صلى الله عليه وسلم وضعه بين كتفيه، قال: فاستضحكوا، وجعل بعضهم يميل على بعض وأنا قائم أنظر، لو كانت لي منعة طرحته عن ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم، والنبي صلى الله عليه وسلم ساجد ما يرفع رأسه حتى انطلق إنسان فأخبر فاطمة، فجاءت وهي جويرية، فطرحته عنه، ثم أقبلت عليهم تشتمهم، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم صلاته، رفع صوته، ثم دعا عليهم، وكان إذا دعا دعا ثلاثًا، وإذا سأل سأل ثلاثًا، ثم قال:«اللهم، عليك بقريش» ثلاث مرات، فلما سمعوا صوته ذهب عنهم الضحك، وخافوا دعوته، ثم قال:«اللهم، عليك بأبي جهل بن هشام، وعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عقبة، وأمية بن خلف، وعقبة بن أبي معيط» - وذكر السابع ولم أحفظه- فوالذي بعث محمدًا صلى الله عليه وسلم بالحق، لقد رأيت الذين سمى صرعى يوم بدر، ثم سحبوا
(1) والبخاري (رقم: 237) ومسلم (رقم: 1794).
إلى القليب- قليب بدر- قال أبو إسحاق: «الوليد بن عقبة غلط في هذا الحديث» فالجواب أن هذا وقع لعارض كما هو صريح الحديث.
وأما ما رواه البخاري: (1) من طريق حميد عن أنس رضي الله عنه: دخل النبي صلى الله عليه وسلم على أم سليم فأتته بتمر وسمن، قال:«أعيدوا سمنكم في سقائه وتمركم في وعائه فإني صائم» . ثم قام إلى ناحية من البيت فصلى غير المكتوبة فدعا لأم سليم وأهل بيتها، فقالت أم سليم: يا رسول الله إن لي خويصة، قال:«ما هي» . قالت: خادمك أنس. فما ترك خير آخرة ولا دنيا إلا دعا لي به، قال:«اللهم ارزقه مالًا وولدًا وبارك له» . فإني لمن أكثر الأنصار مالًا.
وحدثتني ابنتي أمينة أنه دفن لصلبي مقدم حجاج البصرة بضع وعشرون ومائة.
فالجواب عنه كالجواب عما قبله، لكنه دعاء دعت له الحاجة حينئذ، وإلا لم يكن من هديه عليه الصلاة والسلام الدعاء عقيب النافلة. مع أن الأمر في النافلة عمومًا أوسع منه في الفريضة. فتدبره.
ولهذا الحافظ البخاري في صحيحه عقد بابًا: الدعاء بعد الصلاة. (2) ولم يذكر فيه سوى الأذكار المعروفة من التسبيح والتهليل كما في حديث أبي هريرة (3) وحديث المغيرة. (4)
تنبيه: المراد بترك الدعاء في هذا الموضع الدعاء الذي لم يرد في السنة بخلاف الاستغفار ونحوه من الأدعية الثابتة دبر الصلاة المكتوبة.
(1) البخاري (رقم: 1982).
(2)
البخاري (8/ 72).
(3)
صحيح البخاري (رقم: 6329).
(4)
صحيح البخاري (رقم: 6330).
فائدة: روى أحمد (1) وغيره: (2) من طريق الليث بن سعد، عن عبد ربه بن سعيد، عن عمران، عن عبد الله، عن ربيعة بن الحارث، عن الفضل بن العباس (3) رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«الصلاة مثنى مثنى، تشهد في كل ركعتين، وتضرع، وتخشع، وتساكن، ثم تقنع يديك- يقول: ترفعهما - إلى ربك مستقبلا ببطونهما وجهك، وتقول: يا رب، يا رب- ثلاثا- فمن لم يفعل ذلك فهي خداج» ولا يصح. عبد الله الراوي عن ربيعة هو ابن نافع بن العمياء قال البخاري: (4) لا يصح حديثه. وفي معناه أخبار لا تثبت.
قال في الهدي: (5) وأما الدعاء بعد السلام من الصلاة مستقبل القبلة أو المأمومين، فلم يكن ذلك من هديه صلى الله عليه وسلم أصلًا، ولا روي عنه بإسناد صحيح ولا حسن.
فائدة: في فتاوي (6) شيخنا ابن باز رحمه الله ما نصه: من
(1) أحمد (رقم: 17525).
(2)
الترمذي (رقم: 385) والنسائي (رقم: 615) والمعجم الكبير للطبراني (رقم: 757) والبزار (رقم: 2169) السنن الكبرى للبيهقي (رقم: 4758).
(3)
هو: الفضل بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، أبو محمد، الهاشمي القرشي من شجعان الصحابة ووجوههم، غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وحنينًا، وثبت يومئذ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشهد معه حجة الوداع وأردفه رسول الله صلى الله عليه وسلم وراءه، فيقال:«ردف رسول الله» ، وخرج بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم مجاهدا إلى الشام، فاستشهد في وقعة أجنادين (بفلسطين) وقيل مات بناحية الأردن في طاعون عمواس. له 24 حديثًا. انظر: طبقات ابن سعد 4/ 54، وتاريخ الخميس 1/ 166، الأعلام 5/ 355.
(4)
التاريخ الكبير 5/ 213.
(5)
زاد المعاد 1/ 249.
(6)
الفتاوى لابن باز 11/ 182.
عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم وفقه الله لما فيه رضاه آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده يا محب.
كتابكم الكريم وصل وصلكم الله بهداه، وما تضمنه من السؤال حول موضوع حكم رفع اليدين في الدعاء بعد التسليم من صلاة الفريضة وغيرها.
إلخ. كان معلوما وعليه نفيدكم بأن رفع اليدين في الدعاء سنة، ومن أسباب الإجابة لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«إن ربكم حيي كريم يستحيي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرًا» . (1)
والأحاديث كثيرة صحت في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما رفع اليدين في المواضع التي لم يرفع فيها النبي صلى الله عليه وسلم كالرفع بعد صلاة الفريضة للإمام والمأموم والمنفرد، فلا يشرع لأحد منهم أن يرفع يديه بعد الفريضة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرفعهما بعد سلامه من الفريضة.
أما النوافل فلا بأس بالرفع في الدعاء بعده بين وقت وآخر، لا بصفة دائمة، وهكذا لا يشرع رفع اليدين في خطبة الجمعة وخطبة العيدين، ولا بين السجدتين ولا بعد قراءة التحيات قبل أن يسلم، ونحو ذلك من المواضع التي لم يرفع فيها النبي صلى الله عليه وسلم، ويشرع الرفع في خطبة الاستسقاء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه في خطبة صلاة الاستسقاء، وهكذا رفع يديه لما استسقى في خطبة الجمعة ورفع الناس أيديهم، وبما ذكرنا تجتمع الأحاديث الواردة في ذلك وقد نص جمع من أهل العلم على ما ذكرنا.
ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم للفقه في دينه والثبات عليه إنه
(1) أخرجه: أبو داود (رقم: 1488)، والترمذي (رقم: 3556)، وابن ماجه (رقم: 3865).
سبحانه خير مسئول. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الرئيس العام لإدارات البحوث ا. هـ.
فائدة: السنة في التشهد في الصلاة الإشارة بالسبابة دون تحريك وأصل المسألة ما رواه أحمد في مسنده (1) وغيره: (2) من طريق زائدة، حدثنا عاصم بن كليب، أخبرني أبي، أن وائل بن حجر الحضرمي (3)، أخبره قال: قلت: لأنظرن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، كيف يصلي؟ قال: فنظرت إليه قام فكبر، ورفع يديه حتى حاذتا أذنيه، ثم وضع يده اليمنى على ظهر كفه اليسرى، والرسغ والساعد، ثم قال: لما أراد أن يركع، رفع يديه مثلها ووضع يديه على ركبتيه، ثم رفع رأسه، فرفع يديه مثلها، ثم ساد، فاعل كفيه بحذاء أذنيه، ثم قعد فافترش رجله اليسرى، فوضع كفه اليسرى على فخذه وركبته اليسرى، وجعل حد مرفقه الأيمن على فخذه اليمنى، ثم قبض بين أصابعه فحلق حلقة، ثم رفع إصبعه، فرأيته يحركها يدعو بها.
والحديث ثابت دون قوله: فرأيته يحركها يدعو بها. فهي
(1) أحمد (رقم: 18870).
(2)
أخرجه أبو داود (723) والترمذي (رقم: 268) وقال: حسن غريب، والنسائي (رقم: 888) وابن ماجة (رقم: 882).
(3)
هو: وائل بن حجر بن سعد بن مسروق بن وائل، أبو هنيدة، الحضرمي القحطاني، صحابي. روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعنه ابناه علقمة وعبد الجبار وكليب بن شهاب، وغيرهم. قال أبو نعيم الأصبهاني: قدم على النبي صلى الله عليه وسلم فأنزله وأصعده معه على المنبر وأقطعه القطائع وكتب له عهدًا، وقال: هذا وائل بن حجر سيد الأقيال جاءكم حبًا لله ولرسوله، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بشرَ أصحابه بقدومه قبل أن يصل بأيام، وكان أبوه من ملوك حضرموت، وذكره ابن سعد فيمن نزل الكوفة من الصحابة. انظر: الإصابة 3/ 628، وأسد الغابة 4/ 659، وتهذيب التهذيب 11/ 108، والأعلام 9/ 117.
زيادة شاذة انفرد بها زائدة- وهو ابن قدامة- من بين أصحاب عاصم بن كليب. وقد خالفه كل من: عبد الواحد بن زياد، وشعبة، وسفيان الثوري، وزهير بن معاوية، وسفيان بن عيينة، وسلام بن سليم أبو الأحوص، وبشر بن المفضل، وعبد الله بن إدريس، وقيس بن الربيع، وأبو عوانة، وخالد بن عبد الله الواسطي والمحفوظ في الأحاديث الإشارة حسب، ولما أخرجه ابن خزيمة (1) قال: ليس في شيء من الأخبار يحركها إلا في هذا الخبر زائد ذكره. ا. هـ.
وقد جاء نفي التحريك عند أبي داود (2)، والنسائي (3)، وأبو عوانة (4)، والبيهقي (5): من طريق محمد بن عجلان، عن عامر بن عبد الله بن الزبير، عن عبد الله بن الزبير (6) رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يشير بإصبعه إذا دعا، ولا يحركها. وقد ذكر أبو عوانة في مسنده هذا الحديث تحت قوله: بيان الإشارة بالسبابة إلى القبلة ورمي البصر إليها وترك تحريكها في الإشارة.
(1) ابن خزيمة (رقم: 714).
(2)
أبو داود (رقم: 989).
(3)
النسائي (رقم: 1193).
(4)
مسند أبي عوانة (رقم: 2019).
(5)
السنن الكبرى للبيهقي (رقم: 2897).
(6)
هو: عبد الله بن الزبير بن العوام من بني أسد من قريش. فارس قريش في زمنه. أمه أسماء بنت أبي بكر الصديق. أول مولود للمسلمين بعد الهجرة. شهد فتح إفريقية زمن عثمان، وبويع له بالخلافة بعد وفاة يزيد بن معاوية، فحكم مصر والحجاز واليمن وخرسان والعراق وبعض الشام. وكانت إقامته بمكة. سير إليه عبد الملك بن مروان جيشًا مع الحجاج بن يوسف، وانتهي حصار الحجاج لمكة بمقتل ابن الزبير. له في الصحيحين 33 حديثًا. انظر: الأعلام للزركلي 4/ 218؛ وفوات الوفيات 1/ 210؛ وابن الأثير 4/ 135.
وقال البيهقي (1) في الجمع بين لفظة (يحركها) وحديث ابن الزبير ما نصه: فيحتمل أن يكون المراد بالتحريك الإشارة بها لا تكرير تحريكها، فيكون موافقا لرواية ابن الزبير، والله تعالى أعلم. ا. هـ.
قال أبو محمد: وفيه نظر: أولًا: أن تأويله في التحريك بعيد. وثانيًا: أنها شاذة كما تقدم.
وثالثًا: أن زيادة «ولا يحركها» تفرد بها ابن عجلان، وقد خولف فيه لما أخرجه أبو داود:(2) من طريق محمد بن عجلان، عن عامر بن عبد الله، عن عبد الله بن الزبير، أنه ذكر: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يشير بأصبعه إذا دعا، ولا يحركها- زاد- قال ابن جريج: وزاد عمرو بن دينار، قال: أخبرني عامر، عن أبيه، أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يدعو كذلك، ويتحامل النبي صلى الله عليه وسلم بيده اليسرى على فخذه اليسرى. وعمرو أثبت وسياقه هو المحفوظ.
فائدة: أخرج أبو داود والنسائي (3) وغيرهما: (4) من طريق عصام بن قدامة- من بني بجيلة- عن مالك بن نمير الخزاعى، عن أبيه قال: رأيت النبى صلى الله عليه وسلم واضعا ذراعه اليمنى على فخذه اليمنى رافعًا أصبعه السبابة قد حناها شيئًا. وهذا إسناد مقارب. قال أبو بكر البرقاني كما في سؤلاته للدارقطني (5) عن الدارقطني: لا يحدث عن أبيه إلا هو، يعتبر به، ولا بأس بأبيه ..
(1) البيهقي (رقم: 2787).
(2)
أبو داود (رقم: 989).
(3)
أبو داود (رقم: 991) والنسائي (رقم: 1271).
(4)
أخرجه أحمد (رقم: 15960) وابن ماجة (رقم: 911) وابن خزيمة (رقم: 715) السنن الكبرى للبيهقي (رقم: 2896).
(5)
سؤالات البرقاني للدارقطني (رقم: 496).
وتعقبه في تهذيب التهذيب (1) بقوله: قلت: هذا الكلام فيه نظر فإن أباه ذكر أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم قاعدًا في الصلاة. الحديث، فإن ثبت إسناده فهو صحابي. وقال ابن القطان: لا يعرف حال مالك ولا روى عن أبيه غيره. وقال الذهبي لا يعرف.
قال أبو محمد: يحتمل مثل هذا فإنه لا نكارة في المتن مع أن نميرًا لم تثبت صحبته إلا من طريق ابنه. وقوله: حناها شيئا. هو بمقتضى العادة لا التكلف. فلا يجعلها كالرمح السمهري في الاستقامة ولا المحجن في الانحناء بل على العادة.
تنبيه: أحاديث مسح الوجه بعد الدعاء لا يصح منها شيء.
فائدة: أخرج البخاري في الأدب المفرد (2)، قال: حدثنا إبراهيم بن المنذر قال: حدثنا محمد بن فليح قال: أخبرني أبي، عن أبي نعيم وهو وهب قال: رأيت ابن عمر وابن الزبير يدعوان، يديران بالراحتين على الوجه.
وهذا إسناد ضعيف فليح متكلم فيه. مع عدم صراحة الخبر في المسح فيحتمل يرفعان أيديهما بحذاء الوجه. وهذا ظاهر ترجمة البخاري حيث قال: باب رفع الأيدي في الدعاء.
(1) تهذيب التهذيب 11/ 23.
(2)
الأدب المفرد (رقم: 609).