الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحكم الخامس عشر
الذكر على طهارة تامة أكمل وأفضل بالاتفاق، ولهذا اشترطت الطهارة للعبادات المبنية على الذكر اللساني؛ كالصلاة ومس المصحف، والطواف - على قول - ومنع الجنب من قراءة القرءان؛ كما تقدم تقريره، وأصل المسألة ما أخرجه البخاري (1) من طريق الأعرج: قال سمعت عميرًا مولى ابن عباس رضي الله عنه، قال: أقبلت أنا وعبد الله بن يسار مولى ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم حتى دخلنا على أبي جهيم بن الحارث بن الصمة الأنصاري، فقال أبو الجهيم: أقبل النبي صلى الله عليه وسلم من نحو بئر جمل فلقيه رجل فسلم عليه، فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم حتى أقبل على الجدار فمسح بوجهه ويديه، ثم رد عليه السلام.
قال ابن رجب في شرح البخاري: (2) وقال بعض أصحابنا: يجوز التيمم لرد السلام في الحضر، إذا خشي فوته؛ لأن الطهارة لرده مشروعة ندبًا لا وجوبًا؛ فإنه يجوز الرد مع الحدث لكن يفوت فعله بالطهارة؛ لأنه على الفور. ا. هـ.
(1) البخاري (رقم: 337).
(2)
فتح الباري- لابن رجب 2/ 41.
وقال العيني في شرح الخبر ما نصه: (1) وفي رواية الطبراني في الأوسط: (2) حتى إذا كان الرجل أن يتوارى في السكة ضرب بيديه على الحائط فمسح ذراعيه، ثم رد على الرجل السلام، وقال:«إنه لم يمنعني أن أرد عليك إلا أني كنت على غير طهر» .
وعند أبي داود: (3) من حديث حيوة عن ابن الهاد: أن نافعًا (4) حدثه عن ابن عمر قال: أقبل رسول الله من الغائط، فلقيه رجل عند بئر جمل فسلم عليه فلم يرد عليه رسول الله، حتى أقبل على الحائط فوضع يده عليه، ثم مسح وجهه ويديه، ثم رد على الرجل السلام.
وعند البزار (5) بسند صحيح: (6) عن نافع عنه أن رجلا مر على
(1) عمدة القاري شرح صحيح البخاري 4/ 15.
(2)
المعجم الأوسط لأبو القاسم الطبراني (رقم: 7784) وأبو داود (رقم: 330).
(3)
أبو داود (رقم: 331).
(4)
هو: نافع المدني أبو عبد الله مولى عبد الله بن عمر بن الخطاب. من أئمة التابعين بالمدينة. ديلمي الأصل. مجهول النسب. أصابه ابن عمر صغيرًا في بعض مغازيه. كان علامة في فقه الدين، متفقًا على رياسته. أرسله عمر بن عبد العزيز إلى مصر ليعلم أهلها السنن. كان كثير الرواية للحديث. ولا يعرف له خطأ في جميع ما رواه. انظر: الأعلام للزركلي 8/ 319؛ وتهذيب التهذيب 10/ 412؛ ووفيات الأعيان 2/ 150.
(5)
هو: أحمد بن عمرو بن عبد الخالق، أبو بكر البزار. من أهل البصرة. سكن الرملة وتوفي بها. كان حافظًا للحديث، صدوقًا ثقة يخطئ ويتكل على حفظه. روى عن الفلاس وبندار وآخرين. وروى عنه عبد الباقي بن قانع وأبو بكر الختلي وعبد الله بن الحسن وغيرهم. ارتحل في آخر عمره إلى أصبهان والشام والنواحي ينشر علمه. من تصانيفه: المسند الكبير المعلل سماه «البحر الزاخر» يبين فيه الصحيح من غيره. انظر: تذكرة الحفاظ 2/ 204، وميزان الاعتدال 1/ 124، والرسالة المستطرفة ص 68، وشذرات الذهب 2/ 209، والأعلام للزركلي 1/ 182.
(6)
مسند البزار (رقم: 3744).
النبي وهو يبول، فسلم عليه الرجل فرد عليه السلام فلما جاوزه ناداه عليه السلام، فقال:«إنما حملني على الرد عليك خشية أن تذهب فتقول: إني سلمت على النبي فلم يرد علي، فإذا رأيتني على هذه الحالة فلا تسلم علي، فإنك إن تفعل لا أرد عليك» .
وعند الطبراني (1) من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه: أنه سلم على النبي وهو يبول فلم يرد عليه حتى فرغ.
وعنده أيضا: (2) من حديث جابر بن سمرة بسند فيه ضعف، قال: سلمت على النبي وهو يبول فلم يرد علي، ثم دخل إلى بيته فتوضأ ثم خرج فقال:«وعليك السلام» .
وعند الحاكم (3) من حديث المهاجر بن قُنفُذ (4)، قال: أتيت النبي، وهو يتوضأ فسلمت عليه فلم يرد علي، فلما فرغ من وضوئه قال:«إنه لم يمنعني أن أرد عليك إلا أني كنت على غير وضوء» .
(1) المعجم الأوسط (رقم: 7706).
(2)
المعجم الأوسط (رقم: 5402).
(3)
المستدرك على الصحيحين (رقم: 6026).
(4)
هو: المهاجر بن قنفذ بن عمير بن جدعان بن كعب بن سعيد بن تيم القرشي، التيمي، صحابي. يقال: إن اسم المهاجر هذا عمرو، وإن اسم قنفذ خلف، وإن مهاجرًا وقنفذًا لقبان: فهو عمرو بن خلف بن عمير، وإنما قيل له: المهاجر لأنه قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا المهاجر حقا، وقد قيل: إن المهاجر أسلم يوم فتح مكة وسكن البصرة ومات بها. روى عن النبي صلى الله عليه وسلم. روى عنه أبو ساسان حضين بن المنذر الرقاشي، روى له أبو داود والنسائي وابن ماجه. روى عن الحضين بن المنذر عن المهاجر بن قنفذ أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يبول فسلم عليه فلم يرد عليه حتى توضأ، ثم اعتذر إليه، فقال: إني كرهت أن أذكر الله إلا على طهر. انظر: أسد الغابة 4/ 503، والاستيعاب 4/ 1454، وتهذيب الكمال 28/ 577.
وأخرجه الطحاوي (1) أيضا، ولفظه:«إلا أني كرهت أن أذكر إلا على طهارة» . (2)
وأخرجه أبو داود ولفظه: (3) فلم يرد حتى توضأ ثم اعتذر إليه، قال:«إني كرهت أن أذكر الله إلا على طهر» ، أو قال «على طهارة» . وأخرجه النسائي (4) وابن ماجه (5)، وأحمد (6)، والبيهقي (7)، وابن حبان (8) والطبراني، وزاد: فقمت مهموما، فدعا بوضوء فتوضأ ورد علي، وقال:«إني كرهت أن أذكر الله على غير وضوءه» . (9)
وعند ابن ماجه (10) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: مر رجل على النبي صلى الله عليه وسلم، وهو يبول، فسلم فلم يرد عليه، فلما فرغ ضرب بكفيه الأرض فتيمم ثم رد عليه السلام.ا. هـ.
(1) هو: أحمد بن سلامة الأزدي، أبو جعفر. نسبته إلى «طحا» قرية بصعيد مصر. كان إماما فقيهًا حنفيًا. وكان ابن أخت المزني صاحب الشافعي. وتفقه عليه أولًا. قال له المزني يومًا: والله لا أفلحت. فغضب وانتقل من عنده وتفقه على مذهب أبي حنيفة. وكان عالمًا بجميع مذاهب الفقهاء. من تصانيفه أحكام القرآن؛ ومعاني الآثار؛ وشرح مشكل الآثار، وهو آخر تصانيفه؛ والنوادر الفقهية؛ والعقيدة المشهورة بالعقيدة الطحاوية؛ والاختلاف بين الفقهاء. انظر: الجواهر المضية 1/ 102؛ والأعلام للزركلي 1/ 196؛ والبداية والنهاية 11/ 174.
(2)
شرح معاني الآثار (رقم: 110).
(3)
أبو داود (رقم: 17).
(4)
النسائي (رقم: 37).
(5)
ابن ماجه (رقم: 350).
(6)
أحمد (رقم: 19056).
(7)
السنن الكبرى للبيهقي (رقم: 434).
(8)
ابن حبان (رقم: 806).
(9)
الحديث بحثت عنه عند الطبراني فما وجدته، ولكني وجدته في جزء حديث مجاعة بن الزبير (رقم: 93) ومعجم الصحابة لابن قانع (رقم: 1597).
(10)
ابن ماجه (رقم: 351).
وقال في المغني (1) ما نصه: قال أحمد: يستحب له أن يشهد المناسك كلها على وضوء، كان عطاء يقول: لا يقضي شيئًا من المناسك إلا على وضوء. ا. هـ.
وقال النووي في المجموع: (2)
وقوله صلى الله عليه وسلم: «كرهت أن أذكر الله إلا على طهر» (3) هذه الكراهة بمعنى ترك الأولى، لا كراهة تنزيه، واحتج غير المصنف بحديث ابن عمر رضي الله عنه، قال: مر رجل بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول فسلم عليه فلم يرد عليه. رواه مسلم. (4) وعن جابر رضي الله عنه: أن رجلًا مر على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول فسلم عليه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:«إذا رأيتني على مثل هذه الحالة فلا تسلم علي، فإنك إن فعلت ذلك لم أرد عليك» [رواه ابن ماجه]. (5) وهذا الذي ذكره المصنف من كراهة رد السلام وما بعده متفق عليه عندنا، وكذا التسبيح وسائر الأذكار، قال البغوي في شرح السنة:(6) فإن عطس على الخلاء حمد الله تعالى في نفسه، قاله الحسن، والشعبي، والنخعي، وابن المبارك. قال البغوي يحمد الله تعالى في نفسه هنا، وفي حال الجماع، ثم هذه الكراهة التي ذكرها المصنف، والأصحاب كراهة تنزيه لا تحريم بالاتفاق وحكى ابن المنذر الكراهة عن ابن عباس وعطاء ومعبد الجهني وعكرمة: وعن النخعي
(1) المغني (3/ 432).
(2)
المجموع 2/ 89.
(3)
أخرجه أحمد (رقم: 20779، 20780)، أبو داود (رقم: 17) والنسائي (رقم: 38) وابن ماجه (رقم: 350) وابن حبان (رقم: 806) والحاكم (رقم: 592).
(4)
صحيح مسلم (رقم: 370).
(5)
أخرجه ابن ماجه (رقم: 352). قال البوصيري (1/ 52): هذا إسناد حسن.
(6)
شرح السنة للبغوي (1/ 382).
وابن سيرين قالا لا بأس به. قال ابن المنذر: وترك الذكر أحب إلي ولا أؤثم من ذكر والله اعلم. ا. هـ.
وقال المجد في المنتقى: (1) باب كف المتخلي عن الكلام
…
عن ابن عمر: أن رجلا مر ورسول الله صلى الله عليه وسلم يبول فسلم عليه فلم يرد عليه. رواه الجماعة إلا البخاري (2).
قال الشوكاني في شرحه: (3) الحديث زاد فيه أبو داود من طريق ابن عمر، وغيره: أن النبي صلى الله عليه وسلم تيمم ثم رد على الرجل السلام (4)، ورواه أيضًا من طريق المهاجر بن قُنفُذ بلفظ بأنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول فسلم عليه فلم يرد عليه حتى توضأ، ثم اعتذر إليه، فقال:«إني كرهت أن أذكر الله عز وجل إلا على طُهر أو قال: على طهارة» . (5) وأخرج هذه الرواية النسائي وابن ماجه وهو يدل على كراهية ذكر الله حال قضاء الحاجة، ولو كان واجبًا كرد السلام، ولا يستحق المسلِّم في تلك الحال جوابًا، قال النووي: وهذا متفق عليه، وسيأتي بقية الكلام على الحديث في باب استحباب الطهارة لذكر الله، وفيه أنه ينبغي لمن سلم عليه في تلك الحال أن يدع الرد حتى يتوضأ أو يتيمم ثم يرد، وهذا إذا لم يخش فوت المسلِّم، أما إذا خشي فوته فالحديث لا يدل على المنع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم تمكن من الرد بعد أن توضأ أو تيمم على اختلاف الرواية، فيمكن أن يكون تركه لذلك طلبا للأشرف وهو الرد حال الطهارة، ويبقى الكلام في الحمد حال العطاس فالقياس على
(1) نيل الأوطار 1/ 99.
(2)
سبق تخريجه.
(3)
نيل الأوطار 1/ 100.
(4)
أبو داود (رقم: 16).
(5)
سبق تخريجه.
التسليم المذكور في حديث الباب، وكذلك التعليل بكراهة الذكر إلا على طهر يشعران بالمنع من ذلك، وظاهر حديث:«إذا عطس أحدكم فليحمد الله» (1) يشعر بشرعيته في جميع الأوقات التي منها وقت قضاء الحاجة، فهل يخصص عموم كراهة الذكر المستفادة من المقام بحديث العطاس، أو يجعل الأمر بالعكس، أو يكون بينهما عموم وخصوص من وجه فيتعارضا؟ فيه تردد.
وقد قيل: إنه يحمد بقلبه، وهو المناسب لتشريف مثل هذا الذكر وتعظيمه وتنزيهه. ا. هـ.
فائدة: استحب العلماء عند الذكر أيضا طهارة المكان واللباس من النجاسات وهو متجه، بل استحبوا التسوك وتنظيف الفم، وهو صحيح بلا شك، وأحاديث مشروعية السواك تدل عليه.
فائدة: وروي أن نافعا بن أبي نعيم أحد القراء كان إذا تكلم توجد من فيه ريح مسك، فسئل عنه قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم تفل في فيّ. ا. هـ. من ترجمته في سير النبلاء. (2)
فائدة قال النووي في الأذكار: (3) وينبغي أن يكون الموضعُ الذي يذكرُ فيه خاليًا نظيفًا، فإنه أعظمُ في احترام الذكر والمذكور، ولهذا مُدح الذكرُ في المساجد والمواضع الشريفة. ا. هـ.
(1) أخرجه أحمد (رقم: 8616) والبخاري (رقم: 5870) وأبو داود (رقم: 5033) والنسائي (رقم: 10060).
(2)
سير أعلام النبلاء 13/ 382.
(3)
الأذكار للنووي ص 12.