المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الحكم الأول لا يُجمع بين الأذكار التي ينوب بعضها عن بعض، - نتاج الفكر في أحكام الذكر

[عبد الله بن مانع الروقي]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌الحكم الأول

- ‌الحكم الثاني

- ‌الحكم الثالث

- ‌الحكم الرابع

- ‌الحكم الخامس

- ‌الحكم السادس

- ‌الحكم السابع

- ‌الحكم الثامن

- ‌الحكم التاسع

- ‌الحكم العاشر

- ‌الحكم الحادي عشر

- ‌الحكم الثاني عشر

- ‌الحكم الثالث عشر

- ‌الحكم الرابع عشر

- ‌الحكم الخامس عشر

- ‌الحكم السادس عشر

- ‌الحكم السابع عشر

- ‌الحكم الثامن عشر

- ‌الحكم التاسع عشر

- ‌الحكم العشرون

- ‌الحكم الواحد والعشرون

- ‌الحكم الثاني والعشرون

- ‌الحكم الثالث والعشرون

- ‌الحكم الرابع والعشرون

- ‌الحكم الخامس والعشرون

- ‌الحكم السادس والعشرون

- ‌الحكم السابع والعشرون

- ‌الحكم الثامن والعشرون

- ‌الحكم التاسع والعشرون

- ‌الحكم الثلاثون

- ‌الحكم الواحد والثلاثون

- ‌الحكم الثاني والثلاثون

- ‌الحكم الثالث والثلاثون

- ‌الحكم الرابع والثلاثون

- ‌الحكم الخامس والثلاثون

- ‌الحكم السادس والثلاثون

- ‌الحكم السابع والثلاثون

- ‌الحكم الثامن والثلاثون

- ‌الحكم التاسع والثلاثون

- ‌الحكم الأربعون

- ‌الحكم الواحد والأربعون

- ‌الحكم الثاني والأربعون

- ‌الحكم الثالث والأربعون

- ‌الحكم الرابع والأربعون

- ‌الحكم الخامس والأربعون

- ‌الحكم السادس والأربعون

- ‌الحكم السابع والأربعون

- ‌الحكم الثامن والأربعون

- ‌الحكم التاسع والأربعون

- ‌الحكم الخمسون

الفصل: ‌ ‌الحكم الأول لا يُجمع بين الأذكار التي ينوب بعضها عن بعض،

‌الحكم الأول

لا يُجمع بين الأذكار التي ينوب بعضها عن بعض، بل يكره ذلك أو يحرم، وإنما يُقال هذا تارة وهذا تارة؛ كأدعية الاستفتاح في الصلاة - مثلا - وبيان ذلك قال الشيخ تقي الدين ابن تيمية (1) رحمه الله في مجموع الفتاوي (2)، ما نصه:

وقاعدتنا في هذا الباب أصّح القواعد، أن جميع صفات العبادات، من الأقوال والأفعال إذا كانت مأثورة أثرًا يصح التمسك به، لم يكره شيء من ذلك، بل يشرع ذلك كله، كما قلنا في أنواع صلاة الخوف، وفي نوعي الأذان الترجيع، وتركه، ونوعي الإقامة شفعها، وإفرادها، وكما قلنا في أنواع التشهدات، وأنواع الاستفتاحات، وأنواع الاستعاذات، وأنواع القراءات، وأنواع تكبيرات العيد الزوائد، وأنواع

(1) هو: أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية الحراني الدمشقي، تقي الدين. الإمام شيخ الإسلام. حنبلي. ولد في حران وانتقل به أبوه إلى دمشق فنبغ واشتهر. سان بمصر مرتين من أجل فتاواه. توفي بقلعة دمشق معتقلا. كان داعية إصلاح في الدين، آية في التفسير والعقائد والأصول، فصيح اللسان. مكثرًا من التصنيف. من تصانيفه: السياسة الشرعية؛ ومنهاج السنة؛ وطبعت فتاواه في الرياض مؤخرا في 35 مجلدًا. أنظر: الأعلام للزركلي 1/ 140؛ والدرر الكامنة 1/ 144؛ والبداية والنهاية 14/ 135.

(2)

مجموع الفتاوى (24/ 242).

ص: 21

صلاة الجنازة، وسجود السهو، والقنوت قبل الركوع وبعده، والتحميد بإثبات الواو وحذفها، وغير ذلك؛ لكن قد يستحب بعض هذه المأثورات، ويفضل على بعض، إذا قام دليل يوجب التفضيل، ولا يكره الآخر. ومعلوم أنه لا يمكن المكلف أن يجمع في العبادة المتنوعة بين النوعين في الوقت الواحد، لا يمكنه أن يأتي بتشهدين معًا، ولا بقراءتين معًا، ولا بصلاتي خوف معًا، وإن فعل ذلك مرتين كان ذلك منهيًا عنه، فالجمع بين هذه الأنواع محرم تارة، ومكروه أخرى، ولا تنظر إلى من قد يستحب الجمع في بعض ذلك، مثل ما رأيت بعضهم قد لفّق ألفاظ الصلوات على النبي المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم، واستحب فعل ذلك الدعاء الملفق، وقال في حديث أبي بكر (1)

الصديق صلى الله عليه وسلم المتفق عليه لما قال للنبي صلى الله عليه وسلم: علمني دعاء أدعو به في صلاتي، فقال: قل: «اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كبيرًا» وفي رواية: «كثيرًا» (2)«وإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عند، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم» (3). فقال يستحب أن يقول: كثيرا كبيرا، وكذلك يقول في أشباه هذا: فإن هذا ضعيف، فإن هذا أولا ليس سنة، بل خلاف المسنون. فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل ذلك جميعه جميعًا؛

(1) هو: عبد الله بن أبي قحافة عثمان بن عامر. من تيم قريش. أول الخلفاء الراشدين، وأول من آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم. من أعاظم الرجال، وخير هذه الأمة بعد نبيها. ولد بمكة، ونشأ في قريش سيدًا، موسرًا، عالمًا بأنساب القبائل حرم على نفسه الخمر في الجاهلية، وكان مألفا لقريش، أسلم بدعوته كثير من الًسابقين. صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم في هجرته، وكان له معه المواقف المشهورة. ولي الخلافة بمبايعة الصحابة له. فحارب المرتدين، ورسخ قواعد الإسلام. وجه الجيوش إلى الشام والعراق ففتح قسم منها في أيامه. أنظر: منهاج السنة 3/ 118 (وأبو بكر الصديق) للشيخ علي الطنطاوي ..

(2)

صحيح البخاري (رقم: 834).

(3)

صحيح مسلم (رقم: 2705).

ص: 22

وإنما كان يقول هذا تارة، وهذا تارة، إن كان الأمران ثابتين عنه، فالجمع بينهما ليس سنة، بل بدعة، وإن كان جائزا.

الثاني: أن جمع ألفاظ الدعاء والذكر الواحد على وجه التعبد، مثل جمع حروف القراء كلهم، لا على سبيل الدرس والحفظ؛ لكن على سبيل التلاوة والتدبر، مع تنوع المعاني، مثل أن يقرأ في الصلاة:{فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} ، {بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} [البقرة: 10]. {بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا} [سبأ: 19]. {وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [البقرة: 85]. {وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ} . {إِصْرَهُمْ} [الأعراف: 157]. {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} . {وَأَرْجُلَكُمْ} [المائدة: 6]. {وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} {حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222]. {وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا} . {إِلَّا أَنْ يَخَافَا} [البقرة: 229]. {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} . {أَوْ لَامَسْتُمُ} [النساء: 43]. ومعلوم أن هذه بدعة مكروهة قبيحة.

الثالث: أن الأذكار المشروعة أيضا، لو لفق الرجل له تشهدا من التشهدات المأثورة، فجمع بين حديث ابن مسعود وصلواته (1)، وبين

(1) صحيح البخاري (رقم 831) وصحيح مسلم (رقم: 402).

ص: 23

زاكيات (1) تشهد عمر (2)، ومباركات (3) ابن عباس (4)، بحيث يقول: التحيات لله والصلوات والطيبات والمباركات والزاكيات، لم يشرع له ذلك، ولم يستحب فغيره أولى بعدم الاستحباب.

الرابع: أن هذا إنما يفعله من ذهب إلى كثرة الحروف، والألفاظ، وقد ينقص المعنى، أو يتغير بذلك، ولو تدبر القول لعلم أن كل واحد من المأثور يحصل المقصود، وإن كان بعضها حصله أكمل، فإنه إذا قال:«ظلمًا كثيرًا» فمتى كثر فهو كبير في المعنى، ومتى كبر فهو كثير في المعنى، وإذا قال:«اللهم صل على محمد وعلى آل محمد» . أو قال: «اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته» . فأزواجه وذريته من آله بلا شك، أو هم آله فإذا جمع بينهما، وقال:«على آل محمد وعلى أزواجه وذريته» . لم يكن قد تدبر المشروع، فالحاصل أن

(1) موطأ مالك ت عبد الباقي (1/ 91).

(2)

هو: عمر بن الخطاب بن نفيل، أبو حفص الفاروق. صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمير المؤمنين، ثاني الخلفاء الراشدين. كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو الله أن يعز الإسلام بأحد العمرين، فأسلم هو. وكان إسلامه قبل الهجرة بخمس سنين، فأظهر المسلمون دينهم. ولازم النبي صلى الله عليه وسلم، وكان أحد وزيريه، وشهد معه المشاهد. بايعه المسلمون خليفة بعد أبي بكر، ففتح الله في عهده الفتوح، ونشر الإسلام حتى قيل إنه انتصب في عهده اثنا عشر ألف منبر. وضع التاريخ الهجري. ودون الدواوين. قتله أبو لؤلؤة المجوسي وهو يصلي الصبح. أنظر: الأعلام للزركلي 5/ 204، وسيرة عمر بن الخطاب للشيخ علي الطنطاوي.

(3)

صحيح مسلم (رقم: 403).

(4)

هو: عبد الله بن عباس بن عبد المطلب. قرشي هاشمي. حبر الأمة وترجمان القرآن. أسلم صغيرًا ولازم النبي صلى الله عليه وسلم بعد الفتح وروى عنه. كان الخلفاء يجلونه. شهد مع علي الجمل وصفين. وكف بصره في آخر عمره. كان يجلس للعلم، فيجعل يومًا للفقه، ويومًا للتأويل، ويومًا للمغازي، ويومًا للشعر، ويومًا لوقائع العرب. توفي بالطائف. أنظر: الأعلام للزركلي، والإصابة؛ ونسب قريش ص 26.

ص: 24

أحد الذكرين إن وافق الآخر في أصل المعنى، كان كالقراءتين اللتين معناهما واحد، وإن كان المعنى متنوعا، كان كالقراءتين المتنوعتي المعنى، وعلى التقديرين فالجمع بينهما في وقت واحد لا يشرع. وأما الجمع في صلوات الخوف، أو التشهدات، أو الإقامة، أو نحو ذلك، بين نوعين، فمنهي عنه باتفاق المسلمين، وإذا كانت هذه العبادات القولية أو الفعلية لابد من فعلها على بعض الوجوه؛ كما لا بد من قراءة القرآن على بعض القراءات، لم يجب أن يكون كل من فعل ذلك على بعض الوجوه؛ إنما يفعله على الوجه الأفضل عنده، أو قد لا يكون. انتهى كلامه رحمه الله.

قال أبو محمد: وإذا تقرر هذا فإنه لا يجمع بين استفتاحين لحصول المقصود بالأول، فلم يصاد الثاني استفتاحا، وأيضا لم يجئ خبر قط بجمعهما، فإن قيل قد روى البيهقي من طريق بشر بن شعيب بن أبي حمزة أن أباه حدثه أن محمد بن المنكدر أخبره أن جابر بن عبد الله (1) رضي الله عنهما أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا استفتح الصلاة قال:«سبحانك اللهم وبحمد،، وتبار، اسمك، وتعالى جد،، ولا إله غير، وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفًا، وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له» . (2)

(1) هو: جابر بن عبد الله بن عمر بن حرام. أنصاري، سلمي. صحابي؛ شهد بيعة العقبة. وغزا مع النبي صلى الله عليه وسلم 19 غزوة. أحد المكثرين من الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت له في أواخر أيامه حلقة بالمسجد النبوي ويؤخذ عنه فيها العلم. كف بصره قبل موته بالمدينة. صلى الله عليه وسلم. أنظر: الإصابة 1/ 214، والأعلام للزركلي 2/ 92.

(2)

السنن الكبرى للبيهقي (رقم: 2351) قال في نصب الراية (1/ 319): قال البيهقي في المعرفة (2/ 349)(رقم: 3007): وقد روي في الجمع بينهما عن محمد بن المنكدر، مرة عن ابن عمر، ومرة عن جابر، وليس بالقوي، انتهى .. ووجدت في كتاب العلل (ص 147) لابن أبي حاتم قال: سأل أحمد بن سلمة أبي عن حديث رواه إسحاق بن راهويه في أول كتاب الجامع عن الليث بن سعد عن سعيد بن يزيد عن الأعرج عن عبيد الله بن أبي رافع عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يجمع في أول صلاته بين: سبحانك اللهم وبحمدك، وبين وجهت وجهي، إلى آخرهما، قال إسحاق: والجمع بينهما أحب إلي، فقال أبي: هذا حديث باطل موضوع لا أصل له، أرى أن هذا من رواية خالد بن القاسم المدائني، وقد كان خرج إلى مصر، فسمع من الليث، فرجع إلى المدائن، فسمع منه الناس، وكان يوصل المراسيل، ويضع لها أسانيد، فخرح رجل من أهل الحديث إلى مصر فكتب كتب الليث هناك، ثم قدم بها بغداد، فعارضوا بتلك الأحاديث، فبان لهم أن أحاديث خالد مفتعلة، انتهى كلامه.

ص: 25

فالجواب أن هذا الخبر لا يثبت لوجهين:

الأول: أن بِشرًا قد اختلف في سماعه من أبيه، فقد جزم أبو زرعة الرازي بأن سماعه من أبيه إنما كان إجازة (1).

الثاني: أن بشرا تفرد بالجمع بين هذين اللفظين في دعاء الاستفتاح فقد خالفه من هو أوثق منه وهو شريح بن يزيد الحضرمي فرواه عن شعيب بن أبي حمزة دون الاستفتاح الأول مقتصرا على قوله: «وجهت وجهي

» رواه هكذا

(1) أنظر الجرح: والتعديل 1/ ق1/ 359، تهذيب التهذيب 1/ 451.

قال الذهبي في ميزان الاعتدال (1/ 318) معلقًا: سمعت من شعيب وقد احتضر يقول: من أراد أن يسمع هذه الكتب فليسمعها من ابني، فإنه قد سمعها مني. أنظر: تهذيب التهذيب (1/ 452) قال أبو حاتم في الجرح والتعديل (1/ق1/ 359) ذكر لي أن أحمد بن حنبل سأله سمعت من أبيك شيئا؟ قال: لا. قال: فقرئ عليه وأنت حاضر؟ قال: لا. قال: فقرأت عليه؟ قال: لا.

قال: فأجاز لك؟ قال: نعم. وكتب عنه على معنى الاعتبار ولم يحدث عنه.

قال الذهبي في ميزان الاعتدال (1/ 318) معقبًا بعد أن أورد خبر أبي حاتم: فهذه القصة عنه هكذا ليست بصحيحة، فإن أبا حاتم رواها بلا سماع من أحمد، بل قال: ذكر لي أن أحمد سأله. وقال ابن حار في تهذيب التهذيب (1/ 452): فهذا معارض لحكاية أبي حاتم المنقطعة. ومما يؤيده أن أبا حاتم قال في تلك الحكاية أن أحمد لم يحدث عن بشر وليس الأمر كذلك بل حديثه عنه في المسند.

ص: 26

النسائي (1).

والدارقطني (2) وشريح من الثقات، وأيضا قال أبو حاتم في العلل، وقد ذكر حديثا يرويه شعيب بن أبي حمزة، قال ما نصه: رواه شُعيب بن أبي حمزة، عن مُحمد بن المنكدر، عن جابر وقد طعن فيها وكان عرض شُعيب على ابن المنكدر كتابا فأمر بقراءته عليه، فعر بعضًا وأنكر بعضًا، وقال: لابنه أو لابن أخيه اكتب هذه الأحاديث فدون شُعيب ذلك الكتاب، ولم يثبت رواية شُعيب تلك الأحاديث على الناس، وعرض علي بعض تلك الأحاديث فرأيتها مشابهة لحديث إسحاق بن أبي فروة، وهذا الحديث من تلك الأحاديث. ا. هـ.

(1) هو: أحمد بن علي بن شعيب، النسائي الإمام المحدث صاحب السنن. أصله من (نسا) بخراسان. خرج منها، وجال في العالم الإسلامي يسمع الحديث ويلقى الشيوخ حتى برع. ثم استقر بمصر. قيل أن شرطه في الرواة أقوى من شرط البخاري ومسلم. خرج إلى دمشق فسئل عن فضائل معاوية، فأمسك، فضربوه في الجامع وأخرجوه. فخرج قاصدا مكة، ومات في الرملة بفلسطين. من تصانيفه السنن الكبرى؛ والمجتبى، وهو السنن الصغرى؛ والضعفاء؛ وخصائص علي؛ وفضائل الصحابة. انظر: تذكرة الحفاظ 2/ 241؛ والأعلام للزركلي 1/ 164؛ والبداية والنهاية 11/ 123.

(2)

هو: علي بن عمر بن أحمد بن مهدي، أبو الحسن، البغدادي الدارقطني، نسبته إلى دار القطن محله ببغداد. إمام كبير ومحدث حافظ، وفقيه، ومقرئ. سمع الحديث من أبي القاسم البغوي وخلق كثير ببغداد والكوفة والبصرة وواسط. وتوفي ببغداد، ودفن قريبا من معروف الكرخي. من تصانيفه الكثيرة: كتاب السنن، والعلل الواردة في الأحاديث النبوية والمجتبى من السنن المأثورة، والمختلف والمؤتلف في أسماء الرجال. انظر: شذرات الذهب 3/ 116، وتذكرة الحفاظ 3/ 186، ومعجم المؤلفين 7/ 157، والأعلام 5/ 130.

ص: 27

قال أبو محمد: وأما جمع الأذكار في غير هذا المقام ففيه تفصيل، قال شيخنا المحرر ابن عثيمين رحمه الله في شرحه على البخاري، وقد سئل هل أذكار النوم تقال كلها؟

فأجاب رحمه الله: الذي يظهر لي أن هذا على أقسام:

الأول: ما دلت السنة على إفراده، ومثاله الاستفتاح فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما سأله أبو هريرة رضي الله عنه لم يذكر له إلا دعاء واحدا.

قلت: يعني شيخنا ما أخرجه البخاري من طريق عمارة بن القعقاع قال حدثنا أبو زرعة قال حدثنا أبو هريرة رضي الله عنه قال: كان الرسول صلى الله عليه وسلم يسكت بين التكبير وبين القراءة إسكاته - قال أحسبه قال هنية - فقلت بأبي وأمي يا رسول الله إسكاتك بين التكبير والقراءة ما تقول؟ قال أقول «اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب اللهم نقني من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس اللهم اغسل خطاياي بالماء والثل والبرد» . (1) وأخرجه مسلم أيضا (2).

الثاني: ما كان ظاهره أن بعضه ينوب عن بعض للتشابه بينهما؛ كالتسبيح بعد الصلوات، فإنه لا يجمع بين التسبيح والتحميد والتكبير ثلاثا وثلاثين، ثم التهليل واحدة، مع التهليل والتسبيح والتحميد والتكبير خمسا وعشرين.

الثالث: ما لم تدل السنة على إفراده. وليس ظاهره أن بعضه

(1) أخرجه البخاري. (رقم 744 و 711).

(2)

(رقم: 147) وأخرجه أحمد (رقم: 7164) وأبو داود (رقم: 781) والنسائي (رقم: 60) وابن ماجه (رقم: 805) والدرامي (رقم: 1244).

ص: 28

ينوب عن بعض لتشابهه، فالظاهر أنه يجمع بينه، ومثاله: أذكار الركوع والسجود والنوم.

فإن قال قائل: في أذكار النوم ذكر حذيفة (1) رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول دعاء كذا وكذا، وذكر البرآء (2) رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول كذا وكذا، فالظاهر الإفراد؟.

فيقال: ليس هذا واضحًا لجواز أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أسمع هذا ما لم يسمعه ذاك، والله أعلم. ا. هـ. من تعليقه على كتاب الدعوات من صحيح البخاري:(الشريط الأول/ الوجه الثاني).ا. هـ.

(1) هو: حذيفة بن اليمان (واليمان لقبه واسمه: حسيل ويقال حسل) أبو عبد الله العبسي. من كبار الصحابة، وصاحب سر رسول الله صلى الله عليه وسلم. أسلم هو وأبوه وأرادا شهود بدر فصدهما المشركون، وشهد أحدًا فاستشهد اليمان بها. شهد حذيفة الخندق وما بعدها، كما شهد فتوح العراق، وله بها آثار شهيرة. خيره النبي صلى الله عليه وسلم بين الهجرة والنصرة فاختار النصرة. استعمله عمر على المدائن فلم يزل بها حتى مات بعد بيعة علي بأربعين يومًا. روى عن النبي صلى الله عليه وسلم الكثير، وعن عمر، وروى عنه جابر وجندب وعبد الله بن يزيد وآخرون. انظر: تهذيب التهذيب 2/ 219، والإصابة 1/ 317؛ والأعلام للزركلي 2/ 180.

(2)

هو: البراء بن عازب بن الحارث بن عدي، أبو عمارة، الخزرجي الأنصاري. قائد صحابي، من أصحاب الفتوح. أسلم صغيرًا، وغزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس عشرة غزوة، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أبي بكر وعمر وعلي وبلال غييرهم رضي الله عنهم. وعنه عبد الله بن زيد الخطمي وأبو جحيفة وابن أبي ليلى وغيرهم. ولما ولي عثمان الخلافة جعله أميرًا على الري (بفارس) سنة 24. أنظر: الإصابة 1/ 142، وأسد الغابة 1/ 171، وتهذيب التهذيب 1/ 425، والأعلام 2/ 14.

ص: 29

وقال ابن القيم (1) في الهدي: (2) وكان يقول: (سبحان ربي العظيم) وتارة يقول مع ذلك أو مقتصرا عليه (سبحانك اللهم ربنا وبحمد،، اللهم اغفر لي) ا. هـ.

وهذا يؤيد قول شيخنا في القسم الثالث، ويزيد عليه أنه لا بأس بالإفراد.

قلت: وهذا ظاهر ما رويناه في صحيح مسلم: (3)

عن عبد الرحمن الأعرج، عن عبيد الله بن أبي رافع، عن علي بن أبي طالب (4)،

عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه كان إذا قام إلى الصلاة، قال: «وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفًا، وما أنا من المشركين، إن صلاتي، ونسكي، ومحياي، ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له، وبذلك أمرت وأنا من المسلمين، اللهم أنت الملك لا

(1) هو: محمد بن أبي بكر بن سعد الزرعي. شمس الدين من أهل دمشق. من أركان الإصلاح الإسلامي، واحد من كبار الفقهاء. تتلمذ على ابن تيمية وانتصر له ولم يخرج عن شيء من أقواله، وقد سجن معه بدمشق. كتب بخطه كثيرًا وألف كثيرًا. من تصانيفه: أنظر: الطرق الحكمية؛ ومفتاح دار السعادة والفروسية؛ ومدارج السالكين.

(2)

زاد المعاد في هدي خير العباد (1/ 209).

(3)

صحيح مسلم (رقم: 771).

(4)

هو: علي بن أبي طالب، واسم أبي طالب: عبد مناف بن عبد المطلب. من بني هاشم، من قريش. أمير المؤمنين. ورابع الخلفاء الراشدين، وأحد العشرة المبشرين بالجنة. زوجة النبي صلى الله عليه وسلم بنته فاطمة. ولي الخلافة بعد مقتل أمير المؤمنين عثمان، فلم يستقم له الأمر حتى قتل بالكوفة. كفره الخوارج، وغلا فيه الشيعة حتى قدموه على الخلفاء الثلاثة، وبعضهم غلا فيه حتى رفعه إلى مقام الألوهية. ينسب إليه (نهج البلاغة) وهو مجموعة خطب وحكم، أظهره الشيعة في القرن الخامس الهجري ويشك في صحة نسبته إليه. أنظر: الأعلام للزركلي 5/ 108؛ ومناهج السنة 3/ 2؛ والرياض النضرة 2/ 153 ..

ص: 30

إله إلا أنت أنت ربي، وأنا عبدك، ظلمت نفسي، واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعا، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، وأهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، وأصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك والخير كله في يديك، والشر ليس إليك، أنا بك وإليك، تباركت وتعاليت، أستغفر، وأتوب إليك»، وإذا ركع، قال:«اللهم لك ركعت، وبك آمنت، ولك أسلمت، خشع لك سمعي، وبصري، ومخي، وعظمي، وعصبي» ، وإذا رفع، قال:«اللهم ربنا لك الحمد ملء السماوات، وملء الأرض، وملء ما بينهما، وملء ما شئت من شيء بعد» ، وإذا ساد، قال:«اللهم لك سادت، وبك آمنت، ولك أسلمت، ساد وجهي للذي خلقه، وصوره، وشق سمعه وبصره، تبار، الله أحسن الخالقين» ، ثم يكون من آخر ما يقول بين التشهد والتسليم:«اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أسرفت، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت» .

فظاهره الاقتصار على هذا الدعاء. ولذا وقع عند الترمذي (1)، بلفظ:«فإذا ركع كان كلامه في ركوعه أن يقول: اللهم لك ركعت» . (2)

(1) هو: محمد بن عيسى بن سورة السلمي البوغي الترمذي، أبو عيسى. من أئمة علماء الحديث وحفاظه. من أهل ترمذ، على نِر جيجون. تلميذ للبخاري. شاركه في بعض شيوخه. كان يضرب به المثل في الحفظ. من تصانيفه:(الجامع الكبير) المعروف بسنن الترمذي. أحد الكتب الستة المقدمة في الحديث عند أهل السنة؛ و (الشمائل النبوي). أنظر: الأنساب للسمعاني ص 95؛ والتهذيب 9/ 387.

(2)

سنن الترمذي (رقم: 3423).

ص: 31