الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحكم السادس والأربعون
هل تشرع التسمية عند الشروع في كل أمر؟، وللجواب نقول أخرج أحمد في مسنده (1) وابن ماجه:(2) من طريق الأوزاعي، عن قرة بن عبد الرحمن، عن الزهري، عن أبي سلمه، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل كلام، أو أمر ذي بال لا يفتح بذكر الله، فهو أبتر» أو قال: «أقطع» .
وهو خبر ضعيف، لضعف قرة بن عبد الرحمن، وللاضطراب الذي وقع في إسناده ومتنه.
وروي عن الزهري مرسلًا، فقد أخرجه النسائي في عمل اليوم والليلة:(3) من طريق الوليد بن مسلم، عن سعيد بن عبد العزيز، ومن طريق الليث، عن عقيل بن خالد، ومن طريق الحسن بن عمر، ثلاثتهم عن الزهري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكره، وقال فيه:«بذكر الله» .
ورجح الدارقطني في سننه (4)، والعلل (5) هذه الرواية المرسلة
(1) أحمد (رقم: 8712).
(2)
وابن ماجه (رقم: 1894).
(3)
النسائي في عمل اليوم والليلة (رقم: 495 - 496 - 497).
(4)
سنن الدارقطني (رقم: 883).
(5)
علل الدارقطني (رقم: 1391).
على الرواية الموصولة، قلت: ومراسيل الزهري ضعيفة.
وأخرج عبد الرزاق في مصنفه: (1) عن معمر، قال: أخبرني رجل من الأنصار رفع الحديث، فذكره. وهذا مرسل أيضًا.
وفي بعض ألفاظه: «بسم الله» ولا يثبت. والتسمية شرعت في مواضع كثيرة. ومن ذلك: أن الله افتتح بها كتابه وجميع سور القرآن عدا سورة براءة، وشرعت عند الأكل والشرب ودخول المنزل والخروج منه، وعند الذبح وإرسال الصيد، وعند الوضوء والجماع، وعند الدفن، وعند بعث الجيوش، وعند النوم، وعند الاستيقاظ والرقية وفي صدور الكتب. وغير ذلك مما صحت به الأخبار، فهل تحصر التسمية فيما جاءت به الأخبار، أم يقال الشارع أراد التكثير، وإنما المواضع الواردة أمثلة؟ الظاهر الثاني فهي مشروعة للاستعانة أصالة، والعبد محتاج لعون الله كل لحظة، ما لم تدل الأدلة على ترك التسمية. فإن افتتاح صلاته بالتكبير لا بالتسمية، وعلى هذا تشرع عند قيامه لمهامه وشروعه لكل ذي بال من عمله وكسبه. هذا ما ظهر لي.
قال ابن كثير في مقدمة تفسيره (2) ما نصه: ومن هاهنا ينكشف لك أن القولين عند النحاة في تقدير المتعلق بالباء في قولك: باسم الله، هل هو اسم أو فعل متقاربان وكل قد ورد به القرآن؛ أما من قدره باسم، تقديره:
باسم الله ابتدائي، فلقوله تعالى:{وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} [هود: 41]. ومن قدره بالفعل: أمرًا وخبرًا، نحو: أبدأ ببسم الله أو ابتدأت ببسم الله. فلقوله:
(1) مصنف عبد الرزاق (رقم: 20208).
(2)
تفسير ابن كثير 1/ 121.
{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق: 1]. وكلاهما صحيح، فإن الفعل لا بد له من مصدر، فلك أن تقدر الفعل ومصدره، وذلك بحسب الفعل الذي سميت قبله، إن كان قيامًا أو قعودًا أو أكلًا أو شربًا أو قراءة أو وضوءًا أو صلاة، فالمشروع ذكر اسم الله في الشروع في ذلك كله، تبركًا وتيمنًا واستعانة على الإتمام والتقبل، والله أعلم. ا. هـ.
وقال على آية هود: (1){وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا} [هود: 41] الآية. ولهذا تستحب التسمية في ابتداء الأمور: عند الركوب على السفينة وعلى الدابة، كما قال تعالى:{وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ (12) لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ} [الزخرف: 12، 13] الآية، وجاءت السنة بالحث على ذلك، والندب إليه. ا. هـ.
فائدة: التسمية عند الذبح؛ قيل سنة، وقيل واجب، وقيل شرط، وهو أصح الأقوال.
قال ابن حزم: (2) أخبرنا حمام بن أحمد نا أبو محمد الباجي نا محمد بن عبد الملك بن أيمن نا أحمد بن مسلم نا أبو ثور نا معلى نا هشيم، عن يونس هو ابن عبيد - عن محمد بن زياد: قال: إن رجلًا نسي أن يسمي الله تعالى على شاة ذبحها فأمر ابن عمر غلامه فقال: إذا أراد أن يبيع منها لأحد؟ فقل له: إن ابن عمر يقول: إن هذا لم يذكر اسم الله عليها حين ذبحها - وهذا إسناد في غاية الصحة.
(1) تفسير ابن كثير 4/ 322.
(2)
المحلى 6/ 89.
ومن طريق ابن أبي شيبة نا معتمر بن سليمان عن خالد هو الحذاء - عنِ ابن سيرين عن عبد الله بن يزيد (1) رضي الله عنه قال: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} .
[الأنعام: 121]
ومن طريق ابن أبي شيبة، أخبرنا يزيد بن هارون، عن أشعث - هو الحمراني - عن ابن سيرين، عن عبد الله بن يزيد رضي الله عنه: سأله رجل عمن ذبحِ ونسي أن يسمي الله؟ فتلا عبد الله قول الله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: 121]. وعبد الله هذا هو صحيح الصحبة. ا. هـ.
قال أبو محمد: هذان أثران صحيحان عن صحابيين وروى عبد الرزاق: (2) عن ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن أبي الشعثاء قال: حدثنا عين يعني عكرمة، عن ابن عباس، قال:«إن في المسلم اسم الله، فإن ذبح، ونسي اسم الله فليأكل، وإن ذبح المجوسي، وذكر اسم الله فلا تأكله» .
وهذا خلاف ما نقل عنهما فالجواب: أنِما أسعد بالنص منه
(1) هو: عبد الله بن يزيد بن زيد بن حصين بن عمرو بن الحارث بن خطمة، أبو موسى، الأنصاري الخطمي. (بفتح الخاء وسكون الطاء وفي آخرها الميم هذه النسبة إلى بطن من الأنصار يقال له خطمة). صحابي شهد الحديبية وهو صغير، وشهد الجمل وصفين مع علي وكان أميرًا له على الكوفة. روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أبي أيوب وأبي مسعود وزيد بن ثابت وغيرهم. وعنه ابنه موسى وابن ابنته عدي بن ثابت الأنصاري والشعبي ومحمد ابن سيرين وغيرهم. انظر: الإصابة 2/ 382، وتهذيب التهذيب 6/ 87، والأنساب 5/ 163، والأعلام 4/ 290.
(2)
عبد الرزاق (رقم: 8548).
ففي الصحيحين: (1) عن رافع بن خديج، قال: قلت: يا رسول الله، إنا لاقو العدو غدًا، وليست معنا مُدى، فقال:«أعجل، أو أرن، ما أنهر الدم وذكر اسم الله فكل، ليس السن والظفر، وسأحدثك: أما السن فعظم، وأما الظفر فمُدى الحبشة» .
فجعل أنهار الدم والتسمية بمنزلة واحدة، وكلهم يقول بشرطية أنهار الدم، والشروط لا تسقط بالنسيان، فكذا التسمية، وهذا أصح ما قيل في التسمية هنا، والحمد لله.
فائدة: افتتح البخاري صحيحة بالبسملة ولم يذكر الحمد ولم يتشهد.
قال ابن حار في شرحه (2) ما نصه: ليس فيهما أن ذلك يتعين بالنطق والكتابة معًا فلعله حمد وتشهد نطقًا عند وضع الكتاب ولم يكتب ذلك اقتصارًا على البسملة لأن القدر الذي يجمع الأمور الثلاثة ذكر الله وقد حصل بها ويؤيده أن أول شيء نزل من القرآن أقرأ باسم ربك فطريق التأسي به الافتتاح بالبسملة والاقتصار عليها ا. هـ.
فائدة: قال السبكي في طبقاته: (3) قلت: وقد قال الخطيب أبو بكر الحافظ رحمه الله في جامعه: إنه رأى كثيرًا من خط الإمام أحمد رحمه الله فيه ذكر النبي صلى الله عليه وسلم، وليست الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم مكتوبة معه، قال: وبلغني أنه كان يصلي عليه لفظًا. ا. هـ.
فائدة: قال في بدائع الفوائد: (4) قال إسحاق بن هانئ: تعشيت
(1) البخاري (رقم: 5509) ومسلم (رقم: 1968).
(2)
فتح الباري لابن حجر 1/ 8.
(3)
طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 1/ 22.
(4)
بدائع الفوائد 4/ 119.
مرة أنا وأبو عبد الله وقرابة لنا، فاعلنا نتكلم وهو يأكل، وجعل يمسح عند كل لقمة بيده بالمنديل، وجعل يقول عند كل لقمة:«الحمد لله وبسم الله» ثم قال لي: «أكل وحمد خير من أكل وصمت» .
في آداب ابن مفلح: (1) وكذا قال خالد بن معدان التابعي الثقة الفقيه الصالح أكل وحمد خير من أكل وصمت
…
وتعقبه بقوله: ولو كان مستحبًا لنقل عن النبي صلى الله عليه وسلم قولًا أو فعلًا ولو في حديث واحد، بل ظاهر ما نقل من حاله أنه لم يفعله وهو صلى الله عليه وسلم الغاية في فعل الفضائل، وكذلك المعروف، والمشهور من حال الصحابة، والتابعين فمن بعدهم رضي الله عنهم ا. هـ.
قال أبو محمد هذا باب واسع؛ أعني الأذكار المنقولة عن السلف - من الصحابة والتابعين - في الأحوال المقيدة؛ وأما في الإطلاق فلا بأس؛ وإنما وقع الخلاف في التقييد، وتقدمت الإشارة إلى ذلك في الحكم الثاني.
فائدة: قال أبو العباس في الفتاوى الكبرى: (2) وإذا قال عند الأكل بسم الله الرحمن الرحيم كان حسنًا فإنه أكمل بخلاف الذبح فإنه قد قيل إن ذلك لا يناسب. ا. هـ.
(1) الآداب الشرعية والمنح المرعية 3/ 178.
(2)
الفتاوى الكبرى 5/ 480.