الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحكم السابع
شرط حصول الأجر الكامل في الأذكار: تواطؤ القلب مع اللسان.
وفوات ذلك مع ذكر اللسان لا يمنع حصول أصل الأجر، وهو أحد الأسباب في انتفاع الذاكر بذكره، وتقدمت الإشارة إلى ذلك وأفردناه هنا للأهمية.
قال شي الإسلام: (1) الناس في الذكر أربع طبقات.
أحداها: الذكر بالقلب واللسان وهو المأمور به.
الثاني: الذكر بالقلب فقط، فإن كان مع عجز اللسان فحسن، وإن كان مع قدرته فترك للأفضل.
الثالث: الذكر باللسان فقط، وهو كون لسانه رطبًا بذكر الله، وفيه حكاية التي لم تجد الملائكة فيه خيرًا؛ إلا حركه لسانه بذكر الله، ويقول الله تعالى:«أنا مع عبدي ما ذكرني وتحركت بي شفتاه» (2).
(1) مجموع الفتاوى لابن تيمية (10/ 566).
(2)
أخرجه ابن ماجه (رقم: 3792) وابن حبان (رقم: 815) موصولًا بسند صحيح، وعلَّقه البخاري (9/ 153) بصيغة الجزم.
الرابع: عدم الأمرين وهو حال الخاسرين.
وقال: (1) لكن يكون الذكر في النفس كاملًا وغير كامل فالكامل باللسان مع القلب وغير الكامل بالقلب فقط.
وقال رحمه الله: (2) ومن جعل همّته في الدعاء، تقويم لسانه أضعف توجه قلبه، ولهذا يدعو المضطر بقلبه دعاء يفتح عليه لا يحضره قبل ذلك، وهذا أمر يجده كل مؤمن في قلبه. ا. هـ.
وقال النووي على شرح مسلم (3) ما نصه: قال القاضي عياض رحمه الله: وذكر الله تعالى ضربان، ذكر بالقلب، وذكر باللسان، وذكر القلب نوعان:
أحدهما: وهو أرفع الأذكار وأجلها، الفكر في عظمة الله تعالى وجلاله، وجبروته وملكوته، وآياته في سمواته وأرضه، ومنه الحديث خير الذكر الخفي، والمراد به هذا.
والثاني: ذكره بالقلب، عند الأمر والنهى، فيمتثل ما أمر به، ويترك ما نهى عنه، ويقف عما أشكل عليه، وأما ذكر اللسان مجردا فهو أضعف الأذكار، ولكن فيه فضل عظيم كما جاءت به الأحاديث، قال: وذكر ابن جرير الطبري وغيره: اختلاف السلف في ذكر القلب واللسان، أيهما أفضل؛ قال القاضي: والخلاف عندي، إنما يتصور في مجرّد ذكر القلب تسبيحًا وتهليلًا، وشبههما، وعليه يدل كلامهم، لا أنهم مختلفون في الذكر الخفي الذي ذكرناه؛ وإلا فذلك لا يقاربه ذكر اللسان فكيف يفاضله، وإنما الخلاف في ذكر القلب بالتسبيح المجرد
(1) مجموع الفتاوى لابن تيمية (15/ 35).
(2)
مجموع الفتاوى لابن تيمية (22/ 489).
(3)
شرح مسلم (17/ 15).
ونحوه، والمراد بذكر اللسان مع حضور القلب، فإن كان لاهيا فلا، واحتج من رجح ذكر القلب بأن عمل السر أفضل، ومن رجح ذكر اللسان، قال لأن العمل فيه أكثر، فإن زاد باستعمال اللسان اقتضى زيادة أجر، قال القاضي: واختلفوا هل تكتب الملائكة ذكر القلب، فقيل تكتبه، ويجعل الله تعالى لهم علامة يعرفونه بها، وقيل لا يكتبونه؛ لأنه لا يطلع عليه غير الله، قلت: الصحيح أنهم يكتبونه، وأن ذكر اللسان مع حضور القلب أفضل من القلب وحده، والله أعلم. ا. هـ.
وقال النووي أيضا في أذكاره: (1) المراد من الذكر حضور القلب، فينبغي أن يكون هو مقصود الذاكر فيحرص على تحصيله، ويتدبّر ما يذكر، ويتعقل معناه. فالتدبّر في الذكر مطلوب كما هو مطلوب في القراءة لاشتراكهما في المعنى المقصود. ا. هـ.
وقال النووي أيضًا: وفي صحيح البخاري من حديث عبد الوارث، حدثنا الحسين، حدثنا عبد الله بن بريدة، حدثني بشير بن كعب العدوي، قال: حدثني شداد بن أوس (2).
وعند النسائي من طريق يزيد، وهو بن زريع، قال: حدثنا حسين المعلم، عن عبد الله بن بريدة، عن بشير بن كعب، عن شداد بن أوس، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «إن سيّد الاستغفار، أن يقول العبد: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني، وأنا عبد، وأنا على عهد، ووعد، ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بذنبي وأبوء لك بنعمتك عليّ فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب
(1) الأذكار (1/ 40).
(2)
هو: شداد بن أوس بن ثابت، أبو يعلى، الأنصاري الخزرجي. صحابي، من الأمراء. روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن كعب الأحبار. وعنه ابنه يعلى ومحمد وبشير بن كعب العدوي ومحمود بن الربيع وغيرهم. ولاه عمر رضي الله عنه إمارة حمص، ولما قتل عثمان رضي الله عنه اعتزل، وعكف على العبادة. قال أبو الدرداء رضي الله عنه: لكل أمة فقيه وفقيه هذه الأمة شداد بن أوس. وله في كتب الحديث 50 حديثًا. أنظر: الإصابة 2/ 138، وتهذيب التهذيب 4/ 315، والأعلام 3/ 232.
(3)
صحيح البخاري (رقم: 5947).
إلا أنت، فإن قالها حين يصبح موقنا بها، فمات دخل الجنة، وإن قالها حين يمسي موقنا بها دخل الجنة» (1).
وهذا وإن كان واردًا في هذا الذكر، فهو قيد في سائر الألفاظ فالأذكار المطلقة تحمل على هذا فلا بد للمسبح أن يعتقد تسبيح الله وتنزيهه، ولا للحامد أن يعتقد استحقاق الله للحمد، ولا بد للمكبر أن يعتقد أن الله ليس أكبر منه شيء لا في ذاته ولا في كمال أسمائه وصفاته.
وأصل الأمر لا يحصل إلا بهذا، وكماله يحصل باستغراق ما دلت عليه تلك المحامد والتسبيحات من المحامد العظيمة والتنزيهات
…
الخ.
فإن قيل فما معنى أصل الأجر وكماله: قيل استحقاق دخول الجنة إن رتب على ذكر ما، فالذاكر موعود بالدخول، والمستكمل
(1) سنن النسائي (رقم: 5522).
لمعاني الذكر سابق في الدخول. وقس على هذا جميع وعود الشارع المرتبة على الأذكار.
والمؤمنون موعودون بالجنة، وهم يتفاضلون في السبق في دخولها، وفي التنّعم فيها، وهذا وإن كان يحصل بسبب اختلاف الأعمال، فإنه أيضًا حاصل بالاختلاف في العمل الواحد، فليس الذاكرون كلهم على حدّ واحد في مقدار ذكرهم، وتواطؤ قلوبهم مع أذكارهم، وتفاضل هذا حاصل به العلم ضرورة.
وقس على هذا تفاوت حظوظ المصلين من صلاتهم، وتفاوت انتفاعهم بها في دنياهم وآخرتهم، وهذا باب لطيف يدركه من يدركه، ويوفق للسبق فيه المسارعون للخيرات جعلنا الله منهم برحمته وجوده ..