الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحكم الثاني والثلاثون
الأذكار عبادة فلا تثبت بالتجارب ولا بالاستحسان، ولا بالذوق، فإذا ثبت ذكر في محل فلا يثبت في شبيهه أو نظيره ما لم يدل دليل، ولهذا فلا يكون بعد صلاة النافلة من الأذكار مثل ما ثبت في الفريضة، وفي مجموع فتاوي أبي العباس:(1) وسئل رحمه الله: عمن يقول: أنا أعتقد أن من أحدث شيئا من الأذكار غير ما شرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصح عنه أنه قد أساء وأخطأ؛ إذ لو ارتضى أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم نبيه وإمامه ودليله، لاكتفى بما صح عنه من الأذكار، فعدوله إلى رأيه واختراعه جهل وتزيين من الشيطان وخلاف للسنة؛ إذ الرسول صلى الله عليه وسلم لم يترك خيرا إلا دلنا عليه وشرعه لنا، ولم يدخر الله عنه خيرا؛ بدليل إعطائه خير الدنيا والآخرة؛ إذ هو أكرم الخلق على الله فهل الأمر كذلك أم لا؟.
فأجاب: الحمد لله، لا ريب أن الأذكار والدعوات من أفضل العبادات، والعبادات مبناها على التوقيف والاتباع لا على الهوى والابتداع، فالأدعية والأذكار النبوية هي أفضل ما يتحراه المتحري من الذكر والدعاء، وسالكها على سبيل أمان وسلامة والفوائد والنتائج التي
(1) مجموع الفتاوى 22/ 510.
تحصل لا يعبر عنه لسان ولا يحيط به إنسان، وما سواها من الأذكار قد يكون محرما وقد يكون مكروها، وقد يكون فيه شر، مما لا يهتدي إليه أكثر الناس، وهي جملة يطول تفصيلها. وليس لأحد أن يسن للناس نوعا من الأذكار والأدعية غير المسنون، ويجعلها عبادة راتبة يواظب الناس عليها، كما يواظبون على الصلوات الخمس؛ بل هذا ابتداع دين لم يأذن الله به؛ بخلاف ما يدعو به المرء أحيانًا من غير أن يجعله للناس سنة، فهذا إذا لم يعلم أنه يتضمن معنى محرمًا لم يجز الجزم بتحريمه؛ لكن قد يكون فيه ذلك والإنسان لا يشعر به.
وهذا كما أن الإنسان عند الضرورة يدعو بأدعية تفتح عليه ذلك الوقت فهذا وأمثاله قريب. وأما اتخاذ ورد غير شرعي واستنان ذكر غير شرعي: فهذا مما ينهى عنه ومع هذا ففي الأدعية الشرعية والأذكار الشرعية غاية المطالب الصحيحة ونهاية المقاصد العلية ولا يعدل عنها إلى غيرها من الأذكار المحدثة المبتدعة إلا جاهل أو مفرط أو متعد. ا. هـ. قال أبو محمد: وفي إحداث الأذكار واختراعها: استدراك على الشارع، وهجر للمشروع، وتغرير بالعامة ..
وهنا مسألة: إذا كان البدل له حكم المبدل فما المانع -إذا استوى معه في جميع الوجوه-؟ فإذا قلنا تشرع التسمية في الوضوء فكذا في الغسل من الحدث وقد صح عن عمر التسمية عنده، قال ابن المنذر في الأوسط:(1) حدثنا موسى بن هارون، ثنا أبي، ثنا محمد بن بكير، ثنا ابن جري، قال: أخبرني عطاء، قال: أخبرني صفوان بن يعلى بن أمية، عن أبيه، قال: بينما عمر يغتسل إلى بعير وأنا أستر، عليه بثوب يعلى الساتر قال: بسم الله. ا. هـ. فكذا تشرع عند التيمم؛
(1) الأوسط 1/ 367.
قال البخاري في صحيحه: (1) باب: الصعيد الطيب وضوء المسلم، يكفيه من الماء. وروى أهل السنن خلا ابن ماجه:(2) من طريق قلابة عن عمرو بن بجدان عن أبي ذر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الصعيد الطيب وضوء المسلم، وإن لم يجد الماء عشر سنين» وهذا لفظ النسائي مختصر .. فسماه النبي عليه الصلاة والسلام وضوءًا.
(1) صحيح البخاري 1/ 75.
(2)
أخرجه أبو داود (رقم: 332) والترمذي (رقم: 124) والنسائي (رقم: 322) وابن حبان (رقم: 1313) وقال الحافظ في المختصر: إسناده قوي، وصححه ابن حبان والدارقطني.