المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌الحكم الأول

- ‌الحكم الثاني

- ‌الحكم الثالث

- ‌الحكم الرابع

- ‌الحكم الخامس

- ‌الحكم السادس

- ‌الحكم السابع

- ‌الحكم الثامن

- ‌الحكم التاسع

- ‌الحكم العاشر

- ‌الحكم الحادي عشر

- ‌الحكم الثاني عشر

- ‌الحكم الثالث عشر

- ‌الحكم الرابع عشر

- ‌الحكم الخامس عشر

- ‌الحكم السادس عشر

- ‌الحكم السابع عشر

- ‌الحكم الثامن عشر

- ‌الحكم التاسع عشر

- ‌الحكم العشرون

- ‌الحكم الواحد والعشرون

- ‌الحكم الثاني والعشرون

- ‌الحكم الثالث والعشرون

- ‌الحكم الرابع والعشرون

- ‌الحكم الخامس والعشرون

- ‌الحكم السادس والعشرون

- ‌الحكم السابع والعشرون

- ‌الحكم الثامن والعشرون

- ‌الحكم التاسع والعشرون

- ‌الحكم الثلاثون

- ‌الحكم الواحد والثلاثون

- ‌الحكم الثاني والثلاثون

- ‌الحكم الثالث والثلاثون

- ‌الحكم الرابع والثلاثون

- ‌الحكم الخامس والثلاثون

- ‌الحكم السادس والثلاثون

- ‌الحكم السابع والثلاثون

- ‌الحكم الثامن والثلاثون

- ‌الحكم التاسع والثلاثون

- ‌الحكم الأربعون

- ‌الحكم الواحد والأربعون

- ‌الحكم الثاني والأربعون

- ‌الحكم الثالث والأربعون

- ‌الحكم الرابع والأربعون

- ‌الحكم الخامس والأربعون

- ‌الحكم السادس والأربعون

- ‌الحكم السابع والأربعون

- ‌الحكم الثامن والأربعون

- ‌الحكم التاسع والأربعون

- ‌الحكم الخمسون

الفصل: ‌الحكم الثاني والأربعون

‌الحكم الثاني والأربعون

الذكر سبب لشرح الصدور وشفاء أسقام الأرواح والأجساد، فما استشفى بمثل كلام الله وذكره وما استدفعت الأسقام بمثل ذلك، قال الله جل وعلا:{يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (57) قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس: 57، 58]. وقد فسر فضله بالإسلام، ورحمته بالقرآن. كذا قال جمهرة من المفسرين.

قال ابن كثير في تفسيره: (1) يقول تعالى ممتنا على خلقه بما أنزل إليهم من القرآن العظيم على رسوله الكريم: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ} أي: زاجر عن الفواحش، {وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ} أي: من الشبه والشكوك، وهو إزالة ما فيها من رجس ودنس، {وَهُدًى وَرَحْمَةٌ} أي: محصل لها الهداية والرحمة من الله تعالى. وإنما ذلك للمؤمنين به والمصدقين الموقنين بما فيه؛ كما قال تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا} [الإسراء: 82]. وَقالَ تَعَالَى: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ

(1) تفسير ابن كثير 4/ 274.

ص: 299

وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ} [فصلت: 44]. ا. هـ.

وقال ابن القيم عن فاتحة الكتاب ما نصه: (1) فاتحة الكتاب: وأم القرآن، والسبع المثاني، والشفاء التام، والدواء النافع، والرقية التامة، ومفتاح الغنى والفلاح، وحافظة القوة، ودافعة الهم والغم والخوف والحزن لمن عرف مقدارها وأعطاها حقها، وأحسن تنزيلها على دائه، وعر وجه الاستشفاء والتداوي بها، والسر الذي لأجله كانت كذلك.

ولما وقع بعض الصحابة على ذلك، رقى بها اللديغ، فبرأ لوقته، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:«وما أدراك أنِا رقية» . (2)

ومن ساعده التوفيق، وأعين بنور البصيرة حتى وقف على أسرار هذه السورة، وما اشتملت عليه من التوحيد، ومعرفة الذات والأسماء والصفات والأفعال، وإثبات الشرع والقدر والمعاد، وتجريد توحيد الربوبية والإلهية، وكمال التوكل والتفويض إلى من له الأمر كله، وله الحمد كله، وبيده الخير كله، وإليه يرجع الأمر كله، والافتقار إليه في طلب الهداية التي هي أصل سعادة الدارين، وعلم ارتباط معانيها بجلب مصالحهما، ودفع مفاسدهما، وأن العاقبة المطلقة التامة، والنعمة الكاملة منوطة بها، موقوفة على التحقق بها، أغنته عن كثير من الأدوية والرقى، واستفتح بها من الخير أبوابه، ودفع بها من الشر أسبابه. ا. هـ. والأخبار في الاستشفاء بها كثيرة.

(1) زاد المعاد في هدي خير العباد 4/ 318.

(2)

البخاري (رقم: 5736) مسلم (رقم: 2201)

ص: 300

فائدة أخرج أحمد في مسنده (1) قال: حدثنا يحيى بن سعيد، عن شعبة، عن سماك، قال:

قال محمد بن حاطب: (2) انصبت على يدي من قدر، فذهبت بي أمي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو في مكان، قال: فقال كلامًا فيه: «أذهب البأس، رب الناس - وأحسبه قال - اشف أنت الشافي» قال: وكان يتفل.

وأعاده (3) من طريق: حدثنا شريك، عن سما، بن حرب، عن محمد بن حاطب، قال: دببت إلى قدر، وهي تغلي فأدخلت يدي فيها، فاحترقت - أو قال: فورمت يدي - فذهبت بي أمي إلى رجل كان بالبطحاء، فقال: شيئًا، ونفث، فلما كان في إمرة عثمان، قلت لأمي من كان ذلك الرجل؟ قالت: رسول الله صلى الله عليه وسلم. والحديث ثابت وشريك متابع.

فالاستشفاء يكون بكلام الله وبالأذكار النبوية.

قال ابن القيم: في غير موضع من كتبه في أنواع هجر القرآن: هجر الاستشفاء والتداوي به في جميع أمراض القلب وأدوائها فيطلب شفاء دائه من غيره ويهار التداوي به وكل هذا داخل في قوله: {وَقَالَ

(1) أحمد (رقم: 15452)

(2)

هو محمد بن حاطب بن الحارث بن معمر القرشي الجمحي. صحابي. ولد بأرض الحبشة أمه أم جميل فاطمة بنت المجلل. عده ابن حبيب من «أجواد الإسلام» وهو أول من سمي «محمدًا» في الإسلام. قال هشام بن الكلبي: شهد محمد بن حاطب مع علي مشاهده كلها الجمل وصفين والنهروان. انظر: الإصابة 3/ 372، وأسد الغابة 4/ 314، وشذرات الذهب 1/ 82، والأعلام 6/ 304.

(3)

أحمد (رقم: 15454).

ص: 301

الرَّسُولُ يَارَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} وإن كان بعض الهجر أهون من بعض. الخ كلامه.

فائدة: أخرج الشيخان: (1) من طريق عروة بن الزبير، قال أبو هريرة رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا، من خلق كذا، حتى يقول: من خلق ربك؟ فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته» زاد مسلم: وليقل: «آمنت بالله ورسله» .

وروى أبو داود: (2) من طريق محمد - يعنى ابن إسحاق - قال حدثني عتبة بن مسلم مولى بني تيم عن أبى سلمه بن عبد الرحمن عن أبى هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يِقول فذكر نحوه، قال:«فإذا قالوا ذلك فقولوا: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} ثم ليتفل عن يساره ثلاثًا وليستعذ من الشيطان» .

فائدة: الألفاظ قوالب للمعاني، فكل مرض ناسبه ألفاظ من القران والأدعية المشروعة، فهو من أسباب الشفاء بإذن الله لا يختلفون في ذلك.

قال ابن القيم: (3) كتاب للرعاف: كان شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يكتب على جبهته: {وَقِيلَ يَاأَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَاسَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ} [هود: 44]. وسمعته يقول: كتبتها لغير واحد فبرأ، فقال: ولا يجوز كتابتها بدم الراعف، كما يفعله الجهال، فإن الدم

(1) أخرجه البخاري (رقم: 3102) ومسلم (رقم: 134).

(2)

أبو داود (رقم: 4722)

(3)

الطب النبوي لابن القيم ص 271.

ص: 302

نجس، فلا يجوز أن يكتب به كلام الله تعالى.

كتاب آخر له: خرج موسى عليه السلام برداء، فوجد شعيبًا، فشده بردائه {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} [الرعد: 39].

كتاب آخر للحزاز: يكتب عليه: {فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ} [البقرة: 266]. بحول الله وقوته.

وقال أيضًا: (1) كتاب لوجع الضرس: يكتب على الخد الذي يلي الوجع: بسم الله الرحمن الرحيم: {قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ} [الملك: 23]، وإن شاء كتب:{وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [الأنعام: 13].

كتاب للخراج: يكتب عليه: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا (105) فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا (106) لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا} [طه: 105 - 107]. ا. هـ

وقال ابن القيم في المدارج: (2) وكان شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إذا اشتدت عليه الأمور: قرأ آيات السكينة.

وسمعته يقول في واقعة عظيمة جرت له في مرضه، تعجز العقول عن حملها - من محاربة أرواح شيطانية، ظهرت له إذ ذاك في حال ضعف القوة - قال: فلما اشتد علي الأمر، قلت لأقاربي ومن حولي:

(1) الطب النبوي لابن القيم ص 272.

(2)

مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين 2/ 471.

ص: 303

اقرءوا آيات السكينة، قال: ثم أقلع عني ذلك الحال، وجلست وما بي قلبه. ا. هـ.

قال أبو محمد: والرقية بهذا وأمثاله مباحة فإنها ليست توقيفية لكن يشترط لها ما ذكره السيوطي بقوله: قد أجمع العلماء على جواز الرقى عند اجتماع ثلاثة شروط: أن يكون بكلام الله تعالى أو بأسمائه وصفاته، وباللسان العربي وبما يعرف معناه، وأن يعتقد أن الرقية لا تؤثر بذاتها بل بتقدير الله تعالى

ا. هـ. وقد نقله العلماء عنه.

فائدة: يشرع رقية الحيوانات التي ينتفع بها العبد ويحتاجها، وهي تنتفع بالرقية.

وقد أخرج أحمد في مسنده: (1) قال: حدثنا أبو سعيد، مولى بني هاشم، حدثنا ذَيّال بن عبيد بن حنظلة، قال: سمعت حنظلة بن حِذيم جدِّي، أن جده حنيفة، قال لحذيم: اجمع لي بني، فإني أريد أن أوصي، فجمعهم، فقال: إن أول ما أوصي أن ليتيمي هذا الذي في حجري مائة من الإبل، التي كنا نسميها في الجاهلية: المطيبة، فقال حذيم: يا أبت، إني سمعت بنيك يقولون: إنما نقر بهذا عند أبينا، فإذا مات رجعنا فيه، قال: فبيني وبينكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال حذيم: رضينا، فارتفع حذيم، وحنيفة، وحنظلة معهم غلام، وهو رديف لحذيم، فلما أتوا النبي صلى الله عليه وسلم، سلموا عليه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«ما رفعك يا أبا حذيم؟» قال: هذا، وضرب بيده على فخذ حذيم، فقال: إني خشيت أن يفجأني الكبر، أو الموت، فأردت أن أوصي، وإني قلت: إن أول ما أوصي أن ليتيمي هذا الذي في حجري مائة من الإبل، كنا نسميها في الجاهلية: المطيبة، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى رأينا

(1) أحمد (رقم: 20665).

ص: 304

الغضب في وجهه، وكان قاعدًا فجثا على ركبتيه، وقال:«لا، لا، لا الصدقة خمس، وإلا فعشر، وإلا فخمس عشرة، وإلا فعشرون، وإلا فخمس وعشرون، وإلا فثلاثون، وإلا فخمس وثلاثون، فإن كثرت فأربعون» ، قال: فودعوه ومع اليتيم عصا، وهو يضرب جملًا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«عظمت هذه هراوة يتيم» ، قال حنظلة: فدنا بي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إن لي بنين ذوي لحى، ودون ذلك، وإن ذا أصغرهم، فادع الله له، فمسح رأسه، وقال:«بارك الله فيك» ، أو «بورك فيه» ، قال ذيّال: فلقد رأيت حنظلة، يؤتى بالإنسان الوارِم وجهُه، أو بالبهيمة الوارمة الضرعُ، فيتفل على يديه، ويقول: بسم الله، ويضع يده على رأسه، ويقول على موضع كف رسول الله - صلى الله عليه

وسلم -، فيمسحه عليه، وقال ذيال:«فيذهب الورم» . وإسناده صحيح.

وقال ابن عبد البر في التمهيد: (1) أخبرنا عبد الوارث، حدثنا قاسم، حدثنا محمد بن عبد السلام الخشني، حدثنا محمد بن بشار، حدثنا مؤمل، حدثنا سفيان، حدثنا حصين، عن هلال بن يساف، عن سحيم بن نوفل، قال: كنا عند عبد الله نعرض المصاحف، فجاءت جارية أعرابية إلى رجل منا، فقالت: إن فلانًا قد لقع مهرك بعينه وهو يدور في فلك لا يأكل ولا يشرب ولا يبول ولا يروث، فالتمس له راقيًا، فقال عبد الله: لا نلتمس له راقيًا، ولكن ائته فانفخ في منخره الأيمن أربعًا، وفي الأيسر ثلاثًا، وقل لا بأس أذهب الباس رب الناس، اشف أنت الشافي لا يكشف الضر إلا أنت. فقام الرجل فانطلق فما برحنا حتى رجع، فقال لعبد الله: فعلت الذي أمرتني به فما برحت حتى أكل وشرب وبال وارث. ا. هـ.

(1) التمهيد (6/ 238) وانظر: الاستذكار (8/ 402) حيث رواه من طريق شعبة عن حصين به أيضًا. وإسناده صحيح.

ص: 305

فائدة: قال في الإصابة (1) في ترجمة خلّاد بن رافع بن مالك الخزرجيّ أخو رفاعة، يكنى أبا يحيى، ذكرهما ابن إسحاق وغيره في البدريّين، وروى البّزار والباوردي وابن السّكن والطّبرانيّ، من طريق عبد العزيز بن عمران عن رفاعة بن يحيى عن معاذ بن رفاعة، عن أبيه رفاعة بن رافع، قال: خرجت أنا وأخي خلّاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر على بعير أعجف؛ حتى إذا كنا خلف الرّوحاء برك بنا بعيرنا، فذكر الحديث. وفيه دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لهما، وتفله على البعير وغيره. ا. هـ.

(1) الإصابة في تمييز الصحابة 2/ 284.

ص: 306