الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْخُصُومَةِ الْجَوَابُ مَجَازًا فَيَتَنَاوَلُ الْإِقْرَارَ وَالْإِنْكَارَ فَيَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ مَوْصُولًا؛ لِأَنَّهُ بَيَانُ تَقْرِيرٍ نَظَرًا إلَى الْحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ مُسَالَمَةٌ لَا مُخَاصَمَةٌ فَعَلَى هَذَا يَصِحُّ مَفْصُولًا، وَلَوْ قَالَ غَيْرُ جَائِزِ الْإِنْكَارِ فَأَيْضًا عَلَى الْخِلَافِ بِنَاءً عَلَى الدَّلِيلِ الْأَوَّلِ لِمُحَمَّدٍ) .
وَهُوَ أَنَّ الْخُصُومَةَ تَشْتَمِلُ الْإِقْرَارَ وَالْإِنْكَارَ فَيَصِحُّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - اسْتِثْنَاءُ الْإِنْكَارِ، وَلَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ عَلَى الدَّلِيلِ الثَّانِي لِمُحَمَّدٍ، وَهُوَ أَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْإِقْرَارِ بَيَانُ تَقْرِيرٍ نَظَرًا إلَى الْحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّةِ؛ لِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْإِنْكَارِ لَيْسَ تَقْرِيرًا لِلْحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّةِ بَلْ إبْطَالٌ لَهَا أَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، فَلَا يَصِحُّ هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ لَا لِلدَّلِيلِ الَّذِي ذَكَرَ فِي اسْتِثْنَاءِ الْإِقْرَارِ بَلْ؛ لِأَنَّهُ اسْتِثْنَاءُ الْكُلِّ مِنْ الْكُلِّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ذَكَرَ أَنَّ الْإِقْرَارَ لَيْسَ مِنْ الْخُصُومَةِ، فَالْخُصُومَةُ هِيَ الْإِنْكَارُ فَقَطْ، فَلَا يُمْكِنُ اسْتِثْنَاءُ الْإِنْكَارِ مِنْهَا هَذَا مَا خَطَرَ بِبَالِي.
(مَسْأَلَةٌ الِاسْتِثْنَاءُ مُتَّصِلٌ، وَمُنْقَطِعٌ
وَالثَّانِي مَجَازٌ) فَإِنْ قِيلَ قَسَّمْت الِاسْتِثْنَاءَ عَلَى الْمُتَّصِلِ
ــ
[التلويح]
مِنْ نَفْسِهِ.
وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: الْإِقْرَارُ يَثْبُتُ ضِمْنًا وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ قَصْدًا وَحِينَئِذٍ لَا يَتَعَذَّرُ إخْرَاجُ الْإِنْكَارِ وَلَا يَلْزَمُ إبْطَالُ الصِّيغَةِ وَالْأَقْرَبُ أَنْ يُقَالَ الْإِقْرَارُ يَثْبُتُ ضِمْنًا وَتَبَعًا لِلْإِنْكَارِ عِنْدَهُ فَإِذَا اسْتَثْنَى الْإِنْكَارَ لَزِمَ اسْتِثْنَاءُ الْإِقْرَارِ أَيْضًا فَيَلْزَمُ اسْتِثْنَاءُ الشَّيْءِ مِنْ نَفْسِهِ
[مَسْأَلَةٌ الِاسْتِثْنَاءُ مُتَّصِلٌ وَمُنْقَطِعٌ]
(قَوْلُهُ: مَسْأَلَةٌ) الْمُسْتَثْنَى إنْ كَانَ بَعْضَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فَالِاسْتِثْنَاءُ مُتَّصِلٌ، وَإِلَّا فَمُنْقَطِعٌ وَلَفْظُ الِاسْتِثْنَاءِ، وَالْمُسْتَثْنَى حَقِيقَةٌ عُرْفِيَّةٌ فِي الْقِسْمَيْنِ عَلَى سَبِيلِ الِاشْتِرَاكِ، وَأَمَّا صِيغَةُ الِاسْتِثْنَاءِ، فَحَقِيقَةٌ فِي الْمُتَّصِلِ مَجَازٌ فِي الْمُنْقَطِعِ؛ لِأَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ لِلْإِخْرَاجِ، وَلَا إخْرَاجَ فِي الْمُنْقَطِعِ فَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ أَيْ: الصِّيغَةَ الَّتِي يُطْلَقُ عَلَيْهَا هَذَا اللَّفْظُ مَجَازٌ فِي الْمُنْقَطِعِ فَإِنَّ لَفْظَ الِاسْتِثْنَاءِ يُطْلَقُ عَلَى فِعْلِ الْمُتَكَلِّمِ، وَعَلَى الْمُسْتَثْنَى، وَعَلَى نَفْسِ الصِّيغَةِ.
(قَوْلُهُ: وَقَدْ أَوْرَدَ أَصْحَابُنَا) الظَّاهِرُ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ فِي قَوْله تَعَالَى {وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 4]{إِلا الَّذِينَ تَابُوا} [النور: 5] مُتَّصِلٌ أَيْ: أُولَئِكَ الَّذِينَ يَرْمُونَ مَحْكُومٌ عَلَيْهِمْ بِالْفِسْقِ إلَّا التَّائِبِينَ مِنْهُمْ، فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَحْكُومٍ عَلَيْهِمْ بِالْفِسْقِ؛ لِأَنَّ التَّائِبَ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ، وَالْفِسْقُ هُوَ الْمَعْصِيَةُ، وَالْخُرُوجُ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ، وَقَدْ جَعَلَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَغَيْرُهُ مُنْقَطِعًا وَبَيَّنُوهُ بِوُجُوهٍ.
الْأَوَّلُ: مَا اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي التَّقْوِيمِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمُسْتَثْنَى، وَإِنْ دَخَلَ فِي الصَّدْرِ لَكِنْ لَمْ يُقْصَدْ إخْرَاجُهُ مِنْ حُكْمِهِ عَلَى مَا هُوَ مَعْنَى الِاسْتِثْنَاءِ الْمُتَّصِلِ بِهِ قَصْدُ إثْبَاتِ حُكْمٍ آخَرَ لَهُ، وَهُوَ أَنَّ التَّائِبَ لَا يَبْقَى فَاسِقًا، وَلَا يَخْفَى إنَّمَا يَتِمُّ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعْنَى {هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 4] الثَّبَاتُ عَلَى الْفِسْقِ، وَالدَّوَامُ وَإِلَّا، فَلَا تَعَذُّرَ لِلِاتِّصَالِ، فَلَا وَجْهَ لِلِانْقِطَاعِ.
الثَّانِي: مَا ذَكَرَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَهُوَ أَنَّ الْمُسْتَثْنَى غَيْرُ دَاخِلٍ فِي صَدْرِ الْكَلَامِ؛ لِأَنَّ التَّائِبَ لَيْسَ بِفَاسِقٍ ضَرُورَةَ أَنَّهُ عِبَارَةٌ عَمَّا قَامَ بِهِ الْفِسْقُ، وَالتَّائِبُ لَيْسَ كَذَلِكَ لِزَوَالِ الْفِسْقِ بِالتَّوْبَةِ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ
وَالْمُنْقَطِعِ فَكَيْفَ يَصِحُّ قَوْلُكَ، وَالثَّانِي مَجَازٌ قُلْتُ لَيْسَ هَذَا قِسْمَةً حَقِيقَةً بَلْ الْمُرَادُ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يُطْلَقُ عَلَى مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ، وَالثَّانِي بِطَرِيقِ الْمَجَازِ.
(وَقَدْ أَوْرَدَ أَصْحَابُنَا قَوْله تَعَالَى {إِلا الَّذِينَ تَابُوا} [النور: 5] مِنْ أَمْثِلَةِ الِاسْتِثْنَاءِ الْمُنْقَطِعِ، وَوَجْهُهُ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ الْمُتَّصِلَ هُوَ إخْرَاجٌ عَنْ حُكْمِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ، وَهُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الصَّدْرِ أَنَّ مَنْ قَذَفَ فَهُوَ فَاسِقٌ، (وَهُنَا لَا يَخْرُجُ مِنْ هَذَا الْحُكْمِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَبْقَى فَاسِقًا بَعْدَ التَّوْبَةِ فَهَذَا حُكْمٌ آخَرُ) أَوْرَدَهُ أَصْحَابُنَا مِنْ أَمْثِلَةِ الِاسْتِثْنَاءِ الْمُنْقَطِعِ.
وَالْوَجْهُ الَّذِي ذَكَرَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي كَوْنِهِ مُنْقَطِعًا هُوَ أَنَّ صَدْرَ الْكَلَامِ الْفَاسِقُونَ، وَالتَّائِبُونَ لَيْسُوا مِنْ الْفَاسِقِينَ، وَفِي هَذَا نَظَرٌ لِأَنَّ الْفَاسِقِينَ لَيْسَ مُسْتَثْنًى مِنْهُ بَلْ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ قَوْلُهُ: وَأُولَئِكَ أَيْ: الَّذِينَ يَرْمُونَ، وَالْفَاسِقُونَ حُكْمُ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الرُّمَاةَ التَّائِبِينَ دَاخِلُونَ فِي الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ وَهُوَ أُولَئِكَ غَيْرُ دَاخِلِينَ
ــ
[التلويح]
عَلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي حَقِيقَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ بَقَاءُ مَعْنَى الْفِعْلِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يُشْتَرَطْ ذَلِكَ فَيَتَحَقَّقُ التَّنَاوُلُ لَكِنْ لَا يَصِحُّ الْإِخْرَاجُ؛ لِأَنَّ التَّائِبَ لَيْسَ بِمُخْرَجٍ مِمَّنْ كَانَ فَاسِقًا فِي الزَّمَانِ الْمَاضِي، وَهَذَا حَاصِلُ.
الْوَجْهِ الثَّالِثُ، وَهُوَ أَنَّ التَّائِبَ قَاذِفٌ، وَالْقَاذِفُ فَاسِقٌ لِأَنَّ الْفِسْقَ لَازِمُ الْقَذْفِ، وَبِالتَّوْبَةِ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ كَوْنِهِ قَاذِفًا فَلَمْ يَخْرُجْ عَنْ لَازِمِهِ وَهُوَ الْفِسْقُ فِي الْجُمْلَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَاسِقًا فِي الْحَالِ وَاعْتَرَضَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله بِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ عَلَى تَقْدِيرِ اتِّصَالِ الِاسْتِثْنَاءِ لَيْسَ هُمْ الْفَاسِقِينَ بَلْ الَّذِينَ حُكِمَ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ، وَهُمْ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُشَارُ إلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ: وَأُولَئِكَ، وَلَا شَكَّ أَنَّ التَّائِبِينَ دَاخِلُونَ فِيهِمْ مُخْرَجُونَ عَنْ حُكْمِهِمْ، وَهُوَ الْفِسْقُ كَأَنَّهُ قِيلَ جَمِيعُ الْقَاذِفِينَ فَاسِقُونَ إلَّا التَّائِبِينَ مِنْهُمْ كَمَا يُقَالُ: الْقَوْمُ مُنْطَلِقُونَ إلَّا زَيْدًا اسْتِثْنَاءٌ مُتَّصِلٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّ زَيْدًا دَاخِلٌ فِي الْقَوْمِ مُخْرَجٌ عَنْ حُكْمِ الِانْطِلَاقِ فَيَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ الْمُتَّصِلُ سَوَاءٌ جُعِلَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ بِحَسَبِ اللَّفْظِ، وَهُوَ الْقَوْمُ أَوْ الضَّمِيرُ الْمُسْتَتِرُ فِي مُنْطَلِقُونَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ أَقْرَبُ، وَأَنَّ عَمَلَ الصِّفَةِ فِي الْمُسْتَثْنَى أَظْهَرُ.
وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ لَفْظًا هُوَ لَفْظُ الْقَوْمِ أَلْبَتَّةَ، وَإِذَا جُعِلَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ ضَمِيرَ مُنْطَلِقُونَ فَمَعْنَى الْكَلَامِ أَنَّ زَيْدًا دَاخِلٌ فِي الذَّوَاتِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِمْ بِالِانْطِلَاقِ فَخَرَجَ عَنْ حُكْمِ الِانْطِلَاقِ كَمَا فِي قَوْلِنَا: انْطَلَقَ الْقَوْمُ إلَّا زَيْدًا وَكَذَا الْكَلَامُ فِي الْآيَةِ، وَأَجَابَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا عَنْ هَذَا الِاعْتِرَاضِ بِكَلَامٍ تَحْقِيقُهُ أَنَّ الْفَاسِقَ هَاهُنَا إمَّا أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى الْفَاسِقِ عَلَى قَصْدِ الدَّوَامِ وَالثَّبَاتِ أَوْ بِمَعْنَى مَنْ صَدَرَ عَنْهُ الْفِسْقُ فِي الزَّمَانِ الْمَاضِي أَوْ مَنْ قَامَ بِهِ الْفِسْقُ فِي الْجُمْلَةِ مَاضِيًا كَانَ أَوْ حَالًا فَإِنْ أُرِيدَ الْأَوَّلُ فَالتَّائِبُ لَيْسَ بِفَاسِقٍ ضَرُورَةَ قَضَاءِ الشَّرْعِ بِأَنَّ التَّائِبَ لَيْسَ بِفَاسِقٍ حَقِيقَةً، وَمِنْ شَرْطِ الِاسْتِثْنَاءِ الْمُتَّصِلِ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ مُتَنَاوِلًا الْمُسْتَثْنَى عَلَى تَقْدِيرِ السُّكُوتِ عَنْ الِاسْتِثْنَاءِ، وَهَذَا مُرَادُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بَعْدَ تَنَاوُلِ الْفَاسِقِينَ التَّائِبِينَ بِخِلَافِ مُنْطَلِقُونَ فَإِنَّهُ
فِي حُكْمِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، وَهُوَ الْفَاسِقُونَ كَمَا تَقُولُ الْقَوْمُ مُنْطَلِقُونَ إلَّا زَيْدًا فَزَيْدٌ دَاخِلٌ فِي الْقَوْمِ وَغَيْرُ دَاخِلٍ فِي مُنْطَلِقُونَ، وَقَدْ ذُكِرَ فِي التَّقْوِيمِ وَجْهٌ حَسَنٌ لِكَوْنِهِ مُنْقَطِعًا فَأَوْرَدْت ذَلِكَ فِي الْمَتْنِ، وَهُوَ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ الْمُتَّصِلَ إخْرَاجٌ عَنْ حُكْمِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ. بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ وَالْمَعْنَى الْمَذْكُورُ أَنَّ مَعْنَى الْإِخْرَاجِ هُوَ الْمَنْعُ عَنْ الدُّخُولِ كَمَا ذَكَرْنَا فِي حَدِّ الِاسْتِثْنَاءِ وَالِاسْتِثْنَاءُ الْمُنْقَطِعُ هُوَ
أَنْ يُذْكَرَ شَيْءٌ بَعْدَ إلَّا وَأَخَوَاتِهَا غَيْرُ مُخْرَجٍ بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ فَقَوْلُنَا غَيْرُ مُخْرَجٍ يَتَنَاوَلُ أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ لَا يَكُونَ دَاخِلًا فِي صَدْرِ الْكَلَامِ. وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ دَاخِلًا فِيهِ لَكِنْ لَا يَخْرُجُ عَنْ عَيْنِ ذَلِكَ الْحُكْمِ وَحُكْمُ صَدْرِ الْكَلَامِ أَنَّ مَنْ قَذَفَ صَارَ فَاسِقًا وقَوْله تَعَالَى {إِلا الَّذِينَ تَابُوا} [النور: 5] لَا يَخْرُجُ عَنْ عَيْنِ ذَلِكَ الْحُكْمِ بَلْ مَعْنَاهُ أَنَّ مَنْ تَابَ لَا يَبْقَى فَاسِقًا بَعْدَ التَّوْبَةِ فَهَذَا حُكْمٌ آخَرُ وَنَظَائِرُهُ فِي الْقُرْآنِ كَثِيرَةٌ مِنْهَا وقَوْله تَعَالَى {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ} [النساء: 23] فَإِنَّ قَوْلَهُ {إِلا مَا قَدْ سَلَفَ} [النساء: 23] أَيْ: الْجَمْعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ الَّذِي قَدْ سَلَفَ دَاخِلٌ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ لَكِنَّهُ غَيْرُ مُخْرَجٍ
ــ
[التلويح]
يَدْخُلُ فِيهِ زَيْدٌ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ الِاسْتِثْنَاءِ، وَإِنْ أُرِيدَ الثَّانِي أَوْ الثَّالِثُ، فَلَا صِحَّةَ لِإِخْرَاجِ التَّائِبِ عَنْ الْفَاسِقِينَ؛ لِأَنَّهُ فَاسِقٌ بِمَعْنَى صُدُورِ الْفِسْقِ عَنْهُ فِي الْجُمْلَةِ ضَرُورَةَ أَنَّهُ قَاذِفٌ، وَالْقَذْفُ فِسْقٌ.
وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَنْعَ دُخُولِ التَّائِبِينَ فِي الْفَاسِقِينَ بِالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَا، وَمَنْعَ عَدَمِ صِحَّةِ إخْرَاجِهِمْ عَنْ الْفَاسِقِينَ بِالْمَعْنَى الْآخَرِ لَيْسَ بِمُوَجَّهٍ، وَأَنَّ الِاسْتِدْلَالَ عَلَى دُخُولِهِمْ بِأَنَّهُ قَدْ حُكِمَ بِالْفِسْقِ عَلَى أُولَئِكَ الْمُشَارِ بِهِ إلَى الَّذِينَ يَرْمُونَ، وَهُوَ عَامٌّ لَيْسَ بِصَحِيحٍ لِلْإِجْمَاعِ الْقَاطِعِ عَلَى أَنَّهُ لَا فِسْقَ مَعَ التَّوْبَةِ، وَكَفَى بِهِ مُخَصِّصًا، وَذَكَرَ بَعْضُ الْأَفَاضِلِ أَنَّ دُخُولَ الْمُسْتَثْنَى فِي الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ إنَّمَا يَكُونُ بِاعْتِبَارِ تَنَاوُلِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، وَشُمُولِهِ إيَّاهُ لَا بِحَسَبِ ثُبُوتِهِ لَهُ فِي الْوَاقِعِ كَيْفَ وَلَوْ ثَبَتَ الْحُكْمُ لَهُ لَمَا صَحَّ اسْتِثْنَاؤُهُ فَهَاهُنَا الَّذِينَ يَرْمُونَ شَامِلٌ لِلتَّائِبَيْنِ مِنْهُمْ، فَلَا يَضُرُّ فِي صِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ أَنَّهُمْ لَيْسُوا بِفَاسِقِينَ فِي الْوَاقِعِ.
وَأَنَّ التَّوْبَةَ تُنَافِي ثُبُوتَ الْفِسْقِ كَمَا إذَا لَمْ يَدُلَّ زَيْدٌ فِي الِانْطِلَاقِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ بِاعْتِبَارِ دُخُولِهِ فِي الْقَوْمِ مِثْلَ انْطَلَقَ الْقَوْمُ إلَّا زَيْدًا، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَكْفِي فِي الِاسْتِثْنَاءِ دُخُولُ الْمُسْتَثْنَى فِي حُكْمِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ بِحَسَبِ دَلَالَةِ اللَّفْظِ، وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ بِحَسَبِ دَلِيلٍ خَارِجٍ كَمَا يُقَالُ: خَلَقَ اللَّهُ كُلَّ شَيْءٍ إلَّا ذَاتَهُ وَصِفَاتَهُ، وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ لِلِاسْتِثْنَاءِ الْمُتَّصِلِ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ؛ لِأَنَّ خُرُوجَ الْمُسْتَثْنَى مِنْ حُكْمِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ مَعْلُومٌ فَيُحْمَلُ عَلَى الْمُنْقَطِعِ الْمُفِيدِ لِفَائِدَةٍ جَدِيدَةٍ، وَهَذَا مُرَادُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِعَدَمِ دُخُولِ التَّائِبِينَ فِي صَدْرِ الْكَلَامِ وَحِينَئِذٍ لَا يَرِدُ اعْتِرَاضُ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يُقَالُ: لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ هُوَ الْفَاسِقُونَ، وَيَكُونَ الِاسْتِثْنَاءُ لِإِخْرَاجِ التَّائِبِينَ مِنْهُمْ فِي الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ الْحَمْلُ عَلَى أُولَئِكَ الْقَاذِفِينَ، وَالْإِثْبَاتُ لَهُمْ فَإِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ كَمَا