الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَبْضُهُ كَمَا فِي الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ (فَإِنَّهُ أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ: كُلٌّ مِنْهُمَا مَالٌ لَوْ قُوبِلَ بِجِنْسِهِ حَرُمَ رِبَا الْفَضْلِ) أَيْ كُلٌّ مِنْ الطَّعَامَيْنِ مَالٌ لَوْ قُوبِلَ بِجِنْسِهِ حَرُمَ رِبَا الْفَضْلِ فَكُلُّ مَالٍ لَوْ قُوبِلَ بِجِنْسِهِ حَرُمَ رِبَا الْفَضْلِ فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ التَّقَابُضُ فِيهِ (فَإِنَّهُ لَا يَنْعَكِسُ لِاشْتِرَاطِ قَبْضِ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ فِي غَيْرِ الرِّبَوِيِّ) وَذَلِكَ لِأَنَّ عَكْسَ الْقَضِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ هُوَ قَوْلُنَا: كُلُّ مَالٍ لَوْ قُوبِلَ بِجِنْسِهِ لَا يَحْرُمُ رِبَا الْفَضْلِ فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ قَبْضُهُ، وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ رَأْسَ مَالِ السَّلَمِ يُشْتَرَطُ قَبْضُهُ وَإِنْ كَانَ مَالًا لَوْ قُوبِلَ بِجِنْسِهِ لَا يَحْرُمُ رِبَا الْفَضْلِ فَالْمُرَادُ بِغَيْرِ الرِّبَوِيِّ فِي الْمَتْنِ هَذَا الْمَالُ كَالثِّيَابِ مَثَلًا، وَهَذَا الْعَكْسُ هُوَ أَضْعَفُ وُجُوهِ التَّرْجِيحِ أَمَّا كَوْنُهُ مِنْ وُجُوهِ التَّرْجِيحِ فَلِأَنَّهُ إذَا وُجِدَ وَصْفَانِ مُؤَثِّرَانِ أَحَدُهُمَا بِحَيْثُ يُعْدَمُ الْحُكْمُ عِنْدَ عَدَمِهِ فَإِنَّ الظَّنَّ بِعِلِّيَّتِهِ أَغْلَبُ مِنْ الظَّنِّ بِعِلِّيَّةِ مَا لَيْسَ كَذَلِكَ، وَأَمَّا كَوْنُهُ أَضْعَفَ فَلِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْعِلِّيَّةِ التَّأْثِيرُ، وَلَا اعْتِبَارَ لِلْعَدَمِ عِنْدَ عَدَمِ الْوَصْفِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ يَثْبُتُ بِعِلَلٍ شَتَّى فَمَا يَرْجِعُ إلَى تَأْثِيرِ الْعِلَلِ، وَهُوَ الثَّلَاثَةُ الْأُوَلُ أَقْوَى مِنْ الْعَدَمِ عِنْدَ الْعَدَمِ.
(مَسْأَلَةٌ إذَا تَعَارَضَ وُجُوهُ التَّرْجِيحِ فَمَا كَانَ بِالذَّاتِ أَوْلَى مِمَّا كَانَ بِالْحَالِ أَيْ التَّرْجِيحُ بِالْوَصْفِ الذَّاتِيِّ أَوْلَى مِنْ التَّرْجِيحِ بِالْوَصْفِ الْعَارِضِ كَمَا إذَا تَعَارَضَ جِهَتَا الْفَسَادِ وَالصِّحَّةِ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ لَمْ يُبَيِّتْهُ) أَيْ لَمْ يَنْوِ الصَّوْمَ مِنْ اللَّيْلِ فَإِنَّهُ
ــ
[التلويح]
وَلَا إضَافَةٌ إلَى الْمَغْصُوبِ مِنْهُ بِخِلَافِ الْمَغْصُوبِ، فَإِنَّهُ ثَابِتٌ مِنْ وَجْهٍ هَالِكٍ مِنْ وَجْهٍ حَيْثُ انْعِدَامُ صُورَتِهِ وَبَعْضِ مَعَانِيهِ أَعْنِي الْمَنَافِعَ الْقَائِمَةَ بِهِ وَصَارَ وُجُودُهُ مُضَافًا إلَى الْغَاصِبِ مِنْ وَجْهٍ، وَهُوَ الْوَجْهُ الَّذِي بِهِ صَارَ هَالِكًا بِمَعْنَى أَنَّ لِفِعْلِ الْغَاصِبِ مَدْخَلًا فِي وُجُودِ الثَّوْبِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ مَثَلًا، وَمِنْهَا تَرْجِيحُ ابْنِ ابْنِ الْأَخِ عَلَى الْعَمِّ فِي الْعُصُوبَةِ؛ لِأَنَّ رُجْحَانَهُ فِي ذَاتِ الْقَرَابَةِ؛ لِأَنَّهَا قَرَابَةُ أُخُوَّةٍ وَرُجْحَانُ الْعَمِّ فِي حَالِ الْقَرَابَةِ وَهِيَ زِيَادَةُ الْقُرْبِ؛ لِأَنَّهُ يَتَّصِلُ بِوَاسِطَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهُوَ الْأَبُ وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ فِي بَابِ الْمِيرَاثِ
[فَصْلٌ مِنْ التَّرَاجِيحِ الْفَاسِدَةِ التَّرْجِيحُ بِغَلَبَةِ الْأَشْبَاهِ]
(قَوْلُهُ: فَصْلٌ) كَمَا خَتَمَ مَبَاحِثَ الْأَدِلَّةِ الصَّحِيحَةِ بِالْأَدِلَّةِ الْفَاسِدَةِ تَكْمِيلًا لِلْمَقْصُودِ كَذَلِكَ خَتَمَ بَحْثَ التَّرْجِيحَاتِ الْمَقْبُولَةِ بِالتَّرْجِيحَاتِ الْمَرْدُودَةِ وَالْمَذْكُورَةِ مِنْهَا هَاهُنَا ثَلَاثَةٌ: الْأَوَّلُ: التَّرْجِيحُ بِغَلَبَةِ الْأَشْيَاءِ لِإِفَادَتِهَا زِيَادَةَ الظَّنِّ بِكَثْرَةِ الْأُصُولِ وَالثَّانِي التَّرْجِيحُ بِعُمُومِ الْوَصْفِ لِزِيَادَةِ فَائِدَتِهِ وَالثَّالِثُ التَّرْجِيحُ بِبَسَاطَةِ الْوَصْفِ لِسُهُولَةِ إثْبَاتِهِ وَالِاتِّفَاقِ عَلَى صِحَّتِهِ وَالْكُلُّ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِي بَابِ الْقِيَاسِ بِمَعْنَى الْوَصْفِ، وَهُوَ قُوَّتُهُ وَتَأْثِيرُهُ لَا بِصُورَتِهِ بِأَنْ يَتَكَثَّرَ الْوَصْفُ أَوْ يَتَكَثَّرَ مَحَالُّ الْوَصْفِ، أَوْ تَقِلَّ أَجْزَاؤُهُ وَأَيْضًا الْوَصْفُ مُسْتَنْبَطٌ مِنْ النَّصِّ فَيَكُونُ فَرْعًا لَهُ وَقِلَّةُ الْأَجْزَاءِ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ الْإِيجَازِ فِي النَّصِّ، وَلَا خِلَافَ فِي عَدَمِ تَرْجِيحِ النَّصِّ الْمُوجَزِ عَلَى الْمُطْنَبِ، وَلَا الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ بَلْ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يُقَدَّمُ الْخَاصُّ عَلَى الْعَامِّ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: الْكَلَامُ إنَّمَا هُوَ عَلَى تَقْدِيرِ تَسَاوِي الْوَصْفَيْنِ فِي التَّأْثِيرِ
لَا يَصِحُّ الصَّوْمُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَيَصِحُّ عِنْدَنَا.
(هُوَ يُرَجِّحُ الْفَسَادَ بِكَوْنِهِ عِبَادَةً وَنَحْنُ نُرَجِّحُ الصِّحَّةَ بِكَوْنِ النِّيَّةِ فِي أَكْثَرِ الْيَوْمِ فَالتَّرْجِيحُ بِالْكَثْرَةِ تَرْجِيحٌ بِالذَّاتِ وَذَلِكَ بِالْعَارِضِيِّ) وَذَلِكَ لِأَنَّ بَعْضَ الصَّوْمِ وَقَعَ فَاسِدًا لِعَدَمِ النِّيَّةِ فَإِنَّهُ لَا عِبَادَةَ بِدُونِ النِّيَّةِ وَالْبَعْضُ وَقَعَ صَحِيحًا لِوُجُودِ النِّيَّةِ لَكِنَّ الصَّوْمَ لَا يَتَجَزَّأُ فَإِمَّا أَنْ يَفْسُدَ الْكُلُّ وَإِمَّا أَنْ يَصِحَّ الْكُلُّ، فَلَا بُدَّ مِنْ تَرْجِيحِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ فَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يُرَجِّحُ الْفَاسِدَ عَلَى الصَّحِيحِ بِوَصْفِ الْعِبَادَةِ فَإِنَّ وَصْفَ الْعِبَادَةِ يُوجِبُ الْفَسَادَ، وَهُوَ وَصْفٌ عَارِضِيٌّ؛ لِأَنَّ وَصْفَ الْعِبَادَةِ لِلْإِمْسَاكِ عَارِضِيٌّ؛ لِأَنَّ الْإِمْسَاكَ مِنْ حَيْثُ الذَّاتُ لَيْسَ بِعِبَادَةٍ بَلْ صَارَ عِبَادَةً بِجَعْلِ اللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ أَمْرٌ خَارِجٌ عَنْ الْإِمْسَاكِ وَنَحْنُ نُرَجِّحُ الصَّحِيحَ عَلَى الْفَاسِدِ بِكَوْنِ النِّيَّةِ وَاقِعَةً فِي أَكْثَرِ النَّهَارِ وَالتَّرْجِيحُ بِالْكَثْرَةِ تَرْجِيحٌ بِالْوَصْفِ الذَّاتِيِّ؛ لِأَنَّ الْكَثْرَةَ وَصْفٌ يَقُومُ بِالْكَثِيرِ بِحَسَبِ أَجْزَائِهِ فَيَكُونُ وَصْفًا ذَاتِيًّا إذْ الْمُرَادُ بِالْوَصْفِ الذَّاتِيِّ وَصْفٌ يَقُومُ بِالشَّيْءِ بِحَسَبِ ذَاتِهِ، أَوْ بِحَسَبِ بَعْضِ أَجْزَائِهِ وَالْوَصْفُ الْعَارِضِيُّ وَصْفٌ يَقُومُ بِالشَّيْءِ بِحَسَبِ أَمْرٍ خَارِجٍ عَنْهُ، (وَذَكَرُوا لَهُ أَمْثِلَةً أُخْرَى وَفِيمَا ذَكَرْنَا كِفَايَةٌ) .
(فَصْلٌ وَمِنْ التَّرَاجِيحِ الْفَاسِدَةِ التَّرْجِيحُ بِغَلَبَةِ الْأَشْبَاهِ كَقَوْلِهِ)
أَيْ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي أَنَّ الْأَخَ الْمُشْتَرَى لَا يَعْتِقُ عِنْدَهُ: (الْأَخُ يُشْبِهُ الْوَلَدَ بِوَجْهٍ، وَهُوَ الْمَحْرَمِيَّةُ وَابْنَ الْعَمِّ بِوُجُوهٍ كَحِلِّ الزَّكَاةِ وَحِلِّ زَوْجَتِهِ وَقَبُولِ
ــ
[التلويح]
أَوْ الْمُلَاءَمَةِ وَحِينَئِذٍ لِمَ لَا يَجُوزُ تَرْجِيحُ أَحَدِهِمَا بِمَا يُفِيدُ زِيَادَةَ ظَنٍّ، أَوْ يَكُونُ بَعِيدًا عَنْ الْخِلَافِ؟ وَأَمَّا عِنْدَ تَأْثِيرِ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ، فَلَا نِزَاعَ فِي تَقْدِيمِ الْمُؤَثِّرِ، وَإِنْ كَانَ الْآخَرُ أَكْثَرَ، أَوْ أَعَمَّ، أَوْ أَبْسَطَ، ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ فِي قَوْلِهِ: عِلَّةً ذَاتَ جُزْءٍ تَسَامُحًا إذْ لَا تَرْكِيبَ مِنْ أَقَلَّ مِنْ جُزْأَيْنِ فَكَأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْمُشَاكَلَةِ وَالْمُرَادُ أَنْ يَكُونَ مَعْنًى وَاحِدًا لَا جُزْءَ لَهُ.
(قَوْلُهُ: لَهُمَا أَنَّ كُلَّ دَلِيلٍ) يَعْنِي أَنَّ التَّرْجِيحَ بِقُوَّةِ الْأَثَرِ وَذَلِكَ بِمَا يَصْلُحُ وَصْفًا وَتَبَعًا لِلدَّلِيلِ لَا بِمَا هُوَ مُسْتَقِلٌّ بِالتَّأْثِيرِ إذْ تَقَوِّي الشَّيْءِ إنَّمَا يَكُونُ بِصِفَةٍ تُوجَدُ فِي ذَاتِهِ وَيَكُونُ تَبَعًا لَهُ، وَأَمَّا مَا يَسْتَقِلُّ، فَلَا يَحْصُلُ لِلْغَيْرِ قُوَّةٌ بِانْضِمَامِهِ إلَيْهِ بَلْ يَكُونُ: كُلٌّ مِنْهُمَا مُعَارِضًا لِلدَّلِيلِ الْمُوجِبِ لِلْحُكْمِ عَلَى خِلَافِهِ فَيَتَسَاقَطُ الْكُلُّ بِالتَّعَارُضِ، وَهَذَا مَعْنَى تَسَاوِي وُجُودِ الْغَيْرِ وَعَدَمِهِ وَرُبَّمَا يُقَالُ: سَلَّمْنَا أَنَّ التَّرْجِيحَ بِالْقُوَّةِ لَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ لِلدَّلِيلِ بِانْضِمَامِ الْغَيْرِ إلَيْهِ وَصْفٌ يَتَقَوَّى بِهِ، وَهُوَ كَوْنُهُ مُوَافِقًا لِلدَّلِيلِ الْآخَرِ وَمُوجِبًا لِزِيَادَةِ الظَّنِّ.
(قَوْلُهُ: خِلَافًا لِابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه) فِي الْأَخِيرِ، وَهُوَ مَا إذَا تَرَكَ ابْنَيْ عَمٍّ أَحَدَهُمَا أَخٌ لَهُ مِنْ أُمٍّ بِأَنْ تَزَوَّجَ عَمُّهُ أُمَّهُ فَوَلَدَتْ لَهُ ابْنًا فَعِنْدَ ابْنِ مَسْعُودٍ الْمَالُ كُلُّهُ لِلْأَخِ لِأُمٍّ؛ لِأَنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي قَرَابَةِ الْأَبِ، وَقَدْ تَرَجَّحَتْ قَرَابَةُ الْأَخِ لِأُمٍّ بِانْضِمَامِ قَرَابَةِ الْأُمِّ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ تَتَرَجَّحُ بِالزِّيَادَةِ مِنْ جِنْسِهَا إذَا كَانَتْ غَيْرَ مُسْتَقِلَّةٍ وَالْأُخُوَّةُ
الشَّهَادَةِ وَوُجُوبِ الْقِصَاصِ، وَهَذَا بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الْمُشَابَهَةَ فِي وَصْفٍ وَاحِدٍ مُؤَثِّرٍ فِي الْحُكْمِ الْمَطْلُوبِ أَقْوَى مِنْهَا) أَيْ مِنْ الْمُشَابَهَةِ (فِي أَلْفِ وَصْفٍ غَيْرِ مُؤَثِّرٍ.
وَمِنْهَا التَّرْجِيحُ بِكَوْنِ الْوَصْفِ أَعَمَّ كَالطَّعْمِ فَإِنَّهُ يَشْمَلُ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ، وَلَا اعْتِبَارَ لِهَذَا إذْ التَّرْجِيحُ بِالْقُوَّةِ، وَهُوَ التَّأْثِيرُ لَا بِصُورَتِهِ. وَمِنْهَا التَّرْجِيحُ بِقِلَّةِ الْأَجْزَاءِ فَإِنَّ عِلَّةً ذَاتَ جُزْءٍ أَوْلَى مِنْ ذَاتِ جُزْأَيْنِ، وَلَا أَثَرَ لِهَذَا الْمَسْأَلَةِ يُرَجَّحُ بِكَثْرَةِ الدَّلِيلِ عِنْدَ الْبَعْضِ لِغَلَبَةِ الظَّنِّ بِهَا)
أَيْ لِأَجْلِ حُصُولِ غَلَبَةِ الظَّنِّ بِالْحُكْمِ بِسَبَبِ كَثْرَةِ الدَّلِيلِ. (وَلِأَنَّ تَرْكَ الْأَقَلِّ أَسْهَلُ مِنْ تَرْكِ الْكُلِّ، أَوْ الْأَكْثَرِ) أَيْ إذَا تَعَارَضَ الْأَدِلَّةُ الْكَثِيرَةُ وَالْقَلِيلَةُ، وَلَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا لِامْتِنَاعِ اجْتِمَاعِ الضِّدَّيْنِ فَإِمَّا أَنْ يُتْرَكَ الْجَمِيعُ، أَوْ الْأَكْثَرُ، أَوْ الْأَقَلُّ وَتَرْكُ الدَّلِيلِ خِلَافُ الْأَصْلِ فَتَرْكُ الْأَقَلِّ أَسْهَلُ مِنْ تَرْكِ الْكُلِّ، أَوْ الْأَكْثَرِ.
(لَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَأَبِي يُوسُفَ لَهُمَا أَنَّ كُلَّ دَلِيلٍ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ غَيْرِهِ مُؤَثِّرٌ فَوُجُودُ الْغَيْرِ وَعَدَمُهُ سَوَاءٌ وَأَيْضًا الْقِيَاسُ عَلَى الشَّهَادَةِ) فَإِنَّهُ لَا يُرَجَّحُ بِكَثْرَةِ الشُّهُودِ إجْمَاعًا فَقَوْلُهُ: وَالْقِيَاسُ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ: أَنَّ كُلَّ دَلِيلٍ ثُمَّ عَطَفَ عَلَى الْقِيَاسِ قَوْلَهُ: (وَالْإِجْمَاعُ عَلَى عَدَمِ تَرْجِيحِ ابْنِ عَمٍّ هُوَ زَوْجٌ، أَوْ أَخٌ لِأُمٍّ فِي التَّعْصِيبِ) فَإِنَّهُ لَا يُرَجَّحُ بِحَيْثُ يَسْتَحِقُّ جَمِيعَ الْمَالِ (عَلَى ابْنِ عَمٍّ لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يَسْتَحِقُّ بِكُلِّ سَبَبٍ عَلَى انْفِرَادِهِ) ، وَلَوْ كَانَ التَّرْجِيحُ بِكَثْرَةِ الدَّلِيلِ ثَابِتًا كَانَ التَّرْجِيحُ بِكَثْرَةِ دَلِيلِ الْإِرْثِ ثَابِتًا
ــ
[التلويح]
لِأُمٍّ كَذَلِكَ لِكَوْنِهَا مِنْ جِنْسِ الْعُمُومَةِ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهَا قَرَابَةً مِثْلَهَا لَكِنَّهَا لَا تَسْتَبِدُّ بِالتَّعْصِيبِ فَيَكُونُ مِثْلَ الْأَخِ لِأَبٍ وَأُمٍّ مَعَ الْأَخِ لِأَبٍ بِخِلَافِ الزَّوْجِيَّةِ، فَإِنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ الْقَرَابَةِ، فَلَا تَصْلُحُ لِلتَّرْجِيحِ، وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ سُدُسُ الْمَالِ لِلْأَخِ لِأُمٍّ بِالْفَرْضِيَّةِ وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا بِالْعُصُوبَةِ فَيَصِحُّ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ سَبْعَةٌ لِابْنِ عَمٍّ هُوَ أَخٌ لِأُمٍّ وَخَمْسَةٌ لِلْآخَرِ؛ لِأَنَّ الْأُخُوَّةَ لِأُمٍّ، وَإِنْ لَمْ تَسْتَقِلَّ بِالتَّعْصِيبِ لَكِنَّهَا تَسْتَقِلُّ بِاسْتِحْقَاقٍ الْإِرْثِ وَلَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ الْعُمُومَةِ بَلْ أَقْرَبُ، فَلَا يَكُونُ تَبَعًا لَهَا، فَلَا يَصْلُحُ مُرَجِّحًا بِخِلَافِ الْأُخُوَّةِ، فَإِنَّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ تَأَكَّدَ بِانْضِمَامِ أُخُوَّةِ الْأُمِّ إلَيْهِ بِمَنْزِلَةِ الْوَصْفِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ اجْتَمَعَ الْأُخُوَّةُ لِأَبٍ وَالْأُخُوَّةُ لِأُمٍّ لَا تَصْلُحُ أُخُوَّةُ الْأُمِّ سَبَبًا لِلِاسْتِحْقَاقِ بِالْفَرْضِيَّةِ.
(قَوْلُهُ: مَا لَمْ تَبْلُغْ حَدَّ الشُّهْرَةِ) تُعْرَضُ الشُّهْرَةُ؛ لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ مُرَجِّحَةً فَالتَّوَاتُرُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَا يَبْلُغُ حَدَّ التَّوَاتُرِ مَا لَمْ يَبْلُغْ حَدَّ الشُّهْرَةِ وَلِتَقَارُبِ أَمْرِهِمَا بَلْ لِكَوْنِ الْمَشْهُورِ أَحَدَ قِسْمَيْ الْمُتَوَاتِرِ عَلَى رَأْيٍ تَعَرَّضَ فِي الشَّرْحِ لِلتَّوَاتُرِ.
وَحَاصِلُ الْكَلَامِ فِي هَذَا الْمَقَامِ أَنَّ الْكَثْرَةَ إنْ تَأَدَّتْ إلَى حُصُولِ هَيْئَةٍ اجْتِمَاعِيَّةٍ هِيَ وَصْفٌ وَاحِدٌ قَوِيُّ الْأَثَرِ كَانَتْ صَالِحَةً لِلتَّرْجِيحِ؛ لِأَنَّ الْمُرَجِّحَ هُوَ الْقُوَّةُ لَا الْكَثْرَةُ غَايَتُهُ أَنَّ الْقُوَّةَ حَصَلَتْ بِالْكَثْرَةِ وَإِلَّا فَلَا، فَكَثْرَةُ أَجْزَاءِ الْعِلَّةِ تُوجِبُ الْقُوَّةَ كَمَا فِي حَمْلِ الْأَثْقَالِ بِخِلَافِ كَثْرَةِ جُزْئِيَّاتِهِ كَمَا فِي الْمُصَارَعَةِ
وَاللَّازِمُ مُنْتَفٍ.
(خِلَافًا لِابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه فِي الْأَخِيرِ) أَيْ فِي ابْنِ عَمٍّ هُوَ أَخٌ لِأُمٍّ فَإِنَّهُ رَاجِحٌ عِنْدَ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه عَلَى ابْنِ عَمٍّ لَيْسَ كَذَلِكَ أَيْ يَسْتَحِقُّ جَمِيعَ الْمِيرَاثِ وَيَحْجُبُ الْآخَرَ. (بِخِلَافِ الْأَخِ لِأَبٍ وَأُمٍّ فَإِنَّهُ يُرَجَّحُ عَلَى الْأَخِ لِأَبٍ بِالْأُخُوَّةِ لِأُمٍّ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْجِهَةَ) أَيْ جِهَةَ الْأُخُوَّةِ لِأُمٍّ (تَابِعَةٌ لِلْأُولَى) أَيْ لِلْإِخْوَةِ لِأَبٍ (وَالْحَيِّزُ مُتَّحِدٌ) أَيْ حَيِّزُ الْقَرَابَةِ مُتَّحِدٌ؛ لِأَنَّ الْأُخُوَّةَ لِأَبٍ وَالْأُخُوَّةَ لِأُمٍّ كُلٌّ مِنْهُمَا أُخُوَّةٌ (فَيَحْصُلُ بِهِمَا) أَيْ بِأُخُوَّةٍ لِأَبٍ وَالْأُخُوَّةِ لِأُمٍّ (هَيْئَةٌ اجْتِمَاعِيَّةٌ بِخِلَافِ الْأُولَيَيْنِ) فَيَصِيرُ مَجْمُوعُ الْأُخُوَّتَيْنِ قَرَابَةً وَاحِدَةً قَوِيَّةً فَيَتَرَجَّحُ عَلَى الْأَضْعَفِ (فَلَا يُرَجَّحُ بِكَثْرَةِ الرُّوَاةِ مَا لَمْ تَبْلُغْ حَدَّ الشُّهْرَةِ فَإِنَّهُ يَحْصُلُ حِينَئِذٍ هَيْئَةٌ اجْتِمَاعِيَّةٌ) .
هَذِهِ تَفْرِيعَاتٌ عَلَى عَدَمِ التَّرْجِيحِ بِكَثْرَةِ الدَّلِيلِ فَالرُّوَاةُ إذَا لَمْ يَبْلُغُوا حَدَّ التَّوَاتُرِ لَمْ تَحْصُلْ هَيْئَةٌ اجْتِمَاعِيَّةٌ أَمَّا إذَا بَلَغُوا فَقَدْ حَصَلَ هَيْئَةٌ اجْتِمَاعِيَّةٌ تَمْنَعُ التَّوَافُقَ عَلَى الْكَذِبِ وَقَبْلَ بُلُوغِ هَذَا الْحَدِّ يُحْتَمَلُ كَذِبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ.
وَاعْلَمْ أَنَّا نُرَجِّحُ بِالْكَثْرَةِ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ كَالتَّرْجِيحِ بِكَثْرَةِ الْأُصُولِ وَكَتَرْجِيحِ الصِّحَّةِ عَلَى الْفَسَادِ بِالْكَثْرَةِ فِي صَوْمٍ غَيْرِ مُبَيَّتٍ، وَلَا نُرَجِّحُ بِالْكَثْرَةِ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ كَمَا لَمْ نُرَجِّحْ بِكَثْرَةِ الْأَدِلَّةِ وَلَنَا فِي ذَلِكَ فَرْقٌ دَقِيقٌ.
وَهُوَ أَنَّ الْكَثْرَةَ مُعْتَبَرَةٌ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ يَحْصُلُ بِهَا هَيْئَةٌ اجْتِمَاعِيَّةٌ وَيَكُونُ الْحُكْمُ مَنُوطًا
ــ
[التلويح]
إذْ الْمُقَاوِمُ وَاحِدٌ، وَأَمَّا الرُّجُوعُ إلَى السُّنَّةِ، أَوْ الْقِيَاسِ عِنْدَ تَعَارُضِ النَّصَّيْنِ، أَوْ الْحَدِيثَيْنِ، فَقَدْ سَبَقَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ التَّرْجِيحِ.
(قَوْلُهُ: وَلَا الْقِيَاسُ بِقِيَاسٍ آخَرَ) يَعْنِي قِيَاسًا يُوَافِقُهُ فِي الْحُكْمِ دُونَ الْعِلَّةِ لِيَكُونَ مِنْ كَثْرَةِ الْأَدِلَّةِ إذْ لَوْ وَافَقَهُ فِي الْعِلَّةِ كَانَ مِنْ كَثْرَةِ الْأُصُولِ لَا مِنْ كَثْرَةِ الْأَدِلَّةِ إذْ لَا يَتَحَقَّقُ تَعَدُّدُ الْقِيَاسَيْنِ حَقِيقَةً إلَّا عِنْدَ تَعَدُّدِ الْعِلَّتَيْنِ؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْقِيَاسِ وَمَعْنَاهُ الَّذِي بِهِ يَصِيرُ حُجَّةً هِيَ الْعِلَّةُ لَا الْأَصْلُ.
(قَوْلُهُ: وَعَلَى هَذَا) يَعْنِي كَمَا أَنَّ كُلَّ مَا يَصْلُحُ دَلِيلًا مُسْتَقِلًّا عَلَى الْأَحْكَامِ لَا يَصْلُحُ مُرَجِّحًا لِأَحَدِ الدَّلِيلَيْنِ كَذَلِكَ كُلُّ مَا يَصْلُحُ عِلَّةً لَا يَصْلُحُ مُرَجِّحًا؛ لِأَنَّهُ لِاسْتِقْلَالِهِ لَا يَنْضَمُّ إلَى الْآخَرِ، وَلَا يَتَّحِدُ بِهِ لِيُفِيدَ الْقُوَّةَ، ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ فِي الْعِلَلِ الْحِسِّيَّةِ لِلْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي وَقَعَ الْإِجْمَاعُ عَلَى التَّرْجِيحِ بِكَثْرَةِ الْعِلَّةِ بِمَعْنَى أَنْ يَسْقُطَ الْآخَرُ بِالْكُلِّيَّةِ وَذَلِكَ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ اخْتِلَافِ عَدَدِ جِرَاحَاتِ الْجَانِينَ عَلَى مَجْرُوحٍ وَاحِدٍ مَاتَ مِنْ جَمِيعِهَا، فَإِنَّ الدِّيَةَ عَلَيْهِمَا نِصْفَانِ.
فَإِنْ قِيلَ: هَبْ أَنَّهُ لَمْ تُعْتَبَرْ الْكَثْرَةُ مُرَجِّحَةً حَتَّى يَلْزَمَ الْإِسْقَاطُ لَكِنْ لِمَ لَمْ تُعْتَبَرْ مُوجِبَةً لِتَوْزِيعِ الدِّيَةِ عَلَى الْجِرَاحَاتِ كَمَا تَعَدَّدَ فِي الْجِنَايَاتِ.
قُلْنَا: لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَمُوتُ مِنْ جِرَاحَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَا يَمُوتُ مِنْ جِرَاحَاتٍ كَثِيرَةٍ، فَلَمْ يَتَعَدَّ بِعَدَدِهَا وَجَعَلَ الْجَمِيعَ بِمَنْزِلَةِ جِرَاحَةٍ وَاحِدَةٍ، وَكَمَا فِي مَسْأَلَةِ الشُّفْعَةِ وَهِيَ دَارٌ بَيْنَ ثَلَاثَةٍ لِأَحَدِهِمْ نِصْفُهَا وَلِلْآخَرِ ثُلُثُهَا وَلِلثَّالِثِ سُدُسُهَا فَبَاعَ صَاحِبُ النِّصْفِ نِصْفَهُ وَطَلَبَ الْآخَرَانِ الشُّفْعَةَ لَمْ يَتَرَجَّحْ جَانِبُ