المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وَغَيْرِهِمَا أَوْ بَاشَرَ سَبَبَ الْحَدِّ يَلْزَمُهُ لَكِنْ إنَّمَا يُحَدُّ إذَا - التلويح على التوضيح لمتن التنقيح - جـ ٢

[السعد التفتازاني - المحبوبي صدر الشريعة الأصغر]

فهرس الكتاب

- ‌(الرُّكْنُ الثَّانِي فِي السُّنَّةِ

- ‌[فَصْلٌ اتِّصَالُ الْخَبَرِ] [

- ‌التَّوَاتُرُ يُوجِبُ عِلْمَ الْيَقِينِ]

- ‌[فَصْلٌ] الرَّاوِي إمَّا مَعْرُوفٌ بِالرِّوَايَةِ وَإِمَّا مَجْهُولٌ

- ‌[فَصْلٌ شَرَائِطُ الرَّاوِي]

- ‌[فَصْلٌ فِي انْقِطَاعِ الْحَدِيثِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَحَلِّ الْخَبَرِ]

- ‌[فَصْلٌ] فِي كَيْفِيَّةِ السَّمَاعِ وَالضَّبْطِ وَالتَّبْلِيغِ

- ‌(فَصْلٌ) فِي الطَّعْنِ

- ‌(فَصْلٌ) فِي أَفْعَالِهِ عليه الصلاة والسلام

- ‌[فَصْلٌ فِي الْوَحْيِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَبَاطِنٌ]

- ‌[فَصْلٌ فِي شَرَائِعِ مَنْ قَبْلَنَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَقْلِيدِ الصَّحَابِيِّ]

- ‌[بَابُ الْبَيَانِ]

- ‌(فَصْلٌ فِي الِاسْتِثْنَاءِ)

- ‌[مَسْأَلَةٌ شَرْطُ الِاسْتِثْنَاءِ]

- ‌(مَسْأَلَةٌ الِاسْتِثْنَاءُ مُتَّصِلٌ، وَمُنْقَطِعٌ

- ‌(مَسْأَلَةٌ الِاسْتِثْنَاءُ الْمُسْتَغْرَقُ

- ‌[مَسْأَلَةٌ الِاسْتِثْنَاءُ إذَا تَعَقَّبَ الْجُمَلَ الْمَعْطُوفَةَ]

- ‌(فَصْلٌ) فِي بَيَانِ التَّبْدِيلِ

- ‌[بَيَانُ النَّاسِخِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ كَوْنُ النَّاسِخِ أَشَقَّ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ الضَّرُورَةِ]

- ‌[الرُّكْنُ الثَّالِثُ فِي الْإِجْمَاعِ وَفِيهِ خَمْسَةُ أُمُورٍ]

- ‌[الْأَمْرُ الْأَوَّلُ رُكْنُ الْإِجْمَاعِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ إذَا اخْتَلَفَتْ الصَّحَابَةُ فِي قَوْلَيْنِ]

- ‌[الْأَمْرُ الثَّانِي أَهْلِيَّةُ مَنْ يَنْعَقِدُ بِهِ الْإِجْمَاعُ]

- ‌[الْأَمْرُ الثَّالِثُ شُرُوطُ الْإِجْمَاعِ]

- ‌[الْأَمْرُ الرَّابِعُ حُكْمُ الْإِجْمَاعِ]

- ‌[الْإِجْمَاعُ عَلَى مَرَاتِبَ]

- ‌[الْأَمْرُ الْخَامِسُ سَنَدُ الْإِجْمَاعِ]

- ‌[الرُّكْنُ الرَّابِعُ الْقِيَاسُ]

- ‌[الْقِيَاسُ يُفِيدُ غَلَبَةَ الظَّنِّ]

- ‌[فَصْلٌ فِي شُرُوطِ الْقِيَاسِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْعِلَّةِ]

- ‌[تَعْرِيفِ الْعِلَّةِ]

- ‌[أَبْحَاثٌ فِي الْعِلَّة]

- ‌[الْأَوَّلُ الْأَصْلُ فِي النُّصُوصِ عَدَمُ التَّعْلِيلِ]

- ‌[الثَّانِي كَوْنُ الْعِلَّة وَصْفًا لَازِمًا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ التَّعْلِيلُ بِالْعِلَّةِ الْقَاصِرَةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ التَّعْلِيلُ بِعِلَّةٍ اُخْتُلِفَ فِي وُجُودِهَا فِي الْفَرْعِ أَوْ الْأَصْلِ]

- ‌[الثَّالِثُ تُعْرَفُ الْعِلَّةُ بِأُمُورٍ]

- ‌[الْأَوَّلُ وَالثَّانِي النَّصُّ وَالْإِجْمَاعُ]

- ‌[الثَّالِثُ الْمُنَاسَبَةُ]

- ‌(فَصْلٌ: لَا يَجُوزُ التَّعْلِيلُ لِإِثْبَاتِ الْعِلَّةِ

- ‌[فَصْلٌ الْقِيَاسُ جَلِيٌّ وَخَفِيٌّ]

- ‌ لِلْقِيَاسِ الْخَفِيِّ(قِسْمَيْنِ:

- ‌[فَصْلٌ فِي دَفْعِ الْعِلَلِ الْمُؤَثِّرَةِ]

- ‌[النَّقْضُ]

- ‌[وَدَفْعُ النَّقْض بِأَرْبَعِ طُرُقٍ]

- ‌[الْمُمَانَعَةُ]

- ‌الْمُعَارَضَةِ

- ‌(فَصْلٌ فِي دَفْعِ الْعِلَلِ الطَّرْدِيَّةِ)

- ‌ الِاعْتِرَاضَاتُ الْوَارِدَةُ عَلَى الْقِيَاسِ بِالْعِلَّةِ الطَّرْدِيَّةِ

- ‌[فَصْلٌ فِي الِانْتِقَالِ مِنْ كَلَامٍ إلَى آخَرَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْحُجَجِ الْفَاسِدَةِ]

- ‌[التَّعْلِيلُ بِالنَّفْيِ]

- ‌(بَابُ) الْمُعَارَضَةِ وَالتَّرْجِيحِ

- ‌[فَصْلٌ مَا يَقَعُ بِهِ التَّرْجِيحُ]

- ‌[الْأُمُور الَّتِي ذُكِرَتْ فِي تَرْجِيحِ الْقِيَاسِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ إذَا تَعَارَضَ وُجُوهُ التَّرْجِيحِ]

- ‌[فَصْلٌ مِنْ التَّرَاجِيحِ الْفَاسِدَةِ التَّرْجِيحُ بِغَلَبَةِ الْأَشْبَاهِ]

- ‌[بَابُ الِاجْتِهَادِ]

- ‌[الْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ الْكِتَابِ فِي الْحُكْمِ وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَبْوَابٍ]

- ‌[بَابٌ فِي الْحُكْمِ وَهُوَ قِسْمَانِ]

- ‌[الْقَسْم الْأَوَّل أَنْ لَا يَكُونَ حُكْمًا بِتَعَلُّقِ شَيْءٍ بِشَيْءٍ آخَرَ أَوْ يَكُونَ كَالْحُكْمِ]

- ‌[الْقَسْم الثَّانِي مِنْ الْحُكْمِ وَهُوَ الَّذِي يَكُونُ حُكْمًا بِتَعَلُّقِ شَيْءٍ بِشَيْءٍ آخَرَ]

- ‌[بَابُ الْمَحْكُوم بِهِ]

- ‌[بَابُ الْمَحْكُوم عَلَيْهِ]

- ‌[فَصْلٌ الْأَهْلِيَّةُ ضَرْبَانِ أَهْلِيَّةُ وُجُوبٍ وَأَهْلِيَّةُ أَدَاءً]

- ‌[فَصْلٌ الْأُمُورُ الْمُعْتَرِضَةُ عَلَى الْأَهْلِيَّةِ]

- ‌[الْعَوَارِضُ السَّمَاوِيَّةُ]

- ‌[الْجُنُونُ]

- ‌[الصِّغَرُ]

- ‌[الْعَتَهُ]

- ‌[النِّسْيَانُ]

- ‌[النَّوْمُ]

- ‌ الْإِغْمَاءُ)

- ‌[الرِّقُّ]

- ‌[الْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ]

- ‌[الْمَرَضُ]

- ‌[الْمَوْتُ]

- ‌[الْعَوَارِضُ الْمُكْتَسَبَةُ]

- ‌[الْعَوَارِضُ الْمُكْتَسَبَةُ مِنْ نَفْسِهِ]

- ‌[الْجَهْلُ]

- ‌[السُّكْرُ]

- ‌ الْهَزْلُ

- ‌[السَّفَهُ]

- ‌ السَّفَرُ

- ‌[الْخَطَأُ]

- ‌[الْعَوَارِضُ الْمُكْتَسَبَةُ مِنْ غَيْرِهِ]

- ‌[الْإِكْرَاهُ وَهُوَ إمَّا مُلْجِئٌ أَوْ غَيْرُ مُلْجِئٍ]

الفصل: وَغَيْرِهِمَا أَوْ بَاشَرَ سَبَبَ الْحَدِّ يَلْزَمُهُ لَكِنْ إنَّمَا يُحَدُّ إذَا

وَغَيْرِهِمَا أَوْ بَاشَرَ سَبَبَ الْحَدِّ يَلْزَمُهُ لَكِنْ إنَّمَا يُحَدُّ إذَا صَحَا وَحَدُّهُ اخْتِلَاطُ الْكَلَامِ أَيْ: حَدُّ السُّكْرِ وَالْمُرَادُ بِهِ الْحَالَةُ الْمُمَيِّزَةُ بَيْنَ السُّكْرِ، وَالصَّحْوِ (وَزَادَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنْ لَا يَعْرِفَ الْأَرْضَ مِنْ السَّمَاءِ لِوُجُوبِ الْحَدِّ فَقَطْ) .

(وَمِنْهَا‌

‌ الْهَزْلُ

وَهُوَ أَنْ لَا يُرَادَ بِاللَّفْظِ مَعْنَاهُ لَا الْحَقِيقِيُّ وَلَا الْمَجَازِيُّ، وَهُوَ ضِدُّ الْجِدِّ، وَهُوَ أَنْ يُرَادَ بِهِ أَحَدُهُمَا وَشَرْطُهُ أَنْ يُشْتَرَطَ بِاللِّسَانِ لَا يُعْتَبَرُ دَلَالَتُهُ) أَيْ: دَلَالَةُ الْهَزْلِ أَيْ: شَرْطُ الْهَزْلِ أَنْ تَجْرِيَ الْمُوَاضَعَةُ قَبْلَ الْعَقْدِ بِأَنْ يُقَالَ: نَحْنُ نَتَكَلَّمُ بِلَفْظِ الْعَقْدِ هَازِلًا (وَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ) أَيْ: كَوْنُ الشَّرْطِ وَهُوَ الْمُوَاضَعَةُ (فِي نَفْسِ الْعَقْدِ) بَلْ يَكْفِي أَنْ تَكُونَ الْمُوَاضَعَةُ سَابِقَةً عَلَى الْعَقْدِ (وَهُوَ) أَيْ: الْهَزْلُ (لَا يُنَافِي الْأَهْلِيَّةَ أَصْلًا وَلَا اخْتِيَارَ الْمُبَاشَرَةِ وَالرِّضَى بِهَا بَلْ اخْتِيَارَ الْحُكْمِ، وَالرِّضَى بِهِ فَوَجَبَ النَّظَرُ بِالتَّصَرُّفَاتِ كَيْفَ تَنْقَسِمُ فِيهِمَا) أَيْ: فِي الِاخْتِيَارِ، وَالرِّضَى (وَهِيَ إمَّا مِنْ الْإِنْشَاءَاتِ أَوْ الْإِخْبَارَاتِ أَوْ الِاعْتِقَادَاتِ: أَمَّا الْإِنْشَاءَاتُ فَإِمَّا أَنْ تَحْتَمِلَ النَّقْضَ أَوْ لَا، فَمَا يَحْتَمِلُهُ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ فَإِمَّا أَنْ يَتَوَاضَعَا فِي أَصْلِ الْعَقْدِ) أَيْ: تَجْرِيَ الْمُوَاضَعَةُ قَبْلَ الْعَقْدِ بِأَنَّا نَتَكَلَّمُ بِلَفْظِ الْبَيْعِ عِنْدَ النَّاسِ وَلَا نُرِيدُ الْبَيْعَ (فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى الْإِعْرَاضِ) أَيْ: فَالْأَبْعَدُ الْبَيْعُ إنَّا قَدْ أَعْرَضْنَا وَقْتَ الْبَيْعِ عَنْ الْهَزْلِ وَبِعْنَا بِطَرِيقِ الْجِدِّ (صَحَّ الْبَيْعُ وَبَطَلَ الْهَزْلُ لِإِعْرَاضِهِمَا وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى بِنَاءِ الْعَقْدِ عَلَى الْمُوَاضَعَةِ صَارَ كَخِيَارِ الشَّرْطِ لَهُمَا مُؤَبَّدًا) أَيْ: لِلْمُتَعَاقِدَيْنِ

ــ

[التلويح]

فَيَنْدَرِئُ بِهِ الْحَدُّ، وَأَمَّا فِي غَيْرِ وُجُوبِ الْحَدِّ مِنْ الْأَحْكَامِ فَالْمُعْتَبَرُ عِنْدَهُ أَيْضًا اخْتِلَاطُ الْكَلَامِ حَتَّى لَا يَرْتَدَّ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ، وَلَا يَلْزَمُهُ الْحَدُّ بِالْإِقْرَارِ بِمَا يُوجِبُ الْحَدَّ

[الْهَزْلُ]

. (قَوْلُهُ: وَمِنْهَا الْهَزْلُ) فَسَّرَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِاللَّعِبِ، وَهُوَ أَنْ يُرَادَ بِالشَّيْءِ مَا لَمْ يُوضَعْ لَهُ لَفْظٌ فَتَوَهَّمَ بَعْضُهُمْ مِنْ ظَاهِرِهِ أَنَّهُ يَشْمَلُ الْمَجَازَ إلَّا أَنَّهُ أَرَادَ بِالْوَضْعِ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ وَضْعِ اللَّفْظِ لِلْمَعْنَى، وَمِنْ وَضْعِ التَّصَرُّفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ لِأَحْكَامِهَا، وَأَرَادَ بِوَضْعِ اللَّفْظِ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْوَضْعِ الشَّخْصِيِّ كَوَضْعِ الْأَلْفَاظِ لِمَعَانِيهَا الْحَقِيقِيَّةِ أَوْ النَّوْعِيِّ كَوَضْعِهَا لِمَعَانِيهَا الْمَجَازِيَّةِ، وَهَذَا مَعْنَى مَا يُقَالُ: إنَّ الْوَضْعَ أَعَمُّ مِنْ الْعَقْلِيِّ، وَالشَّرْعِيِّ فَإِنَّ الْعَقْلَ يَحْكُمُ بِأَنَّ الْأَلْفَاظَ لِمَعَانِيهَا حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا وَأَنَّ التَّصَرُّفَاتِ الشَّرْعِيَّةَ لِأَحْكَامِهَا وَالْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَوْضَحَ الْمَقْصُودَ فَفَسَّرَ الْهَزْلَ بِعَدَمِ إرَادَةِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ، وَالْمَجَازِيِّ بِاللَّفْظِ، وَدَخَلَ فِي ذَلِكَ التَّصَرُّفَاتُ الشَّرْعِيَّةُ؛ لِأَنَّهَا صِيَغٌ، وَأَلْفَاظٌ مَوْضُوعَةٌ لِأَحْكَامٍ تَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا، وَيَلْزَمُ مَعَانِيهَا بِحَسَبِ الشَّرْعِ. (قَوْلُهُ: وَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ) يَعْنِي: لَا يَجِبُ أَنْ تَجْرِيَ الْمُوَاضَعَةُ فِي نَفْسِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ يَفُوتُ الْمَقْصُودُ مِنْ الْمُوَاضَعَةِ، وَهُوَ أَنْ يَعْتَقِدَ النَّاسُ لُزُومَ الْعَقْدِ بِخِلَافِ خِيَارِ الشَّرْطِ فَإِنَّهُ لِدَفْعِ الْغَبْنِ، وَمَنْعِ الْحُكْمِ عَنْ الثُّبُوتِ بَعْدَ انْعِقَادِ السَّبَبِ فَلَا بُدَّ مِنْ اتِّصَالِهِ بِالْعَقْدِ.

(قَوْلُهُ: وَلَا اخْتِيَارَ الْمُبَاشَرَةِ

ص: 372

(لِوُجُودِ الرِّضَى بِالْمُبَاشَرَةِ لَا بِالْحُكْمِ) هَذَا دَلِيلٌ عَلَى كَوْنِهِ بِمَنْزِلَةِ خِيَارِ الشَّرْطِ فَإِنَّهُ إذَا بِيعَ بِالْخِيَارِ فَالرِّضَى بِالْمُبَاشَرَةِ حَاصِلٌ لَا بِالْحُكْمِ وَهُوَ الْمِلْكُ (فَيَفْسُدُ الْعَقْدُ) كَمَا فِي الْخِيَارِ الْمُؤَبَّدِ (لَكِنْ لَا يَمْلِكُ بِالْقَبْضِ فِيهِ لِعَدَمِ الرِّضَى بِالْحُكْمِ) هَذَا اسْتِدْرَاكٌ عَنْ قَوْلِهِ، فَيَفْسُدُ الْعَقْدُ فَإِنَّ الْمِلْكَ بِالْقَبْضِ يَثْبُتُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ (فَإِنْ نَقَضَهُ أَحَدُهُمَا انْتَقَضَ، وَإِنْ أَجَازَاهُ فِي الثَّلَاثِ جَازَ) أَيْ: إنْ أَجَازَاهُ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أَيْ: يَنْقَلِبُ جَائِزَ الِارْتِفَاعِ الْمُفْسَدُ، كَمَا فِي الْخِيَارِ الْمُؤَبَّدِ (إلَّا إنْ أَجَازَ أَحَدُهُمَا) ؛ لِأَنَّهُ كَخِيَارِ الشَّرْطِ لِلْمُتَعَاقِدَيْنِ، فَيَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَتِهِمَا (وَعِنْدَهُمَا لَا يُشْتَرَطُ فِي الثَّلَاثِ) أَيْ: عِنْدَهُمَا لَا تَنْتَهِي الْإِجَازَةُ بِالثَّلَاثَةِ فَكُلَّمَا أَجَازَاهُ جَازَ الْبَيْعُ كَمَا فِي الْخِيَارِ الْمُؤَبَّدِ (وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى أَنْ لَا يَحْضُرَهُمَا شَيْءٌ) أَيْ: لَمْ يَقَعْ فِي خَاطِرَيْهِمَا وَقْتَ الْعَقْدِ أَنَّهُمَا بَنَيَا عَلَى الْمُوَاضَعَةِ أَوْ أَعْرَضَا (أَوْ اخْتَلَفَا فِي الْإِعْرَاضِ، وَالْبِنَاءِ يَصِحُّ الْعَقْدُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله عَمَلًا بِالْعَقْدِ وَهُوَ

ــ

[التلويح]

وَالرِّضَى بِهَا) يَعْنِي: أَنَّ الْهَازِلَ يَتَكَلَّمُ بِصِيغَةِ الْعَقْدِ مَثَلًا بِاخْتِيَارِهِ، وَرِضَاهُ لَكِنَّهُ لَا يَخْتَارُ ثُبُوتَ الْحُكْمِ، وَلَا يَرْضَاهُ الِاخْتِيَارُ هُوَ الْقَصْدُ إلَى الشَّيْءِ، وَإِرَادَتُهُ، وَالرِّضَى هُوَ إيثَارُهُ، وَاسْتِحْسَانُهُ فَالْمُكْرَهُ عَلَى الشَّيْءِ مَثَلًا يَخْتَارُ ذَلِكَ، وَلَا يَرْضَاهُ، وَمِنْ هَاهُنَا قَالُوا: إنَّ الْمَعَاصِيَ، وَالْقَبَائِحَ بِإِرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَرْضَاهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى إنَّ اللَّهَ {وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} [الزمر: 7] .

(قَوْلُهُ: وَهِيَ) أَيْ: التَّصَرُّفَاتُ إمَّا إنْشَاءَاتٌ أَوْ إخْبَارَاتٌ أَوْ اعْتِقَادَاتٌ؛ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ إنْ كَانَ إحْدَاثَ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ فَإِنْشَاءٌ، وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ الْقَصْدُ مِنْهَا إلَى بَيَانِ الْوَاقِعِ فَإِخْبَارَاتٌ، وَإِلَّا فَاعْتِقَادَاتٌ، وَالْإِنْشَاءُ إمَّا أَنْ يَحْتَمِلَ الْفَسْخَ أَوْ لَا، وَالْأَوَّلُ إمَّا أَنْ يَتَوَاضَعَ الْمُتَعَاقِدَانِ عَلَى أَصْلِ الْعَقْدِ أَوْ الثَّمَنِ بِحَسَبِ قَدْرِهِ أَوْ جِنْسِهِ، وَعَلَى التَّقَادِيرِ الثَّلَاثَةِ إمَّا أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى الْإِعْرَاضِ عَنْ الْهَزْلِ، وَالْمُوَاضَعَةِ أَوْ عَلَى بِنَاءِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا أَوْ عَلَى أَنْ لَا يَحْضُرَهُمَا شَيْءٌ، وَإِمَّا أَنْ لَا يَتَّفِقَا عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَحِينَئِذٍ إمَّا أَنْ يَدَّعِيَ أَحَدُهُمَا الْإِعْرَاضَ، وَالْآخَرُ الْبِنَاءَ أَوْ عَدَمَ حُضُورِ شَيْءٍ أَوْ يَدَّعِيَ أَحَدُهُمَا الْبِنَاءَ، وَالْآخَرُ عَدَمَ حُضُورِ شَيْءٍ، وَأَحْكَامُ الْأَقْسَامِ بَعْضُهَا مَشْرُوحٌ فِي الْكِتَابِ، وَبَعْضُهَا مَتْرُوكٌ لِانْسِيَاقِ الذِّهْنِ إلَيْهِ.

(قَوْلُهُ: لِعَدَمِ الرِّضَى بِالْحُكْمِ) لَوْ قَالَ لِعَدَمِ اخْتِيَارِ الْحُكْمِ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ الْمَانِعُ عَنْ الْمِلْكِ لَا عَدَمُ الرِّضَا كَالْمُشْتَرِي مِنْ الْمُكْرَهِ فَإِنَّهُ يَمْلِكُ بِالْقَبْضِ لِوُجُودِ الِاخْتِيَارِ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ الرِّضَا.

(قَوْلُهُ: فَإِنْ نَقَضَهُ) أَيْ: الْعَقْدَ الَّذِي اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُوَاضَعَةِ أَحَدُهُمَا أَيْ: أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ انْتَقَضَ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ وِلَايَةَ النَّقْضِ لَكِنَّ الصِّحَّةَ تَتَوَقَّفُ عَلَى اخْتِيَارِهِمَا جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ شَرْطِ الْخِيَارِ لِلْمُتَعَاقِدَيْنِ فَإِجَازَةُ أَحَدِهِمَا لَا تُبْطِلُ خِيَارَ الْآخَرِ، وَقَدَّرَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مُدَّةَ الْخِيَارِ بِثَلَاثَةِ

ص: 373

أَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ مِنْ الْمُوَاضَعَةِ الَّتِي لَمْ تَتَّصِلْ بِهِ) أَيْ: بِالْعَقْدِ (لَا عِنْدَهُمَا) أَيْ: لَا يَصِحُّ الْعَقْدُ عِنْدَهُمَا (فَاعْتَبَرَ الْعَادَةَ) تَحْقِيقُ الْمُوَاضَعَةِ مَا أَمْكَنَ (عَلَى أَنَّ الْمُوَاضَعَةَ أَسْبَقُ، قُلْنَا: الْأَخِيرُ نَاسِخٌ) أَيْ: الْأَخِيرُ وَهُوَ الْعَقْدُ نَاسِخٌ لِلْمُوَاضَعَةِ السَّابِقَةِ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا لَمْ يَمْضِ عَلَى الْمُوَاضَعَةِ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ بَقِيَ بِالتَّقْسِيمِ الْعَقْلِيِّ قِسْمَانِ لَمْ يُذْكَرَا وَهُمَا: إذَا أَعْرَضَ أَحَدُهُمَا وَقَالَ الْآخَرُ: لَمْ يَحْضُرْنِي شَيْءٌ، أَوْ بَنَى أَحَدُهُمَا وَقَالَ الْآخَرُ: لَمْ يَحْضُرْنِي شَيْءٌ فَعَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَدَمُ الْحُضُورِ كَالْإِعْرَاضِ وَعَلَى أَصْلِهِمَا كَالْبِنَاءِ (وَإِمَّا أَنْ يَتَوَاضَعَا عَلَى الْبَيْعِ بِأَلْفَيْنِ عَلَى أَنَّ الثَّمَنَ أَلْفٌ فَهُمَا يَعْمَلَانِ بِالْمُوَاضَعَةِ إلَّا فِي صُورَةِ إعْرَاضِهِمَا وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَعْمَلُ بِظَاهِرِ الْعَقْدِ فِي الْكُلِّ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْبِنَاءِ هُنَا، وَثَمَّةَ أَنَّ الْعَمَلَ بِالْمُوَاضَعَةِ هُنَا

ــ

[التلويح]

أَيَّامٍ اعْتِبَارًا بِالْخِيَارِ الْمُؤَبَّدِ حَتَّى يَتَقَرَّرَ الْفَسَادُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ الِاخْتِيَارُ مَا لَمْ يَتَحَقَّقْ النَّقْضُ، وَإِنَّمَا قَالَ فِي الثَّلَاثِ دُونَ الثَّلَاثَةِ اعْتِبَارًا بِاللَّيَالِيِ.

(قَوْلُهُ: عَمَلًا بِالْعَقْدِ) يَعْنِي: أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْعَقْدِ الشَّرْعِيِّ اللُّزُومُ، وَالصِّحَّةُ حَتَّى يَقُومَ الْمُعَارِضُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا شُرِعَ لِلْمِلْكِ، وَالْجِدُّ هُوَ الظَّاهِرُ فِيهِ فَاعْتِبَارُ الْعَقْدِ أَوْلَى مِنْ اعْتِبَارِ الْمُوَاضَعَةِ وَعِنْدَهُمَا لَا يَصِحُّ الْعَقْدُ فِي الصُّورَتَيْنِ أَعْنِي: صُورَةَ الِاتِّفَاقِ عَلَى أَنْ لَمْ يَحْضُرْهُمَا شَيْءٌ، وَالِاخْتِلَافُ فِي الْإِعْرَاضِ، وَالْبِنَاءِ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ بِأَنْ يَبْنِيَا عَلَى الْمُوَاضَعَةِ كَيْ لَا يَكُونَ الِاشْتِغَالُ بِهَا عَيْنًا فَإِنَّهُمَا إنَّمَا تَوَاضَعَا لِلْبِنَاءِ عَلَيْهِ صَوْنًا لِلْمَالِ عَنْ يَدِ الْمُتَغَلِّبِ، وَالْقَوْلُ بِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْعَقْدِ الصِّحَّةُ، وَاللُّزُومُ، وَالْمُعَارِضُ بِأَنَّ الْمُوَاضَعَةَ سَابِقَةٌ، وَالسَّبْقُ مِنْ أَسْبَابِ التَّرْجِيحِ، وَالْجَوَابُ أَنَّ الْعَقْدَ مُتَأَخِّرٌ، وَالْمُتَأَخِّرُ يَصْلُحُ نَاسِخًا لِلْمُتَقَدِّمِ إذَا لَمْ يُعَارِضْهُ مَا يُغَيِّرُهُ كَمَا إذَا اتَّفَقَا عَلَى الْبِنَاءِ، وَهَاهُنَا لَمْ يَتَحَقَّقْ الْمُغَيِّرُ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا يَدَّعِي عَدَمَ الْمُضِيِّ فَالْعَقْدُ بِاعْتِبَارِ أَنَّ أَصْلَهُ الْجِدُّ، وَاللُّزُومُ مِنْ غَيْرِ تَحَقُّقِ مُعَارِضٍ يَكُونُ نَاسِخًا لِلْمُوَاضَعَةِ السَّابِقَةِ.

(قَوْلُهُ: فَعَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله يَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَدَمُ الْحُضُورِ كَالْإِعْرَاضِ) عَمَلًا بِالْعَقْدِ، فَيَصِحُّ فِي الصُّورَتَيْنِ، وَعَلَى أَصْلِهِمَا عَدَمُ الْحُضُورِ كَالْبِنَاءِ تَرْجِيحًا لِلْمُوَاضَعَةِ بِالْعَادَةِ، وَالسَّبْقِ فَلَا يَصِحُّ الْعَقْدُ فِي شَيْءٍ مِنْ الصُّورَتَيْنِ، وَهَذَا مَأْخُوذٌ مِنْ صُورَةِ اتِّفَاقِهِمَا عَلَى أَنْ لَمْ يَحْضُرْهُمَا شَيْءٌ فَإِنَّهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله بِمَنْزِلَةِ الْإِعْرَاضِ وَعِنْدَهُمَا بِمَنْزِلَةِ الْبِنَاءِ، وَهَاهُنَا بَحْثٌ، وَهُوَ أَنَّ انْحِصَارَ الْأَقْسَامِ فِي السِّتَّةِ إنَّمَا هُوَ عَلَى تَقْدِيرِ اعْتِبَارِ الِاتِّفَاقِ، وَالِاخْتِلَافِ فِي نَفْسِ الْإِعْرَاضِ، وَالْبِنَاءِ، وَالذُّهُولِ أَيْ: عَدَمِ الْحُضُورِ، وَأَمَّا عَلَى تَقْدِيرِ اعْتِبَارِهِمَا فِي ادِّعَاءِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ عَلَى مَا يُشْعِرُ بِهِ كَلَامُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَالْأَقْسَامُ ثَمَانِيَةٌ، وَسَبْعُونَ؛ لِأَنَّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ إمَّا أَنْ يَتَّفِقَا أَوْ يَخْتَلِفَا فَإِنْ اتَّفَقَا فَالِاتِّفَاقُ إمَّا عَلَى إعْرَاضِهِمَا، وَإِمَّا عَلَى بِنَائِهِمَا، وَإِمَّا عَلَى ذُهُولِهِمَا، وَإِمَّا عَلَى بِنَاءِ أَحَدِهِمَا، وَإِعْرَاضِ الْآخَرِ

ص: 374

يَجْعَلُ قَبُولَ أَحَدِهِمَا الْأَلْفَيْنِ شَرْطًا لِوُقُوعِ الْبَيْعِ بِالْآخَرِ، فَيَفْسُدُ الْعَقْدُ وَقَدْ جَدَّا فِي أَصْلِ الْعَقْدِ فَهُوَ أَوْلَى بِالتَّرْجِيحِ مِنْ الْوَصْفِ) .

أَيْ: أَصْلُ الْعَقْدِ أَوْلَى بِالتَّرْجِيحِ مِنْ الْوَصْفِ فَإِنَّ اعْتِبَارَ أَصْلِ الْعَقْدِ يُوجِبُ الصِّحَّةَ؛ لِأَنَّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ جَدَّا فِي أَصْلِ الْعَقْدِ، وَإِنَّمَا الْهَزْلُ فِي مِقْدَارِ الثَّمَنِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْوَصْفِ فَإِنْ اُعْتُبِرَ الْمُوَاضَعَةُ وَالْهَزْلُ فِي الْوَصْفِ حَتَّى يَصِحَّ الْعَقْدُ بِالْأَلْفِ يَلْزَمُ فَسَادُ الْعَقْدِ كَمَا بَيَّنَّا فِي الْمَتْنِ (وَأَمَّا أَنْ يَتَوَاضَعَا عَلَى أَنَّ الثَّمَنَ جِنْسٌ آخَرُ فَالْعَمَلُ بِالْعَقْدِ اتِّفَاقًا وَالْفَرْقُ لَهُمَا بَيْنَ هَذَا وَالْمُوَاضَعَةِ فِي الْقَدْرِ أَنَّ الْعَمَلَ بِهَا مَعَ صِحَّةِ الْعَقْدِ مُمْكِنٌ ثَمَّةَ لَا هُنَا، وَالْهَزْلُ بِأَحَدِ الْأَلْفَيْنِ ثَمَّةَ شَرْطٌ لَا طَالِبَ لَهُ فَلَا يَفْسُدُ) وَإِنَّمَا قَالَ هَذَا جَوَابًا عَمَّا ذُكِرَ أَنَّهُ يَجْعَلُ قَبُولَ أَحَدِ الْأَلْفَيْنِ شَرْطًا لِوُقُوعِ الْبَيْعِ بِالْآخَرِ، وَإِنَّمَا قَالَ إنَّهُ لَا طَالِبَ لَهُ لِاتِّفَاقِ

ــ

[التلويح]

أَوْ ذُهُولِهِ، وَإِمَّا عَلَى إعْرَاضِ أَحَدِهِمَا، وَذُهُولِ الْآخَرِ فَصُوَرُ الِاتِّفَاقِ سِتٌّ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فَدَعْوَى أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ يَكُونُ إمَّا إعْرَاضُهُمَا، وَإِمَّا بِنَاؤُهُمَا، وَإِمَّا ذُهُولُهُمَا، وَإِمَّا بِنَاؤُهُ مَعَ إعْرَاضِ الْآخَرِ أَوْ ذُهُولُهُ، وَإِمَّا إعْرَاضُهُ مَعَ بِنَاءِ الْآخَرِ أَوْ ذُهُولِهِ، وَإِمَّا ذُهُولُهُ مَعَ بِنَاءِ الْآخَرِ أَوْ إعْرَاضُهُ يَصِيرُ تِسْعَةً، وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ مِنْ التَّقَادِيرِ التِّسْعَةِ يَكُونُ اخْتِلَافُ الْخَصْمِ بِأَنْ يَدَّعِيَ إحْدَى الصُّوَرِ الثَّمَانِيَةِ الْبَاقِيَةِ فَتَصِيرَ أَقْسَامُ الِاخْتِلَافِ اثْنَيْنِ، وَسَبْعِينَ حَاصِلَةً مِنْ ضَرْبِ التِّسْعَةِ فِي الثَّمَانِيَةِ، وَلَا خَفَاءَ فِي أَنَّ تَمَسُّكَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْعَقْدِ الصِّحَّةُ، وَتَمَسُّكَهُمَا بِأَنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ بِتَحْقِيقِ الْمُوَاضَعَةِ السَّابِقَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا إذَا اخْتَلَفَا فِي دَعْوَى الْإِعْرَاضِ، وَالْبِنَاءِ مَثَلًا، وَأَمَّا إذَا اتَّفَقَا عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي الْإِعْرَاضِ، وَالْبِنَاءِ بِأَنْ يُقِرَّ كِلَاهُمَا بِإِعْرَاضِ أَحَدِهِمَا، وَبِنَاءِ الْآخَرِ فَلَا قَائِلَ بِالصِّحَّةِ، وَاللُّزُومِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ.

(قَوْلُهُ: وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْبِنَاءِ هُنَا، وَثَمَّةَ) يَعْنِي: إذَا وَقَعَتْ الْمُوَاضَعَةُ فِي قَدْرِ الثَّمَنِ، وَبَنَيَا عَلَيْهَا، فَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَعْتَبِرُ الْمُوَاضَعَةَ السَّابِقَةَ، وَيَحْكُمُ بِلُزُومِ الْأَلْفَيْنِ لَا الْأَلْفِ الْمُتَوَاضَعِ عَلَيْهِ، وَقَدْ كَانَ يَعْتَبِرُ الْبِنَاءَ عَلَى الْمُوَاضَعَةِ فِي نَفْسِ الْعَقْدِ، وَيَحْكُمُ بِفَسَادِ الْعَقْدِ، وَثُبُوتِ الْخِيَارِ، فَيَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْبِنَاءِ هُنَا أَيْ: فِي صُورَةِ الْمُوَاضَعَةِ فِي قَدْرِ الثَّمَنِ، وَالْبِنَاءُ ثَمَّةَ أَيْ: فِي صُورَةِ الْمُوَاضَعَةِ فِي نَفْسِ الْعَقْدِ، وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الْمُوَاضَعَةَ السَّابِقَةَ إنَّمَا تُعْتَبَرُ إذَا لَمْ يُوجَدْ مَا يُعَارِضُهَا، وَيُدَافِعُهَا، وَهَاهُنَا قَدْ وُجِدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا لَوْ اُعْتُبِرَتْ يَلْزَمُ فَسَادُ الْعَقْدِ لِتَوَقُّفِ انْعِقَادِهِ عَلَى شَرْطٍ لَيْسَ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْعَقْدِ، وَفِيهِ نَفْعٌ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، وَهُوَ قَبُولُ الْعَقْدِ فِيمَا لَيْسَ بِدَاخِلٍ فِي الْعَقْدِ كَأَحَدِ الْأَلْفَيْنِ فِي صُورَةِ الْبَيْعِ بِأَلْفَيْنِ، وَالْمُوَاضَعَةُ عَلَى أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ أَلْفًا، وَلَوْ قُلْنَا بِفَسَادِ الْعَقْدِ يَلْزَمُ تَرْجِيحُ الْوَصْفِ عَلَى الْأَصْلِ؛ لِأَنَّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ قَدْ جَدَّا فِي أَصْلِ الْعَقْدِ، فَيَلْزَمُ صِحَّتُهُ، وَإِنَّمَا هَزَلَا فِي الثَّمَنِ الَّذِي هُوَ، وَصْفٌ لِكَوْنِهِ وَسِيلَةً لَا مَقْصُودًا فَلَوْ

ص: 375

الْمُتَعَاقِدَيْنِ عَلَى أَنَّ الثَّمَنَ أَلْفٌ لَا أَلْفَانِ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِلشَّرْطِ طَالِبٌ لَا يَفْسُدُ كَمَا إذَا اشْتَرَى حِمَارًا عَلَى أَنْ يَحْمِلَهُ حَمْلًا خَفِيفًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ لَا يَفْسُدُ الْعَقْدُ لِعَدَمِ الطَّالِبِ لَكِنَّ الْجَوَابَ لِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ الشَّرْطَ فِي مَسْأَلَتِنَا وَقَعَ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، وَهُوَ الطَّالِبُ لَكِنْ لَا يُطَالَبُ هُنَا لِلْمُوَاضَعَةِ وَعَدَمُ الطَّلَبِ بِوَاسِطَةِ الرِّضَا لَا يُفِيدُ الصِّحَّةَ كَالرِّضَى بِالرِّبَا ثُمَّ عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ وَإِمَّا أَنْ يَحْتَمِلَ النَّقْضَ قَوْلُهُ: (وَإِمَّا أَنْ لَا يَحْتَمِلَ النَّقْضَ فَمِنْهُ مَا لَا مَالَ فِيهِ وَهُوَ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ وَالْعَفْوُ عَنْ الْقِصَاصِ وَالْيَمِينِ، وَالنَّذْرِ وَكُلُّهُ صَحِيحٌ، وَالْهَزْلُ بَاطِلٌ لِقَوْلِهِ

ــ

[التلويح]

اعْتَبَرْنَاهُ، وَحَكَمْنَا بِفَسَادِ الْعَقْدِ لَزِمَ إهْدَارُ الْأَصْلِ لِاعْتِبَارِ الْوَصْفِ، وَهُوَ بَاطِلٌ فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَوْلِ بِصِحَّةِ الْعَقْدِ، وَلُزُومِ الْأَلْفَيْنِ اعْتِبَارًا لِلتَّسْمِيَةِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ اعْتِبَارَ الْمُوَاضَعَةِ فِي الثَّمَنِ، وَتَصْحِيحَ أَصْلِ الْعَقْدِ مُتَنَافِيَانِ، وَقَدْ ثَبَتَ الثَّانِي تَرْجِيحًا لِلْأَصْلِ، فَيَنْتَفِي الْأَوَّلُ، وَبِهَذَا يَخْرُجُ الْجَوَابُ عَمَّا يُقَالُ: إنَّهُمَا قَصَدَا بِذِكْرِ الْأَلْفِ الْآخَرِ السُّمْعَةَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُحْتَاجَ إلَى اعْتِبَارِهِ فِي تَصْحِيحِ الْعَقْدِ فَكَانَ ذِكْرُهُ، وَالسُّكُوتُ عَنْهُ سَوَاءً كَمَا فِي النِّكَاحِ.

(قَوْلُهُ: وَالْفَرْقُ لَهُمَا) يَعْنِي: إذَا وَقَعَتْ الْمُوَاضَعَةُ فِي جِنْسِ الثَّمَنِ بِأَنْ بَاعَ بِمِائَةِ دِينَارٍ، وَقَدْ تَوَاضَعَا عَلَى أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ، وَاللَّازِمُ مِائَةُ دِينَارٍ، وَسَوَاءٌ بَنَيَا عَلَى الْمُوَاضَعَةِ أَوْ عَرَضَا أَوْ لَمْ يَحْضُرْهُمَا شَيْءٌ أَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَقَدْ مَرَّ عَلَى أَصْلِهِ مِنْ عَدَمِ اعْتِبَارِ الْمُوَاضَعَةِ تَرْجِيحًا لِلْأَصْلِ، وَتَصْحِيحًا لِلْعَقْدِ بِمَا سَمَّيَا مِنْ الْبَدَلِ ضَرُورَةَ افْتِقَارِهِ إلَى تَسْمِيَةِ الْبَدَلِ، وَأَمَّا أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى فَقَدْ احْتَجَّا إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْمُوَاضَعَةِ فِي جِنْسِ الثَّمَنِ، وَالْمُوَاضَعَةِ فِي قَدْرِهِ، وَوَجْهُهُ أَنَّ الْعَمَلَ بِالْمُوَاضَعَةِ مَعَ صِحَّةِ الْبَيْعِ مُمْكِنٌ فِي الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ مُمْكِنٌ فِي صُورَةِ الْبِنَاءِ لَا يَصِحُّ بِدُونِ تَسْمِيَةِ الْبَدَلِ فَإِذَا اُعْتُبِرَتْ الْمُوَاضَعَةُ كَانَ الْبَدَلُ أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَهُوَ غَيْرُ مَذْكُورٍ فِي الْعَقْدِ، وَالْمَذْكُورُ فِي الْعَقْدِ يَكُونُ مِائَةَ دِينَارٍ، وَهِيَ غَيْرُ الْبَدَلِ بِخِلَافِ الْمُوَاضَعَةِ فِي الْقَدْرِ فَإِنَّهُ يُمْكِنُ تَصْحِيحُ الْبَيْعِ مَعَ اعْتِبَارِهَا بِأَنْ يَنْعَقِدَ بِالْأَلْفِ الْمَوْجُودِ فِي الْأَلْفَيْنِ.

(قَوْلُهُ: وَإِمَّا أَنْ يَحْتَمِلَ النَّقْضَ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ إمَّا أَنْ يَحْتَمِلَ النَّقْضَ، وَفِي الْكَلَامِ خَلَلٌ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَالَ أَمَّا الْإِنْشَاءَاتُ فَإِمَّا أَنْ يَحْتَمِلَ النَّقْضَ أَوْ لَا فَذَكَرَ الْمَعْطُوفَ، وَالْمَعْطُوفَ عَلَيْهِ جَمِيعًا، ثُمَّ قَالَ فَمَا يَحْتَمِلُهُ كَالْبَيْعِ فَكَانَ الصَّوَابُ أَنْ يَقُولَ هَا هُنَا، وَمَا لَا يَحْتَمِلُهُ أَيْ: النَّقْضُ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَجْرِي فِيهِ الْفَسْخُ، وَالْإِقَالَةُ فَثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِ مَالٌ بِأَنْ يَثْبُتَ بِدُونِ شَرْطٍ، وَذِكْرٍ أَوْ لَا، وَالْأَوَّلُ إمَّا أَنْ يَكُونَ الْمَالُ تَبَعًا أَوْ مَقْصُودًا.

(قَوْلُهُ: وَكُلُّهُ صَحِيحٌ) اسْتَدَلَّ عَلَى صِحَّةِ الْكُلِّ، وَبُطْلَانِ الْهَزْلِ بِالْحَدِيثِ، وَالْمَعْقُولِ أَمَّا الْحَدِيثُ، فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِإِثْبَاتِ صِحَّةِ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ فَقَطْ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِإِثْبَاتِ صِحَّتِهَا

ص: 376

- عليه الصلاة والسلام «ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ، وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ النِّكَاحُ، وَالطَّلَاقُ وَالْيَمِينُ» وَلِأَنَّ الْهَازِلَ رَاضٍ بِالسَّبَبِ لَا الْحُكْمِ وَحُكْمُ هَذِهِ الْأَسْبَابِ لَا يَحْتَمِلُ التَّرَاخِي وَالرَّدَّ حَتَّى لَا يَحْتَمِلَ خِيَارَ الشَّرْطِ، وَمِنْهُ مَا يَكُونُ الْمَالُ فِيهِ تَبَعًا كَالنِّكَاحِ فَإِنْ كَانَ الْهَزْلُ فِي الْأَصْلِ فَالْعَقْدُ لَازِمٌ أَوْ فِي قَدْرِ الْبَدَلِ فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى الْإِعْرَاضِ فَالْمَهْرُ أَلْفَانِ أَوْ عَلَى الْبِنَاءِ، فَأَلْفٌ، وَالْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بَيْنَ هَذَا، وَبَيْنَ الْبَيْعِ أَنَّ الْبَيْعَ يَفْسُدُ بِالشَّرْطِ) لَكِنَّ النِّكَاحَ لَا يَفْسُدُ بِالشَّرْطِ (وَعَلَى أَنَّهُ لَمْ يَحْضُرْهُمَا شَيْءٌ أَوْ اخْتَلَفَا فَفِي رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْمَهْرُ أَلْفٌ بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ مَقْصُودٌ بِالْإِيجَابِ فَتَرَجَّحَ بِهِ) أَيْ: بِالثَّمَنِ، فَيَتَرَجَّحُ الثَّمَنُ بِالْإِيجَابِ (وَفِي رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَلْفَانِ قِيَاسًا عَلَى الْبَيْعِ وَفِي جِنْسِ الْبَدَلِ فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى الْإِعْرَاضِ فَالْمُسَمَّى، وَعَلَى الْبِنَاءِ فَمَهْرُ الْمِثْلِ إجْمَاعًا وَعَلَى أَنَّهُ لَمْ يَحْضُرْهُمَا

ــ

[التلويح]

عِبَارَةً، وَصِحَّةُ غَيْرِهَا دَلَالَةً، وَأَمَّا الْمَعْقُولُ فَيُفِيدُ صِحَّةَ الْكُلِّ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْهَزْلَ لَا يَمْنَعُ انْعِقَادَ السَّبَبِ، وَعِنْدَ انْعِقَادِ السَّبَبِ يُوجِدُ حُكْمُهُ ضَرُورَةَ عَدَمِ التَّرَاخِي، وَالرَّدُّ فِي حُكْمِ هَذِهِ الْأَسْبَابِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ، وَاعْتُرِضَ بِالطَّلَاقِ الْمُضَافِ مِثْلُ أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَسْبَابِ الْعِلَلُ، وَالطَّلَاقُ الْمُضَافُ لَيْسَ بِعِلَّةٍ بَلْ سَبَبٌ مُفْضٍ، وَإِلَّا لَاسْتَنَدَ إلَى وَقْتِ الْإِيجَابِ كَالْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ.

(قَوْلُهُ: وَفِي قَدْرِ الْبَدَلِ) يَعْنِي: إذَا وَقَعَتْ الْمُوَاضَعَةُ فِي قَدْرِ الْمَهْرِ بِأَنْ يُذْكَرَ فِي الْعَقْدِ أَلْفَانٍ، وَيَكُونُ الْمَهْرُ أَلْفًا فَإِنْ اتَّفَقَ الْمُتَعَاقِدَانِ عَلَى الْإِعْرَاضِ عَنْ الْمُوَاضَعَةِ فَاللَّازِمُ هُوَ الْمُسَمَّى فِي الْعَقْدِ أَعْنِي: الْأَلْفَيْنِ، وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى بِنَاءِ النِّكَاحِ عَلَى الْمُوَاضَعَةِ فَاللَّازِمُ أَلْفٌ أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ كَمَا فِي الْبَيْعِ، وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، فَيَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ النِّكَاحِ، وَالْبَيْعِ حَيْثُ يَعْتَبِرُ فِي النِّكَاحِ الْمُوَاضَعَةَ دُونَ التَّسْمِيَةِ، وَفِي الْبَيْعِ بِالْعَكْسِ، وَوَجْهُهُ أَنَّ الْبَدَلَ فِي الْبَيْعِ، وَإِنْ كَانَ وَصْفًا، وَتَبَعًا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْبَيْعِ إلَّا أَنَّهُ مَقْصُودٌ بِإِيجَابٍ لِكَوْنِهِ أَحَدَ رُكْنَيْ الْبَيْعِ، وَلِهَذَا يَفْسُدُ الْبَيْعُ بِفَسَادِهِ أَوْ جَهَالَتِهِ، وَبِدُونِ ذِكْرِهِ، فَيَتَرَجَّحُ الْبَيْعُ بِالثَّمَنِ بِمَعْنَى أَنَّهُ يَجِبُ تَصْحِيحُ الْبَيْعِ لِتَصْحِيحِ الثَّمَنِ بِخِلَافِ الْبَدَلِ فِي النِّكَاحِ فَإِنَّهُ إنَّمَا شُرِعَ إظْهَارًا لِخَطَرِ الْمَحَلِّ لَا مَقْصُودًا، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ ثُبُوتُ الْحِلِّ فِي الْجَانِبَيْنِ لِلتَّوَالُدِ، وَالتَّنَاسُلِ.

(قَوْلُهُ: وَعَلَى الْبِنَاءِ) يَعْنِي: أَنَّ وَقْتَ الْمُوَاضَعَةِ فِي جِنْسِ الْبَدَلِ بِأَنْ يَذْكُرَا فِي الْعَقْدِ مِائَةَ دِينَارٍ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمَهْرُ أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَقَدْ اتَّفَقَا عَلَى الْبِنَاءِ عَلَى الْمُوَاضَعَةِ فَاللَّازِمُ مَهْرُ الْمِثْلِ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ التَّزَوُّجِ بِدُونِ الْمَهْرِ إذْ لَا سَبِيلَ إلَى ثُبُوتِ الْمُسَمَّى؛ لِأَنَّ الْمَالَ لَا يَثْبُتُ بِالْهَزْلِ، وَلَا إلَى ثُبُوتِ الْمُتَوَاضَعِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ فِي الْعَقْدِ بِخِلَافِ الْمُوَاضَعَةِ فِي الْقَدْرِ فَإِنَّ الْمُتَوَاضَعَ عَلَيْهِ قَدْ يُسَمَّى فِي الْعَقْدِ مَعَ الزِّيَادَةِ، وَبِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّ فِيهِ ضَرُورَةً إلَى اعْتِبَارِ التَّسْمِيَةِ

ص: 377

أَوْ اخْتَلَفَا فَفِي رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَهْرُ الْمِثْلِ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بُطْلَانُ الْمُسَمَّى عِنْدَ الِاخْتِلَافِ، وَعَدَمِ الْحُضُورِ فِي الْمُوَاضَعَةِ فِي قَدْرِ الْمَهْرِ عَلَى مَا ذَكَرَ، وَكَذَا فِي الْمُوَاضَعَةِ فِي جِنْسٍ فِي الْمَهْرِ لَكِنَّ الْمُوَاضَعَةَ فِي قَدْرِ الْمَهْرِ الْعَمَلُ بِالْمُوَاضَعَةِ مُمْكِنٌ؛ لِأَنَّ مَا تَوَاضَعَا عَلَيْهِ، وَهُوَ الْأَلْفُ دَاخِلٌ فِي الْمُسَمَّى وَهُوَ الْأَلْفَانِ أَمَّا فِي الْمُوَاضَعَةِ فِي الْجِنْسِ فَهَذَا غَيْرُ مُمْكِنٍ فَلَمَّا بَطَلَ الْمُسَمَّى وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ (وَفِي رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله الْمُسَمَّى وَعِنْدَهُمَا مَهْرُ الْمِثْلِ وَمِنْهُ مَا يَكُونُ الْمَالُ فِيهِ مَقْصُودًا كَالْخُلْعِ وَالْعِتْقِ عَلَى مَالٍ، وَالصُّلْحُ عَنْ دَمِ عَمْدٍ سَوَاءٌ هَزَلَا فِي الْأَصْلِ أَوْ الْقَدْرِ أَوْ الْجِنْسِ فَفِي الْإِعْرَاضِ يَلْزَمُ الطَّلَاقُ وَالْمَالُ

ــ

[التلويح]

لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ بِدُونِ تَسْمِيَةِ الثَّمَنِ، وَالنِّكَاحُ يَصِحُّ بِدُونِ تَسْمِيَةِ الْمَهْرِ، وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى أَنْ لَمْ يَحْضُرْهُمَا شَيْءٌ أَوْ اخْتَلَفَا فِي الْإِعْرَاضِ، وَالْبِنَاءِ فَاللَّازِمُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بُطْلَانُ الْمُسَمَّى عَمَلًا بِالْهَزْلِ لِئَلَّا يَصِيرَ الْمَهْرُ مَقْصُودًا بِالصِّحَّةِ بِمَنْزِلَةِ الثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ، وَلَمَّا بَطَلَ الْمُسَمَّى لَزِمَ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هُوَ الْمُسَمَّى قِيَاسًا عَلَى الْبَيْعِ وَعِنْدَهُمَا اللَّازِمُ مَهْرُ الْمِثْلِ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِمَا مِنْ تَرْجِيحِ الْمُوَاضَعَةِ بِالسَّبْقِ وَالْعَادَةِ فَلَا يَثْبُتُ الْمُسَمَّى لِرُجْحَانِ الْمُوَاضَعَةِ، وَعَدَمِ ثُبُوتِ الْمَالِ بِالْهَزْلِ، وَلَا الْمُتَوَاضَعِ عَلَيْهِ لِعَدَمِ التَّسْمِيَةِ، فَيَلْزَمُ مَهْرُ الْمِثْلِ.

(قَوْلُهُ: وَمِنْهُ) أَيْ: مِمَّا لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ مَا يَكُونُ الْمَالُ فِيهِ مَقْصُودًا حَتَّى لَا يَثْبُتَ بِدُونِ الذِّكْرِ كَمَا إذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ عَلَى مَالٍ بِطَرِيقِ الْهَزْلِ أَوْ طَلَّقَهَا عَلَى أَلْفَيْنِ مَعَ الْمُوَاضَعَةِ عَلَى أَنَّ الْمَالَ أَلْفٌ أَوْ طَلَّقَهَا عَلَى مِائَةِ دِينَارٍ مَعَ الْمُوَاضَعَةِ عَلَى أَنَّ الْمَالَ أَلْفُ دِرْهَمٍ، وَكَذَا فِي الْعِتْقِ عَلَى مَالٍ، وَالصُّلْحِ عَنْ دَمٍ عَمْدٍ فَفِي صُورَةِ الْإِعْتَاقِ عَلَى الْإِعْرَاضِ أَوْ عَلَى أَنَّ لَمْ يَحْضُرْهُمَا شَيْءٌ، وَالِاخْتِلَافُ فِي الْإِعْرَاضِ، وَالْبِنَاءِ يَقَعُ الطَّلَاقُ، وَيَجِبُ الْمَالُ أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَلِتَرْجِيحِ الْعَقْدِ عَلَى الْمُوَاضَعَةِ، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِأَنَّ الْهَزْلَ بِمَنْزِلَةِ خِيَارِ الشَّرْطِ، وَالْخِيَارُ بَاطِلٌ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ قَبُولَ الْمَرْأَةِ شَرْطٌ لِلْيَمِينِ فَلَا يَحْتَمِلُ الْخِيَارَ كَسَائِرِ الشُّرُوطِ، وَذَلِكَ كَمَا إذَا قَالَ الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنَّكِ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَقَالَتْ: قَبِلْت فَعِنْدَهُمَا يَقَعُ الطَّلَاقُ، وَيَلْزَمُ الْمَالُ، وَعِنْدَهُ إنْ رَدَّتْ الطَّلَاقَ فِي الثَّلَاثَةِ أَيَّامٍ بَطَلَ الطَّلَاقُ، وَإِنْ أَجَازَتْ أَوْ لَمْ تَرُدَّ حَتَّى مَضَتْ الْمُدَّةُ فَالطَّلَاقُ وَاقِعٌ، وَالْأَلْفُ لَازِمٌ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ، وَلَا يَجِبُ الْمَالُ حَتَّى تَشَاءَ الْمَرْأَةُ فَمَسْأَلَةُ الْهَزْلِ فِي الْخُلْعِ عَلَى كِلَا الْمَذْهَبَيْنِ بِمَنْزِلَةِ مَسْأَلَةِ الْخُلْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ عَلَى مَذْهَبِهِمَا، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ فَكَذَا فِي مَسْأَلَتِنَا عَلَى كِلَا الْمَذْهَبَيْنِ، وَأَمَّا فِي صُورَةِ الِاتِّفَاقِ عَلَى الْبِنَاءِ فَعِنْدَهُمَا يَقَعُ الطَّلَاقُ، وَيَلْزَمُ الْمَالُ؛ لِأَنَّهُ لَا أَثَرُ لِلْهَزْلِ فِي ذَلِكَ فَإِنْ قُلْت

ص: 378

وَكَذَا فِي الِاخْتِلَافِ وَعَدَمِ الْحُضُورِ أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَلِتَرْجِيحِ الْإِيجَابِ) أَيْ: تَرْجِيحِ الْعَقْدِ عَلَى الْمُوَاضَعَةِ (وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِعَدَمِ تَأْثِيرِ الْخِيَارِ) فَإِنَّهُ إذَا شُرِطَ فِي الْخُلْعِ الْخِيَارُ لَهَا فَعِنْدَهُمَا الطَّلَاقُ وَاقِعٌ، وَالْمَالُ وَاجِبٌ وَالْخِيَارُ بَاطِلٌ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ، وَلَا يَجِبُ الْمَالُ حَتَّى تَشَاءَ الْمَرْأَةُ فَكَذَا فِي مَسْأَلَتِنَا عَلَى كِلَا الْمَذْهَبَيْنِ (وَكَذَا فِي الْبِنَاءِ عِنْدَهُمَا عَلَى أَنَّ الْمَالَ يَلْزَمُ تَبَعًا) اعْلَمْ أَنَّ الْمَالَ فِي الْخُلْعِ، وَالْعِتْقِ عَلَى مَالٍ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ عَمْدٍ يَجِبُ عِنْدَهُمَا بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ وَالْمَقْصُودُ هُوَ الطَّلَاقُ، وَالْعِتْقُ وَسُقُوطُ الْقِصَاصِ وَالْهَزْلُ لَا يُؤَثِّرُ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ، فَيَثْبُتُ ثُمَّ يَجِبُ الْمَالُ ضِمْنًا لَا قَصْدًا فَلَا يُؤَثِّرُ الْهَزْلُ فِي وُجُوبِ

ــ

[التلويح]

الْهَزْلُ، وَإِنْ لَمْ يُؤَثِّرْ فِي التَّصَرُّفِ كَالطَّلَاقِ، وَنَحْوِهِ إلَّا أَنَّهُ مُؤَثِّرٌ فِي الْمَالِ حَتَّى لَمْ يَثْبُتْ بِالْهَزْلِ أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَالَ هَاهُنَا يَجِبُ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ فِي ضِمْنِ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الشَّرْطِ فِيهِ، وَالشُّرُوطُ اتِّبَاعٌ، وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَثْبُتُ ضِمْنًا، وَلَا يَثْبُتُ قَصْدًا، وَالتَّبَعِيَّةُ بِهَذَا الْمَعْنَى لَا تُنَافِي كَوْنَهُ مَقْصُودًا بِالنَّظَرِ إلَى الْعَاقِدِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالذِّكْرِ، فَإِنْ قُلْت الْمَالُ فِي النِّكَاحِ أَيْضًا تَبَعٌ، وَقَدْ أَثَّرَ الْهَزْلُ فِيهِ. قُلْت تَبَعِيَّتُهُ فِي النِّكَاحِ لَيْسَتْ فِي حَقِّ الثُّبُوتِ؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ، وَإِنْ لَمْ يُذْكَرْ بَلْ بِمَعْنَى أَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الْحِلُّ، وَالتَّنَاسُلُ لَا الْمَالُ، وَهَذَا لَا يُنَافِي الْأَصَالَةَ بِمَعْنَى الثُّبُوتِ بِدُونِ الذِّكْرِ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَتَوَقَّفُ الطَّلَاقُ عَلَى مَشِيئَةِ الْمَرْأَةِ لِإِمْكَانِ الْعَمَلِ بِالْمُوَاضَعَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْخُلْعَ لَا يَفْسُدُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ، وَالْعَمَلِ بِالْمُوَاضَعَةِ أَنْ يَتَعَلَّقَ الطَّلَاقُ بِجَمِيعِ الْبَدَلِ، وَلَا يَقَعُ فِي الْحَالِ بَلْ يَتَوَقَّفُ عَلَى اخْتِيَارِهَا.

(قَوْلُهُ: وَأَمَّا تَسْلِيمُ الشُّفْعَةِ) أَيْ: طَلَبُ الشُّفْعَةِ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ طَلَبَ مُوَاثَبَةٍ، بِأَنْ يَطْلُبَهَا كَمَا عَلِمَهَا حَتَّى تَبْطُلَ بِالتَّأْخِيرِ أَوْ طَلَبَ تَقْرِيرٍ بِأَنْ يَنْتَهِضَ بَعْدَ الطَّلَبِ، وَيُشْهِدَ، وَيَقُولَ: إنِّي طَلَبْت الشُّفْعَةَ، وَأَطْلُبُهَا الْآنَ أَوْ طَلَبَ خُصُومَةٍ بِأَنْ يَقُومَ بِالْأَخْذِ، وَالتَّمَلُّكِ فَتَسْلِيمُ الشُّفْعَةِ بِطَرِيقِ الْهَزْلِ قَبْلَ الْمُوَاثَبَةِ يُبْطِلُ الشُّفْعَةَ بِمَنْزِلَةِ السُّكُوتِ، وَبَعْدَهُ يُبْطِلُ التَّسْلِيمَ فَتَكُونُ الشُّفْعَةُ بَاقِيَةً؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ مِنْ جِنْسِ مَا يَبْطُلُ بِالْخِيَارِ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى التِّجَارَةِ لِكَوْنِهِ اسْتِبْقَاءَ أَحَدَ الْعِوَضَيْنِ عَلَى الْمِلْكِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى الرِّضَا بِالْحُكْمِ وَكُلٌّ مِنْ الْخِيَارِ وَالْهَزْلِ يَمْنَعُ الرِّضَا بِالْحُكْمِ، فَيَبْطُلُ بِهِ التَّسْلِيمُ.

(قَوْلُهُ: وَكَذَا الْإِبْرَاءُ) أَيْ: إبْرَاءُ الْغَرِيمِ أَوْ الْكَفِيلِ يَبْطُلُ بِالْهَزْلِ؛ لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى التَّمَلُّكِ، وَيَرْتَدُّ بِالرَّدِّ فَيُؤَثِّرُ فِيهِ الْهَزْلُ كَخِيَارِ الشَّرْطِ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْإِخْبَارَاتُ فَيُبْطِلُهَا الْهَزْلُ) سَوَاءٌ كَانَتْ إخْبَارًا عَمَّا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ كَالْبَيْعِ، وَالنِّكَاحِ أَوْ لَا يَحْتَمِلُهُ كَالطَّلَاقِ، وَالْعَتَاقِ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ إخْبَارًا شَرْعًا وَلُغَةً كَمَا إذَا تَوَاضَعَا عَلَى أَنْ يُقِرَّا بِأَنَّ بَيْنَهُمَا نِكَاحًا أَوْ بِأَنَّهُمَا تَبَايَعَا فِي هَذَا الشَّيْءِ بِكَذَا أَوْ لُغَةً فَقَطْ كَمَا إذَا أَقَرَّ بِأَنَّ لِزَيْدٍ عَلَيْهِ كَذَا، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْإِخْبَارَ يَعْتَمِدُ صِحَّةَ الْمُخْبَرِ بِهِ أَيْ: تَحَقَّقَ الْحُكْمُ الَّذِي صَارَ الْخَبَرُ عِبَارَةً عَنْهُ، وَإِعْلَامًا بِثُبُوتِهِ أَوْ نَفْيِهِ، وَالْهَزْلُ يُنَافِي ذَلِكَ، وَيَدُلُّ عَلَى عَدَمِهِ فَكَمَا أَنَّهُ

ص: 379