المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[مسألة إذا اختلفت الصحابة في قولين] - التلويح على التوضيح لمتن التنقيح - جـ ٢

[السعد التفتازاني - المحبوبي صدر الشريعة الأصغر]

فهرس الكتاب

- ‌(الرُّكْنُ الثَّانِي فِي السُّنَّةِ

- ‌[فَصْلٌ اتِّصَالُ الْخَبَرِ] [

- ‌التَّوَاتُرُ يُوجِبُ عِلْمَ الْيَقِينِ]

- ‌[فَصْلٌ] الرَّاوِي إمَّا مَعْرُوفٌ بِالرِّوَايَةِ وَإِمَّا مَجْهُولٌ

- ‌[فَصْلٌ شَرَائِطُ الرَّاوِي]

- ‌[فَصْلٌ فِي انْقِطَاعِ الْحَدِيثِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَحَلِّ الْخَبَرِ]

- ‌[فَصْلٌ] فِي كَيْفِيَّةِ السَّمَاعِ وَالضَّبْطِ وَالتَّبْلِيغِ

- ‌(فَصْلٌ) فِي الطَّعْنِ

- ‌(فَصْلٌ) فِي أَفْعَالِهِ عليه الصلاة والسلام

- ‌[فَصْلٌ فِي الْوَحْيِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَبَاطِنٌ]

- ‌[فَصْلٌ فِي شَرَائِعِ مَنْ قَبْلَنَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَقْلِيدِ الصَّحَابِيِّ]

- ‌[بَابُ الْبَيَانِ]

- ‌(فَصْلٌ فِي الِاسْتِثْنَاءِ)

- ‌[مَسْأَلَةٌ شَرْطُ الِاسْتِثْنَاءِ]

- ‌(مَسْأَلَةٌ الِاسْتِثْنَاءُ مُتَّصِلٌ، وَمُنْقَطِعٌ

- ‌(مَسْأَلَةٌ الِاسْتِثْنَاءُ الْمُسْتَغْرَقُ

- ‌[مَسْأَلَةٌ الِاسْتِثْنَاءُ إذَا تَعَقَّبَ الْجُمَلَ الْمَعْطُوفَةَ]

- ‌(فَصْلٌ) فِي بَيَانِ التَّبْدِيلِ

- ‌[بَيَانُ النَّاسِخِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ كَوْنُ النَّاسِخِ أَشَقَّ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ الضَّرُورَةِ]

- ‌[الرُّكْنُ الثَّالِثُ فِي الْإِجْمَاعِ وَفِيهِ خَمْسَةُ أُمُورٍ]

- ‌[الْأَمْرُ الْأَوَّلُ رُكْنُ الْإِجْمَاعِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ إذَا اخْتَلَفَتْ الصَّحَابَةُ فِي قَوْلَيْنِ]

- ‌[الْأَمْرُ الثَّانِي أَهْلِيَّةُ مَنْ يَنْعَقِدُ بِهِ الْإِجْمَاعُ]

- ‌[الْأَمْرُ الثَّالِثُ شُرُوطُ الْإِجْمَاعِ]

- ‌[الْأَمْرُ الرَّابِعُ حُكْمُ الْإِجْمَاعِ]

- ‌[الْإِجْمَاعُ عَلَى مَرَاتِبَ]

- ‌[الْأَمْرُ الْخَامِسُ سَنَدُ الْإِجْمَاعِ]

- ‌[الرُّكْنُ الرَّابِعُ الْقِيَاسُ]

- ‌[الْقِيَاسُ يُفِيدُ غَلَبَةَ الظَّنِّ]

- ‌[فَصْلٌ فِي شُرُوطِ الْقِيَاسِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْعِلَّةِ]

- ‌[تَعْرِيفِ الْعِلَّةِ]

- ‌[أَبْحَاثٌ فِي الْعِلَّة]

- ‌[الْأَوَّلُ الْأَصْلُ فِي النُّصُوصِ عَدَمُ التَّعْلِيلِ]

- ‌[الثَّانِي كَوْنُ الْعِلَّة وَصْفًا لَازِمًا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ التَّعْلِيلُ بِالْعِلَّةِ الْقَاصِرَةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ التَّعْلِيلُ بِعِلَّةٍ اُخْتُلِفَ فِي وُجُودِهَا فِي الْفَرْعِ أَوْ الْأَصْلِ]

- ‌[الثَّالِثُ تُعْرَفُ الْعِلَّةُ بِأُمُورٍ]

- ‌[الْأَوَّلُ وَالثَّانِي النَّصُّ وَالْإِجْمَاعُ]

- ‌[الثَّالِثُ الْمُنَاسَبَةُ]

- ‌(فَصْلٌ: لَا يَجُوزُ التَّعْلِيلُ لِإِثْبَاتِ الْعِلَّةِ

- ‌[فَصْلٌ الْقِيَاسُ جَلِيٌّ وَخَفِيٌّ]

- ‌ لِلْقِيَاسِ الْخَفِيِّ(قِسْمَيْنِ:

- ‌[فَصْلٌ فِي دَفْعِ الْعِلَلِ الْمُؤَثِّرَةِ]

- ‌[النَّقْضُ]

- ‌[وَدَفْعُ النَّقْض بِأَرْبَعِ طُرُقٍ]

- ‌[الْمُمَانَعَةُ]

- ‌الْمُعَارَضَةِ

- ‌(فَصْلٌ فِي دَفْعِ الْعِلَلِ الطَّرْدِيَّةِ)

- ‌ الِاعْتِرَاضَاتُ الْوَارِدَةُ عَلَى الْقِيَاسِ بِالْعِلَّةِ الطَّرْدِيَّةِ

- ‌[فَصْلٌ فِي الِانْتِقَالِ مِنْ كَلَامٍ إلَى آخَرَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْحُجَجِ الْفَاسِدَةِ]

- ‌[التَّعْلِيلُ بِالنَّفْيِ]

- ‌(بَابُ) الْمُعَارَضَةِ وَالتَّرْجِيحِ

- ‌[فَصْلٌ مَا يَقَعُ بِهِ التَّرْجِيحُ]

- ‌[الْأُمُور الَّتِي ذُكِرَتْ فِي تَرْجِيحِ الْقِيَاسِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ إذَا تَعَارَضَ وُجُوهُ التَّرْجِيحِ]

- ‌[فَصْلٌ مِنْ التَّرَاجِيحِ الْفَاسِدَةِ التَّرْجِيحُ بِغَلَبَةِ الْأَشْبَاهِ]

- ‌[بَابُ الِاجْتِهَادِ]

- ‌[الْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ الْكِتَابِ فِي الْحُكْمِ وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَبْوَابٍ]

- ‌[بَابٌ فِي الْحُكْمِ وَهُوَ قِسْمَانِ]

- ‌[الْقَسْم الْأَوَّل أَنْ لَا يَكُونَ حُكْمًا بِتَعَلُّقِ شَيْءٍ بِشَيْءٍ آخَرَ أَوْ يَكُونَ كَالْحُكْمِ]

- ‌[الْقَسْم الثَّانِي مِنْ الْحُكْمِ وَهُوَ الَّذِي يَكُونُ حُكْمًا بِتَعَلُّقِ شَيْءٍ بِشَيْءٍ آخَرَ]

- ‌[بَابُ الْمَحْكُوم بِهِ]

- ‌[بَابُ الْمَحْكُوم عَلَيْهِ]

- ‌[فَصْلٌ الْأَهْلِيَّةُ ضَرْبَانِ أَهْلِيَّةُ وُجُوبٍ وَأَهْلِيَّةُ أَدَاءً]

- ‌[فَصْلٌ الْأُمُورُ الْمُعْتَرِضَةُ عَلَى الْأَهْلِيَّةِ]

- ‌[الْعَوَارِضُ السَّمَاوِيَّةُ]

- ‌[الْجُنُونُ]

- ‌[الصِّغَرُ]

- ‌[الْعَتَهُ]

- ‌[النِّسْيَانُ]

- ‌[النَّوْمُ]

- ‌ الْإِغْمَاءُ)

- ‌[الرِّقُّ]

- ‌[الْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ]

- ‌[الْمَرَضُ]

- ‌[الْمَوْتُ]

- ‌[الْعَوَارِضُ الْمُكْتَسَبَةُ]

- ‌[الْعَوَارِضُ الْمُكْتَسَبَةُ مِنْ نَفْسِهِ]

- ‌[الْجَهْلُ]

- ‌[السُّكْرُ]

- ‌ الْهَزْلُ

- ‌[السَّفَهُ]

- ‌ السَّفَرُ

- ‌[الْخَطَأُ]

- ‌[الْعَوَارِضُ الْمُكْتَسَبَةُ مِنْ غَيْرِهِ]

- ‌[الْإِكْرَاهُ وَهُوَ إمَّا مُلْجِئٌ أَوْ غَيْرُ مُلْجِئٍ]

الفصل: ‌[مسألة إذا اختلفت الصحابة في قولين]

سَاكِتٌ حَتَّى سَأَلَهُ فَقَالَ أَرَى أَنْ يُقْسَمَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَرَوَى فِي ذَلِكَ حَدِيثًا فَعَمِلَ عُمَرُ بِذَلِكَ وَلَمْ يَجْعَلْ سُكُوتَهُ دَلِيلَ الْمُوَافَقَةِ حَتَّى شَافَهَهُ وَجَوَّزَ عَلِيٌّ رضي الله عنه السُّكُوتَ مَعَ أَنَّ الْحَقَّ عِنْدَهُ خِلَافُهُمْ.

(وَشَاوَرَهُمْ فِي إسْقَاطِ الْجَنِينِ فَأَشَارُوا بِأَنْ لَا غُرْمَ عَلَيْكَ وَعَلِيٌّ رضي الله عنه سَاكِتٌ فَلَمَّا سَأَلَهُ قَالَ أَرَى عَلَيْكَ الْغُرْمَ فَلَمْ يَكُنْ سُكُوتُهُ تَسْلِيمًا) رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه ضَرَبَ امْرَأَةً لِجِنَايَةٍ فَأَسْقَطَتْ الْجَنِينَ فَشَاوَرَ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - قَالُوا لَا غُرْمَ عَلَيْكَ فَإِنَّكَ مُؤَدِّبٌ وَمَا أَرَدْت إلَّا الْخَيْرَ وَعَلِيٌّ رضي الله عنه سَاكِتٌ فَلَمَّا سَأَلَهُ قَالَ أَرَى عَلَيْكَ الْغُرْمَ؛ وَلِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لِلْمَهَابَةِ كَمَا قِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَا مَنَعَك أَنْ تُخْبِرَ عُمَرَ بِقَوْلِك فِي الْعَوْلِ فَقَالَ رَدَّتُهُ، وَذَكَرَ الْإِمَامُ سِرَاجُ الْمِلَّةِ وَالدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي شَرْحِهِ لِلْفَرَائِضِ أَنَّ الْعَوْلَ ثَابِتٌ عَلَى قَوْلِ عَامَّةِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - بَاطِلٌ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ.

وَهُوَ يُدْخِلُ النَّقْصَ عَلَى الْبَنَاتِ وَبَنَاتِ الِابْنِ، وَالْأَخَوَاتِ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ لِأَبٍ مِثَالُهُ تَرَكَتْ زَوْجًا وَأُمًّا وَأُخْتًا لِأَبٍ وَأُمٍّ فَعِنْدَ الْعَامَّةِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ سِتَّةٍ وَتَعُولُ إلَى الثَّمَانِيَةِ وَعِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه لِلزَّوْجِ النِّصْفُ ثَلَاثَةٌ، وَلِلْأُمِّ الثُّلُثُ اثْنَانِ وَلِلْأُخْتِ الْبَاقِي، وَهَذِهِ أَوَّلُ حَادِثَةٍ وَقَعَتْ فِي نَوْبَةِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَأَشَارَ الْعَبَّاسُ رضي الله عنه

ــ

[التلويح]

أُمُورٍ فَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ صَحَّ قَوْلُهُ الْأَوَّلُ فِي رُكْنِهِ.

(قَوْلُهُ ضَرَبَ امْرَأَةً لِجِنَايَةٍ) رُوِيَ أَنَّ امْرَأَةً غَابَ عَنْهَا زَوْجُهَا فَبَلَغَ عُمَرَ أَنَّهَا تُجَالِسُ الرِّجَالَ وَتُحَدِّثُهُمْ فَأَشْخَصَ إلَيْهَا لِيَمْنَعَهَا مِنْ ذَلِكَ فَأَمْلَصَتْ مِنْ هَيْبَتِهِ أَيْ: أَزْلَفَتْ الْجَنِينَ وَأَسْقَطَتْهُ.

(قَوْلُهُ: وَقَدْ يَكُونُ) أَيْ: سُكُوتُ الْمُجْتَهِدِ لِلتَّأَمُّلِ وَغَيْرِهِ كَاعْتِقَادِ حَقِيقَةِ اجْتِهَادِ كُلِّ مُجْتَهِدٍ أَوْ كَوْنِ الْقَائِلِ أَكْبَرَ سِنًّا مِنْهُ أَوْ أَعْظَمَ قَدْرًا أَوْ أَوْفَرَ عِلْمًا أَوْ اسْتِقْرَارِ الْخِلَافِ حَتَّى لَوْ حَضَرَ مُجْتَهِدٌ وَالْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةُ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى لَوْ تَكَلَّمَ أَحَدُهُمْ بِمَا يُوَافِقُ مَذْهَبَهُ، وَسَكَتَ الْآخَرُونَ لَمْ يَكُنْ إجْمَاعًا وَلَا يَحْصُلُ سُكُوتُهُمْ عَلَى الرِّضَا لِتَقَرُّرِ الْخِلَافِ ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ اشْتِرَاطَ مُضِيِّ مُدَّةِ التَّأَمُّلِ إنَّمَا يَدْفَعُ احْتِمَالَ كَوْنِ السُّكُوتِ لِلتَّأَمُّلِ.

وَلَا يَدْفَعُ احْتِمَالَ كَوْنِهِ لِتَصْوِيبِ الْمُجْتَهِدِينَ أَوْ اسْتِقْرَارِ الْخِلَافِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ أَوْ عَلِمَ أَنَّ مِثْلَ هَذَا الْإِجْمَاعِ يُسَمَّى الْإِجْمَاعَ السُّكُوتِيَّ لَا يَكُونُ جَاحِدُهُ كَافِرًا، وَإِنْ كَانَ هُوَ مِنْ الْأَدِلَّةِ الْقَطْعِيَّةِ بِمَنْزِلَةِ الْعَامِّ مِنْ النُّصُوصِ.

[مَسْأَلَةٌ إذَا اخْتَلَفَتْ الصَّحَابَةُ فِي قَوْلَيْنِ]

(قَوْلُهُ: بِالْعُيُوبِ الْخَمْسَةِ) هِيَ الْجُذَامُ، وَالْبَرَصُ، وَالْجُنُونُ فِي أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ، وَالْجَبُّ، وَالْعُنَّةُ فِي الزَّوْجِ، وَالرَّتَقُ، وَالْقَرَنُ فِي الزَّوْجَةِ.

(قَوْلُهُ: فَشُمُولُ الْعَدَمِ) هُوَ فِي حُكْمِ الْغَسْلِ أَنْ لَا يَجِبَ غَسْلُ الْمَخْرَجِ وَلَا غَسْلُ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ وَشُمُولُ الْوُجُودِ أَنْ يَجِبَ غَسْلُهُمَا جَمِيعًا، وَفِي حُكْمِ النَّقْضِ شُمُولُ الْوُجُودِ أَنْ تُنْتَقَضَ الطَّهَارَةُ بِكُلٍّ مِنْ خُرُوجِ الْخَارِجِ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ وَبِمَسِّ الْمَرْأَةِ، وَشُمُولُ الْعَدَمِ أَنْ لَا يُنْتَقَضَ بِشَيْءٍ مِنْهُمَا.

(قَوْلُهُ: وَقَالَ

ص: 83

إلَى أَنْ يَقْسِمَ الْمَالَ عَلَى سِهَامِهِمْ فَقَبِلُوا مِنْهُ، وَلَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ. وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ صَبِيًّا فَلَمَّا بَلَغَ خَالَفَ وَقَالَ مَنْ شَاءَ بَاهَلْتُهُ إنَّ الَّذِي أَحْصَى رَمْلَ عَالِجٍ عَدَدًا لَمْ يَجْعَلْ فِي الْمَالِ نِصْفَيْنِ وَثُلُثًا، فَقِيلَ: هَلَّا قُلْت ذَلِكَ فِي عَهْدِ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ كُنْت صَبِيًّا وَكَانَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - رَجُلًا مَهِيبًا فَهِبْته.

(وَقَدْ يَكُونُ لِلتَّأَمُّلِ وَغَيْرِهِ) أَيْ: يَكُونُ السُّكُوتُ لِلتَّأَمُّلِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَسْبَابِ الْمَانِعَةِ لِلْإِظْهَارِ. (وَلَنَا أَنَّ شَرْطَ التَّكَلُّمِ مِنْ الْكُلِّ مُتَعَسِّرٌ غَيْرُ مُعْتَادٍ وَالْمُعْتَادُ أَنْ يَتَوَلَّى الْكِبَارُ الْفَتْوَى وَيُسَلِّمَ سَائِرُهُمْ، وَلَمَّا كَانَ الْحُكْمُ عِنْدَهُ مُخَالِفًا فَالسُّكُوتُ حَرَامٌ وَالصَّحَابَةُ لَا يُتَّهَمُونَ بِذَلِكَ. وَأَمَّا سُكُوتُ عَلِيٍّ رضي الله عنه فَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى أَنَّ مَا أَفْتَوْا بِهِ مِنْ إمْسَاكِ الْمَالِ)

أَيْ: مَالٍ فَضَلَ عِنْدَهُ، (وَعَدَمِ الْغُرْمِ عَلَيْهِ) أَيْ: فِي مَسْأَلَةِ الْإِسْقَاطِ. (كَانَ حَسَنًا إلَّا أَنَّ تَعْجِيلَ أَدَاءِ الصَّدَقَةِ، وَالْتِزَامَ الْغُرْمِ صِيَانَةً عَنْ الْقِيلِ وَالْقَالِ وَرِعَايَةً لِحُسْنِ الثَّنَاءِ وَالْعَدْلِ كَانَ أَحْسَنَ وَبَعْدَ التَّسْلِيمِ) أَيْ: بَعْدَ تَسْلِيمِ مَا أَفْتَوْا بِهِ لَمْ يَكُنْ حَسَنًا وَكَانَ خَطَأً. (فَالسُّكُوتُ بِشَرْطِ الصِّيَانَةِ عَنْ الْفَوْتِ جَائِزٌ وَذَلِكَ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ تَعْظِيمًا لِلْفُتْيَا وَحَدِيثُ الدِّرَّةِ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ وَالْمُنَاظَرَةَ بَيْنَهُمْ فِي مَسْأَلَةِ الْعَوْلِ أَشْهَرُ مِنْ أَنْ تَخْفَى عَلَى عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَكَانَ عُمَرُ أَلْيَنَ لِلْحَقِّ، وَإِنْ صَحَّ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ اعْتَذَرَ عَنْ الْكَفِّ عَنْ الْمُنَاظَرَةِ مَعَهُ لَا عَنْ بَيَانِ مَذْهَبِهِ) فَإِنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ أَنْ يُبَيِّنَ مَذْهَبَهُ وَمَا هُوَ حَقٌّ عِنْدَهُ لِئَلَّا

ــ

[التلويح]

بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ) ذَكَرَ الْآمِدِيُّ فِي الْأَحْكَامِ أَنَّ الْمُخْتَارَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إنَّمَا هُوَ التَّفْصِيلُ، وَهُوَ أَنَّ الْقَوْلَ الثَّالِثَ إنْ كَانَ يَرْفَعُ مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلَانِ فَهُوَ مُمْتَنِعٌ لِمَا فِيهِ مِنْ مُخَالَفَةِ الْإِجْمَاعِ، وَإِلَّا فَلَا إذْ لَيْسَ فِيهِ خَرْقُ الْإِجْمَاعِ حَيْثُ وَافَقَ كُلًّا مِنْ الْقَوْلَيْنِ مِنْ وَجْهٍ، وَإِنْ خَالَفَهُ مِنْ وَجْهٍ وَبَيَّنَ كَثِيرًا مِنْ أَمْثِلَةِ الْقِسْمَيْنِ ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ قِيلَ: كُلٌّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ غَيْرُ قَائِلٍ بِالتَّفْصِيلِ فَهُوَ قَوْلٌ لَمْ يَقُلْ بِهِ قَائِلٌ فَيَكُونُ بَاطِلًا قُلْنَا عَدَمُ الْقَوْلِ بِهِ لَا يُوجِبُ بُطْلَانَ الْقَوْلِ بِهِ، وَإِلَّا لَمَا جَازَ الْحُكْمُ فِي وَاقِعَةٍ مُتَجَدِّدَةٍ لَمْ يَسْبِقْ فِيهَا قَوْلٌ لِأَحَدٍ، فَإِنْ قِيلَ: قَدْ اتَّفَقَ الْقَوْلَانِ عَلَى نَفْيِ التَّفْصِيلِ فَالْقَوْلُ بِالتَّفْصِيلِ خَرْقٌ لِلْإِجْمَاعِ قُلْنَا مَمْنُوعٌ فَإِنَّ عَدَمَ الْقَوْلِ بِالتَّفْصِيلِ أَعَمُّ مِنْ الْقَوْلِ بِعَدَمِ التَّفْصِيلِ، وَالْأَعَمُّ لَا يَسْتَلْزِمُ الْأَخَصَّ نَعَمْ لَوْ صَرَّحَ الْقَوْلَانِ بِنَفْيِ التَّفْصِيلِ لَمَا جَازَ الْقَوْلُ بِهِ فَإِنْ قِيلَ فَفِي التَّفْصِيلِ تَخْطِئَةُ كُلٍّ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ فِي بَعْضِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ هِيَ تَخْطِئَةٌ لِلْأُمَّةِ فَيَمْتَنِعُ. قُلْنَا: الْمُمْتَنِعُ تَخْطِئَةُ الْأُمَّةِ فِيمَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ لَا تَخْطِئَةَ كُلِّ بَعْضٍ فِيمَا لَا اتِّفَاقَ عَلَيْهِ، فَعُلِمَ أَنَّ عَدَمَ الْقَوْلِ بِالْفَصْلِ، وَإِنْ اُشْتُهِرَ فِي الْمُنَاظَرَاتِ لَكِنَّهُ لَيْسَ مِمَّا وَقَعَ الِاتِّفَاقُ عَلَى قَبُولِهِ.

وَإِنَّمَا يُقْبَلُ حَيْثُ يَصْلُحُ إلْزَامًا لِلْخَصْمِ بِأَنْ يَلْزَمَ مِنْ التَّفْصِيلِ بُطْلَانُ مَذْهَبِهِ، ثُمَّ التَّفْصِيلُ الَّذِي اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْأَحْكَامِ وَمَنْ تَبِعَهُ أَصْلٌ كُلِّيٌّ يُفِيدُ مَعْرِفَةَ أَحْكَامِ الْجُزْئِيَّاتِ إذْ لَا يَخْفَى عَلَى

ص: 84

يَكُونُ شَيْطَانًا أَخْرَسَ؛ لِسُكُوتِهِ عَنْ الْحَقِّ.

لَكِنَّ الْمُنَاظَرَةَ غَيْرُ وَاجِبَةٍ عَلَيْهِ وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما إنَّمَا اعْتَذَرَ عَنْ الْكَفِّ عَنْ الْمُنَاظَرَةِ الَّتِي لَمْ تَكُنْ وَاجِبَةً عَلَيْهِ. (وَلَمَّا شَرَطْنَا مُضِيَّ مُدَّةِ التَّأَمُّلِ لَمْ تَرِدْ الشُّبْهَةُ الَّتِي ذُكِرَتْ) ، وَهِيَ أَنَّ السُّكُوتَ قَدْ يَكُونُ لِلتَّأَمُّلِ وَغَيْرِهِ.

(مَسْأَلَةٌ إذَا اخْتَلَفَتْ الصَّحَابَةُ فِي قَوْلَيْنِ يَكُونُ إجْمَاعًا عَلَى نَفْيِ قَوْلٍ ثَالِثٍ عِنْدَنَا وَأَمَّا فِي غَيْرِ الصَّحَابَةِ فَكَذَا عِنْدَ بَعْضِ مَشَايِخِنَا، وَبَعْضُهُمْ خَصُّوا ذَلِكَ بِالصَّحَابَةِ رضي الله عنهم إذْ لَا يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ بِهِمْ الْجَهْلُ أَصْلًا) نَظِيرُهُ أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي عِدَّةِ حَامِلٍ تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا فَعِنْدَ الْبَعْضِ تَعْتَدُّ بِأَبْعَدِ الْأَجَلَيْنِ، وَعِنْدَ الْبَعْضِ بِوَضْعِ الْحَمْلِ فَالِاكْتِفَاءُ بِالْأَشْهُرِ قَبْلَ وَضْعِ الْحَمْلِ قَوْلٌ ثَالِثٌ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ.

وَاخْتَلَفُوا فِي الْجَدِّ مَعَ الْإِخْوَةِ فَعِنْدَ الْبَعْضِ كُلُّ الْمَالِ لِلْجَدِّ، وَعِنْدَ الْبَعْضِ الْمُقَاسَمَةُ فَحِرْمَانُ الْجَدِّ قَوْلٌ ثَالِثٌ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ، وَاخْتَلَفُوا فِي عِلَّةِ الرِّبَا فَعِنْدَنَا الْعِلَّةُ هِيَ الْقَدْرُ مَعَ الْجِنْسِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الطُّعْمُ مَعَ الْجِنْسِ، وَعِنْدَ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الطُّعْمُ وَالِادِّخَارُ مَعَ الْجِنْسِ فَالْقَوْلُ بِأَنَّ الْعِلَّةَ غَيْرُ ذَلِكَ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ.

وَاخْتَلَفُوا فِي الزَّوْجِ مَعَ الْأَبَوَيْنِ وَالزَّوْجَةِ مَعَ الْأَبَوَيْنِ فَعِنْدَ الْبَعْضِ لِلْأُمِّ ثُلُثُ الْكُلِّ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَعِنْدَ الْبَعْضِ ثُلُثُ الْبَاقِي بَعْدَ فَرْضِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ فَالْقَوْلُ بِثُلُثِ الْكُلِّ فِي إحْدَاهُمَا وَثُلُثِ

ــ

[التلويح]

النَّاظِرِ الْمُتَأَمِّلِ أَنَّ الْقَوْلَ الثَّالِثَ هَلْ يَشْتَمِلُ عَلَى رَفْعِ مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلَانِ السَّابِقَانِ أَمْ لَا لَيْسَ عَلَى الْأُصُولِيِّ التَّعَرُّضُ لِتَفَاصِيلِ الْجُزْئِيَّاتِ.

وَمَا ادَّعَاهُ الْخَصْمُ مِنْ أَنَّ الْقَوْلَ الثَّالِثَ مُسْتَلْزِمٌ لِبُطْلَانِ الْإِجْمَاعِ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ؛ لِأَنَّهُ ادِّعَاءٌ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ ثُبُوتَ أَحَدِ الشُّمُولَيْنِ بِالْإِجْمَاعِ فِي مَسْأَلَةِ الزَّوْجِ أَوْ الزَّوْجَةِ مَعَ الْأَبَوَيْنِ كَيْفَ وَقَدْ يَصْدُقُ أَنَّهُ لَا شَيْءَ مِنْ الشُّمُولَيْنِ بِمُجْمَعٍ عَلَيْهِ لِمَا فِيهِ مِنْ مُخَالَفَةِ الْبَعْضِ؟ وَلِهَذَا أَحْدَثَ التَّابِعُونَ قَوْلًا ثَالِثًا فَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ بِثُلُثِ الْكُلِّ فِي زَوْجٍ، وَأَبَوَيْنِ دُونَ زَوْجَةٍ، وَأَبَوَيْنِ. وَقَالَ تَابِعِيٌّ آخَرُ بِالْعَكْسِ، وَكَذَا فِي الْعُيُوبِ الْخَمْسَةِ لَيْسَ شُمُولُ الْوُجُودِ، وَلَا شُمُولُ الْعَدَمِ بِمُجْمَعٍ عَلَيْهِ، وَكَذَا فِي الْبَوَاقِي مَثَلًا لَا إجْمَاعَ عَلَى وُجُوبِ غَسْلِ الْمَخْرَجِ لِمُخَالَفَةِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَلَا عَلَى وُجُوبِ غَسْلِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ لِمُخَالَفَةِ الشَّافِعِيِّ.

- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَإِذَا صَدَقَ أَنَّهُ لَا شَيْءَ وَلَا وَاحِدَ مِنْ الطَّهَارَتَيْنِ مِمَّا يَجِبُ إجْمَاعًا فَكَيْفَ يَصْدُقُ أَنَّ إحْدَاهُمَا وَاجِبَةٌ إجْمَاعًا؟ غَايَةُ مَا فِي الْأَمْرِ أَنَّهُ رُكِّبَتْ مُغَلَّظَةً بِحَسَبِ التَّعْبِيرِ عَنْ الْأَمْرَيْنِ بِمَفْهُومٍ يَشْمَلُهَا عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ، وَيَكُونُ تَعَلُّقُ الْحُكْمِ بِهِ فِي كُلٍّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ بِاعْتِبَارِ فَرْدٍ آخَرَ، وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ الْإِجْمَاعُ عَلَى الْحُكْمِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْإِفْرَادِ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْعِدَّةِ، وَالْجَدِّ مَعَ الْإِخْوَةِ لِاتِّفَاقِ الْفَرِيقَيْنِ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الِاكْتِفَاءِ بِالْأَشْهُرِ

ص: 85

الْبَاقِي فِي الْأُخْرَى قَوْلٌ ثَالِثٌ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ.

وَاخْتَلَفُوا فِي فَسْخِ النِّكَاحِ بِالْعُيُوبِ الْخَمْسَةِ فَعِنْدَ الْبَعْضِ لَا فَسْخَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا، وَعِنْدَ الْبَعْضِ حَقُّ الْفَسْخِ ثَابِتٌ فِي كُلٍّ مِنْهَا فَالْفَسْخُ فِي الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ قَوْلٌ ثَالِثٌ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ، وَيُعَبَّرُ عَنْ هَذَا بِعَدَمِ الْقَائِلِ بِالْفَصْلِ. وَاخْتَلَفُوا فِي الْخَارِجِ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ فَعِنْدَ الْبَعْضِ غَسْلُ الْمَخْرَجِ فَقَطْ وَاجِبٌ، وَعِنْدَ الْبَعْضِ غَسْلُ الْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعَةِ وَاجِبٌ فَقَطْ فَشُمُولُ الْعَدَمِ أَوْ شُمُولُ الْوُجُودِ قَوْلٌ ثَالِثٌ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ. وَأَيْضًا الْخُرُوجُ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ نَاقِضٌ عِنْدَنَا لَا مَسُّ الْمَرْأَةِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْمَسُّ نَاقِضٌ لَا الْخُرُوجُ فَشُمُولُ الْوُجُودِ أَوْ شُمُولُ الْعَدَمِ ثَالِثٌ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ.

(وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: الْحَقُّ هُوَ التَّفْصِيلُ) ، وَهُوَ أَنَّ الْقَوْلَ الثَّالِثَ إنْ اسْتَلْزَمَ إبْطَالَ مَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ لَمْ يَجُزْ إحْدَاثُهُ، وَإِلَّا جَازَ مِثَالُ الْأَوَّلِ الصُّورَتَانِ الْأُولَيَانِ فَإِنَّ الِاكْتِفَاءَ بِالْأَشْهُرِ قَبْلَ الْوَضْعِ مُنْتَفٍ بِالْإِجْمَاعِ إمَّا؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ أَبْعَدُ الْأَجَلَيْنِ، وَإِمَّا؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ وَضْعُ الْحَمْلِ فَهَذَا يُسَمَّى إجْمَاعًا مُرَكَّبًا، فَمَا بِهِ الِاشْتِرَاكُ، وَهُوَ عَدَمُ الِاكْتِفَاءِ بِالْأَشْهُرِ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، وَفِي الْجَدِّ مَعَ الْإِخْوَةِ اتِّفَاقُ الْفَرِيقَيْنِ وَاقِعٌ عَلَى عَدَمِ حِرْمَانِ الْجَدِّ، وَمِثَالُ الثَّانِي الْأَمْثِلَةُ الْأَخِيرَةُ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي كُلِّ صُورَةٍ إلَّا مُخَالَفَةُ مَذْهَبٍ وَاحِدٍ لَا مُخَالَفَةُ الْإِجْمَاعِ وَلَوْ كَانَ مِثْلُ هَذَا مَرْدُودًا يَلْزَمُ أَنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ وَافَقَ صَحَابِيًّا، أَوْ مُجْتَهِدًا فِي مَسْأَلَةٍ يَلْزَمُهُ أَنْ يُوَافِقَهُ فِي جَمِيعِ الْمَسَائِلِ، وَهَذَا بَاطِلٌ إجْمَاعًا.

فَإِنَّ عِنْدَ

ــ

[التلويح]

قَبْلَ الْوَضْعِ، وَعَلَى عَدَمِ جَوَازِ حِرْمَانِ الْجَدِّ.

وَأَمَّا مَسْأَلَةُ عِلَّةِ الرِّبَا فَلَا يَخْفَى أَنَّ الْقَوْلَ الثَّالِثَ إنْ كَانَ قَوْلًا بِعَدَمِ اعْتِبَارِ الْجِنْسِ فِي الْعِلِّيَّةِ كَانَ مُخَالِفًا لِلْإِجْمَاعِ، وَإِلَّا فَلَا إذْ لَمْ يَقَعْ اتِّفَاقُ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ إلَّا عَلَى اعْتِبَارِ الْجِنْسِ فِي الْعِلِّيَّةِ.

(قَوْلُهُ: أَمَّا عِنْدَ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) دَاخِلٌ فِي حَيِّزِ قَوْلِهِ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ يَعْنِي لَا قَائِلَ بِأَنَّ الْمَجْمُوعَ الْمُرَكَّبَ مِنْ كَوْنِ عِدَّةِ الْحَامِلِ بِوَضْعِ الْحَمْلِ وَمِنْ انْتِفَاءِ حَجْبِ الْمَحْرُومِ مُنْتَفٍ بِإِجْمَاعِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَغَيْرِهِ أَمَّا عِنْدَهُ فَلِأَنَّ الْجُزْءَ الثَّانِيَ أَعْنِي: انْتِفَاءَ الْحَجْبِ مُنْتَفٍ؛ لِأَنَّ الْحَجْبَ ثَابِتٌ، وَأَمَّا عِنْدَ غَيْرِهِ فَلِأَنَّ الْجُزْءَ الْأَوَّلَ أَعْنِي: كَوْنَ الْعِدَّةِ بِوَضْعِ الْحَمْلِ مُنْتَفٍ لِكَوْنِهَا بَعْدَ الْأَجَلَيْنِ، وَالْمُرَكَّبُ يَنْتَفِي بِانْتِفَاءِ أَحَدِ جُزْأَيْهِ.

(قَوْلُهُ: فِي الضِّمَارِ) هُوَ الْمَالُ الْغَائِبُ الَّذِي لَا يُرْجَى فَإِنْ رُجِيَ فَلَيْسَ بِضِمَارٍ، وَقِيلَ هُوَ مَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ مِنْ الْأَمْوَالِ.

(قَوْلُهُ: فَلَا بُدَّ مِنْ ضَابِطٍ) تَقْرِيرُ كَلَامِهِ أَنَّ الْقَوْلَيْنِ السَّابِقَيْنِ إنْ اشْتَرَكَا فِي أَمْرٍ وَاحِدٍ هُوَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ فَإِحْدَاثُ الْقَوْلِ الثَّالِثِ يَكُونُ إبْطَالًا لِلْإِجْمَاعِ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِكَا فِي ذَلِكَ بِأَنْ لَا يَكُونَ الْمُشْتَرَكُ فِيهِ وَاحِدًا بِالْحَقِيقَةِ أَوْ كَانَ وَاحِدًا لَكِنْ لَا يَكُونُ حُكْمًا شَرْعِيًّا فَإِحْدَاثُ الْقَوْلِ الثَّالِثِ لَا يَكُونُ إبْطَالًا لِلْإِجْمَاعِ وَعِنْدَ تَقْرِيرِ هَذَا الضَّابِطِ لَا بُدَّ مِنْ النَّظَرِ فِي أَنَّ أَيَّ مَوْضِعٍ يَشْتَرِكُ فِيهِ الْقَوْلَانِ فِي حُكْمٍ وَاحِدٍ شَرْعِيٍّ

ص: 86

ابْنِ مَسْعُودٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْحَامِلَ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا عِدَّتُهَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَافَقَهُ فِي ذَلِكَ وَلَمْ يُوَافِقْهُ فِي أَنَّ الْمَحْرُومَ يُحْجَبُ حَجْبَ النُّقْصَانِ عِنْدَهُ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِأَنَّ الْمَجْمُوعَ الْمُرَكَّبَ مِنْ كَوْنِ عِدَّتِهَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ مَعَ انْتِفَاءِ الْحَجْبِ مُنْتَفٍ إجْمَاعًا، أَمَّا عِنْدَ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَلِثُبُوتِ الثَّانِي، وَأَمَّا عِنْدَ غَيْرِهِ فَلِانْتِفَاءِ الْأَوَّلِ وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ فَإِنَّ الْمُجْتَهِدِينَ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى وَافَقُوا بَعْضَ الصَّحَابَةِ فِي مَسْأَلَةٍ مَعَ أَنَّهُمْ خَالَفُوا ذَلِكَ الْبَعْضَ فِي مَسْأَلَةٍ أُخْرَى، أَقُولُ التَّمَسُّكُ بِالْإِجْمَاعِ الْمُرَكَّبِ وَبِعَدَمِ الْقَائِلِ بِالْفَصْلِ مَشْهُورٌ فِي الْمُنَاظَرَاتِ، وَإِبْطَالُهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي نَقَلْته عَنْ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ لَيْسَ بِحَقٍّ.

بَلْ الْحَقُّ فِي ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْغَرَضُ إلْزَامَ الْخَصْمِ يَكُونُ مَقْبُولًا فِي هَذَا الْغَرَضِ كَمَا يُقَالُ فِي الْوُجُوبِ فِي الْحُلِيِّ أَنَّ الْوُجُوبَ فِي الضِّمَارِ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ ثَابِتًا أَوْ لَا فَإِنْ كَانَ ثَابِتًا فِي الضِّمَارِ يَكُونُ ثَابِتًا فِي الْحُلِيِّ قِيَاسًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا فِي الضِّمَارِ يَكُونُ ثَابِتًا فِي الْحُلِيِّ إذْ لَوْ لَمْ يَثْبُتْ فِي الْحُلِيِّ يَلْزَمُ الْعَدَمُ فِي الضِّمَارِ مَعَ الْعَدَمِ فِي الْحُلِيِّ، وَهَذَا مُنْتَفٍ إجْمَاعًا فَهَذَا لَا يُفِيدُ حَقِّيَّةَ الْوُجُوبِ فِي الْحُلِيِّ لَكِنْ يُفِيدُ نَفْيَ مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ يَثْبُتْ الْوُجُوبُ فِي الْحُلِيِّ يَلْزَمُ الْعَدَمَانِ، وَهُوَ مُنْتَفٍ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.

أَمَّا إنْ لَمْ يَكُنِ الْغَرَضُ إلْزَامَ الْخَصْمِ بَلْ إظْهَارُ مَا هُوَ الْحَقُّ، فَاعْلَمْ أَنَّ

ــ

[التلويح]

وَأَيَّ مَوْضِعٍ لَا يَشْتَرِكَانِ فِيهِ فِي ذَلِكَ فَنَقُولُ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ قَدْ يَكُونُ حُكْمًا شَرْعِيًّا مُتَعَلِّقًا بِمَحَلٍّ وَاحِدٍ، وَقَدْ يَكُونُ حُكْمًا مُتَعَلِّقًا بِأَكْثَرَ مِنْ مَحَلٍّ وَاحِدٍ.

أَمَّا الْأَوَّلُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ حُكْمًا مُتَعَلِّقًا بِمَحَلٍّ وَاحِدٍ فَالْقَوْلَانِ فِيهِ قَدْ يَظْهَرُ اشْتِرَاكُهُمَا فِي حُكْمٍ وَاحِدٍ شَرْعِيٍّ فَيَبْطُلُ الثَّالِثُ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْعِدَّةِ، وَالْجَدِّ مَعَ الْإِخْوَةِ، وَقَدْ يَظْهَرُ عَدَمُ اشْتِرَاكِهِمَا فِي ذَلِكَ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الرِّبَا فَلَا يَبْطُلُ الثَّالِثُ، وَقَدْ يَكُونَانِ بِحَيْثُ يُمْكِنُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُمَا اشْتِرَاكٌ فِي حُكْمٍ وَاحِدٍ شَرْعِيٍّ وَافْتِرَاقٌ بَيْنَ أَمْرَيْنِ، وَحِينَئِذٍ إنْ كَانَ الِافْتِرَاقُ مِمَّا حَكَمَ بِهِ الشَّرْعُ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ ذَاتِ الزَّوْجَيْنِ فَإِنَّ الْقَوْلَيْنِ يَشْتَرِكَانِ فِي إثْبَاتِ نَسَبِ الْوَلَدِ مِنْ أَحَدِهِمَا.

وَفِي أَنَّ الثُّبُوتِ مِنْ أَحَدِهِمَا يُنَافِي الثُّبُوتَ مِنْ الْآخَرِ بِحُكْمِ الشَّرْعِ، فَإِحْدَاثُ الْقَوْلِ الثَّالِثِ بَاطِلٌ سَوَاءٌ كَانَ قَوْلًا بِشُمُولِ الْوُجُودِ أَعْنِي: ثُبُوتَ النَّسَبِ مِنْهُمَا جَمِيعًا أَوْ بِشُمُولِ الْعَدَمِ أَعْنِي: عَدَمَ ثُبُوتِهِ مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَصْلًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الِافْتِرَاقُ مِمَّا حَكَمَ بِهِ الشَّرْعُ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْخَارِجِ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ حَيْثُ اتَّفَقَ الْقَوْلَانِ عَلَى وُجُوبِ التَّطْهِيرِ أَعْنِي الْوُضُوءَ أَوْ غَسْلَ الْمَخْرَجِ، وَعَلَى الِافْتِرَاقِ أَعْنِي كَوْنَ الْوَاجِبِ أَحَدُهُمَا فَقَطْ لَكِنْ لَمْ يَحْكُمْ الشَّرْعُ بِأَنَّ وُجُوبَ أَحَدِهِمَا يُنَافِي وُجُوبَ الْآخَرِ فَالْقَوْلُ الثَّالِثُ إنْ كَانَ قَوْلًا بِشُمُولِ الْعَدَمِ أَعْنِي: عَدَمَ وُجُوبِ شَيْءٍ مِنْهُمَا كَانَ بَاطِلًا وَمُبْطِلًا لِلْإِجْمَاعِ السَّابِقِ.

وَإِنْ كَانَ قَوْلًا بِشُمُولِ الْوُجُودِ أَعْنِي: وُجُوبَهُمَا جَمِيعًا لَمْ يَكُنْ بَاطِلًا لِعَدَمِ

ص: 87

التَّفْصِيلَ الَّذِي اخْتَارَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَهُوَ أَنَّ الْقَوْلَ الثَّالِثَ اسْتَلْزَمَ إبْطَالَ مَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ لَمْ يَجُزْ إحْدَاثُهُ كَلَامٌ غَيْرُ مُفِيدٍ؛ لِأَنَّهُ لَا خَفَاءَ فِي أَنَّ الْقَوْلَ الثَّالِثَ إنْ اسْتَلْزَمَ إبْطَالَ مَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ كَانَ مَرْدُودًا، وَالْخَصْمُ يُسَلِّمُ هَذَا الْمَعْنَى لَكِنْ يَدَّعِي أَنَّ الْقَوْلَ الثَّالِثَ مُسْتَلْزِمٌ لِإِبْطَالِ مَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ إمَّا فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْعِدَّةِ وَحِرْمَانِ الْجَدِّ وَإِمَّا فِي مَجْمُوعِ الْمَسْأَلَتَيْنِ فَفِي مَسْأَلَةِ الزَّوْجِ أَوْ الزَّوْجَةِ مَعَ الْأَبَوَيْنِ أَحَدُ الشَّمُولَيْنِ ثَابِتٌ، وَهُوَ ثُلُثُ الْكُلِّ فِي كِلَيْهِمَا، أَوْ ثُلُثُ الْبَاقِي فِي كِلَيْهِمَا فَالْقَوْلُ بِثُلُثِ الْكُلِّ فِي أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ، وَكَذَا فِي الْفَسْخِ بِالْعُيُوبِ، وَفِي مَسْأَلَةِ الْخَارِجِ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ إحْدَى الطَّهَارَتَيْنِ وَاجِبَةٌ إجْمَاعًا فَالْقَوْلُ بِأَنْ لَا شَيْءَ مِنْهَا وَاجِبٌ مُبْطِلٌ لِلْإِجْمَاعِ، وَكَذَا فِي الْحُلِيِّ وَالضِّمَارِ وَكَذَا الْقَوْلُ بِأَنَّ الْعِدَّةَ الْمَذْكُورَةَ بِوَضْعِ الْحَمْلِ مَعَ انْتِفَاءِ الْحَجْبِ الْمَذْكُورِ مُبْطِلٌ لِلْإِجْمَاعِ، فَالشَّأْنُ فِي تَمْيِيزِ صُورَةٍ يَلْزَمُ فِيهَا بُطْلَانُ الْإِجْمَاعِ عَنْ صُورَةٍ لَا يَلْزَمُ فِيهَا ذَلِكَ فَلَا بُدَّ مِنْ ضَابِطٍ، وَهُوَ أَنَّ الْقَوْلَيْنِ إنْ كَانَا يَشْتَرِكَانِ فِي أَمْرٍ هُوَ فِي الْحَقِيقَةِ وَاحِدٌ، وَهُوَ مِنْ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْقَوْلُ الثَّالِثُ مُسْتَلْزِمًا لِإِبْطَالِ الْإِجْمَاعِ، وَإِلَّا فَلَا فَعِنْدَ ذَلِكَ نَقُولُ: إنَّ الْمُخْتَلَفَ فِيهِ إمَّا حُكْمٌ مُتَعَلِّقٌ بِمَحَلٍّ وَاحِدٍ، أَوْ حُكْمٌ مُتَعَلِّقٌ بِأَكْثَرَ مِنْ مَحَلٍّ وَاحِدٍ.

أَمَّا الْأَوَّلُ فَكَمَسْأَلَةِ الْعِدَّةِ وَالْجَدِّ مَعَ الْإِخْوَةِ فَإِنَّ الْقَوْلَيْنِ يَشْتَرِكَانِ فِي أَنَّ الْعِدَّةَ لَا تَنْقَضِي بِالْأَشْهُرِ وَحْدَهَا، وَأَنَّ الْجَدَّ لَا يُحْرَمُ وَكُلٌّ مِنْهُمَا أَمْرٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ

ــ

[التلويح]

اسْتِلْزَامِهِ إبْطَالَ الْإِجْمَاعِ، وَلَزِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْحُكْمَ بِأَنَّهُ إذَا اشْتَرَكَ الْقَوْلَانِ فِي حُكْمٍ وَاحِدٍ شَرْعِيٍّ كَانَ الْقَوْلُ الثَّالِثُ مُسْتَلْزِمًا لِإِبْطَالِ الْإِجْمَاعِ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ.

وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ حُكْمًا مُتَعَلِّقًا بِأَكْثَرَ مِنْ مَحَلٍّ وَاحِدٍ فَاخْتِلَافُ الْقَوْلَيْنِ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ بِثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلِ: أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا قَائِلًا بِثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي صُورَةٍ مُعَيَّنَةٍ، وَعَدَمِ ثُبُوتِهِ فِي الصُّورَةِ الْأُخْرَى، وَالْآخَرُ قَائِلًا بِالْعَكْسِ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله بِالِانْتِقَاضِ بِالْخُرُوجِ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ لَا بِمَسِّ الْمَرْأَةِ وَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِالِانْتِقَاضِ بِالْمَسِّ دُونَ الْخُرُوجِ، فَالْقَوْلُ بِالِانْتِقَاضِ بِكُلٍّ مِنْهُمَا أَوْ بِعَدَمِ الِانْتِقَاضِ بِشَيْءٍ مِنْهُمَا لَا يَكُونُ إبْطَالًا لِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ مُجْمَعٍ عَلَيْهِ. الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا قَائِلًا بِالثُّبُوتِ فِي الصُّورَتَيْنِ وَهُوَ مَعْنَى شُمُولِ الْوُجُودِ، وَالْآخَرُ بِالْعَدَمِ فِيهِمَا، وَهُوَ مَعْنَى شُمُولِ الْعَدَمِ فَإِنْ اتَّفَقَ الشُّمُولَانِ عَلَى حُكْمٍ وَاحِدٍ شَرْعِيٍّ كَتَسْوِيَةِ الْأَبِ، وَالْجَدِّ فِي الْوِلَايَةِ كَانَ الْقَوْلُ بِالِافْتِرَاقِ مُبْطِلًا لِلْإِجْمَاعِ، وَإِلَّا فَلَا كَالْقَوْلِ بِجَوَازِ الْفَسْخِ بِبَعْضِ الْعُيُوبِ دُونَ الْبَعْضِ. الثَّالِثِ: أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا قَائِلًا بِالثُّبُوتِ فِي إحْدَى الصُّورَتَيْنِ بِعَيْنِهَا وَالْعَدَمِ فِي الْأُخْرَى، وَالْآخَرُ قَائِلًا بِالثُّبُوتِ فِي كِلْتَا الصُّورَتَيْنِ فَيَكُونُ اتِّفَاقًا عَلَى الثُّبُوتِ فِي صُورَةٍ بِعَيْنِهَا، أَوْ بِالْعَدَمِ فِيهِمَا فَيَكُونُ اتِّفَاقًا عَلَى الْعَدَمِ فَلَا

ص: 88

وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الرِّبَا فَعِلَّتُهُ الْقَدْرُ مَعَ الْجِنْسِ، أَوْ الطُّعْمُ مَعَ الْجِنْسِ لَا يَشْتَرِكَانِ فِي أَمْرٍ وَاحِدٍ هُوَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ وَلَوْ جُعِلَ مَفْهُومُ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ أَوْ أَحَدِ الْأُمُورِ أَمْرًا وَاحِدًا فَذَلِكَ لَيْسَ بِأَمْرٍ هُوَ فِي الْحَقِيقَةِ وَاحِدٌ بَلْ وَاحِدٌ اعْتِبَارِيٌّ، وَلَوْ كَانَ أَمْرًا وَاحِدًا فَلَيْسَ حُكْمًا شَرْعِيًّا بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْخَارِجِ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ فَإِنَّ الْوَاجِبَ أَحَدُ الْغُسْلَيْنِ. إمَّا الْوُضُوءُ أَوْ غَسْلُ الْمَخْرَجِ فَهُمَا يَشْتَرِكَانِ فِي أَمْرٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ، وَهُوَ وُجُوبُ التَّطْهِيرِ، فَالتَّطْهِيرُ وَاجِبٌ بِالْإِجْمَاعِ فَذَلِكَ التَّطْهِيرُ الْوَاجِبُ هُوَ الْوُضُوءُ عِنْدَنَا، وَغَسْلُ الْمَخْرَجِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَالْقَوْلُ بِأَنْ لَا شَيْءَ مِنْ التَّطْهِيرِ بِوَاجِبٍ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ.

أَمَّا الْقَوْلُ بِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ وَاجِبٌ لَا يَكُونُ مُخَالِفًا لِلْإِجْمَاعِ وَلَوْ قِيلَ الِافْتِرَاقُ ثَابِتٌ بِالْإِجْمَاعِ فَشُمُولُ الْوُجُودِ مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ فَنَقُولُ الِافْتِرَاقُ هُنَا لَيْسَ حُكْمًا شَرْعِيًّا أَيْ: لَمْ يَحْكُمَ الشَّرْعُ بِأَنَّ الْمُنَافَاةَ ثَابِتَةٌ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَلْزَمَ مِنْ عَدَمِ أَحَدِهِمَا وُجُودُ الْآخَرِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الِافْتِرَاقُ حُكْمًا شَرْعِيًّا كَمَا إذَا أَخْبَرَتْ امْرَأَةٌ أَنَّ زَوْجَهَا الْغَائِبَ مَاتَ فَتَزَوَّجَتْ، وَوَلَدَتْ فَجَاءَ الزَّوْجُ الْأَوَّلُ فَعِنْدَنَا يَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْ الزَّوْجِ الْأَوَّلِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْ الْأَخِيرِ فَثُبُوتُهُ مِنْ كِلَيْهِمَا، أَوْ عَدَمُ الثُّبُوتِ مِنْ أَحَدِهِمَا مُنْتَفٍ إجْمَاعًا فَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ الِافْتِرَاقُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ، وَأَمَّا الثَّانِي فَإِمَّا أَنْ

ــ

[التلويح]

صُورَةَ بِعَيْنِهَا فَيَكُونُ الْقَوْلُ الثَّالِثُ إبْطَالًا لِلْمُجْمَعِ عَلَيْهِ كَمَسْأَلَةِ الصَّلَاةِ فِي الْكَعْبَةِ نَفْلًا وَفَرْضًا وَيَجْعَلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ، وَمَسْأَلَةَ مُسَاوَاةِ الْأَبِ وَالْجَدِّ مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي يَتَبَيَّنُ أَنْ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْأَوَّلِ أَنْ يَشْتَرِكَ الْقَوْلَانِ فِي حُكْمٍ وَاحِدٍ شَرْعِيٍّ، وَبِالثَّانِي أَنْ لَا يَشْتَرِكَا فِيهِ.

وَأَمَّا مَسْأَلَةُ بَيْعِ الْمَلَاقِيحِ، وَالْبَيْعِ بِالشَّرْطِ فَلَا يَخْفَى عَلَيْكَ أَنَّهَا خَارِجَةٌ عَنْ الْمَبْحَثِ، فَإِنَّ بُطْلَانَ بَيْعِ الْمَلَاقِيحِ مَسْأَلَةٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهَا، وَالْبَيْعُ بِالشَّرْطِ مَسْأَلَةٌ مُخْتَلَفٌ فِيهَا لَا تَعَلُّقَ لِإِحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى. وَالْمَبْحَثُ هُوَ أَنَّهُ إذَا سَبَقَ فِي مَسْأَلَةٍ اخْتِلَافٌ عَلَى قَوْلَيْنِ، فَإِحْدَاثُ قَوْلٍ ثَالِثٍ هَلْ يَكُونُ إبْطَالًا لِلْإِجْمَاعِ أَمْ لَا.

(قَوْلُهُ: وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الرِّبَا) أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ فِيهَا عِلِّيَّةُ الْقَدْرِ مَعَ الْجِنْسِ، وَالْآخَرُ الطُّعْمُ مَعَ الْجِنْسِ أَوْ الِادِّخَارُ مَعَ الْجِنْسِ، وَهُمَا لَا يَشْتَرِكَانِ فِي وَاحِدٍ حَقِيقِيٍّ هُوَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ، فَإِنَّ مَفْهُومَ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ وَاحِدٌ بِحَسَبِ الِاعْتِبَارِ بَلْ بِحَسَبِ الْعِبَارَةِ دُونَ الْحَقِيقَةِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَلَيْسَتْ الْعِلِّيَّةُ حُكْمًا شَرْعِيًّا لَا يُدْرَكُ لَوْلَا خِطَابُ الشَّارِعِ بَلْ قَدْ يُسْتَنْبَطُ نَعَمْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْقَوْلَيْنِ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ لَا رِبَا فِي غَيْرِ الْجِنْسِ، وَهَذَا حُكْمٌ شَرْعِيٌّ فَالْقَوْلُ بِعَدَمِ دُخُولِ الْجِنْسِ فِي الْعِلِّيَّةِ رَفْعٌ لِذَلِكَ.

(قَوْلُهُ: فَالتَّطْهِيرُ وَاجِبٌ بِالْإِجْمَاعِ) قَدْ عَرَفْت أَنَّهُ يَصْدُقُ لَا شَيْءَ مِنْ التَّطْهِيرَيْنِ بِمُجْمَعٍ عَلَى وُجُوبِهِ أَمَّا غَسْلُ الْمَخْرَجِ فَلِمُخَالَفَةِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَأَمَّا غَسْلُ الْأَعْضَاءِ فَلِمُخَالَفَةِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَلَا يَصْدُقُ أَنَّ أَحَدَهُمَا وَاجِبٌ بِالْإِجْمَاعِ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ جُعِلَ

ص: 89