الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يُورِثُ التُّهْمَةَ، وَيُسْقِطُ الْعَدَالَةَ، وَصَاحِبُ الْبِدْعَةِ يَدْعُو النَّاسَ إلَيْهَا وَلَيْسَ هُوَ مِنْ الْأُمَّةِ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَسَقَطَتْ الْعَدَالَةُ بِالتَّعَصُّبِ أَوْ السَّفَهِ وَكَذَا الْمُجُونُ) اعْلَمْ أَنَّ الْبِدْعَةَ لَا تَخْلُو مِنْ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ إمَّا تَعَصُّبٌ، وَإِمَّا سَفَهٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ وَافِرَ الْعَقْلِ عَالِمًا بِقُبْحِ مَا يَعْتَقِدُهُ، وَمَعَ ذَلِكَ يُعَانِدُ الْحَقَّ وَيُكَابِرُهُ فَهُوَ الْمُتَعَصِّبُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَافِرَ الْعَقْلِ كَانَ سَفِيهًا إذْ السَّفَهُ خِفَّةٌ، وَاضْطِرَابٌ يَحْمِلُهُ عَلَى فِعْلٍ مُخَالِفٍ لِلْعَقْلِ لِقِلَّةِ التَّأَمُّلِ وَأَمَّا الْمُجُونُ فَهُوَ عَدَمُ الْمُبَالَاةِ فَالْمُفْتِي الْمَاجِنُ هُوَ الَّذِي يُعَلِّمُ النَّاسَ الْحِيَلَ.
(وَأَمَّا عَامَّةُ النَّاسِ فَفِيمَا لَا يَحْتَاجُ إلَى الرَّأْيِ كَنَقْلِ الْقُرْآنِ، وَأُمَّهَاتُ الشَّرَائِعِ دَاخِلُونَ فِي الْإِجْمَاعِ كَالْمُجْتَهِدِينَ وَفِيمَا يَحْتَاجُ لَا عِبْرَةَ بِهِمْ) اعْلَمْ أَنَّ الْإِجْمَاعَ عَلَى نَوْعَيْنِ أَحَدِهِمَا: إجْمَاعٌ يُفِيدُ قَطْعِيَّةَ الْحُكْمِ أَيْ: سَنَدُ الْإِجْمَاعِ لَا يَكُونُ مُوجِبًا لِلْقَطْعِ بَلْ الْإِجْمَاعُ يُفِيدُ الْقَطْعِيَّةَ. وَالثَّانِي: إجْمَاعٌ لَا يُفِيدُ قَطْعِيَّةَ الْحُكْمِ بِأَنْ يَكُونَ سَنَدَ الْإِجْمَاعِ مُوجِبًا لِلْقَطْعِ ثُمَّ الْإِجْمَاعُ يُفِيدُ زِيَادَةَ تَوْكِيدٍ، فَنَقْلُ الْقُرْآنِ وَأُمَّهَاتِ الشَّرَائِعِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ.
وَالْإِجْمَاعُ الْأَوَّلُ لَا يَنْعَقِدُ مَا بَقِيَ مُخَالِفٌ وَاحِدٌ، وَذَلِكَ الْمُخَالِفُ أَوْ مُخَالِفٌ آخَرُ فِي عَهْدٍ آخَرَ لَا يَكْفُرُ بِالْمُخَالَفَةِ، وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ الثَّانِي فَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ الْحُكْمَ قَطْعِيٌّ بِدُونِهِ فَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُوَافِقْ جَمِيعَ الْعَوَامّ لَمْ يَنْعَقِدْ الْإِجْمَاعُ حَتَّى لَا يَكْفُرَ الْجَاحِدُ بَلْ لَا يُمْكِنُ لِأَحَدٍ مِنْ الْخَوَاصِّ وَالْعَوَامِّ الْمُخَالَفَةُ حَتَّى لَوْ خَالَفَ أَحَدٌ يَكْفُرُ.
(وَبَعْضُ النَّاسِ خَصُّوا الْإِجْمَاعَ بِالصَّحَابَةِ؛ لِأَنَّهُمْ
ــ
[التلويح]
مَا يُشْعِرُ بِالْمَنْعِ وَذَلِكَ كَبَيْعِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ كَانَ مُخْتَلَفًا بَيْنَ الصَّحَابَةِ فَأَجْمَعَ التَّابِعُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فَلَوْ قَضَى بِهِ قَاضٍ لَا يَنْفُذُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَرَوَى الْكَرْخِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ لَا يُنْقَضُ فَقِيلَ: هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْإِجْمَاعَ لَمْ يَنْعَقِدْ، وَقِيلَ: عَلَى أَنَّ فِيهِ شُبْهَةً حَيْثُ ذَهَبَ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِإِجْمَاعٍ.
(قَوْلُهُ: لَكِنَّهُ لَمْ يَبْقَ) أَيْ: لَمْ يَبْقَ دَلِيلًا يُعْتَدُّ بِهِ وَيُعْمَلُ بِهِ وَعِبَارَةُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ نَسْخٌ وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لَا نَسْخَ بَعْدَ انْقِطَاعِ الْوَحْيِ، وَأُجِيبُ بِجَوَازِهِ فِيمَا يَثْبُتُ بِالِاجْتِهَادِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ لَمَّا انْتَهَى ذَلِكَ الْحُكْمُ بِانْتِهَاءِ الْمَصْلَحَةِ وَفَّقَ اللَّهُ تَعَالَى أَئِمَّةَ الْمُجْتَهِدِينَ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى لِلِاتِّفَاقِ عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ، وَرَفْعِ الْخِلَافِ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفُوا مُدَّةَ الْحُكْمِ، وَتَبَدُّلَ الْمَصْلَحَةِ.
[الْأَمْرُ الرَّابِعُ حُكْمُ الْإِجْمَاعِ]
(قَوْلُهُ وَهُوَ أَنْ يَثْبُتَ الْحُكْمُ) أَيْ: الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ إذْ الْحُكْمُ الدُّنْيَوِيُّ لَا يَثْبُتُ يَقِينًا؛ لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ لَا يَكُونُ فَوْقَ صَرِيحِ قَوْلِ الرَّسُولِ عليه الصلاة والسلام وَهُوَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فِي مَصَالِحِ الدُّنْيَا «لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام فِي قِصَّةِ التَّلْقِيحِ أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأُمُورِ دُنْيَاكُمْ» وَرُبَّمَا كَانَ يَتْرُكُ رَأْيَهُ فِي الْحُرُوبِ بِمُرَاجَعَةِ الصَّحَابَةِ وَقِيلَ: يَثْبُتُ الْحُكْمُ مُطْلَقًا لَكِنْ فِي الدُّنْيَوِيِّ تَجُوزُ مُخَالَفَتُهُ بَعْدَ تَبَدُّلِ الْمَصْلَحَةِ، وَأَمَّا الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ الْمُجْمَعُ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ إجْمَاعُهُ ظَنِّيًّا لَا يَكْفُرُ جَاحِدُهُ، وَإِنْ كَانَ قَطْعِيًّا
هُمْ الْأُصُولُ فِي أُمُورِ الدِّينِ وَالْبَعْضُ بِعِتْرَةِ الرَّسُولِ عليه الصلاة والسلام لِطَهَارَتِهِمْ عَنْ الرِّجْسِ وَالْبَعْضُ بِأَهْلِ الْمَدِينَةِ) لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «إنَّ الْمَدِينَةَ طَيِّبَةٌ تَنْفِي خَبَثَهَا» ، وَإِنَّ الْخَطَأَ خَبَثٌ.
(إلَّا أَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ زَائِدَةٌ عَلَى الْأَهْلِيَّةِ، وَمَا يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ حُجَّةً لَا يُوجِبُ الِاخْتِصَاصَ بِشَيْءٍ مِنْ هَذَا، وَعِنْدَ الْبَعْضِ لَا يُشْتَرَطُ اتِّفَاقُ الْكُلِّ بَلْ الْأَكْثَرُ كَافٍ لِقَوْلِهِ عليه السلام «عَلَيْكُمْ بِالسَّوَادِ الْأَعْظَمِ» ) وَعِنْدَنَا يُشْتَرَطُ؛ لِأَنَّ الْحُجَّةَ إجْمَاعُ الْأُمَّةِ فَمَا بَقِيَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهِ لَا يَكُونُ إجْمَاعًا وَرُبَّمَا كَانَ اخْتِلَافُ الصَّحَابَةِ وَالْمُخَالِفُ وَاحِدٌ فِي مُقَابَلَةِ الْجَمْعِ الْكَثِيرِ وَالسَّوَادُ الْأَعْظَمُ عَامَّةُ الْمُسْلِمِينَ مِمَّنْ هُوَ أُمَّةٌ مُطْلَقَةٌ، وَالْمُرَادُ بِالْأُمَّةِ الْمُطْلَقَةِ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، وَهُمْ الَّذِينَ طَرِيقَتُهُمْ طَرِيقَةُ الرَّسُولِ عليه السلام وَأَصْحَابِهِ دُونَ أَهْلِ الْبِدَعِ.
(وَأَمَّا الثَّالِثُ فَفِي شُرُوطِهِ انْقِرَاضُ الْعَصْرِ لَيْسَ شَرْطًا عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يُشْتَرَطُ أَنْ يَمُوتُوا عَلَى ذَلِكَ الْإِجْمَاعِ لِاحْتِمَالِ رُجُوعِ بَعْضِهِمْ وَلَنَا أَنَّهُ تَحَقَّقَ الْإِجْمَاعُ فَلَا يُعْتَبَرُ تَوَهُّمُ رُجُوعِ الْبَعْضِ حَتَّى لَوْ رَجَعَ لَا يُعْتَبَرُ عِنْدَنَا. مَسْأَلَةٌ شَرَطَ الْبَعْضُ كَوْنَهُ فِي مَسْأَلَةٍ غَيْرِ مُجْتَهَدٍ فِيهَا فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ فَجَعَلُوا الْخِلَافَ الْمُتَقَدِّمَ مَانِعًا مِنْ الْإِجْمَاعِ الْمُتَأَخِّرِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْمُخَالِفَ إنَّمَا اُعْتُبِرَ خِلَافُهُ لِدَلِيلِهِ لَا لَعَيْنِهِ، وَدَلِيلُهُ بَاقٍ؛ وَلِأَنَّ فِي تَصْحِيحِ هَذَا الْإِجْمَاعِ تَضْلِيلَ بَعْضِ الصَّحَابَةِ وَالْمُخْتَارُ عَدَمُ اشْتِرَاطِهِ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ اتِّفَاقُ أَهْلِ الْعَصْرِ وَقَدْ وُجِدَ وَدَلِيلُهُ كَانَ دَلِيلًا لَكِنَّهُ لَمْ يَبْقَ كَمَا إذَا
ــ
[التلويح]
فَقِيلَ: يَكْفُرُ وَقِيلَ: لَا يَكْفُرُ، وَالْحَقُّ أَنَّ نَحْوَ الْعِبَادَاتِ الْخَمْسِ مِمَّا عُلِمَ بِالضَّرُورَةِ كَوْنُهُ مِنْ الدِّينِ يَكْفُرُ جَاحِدُهُ اتِّفَاقًا.
وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي غَيْرِهِ وَسَيَأْتِي فِيهِ تَفْصِيلٌ وَاسْتَدَلَّ عَلَى إفَادَةِ الْإِجْمَاعِ بِثُبُوتِ الْحُكْمِ يَقِينًا بِوُجُوهٍ مِنْ الْكِتَابِ، وَالسُّنَّةِ مِنْهَا قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ} [النساء: 115] وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّهُ تَعَالَى أَوْعَدَ بِاتِّبَاعِ غَيْرِ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ بِضَمِّهِ إلَى مُشَاقَّةِ الرَّسُولِ الَّتِي هِيَ كُفْرٌ فَيَحْرُمُ إذْ لَا يُضَمُّ مُبَاحٌ إلَى حَرَامٍ فِي الْوَعِيدِ، وَإِذَا حَرَّمَ اتِّبَاعَ غَيْرِ سَبِيلِهِمْ يَلْزَمُ اتِّبَاعُ سَبِيلِهِمْ إذْ لَا مَخْرَجَ عَنْهُمَا؛ لِأَنَّ تَرْكَ الِاتِّبَاعِ غَيْرُ سَبِيلِهِمْ فَيَدْخُلُ فِي اتِّبَاعِ غَيْرِ سَبِيلِهِمْ، وَالْإِجْمَاعُ سَبِيلُهُمْ فَيَلْزَمُ اتِّبَاعُهُ.
فَإِنْ قِيلَ لَفْظُ الْغَيْرِ مُفْرَدٌ لَا يُفِيدُ الْعُمُومَ فَلَا يَلْزَمُ حُرْمَةُ اتِّبَاعِ كُلِّ مَا يُغَايِرُ سَبِيلَ الْمُؤْمِنِينَ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ غَيْرُ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ هُوَ الْكُفْرُ وَالتَّكْذِيبُ قُلْنَا بَلْ هُوَ عَامٌّ بِالْإِضَافَةِ إلَى الْجِنْسِ بِدَلِيلِ صِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ قَطْعًا، وَلَوْ سُلِّمَ فَيَكْفِي الْإِطْلَاقُ فَإِنْ قِيلَ: السَّبِيلُ حَقِيقَةٌ فِي الطَّرِيقِ الَّذِي يَمْشِي فِيهِ، وَهُوَ غَيْرُ مُرَادٍ اتِّفَاقًا، وَلَيْسَ حَمْلُهُ عَلَى الطَّرِيقِ الَّذِي اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأُمَّةُ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ أَوْ اعْتِقَادٍ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الدَّلِيلِ الَّذِي اتَّبَعُوهُ قُلْنَا: اتِّبَاعُ غَيْرِ الدَّلِيلِ إنْ كَانَ هُوَ الْقِيَاسُ دَاخِلٌ فِي مُشَاقَّةِ الرَّسُولِ أَيْ: مُخَالَفَةِ حُكْمِهِ إذْ الْقِيَاسُ أَيْضًا مُسْتَنِدٌ إلَى نَصٍّ
نَزَلَ نَصٌّ بَعْدَ الْعَمَلِ بِالْقِيَاسِ فَلَا يَلْزَمُ التَّضْلِيلُ الَّذِي ذُكِرَ) .
اعْلَمْ أَنَّ الضَّلَالَ إمَّا أَنْ يَكُونَ بِالنَّظَرِ إلَى الدَّلِيلِ أَيْ: لَا يَكُونُ الدَّلِيلُ مَقْرُونًا بِشَرَائِطِهِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بِالنَّظَرِ إلَى الْحُكْمِ لَا بِالنَّظَرِ إلَى الدَّلِيلِ أَنْ يَكُونَ الدَّلِيلُ مَقْرُونًا بِشَرَائِطِهِ، وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَكُونُ مُوَصِّلًا إلَى الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ حَقٌّ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ أَرَادَ بِتَضْلِيلِ الصَّحَابَةِ الْمَعْنَى الْأَوَّلَ فَلَا نُسَلِّمُ لُزُومَهُ؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ إذَا اخْتَلَفُوا وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ الدَّلِيلَ مَقْرُونًا بِشَرَائِطِهِ لَا يَكُونُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ ضَالًّا وَلَا مُخْطِئًا بِالنَّظَرِ إلَى الدَّلِيلِ ثُمَّ إذَا انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ بَعْدَهُمْ عَلَى أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ فَدَلِيلُ الْمُخَالِفِ لَمْ يَبْقَ الْآنَ دَلِيلًا؛ لِأَنَّهُ حَدَثَ دَلِيلٌ أَقْوَى، وَهُوَ الْإِجْمَاعُ لَكِنَّ الْإِجْمَاعَ لَمْ يَدُلَّ عَلَى أَنَّ الدَّلِيلَ لَمْ يَكُنْ قَبْلَ ذَلِكَ مَقْرُونًا بِشَرَائِطِهِ فَلَا يَكُونُ تَضْلِيلًا بِالنَّظَرِ إلَى الدَّلِيلِ، وَإِنْ أَرَادَ الْمَعْنَى الثَّانِيَ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ تَضْلِيلَ بَعْضِ الصَّحَابَةِ بِالنَّظَرِ إلَى الْحُكْمِ مُمْتَنِعٌ بَلْ تَضْلِيلُ كُلِّهِمْ بِالنَّظَرِ إلَى الْحُكْمِ مُمْتَنِعٌ، فَإِنَّهُ إذَا وَقَعَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَهُمْ فَإِصَابَةُ الْحَقِّ لَا تَعْدُوهُمْ وَمَعَ ذَلِكَ لَا شَكَّ أَنَّ أَحَدَهُمْ مُخْطِئٌ نَظَرًا إلَى الْحُكْمِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ عِنْدَ اللَّهِ وَاحِدٌ عِنْدَنَا.
فَالْحَاصِلُ أَنَّهُمْ إنْ أَرَادُوا بِالتَّضْلِيلِ التَّضْلِيلَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الدَّلِيلِ فَالتَّضْلِيلُ غَيْرُ لَازِمٍ؛ لِأَنَّ دَلِيلَهُمْ كَانَ دَلِيلًا فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ لَكِنَّهُ لَمْ يَبْقَ دَلِيلًا فِي زَمَانِ حُدُوثِ الْإِجْمَاعِ، وَإِنْ أَرَادُوا التَّضْلِيلَ بِالنِّسْبَةِ
ــ
[التلويح]
وَحِينَئِذٍ يَلْزَمُ التَّكْرَارُ، فَإِنْ قِيلَ لَوْ عَمَّ لَزِمَ اتِّبَاعُ الْمُبَاحَاتِ، وَإِسْنَادُ الْحُكْمِ إلَى الدَّلِيلِ الَّذِي أَسْنَدَ الْمُؤْمِنُونَ إجْمَاعَهُمْ إلَيْهِ قُلْنَا خُصَّ ذَلِكَ لِلْقَطْعِ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْمُتَابَعَةُ فِي الْمُبَاحِ.
وَأَنَّ الِاتِّبَاعَ هُوَ الْإِتْيَانُ بِمِثْلِ فِعْلِ الْغَيْرِ لِكَوْنِهِ فِعْلَ الْغَيْرِ لَا لِكَوْنِهِ مِمَّا سَاقَ إلَيْهِ الدَّلِيلُ مَثَلًا إيمَانُ الْمُؤْمِنِينَ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَنُبُوَّةِ مُوسَى عليه الصلاة والسلام لَا يُعَدُّ اتِّبَاعًا لِلْيَهُودِ وَذَلِكَ كَمَا خُصَّ الْمُؤْمِنُونَ بِالْمُجْتَهِدِينَ الْمَوْجُودِينَ فِي عَصْرٍ فَإِنْ قِيلَ يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ سَبِيلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي مُتَابَعَةِ الرَّسُولِ عليه الصلاة والسلام، أَوْ مُنَاصَرَتِهِ وَالِاقْتِدَاءِ بِهِ، أَوْ فِيمَا صَارُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ، وَهُوَ الْإِيمَانُ بِهِ كَيْفَ وَقَدْ نَزَلَتْ الْآيَةُ فِي طَعْمَةَ بْنِ تِصْحَابَ حِينَ سَرَقَ دِرْعًا وَارْتَدَّ وَلَحِقَ بِالْمُشْرِكِينَ.
أُجِيبُ بِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْعُمُومَاتِ وَالْإِطْلَاقَاتِ دُونَ خُصُوصِيَّاتِ الْأَسْبَابِ وَالِاحْتِمَالَاتِ، وَالثَّابِتُ بِالنُّصُوصِ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ ظَوَاهِرُهَا وَلَمْ يَصْرِفْ عَنْهُ قَرِينَةٌ، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ التَّمَسُّكَ بِالظَّوَاهِرِ، وَوُجُوبَ الْعَمَلِ بِهَا إنَّمَا ثَبَتَ بِالْإِجْمَاعِ وَلَوْلَاهُ لَوَجَبَ الْعَمَلُ بِالدَّلَائِلِ الْمَانِعَةِ عَنْ اتِّبَاعِ الظَّنِّ، وَاعْتَرَضَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ سَبِيلُ الْمُؤْمِنِينَ مَا أَتَى بِهِ الرَّسُولُ عليه الصلاة والسلام وَيَكْفِي فِي صِحَّةِ الْعَطْفِ تَغَايُرُ الْمَفْهُومَيْنِ، وَجَوَابُهُ أَنَّا لَا نَمْنَعُ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْعَطْفُ بَلْ مِنْ جِهَةِ أَنَّ سَبِيلَ الْمُؤْمِنِينَ عَامٌّ لَا مُخَصِّصَ لَهُ بِمَا ثَبَتَ إتْيَانُ الرَّسُولِ عليه الصلاة والسلام مَعَ أَنَّ حَمْلَ الْكَلَامِ عَلَى الْفَائِدَةِ الْجَدِيدَةِ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ
إلَى الْوَاقِعِ فَلَا نُسَلِّمُ امْتِنَاعَهُ؛ لِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ يُخْطِئُ وَيُصِيبُ فَإِذَا وَقَعَ الْخِلَافُ فِي مَسْأَلَةٍ فَلَا شَكَّ أَنَّ أَحَدَهُمَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْوَاقِعِ، وَإِلَى عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى مُخْطِئٌ وَضَالٌّ.
(وَأَمَّا الرَّابِعُ فَفِي حُكْمِهِ، وَهُوَ أَنْ يَثْبُتَ الْحُكْمُ يَقِينًا حَتَّى يَكْفُرَ جَاحِدُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: 115] فَإِنْ قِيلَ الْوَعِيدُ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَجْمُوعِ، وَهُوَ الْمُشَاقَّةُ وَالِاتِّبَاعُ قُلْنَا بَلْ بِكُلِّ وَاحِدٍ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ فِي ضَمِّهِ إلَى الْمُشَاقَّةِ فَائِدَةٌ) أَوَّلُ الْآيَةِ {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء: 115] أَيْ: نَجْعَلُهُ وَالِيًا لِمَا تَوَلَّى مِنْ الضَّلَالَةِ.
وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ مُشَاقَّةِ الرَّسُولِ، وَاتِّبَاعِ غَيْرِ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْوَعِيدِ وَلَا شَكَّ أَنَّ مُشَاقَّةَ الرَّسُولِ وَحْدَهَا تَسْتَوْجِبُ الْوَعِيدَ فَلَوْلَا أَنَّ الِاتِّبَاعَ الْمَذْكُورَ حَرَامٌ لَمْ يَكُنْ فِي ضَمِّهِ إلَى الْمُشَاقَّةِ فَائِدَةٌ، فَكَانَ الْكَلَامُ حِينَئِذٍ رَكِيكًا كَمَا لَوْ قَالَ وَمَنْ يُشَاقِقْ الرَّسُولَ وَيَأْكُلْ الْخُبْزَ، وَإِذَا كَانَ اتِّبَاعُ غَيْرِ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ حَرَامًا، وَلَا شَكَّ أَنَّ اتِّبَاعَ سَبِيلٍ مِنْ السُّبُلِ وَاجِبٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي} [يوسف: 108] الْآيَةَ فَيَكُونُ الْوَاجِبُ اتِّبَاعَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ، ثُمَّ سَبِيلُ الْمُؤْمِنِينَ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ عَيْنَ مَا أَتَى بِهِ النَّبِيُّ عليه الصلاة والسلام؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ كَذَلِكَ فَاتِّبَاعُ غَيْرِهِ يَكُونُ مُخَالَفَةَ الرَّسُولِ عليه الصلاة والسلام وَيَكُونُ الْمَعْطُوفُ أَيْ: الِاتِّبَاعُ عَيْنَ الْمَعْطُوفِ
ــ
[التلويح]
عَلَى التَّكْرَارِ، وَتَغَايُرُ الْمَفْهُومَيْنِ لَا يَدْفَعُ التَّكْرَارَ كَمَا فِي قَوْلِنَا اتَّبِعُوا الْقُرْآنَ، وَكِتَابَ اللَّهِ تَعَالَى، وَالتَّنْزِيلَ وَنَحْوَ ذَلِكَ.
(قَوْلُهُ وَلَا يُمْكِنُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ سَبِيلُ الْمُؤْمِنِينَ أَحْكَامًا لَا يَدْخُلُ فِيهَا مَا أَتَى بِهِ النَّبِيُّ عليه الصلاة والسلام) هَذَا مِمَّا لَا حَاجَةَ إلَيْهِ فِي الِاسْتِدْلَالِ إذْ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهِ غَيْرَ مَا أَتَى بِهِ النَّبِيُّ عليه الصلاة والسلام لَا يَدْخُلُ اتِّبَاعُ مَا أَتَى بِهِ النَّبِيُّ عليه الصلاة والسلام فِي الْوَعِيدِ؛ لِأَنَّ عَطْفَ اتِّبَاعِ غَيْرِ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مُخَالَفَةِ الرَّسُولِ عليه الصلاة والسلام، وَإِلْحَاقِ الْوَعِيدِ بِهِمَا قَرِينَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى أَنَّ اتِّبَاعَ مَا أَتَى بِهِ وَامْتِثَالَ أَوَامِرِهِ لَا يَدْخُلُ فِي الْوَعِيدِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ وَعَلَى هَذَا لَا حَاجَةَ إلَى مَا الْتَزَمَهُ مِنْ أَنَّ جُزْءَ الشَّيْءِ لَيْسَ غَيْرَهُ مَعَ أَنَّهُ أَمْرٌ اتَّفَقَ عَلَى بُطْلَانِهِ جُمْهُورُ الْمُتَمَسِّكِينَ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى حُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ.
(قَوْلُهُ وقَوْله تَعَالَى {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة: 143] أَثْبَتَ لِمَجْمُوعِ الْأُمَّةِ الْعَدَالَةَ وَهِيَ تَقْتَضِي الثَّبَاتَ عَلَى الْحَقِّ، وَالطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيمِ؛ لِأَنَّ الْعَدَالَةَ الْحَقِيقَةَ الثَّابِتَةَ بِتَعْدِيلِ اللَّهِ تَعَالَى تُنَافِي الْكَذِبَ وَالْمَيْلَ إلَى جَانِبِ الْبَاطِلِ، وَلَا خَفَاءَ فِي أَنَّهَا لَيْسَتْ ثَابِتَةً لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأُمَّةِ فَتَعَيَّنَ الْمَجْمُوعُ، وَأَيْضًا الشَّاهِدُ حَقِيقَةً هُوَ الْمُخْبِرُ بِالصِّدْقِ، وَاللَّفْظُ مُطْلَقٌ يَتَنَاوَلُ الشَّهَادَةَ فِي الدُّنْيَا، وَالْآخِرَةِ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ الْأُمَّةِ حَقًّا وَصِدْقًا لِيَخْتَارَهُمْ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ لِلشَّهَادَةِ عَلَى النَّاسِ.
(قَوْلُهُ: وَكُلُّ الْفَضَائِلِ مُنْحَصِرَةٌ فِي التَّوَسُّطِ) تَقْدِيرُ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ الْخَالِقَ تَعَالَى
عَلَيْهِ، وَهُوَ الْمُشَاقَّةُ، وَلَا يُمْكِنُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ سَبِيلُ الْمُؤْمِنِينَ أَحْكَامًا لَا يَدْخُلُ فِيهَا مَا أَتَى بِهِ النَّبِيُّ عليه الصلاة والسلام إذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ مَا أَتَى بِهِ النَّبِيُّ عليه الصلاة والسلام غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ فَيَكُونُ اتِّبَاعُهُ دَاخِلًا فِي الْوَعِيدِ فَيَكُونُ سَبِيلُ الْمُؤْمِنِينَ مَجْمُوعًا مُرَكَّبًا مِمَّا أَتَى بِهِ النَّبِيُّ عليه الصلاة والسلام وَمِنْ غَيْرِهِ فَهَذَا الْغَيْرُ يَكُونُ وَاجِبَ الِاتِّبَاعِ، فَإِنْ شَرَطَ لِكَوْنِهِ وَاجِبَ الِاتِّبَاعِ اتِّفَاقَ الْأُمَّةِ حَصَلَ الْمَطْلُوبُ، وَإِنْ لَمْ يَشْرِطْ فَمَعَ عَدَمِ الِاتِّفَاقِ إذَا كَانَ وَاجِبَ الِاتِّبَاعِ فَمَعَ تَحَقُّقِ الِاتِّفَاقِ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ وَاجِبَ الِاتِّبَاعِ.
فَإِنْ قِيلَ إنْ كَانَ سَبِيلُ الْمُؤْمِنِينَ مُرَكَّبًا مِمَّا أَتَى بِهِ النَّبِيُّ عليه الصلاة والسلام وَمِنْ غَيْرِهِ فَمَا أَتَى بِهِ النَّبِيُّ عليه الصلاة والسلام يَكُونُ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ فَاتِّبَاعُهُ يَكُونُ دَاخِلًا فِي الْوَعِيدِ قُلْنَا لَا يَكُونُ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ؛ لِأَنَّ جُزْءَ الشَّيْءِ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ غَيْرُهُ كَمَا لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ عَيْنُهُ؛ لِأَنَّ مَنْ لَهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ فَقَطْ يَصْدُقُ أَنْ يَقُولَ لَيْسَ لِي غَيْرُ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ مَعَ أَنَّهُ يَمْلِكُ أَجْزَاءَ الْعَشَرَةِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الِاسْتِدْلَالَ عَلَى أَنَّ الْإِجْمَاعَ حُجَّةٌ لَيْسَ بِقَوِيٍّ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَا أَتَى بِهِ النَّبِيُّ عليه الصلاة والسلام عَيْنَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ مَعَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ الْمَعْطُوفُ عَيْنَ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَفْهُومَ مُشَاقَّةِ الرَّسُولِ
ــ
[التلويح]
وَتَقَدَّسَ قَدْ رَكَّبَ فِي الْإِنْسَانِ ثَلَاثَ قُوًى. إحْدَاهَا مَبْدَأُ إدْرَاكِ الْحَقَائِقِ وَالسَّوْقِ إلَى النَّظَرِ فِي الْعَوَاقِبِ وَالتَّمْيِيزِ بَيْنَ الْمَصَالِحِ وَالْمَفَاسِدِ، وَيُعَبَّرُ عَنْهَا بِالْقُوَّةِ النُّطْقِيَّةِ وَالْعَقْلِيَّةِ، وَالنَّفْسِ الْمُطْمَئِنَّةِ، وَالْمَلَكِيَّةِ. وَالثَّانِيَةُ: مَبْدَأُ جَذْبِ الْمَنَافِعِ وَطَلَبِ الْمَلَاذِ مِنْ الْمَآكِلِ وَالْمَشَارِبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَتُسَمَّى الْقُوَّةُ الشَّهْوَانِيَّةُ وَالْبَهِيمِيَّةُ، وَالنَّفْسُ الْأَمَّارَةُ. وَالثَّالِثَةُ: مَبْدَأُ الْإِقْدَامِ عَلَى الْأَهْوَالِ وَالشَّوْقِ إلَى التَّسَلُّطِ وَالتَّرَفُّعِ وَهِيَ الْقُوَّةُ الْغَضَبِيَّةُ وَالسَّبُعِيَّةُ، وَالنَّفْسُ اللَّوَّامَةُ وَتَحْدُثُ مِنْ اعْتِدَالِ الْحَرَكَةِ لِلْأُولَى الْحِكْمَةُ، وَلِلثَّانِيَةِ الْعِفَّةُ، وَلِلثَّالِثَةِ الشَّجَاعَةُ، فَأُمَّهَاتُ الْفَضَائِلِ هِيَ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ وَمَا سِوَى ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ مِنْ تَفْرِيعَاتِهَا وَتَرْكِيبَاتِهَا، وَكُلٌّ مِنْهَا مُحْتَوِشٌ بِطَرَفَيْ إفْرَاطٍ وَتَفْرِيطٍ هُمَا رَذِيلَتَانِ.
أَمَّا الْحِكْمَةُ فَهِيَ مَعْرِفَةُ الْحَقَائِقِ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ بِقَدْرِ الِاسْتِطَاعَةِ، وَهِيَ الْعِلْمُ النَّافِعُ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِمَعْرِفَةِ النَّفْسِ مَا لَهَا وَمَا عَلَيْهَا الْمُشَارُ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} [البقرة: 269] ، وَإِفْرَاطُهَا الْجَرْبَزَةُ وَهِيَ اسْتِعْمَالُ الْفِكْرِ فِيمَا لَا يَنْبَغِي كَالْمُتَشَابِهَاتِ وَعَلَى وَجْهٍ لَا يَنْبَغِي كَمُخَالَفَةِ الشَّرَائِعِ نَعُوذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ، وَتَفْرِيطُهَا الْغَبَاوَةُ الَّتِي هِيَ تَعْطِيلُ الْقُوَّةِ الْفِكْرِيَّةِ بِالْإِرَادَةِ وَالْوُقُوفِ عَنْ اكْتِسَابِ الْعُلُومِ النَّافِعَةِ.
وَأَمَّا الشَّجَاعَةُ فَهِيَ انْقِيَادُ السَّبُعِيَّةِ لِلنَّاطِقِيَّةِ فِي الْأُمُورِ لِيَكُونَ إقْدَامُهَا عَلَى حَسَبِ الرَّوِيَّةِ مِنْ غَيْرِ اضْطِرَابٍ فِي الْأُمُورِ الْهَائِلَةِ حَتَّى يَكُونَ فِعْلُهَا جَمِيلًا، وَصَبْرُهَا مَحْمُودًا، وَإِفْرَاطُهَا التَّهَوُّرُ أَيْ: الْإِقْدَامُ عَلَى مَا لَا يَنْبَغِي، وَتَفْرِيطُهَا الْجُبْنُ أَيْ: الْحَذَرُ عَمَّا لَا يَنْبَغِي الْحَذَرُ عَنْهُ، وَأَمَّا الْعِفَّةُ فَهِيَ انْقِيَادُ الْبَهِيمِيَّةِ
- عليه الصلاة والسلام غَيْرُ مَفْهُومِ اتِّبَاعِ غَيْرِ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ فَهَذِهِ الْغَيْرِيَّةُ كَافِيَةٌ لِصِحَّةِ الْعَطْفِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} [النساء: 59] مَعَ أَنَّ طَاعَةَ الرَّسُولِ عَيْنُ إطَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْوُجُودِ الْخَارِجِيِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء: 80] لَكِنَّهُ غَيْرُهُ بِحَسَبِ الْمَفْهُومِ.
(وقَوْله تَعَالَى {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ} [آل عمران: 110] الْآيَةَ وَالْخَيْرِيَّةُ تُوجِبُ الْحَقِّيَّةَ فِيمَا اجْتَمَعُوا؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ حَقًّا كَانَ ضَلَالًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلا الضَّلالُ} [يونس: 32] وَلَا شَكَّ أَنَّ الْأُمَّةَ الضَّالِّينَ لَا يَكُونُونَ خَيْرَ الْأُمَمِ عَلَى أَنَّهُ قَدْ وَصَفَهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران: 110] فَإِذَا اجْتَمَعُوا عَلَى الْأَمْرِ بِشَيْءٍ يَكُونُ ذَلِكَ الشَّيْءُ مَعْرُوفًا، وَإِذَا نَهَوْا عَنْ الشَّيْءِ يَكُونُ ذَلِكَ الشَّيْءُ مُنْكَرًا، فَيَكُونُ إجْمَاعُهُمْ حُجَّةً وقَوْله تَعَالَى {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ} [البقرة: 143] وَالْوَسَاطَةُ الْعَدَالَةُ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {قَالَ أَوْسَطُهُمْ} [القلم: 28] وَكُلُّ الْفَضَائِلِ مُنْحَصِرَةٌ فِي التَّوَسُّطِ بَيْنَ الْإِفْرَاطِ وَالتَّفْرِيطِ، فَإِنَّ رُءُوسَ الْفَضَائِلِ الْحِكْمَةُ، وَالْعِفَّةُ وَالشَّجَاعَةُ، وَالْعَدَالَةُ فَالْحِكْمَةُ نَتِيجَةُ تَكْمِيلِ الْقُوَّةِ الْعَقْلِيَّةِ، وَهِيَ مُتَوَسِّطَةٌ بَيْنَ الْجَرْبَزَةِ وَالْغَبَاوَةِ، فَتَوَسُّطُهُ أَنْ تَنْتَهِيَ الْقُوَّةُ الْعَقْلِيَّةُ إلَى حَدٍّ يُمْكِنُ لِلْعَقْلِ الْوُصُولُ إلَيْهِ، وَلَا يَتَجَاوَزُ عَنْ الْحَدِّ الَّذِي وَجَبَ أَنْ يَتَوَقَّفَ عَلَيْهِ، وَلَا يَتَعَمَّقُ فِيمَا لَيْسَ مِنْ شَأْنِهِ التَّعَمُّقُ كَالتَّفَكُّرِ فِي الْمُتَشَابِهَاتِ، وَالتَّفْتِيشِ فِي مَسْأَلَةِ الْقَضَاءِ، وَالْقَدَرِ، وَالشُّرُوعِ بِمُجَرَّدِ الْعَقْلِ فِي الْمَبْدَأِ وَالْمُعَادِ كَمَا هُوَ دَأْبُ الْفَلَاسِفَةِ.
وَالْعِفَّةُ هِيَ نَتِيجَةُ تَهْذِيبِ الْقُوَّةِ الشَّهْوَانِيَّةِ، وَهِيَ
ــ
[التلويح]
لِلنَّاطِقِيَّةِ لِيَكُونَ تَصَرُّفَاتُهَا بِحَسَبِ اقْتِضَاءِ النَّاطِقِيَّةِ لِيَسْلَمَ عَنْ اسْتِعْبَادِ الْهَوَى إيَّاهَا وَاسْتِخْدَامِ اللَّذَّاتِ. وَإِفْرَاطُهَا الْخَلَاعَةُ، وَالْفُجُورُ أَيْ: الْوُقُوعُ فِي ازْدِيَادِ اللَّذَّاتِ عَلَى مَا يَجِبُ، وَتَفْرِيطُهَا الْخُمُودُ أَيْ: السُّكُوتُ عَنْ طَلَبِ اللَّذَّاتِ بِقَدْرِ مَا رَخَّصَ فِيهِ الْعَقْلُ وَالشَّرْعُ إيثَارًا لَا خِلْقَةً فَالْأَوْسَاطُ فَضَائِلُ، وَالْأَطْرَافُ رَذَائِلُ، وَإِذَا امْتَزَجَتْ الْفَضَائِلُ الثَّلَاثَةُ حَصَلَتْ مِنْ امْتِزَاجِهَا حَالَةٌ مُتَشَابِهَةٌ هِيَ الْعَدَالَةُ، فَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ عَبَّرَ عَنْ الْعَدَالَةِ بِالْوَسَاطَةِ، وَإِلَيْهِ أُشِيرَ بِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «خَيْرُ الْأُمُورِ أَوْسَطُهَا» ، وَالْحِكْمَةُ فِي النَّفْسِ الْبَهِيمِيَّةِ بَقَاءُ الْبَدَنِ الَّذِي هُوَ مَرْكَبُ النَّفْسِ النَّاطِقَةِ لِتَصِلَ بِذَلِكَ إلَى كَمَالِهَا اللَّائِقِ بِهَا وَمَقْصُودِهَا الْمُتَوَجِّهَةِ إلَيْهِ.
وَفِي السَّبُعِيَّةِ كَسْرُ الْبَهِيمِيَّةِ وَقَهْرُهَا وَدَفْعُ الْفَسَادِ الْمُتَوَقَّعِ مِنْ اسْتِيلَائِهَا، وَاشْتُرِطَ التَّوَسُّطَ فِي أَفْعَالِهِمَا لِئَلَّا تَسْتَبْعِدَ النَّاطِقَةُ فِي هَوَاهُمَا، وَتَصَرُّفَاتهمَا عَنْ كَمَالِهَا وَمَقْصِدِهَا وَقَدْ مَثَّلَ ذَلِكَ بِفَارِسٍ اسْتَرْدَفَ سَبُعًا وَبَهِيمَةً لِلِاصْطِيَادِ فَإِنْ انْقَادَ السَّبُعُ، وَالْبَهِيمَةُ لِلْفَارِسِ وَاسْتَعْمَلَهُمَا عَلَى مَا يَنْبَغِي حَصَلَ مَقْصُودُ الْكُلِّ بِوُصُولِ الْفَارِسِ إلَى الصَّيْدِ، وَالسَّبُعِ إلَى الطُّعْمَةِ، وَالْبَهِيمَةِ إلَى الْعَلَفِ، وَإِلَّا هَلَكَ الْكُلُّ، فَقَوْلُهُ: النَّفْسُ الْحَيَوَانِيَّةُ أَرَادَ بِهَا مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْبَهِيمِيَّةِ وَالسَّبُعِيَّةِ.
وَأَمَّا الْكَلَامُ فِي أَنَّ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ نُفُوسٌ مُتَعَدِّدَةٌ أَمْ نَفْسٌ وَاحِدَةٌ مُخْتَلِفَةٌ بِالِاعْتِبَارَاتِ أَمْ قُوًى، وَكَيْفِيَّاتٌ لِلنَّفْسِ الْإِنْسَانِيَّةِ
مُتَوَسِّطَةٌ بَيْنَ الْخَلَاعَةِ وَالْجُمُودِ. وَالشَّجَاعَةُ نَتِيجَةُ تَهْذِيبِ الْقُوَّةِ الْغَضَبِيَّةِ، وَهِيَ مُتَوَسِّطَةٌ بَيْنَ التَّهَوُّرِ وَالْجُبْنِ، وَإِنَّمَا يُحْمَدُ فِيهَا التَّوَسُّطُ؛ لِأَنَّ النَّفْسَ الْحَيَوَانِيَّةَ هِيَ مَرْكَبٌ لِلرُّوحِ الْإِنْسَانِيَّةِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَوَسُّطِهَا لِئَلَّا تَضْعُفَ عَنْ السَّيْرِ وَلَا تَجْمَحَ بَلْ تَنْقَادُ لِلرُّوحِ، ثُمَّ التَّوَسُّطُ فِي هَذَا الْمَجْمُوعِ أَيْ: الْحِكْمَةِ وَالْعِفَّةِ وَالشَّجَاعَةِ هِيَ الْعَدَالَةُ فَلِهَذَا فَسَّرَ الْوَسَاطَةَ بِالْعَدَالَةِ فَالْعَدَالَةُ تَقْتَضِي الرُّسُوخَ عَلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، وَتَنْفِي الزَّيْغَ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ.
(وَقَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «لَا تَجْتَمِعُ أُمَّتِي عَلَى الضَّلَالَةِ» وَقَوْلُهُ عليه السلام «مَا رَآهُ الْمُؤْمِنُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ» ) هَذِهِ هِيَ الْأَدِلَّةُ الْمَشْهُورَةُ عَلَى أَنَّ الْإِجْمَاعَ حُجَّةٌ فَقَوْلُهُ تَعَالَى {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ} [النساء: 115] فَقَدْ عَرَفْت مَا عَلَيْهِ.
وَأَمَّا غَيْرُهُ مِنْ الْآيَاتِ فَدَلَالَتُهُ عَلَى أَنَّ اتِّفَاقَ مُجْتَهِدِي عَصْرٍ وَاحِدٍ حُجَّةٌ لَيْسَتْ بِقَوِيَّةٍ وَمَا ذُكِرَ مِنْ أَخْبَارِ الْآحَادِ فَبُلُوغُ مَجْمُوعِهَا إلَى حَدِّ التَّوَاتُرِ غَيْرُ مَعْلُومٍ وَالْإِجْمَاعُ دَلِيلٌ قَاطِعٌ يَكْفُرُ جَاحِدُهُ فَيَجِبُ أَنْ تَكُونَ الدَّلَائِلُ الدَّالَّةُ عَلَى أَنَّهُ دَلِيلٌ قَاطِعٌ قَطْعِيَّةَ الدَّلَالَةِ عَلَى هَذَا الْمَدْلُولِ الْمَطْلُوبِ فَأَنَا أَذْكُرُ مَا سَنَحَ لِخَاطِرِي فَأَقُولُ الْقَضَايَا الْمُتَّفَقُ عَلَيْهَا نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا: مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ جَمِيعُ النَّاسِ نَحْوَ الْعَدْلُ حَسَنٌ، وَالظُّلْمُ قَبِيحٌ فَهَذَا النَّوْعُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ يَقِينِيًّا
ــ
[التلويح]
فَمَوْضِعُهُ عِلْمٌ آخَرُ.
(قَوْلُهُ: وَأَمَّا غَيْرُهُ مِنْ الْآيَاتِ فَدَلَالَتُهُ عَلَى أَنَّ اتِّفَاقَ مُجْتَهِدِي عَصْرٍ وَاحِدٍ حُجَّةٌ) قَطْعِيَّةٌ لَيْسَتْ بِقَوِيَّةٍ أَمَّا قَوْله تَعَالَى {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ} [آل عمران: 110] الْآيَةَ؛ فَلِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْخِطَابَ لِلصَّحَابَةِ عَلَى مَا يُشْعِرُ بِهِ قَوْله تَعَالَى {لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلا أَذًى} [آل عمران: 111] ، وَأَنَّ الضَّلَالَ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ بِنَاءً عَلَى الْخَطَأِ فِي الِاجْتِهَادِ بَعْدَ بَذْلِ الْوُسْعِ لَا يُنَافِي كَوْنَ الْمُؤْمِنِينَ الْعَامِلِينَ بِالشَّرَائِعِ الْمُمْتَثِلِينَ لِلْأَوَامِرِ خَيْرَ الْأُمَمِ؛ وَلِأَنَّ الْمَعْرُوفَ وَالْمُنْكَرَ لَيْسَا عَلَى الْعُمُومِ إذْ رُبَّ مُنْكَرٍ لَمْ يُنْهَوْا عَنْهُ لِعَدَمِ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ؛ وَلِأَنَّ الْمَعْرُوفَ وَالْمُنْكَرَ بِحَسَبِ الرَّأْيِ، وَالِاجْتِهَادِ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَا كَذَلِكَ فِي الْوَاقِعِ، وَبَعْدَ تَسْلِيمِ جَمِيعِ ذَلِكَ لَا دَلَالَةَ لَهُ قَطْعًا عَلَى قَطْعِيَّةِ إجْمَاعِ الْمُجْتَهِدِينَ مِنْ عَصْرٍ.
وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة: 143] الْآيَةَ فَلِأَنَّ الْعَدَالَةَ لَا تُنَافِي الْخَطَأَ فِي الِاجْتِهَادِ إذْ لَا فِسْقَ فِيهِ بَلْ هُوَ مَأْجُورٌ؛ وَلِأَنَّ الْمُرَادَ كَوْنُهُمْ وَسَطًا بِالنِّسْبَةِ إلَى سَائِرِ الْأُمَمِ؛ وَلِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِعَدَالَةِ الْمَجْمُوعِ بَعْدَ الْقَطْعِ بِعَدَمِ عَدَالَةِ كُلٍّ مِنْ الْأَحَادِ، وَبَعْدَ التَّسْلِيمِ لَا دَلَالَةَ عَلَى قَطْعِيَّةِ إجْمَاعِ الْمُجْتَهِدِينَ فِي عَصْرٍ قَوْلُهُ:(وَمَا ذَكَرَ مِنْ الْأَخْبَارِ) قَدْ يُسْتَدَلُّ عَلَى حُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ بِأَنَّ الْأَخْبَارَ فِي عِصْمَةِ الْأُمَّةِ عَنْ الْخَطَأِ مَعَ اخْتِلَافِ الْعِبَارَاتِ، وَكَوْنِ كُلٍّ مِنْهَا خَبَرًا وَاحِدًا قَدْ تَظَاهَرَتْ حَتَّى صَارَتْ مُتَوَاتِرَةَ الْمَعْنَى بِمَنْزِلَةِ شَجَاعَةِ عَلِيٍّ رضي الله عنه وَجُودِ حَاتِمٍ فَأَجَابَ بِأَنَّ بُلُوغَ مَجْمُوعِهَا حَدَّ التَّوَاتُرِ غَيْرُ مَعْلُومٍ وَلَا يَخْفَى أَنَّ مِثْلَ هَذَا يَرِدُ عَلَى كُلِّ مَا اُدُّعِيَ تَوَاتُرُ مَعْنَاهُ.
(قَوْلُهُ فَأَنَا أَذْكُرُ) قَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله مِمَّا سَنَحَ لَهُ قَطْعِيَّةَ
يُضَاهِي الْمُتَوَاتِرَاتِ وَالْمُجَرَّبَاتِ؛ لِأَنَّ النَّاسَ إذَا اتَّفَقُوا عَلَى قَضِيَّةٍ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ ثَابِتَةً عِنْدَهُمْ فَتَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ مِمَّا يُحِيلُهُ الْعَقْلُ إذْ لَوْلَا ذَلِكَ يَلْزَمُ الْقَدْحُ فِي الْمُتَوَاتِرَاتِ، وَإِنْ كَانَتْ ثَابِتَةً عِنْدَهُمْ فَحُكْمُ الْعَقْلِ بِهَا إنْ لَمْ يَتَوَقَّفْ عَلَى السَّمْعِ فَإِنْ كَانَ حُكْمًا وَاجِبًا عَلَى تَقْدِيرِ تَصَوُّرِ الطَّرَفَيْنِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بَدِيهَةً، أَوْ كَسْبًا فَهُوَ الْمَطْلُوبُ، وَإِنْ كَانَ وَاجِبًا فِي اعْتِقَادِهِمْ إلَّا أَنَّهُ خَطَأٌ فَوُقُوعُ الْخَطَأِ بِحَيْثُ لَمْ يَتَنَبَّهْ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَالْحُكَمَاءِ وَالْعُلَمَاءِ وَغَيْرِهِمْ فِي الْأَزْمِنَةِ الْمُتَطَاوِلَةِ يُوجِبُ أَنْ لَا اعْتِمَادَ عَلَى الْعَقْلِ أَصْلًا، وَأَيْضًا الْحُكْمُ الضَّرُورِيُّ لَيْسَ مَعْنَاهُ إلَّا أَنَّهُ مَا يَقَعُ فِي الْعُقُولِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا أَصْلًا بَلْ وَقَعَ اتِّفَاقًا وَالِاتِّفَاقِيُّ لَا يَكْثُرُ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَلَزِمَ الْقَدْحُ فِي الْمُجَرَّبَاتِ، وَإِنْ تَوَقَّفَ عَلَى السَّمْعِ فَإِنْ حَكَمَ الْعَقْلُ بِوُجُوبٍ عَلَى قَبُولِهِ بِأَنْ يَحْكُمَ بِامْتِنَاعِ الْكَذِبِ مِنْ قَائِلِهِ فَهُوَ الْمَطْلُوبُ، وَإِنْ لَمْ يَحْكُمْ فَاتِّفَاقُ الْجُمْهُورِ عَلَى قَبُولِهِ مِنْ غَيْرِ وُجُوبٍ بَاطِلٌ لِمَا مَرَّ.
فَإِنْ قُلْت لِمَ لَا يَجُوزُ أَنَّ وَاحِدًا مِنْ أَهْلِ الشَّوْكَةِ حَكَمَ بِهِ وَاتَّبَعَهُ مُتَابِعُوهُ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ اتَّبَعَهُمْ النَّاسُ كَمَا نُشَاهِدُهُ مِنْ الرُّسُومِ وَالْعَادَاتِ؟ قُلْت: كَلَامُنَا فِيمَا يَعْتَقِدُهُ النَّاسُ أَنَّهُ حَسَنٌ أَوْ قَبِيحٌ عِنْدَ اللَّهِ فَلَا يَرِدُ ذَلِكَ
ــ
[التلويح]
الْإِجْمَاعِ سِتَّةَ أَوْجُهٍ.
حَاصِلُ الْأَوَّلِ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَكَمَ بِإِكْمَالِهِ دِينَ الْإِسْلَامِ، فَيَجِبُ أَنْ لَا يَكُونَ شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِهِ مُهْمَلًا وَلَا شَكَّ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ الْحَوَادِثِ مِمَّا لَمْ يُبَيَّنْ بِصَرِيحِ الْوَحْيِ، فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُنْدَرِجًا تَحْتَ الْوَحْيِ بِحَيْثُ لَا يَصِلُ إلَيْهِ كُلُّ أَحَدٍ، وَحِينَئِذٍ إمَّا أَنْ لَا يُمْكِنَ لِلْأُمَّةِ اسْتِنْبَاطُهُ وَهُوَ بَاطِلٌ إذْ لَا فَائِدَةَ فِي الْإِدْرَاجِ أَوْ يُمْكِنُ لِغَيْرِ الْمُجْتَهِدِينَ مِنْهُمْ خَاصَّةً، وَهُوَ بَاطِلٌ بِالضَّرُورَةِ فَتَعَيَّنَ اسْتِنْبَاطُهُ لِلْمُجْتَهِدِينَ وَحِينَئِذٍ إمَّا أَنْ يَسْتَنْبِطَهُ قَطْعًا وَيَقِينًا كُلُّ مُجْتَهِدٍ وَهُوَ أَيْضًا بَاطِلٌ لِمَا بَيْنَهُمْ مِنْ الِاخْتِلَافِ، أَوْ جَمِيعُ الْمُجْتَهِدِينَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَهُوَ أَيْضًا بَاطِلٌ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فَتَعَيَّنَ اسْتِنْبَاطُ جَمْعٍ مِنْ جَمِيعِ الْمُجْتَهِدِينَ، وَلَا دَلَالَةَ عَلَى تَعْيِينِ عَدَدٍ مُعَيَّنٍ مِنْ الْأَعْصَارِ، فَيَجِبُ أَنْ يُعْتَبَرَ عَصْرٌ وَاحِدٌ وَحِينَئِذٍ لَا تَرْجِيحَ لِلْبَعْضِ عَلَى الْبَعْضِ فَتَعَيَّنَ اعْتِبَارُ جَمِيعِ الْمُجْتَهِدِينَ فِي عَصْرٍ وَاحِدٍ فَيَكُونُ اتِّفَاقُهُمْ بَيَانًا لِلْحُكْمِ وَبَيِّنَةً عَلَيْهِ فَيَجِبُ اتِّبَاعُهُ لِلْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى وُجُوبِ اتِّبَاعِ الْبَيِّنَةِ هَذَا غَايَةُ تَقْرِيرِ هَذَا الْكَلَامِ.
وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: وُجُوبُ الِاتِّبَاعِ لَا يَسْتَلْزِمُ الْقَطْعَ، وَأَيْضًا مَا ذَكَرَ لَا يَدُلُّ عَلَى حُجِّيَّةِ إجْمَاعِ مُجْتَهِدِي كُلِّ عَصْرٍ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ الْمُنْدَرِجُ فِي الْوَحْيِ مِمَّا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ وَاحِدٌ أَوْ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ فِي عَصْرٍ آخَرَ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ، وَأَيْضًا إكْمَالُ الدِّينِ هُوَ التَّنْصِيصُ عَلَى قَوَاعِدِ الْعَقَائِدِ، وَالتَّوْقِيفُ عَلَى أُصُولِ الشَّرَائِعِ، وَقَوَانِينِ الِاجْتِهَادِ لِإِدْرَاجِ حُكْمِ كُلِّ حَادِثَةٍ فِي الْقُرْآنِ وَالْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - جَعَلَ الْقَضَايَا الْمُتَّفَقَ عَلَيْهَا نَوْعَيْنِ: أَحَدَهُمَا: مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ جَمِيعُ النَّاسِ. وَالثَّانِيَ: مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْمُجْتَهِدُونَ
عَلَى أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ وَأَهْلَ الْحَقِّ لَمْ يَخَافُوا أَنْ يُعَنِّتَهُمْ النَّاسُ عَلَى تَرْكِ الرُّسُومِ بَلْ رَفَضُوهَا وَهُمْ قَدْ اعْتَقَدُوا مَا نَحْنُ بِصَدَدِهِ، وَأَيْضًا مِثْلُ ذَلِكَ الِاحْتِمَالِ يَرِدُ عَلَى الْمُتَوَاتِرَاتِ الْمَاضِيَةِ وَلَمْ يَقْدَحْ فِيهَا.
وَالثَّانِي: مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْمُجْتَهِدُونَ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ عليه الصلاة والسلام فِي عَصْرٍ عَلَى أَمْرٍ فَهَذَا مِنْ خَوَاصِّ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ عليه الصلاة والسلام فَإِنَّهُ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ فَلَا وَحْيَ بَعْدَهُ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3] وَلَا شَكَّ أَنَّ الْأَحْكَامَ الَّتِي تَثْبُتُ بِصَرِيحِ الْوَحْيِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْحَوَادِثِ الْوَاقِعَةِ قَلِيلَةٌ غَايَةَ الْقِلَّةِ فَلَوْ لَمْ يُعْلَمْ أَحْكَامُ تِلْكَ الْحَوَادِثِ مِنْ الْوَحْيِ الصَّرِيحِ وَبَقِيَتْ أَحْكَامُهَا مُهْمَلَةً لَا يَكُونُ الدِّينُ كَامِلًا فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِلْمُجْتَهِدِينَ وِلَايَةُ اسْتِنْبَاطِ أَحْكَامِهَا مِنْ الْوَحْيِ، فَإِنْ اسْتَنْبَطَ الْمُجْتَهِدُونَ فِي عَصْرٍ حُكْمًا، وَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ يَجِبُ عَلَى أَهْلِ ذَلِكَ الْعَصْرِ قَبُولُهُ فَاتِّفَاقُهُمْ صَارَ بَيِّنَةً عَلَى ذَلِكَ الْحُكْمِ فَلَا يَجُوزُ بَعْدَ ذَلِكَ مُخَالَفَتُهُمْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ} [آل عمران: 105] وقَوْله تَعَالَى
ــ
[التلويح]
مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ عليه الصلاة والسلام فِي عَصْرٍ، وَظَاهِرٌ أَنَّهَا لَا تَنْحَصِرُ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَا لَمْ يَتَّفِقْ عَلَيْهَا جَمِيعُ النَّاسِ بَلْ بَعْضُهُمْ أَقْسَامٌ كَثِيرَةٌ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْحَصْرِ ثُمَّ ذَكَرَ فِي النَّوْعِ الْأَوَّلِ تَطْوِيلًا وَتَفْصِيلًا لَا دَخْلَ لَهُ فِي الْمَقْصُودِ إلَّا بَيَانُ أَنَّ مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْمُجْتَهِدُونَ فِي عَصْرٍ يَجِبُ عَلَى ذَلِكَ الْعَصْرِ قَبُولُهُ كَمَا أَنَّ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهَا بَيْنَ الْجَمِيعِ يَجِبُ قَبُولُهَا، وَثُبُوتُهَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بِمَنْزِلَةِ الْمُتَوَاتِرَاتِ وَالْمُجَرَّبَاتِ.
(قَوْلُهُ: وَأَيْضًا قَوْله تَعَالَى {فَلَوْلا نَفَرَ} [التوبة: 122] الْآيَةَ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: هَذَا لَا يُفِيدُ إلَّا كَوْنُ مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ طَوَائِفُ الْفُقَهَاءِ حُجَّةً عَلَى غَيْرِ الْفُقَهَاءِ، وَالْكَلَامُ فِي كَوْنِهِ حُجَّةً عَلَى الْمُجْتَهِدِينَ حَتَّى لَا يَسَعُهُمْ مُخَالَفَتُهُ، وَأَيْضًا وُجُوبُ الْعَمَلِ لَا يَسْتَلْزِمُ الْقَطْعَ، وَكَذَا الْكَلَامُ فِي قَوْله تَعَالَى {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59] عَلَى أَنَّهُ لَوْ صَحَّ مَا ذَكَرَهُ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ مُجْتَهِدٍ وَاحِدٍ فِي عَصْرٍ لَا مُجْتَهِدَ فِيهِ غَيْرَهُ حُجَّةً قَطْعِيَّةً لِكَوْنِهِ بَيِّنَةً عَلَى الْحُكْمِ فِي ذَلِكَ الْعَصْرِ.
(قَوْلُهُ: وَأَيْضًا قَوْله تَعَالَى {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا} [التوبة: 115] الْآيَةَ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: الْمُرَادُ عَدَمُ الْإِضْلَالِ بِالْإِلْجَاءِ إلَى الْكُفْرِ بَعْدَ الْهِدَايَةِ إلَى الْإِيمَانِ إذْ كَثِيرًا مَا يَقَعُ الْخَطَأُ لِجَمَاعَاتِ الْعُلَمَاءِ، وَأَيْضًا هَذَا لَا يَنْفِي وُقُوعَ الضَّلَالِ وَالذَّهَابِ إلَى غَيْرِ الْحَقِّ مِنْ النَّفْسِ أَوْ مِنْ الشَّيْطَانِ، وَإِنَّمَا يَنْفِي وُقُوعَ الْإِضْلَالِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَيْضًا لَوْ أُجْرِيَ عَلَى ظَاهِرِهِ لَزِمَ أَنْ لَا يَخْطَأَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ قَطُّ وَلَا دَلَالَةَ عَلَى تَعْيِينِ جَمِيعِ الْمُجْتَهِدِينَ فِي عَصْرٍ.
(قَوْلُهُ: وَأَيْضًا قَوْله تَعَالَى {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا} [الشمس: 7] الْآيَةَ الْوَاوُ لِلْقَسَمِ، وَمَعْنَى تَنْكِيرِ نَفْسٍ التَّكْثِيرُ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ نَفْسُ آدَمَ عليه السلام وَمَعْنَى إلْهَامِ الْفُجُورِ وَالتَّقْوَى إفْهَامُهَا، وَتَعْرِيفُ حَالِهَا وَالتَّمْكِينُ مِنْ الْإِتْيَانِ بِهِمَا، وَمَعْنَى تَزْكِيَتِهَا إنْمَاؤُهَا بِالْعِلْمِ وَالْعَمَلِ، وَمَعْنَى تَدْسِيَتِهَا نَقْضُهَا، وَإِخْفَاؤُهَا بِالْجَهَالَةِ