الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَيْضًا) أَيْ الْأَحْكَامُ الدُّنْيَوِيَّةُ بِسَبَبِ الْكُفْرِ تَلْزَمُ الصَّبِيَّ تَبَعًا لِلْأَبَوَيْنِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَلْزَمُهُ تَصَرُّفَاتُهُمَا الضَّارَّةُ قَصْدًا.
(، وَأَمَّا حُقُوقُ الْعِبَادِ فَمَا كَانَ نَفْعًا مَحْضًا كَقَبُولِ الْهِبَةِ، وَنَحْوِهِ يَصِحُّ، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ، وَلِيُّهُ فَإِنْ آجَرَ الْمَحْجُورُ) أَيْ الصَّبِيُّ الْمَحْجُورُ أَوْ الْعَبْدُ الْمَحْجُورُ (نَفْسَهُ وَعَمِلَ يَجِبُ الْأَجْرُ اسْتِحْسَانًا) ، وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَجِبُ الْأَجْرُ لِبُطْلَانِ الْعَقْدِ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ عَدَمَ الصِّحَّةِ كَانَ لِحَقِّ الْمَحْجُورِ حَتَّى لَا يَلْزَمَهُ ضَرَرٌ فَإِذَا عَمِلَ فَوُجُوبُ الْأُجْرَةِ نَفْعٌ مَحْضٌ، وَإِنَّمَا الضَّرَرُ فِي عَدَمِ الْوُجُوبِ لَكِنْ فِي الْعَبْدِ يُشْتَرَطُ السَّلَامَةُ حَتَّى إنْ تَلِفَ فِيهِ يَضْمَنُ أَيْ إنْ تَلِفَ الْعَبْدُ الْمَحْجُورُ فِي ذَلِكَ الْعَمَلِ يَضْمَنُ الْمُسْتَأْجِرُ (بِخِلَافِ الصَّبِيِّ؛ لِأَنَّ الْغَصْبَ لَا يَتَحَقَّقُ فِي الْحُرِّ، وَإِذَا قَاتَلَا لَا يَسْتَحِقَّانِ الرَّضْخَ) الضَّمِيرُ يَرْجِعُ إلَى الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ الْمَحْجُورَيْنِ، وَالرَّضْخُ عَطَاءٌ لَا يَكُونُ كَثِيرًا أَيْ لَا يَبْلُغُ سَهْمَ الْغَنِيمَةِ (وَيَصِحُّ تَصَرُّفُهُمَا وَكِيلَيْنِ بِلَا عُهْدَةٍ، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ الْوَلِيُّ إذْ فِي الصِّحَّةِ اعْتِبَارُ الْآدَمِيَّةِ وَتَوَسُّلٌ إلَى إدْرَاكِ الْمَضَارِّ وَالْمَنَافِعِ، وَاهْتِدَاءٌ فِي التِّجَارَةِ بِالتَّجْرِبَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} [النساء: 6]
ــ
[التلويح]
فِيهِمَا تَضَرُّرُ زَوَالِ الْمِلْكِ فِي الْحَيَاةِ فَعَلَى هَذَا التَّقْرِيرِ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَذْكُرَ هَذَا عَقِيبَ الْحُكْمِ بِأَنَّ مَا فِيهِ نَفْعٌ مَحْضٌ يَمْلِكُهُ الصَّبِيُّ، وَثَانِيهِمَا أَنَّ الْوَصِيَّةَ مِمَّا يَتَرَدَّدُ بَيْنَ النَّفْعِ، وَالضَّرَرِ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَتْ فِي جِهَةِ الْخَيْرِ لِحُصُولِ الثَّوَابِ فِي الْآخِرَةِ مَعَ تَضَرُّرِ إبْطَالِ الْإِرْثِ الَّذِي هُوَ نَفْعٌ لِلْمُوَرَّثِ، وَعَلَى هَذَا لَا يَتِمَّ جَوَابُ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِأَنَّ غَايَتَهُ بَيَانُ التَّضَرُّرِ فِي الْوَصِيَّةِ، وَيَلْزَمُ مِنْهُ صِحَّتُهَا بِإِذْنِ الْوَلِيِّ، وَلَا رِوَايَةَ فِي ذَلِكَ بَلْ طَرِيقُ الْجَوَابِ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهَا تَتَضَمَّنُ نَفْعًا يُعْتَدُّ بِهِ بَلْ هِيَ ضَرَرٌ مَحْضٌ، وَالنَّفْعُ الَّذِي تَضَمَّنَتْهُ إنَّمَا وَقَعَ بِاتِّفَاقِ الْحَالِ، وَهُوَ أَنَّهُ حَالَةُ الْمَوْتِ فَلَا يُعْتَدُّ بِهِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ بَاعَ مَالَهُ بِأَضْعَافِ قِيمَتِهِ لَمْ يَجُزْ، وَكَمَا لَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ الْمُعْسِرَةَ الشَّوْهَاءَ لِيَتَزَوَّجَ أُخْتَهَا الْمُوسِرَةَ الْحَسْنَاءَ، وَلَا يَخْفَى ضَعْفُهُ، وَيُمْكِنُ تَطْبِيقُ جَوَابِ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَلَى التَّقْرِيرِ الثَّانِي بِأَنْ يُقَالَ: مُرَادُهُ أَنَّ ضَرَرَهَا أَكْثَرُ لِأَنَّ نَقْلَ الْمِلْكِ إلَى الْأَقَارِبِ أَفْضَلُ عَقْلًا، وَشَرْعًا لِمَا فِيهِ مِنْ صِلَةِ الرَّحِمِ، وَلِأَنَّ تَرْكَ الْوَرَثَةِ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ تَرْكِهِمْ فُقَرَاءَ بِالنَّصِّ، وَتَرْكُ الْأَفْضَلِ فِي حُكْمِ الضَّرَرِ الْمَحْضِ، وَبِهَذَا يُشْعِرُ قَوْلُهُ إلَّا أَنَّهَا شُرِعَتْ فِي حَقِّ الْبَالِغِ كَالطَّلَاقِ يَعْنِي أَنَّ الضَّرَرَ الْمَحْضَ قَدْ يُشْرَعُ لِلْبَالِغِ لِكَمَالِ أَهْلِيَّتِهِ كَالطَّلَاقِ، وَفِي كَوْنِهِ ضَرَرًا مَحْضًا نَظَرٌ
[فَصْلٌ الْأُمُورُ الْمُعْتَرِضَةُ عَلَى الْأَهْلِيَّةِ]
[الْعَوَارِضُ السَّمَاوِيَّةُ]
[الْجُنُونُ]
(قَوْلُهُ: فَصْلٌ) لَمَّا ذَكَرَ الْأَهْلِيَّةَ بِنَوْعَيْهَا شَرَعَ فِيمَا يَعْتَرِضُ عَلَيْهِمَا فَيُزِيلُهُمَا أَوْ أَحَدَهُمَا أَوْ يُوجِبُ تَغْيِيرًا فِي بَعْضِ أَحْكَامِهِمَا، وَيُسَمَّى الْعَوَارِضُ جَمْعُ عَارِضٍ عَلَى أَنَّهُ جُعِلَ اسْمًا بِمَنْزِلَةِ كَاتِبٍ، وَكَاهِلٍ مِنْ عَرَضَ لَهُ كَذَا أَيْ ظَهَرَ، وَتَبَدَّى، وَمَعْنَى كَوْنِهَا عَوَارِضَ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الصِّفَاتِ الذَّاتِيَّةِ كَمَا يُقَالُ: الْبَيَاضُ مِنْ عَوَارِضِ الثَّلْجِ، وَلَوْ أُرِيدَ بِالْعُرُوضِ الطَّرَيَانُ، وَالْحُدُوثُ بَعْدَ الْعَدَمِ لَمْ يَصِحَّ فِي الصِّغَرِ إلَّا عَلَى سَبِيلِ التَّغْلِيبِ ثُمَّ الْعَوَارِضُ نَوْعَانِ: سَمَاوِيَّةٌ إنْ
وَمَا كَانَ ضَرَرًا مَحْضًا) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ فَمَا كَانَ نَفْعًا (كَالطَّلَاقِ، وَالْهِبَةِ وَالْقَرْضِ، وَنَحْوِهَا لَا يَصِحُّ مِنْهُ، وَإِنْ أَذِنَ وَلِيُّهُ وَلَا مُبَاشَرَتُهُ) أَيْ لَا يَصِحُّ مُبَاشَرَةُ الْوَلِيِّ الطَّلَاقَ، وَالْهِبَةَ، وَالْقَرْضَ مِنْ قِبَلِ الصَّبِيِّ (إلَّا الْقَرْضَ لِلْقَاضِي) ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ إقْرَاضُ مَالِ الصَّبِيِّ لِلْقَاضِي دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ لِأَنَّ الْقَاضِيَ أَقْدَرُ عَلَى اسْتِيفَائِهِ (فَإِنَّ عَلَيْهِ صِيَانَةَ الْحُقُوقِ، وَالْعَيْنُ لَا يُؤْمَنُ هَلَاكُهَا) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ أَيْ لَمَّا كَانَ صِيَانَةُ الْحُقُوقِ عَلَى الْقَاضِي، وَالْحَالُ أَنَّ الْعَيْنَ رُبَّمَا تَهْلَكُ فَيُقْرِضُهَا الْقَاضِي لِتَلْزَمَ فِي ذِمَّةِ الْمُسْتَقْرِضِ، وَيَأْمَنَ هَلَاكَهَا.
(وَمَا كَانَ مُتَرَدِّدًا بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ النَّفْعِ وَالضَّرَرِ كَالْبَيْعِ، وَالشِّرَاءِ، وَنَحْوِهِمَا فَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَدْخُلُ الْمُشْتَرَى فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي نَفْعٌ، وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَخْرُجُ الْبَدَلُ مِنْ مِلْكِهِ ضَرَرٌ (يَصِحُّ شَرْطُ رَأْيِ الْوَلِيِّ لِأَنَّهُ) أَيْ الصَّبِيَّ (أَهْلٌ لِحُكْمِهِ إذَا بَاشَرَ وَلِيُّهُ فَكَذَا إذَا بَاشَرَ بِنَفْسِهِ بِرَأْيِ الْوَلِيِّ، وَيَحْصُلُ بِهَذَا) أَيْ بِمُبَاشَرَةِ الصَّبِيِّ بِرَأْيِ
ــ
[التلويح]
لَمْ يَكُنْ لِلْعَبْدِ فِيهَا اخْتِيَارٌ، وَاكْتِسَابٌ: وَمُكْتَسَبَةٌ إنْ كَانَ لَهُ فِيهَا دَخْلٌ بِاكْتِسَابِهَا أَوْ تَرْكِ إزَالَتِهَا، وَالسَّمَاوِيَّةُ أَكْثَرُ تَغْيِيرًا، وَأَشَدُّ تَأْثِيرًا فَقُدِّمَتْ، وَهِيَ أَحَدَ عَشَرَ: الْجُنُونُ وَالصِّغَرُ وَالْعَتَهُ وَالنِّسْيَانُ وَالنَّوْمُ وَالْإِغْمَاءُ وَالرِّقُّ وَالْمَرَضُ وَالْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ وَالْمَوْتُ فَالْجُنُونُ اخْتِلَالُ الْقُوَّةِ الْمُمَيِّزَةِ بَيْنَ الْأُمُورِ الْحَسَنَةِ، وَالْقَبِيحَةِ الْمُدْرِكَةِ لِلْعَوَاقِبِ بِأَنْ لَا يَظْهَرَ آثَارُهَا، وَبِتَعَطُّلِ أَفْعَالِهَا إمَّا لِنُقْصَانٍ جُبِلَ عَلَيْهِ دِمَاغُهُ فِي أَصْلِ الْخِلْقَةِ، وَإِمَّا لِخُرُوجِ مِزَاجِ الدِّمَاغِ عَنْ الِاعْتِدَالِ بِسَبَبِ خَلْطٍ أَوْ آفَةٍ، وَإِمَّا لِاسْتِيلَاءِ الشَّيْطَانِ عَلَيْهِ، وَإِلْقَاءِ الْخَيَالَاتِ الْفَاسِدَةِ إلَيْهِ بِحَيْثُ يَفْرَحُ، وَيَفْزَعُ مِنْ غَيْرِ مَا يَصْلُحُ سَبَبًا.
(قَوْلُهُ: لِمُنَافَاتِهِ) أَيْ: لِمُنَافَاةِ الْجُنُونِ الْقُدْرَةَ الَّتِي بِهَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إنْشَاءِ الْعِبَادَاتِ عَلَى النَّهْجِ الَّذِي اعْتَبَرَهُ الشَّرْعُ، وَبِانْتِفَاءِ الْقُدْرَةِ تَنْتَفِي الْأَهْلِيَّةُ، فَيَنْتَفِي وُجُوبُ الْأَدَاءِ فَيَنْتَفِي نَفْسُ الْوُجُوبِ (قَوْلُهُ: لَكِنَّهُمْ) قَالُوا الْجُنُونُ إمَّا مُمْتَدٌّ أَوْ غَيْرُ مُمْتَدٍّ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا إمَّا أَصْلِيٌّ بِأَنْ يَبْلُغَ مَجْنُونًا أَوْ طَارِئٌ بَعْدَ الْبُلُوغِ، فَالْمُمْتَدُّ مُطْلَقًا مُسْقِطٌ لِلْعِبَادَاتِ، وَغَيْرُ الْمُمْتَدِّ إنْ كَانَ طَارِئًا فَلَيْسَ بِمُسْقِطٍ اسْتِحْسَانًا لِوُجُوهٍ:
الْأَوَّلُ الْإِلْحَاقُ بِالنَّوْمِ، وَالْإِغْمَاءِ بِجَامِعِ كَوْنِهِ عُذْرًا عَارِضًا زَالَ قَبْلَ الِامْتِدَادِ مَعَ عَدَمِ الْحَرَجِ فِي إيجَابِ الْقَضَاءِ. الثَّانِي: أَنَّهُ لَا يُنَافِي أَهْلِيَّةَ نَفْسِ الْوُجُوبِ لِبَقَاءِ الذِّمَّةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَرِثُ، وَيَمْلِكُ، وَالْإِرْثُ، وَالْمِلْكُ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ، وَلَا وِلَايَةَ بِدُونِ الذِّمَّةِ إلَّا أَنَّهُ إذَا انْتَفَى الْأَدَاءُ تَحْقِيقًا، وَتَقْدِيرًا بِلُزُومِ الْحَرَجِ فِي الْقَضَاءِ يَنْعَدِمُ الْوُجُوبُ. الثَّالِثُ: أَنَّ الْمَجْنُونَ أَهْلُ لِلثَّوَابِ؛ لِأَنَّهُ يَبْقَى مُسْلِمًا بَعْدَ الْجُنُونِ، وَالْمُسْلِمُ يُثَابُ، وَالثَّوَابُ مِنْ أَحْكَامِ الْوُجُوبِ، فَيَكُونُ أَهْلًا لِلْوُجُوبِ فِي الْجُمْلَةِ، وَلَا حَرَجَ فِي إيجَابِ الْقَضَاءِ، فَيَكُونُ الْأَدَاءُ ثَابِتًا تَقْدِيرًا بِتَوَهُّمِهِ فِي الْوَقْتِ، وَرَجَائِهِ بَعْدَ الْوَقْتِ هَذَا إذَا كَانَ الْجُنُونُ الْغَيْرُ الْمُمْتَدِّ طَارِئًا، وَأَمَّا إذَا كَانَ أَصْلِيًّا فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مُسْقِطٌ بِنَاءً لِلْإِسْقَاطِ عَلَى
الْوَلِيِّ (مَا يَحْصُلُ بِذَلِكَ) أَيْ بِمُبَاشَرَةِ الْوَلِيِّ (مَعَ فَضْلِ تَصْحِيحِ عِبَارَتِهِ، وَتَوْسِيعِ طَرِيقِ حُصُولِ الْمَقْصُودِ ثُمَّ هَذَا) أَيْ تَصَرُّفُ الصَّبِيِّ بِرَأْيِ الْوَلِيِّ فِيمَا يَتَرَدَّدُ بَيْنَ النَّفْعِ، وَالضَّرَرِ (عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِطَرِيقِ أَنَّ احْتِمَالَ الضَّرَرِ فِي تَصَرُّفِهِ يَزُولُ بِرَأْيِ الْوَلِيِّ فَيَصِيرُ كَالْبَالِغِ حَتَّى يَصِحَّ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ مِنْ الْأَجَانِبِ، وَلَا يَمْلِكُهُ الْوَلِيُّ فَأَمَّا مِنْ الْوَلِيِّ) أَيْ بَيْعُ الصَّبِيِّ مِنْ الْوَلِيِّ مَعَ غَبْنٍ فَاحِشٍ (فَفِي رِوَايَةٍ يَصِحُّ لِمَا قُلْنَا) أَنَّهُ يَصِيرُ كَالْبَالِغِ (وَفِي رِوَايَةٍ لَا لِأَنَّهُ) أَيْ الصَّبِيُّ (فِي الْمِلْكِ أَصِيلٌ، وَفِي الرَّأْيِ أَصِيلٌ مِنْ، وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ؛ لِأَنَّ لَهُ أَصْلَ الرَّأْيِ بِاعْتِبَارِ أَصْلِ الْعَقْلِ دُونَ وَصْفِهِ إذْ لَيْسَ لَهُ كَمَالُ الْعَقْلِ فَثَبَتَ شُبْهَةُ النِّيَابَةِ) أَيْ شُبْهَةُ أَنَّهُ نَائِبُ الْوَلِيِّ إذَا كَانَ كَذَلِكَ صَارَ كَأَنَّ الْوَلِيَّ يَبِيعُ مِنْ نَفْسِهِ مَالَ الصَّبِيِّ بِالْغَبْنِ (فَاعْتُبِرَتْ) أَيْ شُبْهَةُ النِّيَابَةِ
ــ
[التلويح]
الْأَصَالَةِ أَوْ الِامْتِدَادِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَيْسَ بِمُسْقِطٍ بِنَاءً لِلْإِسْقَاطِ عَلَى الِامْتِدَادِ فَقَطْ، وَالِاخْتِلَافُ فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ مَذْكُورٌ عَلَى عَكْسِ ذَلِكَ، وَجْهُ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْأَصْلِ، وَالطَّارِئِ أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْجُنُونِ الْحُدُوثُ وَالطَّرَيَانُ إذْ السَّلَامَةُ عَنْ الْآفَاتِ هِيَ الْأَصْلُ فِي الْجِبِلَّةِ، فَيَكُونُ أَصَالَةُ الْجُنُونِ أَمْرًا عَارِضًا، فَيَلْحَقُ بِالْأَصْلِ، وَهُوَ الْجُنُونُ الطَّارِئُ، وَثَانِيهِمَا: أَنَّ زَوَالَ الْجُنُونِ بَعْدَ الْبُلُوغِ دَلَّ عَلَى أَنَّ حُصُولَهُ كَانَ لِأَمْرٍ عَارِضٍ عَلَى أَصْلِ الْخِلْقَةِ لَا لِنُقْصَانٍ جُبِلَ عَلَيْهِ دِمَاغُهُ فَكَانَ مِثْلَ الطَّارِئِ، وَجْهُ التَّفْرِقَةِ أَيْضًا أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الطَّرَيَانَ بَعْدَ الْبُلُوغِ رَجَّحَ جَانِبَ الْعُرُوضِ فَجُعِلَ عَفْوًا عِنْدَ عَدَمِ الِامْتِدَادِ إلْحَاقًا بِسَائِرِ الْعَوَارِضِ بِخِلَافِ مَا إذَا بَلَغَ مَجْنُونًا فَزَالَ فَإِنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الصِّغَرِ فَلَا يُوجِبُ قَضَاءَ مَا مَضَى، وَثَانِيهِمَا أَنَّ الْأَصْلِيَّ يَكُونُ لِآفَةٍ فِي الدِّمَاغِ مَانِعَةٍ عَنْ قَبُولِ الْكَمَالِ، فَيَكُونُ أَمْرًا أَصْلِيًّا لَا يَقْبَلُ اللِّحَاقَ بِالْعَدَمِ، وَالطَّارِئُ قَدْ اعْتَرَضَ عَلَى مَحَلٍّ كَامِلٍ لِلُحُوقِ آفَةٍ، فَيَلْحَقُ بِالْعَدَمِ.
(قَوْلُهُ: ثُمَّ الِامْتِدَادُ فِي الصَّلَاةِ) يَعْنِي: أَنَّ الِامْتِدَادَ عِبَارَةٌ عَنْ تَعَاقُبِ الْأَزْمِنَةِ، وَلَيْسَ لَهُ حَدٌّ مُعَيَّنٌ فَقَدَّرُوهُ بِالْأَدْنَى، وَهُوَ أَنْ يَسْتَوْعِبَ الْجُنُونُ وَظِيفَةَ الْوَقْتِ، وَهُوَ الْيَوْمُ، وَاللَّيْلَةُ فِي الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ جِنْسِ الصَّلَاةِ، وَجَمِيعِ الشَّهْرِ فِي الصَّوْمِ حَتَّى لَوْ أَفَاقَ بَعْضَ لَيْلَةٍ يَجِبُ الْقَضَاءُ، وَقِيلَ: الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ إذْ اللَّيْلُ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلصَّوْمِ فَالْجُنُونُ، وَالْإِفَاقَةُ فِيهِ سَوَاءٌ، ثُمَّ اشْتَرَطُوا فِي الصَّلَاةِ التَّكْرَارَ لِيَتَأَكَّدَ الْكَثْرَةَ، فَيَتَحَقَّقُ الْحَرَجُ إلَّا أَنَّ مُحَمَّدًا اعْتَبَرَ نَفْسَ الْوَاجِبِ أَعْنِي: جِنْسَ الصَّلَاةِ فَاشْتَرَطَ تَكْرَارَهَا، وَذَلِكَ بِأَنْ تَصِيرَ الصَّلَوَاتُ سِتًّا وَهُمَا اعْتَبَرَا نَفْسَ الْوَقْتِ إقَامَةً لِلسَّبَبِ الظَّاهِرِ أَعْنِي: الْوَقْتَ مَقَامَ الْحُكْمِ تَيْسِيرًا عَلَى الْعِبَادِ فِي سُقُوطِ الْقَضَاءِ فَلَوْ جُنَّ بَعْدَ الطُّلُوعِ، وَأَفَاقَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي قَبْلَ الظُّهْرِ يَجِبُ الْقَضَاءُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِعَدَمِ تَكَرُّرِ جِنْسِ الصَّلَوَاتِ حَيْثُ لَمْ تَصِرْ الصَّلَوَاتُ سِتًّا، وَعِنْدَهُمَا لَا يَجِبُ لِتَكَرُّرِ الْوَقْتِ بِزِيَادَتِهِ عَلَى الْيَوْمِ
(فِي مَوْضِعِ التُّهْمَةِ) ، وَهُوَ أَنْ يَبِيعَ الصَّبِيُّ مِنْ الْوَلِيِّ (وَسَقَطَتْ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا) أَيْ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ التُّهْمَةِ، وَهُوَ مَا إذَا بَاعَ مِنْ الْأَجَانِبِ (وَعِنْدَهُمَا) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ ثُمَّ هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (بِطَرِيقِ أَنَّهُ) أَيْ تَصَرُّفُ الصَّبِيِّ (يَصِيرُ بِرَأْيِهِ) أَيْ بِرَأْيِ الْوَلِيِّ (كَمُبَاشَرَتِهِ) أَيْ الْوَالِي (فَلَا يَصِحُّ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ أَصْلًا) أَيْ لَا مِنْ الْوَلِيِّ، وَلَا مِنْ الْأَجَانِبِ، (وَأَمَّا، وَصِيَّتُهُ) أَيْ، وَصِيَّةُ الصَّبِيِّ (فَبَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّ الْإِرْثَ شُرِعَ نَفْعًا لِلْمُوَرِّثِ) قَالَ عليه الصلاة والسلام:«لَأَنْ تَدَعَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ فُقَرَاءَ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ» أَيْ يَمُدُّونَ أَكُفَّهُمْ سَائِلِينَ وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْوَصِيَّةَ لِأَنَّهَا تُرَادُ إشْكَالًا، وَهُوَ أَنَّ الْوَصِيَّةَ نَفْعٌ لِأَنَّهَا سَبَبٌ لِثَوَابِ الْآخِرَةِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَزُولُ الْمُوصَى بِهِ مَا دَامَ حَيًّا مِنْ مِلْكِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ وَصِيَّتُهُ فَأَجَابَ بِأَنَّ الْإِرْثَ شُرِعَ نَفْعًا لِلْمُوَرِّثِ وَفِي الْوَصِيَّةِ إبْطَالُ الْإِرْثِ (حَتَّى شُرِعَ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ) فَرْعٌ عَلَى أَنَّ الْإِرْثَ شُرِعَ نَفْعًا لِلْمُوَرَّثِ حَتَّى لَوْ كَانَ ضَرَرًا لَمَا شُرِعَ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ (إلَّا أَنَّهَا شُرِعَتْ فِي حَقِّ الْبَالِغِ كَالطَّلَاقِ) جَوَابُ إشْكَالٍ، وَهُوَ أَنَّ الْوَصِيَّةَ لَمَّا كَانَتْ ضَرَرًا لِكَوْنِهَا إبْطَالًا لِلْإِرْثِ يَنْبَغِي أَنْ لَا تَصِحَّ مِنْ الْبَالِغِ فَأَجَابَ بِأَنَّهَا شُرِعَتْ مِنْ الْبَالِغِ وَإِنْ كَانَ ضَرَرًا كَالطَّلَاقِ
(فَصْلٌ الْأُمُورُ الْمُعْتَرِضَةُ عَلَى الْأَهْلِيَّةِ سَمَاوِيَّةٌ، وَمُكْتَسَبَةٌ أَوْ السَّمَاوِيَّةُ فَمِنْهَا الْجُنُونُ) وَهُوَ اخْتِلَالُ
ــ
[التلويح]
وَاللَّيْلَةِ بِحَسَبِ السَّاعَاتِ، وَإِنْ لَمْ يَزِدْ بِحَسَبِ الْوَاجِبَاتِ، وَلَمْ يَشْتَرِطُوا فِي الصَّوْمِ التَّكْرَارَ؛ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ الْمَصِيرِ إلَى التَّكْرَارِ أَنْ لَا يَزِيدَ عَلَى الْأَصْلِ، وَوَظِيفَةُ الصَّوْمِ لَا تَدْخُلُ إلَّا بِمُضِيِّ أَحَدَ عَشَرَ شَهْرًا، فَيَصِيرَ التَّبَعُ أَضْعَافَ الْأَصْلِ، وَلَا يَلْزَمُنَا زِيَادَةُ الْمَرَّتَيْنِ فِي غَسْلِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ تَأْكِيدًا لِلْفَرْضِ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ، وَإِنْ كَثُرَتْ لَا تُمَاثِلُ الْفَرِيضَةَ، وَإِنْ قَلَّتْ فَضْلًا عَلَى أَنْ تَزِيدَ عَلَيْهَا، وَالِامْتِدَادُ فِي الزَّكَاةِ بِاسْتِيعَابِ الْحَوْلِ؛ لِأَنَّهُ كَثِيرٌ فِي نَفْسِهِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي رِوَايَةِ هِشَامٍ عَنْهُ يُقَامُ الْأَكْثَرُ مَقَامَ الْكُلِّ تَيْسِيرًا، وَتَخْفِيفًا فِي سُقُوطِ الْوَاجِبِ.
(قَوْلُهُ: وَذَلِكَ لَا يَكُونُ حَجْرًا) ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ هُوَ أَنْ يَتِمَّ الْفِعْلُ بِرُكْنِهِ، وَيَقَعَ فِي مَحَلِّهِ، وَيَصْدُرَ عَنْ أَهْلِهِ، ثُمَّ لَا يُعْتَبَرُ حُكْمُهُ نَظَرًا لِلصَّبِيِّ أَوْ الْوَلِيِّ، وَإِيمَانُ الْمَجْنُونِ اسْتِقْلَالًا إنَّمَا لَمْ يُعْتَبَرْ لِعَدَمِ رُكْنِهِ، وَهُوَ الِاعْتِقَادُ بِخِلَافِ إيمَانِهِ تَبَعًا لِأَحَدِ أَبَوَيْنِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الِاعْتِقَادَ لَيْسَ رُكْنًا لَهُ، وَلَا شَرْطًا، وَبِهَذَا يَظْهَرُ الْجَوَابُ عَمَّا يُقَالُ: إنَّ غَايَةَ أَمْرِ التَّبَعِ أَنْ يُجْعَلَ بِمَنْزِلَةِ الْأَصْلِ فَإِذَا لَمْ يَصِحَّ بِفِعْلِ نَفْسِهِ لِعَدَمِ صُلُوحِهِ لِذَلِكَ فَبِفِعْلِ غَيْرِهِ أَوْلَى.
(قَوْلُهُ: وَإِذَا أَسْلَمَتْ امْرَأَتُهُ) لَوْ ذُكِرَ بِالْفَاءِ عَلَى أَنَّهُ تَفْرِيعٌ عَلَى صِحَّةِ إيمَانِهِ تَبَعًا لَكَانَ أَنْسَبَ يَعْنِي: لَوْ أَسْلَمَتْ كِتَابِيَّةٌ تَحْتَ مَجْنُونٍ كِتَابِيٍّ، لَهُ وَلِيٌّ كِتَابِيٌّ يُعْرَضُ الْإِسْلَامُ عَلَى الْوَلِيِّ فَإِنْ أَسْلَمَ صَارَ الْمَجْنُونُ مُسْلِمًا تَبَعًا لَهُ، وَبَقِيَ النِّكَاحُ، وَإِلَّا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا، وَكَانَ الْقِيَاسُ التَّأْخِيرَ إلَى الْإِفَاقَةِ كَمَا فِي الصِّغَرِ إلَّا أَنَّ هَذَا اسْتِحْسَانٌ؛ لِأَنَّ لِلصِّغَرِ حَدًّا مَعْلُومًا بِخِلَافِ الْجُنُونِ فَفِي التَّأْخِيرِ ضَرَرٌ لِلزَّوْجَةِ مَعَ مَا فِيهِ