الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْكَلَامِ لِلتَّعْلِيلِ أَوْ يَكُونَ تَقْدِيرُهُ لِأَنَّ وَالْحَذْفُ غَيْرُ الْإِيمَاءِ
(وَنَحْوُ: «أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أَبِيكِ دَيْنٌ» الْحَدِيثَ أَوْ يُفَرَّقُ فِي الْحُكْمِ بَيْنَ شَيْئَيْنِ بِحَسَبِ وَصْفٍ مَعَ ذِكْرِهِمَا نَحْوُ: لِلْفَارِسِ سَهْمَانِ وَلِلرَّاجِلِ سَهْمٌ) فَإِنَّهُ فَرَّقَ فِي هَذَا الْحُكْمِ بَيْنَ الْفَارِسِ وَالرَّاجِلِ
(بِحَسَبِ وَصْفِ الْفُرُوسِيَّةِ وَضِدِّهَا) فَقَوْلُهُ مَعَ ذِكْرِهِمَا إمَّا أَنْ يُرْجِعَ الضَّمِيرَ إلَى الْحُكْمَيْنِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ ذَكَرَ الْفَرْقَ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ فِي الْحُكْمِ فَفُهِمَ الْحُكْمَانِ فَيَرْجِعُ الضَّمِيرُ إلَيْهِمَا أَوْ يَرْجِعُ الضَّمِيرُ إلَى الشَّيْئَيْنِ
(أَوْ ذَكَرَ أَحَدَهُمَا) أَيْ أَحَدَ الْحُكْمَيْنِ أَوْ أَحَدَ الشَّيْئَيْنِ
(نَحْوُ: «الْقَاتِلُ لَا يَرِثُ» ) فَإِنَّ تَخْصِيصَ الْقَاتِلِ بِالْمَنْعِ مِنْ الْإِرْثِ مَعَ سَابِقَةِ الْإِرْثِ يُشْعِرُ بِأَنَّ عِلَّةَ الْمَنْعِ الْقَتْلُ
(أَوْ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِطَرِيقِ الِاسْتِثْنَاءِ نَحْوُ: {إِلا أَنْ يَعْفُونَ} [البقرة: 237] قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلا أَنْ يَعْفُونَ} [البقرة: 237] وَالْعَفْوُ يَكُونُ عِلَّةً لِسُقُوطِ الْمَفْرُوضِ
(أَوْ بِطَرِيقِ الْغَايَةِ نَحْوُ: حَتَّى يَطْهُرْنَ أَوْ بِطَرِيقِ الشَّرْطِ نَحْوُ: «مِثْلًا بِمِثْلٍ فَإِنْ اخْتَلَفَ الْجِنْسَانِ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ» ) فَاخْتِلَافُ الْجِنْسِ يَكُونُ عِلَّةً لِجَوَازِ الْبَيْعِ
(وَاعْلَمْ أَنَّ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ إنْ سُلِّمَ الْعِلِّيَّةُ) إنَّمَا قَالَ إنْ سُلِّمَ الْعِلِّيَّةُ؛ لِأَنَّ الْعِلِّيَّةَ فِي بَعْضِ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ غَيْرُ مُسَلَّمَةٍ نَحْوُ: وَاقَعْتُ امْرَأَتِي لِأَنَّهُ وَإِنْ نَسَبَ الْحُكْمَ إلَى الْمُوَاقَعَةِ لَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ شَيْئًا يَشْمَلُ عِلِّيَّةَ
ــ
[التلويح]
وَإِنَّمَا وَقَعَتْ فِي هَذِهِ الْمَوَاقِعِ لِتَقْوِيَةِ الْجُمْلَةِ الَّتِي يَطْلُبُهَا الْمُخَاطَبُ وَيَتَرَدَّدُ فِيهَا وَيَسْأَلُ عَنْهَا، وَدَلَالَةُ الْجَوَابِ عَلَى الْعِلِّيَّةِ إيمَاءٌ لَا صَرِيحٌ وَبِالْجُمْلَةِ كَلِمَةُ إنَّ مَعَ الْفَاءِ أَوْ بِدُونِهَا قَدْ تُورَدُ فِي أَمْثِلَةِ الصَّرِيحِ، وَقَدْ تُورَدُ فِي أَمْثِلَةِ الْإِيمَاءِ وَيُعْتَذَرُ عَنْهُ بِأَنَّهُ صَرِيحٌ بِاعْتِبَارِ أَنَّ وَالْفَاءَ وَإِيمَاءٌ بِاعْتِبَارِ تَرَتُّبِ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ، وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي تَعْلِيلِهِ أَنَّ مِنْ احْتِمَالِ كَوْنِهَا عَلَى حَذْفِ اللَّامِ فَبَعِيدٌ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ فِي أَنَّ بِالْفَتْحِ.
(قَوْلُهُ وَاعْلَمْ أَنَّ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ) فِيهِ سُوءُ تَرْتِيبٌ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَدِّمَ الْمَنْعَ ثُمَّ يَتَكَلَّمَ عَلَى تَقْدِيرِ التَّسْلِيمِ ثُمَّ الْمُتَمَسِّكُونَ بِمَسْلَكِ الْإِيمَاءِ لَا يَدَّعُونَ أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْعِلِّيَّةِ قَطْعًا حَتَّى يَكُونَ احْتِمَالُ أَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ شَيْئًا آخَرَ فَادِحًا فِي كَلَامِهِمْ بَلْ يَدَّعُونَ فِيهِ الظَّنَّ وَظُهُورَ الْعِلِّيَّةِ دَفْعًا لِلِاسْتِبْعَادِ، وَالْغَايَةُ وَالِاسْتِثْنَاءُ وَغَيْرُهُمَا سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ، وَأَمَّا التَّعْلِيلُ بِالْعِلَّةِ الْقَاصِرَةِ الَّتِي لَا يُمْكِنُ بِهَا الْقِيَاسُ فَجَائِزٌ اتِّفَاقًا فِي الْمَنْصُوصَةِ أَيْ الَّتِي يَدُلُّ عَلَيْهَا النَّصُّ صَرِيحًا أَوْ إيمَاءً مِثْلُ {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: 78] {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38]«وَالْقَاتِلُ لَا يَرِثُ» «وَلِلْفَارِسِ سَهْمَانِ» فَمَقْصُودُهُمْ بَيَانُ وُجُوهِ دَلَالَةِ النَّصِّ عَلَى الْعِلِّيَّةِ سَوَاءٌ أَمْكَنَ بِهَا الْقِيَاسُ أَوْ لَمْ يُمْكِنْ
[الثَّالِثُ الْمُنَاسَبَةُ]
(قَوْلُهُ وَثَالِثُهَا الْمُنَاسَبَةُ) وَهِيَ كَوْنُ الْوَصْفِ بِحَيْثُ يَكُونُ تَرَتُّبُ الْحُكْمِ عَلَيْهِ مُتَضَمِّنًا لَجَلْبِ نَفْعٍ أَوْ دَفْعِ ضَرَرٍ مُعْتَبَرٍ فِي الشَّرْعِ كَمَا يُقَالُ الصَّوْمُ شُرِعَ لِكَسْرِ الْقُوَّةِ الْحَيَوَانِيَّةِ فَإِنَّهُ نَفْعٌ بِحَسَبِ الشَّرْعِ وَإِنْ كَانَ ضَرَرًا بِحَسَبِ الطِّبِّ.
وَقَدْ اضْطَرَبَ كَلَامُ الْقَوْمِ فِي بَحْثِ الْمُنَاسَبَةِ وَأَقْسَامِهَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا وَلِلْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي تَحْقِيقِ هَذَا الْمَقَامِ تَعْلِيقٌ أَوْرَدَ فِيهِ غَايَةَ مَا أَدَّى إلَيْهِ نَظَرُهُ فَنَحْنُ نُورِدُهُ وَنَزِيدُ عَلَيْهِ نُبَذًا مِنْ كَلَامِ الْقَوْمِ يُطْلِعُك عَلَى اخْتِلَافِ كَلِمَتِهِمْ فِي هَذَا الْمَقَامِ عَسَى أَنْ تَفُوزَ فِي أَثْنَائِهِ بِالْمُرَامِ، فَالْمَذْكُورُ فِي كَلَامِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَمَنْ تَبِعَهُ أَنَّ جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ الْوَصْفَ لَا يَصِيرُ عِلَّةً بِمُجَرَّدِ الِاطِّرَادِ بَلْ لَا بُدَّ لِذَلِكَ مِنْ مَعْنًى يُعْقَلُ بِأَنْ يَكُونَ صَالِحًا لِلْحُكْمِ ثُمَّ يَكُونَ مُعَدَّلًا بِمَنْزِلَةِ الشَّاهِدِ فَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ صَلَاحِهِ لِلشَّهَادَةِ بِالْعَقْلِ وَالْبُلُوغِ وَالْحُرِّيَّةِ وَالْإِسْلَامِ ثُمَّ اعْتِبَارِ عَدَالَتِهِ بِالِاجْتِنَابِ عَنْ مَحْظُورَاتِ الدِّينِ فَكَذَا لَا بُدَّ لِجَعْلِ الْوَصْفِ عِلَّةً مِنْ صَلَاحِهِ لِلْحُكْمِ بِوُجُوبِ الْمُلَاءَمَةِ وَمِنْ عَدَالَتِهِ بِوُجُودِ التَّأْثِيرِ فَالتَّعْلِيلُ لَا يُقْبَلُ مَا لَمْ يَقُمْ الدَّلِيلُ عَلَى كَوْنِ الْوَصْفِ مُلَائِمًا، وَبَعْدَ الْمُلَاءَمَةِ لَا يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ إلَّا بَعْدَ كَوْنِهِ مُؤَثِّرًا عِنْدَنَا وَمُخَيَّلًا عِنْدَ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَالْمُلَاءَمَةِ شَرْطٌ لِجَوَازِ الْعَمَلِ بِالْعِلَلِ وَالتَّأْثِيرِ، أَوْ الْإِخَالَةُ شَرْطٌ لِوُجُوبِ الْعَمَلِ دُونَ الْجَوَازِ حَتَّى لَوْ عَمِلَ بِهَا قَبْلَ ظُهُورِ التَّأْثِيرِ نَفَذَ وَلَمْ يَنْفَسِخْ، وَمَعْنَى الْمُلَاءَمَةِ الْمُوَافَقَةُ وَالْمُنَاسَبَةُ لِلْحُكْمِ بِأَنْ يَصِحَّ إضَافَةُ الْحُكْمِ إلَيْهِ، وَلَا يَكُونَ نَائِبًا عَنْهُ كَإِضَافَةِ ثُبُوتِ الْفُرْقَةِ فِي إسْلَامِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ إلَى إبَاءِ الْآخَرِ عَنْ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهُ يُنَاسِبُهُ لَا إلَى وَصْفِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهُ نَابَ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ عُرِفَ عَاصِمًا لِلْحُقُوقِ لَا قَاطِعًا لَهَا، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ: الْمُلَاءَمَةُ أَنْ يَكُونَ الْوَصْفُ عَلَى وَفْقِ مَا جَاءَ مِنْ السَّلَفِ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يُعَلِّلُونَ بِالْأَوْصَافِ الْمُلَائِمَةِ لِلْأَحْكَامِ لَا النَّائِيَةِ عَنْهَا فَظَهَرَ مِنْ هَذَا أَنَّ مَعْنَى الْمُلَاءَمَةِ هُوَ الْمُنَاسَبَةُ وَأَنَّهَا
الْمُوَاقَعَةِ كَهَتْكِ حُرْمَةِ الصَّوْمِ مَثَلًا
(لَكِنْ بَعْدَ تِلْكَ الْعِلَلِ لَا يُمْكِنُ بِهَا الْقِيَاسُ أَصْلًا نَحْوُ: السَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ لِأَنَّ السَّرِقَةَ إنْ كَانَتْ عِلَّةً فَكُلَّمَا وُجِدَتْ يَثْبُتُ الْحُكْمُ الْقَطْعِيُّ نَصَّا لَا قِيَاسًا، وَكَذَا فِي زَنَى مَاعِزٌ وَنَحْوُهُ فَاسْتَخْرَجَهُ وَأَيْضًا النَّصُّ يَدُلُّ عَلَى تَرَتُّبِ الْحُكْمِ عَلَى تِلْكَ الْقَضِيَّةِ فِي " وَاقَعْتُ امْرَأَتِي " وَنَحْوِهَا لَا عَلَى كَوْنِهَا مَنَاطًا فَإِنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هَتَكَ حُرْمَةَ الصَّوْمِ وَأَيْضًا الْغَايَةُ وَالِاسْتِثْنَاءُ لَا يَدُلَّانِ عَلَى الْعِلِّيَّةِ وَثَانِيهَا الْإِجْمَاعُ كَإِجْمَاعِهِمْ عَلَى أَنَّ الصِّغَرَ عِلَّةٌ لِثُبُوتِ الْوِلَايَةِ عَلَيْهِ فِي الْمَالِ) .
(وَثَالِثُهَا الْمُنَاسَبَةُ وَشَرْطُهَا الْمُلَاءَمَةُ وَهِيَ أَنْ تَكُونَ عَلَى وَفْقِ الْعِلَلِ الشَّرْعِيَّةِ وَأَظُنُّ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ أَنَّ الشَّرْعَ اعْتَبَرَ جِنْسَ هَذَا الْوَصْفِ فِي جِنْسِ هَذَا الْحُكْمِ وَيَكْفِي الْجِنْسُ الْبَعِيدُ هُنَا بَعْدَ أَنْ يَكُونَ أَخَصَّ مِنْ كَوْنِهِ مُتَضَمِّنًا لِمَصْلَحَةٍ فَإِنَّ هَذَا مُرْسَلٌ لَا يُقْبَلُ اتِّفَاقًا) وَكَلِمَةُ هَذَا إشَارَةٌ إلَى كَوْنِهِ مُتَضَمِّنًا لِمَصْلَحَةٍ
(لَكِنْ كُلَّمَا كَانَ الْجِنْسُ أَقْرَبَ كَانَ الْقِيَاسُ أَقْوَى) الِاسْتِدْرَاكُ يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ وَيَكْفِي الْجِنْسُ الْبَعِيدُ هُنَا
(وَالْمُلَائِمُ كَالصِّغَرِ فَإِنَّهُ عِلَّةٌ لِثُبُوتِ الْوِلَايَةِ عَلَيْهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْعَجْزِ وَهَذَا يُوَافِقُ تَعْلِيلَ الرَّسُولِ عليه الصلاة والسلام لِطَهَارَةِ سُؤْرِ الْهِرَّةِ بِالطَّوَافِ لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرُورَةِ) فَإِنَّ الْعِلَّةَ فِي أَحَدِ الصُّورَتَيْنِ الْعَجْزُ وَفِي الْأُخْرَى الطَّوَافُ فَالْعِلَّتَانِ وَإِنْ اخْتَلَفَتَا لَكِنَّهُمَا مُنْدَرِجَتَانِ تَحْتَ جِنْسٍ وَاحِدٍ وَهُوَ الضَّرُورَةُ وَالْحُكْمُ فِي إحْدَى الصُّورَتَيْنِ الْوِلَايَةُ وَفِي الْأُخْرَى الطَّهَارَةُ وَهُمَا مُخْتَلِفَانِ لَكِنَّهُمَا مُنْدَرِجَانِ تَحْتَ جِنْسٍ وَاحِدٍ وَهُوَ الْحُكْمُ الَّذِي يَنْدَفِعُ بِهِ الضَّرُورَةُ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الشَّرْعَ اعْتَبَرَ الضَّرُورَةَ فِي إثْبَاتِ حُكْمٍ يَنْدَفِعُ بِهِ الضَّرُورَةُ أَيْ اعْتَبَرَ الضَّرُورَةَ فِي حَقِّ الرُّخَصِ
(وَكَمَا يُقَالُ قَلِيلُ النَّبِيذِ يَحْرُمُ كَقَلِيلِ الْخَمْرِ وَالْعِلَّةُ أَنَّ قَلِيلَهُ يَدْعُو إلَى كَثِيرِهِ
ــ
[التلويح]
تُقَابِلُ الطَّرْدَ أَعْنِي وُجُودَ الْحُكْمِ عِنْدَ وُجُودِ الْوَصْفِ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ مُلَاءَمَةٍ أَوْ تَأْثِيرٍ أَوْ وُجُودِهِ عِنْدَ وُجُودِهِ وَعَدَمِهِ عِنْدَ عَدَمِهِ عَلَى اخْتِلَافِ الرَّأْيَيْنِ.
وَالْمَذْكُورُ فِي أَصْلِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الْمُنَاسَبَةَ هُوَ كَوْنُ الْوَصْفِ بِحَيْثُ يَجْلِبُ لِلْإِنْسَانِ نَفْعًا أَوْ يَدْفَعُ عَنْهُ ضَرَرًا وَهُوَ كَوْنُ الْوَصْفِ عَلَى مِنْهَاجِ الْمَصَالِحِ بِحَيْثُ لَوْ أُضِيفَ الْحُكْمُ إلَيْهِ انْتَظَمَ كَالْإِسْكَارِ لِحُرْمَةِ الْخَمْرِ بِخِلَافِ كَوْنِهَا مَائِعًا يَقْذِفُ بِالزَّبَدِ وَيُحْفَظُ فِي الدَّنِّ، وَأَنَّ مِنْ الْمُنَاسِبِ مُلَائِمًا وَغَيْرَ مُلَائِمٍ، فَخَلَطَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - كَلَامَ الْفَرِيقَيْنِ وَذَهَبَ إلَى أَنَّ الْمُنَاسِبَ مَا يَكُونُ مُتَضَمِّنًا لِمَصْلَحَةٍ اعْتَبَرَهَا الشَّرْعُ كَحِفْظِ النَّفْسِ وَالْمَالِ وَالدِّينِ وَالنَّسَبِ وَالْعَقْلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا سَبَقَ ذِكْرُهُ، وَالْمُلَاءَمَةُ شَرْطٌ زَائِدٌ عَلَى ذَلِكَ فَلَا بُدَّ أَنْ يُفَسَّرَ بِمَا يُغَايِرُهَا وَيَكُونَ أَخَصَّ مِنْهَا، وَقَدْ فَسَّرَهَا الْقَوْمُ بِكَوْنِ الْوَصْفِ عَلَى وَفْقِ الْعِلَلِ الشَّرْعِيَّةِ، وَظَنَّ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ اعْتِبَارُ الشَّارِعِ جِنْسَ هَذَا الْوَصْفِ فِي جِنْسِ هَذَا الْحُكْمِ، فَالْمُرَادُ الْجِنْسُ الَّذِي هُوَ أَخُصُّ مِنْ كَوْنِهِ مُتَضَمِّنًا لِمَصْلَحَةٍ اعْتَبَرَهَا الشَّرْعُ كَمَصْلَحَةِ حِفْظِ النَّفْسِ مَثَلَا فَالْمُرَادُ أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ أَخَصَّ مِنْ مَصْلَحَةِ حِفْظِ النَّفْسِ وَكَذَا مِنْ مَصْلَحَةِ حِفْظِ الدِّينِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَلَا يَكْفِي كَوْنُهُ أَخَصَّ مِنْ الْمُتَضَمِّنِ لِمَصْلَحَةٍ مَا؛ لِأَنَّ الْمُتَضَمِّنَ لِمَصْلَحَةِ حِفْظِ النَّفْسِ أَخَصُّ مِنْ الْمُتَضَمِّنِ لِمَصْلَحَةٍ مَا وَلَيْسَ بِمُلَائِمٍ، حَتَّى لَوْ قِيلَ شُرِعَ هَذَا الْحُكْمُ لِمَصْلَحَةِ حِفْظِ النَّفْسِ لَمْ يَصِحَّ؛؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيلٌ بِالْمُنَاسِبِ دُونَ الْمُلَائِمِ وَمُجَرَّدُ حِفْظِ النَّفْسِ قَدْ لَا يَكُونُ مَصْلَحَةً كَمَا فِي الْجِهَادِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ خُصُوصِيَّةٍ اعْتَبَرَهَا الشَّارِعُ ثُمَّ الْجِنْسُ الَّذِي اعْتَبَرَهُ الشَّارِعُ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ قَدْ يَكُونُ قَرِيبًا لَا وَاسِطَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَوْعِ الْوَصْفِ، وَقَدْ يَكُونُ بَيْنَهُمَا وَاسِطَةٌ أَوْ أَكْثَرُ وَهَذَا مُتَصَاعِدٌ إلَى أَنْ يَبْلُغَ الْجِنْسَ الَّذِي هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْكُلِّ وَأَخَصُّ مِنْ الْمُتَضَمِّنِ لِحِفْظِ مَصْلَحَةِ النَّفْسِ مَثَلًا، وَكُلَّمَا كَانَ الْجِنْسُ أَقْرَبَ إلَى الْوَصْفِ أَيْ أَقَلَّ وَاسِطَةً وَأَشَدَّ خُصُوصِيَّةً كَانَ الْقِيَاسُ أَقْوَى وَبِالْقَبُولِ أَحْرَى لِكَوْنِهِ بِالتَّأْثِيرِ أَنْسَبَ وَإِلَى اعْتِبَار الشَّرْعِ أَقْرَبَ، قَالَ الْآمِدِيُّ فِي الْأَحْكَامِ: إنَّ لِكُلٍّ مِنْ الْوَصْفِ وَالْحُكْمِ أَجْنَاسًا عَالِيَةً وَقَرِيبَةً وَمُتَوَسِّطَةً فَالْجِنْسُ الْعَالِي لِلْحُكْمِ الْخَاصِّ
وَالشَّرْعُ اعْتَبَرَ جِنْسَ هَذَا فِي الْخَلْوَةِ مَعَ الْجِمَاعِ وَكَذَا حَمْلُ حَدِّ الشُّرْبِ عَلَى حَدِّ الْقَذْفِ) فَإِنَّ الشَّرْعَ اعْتَبَرَ إقَامَةَ السَّبَبِ الدَّاعِي مَقَامَ الْمَدْعُوّ إلَيْهِ فِي الْخَلْوَةِ مَعَ الْجِمَاعِ فَإِنَّ فِيهِ إقَامَةَ الدَّاعِي مَقَامَ الْمَدْعُوّ إلَيْهِ وَقَدْ قَالَ عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ فِي حَدِّ الشُّرْبِ إذَا شَرِبَ سَكِرَ وَإِذَا سَكِرَ هَذَى وَإِذَا هَذَى افْتَرَى وَحْدُ الْمُفْتَرِينَ ثَمَانُونَ
(وَإِذَا وُجِدَتْ الْمُلَاءَمَةُ يَصِحُّ الْعَمَلُ وَلَا يَجِبُ عِنْدَنَا بَلْ يَجِبُ إذَا كَانَتْ مُؤَثِّرَةً فَالْمُلَاءَمَةُ كَأَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ وَالتَّأْثِيرُ كَالْعَدَالَةِ وَعِنْدَ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ يَجِبُ الْعَمَلُ بِالْمُلَائِمِ بِشَرْطِ شَهَادَةِ الْأَصْلِ) وَهِيَ أَنْ يَكُونَ لِلْحُكْمِ أَصْلٌ مُعَيَّنٌ مِنْ نَوْعِهِ يُوجَدُ فِيهِ جِنْسُ الْوَصْفِ أَوْ نَوْعُهُ
(وَعِنْدَ الْبَعْضِ بِمُجَرَّدِ كَوْنِهِ مُخَيَّلًا) أَيْ يَقَعُ فِي الْخَاطِرِ أَنَّ هَذَا الْوَصْفَ
ــ
[التلويح]
هُوَ الْحُكْمُ وَأَخَصُّ مِنْهُ الْوُجُوبُ مَثَلًا ثُمَّ الْعِبَادَةُ ثُمَّ الصَّلَاةُ ثُمَّ الْمَكْتُوبَةُ، وَالْجِنْسُ الْعَالِي لِلْوَصْفِ الْخَاصِّ كَوْنُهُ وَصْفًا تُنَاطُ الْأَحْكَامُ بِهِ وَأَخَصُّ مِنْهُ الْمُنَاسِبُ ثُمَّ الْمَصْلَحَةُ الضَّرُورِيَّةُ ثُمَّ حِفْظُ النَّفْسِ وَهَكَذَا، وَلَا شَكَّ أَنَّ الظَّنَّ الْحَاصِلَ بِاعْتِبَارِ خُصُوصِ الْوَصْفِ فِي خُصُوصِ الْحُكْمِ لِكَثْرَةِ مَا بِهِ الِاشْتِرَاكُ أَقْوَى مِنْ الظَّنِّ الْحَاصِلِ مِنْ اعْتِبَارِ الْعُمُومِ فِي الْعُمُومِ، فَمَا كَانَ الِاشْتِرَاكُ فِيهِ بِالْجِنْسِ السَّافِلِ فَهُوَ أَغْلَبُ عَلَى الظَّنِّ، وَمَا كَانَ بِالْعَالِي فَهُوَ أَبْعَدُ وَمَا كَانَ الْمُتَوَسِّطُ بِالْمُتَوَسِّطِ فَمُتَوَسِّطٌ عَلَى التَّرْتِيبِ فِي الصُّعُودِ وَالنُّزُولِ. ثُمَّ قَالَ: إنَّ مِنْ الْقِيَاسِ مُؤَثِّرًا تَكُونُ عِلَّتُهُ مَنْصُوصَةً أَوْ مُجْمَعًا عَلَيْهَا أَوْ أَثَّرَ عَيْنُ الْوَصْفِ فِي عَيْنِ الْحُكْمِ أَوْ فِي جِنْسِهِ أَوْ جِنْسُهُ فِي عَيْنِ الْحُكْمِ، وَمِنْهُ مُلَائِمًا أَثَّرَ جِنْسُ الْوَصْفِ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ كَمَا سَبَقَ تَحْقِيقُهُ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْ الْمُرَادِ بِالْمُلَائِمِ كَأَنَّهُ يُنَاسِبُ هَذَا الِاصْطِلَاحَ لَوْلَا إطْلَاقُ الْجِنْسِ هَاهُنَا، ثُمَّ قَالَ: وَمِنْ النَّاسِ مَنْ جَعَلَ مَا أَثَّرَ عَيْنُهُ فِي عَيْنِ الْحُكْمِ مُؤَثِّرًا وَمَا سِوَاهُ مِنْ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ مُلَائِمًا وَقَالَ أَيْضًا: الْمُلَائِمُ مَا أَثَّرَ عَيْنُ الْوَصْفِ فِي عَيْنِ الْحُكْمِ كَمَا أَثَّرَ جِنْسُ الْوَصْفِ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ وَالْمَذْكُورُ مِنْ كَلَامِ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ شَارِحِي أُصُولِ ابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّ الْمُلَائِمَ هُوَ الْمُنَاسِبُ الَّذِي لَمْ يَثْبُتُ اعْتِبَارُهُ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ بَلْ يَتَرَتَّبُ الْحُكْمُ عَلَى وَفْقِهِ فَقَطْ وَمَعَ ذَلِكَ ثَبَتَ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ اعْتِبَارَ عَيْنِهِ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ أَوْ جِنْسِهِ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ، وَأَيْضًا الْمُلَائِمُ هُوَ الْمُرْسَلُ الَّذِي لَمْ يُعْلَمُ إلْغَاؤُهُ بَلْ عُلِمَ اعْتِبَارُ عَيْنِهِ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ أَوْ جِنْسِهِ فِي عَيْنِ الْحُكْمِ أَوْ جِنْسِهِ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ، وَالْمُرَادُ بِالْمُرْسَلِ مَا لَمْ يُعْتَبَرْ لَا بِنَصٍّ، وَلَا بِإِجْمَاعٍ، وَلَا بِتَرَتُّبِ الْحُكْمُ عَلَى وَفْقِهِ.
فَإِنْ قُلْت كَيْفَ يُتَصَوَّرُ اعْتِبَارُ الْعَيْنِ فِي الْجِنْسِ أَوْ الْجِنْسِ فِي الْعَيْنِ أَوْ الْجِنْسِ فِي الْجِنْسِ فِيمَا لَمْ يُعْتَبَرْ شَرْعًا أَصْلًا؟ وَهَلْ هَذَا إلَّا تَهَافُتٌ؟ قُلْتُ: مَعْنَى الِاعْتِبَارِ شَرْعًا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ هُوَ اعْتِبَارُ عَيْنِ الْوَصْفِ فِي عَيْن الْحُكْمِ وَعَلَى هَذَا لَا إشْكَالَ، وَبِالْجُمْلَةِ لَا يُوجَدُ فِي كَلَامِ الْفَرِيقَيْنِ مَا يُوَافِقُ التَّفْسِيرَ الَّذِي ظَنَّهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.
(قَوْلَهُ وَالْمُلَائِمُ كَالصِّغَرِ) فِي ثُبُوتِ وِلَايَةِ النِّكَاحِ فَإِنَّ الشَّارِعَ اعْتَبَرَ جِنْسَ ذَلِكَ الْوَصْفِ وَهُوَ الضَّرُورَةُ فِي جِنْسِ وِلَايَةِ النِّكَاحِ وَهُوَ الْحُكْمُ الَّذِي يَنْدَفِعُ بِهِ
عِلَّةٌ لِذَلِكَ الْحُكْمِ
(وَهَذَا يُسَمَّى بِالْمَصَالِحِ الْمُرْسَلَةِ) أَيْ الْأَوْصَافِ الَّتِي تُعْرَفُ عِلِّيَّتُهَا بِمُجَرَّدِ كَوْنِهِ مُخَيَّلًا تُسَمَّى بِالْمَصَالِحِ الْمُرْسَلَةِ
(وَتُقْبَلُ عِنْدَ الْغَزَالِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) أَيْ الْمَصَالِحَ الْمُرْسَلَةَ فَاعْلَمْ أَنَّ الْوَصْفَ الْمُرْسَلَ نَوْعَانِ نَوْعٌ لَا يُقْبَلُ اتِّفَاقًا وَهُوَ الَّذِي اعْتَبَرَ الشَّرْعُ جِنْسَهُ الْأَبْعَدَ وَهُوَ كَوْنُهُ مُتَضَمِّنًا لِمَصْلَحَةٍ فِي إثْبَاتِ الْحُكْمِ وَنَوْعٌ يُقْبَلُ عِنْدَ الْغَزَالِيِّ وَهُوَ أَنَّ الشَّرْعَ اعْتَبَرَ جِنْسَهُ الْبَعِيدَ الَّذِي هُوَ أَقْرَبُ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ الْأَبْعَدِ
(إذَا كَانَتْ الْمَصْلَحَةُ ضَرُورِيَّةً قَطْعِيَّةً كُلِّيَّةً كَتَتَرُّسِ الْكُفَّارِ بِأُسَارَى الْمُسْلِمِينَ) فَإِنَّهُ لَمْ يُوجَدْ اعْتِبَارُ الشَّارِعِ الْجِنْسَ الْقَرِيبَ لِهَذَا
ــ
[التلويح]
الضَّرُورَةُ وَاعْتَرَضَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِأَنَّهُ يَجِبُ فِي الْمُلَائِمِ أَنْ يَكُونَ جِنْسُ الْوَصْفِ أَخَصَّ مِنْ مُطْلَقِ الضَّرُورَةِ بَلْ مِنْ ضَرُورَةِ حِفْظِ النَّفْسِ وَنَحْوِهِ أَيْضًا فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ الْحَاجَةُ مَاسَّةٌ إلَى تَطْهِيرِ الْأَعْضَاءِ عَنْ النَّجَاسَةِ بِالْمَاءِ وَإِلَى تَطْهِيرِ الْعِرْضِ عَنْ النِّسْبَةِ إلَى الْفَاحِشَةِ بِالنِّكَاحِ، وَنَجَاسَةُ سُؤْرِ الطَّوَّافِينَ مَانِعٌ يَتَعَذَّرُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ مِنْ تَطْهِيرِ الْعُضْوِ كَالصِّغَرِ عَنْ تَطْهِيرِ الْعِرْضِ، فَالْوَصْفُ الشَّامِلُ لِلصُّورَتَيْنِ دَفْعُ الْحَرَجِ الْمَانِعِ عَنْ التَّطْهِيرِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ، وَالْحُكْمُ الَّذِي هُوَ جِنْسٌ الطَّهَارَةِ وَالْوِلَايَةِ هُوَ الْحُكْمُ الَّذِي يَنْدَفِعُ بِهِ الْحَرَجُ الْمَذْكُورُ.
(قَوْلُهُ: وَعِنْدَ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ) يَعْنِي أَنَّ الْقَائِلِينَ بِوُجُوبِ الْعَمَلِ بِالْمُلَائِمِ فِرْقَتَانِ فِرْقَةٌ تُوجِبُ الْعَمَلَ بِالْمُلَائِمِ بِشَرْطِ شَهَادَةِ الْأُصُولِ بِمَعْنَى أَنْ يُقَابَلَ بِقَوَانِينِ الشَّرْعِ فَيُطَابِقَهَا سَالِمًا عَنْ الْمُنَاقَضَةِ أَعْنِي إبْطَالَ نَفْسِهِ بِأَثَرٍ أَوْ نَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ أَوْ إيرَادِ تَخَلُّفِ الْحُكْمِ عَنْ الْوَصْفِ فِي صُورَةٍ أُخْرَى وَعَنْ الْمُعَارَضَةِ أَعْنِي إيرَادَ وَصْفٍ يُوجِبُ خِلَافَ مَا أَوْجَبَهُ ذَلِكَ الْوَصْفُ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِنَفْسِ الْوَصْفِ كَمَا يُقَالُ لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي نَفْسِ ذُكُورِ الْخَيْلِ فَلَا تَجِبُ فِي إنَاثِهَا بِشَهَادَةِ الْأُصُولِ عَلَى التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ، وَأَدْنَى مَا يَكْفِي فِي ذَلِكَ أَصْلَانِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُنَاسِبَ بِمَنْزِلَةِ الشَّاهِدِ، وَالْعَرْضُ عَلَى الْأُصُولِ تَزْكِيَةٌ بِمَنْزِلَةِ الْعَرْضِ عَلَى الْمُزَكِّينَ وَأَمَّا الْعَرْضُ عَلَى جَمِيعِ الْأُصُولِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْبَعْضُ فَلَا يَخْفَى أَنَّهُ مُتَعَذِّرٌ أَوْ مُتَعَسِّرٌ وَالْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَسَّرَ شَهَادَةَ الْأَصْلِ بِأَنْ يَكُونَ لِلْحُكْمِ أَصْلٌ مُعَيَّنٌ مِنْ نَوْعِهِ يُوجَدُ فِيهِ جِنْسُ الْوَصْفِ أَوْ نَوْعُهُ، وَفِرْقَةٌ تُوجِبُ الْعَمَلَ بِالْمُلَائِمِ بِمُجَرَّدِ كَوْنِهِ مُخَيَّلًا أَيْ مَوْقِعًا فِي الْقَلْبِ خَيَالَ الْعِلِّيَّةِ وَالصِّحَّةِ وَالْأَوْصَافِ الَّتِي تُعْرَفُ عِلِّيَّتُهَا بِمُجَرَّدِ الْإِخَالَةِ تُسَمَّى بِالْمَصَالِحِ الْمُرْسَلَةِ.
وَالْمَذْكُورُ فِي أُصُولِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الْمُنَاسِبَ هُوَ الْمُخَيَّلُ وَمَعْنَاهُ تَعْيِينُ الْعِلَّةِ فِي الْأَصْلِ بِمُجَرَّدِ إبْدَاءِ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْحُكْمِ مِنْ ذَاتِ الْأَصْلِ لَا بِنَصٍّ، وَلَا بِغَيْرِهِ ثُمَّ قَالُوا وَالْمُنَاسِبُ يَنْقَسِمُ إلَى مُؤَثِّرٍ وَمُلَائِمٍ وَغَرِيبٍ وَمُرْسَلٍ؛ لِأَنَّهُ إمَّا مُعْتَبَرٌ شَرْعًا أَوْ لَا أَمَّا الْمُعْتَبَرُ فَإِمَّا أَنْ يَثْبُتَ اعْتِبَارُهُ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ وَهُوَ الْمُؤَثِّرُ أَوْ لَا بَلْ يَتَرَتَّبُ الْحُكْمُ عَلَى وَفْقِهِ فَقَطْ فَذَلِكَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَثْبُتَ
الْوَصْفِ فِي الْجِنْسِ الْقَرِيبِ لِهَذَا الْحُكْمِ إذْ لَمْ يُعْهَدْ فِي الشَّرْعِ إبَاحَةُ قَتْلِ الْمُسْلِمِ بِغَيْرِ حَقٍّ لَكِنْ وُجِدَ اعْتِبَارُ الضَّرُورَةِ فِي الرُّخَصِ فِي اسْتِبَاحَةِ الْمُحَرَّمَاتِ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَيَّدَ الْمَصْلَحَةَ بِكَوْنِهَا ضَرُورِيَّةً قَطْعِيَّةً كُلِّيَّةً كَمَا لَوْ تَتَرَّسَ الْكُفَّارُ بِجَمْعٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَنَعْلَمُ أَنَّا لَوْ تَرَكْنَاهُمْ اسْتَوْلَوْا عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَقَتَلُوهُمْ وَلَوْ رَمَيْنَا التُّرْسَ يَخْلُصُ أَكْثَرُ الْمُسْلِمِينَ فَتَكُونُ الْمَصْلَحَةُ ضَرُورِيَّةً؛ لِأَنَّ صِيَانَةَ الدِّينِ وَصِيَانَةَ نُفُوسِ عَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ دَاعِيَةٌ إلَى جَوَازِ الرَّمْيِ إلَى التُّرْسِ وَتَكُونُ قَطْعِيَّةً؛ لِأَنَّ حُصُولَ الْمَصْلَحَةِ وَهِيَ صِيَانَةُ الدِّينِ وَنُفُوسِ عَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ بِرَمْيِ التُّرْسِ تَكُونُ قَطْعِيَّةً لَا ظَنِّيَّةً كَحُصُولِ الْمَصْلَحَةِ فِي رُخَصِ السَّفَرِ فَإِنَّ السَّفَرَ مَظِنَّةُ الْمَشَقَّةِ وَتَكُونُ كُلِّيَّةً؛ لِأَنَّ اسْتِخْلَاصَ عَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ مَصْلَحَةٌ كُلِّيَّةٌ فَخَرَجَ بِقَيْدِ الضَّرُورَةِ مَا لَوْ تَتَرَّسَ الْكَافِرُونَ فِي قَلْعَةٍ بِمُسْلِمٍ لَا يَحِلُّ رَمْيُ التُّرْسِ وَبِالْقَطْعِيَّةِ مَا لَمْ نَعْلَمْ تَسَلُّطَهُمْ إنْ تَرَكْنَا رَمْيَ التُّرْسِ وَبِالْكُلِّيَّةِ مَا إذَا لَمْ تَكُنْ الْمَصْلَحَةُ كُلِّيَّةً كَمَا
ــ
[التلويح]
بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ اعْتِبَارُ عَيْنِهِ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ أَوْ اعْتِبَارُ جِنْسِهِ فِي عَيْنِ الْحُكْمِ وَاعْتِبَارُ جِنْسِهِ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ أَوْ لَا، فَإِنْ ثَبَتَ فَهُوَ الْمُلَائِمُ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ فَهُوَ الْغَرِيبُ وَأَمَّا غَيْرُ الْمُعْتَبَرِ لَا بِنَصٍّ، وَلَا بِإِجْمَاعٍ، وَلَا بِتَرَتُّبِ الْحُكْمُ عَلَى وَفْقِهِ فَهُوَ الْمُرْسَلُ، وَيَنْقَسِمُ إلَى مَا عُلِمَ إلْغَاؤُهُ وَإِلَى مَا لَمْ يُعْلَمْ إلْغَاؤُهُ، وَالثَّانِي يَنْقَسِمُ إلَى مُلَائِمٍ قَدْ عُلِمَ اعْتِبَارُ عَيْنِهِ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ أَوْ جِنْسِهِ فِي عَيْنِ الْحُكْمِ أَوْ فِي جِنْسِهِ وَإِلَى مَا لَمْ يُعْلَمْ مِنْهُ ذَلِكَ وَهُوَ الْغَرِيبُ فَإِنْ كَانَ غَرِيبًا أَوْ عُلِمَ إلْغَاؤُهُ فَمَرْدُودٌ اتِّفَاقًا وَإِنْ كَانَ مُلَائِمًا فَقَدْ صَرَّحَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ بِقَبُولِهِ وَشَرَطَ الْغَزَالِيُّ فِي قَبُولِهِ شُرُوطًا ثَلَاثَةً أَنْ تَكُونَ ضَرُورِيَّةً لَا حَاجِيَّةً وَقَطْعِيَّةً لَا ظَنِّيَّةً وَكُلِّيَّةً لَا جُزْئِيَّةً أَيْ مُخْتَصَّةً بِشَخْصٍ، فَفَتْحُ الْقَلْعَةِ لَيْسَ فِي مَحَلِّ الضَّرُورَةِ، وَخَوْفُ الِاسْتِيلَاءِ مِنْ غَيْرِ قَطْعٍ لَا يُجَوِّزُ الرَّمْيَ لِكَوْنِهِ ظَنِّيًّا، وَإِلْقَاءُ بَعْضِ أَهْلِ السَّفِينَةِ لِنَجَاةِ الْبَعْضِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْمَصْلَحَةَ جُزْئِيَّةٌ فَالْمُلَائِمُ كَعَيْنِ الصِّغَرِ الْمُعْتَبَرِ فِي جِنْسِ الْوِلَايَةِ إجْمَاعًا وَكَجِنْسِ الْحَرَجِ الْمُعْتَبَرِ فِي عَيْنِ رُخْصَةِ الْجَمْعِ وَكَجِنْسِ الْجِنَايَةِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانُ الْمُعْتَبَرُ فِي جِنْسِ الْقِصَاصِ وَالْغَرِيبُ كَمَا يُعَارَضُ بِنَقِيضِ مَقْصُودِ الْفَارِّ فَيُحْكَمُ بِإِرْثِ زَوْجَتِهِ قِيَاسًا عَلَى الْقَاتِلِ حَيْثُ عُورِضَ بِنَقِيضِ مَقْصُودِهِ وَهُوَ الْإِرْثِ فَحُكِمَ بِعَدَمِ إرْثِهِ، فَهَذَا لَهُ وَجْهُ مُنَاسَبَةٍ.
وَفِي تَرْتِيبِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ تَحْصِيلُ مَصْلَحَةٍ هِيَ نَهْيُهُ عَنْ الْفِعْلِ الْحَرَامِ لَكِنْ لَمْ يُشْهَدْ لَهُ أَصْلٌ بِالِاعْتِبَارِ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ وَمَا عُلِمَ إلْغَاؤُهُ كَتَعْيِينِ إيجَابِ الصَّوْمِ فِي الْكَفَّارَةِ عَلَى مَنْ يَسْهُلُ عَلَيْهِ الْإِعْتَاقُ كَالْمَلِكِ فَإِنَّهُ مُنَاسِبٌ لِتَحْصِيلِ مَصْلَحَةِ الزَّجْرِ لَكِنْ عُلِمَ عَدَمُ اعْتِبَارِ الشَّارِعِ لَهُ. قَالَ الْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْ الْمَصَالِحِ مَا شَهِدَ الشَّرْعُ بِاعْتِبَارِهِ وَهِيَ أَصْلٌ فِي الْقِيَاسِ وَحُجَّةٌ، وَمِنْهَا مَا شُهِدَ بِبُطْلَانِهِ كَتَعْيِينِ الصَّوْمِ فِي كَفَّارَةِ الْمَلِكِ وَهُوَ بَاطِلٌ، وَمِنْهَا مَا لَمْ يُشْهَدْ لَهُ لَا بِالِاعْتِبَارِ، وَلَا بِالْإِبْطَالِ وَهَذَا فِي مَحَلِّ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[التلويح]
النَّظَرِ، وَالْمُرَادُ بِالْمَصْلَحَةِ الْمُحَافَظَةُ عَلَى مَقْصُودِ الشَّرْعِ مِنْ الْمُحَافَظَةِ عَلَى الْخَمْسَةِ الضَّرُورِيَّةِ فَكُلُّ مَا يَتَضَمَّنُ حِفْظَ هَذِهِ الْخَمْسَةِ الضَّرُورِيَّةِ، وَكُلُّ مَا يُقَوِّيهَا فَهِيَ مَصْلَحَةٌ وَدَفْعُهَا مَفْسَدَةٌ وَإِذَا أَطْلَقْنَا الْمَعْنَى الْمُخَيَّلَ أَوْ الْمُنَاسِبَ فِي بَابِ الْقِيَاسِ أَرَدْنَا بِهِ هَذَا الْجِنْسَ وَالْمَصَالِحُ الْحَاجِيَّةُ أَوْ التَّحْسِينِيَّةُ لَا يَجُوزُ الْحُكْمُ بِمُجَرَّدِهَا مَا لَمْ تُعَضَّدْ بِشَهَادَةِ الْأُصُولِ؛ لِأَنَّهُ يَجْرِي مَجْرَى وَضْعِ الشَّرْعِ بِالرَّأْيِ وَإِذَا اعْتَضَدَ بِأَصْلٍ فَهُوَ قِيَاسٌ، وَأَمَّا الْمَصْلَحَةُ الضَّرُورِيَّةُ فَلَا بُعْدَ فِي أَنْ يُؤَدِّيَ إلَيْهَا رَأْيُ مُجْتَهِدٍ وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ لَهُ أَصْلٌ مُعَيَّنٌ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ التَّتَرُّسِ فَإِنَّا نَعْلَمُ قَطْعًا بِأَدِلَّةٍ خَارِجَةٍ عَنْ الْحَصْرِ أَنَّ تَقْلِيلَ الْقَتْلِ مَقْصُودٌ لِلشَّارِعِ كَمَنْعِهِ بِالْكُلِّيَّةِ لَكِنَّ قَتْلَ مَنْ لَمْ يُذْنِبْ غَرِيبٌ لَمْ يَشْهَدْ لَهُ أَصْلٌ مُعَيَّنٌ، وَنَحْنُ إنَّمَا نُجَوِّزُهُ عِنْدَ الْقَطْعِ أَوْ ظَنٍّ قَرِيبٍ مِنْ الْقَطْعِ وَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ نُخَصِّصُ هَذَا الْحُكْمَ مِنْ الْعُمُومَاتِ الْوَارِدَةِ فِي الْمَنْعِ عَنْ الْقَتْلِ بِغَيْرِ حَقٍّ لِمَا نَعْلَمُ قَطْعًا أَنَّ الشَّرْعَ يُؤْثِرُ الْحُكْمَ الْكُلِّيَّ عَلَى الْجُزْئِيِّ، وَأَنَّ حِفْظَ أَهْلِ الْإِسْلَامِ أَهَمُّ مِنْ حِفْظِ دَمِ مُسْلِمٍ وَاحِدٍ وَهَذَا وَإِنْ سَمَّيْنَاهُ مَصْلَحَةً مُرْسَلَةً لَكِنَّهَا رَاجِعَةٌ إلَى الْأُصُولِ الْأَرْبَعَةِ؛ لِأَنَّ مَرْجِعَ الْمَصْلَحَةِ إلَى حِفْظِ مَقَاصِدِ الشَّرْعِ الْمَعْلُومَةِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ، وَلِأَنَّ كَوْنَ هَذِهِ الْمَعَانِي عُرِفَتْ لَا بِدَلِيلٍ وَاحِدٍ بَلْ بِأَدِلَّةٍ كَثِيرَةٍ لَا حَصْرَ لَهَا مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَقَرَائِنِ الْأَحْوَالِ وَتَفَارِيقِ الْأَمَارَاتِ سَمَّيْنَاهُ مَصْلَحَةً مُرْسَلَةً لَا قِيَاسًا؛ إذْ الْقِيَاسُ أَصْلٌ مُعَيَّنٌ وَقَالَ بَعْدَ مَا قَسَّمَ الْمُنَاسِبَ إلَى مُؤَثِّرٍ وَمُلَائِمٍ وَغَرِيبٍ إنَّ الْمَعْنَى الْمُنَاسِبَ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ:
مُلَائِمٌ يَشْهَدُ لَهُ أَصْلٌ مُعَيَّنٌ فَيُقْبَلُ قَطْعًا، وَمُنَاسِبٌ لَا يُلَائِمُ وَلَا يَشْهَدُ لَهُ أَصْلٌ مُعَيَّنٌ فَلَا يُقْبَلُ قَطْعًا كَحِرْمَانِ الْقَاتِلِ لَوْ لَمْ يَرِدْ فِيهِ نَصٌّ مُعَارِضٌ لَهُ بِنَقِيضِ قَصْدِهِ، وَمُنَاسِبٌ يَشْهَدُ لَهُ أَصْلٌ مُعَيَّنٌ لَكِنْ لَا يُلَائِمُ فَهُوَ فِي مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ، وَمُلَائِمٌ لَا يَشْهَدُ لَهُ أَصْلٌ مُعَيَّنٌ وَهُوَ الِاسْتِدْلَال الْمُرْسَلُ وَهُوَ أَيْضًا فِي مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ.
(قَوْلُهُ لَكِنْ وُجِدَ اعْتِبَارُ الضَّرُورَةِ فِي الرُّخَصِ وَفِي اسْتِبَاحَةِ الْمُحَرَّمَاتِ) أَوْرَدَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَلَيْهِ الِاعْتِرَاضَ السَّابِقَ وَهُوَ أَنَّ هَذَا اعْتِبَارٌ لِلْجِنْسِ الْأَبْعَدِ وَهُوَ
إذَا كَانَتْ جَمَاعَةٌ فِي سَفِينَةٍ وَثَقُلَتْ السَّفِينَةُ فَإِنْ طَرَحْنَا الْبَعْضَ فِي الْبَحْرِ نَجَا الْبَاقُونَ لَا يَجُوزُ طَرْحُهُمْ؛ لِأَنَّ الْمَصْلَحَةَ غَيْرُ كُلِّيَّةٍ؛ لِأَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ تَرْكِ الطَّرْحِ لَا تَهْلِكُ إلَّا جَمَاعَةٌ مَخْصُوصَةٌ وَفِي التَّتَرُّسِ لَوْ تَرَكْنَا الرَّمْيَ لَقَتَلُوا كَافَّةَ الْمُسْلِمِينَ مَعَ الْأُسَارَى
(وَالتَّأْثِيرُ عِنْدَنَا أَنْ يَثْبُتَ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ اعْتِبَارُ نَوْعِهِ أَوْ جِنْسِهِ فِي نَوْعِهِ أَوْ جِنْسِهِ) أَيْ نَوْعَ الْوَصْفِ أَوْ جِنْسِهِ
(فِي نَوْعِ الْحُكْمِ أَوْ جِنْسِهِ)(وَالْمُرَادُ بِالْجِنْسِ هُنَا الْجِنْسُ الْقَرِيبُ كَالسُّكْرِ فِي الْحُرْمَةِ) هَذَا نَظِيرُ اعْتِبَارِ النَّوْعِ فِي النَّوْعِ
(وَكَقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: «أَرَأَيْتَ لَوْ تَمَضْمَضْتَ» الْحَدِيثَ هَذَا نَظِيرُ اعْتِبَارِ الْجِنْسِ فِي النَّوْعِ) (فَإِنَّ لِلْجِنْسِ وَهُوَ عَدَمُ دُخُولِ شَيْءٍ اعْتِبَارًا فِي عَدَمِ فَسَادِ الصَّوْمِ وَكَقِيَاسِ
ــ
[التلويح]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الْوِلَايَةِ عَلَى الثَّيِّبِ الصَّغِيرَةِ وَعَلَى الْبِكْرِ الصَّغِيرَةِ بِالصِّغَرِ) هَذَا نَظِيرُ اعْتِبَارِ النَّوْعِ فِي الْجِنْسِ
(وَلِنَوْعِهِ اعْتِبَارٌ فِي جِنْسِ الْوِلَايَةِ لِثُبُوتِهَا فِي الْمَالِ عَلَى الثَّيِّبِ الصَّغِيرَةِ وَكَطَهَارَةِ سُؤْرِ الْهِرَّةِ) نَظِيرُ اعْتِبَارِ الْجِنْسِ فِي الْجِنْسِ
(فَإِنَّ لِجِنْسِ الضَّرُورَةِ اعْتِبَارًا فِي جِنْسِ التَّخْفِيفِ وَقَدْ يَتَرَكَّبُ بَعْضُ الْأَرْبَعَةِ مَعَ بَعْضٍ فَاسْتَخْرَجَهُ) كَالصِّغَرِ مَثَلًا فَإِنَّ لِنَوْعِهِ اعْتِبَارًا فِي جِنْسِ الْوِلَايَةِ وَلِجِنْسِهِ اعْتِبَارًا فِي جِنْسِهَا فَإِنَّ جِنْسَهُ الْعَجْزُ وَالْوِلَايَةُ ثَابِتَةٌ عَلَى الْعَاجِزِ كَالْمَجْنُونِ
ــ
[التلويح]
غَيْرُ كَافٍ فِي الْمُلَاءَمَةِ فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ اعْتَبَرَ الشَّرْعُ حُصُولَ النَّفْعِ الْكَثِيرِ فِي تَحَمُّلِ الضَّرَرِ الْيَسِيرِ وَجَمِيعُ التَّكَالِيفِ الشَّرْعِيَّةِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى ذَلِكَ.
(قَوْلُهُ وَالتَّأْثِيرُ عِنْدَنَا) إنَّمَا قَالَ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَخَصُّ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ أَنْ يَثْبُتَ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ اعْتِبَارُ عَيْنِ الْوَصْفِ فِي عَيْنِ ذَلِكَ الْحُكْمِ وَلِذَا قَالَ الْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: الْمُؤَثِّرُ مَقْبُولٌ بِاتِّفَاقِ الْقَايِسِينَ، وَقَصَرَ أَبُو زَيْدٍ الدَّبُوسِيُّ الْقِيَاسَ عَلَيْهِ لَكِنَّهُ أَوْرَدَ لِلْمُؤَثِّرِ أَمْثِلَةً عَرَّفَ بِهَا أَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْمُلَائِمِ لَكِنَّهُ سَمَّاهُ أَيْضًا مُؤَثِّرًا فَالْقِيَاسُ يَنْقَسِمُ بِاعْتِبَارِ عَيْنِ الْعِلَّةِ وَجِنْسِهَا وَعَيْنِ الْحُكْمِ وَجِنْسِهِ أَرْبَعَةَ أَقْسَامٍ:
الْأَوَّلُ أَنْ يَظْهَرَ تَأْثِيرُ عَيْنِ الْوَصْفِ فِي عَيْنِ الْحُكْمِ وَهُوَ الَّذِي يُقَالُ إنَّهُ فِي مَعْنَى الْأَصْلِ وَهُوَ الْمَقْطُوعُ بِهِ الَّذِي رُبَّمَا يُقِرُّ بِهِ مُنْكِرُو الْقِيَاسِ إذْ لَا فَرْقَ إلَّا بِتَعَدُّدِ الْمَحَلِّ.
الثَّانِي أَنْ يَظْهَرَ تَأْثِيرُ عَيْنِهِ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ.
الثَّالِثُ أَنْ يَظْهَرَ تَأْثِيرُ جِنْسِهِ فِي عَيْنِهِ وَهُوَ الَّذِي خَصَّصْنَاهُ بِاسْمِ الْمُلَائِمِ وَخَصَّصْنَا اسْمَ الْمُؤَثِّرِ بِمَا يَظْهَرُ تَأْثِيرُ عَيْنِهِ.
الرَّابِعُ أَنْ يَظْهَرَ تَأْثِيرُ الْجِنْسِ فِي الْجِنْسِ وَهُوَ الَّذِي سَمَّيْنَاهُ الْمُنَاسِبَ الْغَرِيبَ ثُمَّ لِلْجِنْسِيَّةِ مَرَاتِبُ عُمُومًا وَخُصُوصًا فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ تَتَفَاوَتُ دَرَجَاتُ الظَّنِّ وَالْأَعْلَى مُقَدَّمٌ عَلَى الْأَسْفَلِ وَالْأَقْرَبُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْأَبْعَدِ فِي الْجِنْسِيَّةِ فَالْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَخَذَ مِنْ كَلَامِهِمْ تَفْسِيرَ الْمُؤَثِّرِ وَقَيَّدَ الْجِنْسَ بِالْقَرِيبِ لِيَتَمَيَّزَ عَنْ الْمُلَائِمِ عَلَى مَا سَبَقَ وَأَوْرَدَ بَدَلَ الْعَيْنِ النَّوْعَ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ الْمُرَادَ هُوَ الْوَصْفُ، وَالْحُكْمُ مَعَ خُصُوصِيَّةِ الْمَحَلِّ كَالسُّكْرِ الْمَخْصُوصِ بِالْخَمْرِ وَالْحُرْمَةِ الْمَخْصُوصَةِ بِهَا فَيُوهِمُ أَنَّ لِلْخُصُوصِيَّةِ مَدْخَلًا فِي الْعِلِّيَّةِ فَالْمُرَادُ بِالْوَصْفِ الْوَصْفُ الَّذِي يُجْعَلُ عِلَّةً لَا مُطْلَقُ الْوَصْفِ، وَكَذَا الْمُرَادُ بِالْحُكْمِ الْحُكْمُ الْمَطْلُوبُ بِالْقِيَاسِ لَا مُطْلَقُ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ الْأَوْصَافِ وَالْأَحْكَامِ حَتَّى الْأَجْنَاسِ أَنْوَاعُ لِمُطْلَقِ الْوَصْفِ وَالْحُكْمِ فَلَا يَبْقَى فَرْقٌ بَيْنَ عِلِّيَّةِ السُّكْرِ لِلْحُرْمَةِ وَعِلِّيَّةِ الضَّرُورَةِ لِلتَّخْفِيفِ فَإِضَافَةُ النَّوْعِ إلَى الْوَصْفِ وَالْحُكْمِ بِمَعْنَى مِنْ الْبَيَانِيَّةِ أَيْ النَّوْعَ الَّذِي هُوَ الْوَصْفُ أَوْ الْحُكْمُ الْمَطْلُوبُ فَهُوَ نَوْعٌ لِمُطْلَقِ الْوَصْفِ وَالْحُكْمِ، وَقَدْ بَيَّنَ بِالْإِضَافَةِ إلَى الْوَصْفِ الْمَخْصُوصِ وَالْحُكْمِ الْمَطْلُوبِ احْتِرَازًا عَنْ الْأَنْوَاعِ الْعَالِيَةِ وَالْمُتَوَسِّطَةِ الَّتِي وَقَعَ التَّعْبِيرُ عَنْهَا بِلَفْظِ الْجِنْسِ، وَأَمَّا إضَافَةُ الْجِنْسِ إلَى الْوَصْفِ وَالْحُكْمِ فَهِيَ بِمَعْنَى اللَّامِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِمَا
مَثَلًا وَقِسْ عَلَيْهِ الْبَوَاقِيَ وَالْمُرَكَّبُ يَنْقَسِمُ بِالتَّقْسِيمِ الْعَقْلِيِّ أَحَدَ عَشَرَ قِسْمًا وَاحِدٌ مِنْهَا مُرَكَّبٌ مِنْ الْأَرْبَعَةِ وَأَرْبَعَةٌ مِنْهَا مُرَكَّبَةٌ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَسِتَّةٌ مُرَكَّبَةٌ مِنْ اثْنَيْنِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُرَكَّبَ مِنْ
ــ
[التلويح]
الْوَصْفُ الْمُعَيَّنُ وَالْحُكْمُ الْمَطْلُوبُ كَمَا فِي حَالَةِ إضَافَةِ النَّوْعِ، وَالْمُرَادِ بِالْجِنْسِ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ الْوَصْفِ أَوْ الْحُكْمِ مَثَلًا عَجَزَ الْإِنْسَانُ عَنْ الْإِتْيَانِ بِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ وَصْفٌ هُوَ عِلَّةٌ لِحُكْمٍ فِيهِ تَخْفِيفٌ لِلنُّصُوصِ الدَّالَّةِ عَلَى عَدَمِ الْحَرَجِ وَالضَّرَرِ فَعَجْزُ الصَّبِيِّ الْغَيْرِ الْعَاقِلِ نَوْعٌ وَعَجْزُ الْمَجْنُونِ نَوْعٌ آخَرُ، وَجِنْسُهُمَا الْعَجْزُ بِسَبَبِ عَدَمِ الْعَقْلِ، وَفَوْقَهُ الْجِنْسُ الَّذِي هُوَ الْعَجْزُ بِسَبَبِ ضَعْفِ الْقُوَيّ أَعَمُّ مِنْ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ عَلَى مَا يَشْمَلُ الْمَرِيضَ، وَفَوْقَهُ الْجِنْسُ الَّذِي هُوَ الْعَجْزُ النَّاشِئُ مِنْ الْفَاعِلِ بِدُونِ اخْتِيَارِهِ عَلَى مَا يَشْمَلُ الْمَحْبُوسَ، وَفَوْقَهُ الْجِنْسُ الَّذِي هُوَ الْعَجْزُ النَّاشِئُ مِنْ الْفَاعِلِ عَلَى مَا يَشْمَلْ الْمُسَافِرَ أَيْضًا، وَفَوْقَهُ مُطْلَقُ الْعَجْزِ الشَّامِلُ لِمَا يَنْشَأُ عَنْ الْفَاعِلِ وَعَنْ مَحَلِّ الْفِعْلِ وَعَنْ الْخَارِجِ وَهَكَذَا فِي جَانِبِ الْحُكْمِ فَلْيُعْتَبَرْ مِثْلُ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ الْأَوْصَافِ وَالْأَحْكَامِ وَإِلَّا فَتَحْقِيقُ الْأَنْوَاعِ وَالْأَجْنَاسِ بِأَقْسَامِهَا مِمَّا يَعْسُرُ فِي الْمَاهِيَّاتِ الْحَقِيقِيَّةِ فَضْلًا عَنْ الِاعْتِبَارِيَّات، فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْوَصْفَ الْمُؤَثِّرَ هُوَ الَّذِي ثَبَتَ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ عِلِّيَّةُ ذَلِكَ النَّوْعِ مِنْ الْوَصْفِ لِذَلِكَ النَّوْعِ مِنْ الْحُكْمِ كَالْعَجْزِ بِسَبَبِ عَدَمِ الْعَقْلِ لِسُقُوطِ مَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ أَوْ عِلِّيَّةِ جِنْسِ ذَلِكَ الْوَصْفِ لِنَوْعِ ذَلِكَ الْحُكْمِ كَعَدَمِ دُخُولِ شَيْءٍ فِي الْجَوْفِ لِعَدَمِ فَسَادِ الصَّوْمِ أَوْ عِلِّيَّةِ ذَلِكَ النَّوْعِ مِنْ الْوَصْفِ لِجِنْسِ ذَلِكَ الْحُكْمِ كَمَا فِي سُقُوطِ الزَّكَاةِ عَمَّنْ لَا عَقْلَ لَهُ فَإِنَّ الْعَجْزَ بِوَاسِطَةِ عَدَمِ الْعَقْلِ مُؤَثِّرٌ فِي سُقُوطِ مَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ وَهُوَ جِنْسٌ لِسُقُوطِ الزَّكَاةِ أَوْ عِلِّيَّةِ جِنْس الْوَصْفِ لِجِنْسِ الْحُكْمِ كَمَا فِي سُقُوطِ الزَّكَاةِ عَنْ الصَّبِيِّ بِتَأْثِيرِ الْعَجْزِ بِسَبَبِ عَدَمِ الْعَقْلِ فِي سُقُوطِ مَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ، وَأَمَّا أَمْثِلَةُ الْمَتْنِ فَفِي بَعْضِهَا نَظَرٌ لِمَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّ السُّكْرَ وَالصِّغَرَ مِنْ قَبِيلِ الْمُرَكَّبِ، وَلِمَا سَبَقَ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ هَاهُنَا الْجِنْسُ الْقَرِيبُ وَالضَّرُورَةُ لِلطَّوَافِ لَيْسَتْ كَذَلِكَ بَلْ قَدْ عَرَفْت أَنَّهُ لَيْسَ بِمُلَائِمٍ فَضْلًا عَنْ الْمُؤَثِّرِ.
(قَوْلُهُ وَقَدْ يَتَرَكَّبُ بَعْضُ الْأَرْبَعَةِ) لَا خَفَاءَ فِي أَنَّ أَقْسَامَ الْمُفْرَدِ أَرْبَعَةٌ حَاصِلَةٌ مِنْ ضَرْبِ الِاثْنَيْنِ فِي الِاثْنَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي جَانِبِ الْوَصْفِ هُوَ النَّوْعُ أَوْ الْجِنْسُ، وَكَذَا فِي جَانِبِ الْحُكْمِ وَحِينَئِذٍ يَلْزَمُ انْحِصَارُ الْمُرَكَّبِ فِي أَحَدَ عَشْرَ؛ لِأَنَّ التَّرْكِيبَ إمَّا ثُنَائِيٌّ أَوْ ثُلَاثِيٌّ أَوْ رُبَاعِيٌّ أَمَّا الرُّبَاعِيُّ فَوَاحِدٌ لَا غَيْرُ، وَأَمَّا الثُّلَاثِيُّ فَأَرْبَعَةٌ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَصِيرُ ثُلَاثِيًّا بِنُقْصَانِ وَاحِدٍ مِنْ الرُّبَاعِيِّ وَذَلِكَ الْوَاحِدُ إمَّا أَنْ يَكُونَ اعْتِبَارَ النَّوْعِ فِي النَّوْعِ أَوْ فِي الْجِنْسِ أَوْ اعْتِبَارَ الْجِنْسِ فِي النَّوْعِ أَوْ فِي الْجِنْسِ، وَأَمَّا الثُّنَائِيُّ فَسِتَّةٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَقْسَامِ الْأَرْبَعَةِ لِلْأَفْرَادِ وَيَتَرَكَّبُ مَعَ كُلٍّ مِنْ الثَّلَاثَةِ الْبَاقِيَةِ وَيَصِيرُ اثْنَا عَشَرَ حَاصِلَةً مِنْ ضَرْبِ الْأَرْبَعَةِ فِي الثَّلَاثَةِ فَيَسْقُطُ سِتَّةٌ بِمُوجِبِ التَّكْرَارِ، أَوْ نَقُولُ
أَرْبَعَةٍ أَقْوَى الْجَمِيعِ ثُمَّ الْمُرَكَّبَ مِنْ ثَلَاثَةٍ ثُمَّ الْمُرَكَّبُ مِنْ اثْنَيْنِ ثُمَّ مَا لَا يَكُونُ مُرَكَّبًا
(قَدْ سَمَّى الْبَعْضُ أَوَّلَ الْأَرْبَعَةِ غَرِيبًا وَالثَّلَاثَةُ مُلَائِمَةٌ ثُمَّ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَصْلٌ مُعَيَّنٌ مِنْ نَوْعِهِ يُوجَدُ فِيهِ جِنْسُ الْوَصْفِ أَوْ نَوْعُهُ وَيُسَمَّى شَهَادَةَ الْأَصْلِ وَهِيَ أَعَمُّ مِنْ أُولَى الْأَرْبَعَةِ مُطْلَقًا) أَيْ شَهَادَةُ الْأَصْلِ أَعَمُّ مِنْ اعْتِبَارِ نَوْعِ الْوَصْفِ فِي نَوْعِ الْحُكْمِ وَمِنْ اعْتِبَارِ جِنْسِ الْوَصْفِ فِي نَوْعِ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّهُ كُلَّمَا وُجِدَ اعْتِبَارُ نَوْعِ الْوَصْفِ أَوْ جِنْسِهِ فِي نَوْعِ
ــ
[التلويح]
اعْتِبَارُ النَّوْعِ فِي النَّوْعِ إمَّا أَنْ يَتَرَكَّبَ مَعَ اعْتِبَارِ الْجِنْسِ فِي النَّوْعِ أَوْ مَعَ اعْتِبَارِ النَّوْعِ فِي الْجِنْسِ أَوْ مَعَ اعْتِبَارِ الْجِنْسِ فِي الْجِنْسِ ثُمَّ اعْتِبَارُ الْجِنْسِ فِي النَّوْعِ إمَّا أَنْ يَتَرَكَّبَ مَعَ اعْتِبَارِ النَّوْعِ فِي الْجِنْسِ أَوْ مَعَ اعْتِبَارِ الْجِنْسِ فِي الْجِنْسِ ثُمَّ اعْتِبَارُ النَّوْعِ فِي الْجِنْسِ يَتَرَكَّبُ مَعَ اعْتِبَارِ الْجِنْسِ فِي الْجِنْسِ فَإِنْ قُلْت اعْتِبَارُ النَّوْعِ يَسْتَلْزِمُ اعْتِبَارَ الْجِنْسِ ضَرُورَةَ أَنَّهُ لَا وُجُودَ لِلنَّوْعِ بِدُونِ الْجِنْسِ فَلَا يُتَصَوَّرُ الْإِفْرَادُ إلَّا فِي اعْتِبَارِ الْجِنْسِ فِي الْجِنْسِ، وَأَمَّا اعْتِبَارُ النَّوْعِ فِي النَّوْعِ فَيَسْتَلْزِمُ التَّرْكِيبَ الرُّبَاعِيَّ أَلْبَتَّةَ، وَاعْتِبَارُ النَّوْعِ فِي الْجِنْسُ أَوْ عَكْسِهِ يَسْتَلْزِمُ التَّرْكِيبَ الثُّنَائِيَّ. قُلْتُ الْمُرَادُ الِاعْتِبَارُ قَصْدًا لَا ضِمْنًا حَتَّى إنَّ الرُّبَاعِيَّ مَا يَكُونُ كُلٌّ مِنْ الِاعْتِبَارَاتِ الْأَرْبَعَةِ مَقْصُودًا عَلَى حِدَةٍ فَالْمُرَكَّبُ مِنْ الْأَرْبَعَةِ كَالسُّكْرِ فَإِنَّهُ مُؤَثِّرٌ فِي الْحُرْمَةِ، وَكَذَا جِنْسُهُ الَّذِي هُوَ إيقَاعُ الْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ مُؤَثِّرٌ فِي الْحُرْمَةِ ثُمَّ السُّكْرُ يُؤَثِّرُ فِي وُجُوبِ الزَّاجِرِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ أُخْرَوِيًّا كَالْحُرْمَةِ أَوْ دُنْيَوِيًّا كَالْحَدِّ ثُمَّ لَمَّا كَانَ السُّكْرُ مَظِنَّةً لِلْقَذْفِ صَارَ الْمَعْنَى الْمُشْتَرَكُ بَيْنَهُمَا وَهُوَ إيقَاعُ الْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ مُؤَثِّرًا فِي وُجُوبِ الزَّاجِرِ، وَأَمَّا الْمُرَكَّبُ مِنْ الثَّلَاثَةِ فَالْمُرَكَّبُ مِمَّا سِوَى اعْتِبَارِ النَّوْعِ فِي النَّوْعِ كَالتَّيَمُّمِ عِنْدَ خَوْفِ فَوْتِ صَلَاةِ الْعِيدِ فَإِنَّ الْجِنْسَ وَهُوَ الْعَجْزُ الْحُكْمِيُّ بِحَسَبِ الْمَحَلِّ يَحْتَاجُ إلَيْهِ شَرْعًا مُؤَثِّرٌ فِي الْجِنْسِ أَيْ فِي سُقُوطِ الِاحْتِيَاجِ فِي النَّوْعِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43] إقَامَةٌ لِأَحَدِ الْعَنَاصِرِ مَقَامَ الْآخَرِ فَإِنَّ التُّرَابَ مُطَهِّرٌ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ بِحَسَبِ نَشَفِ النَّجَاسَاتِ وَأَيْضًا عَدَمُ وِجْدَانِ الْمَاءِ وَهُوَ النَّوْعُ مُؤَثِّرٌ فِي الْجِنْسِ وَهُوَ عَدَمُ وُجُوبِ اسْتِعْمَالِهِ لَكِنَّ النَّوْعَ وَهُوَ خَوْفُ الْفَوْتِ لَا يُؤَثِّرُ فِي النَّوْعِ أَيْ فِي التَّيَمُّمِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ تَيَمُّمٌ، وَالْمُرَكَّبُ مِمَّا سِوَى اعْتِبَارِ الْجِنْسِ فِي النَّوْعِ كَمَا فِي التَّيَمُّمِ إذَا لَمْ يَجِدْ إلَّا مَاءً يَحْتَاجُ إلَى شُرْبِهِ فَإِنَّ الْعَجْزَ الْحُكْمِيَّ بِحَسَبِ الْمَحَلِّ عَنْ اسْتِعْمَالِ مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ شَرْعًا مُؤَثِّرٌ فِي سُقُوطِ الِاحْتِيَاجِ فَهَذَا تَأْثِيرُ الْجِنْسِ فِي الْجِنْسِ ثُمَّ النَّوْعُ مُؤَثِّرٌ فِي النَّوْعِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} [النساء: 43] عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَأَيْضًا عَدَمُ وِجْدَانِ الْمَاءِ وَهُوَ النَّوْعُ مُؤَثِّرٌ فِي الْجِنْسِ أَيْ فِي عَدَمِ اسْتِعْمَالِهِ دَفْعًا لِلْهَلَاكِ لَكِنَّ الْجِنْسَ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ فِي النَّوْعِ؛ لِأَنَّ الْعَجْزَ الْمَذْكُورَ لَا يُؤَثِّرُ فِي التَّيَمُّمِ مِنْ حَيْثُ هُوَ التَّيَمُّمُ وَالْمُرَكَّب مِمَّا سِوَى اعْتِبَارِ النَّوْعِ فِي الْجِنْسِ كَالْحَيْضِ فِي حُرْمَةِ الْقُرْبَانِ فَهَذَا تَأْثِيرُ النَّوْعِ فِي النَّوْعِ، وَجِنْسُهُ وَهُوَ الْأَذَى عِلَّةٌ أَيْضًا لِحُرْمَةِ الْقُرْبَانِ وَلِجِنْسِهِ وَهُوَ وُجُوبُ الِاعْتِزَالِ وَالْمُرَكَّبُ مِمَّا سِوَى اعْتِبَارِ الْجِنْسِ فِي الْجِنْسِ يُقَالُ الْحَيْضُ عِلَّةٌ لِحُرْمَةِ الصَّلَاةِ فَهَذَا تَأْثِيرُ النَّوْعِ فِي النَّوْعِ، وَأَيْضًا عِلَّةٌ لِلْجِنْسِ وَهُوَ حُرْمَةُ الْقِرَاءَةِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِي الصَّلَاةِ أَوْ خَارِجِهَا
الْحُكْمِ فَقَدْ وُجِدَ لِلْحُكْمِ أَصْلٌ مُعَيَّنٌ مِنْ نَوْعِهِ يُوجَدُ فِيهِ جِنْسُ الْوَصْفِ أَوْ نَوْعُهُ لَكِنْ لَا يَلْزَمُ أَنَّهُ كُلَّمَا وُجِدَ لَهُ أَصْلٌ مُعَيَّنٌ مِنْ نَوْعِهِ يُوجَدُ فِيهِ جِنْسُ الْوَصْفِ أَوْ نَوْعُهُ فَقَدْ وُجِدَ اعْتِبَارُ نَوْعِ الْوَصْفِ أَوْ جِنْسِهِ فِي نَوْعِ الْحُكْمِ
(وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ أَخِيرَيْ الْأَرْبَعَةِ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مِنْ وَجْهٍ) أَيْ قَدْ يُوجَدُ شَهَادَةُ الْأَصْلِ بِدُونِ وَاحِدٍ مِنْ أَخِيرَيْ الْأَرْبَعَةِ وَقَدْ يُوجَدُ وَاحِدٌ مِنْ أَخِيرَيْ الْأَرْبَعَةِ بِدُونِ شَهَادَةِ الْأَصْلِ وَقَدْ يُوجَدَانِ مَعًا (فَالتَّعْلِيلُ بِهِمَا بِدُونِ الشَّهَادَةِ حُجَّةٌ وَيُسَمَّى عِنْدَ الْبَعْضِ تَعْلِيلًا لَا قِيَاسًا وَعِنْدَ الْبَعْضِ هُوَ قِيَاسٌ أَيْضًا وَإِذَا وُجِدَ شَهَادَةُ الْأَصْلِ بِدُونِ التَّأْثِيرِ لَا يَكُونُ حُجَّةً عِنْدَنَا وَيُسَمَّى غَرِيبًا أَيْضًا) اعْلَمْ أَنَّ التَّعْلِيلَ بِأَوْلَى الْأَرْبَعَةِ لَا يَكُونُ إلَّا مَعَ شَهَادَةِ الْأَصْلِ لِمَا قُلْنَا إنَّهَا أَعَمُّ
ــ
[التلويح]
وَلِجِنْسِهِ وَهُوَ الْخُرُوجُ مِنْ السَّبِيلَيْنِ تَأْثِيرٌ فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ لَكِنْ لَيْسَ لَهُ تَأْثِيرٌ فِي الْجِنْسِ وَهُوَ حُرْمَةُ الْقِرَاءَةِ مُطْلَقًا، وَأَمَّا الْمُرَكَّبُ مِنْ الِاثْنَيْنِ فَالْمُرَكَّبُ مِنْ اعْتِبَارِ النَّوْعِ فِي النَّوْعِ مَعَ الْجِنْسِ فِي النَّوْعِ كَمَا فِي طَهَارَةِ سُؤْرِ الْهِرَّةِ فَإِنَّ الطَّوَافَ عِلَّةٌ لِلطَّهَارَةِ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «إنَّهَا مِنْ الطَّوَّافِينَ» وَجِنْسُهُ هُوَ مُخَالَطَةُ نَجَاسَةٍ يَشُقُّ الِاحْتِرَازُ عَنْهَا عِلَّةً لِلطَّهَارَةِ كَآبَارِ الْفَلَوَاتِ وَالْمُرَكَّبُ مِنْ اعْتِبَارِ النَّوْعِ فِي النَّوْعِ مَعَ النَّوْعِ فِي الْجِنْسِ كَإِفْطَارِ الْمَرِيضِ فَإِنَّهُ مُؤَثِّرٌ فِي الْجِنْسِ وَهُوَ التَّخْفِيفُ فِي الْعِبَادَةِ، وَكَذَا فِي الْإِفْطَارِ بِسَبَبِ الضَّرَرِ، وَالْمُرَكَّبُ مِنْ اعْتِبَارِ النَّوْعِ فِي النَّوْعِ مَعَ الْجِنْسِ فِي الْجِنْسِ كَوِلَايَةِ النِّكَاحِ فِي الْمَجْنُونِ جُنُونًا مُطْبِقًا فَإِنَّهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ عَجْزٌ بِسَبَبِ عَدَمِ الْعَقْلِ مُؤَثِّرٌ فِي مُطْلَقِ الْوِلَايَةِ، ثُمَّ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ عَجْزٌ دَائِمِيٌّ بِسَبَبِ عَدَمِ الْعَقْلِ عِلَّةٌ لِوِلَايَةِ النِّكَاحِ لِلْحَاجَةِ بِخِلَافِ الصِّغَرِ فَإِنَّهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ صِغَرٌ لَا يُوجِبُ هَذِهِ الْوِلَايَةَ.
وَالْمُرَكَّبُ مِنْ اعْتِبَارِ الْجِنْسِ فِي النَّوْعِ مَعَ الْجِنْسِ فِي الْجِنْسِ كَالْوِلَايَةِ فِي مَالِ الصَّغِيرِ فَإِنَّ الْعَجْزَ لِعَدَمِ الْعَقْلِ مُؤَثِّرٌ فِي مُطْلَقِ الْوِلَايَةِ ثُمَّ هُوَ مُؤَثِّرٌ فِي الْوِلَايَةِ فِي الْمَالِ لِلْحَاجَةِ إلَى بَقَاءِ النَّفْسِ، وَالْمُرَكَّبُ مِنْ اعْتِبَارِ الْجِنْسِ فِي النَّوْعِ مَعَ النَّوْعِ فِي الْجِنْسِ كَخُرُوجِ النَّجَاسَةِ فَإِنَّهُ مُؤَثِّرٌ فِي وُجُوبِ الْوُضُوءِ ثُمَّ خُرُوجُهَا مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ كَمَا فِي الْيَدِ وَهِيَ آلَةُ التَّطْهِيرِ مُؤَثِّرٌ فِي وُجُوبِ إزَالَتِهَا وَالْمُرَكَّبُ مِنْ اعْتِبَارِ النَّوْعِ فِي الْجِنْسِ مَعَ الْجِنْسِ فِي الْجِنْسِ كَمَا فِي عَدَمِ الصَّوْمِ عَلَى الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ، فَإِنَّ الْعَجْزَ لِعَدَمِ الْعَقْلِ مُؤَثِّرٌ فِي سُقُوطِ الْعِبَادَةِ لِلِاحْتِيَاجِ إلَى النِّيَّةِ ثُمَّ الْجِنْسُ وَهُوَ الْعَجْزُ لِخَلَلٍ فِي الْقُوَى مُؤَثِّرٌ فِي سُقُوطِ الْعِبَادَةِ كَذَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.
(قَوْلُهُ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُرَكَّبَ مِنْ أَرْبَعَةٍ أَقْوَى الْجَمِيعِ) يَعْنِي أَنَّ قُوَّةَ الْوَصْفِ إنَّمَا هِيَ بِحَسَبِ التَّأْثِيرِ وَالتَّأْثِيرُ بِحَسَبِ اعْتِبَارِ الشَّارِعِ وَكُلَّمَا كَثُرَ الِاعْتِبَارُ قَوِيَ الْآثَارُ فَيَكُونُ الْمُرَكَّبُ أَقْوَى مِنْ الْبَسِيطِ، وَالْمُرَكَّبُ مِنْ أَجْزَاءٍ أَكْثَرَ أَقْوَى مِنْ الْمُرَكَّبِ مِنْ أَجْزَاءٍ أَقَلَّ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّهُ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ فِيمَا سِوَى اعْتِبَارِ
فَيَكُونُ التَّعْلِيلُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا قِيَاسًا اتِّفَاقًا وَالتَّعْلِيلُ بِأَخِيرَيْ الْأَرْبَعَةِ إذَا وُجِدَ مَعَ شَهَادَةِ الْأَصْلِ يَكُونُ قِيَاسًا اتِّفَاقًا وَإِذَا وُجِدَ بِدُونِ شَهَادَةِ الْأَصْلِ فَعِنْدَ الْبَعْضِ قِيَاسٌ وَعِنْدَ الْبَعْضِ لَا وَيُسَمَّى تَعْلِيلًا لَكِنَّهُ مَقْبُولٌ اتِّفَاقًا وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي تَسْمِيَتِهِ قِيَاسًا وَشَهَادَةُ الْأَصْلِ قَدْ تُوجَدُ بِدُونِ الْأَوَّلِينَ؛ لِأَنَّهَا أَعَمُّ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا مُطْلَقًا وَقَدْ تُوجَدُ بِدُونِ أَخِيرَيْ الْأَرْبَعَةِ؛ لِأَنَّهَا أَعَمُّ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ وَجْهٍ فَإِذَا وُجِدْت بِدُونِ التَّأْثِيرِ لَا يُقْبَلُ عِنْدَنَا وَيُسَمَّى غَرِيبًا أَيْ يُسَمَّى الْوَصْفُ الَّذِي يُوجَدُ فِي صُورَةٍ يُوجَدُ فِيهَا نَوْعُ الْحُكْمِ مِنْ غَيْرِ تَأْثِيرٍ غَرِيبًا
ــ
[التلويح]
النَّوْعِ فِي النَّوْعِ أَنَّهُ أَقْوَى الْكُلِّ لِكَوْنِهِ بِمَنْزِلَةِ النَّصِّ حَتَّى يَكَادَ يُقِرُّ بِهِ مُنْكِرُو الْقِيَاسِ إذْ لَا فَرْقَ إلَّا بِتَعَدُّدِ الْمَحَلِّ فَالْمُرَكَّبُ مِنْ غَيْرِهِ لَا يَكُونُ أَقْوَى مِنْهُ.
(قَوْلُهُ: وَقَدْ سَمَّى الْبَعْضُ) ذُكِرَ فِي بَعْضِ أُصُولِ الشَّافِعِيَّةِ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الْمُنَاسِبَ الْغَرِيبَ مَا يُؤَثِّرُ نَوْعُهُ فِي نَوْعِ الْحُكْمِ وَلَمْ يُؤَثِّرْ جِنْسُهُ فِي جِنْسِهِ كَالطَّعْمِ فِي الرِّبَا فَإِنَّ نَوْعَ الطَّعْمِ وَهُوَ الِاقْتِيَاتُ مُؤَثِّرٌ فِي رِبَوِيَّةِ الْبُرِّ وَلَمْ يُؤَثِّرْ جِنْسُ الطَّعْمِ فِي رِبَوِيَّةِ سَائِرِ الْمَطْعُومَاتِ كَالْخَضْرَاوَاتِ وَالْمُلَائِمُ هُوَ الْأَقْسَامُ الثَّلَاثَةُ الْبَاقِيَةُ.
(قَوْلُهُ ثُمَّ لَا يَخْلُو) أَيْ الْحُكْمُ بَعْدَ التَّعْلِيلِ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ مَقْرُونًا بِشَهَادَةِ الْأَصْلِ أَوْ لَا يَكُونَ فَفِي الْكَلَامِ حَذْفٌ وَالْمُرَادُ بِشَهَادَةِ الْأَصْلِ أَنْ يَكُونَ لِلْحُكْمِ الْمُعَلَّلِ أَصْلٌ مُعَيَّنٌ مِنْ نَوْعِهِ يُوجَدُ فِيهِ جِنْسُ الْوَصْفِ أَوْ نَوْعُهُ وَإِنَّمَا قُلْنَا الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَصْلٌ أَوْ لَا يَكُونُ لِمَا ذَكَرَ أَنَّ كُلًّا مِنْ اعْتِبَارِ النَّوْعِ فِي الْجِنْسِ وَاعْتِبَارِ الْجِنْسِ فِي الْجِنْسِ قَدْ يُوجَدُ بِدُونِ شَهَادَةِ الْأَصْلِ، فَصَارَ الْحَاصِلُ أَنَّ كُلًّا مِنْ اعْتِبَارِ النَّوْعِ فِي النَّوْعِ وَاعْتِبَارِ الْجِنْسِ فِي النَّوْعِ يَسْتَلْزِمُ شَهَادَةَ الْأَصْلِ وَهُوَ مَعْنَى الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ الْمُطْلَقِ، وَأَمَّا اعْتِبَارُ النَّوْعِ فِي الْجِنْسِ أَوْ الْجِنْسِ فِي الْجِنْسِ فَلَا يَسْتَلْزِمُ شَهَادَةَ الْأَصْلِ بَلْ قَدْ يَجْتَمِعَانِ، وَقَدْ يَفْتَرِقَانِ وَهَذَا مَعْنَى الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ مِنْ وَجْهٍ فَالتَّعْلِيلُ بِالْوَصْفِ الَّذِي اُعْتُبِرَ نَوْعُهُ أَوْ جِنْسُهُ فِي نَوْعِ الْحُكْمِ يَكُونُ قِيَاسًا لَا مَحَالَةَ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ الْمُعَلَّلَ مَقِيسٌ، وَالْأَصْلُ الشَّاهِدُ مَقِيسٌ عَلَيْهِ، وَكَذَا التَّعْلِيلُ بِالْوَصْفِ الَّذِي اُعْتُبِرَ نَوْعُهُ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ أَوْ جِنْسُهُ فِي جِنْسِهِ إذَا كَانَ مَعَ شَهَادَةِ الْأَصْلِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ بِدُونِهَا فَهُوَ تَعْلِيلٌ مَشْرُوعٌ مَقْبُولٌ بِالِاتِّفَاقِ لَكِنْ عِنْدَ بَعْضِهِمْ يُسَمَّى قِيَاسًا وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ يَكُونُ اسْتِدْلَالًا بِعِلَّةٍ مُسْتَنْبَطَةٍ بِالرَّأْيِ بِمَنْزِلَةِ مَا قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: إنَّ التَّعْلِيلَ بِالْعِلَّةِ الْمُتَعَدِّيَةِ يَكُونُ قِيَاسًا وَبِالْعِلَّةِ الْقَاصِرَةِ لَا يَكُونُ قِيَاسًا بَلْ يَكُونُ بَيَانَ عِلَّةٍ شَرْعِيَّةٍ لِلْحُكْمِ، وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْأَصَحُّ عِنْدِي أَنَّهُ قِيَاسٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ فَإِنَّ مِثْلَ هَذَا الْوَصْفِ يَكُونُ لَهُ أَصْلٌ فِي الشَّرْعِ لَا مَحَالَةَ وَلَكِنْ يُسْتَغْنَى عَنْ ذِكْرِهِ لِوُضُوحِهِ وَرُبَّمَا لَا يَقَعُ الِاسْتِغْنَاءُ عَنْهُ فَيُذْكَرُ فَعَلَى هَذَا لَا يَكُونُ الْخِلَافُ فِي مُجَرَّدِ تَسْمِيَتِهِ قِيَاسًا عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -
فَالْغَرِيبُ نَوْعَانِ أَحَدُهُمَا مَقْبُولٌ وَهُوَ الْوَصْفُ الَّذِي اُعْتُبِرَ نَوْعُهُ فِي نَوْعِ الْحُكْمِ وَالثَّانِي مَرْدُودٌ وَهُوَ الْوَصْفُ الَّذِي يُوجَدُ جِنْسُهُ أَوْ نَوْعُهُ فِي نَوْعِ ذَلِكَ الْحُكْمِ لَكِنْ لَا نَعْلَمُ أَنَّ الشَّارِعَ اعْتَبَرَ هَذَا الْوَصْفَ أَوْ لَا
(وَإِنَّمَا اعْتَبَرْنَا التَّأْثِيرَ؛ لِأَنَّهُ) أَيْ الْقِيَاسَ
(أَمْرٌ شَرْعِيٌّ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ) أَيْ فِي الْقِيَاسِ
(اعْتِبَارُ الشَّارِعِ) وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْقِيَاسُ بِوَصْفٍ اعْتَبَرَهُ الشَّارِعُ أَوْ اعْتَبَرَ جِنْسَهُ
(وَلِأَنَّ الْعِلَلَ الْمَنْقُولَةَ لَيْسَتْ إلَّا مُؤَثِّرَةً كَقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: «إنَّهَا مِنْ الطَّوَّافِينَ وَالطَّوَّافَاتِ عَلَيْكُمْ» وَقَوْلُهُ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ «إنَّهُ دَمُ عِرْقٍ انْفَجَرَ» وَلِانْفِجَارِ الدَّمِ مِنْ الْعِرْقِ
ــ
[التلويح]
بَلْ عِنْدَ الْبَعْضِ يَكُونُ التَّعْلِيلُ بِالْوَصْفِ الْمُؤَثِّرِ مُسْتَلْزِمًا لِشَهَادَةِ الْأَصْلِ لَكِنَّهُ قَدْ يُذْكَرُ، وَقَدْ لَا يُذْكَرُ وَحِينَئِذٍ يَصِحُّ أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُهُ ثُمَّ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَصْلٌ مُعَيَّنٌ عَلَى ظَاهِرِهِ.
(قَوْلُهُ: وَإِذَا وَجَدَ شَهَادَةَ الْأَصْلِ بِدُونِ التَّأْثِيرِ) يَعْنِي أَنَّ شَهَادَةَ الْأَصْلِ قَدْ تُوجَدُ بِدُونِ كُلٍّ مِنْ الْأَنْوَاعِ الْأَرْبَعَةِ لِلتَّأْثِيرِ وَحِينَئِذٍ يُسَمَّى الْوَصْفُ غَرِيبًا لِعَدَمِ تَأْثِيرِهِ فَلَا يُقْبَلُ عِنْدَنَا أَيْ لَا يَجِبُ قَبُولُهُ؛ لِأَنَّ شَرْطَ وُجُوبِ الْقَبُولِ هُوَ التَّأْثِيرُ أَوْ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ مَا لَمْ يَكُنْ مُلَائِمًا فَإِنْ قُلْت الْمُلَائِمُ يَجِبُ أَنْ يُعْتَبَرَ جِنْسُهُ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ فَهُوَ أَحَدُ الْأَنْوَاعِ الْأَرْبَعَةِ فَالْغَرِيبُ لَا يَكُونُ مُلَائِمًا قُلْتُ أَحَدُ الْأَنْوَاعِ هُوَ اعْتِبَارُ الْجِنْسِ الْقَرِيبِ فِي الْجِنْسِ الْقَرِيبِ عَلَى مَا مَرَّ فِي تَفْسِيرِ الْمُؤَثِّرِ.
وَالْمُعْتَبَرُ فِي الْمُلَائِمِ هُوَ الْجِنْسُ الْبَعِيدُ فَالْغَرِيبُ بِمَعْنَى غَيْرِ الْمُؤَثِّرِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُلَائِمًا فَظَهَرَ أَنَّ اسْمَ الْغَرِيبِ يُطْلَقُ عَلَى نَوْعَيْنِ مِنْ الْوَصْفِ أَحَدُهُمَا اُعْتُبِرَ نَوْعُهُ فِي نَوْعِ الْحُكْمِ عَلَى مَا سَبَقَ مِنْ أَنَّ الْبَعْضَ يُسَمِّي أَوَّلَ الْأَرْبَعَةِ غَرِيبًا وَالثَّلَاثَةَ الْبَاقِيَةَ مُلَائِمَةً وَهُوَ مَقْبُولٌ بِالِاتِّفَاقِ، وَثَانِيهِمَا مَا يُوجَدُ جِنْسُهُ أَوْ نَوْعُهُ فِي نَوْعِ ذَلِكَ الْحُكْمِ لَكِنْ لَا يُعْلَمُ اعْتِبَارُهُ، وَلَا إلْغَاؤُهُ فِي نَظَرِ الشَّارِعِ وَهُوَ مَرْدُودٌ إذَا لَمْ يَكُنْ مُلَائِمًا خِلَافًا لِأَصْحَابِ الطَّرْدِ، وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي أَثْنَاءِ كَلَامِهِ إلَى إثْبَاتِ شَهَادَةِ الْأَصْلِ بِدُونِ التَّأْثِيرِ بِأَنَّهَا قَدْ تُوجَدُ بِدُونِ الْأَوَّلِينَ يَعْنِي اعْتِبَارَ النَّوْعِ أَوْ الْجِنْسِ فِي النَّوْعِ لِكَوْنِهَا أَعَمَّ مِنْهَا مُطْلَقًا وَبِدُونِ الْأَخِيرَيْنِ يَعْنِي اعْتِبَارَ النَّوْعِ فِي الْجِنْسِ أَوْ الْجِنْسِ فِي الْجِنْسِ لِكَوْنِهَا أَعَمَّ مِنْهُمَا مِنْ وَجْهٍ فَتُوجَدُ بِدُونِ التَّأْثِيرِ فِي الْجُمْلَةِ لِانْحِصَارِهِ فِي الْأَنْوَاعِ الْأَرْبَعَةِ وَمَا يَتَرَكَّبُ مِنْهَا وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ التَّحَقُّقَ بِدُونِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَرْبَعَةِ لَا يَسْتَلْزِمُ جَوَازَ التَّحَقُّقِ بِدُونِ الْمَجْمُوعِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَعَمَّ مِنْ الْأَوَّلَيْنِ بِاعْتِبَارِ أَنْ يُوجَدَ فِي الْأَخِيرَيْنِ وَبِالْعَكْسِ فَبِمُجَرَّدِ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُ أَنْ يُوجَدُ بِدُونِ التَّأْثِيرِ.
(قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا اعْتَبِرْنَا التَّأْثِيرَ) فِي الْعِلَّةِ لِوُجُوبِ الْعَمَلِ بِالْقِيَاسِ لِوَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا أَنَّ الْقِيَاسَ أَمْرٌ شَرْعِيٌّ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ اعْتِبَارِ الشَّارِعِ.
وَثَانِيهِمَا أَنَّ الْأَقْيِسَةَ الْمَنْقُولَةَ عَنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - كُلُّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْعِلَلِ الْمُؤَثِّرَةِ. وَأُجِيبَ
وَهُوَ النَّجَاسَةُ تَأْثِيرٌ فِي وُجُوبِ الطَّهَارَةِ وَفِي عَدَمِ كَوْنِهِ حَيْضًا وَفِي كَوْنِهِ مَرَضًا لَازِمًا فَيَكُونُ لَهُ تَأْثِيرٌ فِي التَّخْفِيفِ وَقَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «أَرَأَيْتَ لَوْ تَمَضْمَضْتَ بِمَاءٍ» الْحَدِيثَ وَغَيْرُهَا مِنْ أَقْيِسَةِ الرَّسُولِ عليه السلام وَالصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - وَعَلَى هَذَا قُلْنَا مَسْحُ الرَّأْسِ مَسْحٌ فَلَا يُسَنُّ تَثْلِيثُهُ كَمَسْحِ الْخُفِّ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ مَسْحًا مُؤَثِّرٌ فِي التَّخْفِيفِ حَتَّى لَمْ يَسْتَوْعِبْ مَحَلَّهُ وَأَمَّا قَوْلُهُ رُكْنٌ فَيُسَنُّ تَثْلِيثُهُ كَمَا فِي سَائِرِ الْأَرْكَانِ فَغَيْرُ مَعْقُولٍ وَكَذَا جَعَلْنَا
ــ
[التلويح]
عَنْ الْأَوَّلِ أَنْ يَكُونَ الْقِيَاسُ أَمْرًا شَرْعِيًّا لَا يَقْتَضِي إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ أَصْلٌ فِي الشَّرْعِ، وَأَمَّا لُزُومُ أَنْ يَثْبُتَ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ اعْتِبَارُ الشَّارِعِ نَوْعَ الْوَصْفِ أَوْ جِنْسِهِ الْقَرِيبِ فِي نَوْعِ الْحُكْمِ أَوْ جِنْسِهِ الْقَرِيبِ عَلَى مَا فَسَّرْتُمْ بِهِ التَّأْثِيرَ فَمَمْنُوعٌ، وَلِمَ لَا يَكْفِي الْجِنْسُ الْبَعِيدُ وَحُصُولُ الظَّنِّ بِوُجُوهٍ أُخَرَ مِنْ مَسَالِكِ الْعِلَّةِ؟ كَيْفَ وَقَدْ جَوَّزْتُمْ الْعَمَلَ بِغَيْرِ الْمُؤَثِّرِ أَيْضًا وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّهُ لَا يَدُلُّ إلَّا عَلَى أَنَّ الْأَقْيِسَةَ الْمَنْقُولَةَ كُلَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى عِلَلٍ مَعْقُولَةٍ مُنَاسِبَةٍ، وَلَيْسَ النِّزَاعُ فِي ذَلِكَ بَلْ فِي التَّأْثِيرِ بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَقْيِسَةِ الْمَنْقُولَةِ قَدْ اُعْتُبِرَتْ الْأَجْنَاسُ الْبَعِيدَةُ وَلَمْ يَثْبُتْ اعْتِبَارُ الْوَصْفِ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ بَلْ بِوُجُوهٍ أُخَرَ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُمْ بِالتَّأْثِيرِ فِي هَذَا الْمَقَامِ مَا يُقَابِلُ الطَّرْدَ فَمَعْنَاهُ أَنْ يَكُونَ الْوَصْفُ مُنَاسِبًا مُلَائِمًا لِإِضَافَةِ الْحُكْمِ إلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ مُؤَثِّرًا بِالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَوْ لَا وَحِينَئِذٍ يَتِمُّ الِاسْتِدْلَال وَهَذَا ظَاهِرٌ مِنْ النَّظَرِ فِي كَلَامِهِمْ فِي هَذَا الْمُقَامِ وَمِنْ تَقْرِيرِهِمْ التَّأْثِيرَ فِي الْأَمْثِلَةِ الْمَذْكُورَةِ، فَفِي قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «إنَّهَا مِنْ الطَّوَّافِينَ» لِجِنْسِ الطَّوْفِ وَهُوَ الضَّرُورَةُ لَهُ أَثَرٌ فِي الشَّرْعِ فِي التَّخْفِيفِ وَإِثْبَاتِ الطَّهَارَةِ وَرَفْعِ النَّجَاسَةِ كَمَنْ أَكَلَ الْمَيْتَةَ فِي الْمَخْمَصَةِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ غَسْلُ الْيَدِ وَالْفَمِ لِلضَّرُورَةِ وَأَيْضًا لَمَّا كَانَتْ الْهِرَّةُ مِنْ الطَّوَّافِينَ لَمْ يُمْكِنْ الِاحْتِرَازُ عَنْ سُؤْرِهَا إلَّا بِحَرَجٍ عَظِيمٍ فَسَقَطَ اعْتِبَارُ النَّجَاسَةِ دَفْعًا لِلْحَرَجِ كَمَا فِي حِلِّ الْمَيِّتَةِ فِي قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «إنَّهَا دَمُ عِرْقٍ انْفَجَرَ» لِانْفِجَارِ الدَّمِ وَوُصُولِهِ إلَى مَوْضِعٍ يَجِبُ تَطْهِيرُهُ عَنْهُ وَهُوَ مَعْنَى النَّجَاسَةِ أَثَّرَ فِي وُجُوبِ طَهَارَةٍ وَفِي عَدَمِ كَوْنِ انْفِجَارِ الدَّمِ حَيْضًا وَفِي كَوْنِهِ مَرَضًا لَازِمًا مُؤَثِّرًا فِي التَّخْفِيفِ، أَمَّا فِي وُجُوبِ الطَّهَارَةِ فَلِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَصْلُحُ لِلْقِيَامِ بَيْنَ يَدَيْ الرَّبِّ إلَّا طَاهِرًا، وَأَمَّا فِي عَدَمِ كَوْنِهِ حَيْضًا فَلِأَنَّ الْحَيْضَ دَمٌ ثَبَتَ عَادَةً رَاتِبَةً فِي بَنَاتِ آدَمَ خَلَقَهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي أَرْحَامِهِنَّ وَانْفِجَارُ دَمِ الْعِرْقِ لَيْسَ كَذَلِكَ فَلَا يَكُونُ حَيْضًا مُوقِعًا فِي الْحَرَجِ الْمُوجِبِ لِإِسْقَاطِ الصَّلَاةِ وَالْوُضُوءِ، وَأَمَّا فِي كَوْنِهِ مَرَضًا فَلِأَنَّهُ لَيْسَ فِي وُسْعِهَا إمْسَاكُهُ وَرَدُّهُ فَيَكُونُ لَهُ تَأْثِيرٌ فِي التَّخْفِيفِ بِأَنْ يُحْكَمَ مَعَ وُجُودِهِ بِقِيَامِ الطَّهَارَةِ فِي وَقْتِ الْحَاجَةِ وَهُوَ وَقْتُ الصَّلَاةِ لِلضَّرُورَةِ إذْ لَوْ وَجَبَتْ عَلَيْهَا الطَّهَارَةُ لِكُلِّ حَدَثٍ لَبَقِيَتْ مَشْغُولَةً بِالطَّهَارَةِ
الصِّغَرَ عِلَّةً لِلْوِلَايَةِ بِخِلَافِ الْبَكَارَةِ وَأَيْضًا قُلْنَا صَوْمُ رَمَضَانَ مُتَعَيَّنٌ فَلَا يَجِبُ التَّعْيِينُ وَقَدْ ظَهَرَ تَأْثِيرُهُ) أَيْ تَأْثِيرُ الْمُتَعَيَّنِ فِي عَدَمِ التَّعْيِينِ
(فِي الْوَدَائِعِ وَالْمَغْصُوبِ) فَإِنَّ رَدَّ الْوَدِيعَةِ وَالْمَغْصُوبِ وَاجِبٌ عَلَيْهِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّ وَغَيْرُ هَذَا وَلَمَّا كَانَ هَذَا الرَّدُّ مُتَعَيَّنًا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَعْيِينُهُ بِأَنْ يَقُولَ هَذَا الرَّدُّ هُوَ رَدُّ الْوَدِيعَةِ فَإِنَّ رَدَّهَا مُطْلَقًا يُصْرَفُ إلَى الْوَاجِبِ عَلَيْهِ وَهُوَ رَدُّ الْوَدِيعَةِ
(وَفِي النَّقْلِ) فَإِنَّهُ إذَا نَوَى فِي غَيْرِ رَمَضَانَ صَوْمًا مُطْلَقًا يَنْصَرِفُ إلَى النَّقْلِ لَتَعَيُّنِهِ فَفِي رَمَضَانَ يَنْصَرِفُ إلَى صَوْمِ رَمَضَانَ لِتَعَيُّنِهِ
(فَإِنَّ فَرْضَ رَمَضَانَ فِيهِ كَالنَّقْلِ فِي غَيْرِهِ
ــ
[التلويح]
أَبَدًا وَلَمْ تَفْرُغْ لِلصَّلَاةِ قَطْعًا وَفِي قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «أَرَأَيْتَ لَوْ تَمَضْمَضْتَ بِمَاءٍ ثُمَّ مَجَجْتَهُ أَكَانَ يَضُرُّكَ» ، لِعَدَمِ قَضَاءِ الشَّهْوَتَيْنِ أَثَرٌ فِي عَدَمِ انْتِقَاضِ الصَّوْمِ فَكَمَا أَنَّ الْمَضْمَضَةَ مُقَدِّمَةُ شَهْوَةِ الْبَطْنِ وَلَيْسَتْ فِي مَعْنَى الْأَكْلِ كَذَلِكَ الْقُبْلَةُ مُقَدِّمَةُ شَهْوَةِ الْفَرْجِ وَلَيْسَتْ فِي مَعْنَى الْجِمَاعِ لَا صُورَةً لِعَدَمِ إيلَاجِ فَرْجٍ فِي فَرْجٍ، وَلَا مَعْنًى لِعَدَمِ الْإِنْزَالِ فَفِي الْأَمْثِلَةِ الْمَذْكُورَةِ لَيْسَ التَّأْثِيرُ بِمَعْنَى اعْتِبَارِ النَّوْعِ أَوْ الْجِنْسِ الْقَرِيبِ.
(قَوْلُهُ وَغَيْرُهَا) أَيْ وَكَغَيْرِ الْمَذْكُورَاتِ مِنْ أَقْيِسَةِ النَّبِيِّ عليه السلام وَأَقْيِسَةِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - كَمَا قَالَ النَّبِيُّ عليه الصلاة والسلام فِي تَحْرِيمِ الصَّدَقَةِ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ «أَرَأَيْتَ لَوْ تَمَضْمَضْتَ بِمَاءٍ ثُمَّ مَجَجْتَهُ أَكُنْتَ شَارِبَهُ» كَذَا أَوْرَدَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَغَايَةُ تَقْرِيرِهِ أَنَّ هَذَا تَعْلِيلٌ بِمَعْنًى مُؤَثِّرٍ وَهُوَ أَنَّ الصَّدَقَةَ مُطَهِّرَةُ الْأَوْزَارِ وَالْآثَامِ فَكَانَتْ وَسَخًا بِمَنْزِلَةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ فَكَمَا أَنَّ الِامْتِنَاعَ مِنْ شُرْبِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ أَخْذٌ بِمَعَالِي الْأُمُورِ فَكَذَلِكَ حُرْمَةُ الصَّدَقَةِ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ تَعْظِيمٌ لَهُمْ وَإِكْرَامٌ وَاخْتِصَاصٌ بِمَعَالِي الْأُمُورِ، وَكَمَا اخْتَلَفَتْ الصَّحَابَةُ رضي الله عنهم فِي الْجَدِّ مَعَ الْإِخْوَةِ وَاحْتَجَّ كُلُّ فَرِيقٍ بِتَمْثِيلٍ مُشْتَمِلٍ عَلَى مَعْنًى مُؤَثِّرٍ هُوَ الْقَرَابَةُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ أَوْ الِاتِّصَالُ بِالْمَيِّتِ بِطَرِيقِ الْجُزْئِيَّةِ فَقَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إنَّمَا مَثَلُ الْجَدِّ مَعَ الْإِخْوَةِ مَثَلُ شَجَرَةٍ أَنْبَتَتْ غُصْنًا ثُمَّ تَفَرَّعَ عَنْ الْغُصْنِ فَرْعَانِ فَالْقُرْبُ بَيْنَ الْفَرْعَيْنِ أَوْلَى مِنْ الْقُرْبِ بَيْنَ الْفَرْعَيْنِ وَالْأَصْلِ لِأَنَّ الْغُصْنَ بَيْنَ الْفَرْعَيْنِ وَالْأَصْلِ وَاسِطَةٌ، وَلَا وَاسِطَةَ بَيْنَ الْفَرْعَيْنِ فَهَذَا يَقْتَضِي رُجْحَانَ الْأَخِ عَلَى الْجَدِّ إلَّا أَنَّ بَيْنَ الْفَرْعَيْنِ وَالْأَصْلِ جُزْئِيَّةً وَبَعْضِيَّةً لَيْسَتْ بَيْنَ الْفَرْعَيْنِ نَفْسِهِمَا فَكَانَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا تَرْجِيحٌ فَاسْتَوَيَا وَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَثَلُ الْجَدِّ مَعَ الْأَخَوَيْنِ كَمَثَلِ نَهْرٍ يَنْشَعِبُ مِنْ وَادٍ ثُمَّ يَتَشَعَّبُ مِنْ هَذَا النَّهْرِ جَدْوَلٌ وَمَثَلُ الْأَخَوَيْنِ كَمَثَلِ نَهْرَيْنِ يَنْشَعِبَانِ مِنْ وَادٍ فَالْقُرْبُ بَيْنَ النَّهْرَيْنِ الْمُتَشَعِّبَيْنِ مِنْ الْوَادِي أَكْثَرُ مِنْ الْقُرْبِ بَيْنَ الْوَادِي وَالْجَدْوَلِ بِوَاسِطَةِ النَّهْرِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَلَا يَتَّقِي اللَّهَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ يَجْعَلُ ابْنَ الِابْنِ ابْنًا، وَلَا يَجْعَلُ أَبَ الْأَبِ أَبًا اعْتَبَرَ أَحَدَ طَرَفَيْ الْقَرَابَةِ وَهُوَ طَرَفُ الْأَصَالَةِ بِالطَّرَفِ الْآخَرِ وَهُوَ الْجُزْئِيَّةُ فِي الْقُرْبِ.
(قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا) الْأَصْلِ وَهُوَ اعْتِبَارُ التَّأْثِيرِ جُزْئِيًّا فِي أَقْيِسَتِنَا
وَبَعْضُ الْعُلَمَاءِ احْتَجُّوا بِالتَّقْسِيمِ فِيهِ) أَيْ عَلَى الْعِلِّيَّةِ فِي الْقِيَاسِ
(وَهُوَ أَنْ يَقُولَ الْعِلَّةُ إمَّا هَذَا أَوْ هَذَا أَوْ هَذَا وَالْأَخِيرَانِ بَاطِلَانِ فَتَعَيَّنَ الْأَوَّلُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَاصِرًا لَا يُقْبَلُ وَإِنْ كَانَ حَاصِرًا بِأَنْ يُثْبِتَ عَدَمَ عِلِّيَّةِ الْغَيْرِ) أَيْ غَيْرِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي رَدَّدَ فِيهَا
(بِالْإِجْمَاعِ مَثَلًا) إنَّمَا قَالَ مَثَلًا؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُثْبِتَ عَدَمَ عِلِّيَّةِ الْغَيْرِ بِالنَّصِّ
(بَعْدَمَا ثَبَتَ تَعْلِيلُ هَذَا النَّصِّ يُقْبَلُ كَإِجْمَاعِهِمْ عَلَى أَنَّ عِلَّةَ الْوِلَايَةِ، إمَّا الصِّغَرُ أَوْ الْبَكَارَةُ فَهَذَا إجْمَاعٌ عَلَى نَفْيِ مَا عَدَاهُمَا وَبِتَنْقِيحِ الْمَنَاطِ وَهُوَ أَنْ يُبَيِّنَ عَدَمَ عِلِّيَّةِ الْفَارِقِ لِيُثْبِتَ عِلِّيَّةَ الْمُشْتَرَكِ) الْفَارِقُ هُوَ الْوَصْفُ الَّذِي يُوجَدُ فِي الْأَصْلِ دُونَ الْفَرْعِ وَالْمُشْتَرَكُ هُوَ الْوَصْفُ الَّذِي يُوجَدُ فِيهِمَا
(وَعُلَمَاؤُنَا رحمهم الله لَمْ يَتَعَرَّضُوا لِهَذَيْنِ فَإِنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ قَبُولِهِمَا يَكُونُ مَرْجِعُهُمَا إلَى النَّصِّ أَوْ الْإِجْمَاعِ
ــ
[التلويح]
فِي الْمَسَائِلِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا فَعَلَّلْنَا بِالْعِلَلِ الْمُؤَثِّرَةِ فَإِنَّ لِلْمَسْحِ أَثَرًا فِي التَّخْفِيفِ فَإِنَّهُ أَيْسَرُ مِنْ الْغَسْلِ وَيَتَأَدَّى بِهِ الْفَرْضُ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ اسْتِيعَابُ الْمَحَلِّ كَمَا فِي الْمَغْسُولَاتِ بِخِلَافِ الرُّكْنِيَّةِ فَإِنَّهُ لَا أَثَرَ لَهَا فِي التَّكْرَارِ وَإِبْطَالِ التَّخْفِيفِ وَكَوْنِ التَّثْلِيثِ سُنَّةً اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ الرُّكْنِيَّةَ تُنْبِئُ عَنْ الْقُوَّةِ وَالْحَصَانَةِ وَوُجُوبِ الِاحْتِيَاطِ فَيُنَاسِبُ التَّكْرَارَ لِيَحْصُلَ بِالْيَقِينِ أَوْ بِظَنٍّ قَرِيبٍ مِنْهُ.
وَكَذَا الصِّغَرُ مُؤَثِّرٌ فِي إثْبَاتِ الْوِلَايَةِ فَإِنَّ وِلَايَةَ النِّكَاحِ لَمْ تُشْرَعُ إلَّا عَلَى وَجْهِ النَّظَرِ لِلْمُوَلَّى عَلَيْهِ بِاعْتِبَارِ عَجْزِهِ عَنْ مُبَاشَرَةِ النِّكَاحِ بِنَفْسِهِ وَذَلِكَ فِي الصِّغَرِ دُونَ الْبَكَارَةِ، وَكَذَا تَعْيِينُ الصَّوْمِ الْفَرْضِ فِي رَمَضَانَ مُؤَثِّرٌ فِي إسْقَاطِ وُجُوبِ التَّعْيِينِ؛ لِأَنَّ أَصْلَ النِّيَّةِ فِي الْعِبَادَاتِ إنَّمَا هُوَ لِلتَّمْيِيزِ بَيْنَ الْعِبَادَةِ وَالْعَادَةِ، وَتَعْيِينُهَا إنَّمَا هُوَ لِلتَّمْيِيزِ بَيْنَ الْجِهَاتِ الْمُتَزَاحِمَةِ فَحَيْثُ لَا تَزَاحُمَ لَا حَاجَةَ إلَى التَّعْيِينِ بِخِلَافِ الْفَرْضِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْقَلُ تَأْثِيرُهَا فِي إيجَابِ التَّعْيِينِ.
(قَوْلُهُ: وَبَعْضُ الْعُلَمَاءِ) قَدْ اشْتَهَرَ فِيمَا بَيْنَ الْأُصُولِيِّينَ أَنَّ مِنْ مَسَالِكِ الْعِلَّةِ السَّبْرُ وَالتَّقْسِيمُ وَهُوَ حَصْرُ الْأَوْصَافِ الْمَوْجُودَةِ فِي الْأَصْلِ الصَّالِحَةِ لِلْعِلِّيَّةِ فِي عَدَدٍ، ثُمَّ إبْطَالُ عِلِّيَّةِ بَعْضِهَا لِتَثْبُتَ عِلِّيَّةُ الْبَاقِي فَيَكُونَ هُنَاكَ مَقَامَانِ أَحَدُهُمَا بَيَانُ الْحَصْرِ وَيَكْفِي فِي ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ بَحَثْتُ فَلَمْ أَجِدْ سِوَى هَذِهِ الْأَوْصَافِ وَيُصَدَّقُ؛ لِأَنَّ عَدَالَتَهُ وَتَدَيُّنَهُ مِمَّا يُغَلِّبُ ظَنَّ عَدَمِ غَيْرِهِ إذْ لَوْ وُجِدَ لَمَا خَفِيَ عَلَيْهِ أَوْ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْغَيْرِ وَحِينَئِذٍ لِلْمُعْتَرِضِ أَنْ يُبَيِّنَ وَصْفًا آخَرَ وَعَلَى الْمُسْتَدِلِّ أَنْ يُبْطِلَ عِلِّيَّتَهُ وَإِلَّا لَمَا ثَبَتَ الْحَصْرُ فِيمَا أَحْصَاهُ فَيَلْزَمُ انْقِطَاعُهُ. وَثَانِيهِمَا إبْطَالُ عِلِّيَّةِ بَعْضِ الْأَوْصَافِ وَيَكْفِي فِي ذَلِكَ أَيْضًا الظَّنُّ وَذَلِكَ بِوُجُوهٍ:
الْأَوَّلُ وُجُودُ الْحُكْمِ بِدُونِهِ فِي صُورَةٍ فَلَوْ اسْتَقَلَّ بِالْعِلِّيَّةِ لَانْتَفَى الْحُكْمُ بِانْتِفَائِهِ.
الثَّانِي كَوْنُ الْوَصْفِ مِمَّا عُلِمَ إلْغَاؤُهُ فِي الشَّرْعِ إمَّا مُطْلَقًا كَاخْتِلَافٍ بِالطُّولِ وَالْقِصَرِ أَوْ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْحُكْمِ الْمَبْحُوثِ فِيهِ كَالِاخْتِلَافِ بِالذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ فِي الْعِتْقِ.
الثَّالِثُ عَدَمُ ظُهُورِ الْمُنَاسَبَةِ فَيَكْفِي لِلْمُسْتَدِلِّ أَنْ يَقُولَ بَحَثْتُ فَلَمْ أَجِدْ لَهُ مُنَاسَبَةً، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِ ظُهُورِ عَدَمِ الْمُنَاسَبَةِ؛ لِأَنَّ
أَوْ الْمُنَاسَبَةِ وَبِالدَّوَرَانِ وَهُوَ بَاطِلٌ عِنْدَنَا فَفَسَّرَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ وُجُودُ الْحُكْمِ فِي كُلِّ صُوَرِ وُجُودِ الْوَصْفِ وَزَادَ بَعْضُهُمْ الْعَدَمَ عِنْدَ الْعَدَمِ وَشَرَطَ بَعْضُهُمْ قِيَاسَ النَّصِّ فِي الْحَالَيْنِ) أَيْ فِي حَالِ وُجُودِ الْوَصْفِ وَعَدَمِهِ
(وَلَا حُكْمَ لَهُ نَظِيرُهُ أَنَّ الْمَرْءَ إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ وَهُوَ مُتَوَضِّئٌ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ وَإِذَا قَعَدَ وَهُوَ مُحْدِثٌ يَجِبُ فَعُلِمَ أَنَّ الْوُجُوبَ دَائِرٌ مَعَ الْحَدَثِ) فَإِنَّا قَدْ وَجَدْنَا وُجُوبَ الْوُضُوءِ دَائِرًا مَعَ الْحَدَثِ وُجُودًا وَعَدَمًا، وَالنَّصُّ مَوْجُودٌ فِي الْحَالَيْنِ أَيْ حَالِ وُجُودِ الْحَدَثِ وَحَالِ عَدَمِهِ وَلَا حُكْمَ لَهُ؛ لِأَنَّ النَّصَّ يُوجِبُ أَنَّهُ كُلَّمَا وُجِدَ الْقِيَامُ إلَى الصَّلَاةِ وَجَبَ الْوُضُوءُ وَكُلَّمَا لَمْ يُوجَدْ لَمْ يَجِبْ أَمَّا عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِالْمَفْهُومِ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا عِنْدَنَا فَلِأَنَّ الْأَصْلَ هُوَ الْعَدَمُ عَلَى مَا مَرَّ فِي مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ وَمُوجِبُ النَّصِّ غَيْرُ ثَابِتٍ فِي الْحَالَيْنِ أَمَّا حَالُ عَدَمِ الْحَدَثِ فَإِنَّ ظَاهِرَ النَّصِّ يُوجِبُ أَنَّهُ إذَا وُجِدَ الْقِيَامُ مَعَ عَدَمِ الْحَدَثِ يَجِبُ
ــ
[التلويح]
التَّقْدِيرَ أَنَّهُ عَدْلٌ أَخْبَرَ عَمَّا لَا طَرِيقَ إلَى مَعْرِفَتِهِ إلَّا خَبَرُهُ وَحِينَئِذٍ لِلْمُعْتَرِضِ أَنْ يَدَّعِيَ ذَلِكَ فِي الْوَصْفِ الَّذِي يَدَّعِي الْمُسْتَدِلُّ أَنَّهُ عِلَّةٌ يَحْتَاجُ إلَى التَّرْجِيحِ وَالْمُتَمَسِّكُونَ بِالسَّبْرِ وَالتَّقْسِيمِ لَا يَشْتَرِطُونَ إثْبَاتَ التَّعْلِيلِ فِي كُلِّ نَصٍّ بَلْ يَكْفِي عِنْدَهُمْ أَنَّ الْأَصْلَ فِي النُّصُوصِ التَّعْلِيلُ وَأَنَّ الْأَحْكَامَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْحِكَمِ وَالْمَصَالِحِ إمَّا وُجُوبًا كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْمُعْتَزِلَةِ وَإِمَّا تَفْضِيلًا كَمَا هُوَ مَذْهَبُ غَيْرِهِمْ وَلَوْ سُلِّمَ عَدَمُ الْكُلِّيَّةِ فَالتَّعْلِيلُ هُوَ الْغَالِبُ فِي الْأَحْكَامِ وَإِلْحَاقُ الْفَرْدِ بِالْأَعَمِّ الْأَغْلَبِ هُوَ الظَّاهِرُ، وَلَا يَشْتَرِطُونَ فِي بَيَانِ الْحَصْرِ إثْبَاتَ عَدَمِ الْغَيْرِ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ لِحُصُولِ الظَّنِّ بِدُونِ ذَلِكَ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، وَأَمَّا عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَيَكُونُ هَذَا مِنْ الْمَسَالِكِ الْقَطْعِيَّةِ بِمَنْزِلَةِ النَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ وَيَكُونُ مَرْجِعُهُ إلَيْهِمَا، وَكَذَا الْكَلَامُ فِي تَنْقِيحِ الْمَنَاطِ.
قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ إنَّ الْإِخَالَةَ هِيَ الْمُنَاسَبَةُ وَهِيَ الْمُسَمَّى بِتَخْرِيجِ الْمَنَاطِ أَيْ تَنْقِيحِ مَا عَلَّقَ الشَّارِعُ الْحُكْمَ بِهِ وَمَآلُهُ إلَى التَّقْسِيمِ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ لِلْحُكْمِ مِنْ عِلَّةٍ وَهِيَ إمَّا الْوَصْفُ الْفَارِقُ أَوْ الْمُشْتَرَكُ لَكِنَّ الْفَارِقَ مُلْغًى فَيَتَعَيَّنُ الْمُشْتَرَكُ فَيَثْبُتُ الْحُكْمُ لِثُبُوتِ عِلَّتِهِ وَذَكَرَ الْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ النَّظَرَ وَالِاجْتِهَادَ فِي مَنَاطِ الْحُكْمِ أَيْ عِلَّتِهِ إمَّا أَنْ يَكُونَ فِي تَحْقِيقِهِ أَوْ تَنْقِيحِهِ أَوْ تَخْرِيجِهِ، أَمَّا تَحْقِيقُ الْمَنَاطِ فَهُوَ النَّظَرُ وَالِاجْتِهَادُ فِي مَعْرِفَةِ وُجُودِ الْعِلَّةِ فِي آحَادِ الصُّوَرِ بَعْدَ مَعْرِفَتِهَا بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ أَوْ اسْتِنْبَاطٍ، وَلَا يُعْرَفُ خِلَافٌ فِي صِحَّةِ الِاحْتِجَاجِ بِهِ إذَا كَانَتْ الْعِلَّةُ مَعْلُومَةً بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ، وَأَمَّا تَنْقِيحُ الْمَنَاطِ فَهُوَ النَّظَرُ فِي تَعْيِينِ مَا دَلَّ النَّصُّ عَلَى كَوْنِهِ عِلَّةً مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ بِخِلَافِ الْأَوْصَافِ الَّتِي لَا مَدْخَلَ لَهَا فِي الِاعْتِبَارِ كَمَا بَيَّنَ فِي قِصَّةِ الْأَعْرَابِيِّ أَنَّهُ لَا مَدْخَلَ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ لِكَوْنِهِ ذَلِكَ الشَّخْصِ أَوْ مِنْ الْأَعْرَابِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ حَتَّى يَتَعَيَّنَ وَطْءُ الْمُكَلَّفِ الصَّائِمِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ عَامِدًا وَهَذَا النَّوْعُ وَإِنْ
الْوُضُوءُ وَهَذَا غَيْرُ ثَابِتٍ وَأَمَّا حَالُ وُجُودِ الْحَدَثِ فَلِأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنَّهُ إذَا لَمْ يَقُمْ إلَى الصَّلَاةِ مَعَ وُجُودِ الْحَدَثِ لَا يَجِبُ الْوُضُوءُ أَمَّا عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِالْمَفْهُومِ فَلِأَنَّ هَذَا الْحُكْمَ هُوَ مَدْلُولُ النَّصِّ وَأَمَّا عِنْدَنَا فَلِأَنَّ عَدَمَ وُجُوبِ الْوُضُوءِ، وَإِنْ كَانَ بِنَاءً عَلَى الْعَدَمِ الْأَصْلِيِّ لَكِنْ جَعَلَ هَذَا الْحُكْمَ حُكْمَ النَّصِّ مَجَازًا فَعُلِمَ بِهَذَا عِلِّيَّةُ الْحَدَثِ إذْ لَوْلَا ذَلِكَ لَمَا تَخَلَّفَ الْحُكْمُ عَنْ النَّصِّ أَصْلًا
(قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «لَا يَقْضِي الْقَاضِي وَهُوَ غَضْبَانُ» فَإِنَّهُ يَحِلُّ الْقَضَاءُ وَهُوَ غَضْبَانُ عِنْدَ فَرَاغِ الْقَلْبِ وَلَا يَحِلُّ عِنْدَ شَغْلِهِ بِغَيْرِ الْغَضَبِ، لَهُمْ أَنَّ عِلَلَ الشَّرْعِ أَمَارَاتٌ
ــ
[التلويح]
أَقَرَّ بِهِ أَكْثَرُ مُنْكَرِي الْقِيَاسِ فَهُوَ دُونَ الْأَوَّلِ، وَأَمَّا تَخْرِيجُ الْمَنَاطِ فَهُوَ النَّظَرُ فِي إثْبَاتِ عِلَّةِ الْحُكْمِ الَّذِي دَلَّ النَّصُّ أَوْ الْإِجْمَاعُ عَلَيْهِ دُونَ عِلَّتِهِ كَالنَّظَرِ فِي إثْبَاتِ كَوْنِ السُّكْرِ عِلَّةً لِحُرْمَةِ الْخَمْرِ وَهَذَا فِي الرُّتْبَةِ دُونَ النَّوْعَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ وَلِهَذَا أَنْكَرَهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ.
(قَوْلُهُ بِالدَّوَرَانِ) احْتَجَّ بَعْضُ الْأُصُولِيِّينَ عَلَى عِلِّيَّةِ الْوَصْفِ بِدَوَرَانِ الْحُكْمِ مَعَهُ أَيْ تَرَتُّبِهِ عَلَيْهِ وُجُودًا وَيُسَمَّى الطَّرَدُ وَبَعْضُهُمْ وُجُودًا وَعَدَمًا وَيُسَمَّى الطَّرَدُ وَالْعَكْسُ كَالتَّحْرِيمِ مَعَ السُّكْرِ فَإِنَّ الْخَمْرَ يُحَرَّمُ إذَا كَانَ مُسْكِرًا وَتَزُولُ حُرْمَتُهُ إذَا زَالَ إسْكَارُهُ بِصَيْرُورَتِهِ خَلًّا وَشَرَطَ الْبَعْضُ وُجُودَ النَّصِّ فِي حَالَتَيْ وُجُودِ الْوَاصِفِ وَعَدَمِهِ، وَالْحَالُ أَنَّهُ لَا حُكْمَ لَهُ أَيْ لِلنَّصِّ وَذَلِكَ لِدَفْعِ احْتِمَالِ إضَافَةِ الْحُكْمِ إلَى الِاسْمِ وَتَعَيُّنِ إضَافَتِهِ إلَى مَعْنَى الْوَصْفِ فَإِنَّ الْحُرْمَةَ تَثْبُتُ لِلْعَصِيرِ إذَا اشْتَدَّ وَيُسَمَّى خَمْرًا وَتَزُولُ عِنْدَ زَوَالِ الشِّدَّةِ وَالِاسْمِ، فَإِذَا كَانَ الِاسْمُ قَائِمًا فِي الْحَالَيْنِ وَدَارَ الْحُكْمُ مَعَ الْوَصْفِ زَالَ شُبْهَةُ عِلِّيَّةِ الِاسْمِ وَتَعَيَّنَ عِلِّيَّةِ الْوَصْفِ وَإِلَّا لَمَا تَخَلَّفَ الْحُكْمُ عَنْ النَّصِّ.
(قَوْلُهُ لَكِنْ جُعِلَ هَذَا الْحُكْمُ حُكْمَ النَّصِّ مَجَازًا) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ إنَّ هَذَا الِاشْتِرَاطَ لَا يَصِحُّ عِنْدَ مَنْ لَا يَقُولُ بِمَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ إذْ لَا يَكُونُ النَّصُّ قَائِمًا عِنْدَ الْوَصْفِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ، وَلَا يَكُونُ لَهُ حِينَئِذٍ مُوجِبٌ لَا نَفْيًا، وَلَا إثْبَاتًا، وَلَا يَتَنَاوَلُ أَصْلًا مَثَلًا إذَا لَمْ يَقُمْ إلَى الصَّلَاةِ بَلْ قَعَدَ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ النَّصُّ إلَّا عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِمَفْهُومِ الشَّرْطِ، وَأَمَّا عِنْدَ غَيْرِهِمْ فَيَكُونُ عَدَمُ وُجُوبِ الْوُضُوءِ مَبْنِيًّا عَلَى عَدَمِ دَلِيلِ الْوُجُودِ فَيُجْعَلُ مِنْ حُكْمِ النَّصِّ الْمَذْكُورِ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ حَيْثُ عَبَّرَ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ الْمُسْتَنِدِ إلَى النَّصِّ عَنْ مُطْلَقِ عَدَمِ الْوُجُوبِ.
(قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يَحِلُّ الْقَضَاءُ وَهُوَ غَضْبَانُ) يَعْنِي أَنَّ النَّصَّ قَائِمٌ فِي حَالِ الْغَضَبِ بِدُونِ شَغْلِ الْقَلْبِ مَعَ عَدَمِ حُكْمِهِ الَّذِي هُوَ حُرْمَةُ الْقَضَاءِ عِنْدَ الْغَضَبِ وَأَيْضًا النَّصُّ قَائِمٌ فِي حَالِ عَدَمِ الْغَضَبِ وَشَغْلِ الْقَلْبِ بِنَحْوِ جُوعٍ أَوْ عَطَشٍ مَعَ عَدَمِ حُكْمِهِ الَّذِي هُوَ إبَاحَةُ الْقَضَاءِ عِنْدَ عَدَمِ الْغَضَبِ إمَّا بِطَرِيقِ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ أَوْ الْإِبَاحَةِ الْأَصْلِيَّةِ أَوْ بِالنُّصُوصِ الْمُطْلَقَةِ فِي الْقَضَاءِ وَيُجْعَلُ مِنْ حُكْمِ النَّصِّ الْمَذْكُورِ مَجَازًا.
(قَوْلُهُ: وَالْوُجُودُ عِنْدَ الْوُجُودِ) كَانَ الْأَحْسَنُ أَنْ
فَلَا حَاجَةَ إلَى مَعْنًى يُعْقَلُ قُلْنَا نَعَمْ فِي حَقِّهِ تَعَالَى أَمَّا فِي حَقِّ الْعِبَادِ فَإِنَّهُمْ مُبْتَلُونَ بِنِسْبَةِ الْأَحْكَامِ إلَى الْعِلَلِ كَنِسْبَةِ الْمِلْكِ إلَى الْبَيْعِ وَالْقِصَاصِ إلَى الْقَتْلِ فَإِنَّهُ يَجِبُ الْقِصَاصُ مَعَ أَنَّ الْمَقْتُولَ مَيِّتٌ بِأَجَلِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْعِلَلِ وَالشُّرُوطِ، وَالْوُجُودُ عِنْدَ الْوُجُودِ لَا يَدُلُّ عَلَى الْعِلِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَقَعُ اتِّفَاقًا وَقَدْ يَقَعُ فِي الْعَلَامَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ لَهَا أَيْضًا) أَيْ لَا يُشْتَرَطُ الْوُجُودُ عِنْدَ الْوُجُودِ لِلْعِلِّيَّةِ
(؛ لِأَنَّ التَّخَلُّفَ لِمَانِعٍ لَا يَقْدَحُ فِيهَا ثُمَّ الْعِلَّةُ عَيْنُ ذَلِكَ الْوَصْفِ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِتَخْصِيصِهَا، وَذَلِكَ الْوَصْفُ مَعَ عَدَمِ الْمَانِعِ عِنْدَ مَنْ لَا يَقُولُ بِهِ) اعْلَمْ أَنَّ تَخَلُّفَ الْحُكْمِ عَنْ الْعِلَّةِ لِمَانِعٍ لَا يَقْدَحُ فِي الْعِلِّيَّةِ أَمَّا عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِتَخْصِيصِ الْعِلَّةِ فَلِأَنَّ الشَّيْءَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ عِلَّةً وَالْحُكْمُ تَخَلَّفَ عَنْهُ لِمَانِعٍ وَهَذَا التَّخَلُّفُ لَا يَقْدَحُ فِي الْعِلِّيَّةِ وَأَمَّا عِنْدَ مَنْ لَا يَقُولُ بِتَخْصِيصِ الْعِلَّةِ فَإِنَّ الْعِلَّةَ مَجْمُوعُ ذَلِكَ الْوَصْفِ مَعَ عَدَمِ الْمَانِعِ فَالْوَصْفُ يَكُونُ جُزْءًا لِلْعِلَّةِ فَمَعْنَى قَوْلِنَا إنَّ التَّخَلُّفَ لِمَانِعٍ لَا يَقْدَحُ فِيهَا أَنَّ التَّخَلُّفَ لِمَانِعٍ لَا يَقْدَحُ فِي كَوْنِ الْوَصْفِ جُزْءًا لِلْعِلَّةِ
(وَلَا يُشْتَرَطُ الْعَدَمُ عِنْدَ الْعَدَمِ لِأَنَّهُ قَدْ يُوجَدُ بِعِلَّةٍ أُخْرَى وَقِيَامُ النَّصِّ فِي الْحَالَيْنِ وَلَا حُكْمَ لَهُ أَمْرٌ لَا يُوجَدُ إلَّا نَادِرًا فَكَيْفَ يُجْعَلُ أَصْلًا فِي بَابِ الْقِيَاسِ وَأَيْضًا هُوَ غَيْرُ مُسَلَّمٍ فِي آيَةِ الْوُضُوءِ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ الْحَدَثُ بِالنَّصِّ؛ لِأَنَّ ذِكْرَهُ فِي الْخَلَفِ ذِكْرٌ فِي الْأَصْلِ وَلِأَنَّ
ــ
[التلويح]
يَقُولَ الْوُجُودُ عِنْدَ الْوُجُودِ وَالْعَدَمُ عِنْدَ الْعَدَمِ لَا يَدُلُّ عَلَى الْعِلِّيَّةِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِطَرِيقِ اتِّفَاقٍ كُلِّيٍّ أَوْ تَلَازُمِ تَعَاكُسٍ أَوْ يَكُونَ الْمَدَارُ لَازِمُ الْعِلَّةِ أَوْ شَرْطًا مُسَاوِيًا لَهَا فَلَا يُقَيِّدُ ظَنَّ الْعِلِّيَّةِ؛ لِأَنَّهَا احْتِمَالٌ وَاحِدٌ وَهَذِهِ الِاحْتِمَالَاتُ كَثِيرَةٌ، وَقَدْ يُقَالُ إذَا وُجِدَ الدَّوَرَانُ مَعَ غَيْرِ مَانِعٍ مِنْ الْعِلِّيَّةِ مِنْ مَعِيَّةٍ كَمَا فِي الْمُتَضَايِفَيْنِ أَوْ تَأَخُّرٍ كَمَا فِي الْمَعْلُولِ وَالْعِلَّةِ أَوْ غَيْرِهِمَا كَمَا فِي شَرْطِ الْمُسَاوِي فَالْعَادَةُ قَاضِيَةٌ بِحُصُولِ الظَّنِّ بَلْ الْقَطْعُ بِالْعِلِّيَّةِ كَمَا إذَا دُعِيَ إنْسَانٌ بِاسْمٍ مُغْضِبٍ فَغَضِبَ ثُمَّ تُرِكَ فَلَمْ يَغْضَبْ وَتَكَرَّرَ ذَلِكَ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى عُلِمَ بِالضَّرُورَةِ أَنَّهُ سَبَبُ الْغَضَبِ حَتَّى إنَّ مَنْ لَا يَتَأَتَّى مِنْهُ النَّظَرُ كَالْأَطْفَالِ يَعْلَمُونَ ذَلِكَ وَيَتَّبِعُونَهُ فِي الطُّرُقِ وَيَدْعُونَهُ بِذَلِكَ الِاسْمِ وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ النِّزَاعَ إنَّمَا هُوَ فِي حُصُولِ الظَّنِّ بِمُجَرَّدِ الدَّوْرَانِ وَهُوَ فِيمَا ذَكَرْتُمْ مِنْ الْمِثَالِ مَمْنُوعٌ إذْ لَوْلَا انْتِفَاءُ ظُهُورِ غَيْرِ ذَلِكَ إمَّا بِأَنَّهُ بَحَثَ عَنْهُ فَلَمْ يُوجَدْ، وَإِمَّا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ لَمَّا حَصَلَ الظَّنُّ غَايَتَهُ أَنَّهُ يُفِيدُ تَقْوِيَةَ الظَّنِّ الْحَاصِلِ مِنْ غَيْرِهِ وَرُبَّمَا يُقَالُ إنَّ هَذَا إنْكَارٌ لِلضَّرُورِيِّ وَقَدْحٌ فِي جَمِيعِ التَّجْرِيبِيَّاتِ فَإِنَّ الْأَطْفَالَ يَقْطَعُونَ بِهِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ وَاسْتِدْلَالٍ بِمَا ذَكَرْتُمْ وَأَهْلُ النَّظَرِ كَالْمُجْتَمِعِينَ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى كَادَ يَجْرِي مَجْرَى الْمَثَلِ أَنَّ دَوَرَانَ الشَّيْءِ مَعَ الشَّيْءِ آيَةُ كَوْنِ الْمَدَارِ عِلَّةً لِلدَّائِرِ وَيُجَابُ بِأَنَّ الْأَحْكَامَ الْعَقْلِيَّةَ لَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ بِخِلَافِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى الْمَصَالِحِ فَلَا بُدَّ فِي بَيَانِ عِلَلِهَا مِنْ مُنَاسَبَةٍ أَوْ اعْتِبَارٍ مِنْ
الْمَعْنَى إذَا قُمْتُمْ مِنْ مَضَاجِعِكُمْ، وَالنَّوْمُ دَلِيلُ الْحَدَثِ وَلَمَّا كَانَ الْمَاءُ مُطَهِّرًا دَلَّ عَلَى قِيَامِ النَّجَاسَةِ فَاكْتَفَى فِيهِ) أَيْ فِي الْمَاءِ يَعْنِي فِي إيجَابِ الْوُضُوءِ
(بِدَلَالَةِ النَّصِّ) أَيْ عَلَى وُجُودِ الْحَدَثِ
(وَاخْتَارَ فِي التَّيَمُّمِ التَّصْرِيحَ) أَيْ بِوُجُودِ الْحَدَثِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} [النساء: 43] إلَى قَوْلِهِ: {فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43]
(وَأَيْضًا فِيهِ إيمَاءٌ) أَيْ فِي النَّصِّ إشَارَةٌ
(إلَى أَنَّ الْوُضُوءَ عِنْدَ عَدَمِ الْحَدَثِ سُنَّةٌ لِكَوْنِهِ ائْتِمَارًا لِظَاهِرِ الْأَمْرِ وَعِنْدَ الْحَدَثِ وَاجِبٌ بِخِلَافِ الْغُسْلِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِسُنَّةٍ لِكُلِّ صَلَاةٍ) وَهَذَا وَجْهٌ آخَرُ لِتَرْكِ التَّصْرِيحِ بِالْحَدَثِ فِي الْوُضُوءِ وَالتَّصْرِيحِ بِهِ فِي التَّيَمُّمِ
(وَالْغَضَبُ لَا يُوجَدُ بِدُونِ شَغْلِ الْقَلْبِ وَلَا يَحِلُّ الْقَضَاءُ إلَّا بَعْدَ سُكُونِهِ) هَذَا مَنْعٌ
ــ
[التلويح]
الشَّارِعَ إذْ فِي الْقَوْلِ بِالطَّرَدِ فَتْحٌ لَبَابِ الْجَهْلِ وَالتَّصَرُّفِ فِي الشَّرْعِ (قَوْلَهُ، وَلَا يُشْتَرَطُ لَهَا أَيْضًا) زِيَادَةُ تَنْبِيهٍ عَلَى بُعْدِ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ الدَّوْرَانِ وَالْعِلِّيَّةِ يَعْنِي أَنَّ الْوُجُودَ عِنْدَ الْوُجُودِ وَالْعَدَمَ عِنْدَ الْعَدَمِ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ بِمَلْزُومِ لِلْعِلِّيَّةِ فَكَذَلِكَ لَيْسَ بِلَازِمٍ لَهَا لِجَوَازِ أَنْ لَا يُوجَدُ الْحُكْمُ عِنْدَ وُجُودِ الْعِلَّةِ الظَّاهِرَةِ بِنَاءً عَلَى مَانِعٍ أَوْ عَلَى عَدَمِ تَمَامِهَا حَقِيقَةً وَأَنْ لَا يَنْعَدِمَ عِنْدَ عَدَمِهَا بِنَاءً عَلَى ثُبُوتِهِ بِعِلَّةٍ أُخْرَى كَالْحَدِيثِ يَثْبُتُ بِخُرُوجِ النَّجَاسَةِ وَالنَّوْمِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَقَدْ يُقَالُ فِي تَقْرِيرِ هَذَا الْكَلَامِ إنَّ الْوُجُودَ عِنْدَ الْوُجُودِ وَالْعَدَمَ عِنْدَ الْعَدَمِ لَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الْعِلِّيَّةِ كَمَا أَنَّ الْعَدَمَ عِنْدَ الْوُجُودِ وَالْوُجُودَ عِنْدَ الْعَدَمِ لَا يَدُلُّ عَلَى فَسَادِهَا اعْتِبَارًا لِحَالَةِ الْمُوَافَقَةِ بِحَالَةِ الْمُخَالَفَةِ فِي الصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ (قَوْلُهُ: وَقِيَامُ النَّصِّ) إشَارَةٌ إلَى بُطْلَانِ كَلَامِ الْفَرِيقِ الثَّالِثِ وَذَلِكَ أَنَّ مَا اشْتَرَطُوا مِنْ قِيَامِ النَّصِّ فِي الْحَالَيْنِ مِنْ غَيْرِ حُكْمٍ أَمْرٌ لَا يُوجَدُ إلَّا نَادِرًا، وَلَا عِبْرَةَ بِالنَّادِرِ فِي أَحْكَامِ الشَّرْعِ فَكَيْفَ يُجْعَلُ أَصْلًا فِيمَا هُوَ مِنْ أَدِلَّةِ الشَّرْعِ بِأَنْ يُبْتَنَى عَلَيْهِ ثُبُوتُ الْعِلِّيَّةِ عَلَى أَنَّ وُجُودَهُ بِطَرِيقِ النُّدْرَةِ أَيْضًا فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ فَإِنَّا لَا نُسَلِّمُ فِي الْمِثَالَيْنِ الْمَذْكُورِينَ قِيَامَ النَّصِّ فِي الْحَالَيْنِ مَعَ عَدَمِ حُكْمِهِ أَمَّا فِي الْآيَةِ فَلِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ قِيَامَ النَّصِّ بِدُونِ الْحُكْمِ حَالَ انْتِفَاءِ الْحَدَثِ وَإِنَّمَا يَلْزَمُ ذَلِكَ لَوْ لَمْ يَكُنْ النَّصُّ مُقَيَّدًا بِالْحَدَثِ وَمُقَيَّدًا لِوُجُوبِ الْوُضُوءِ بِشَرْطِ وُجُودِ الْحَدَثِ وَبَيَانِهِ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ اشْتِرَاطَ الْحَدَثِ فِي وُجُوبِ الْبَدَلِ وَهُوَ التَّيَمُّمِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} [النساء: 43] اشْتِرَاطٌ لَهُ فِي وُجُوبِ الْأَصْلِ وَهُوَ الْوُضُوءُ إذْ الْبَدَلُ لَا يُفَارِقُ الْأَصْلَ بِسَبَبِهِ وَإِنَّمَا يُفَارِقُهُ بِحَالِهِ بِأَنْ يَجِبَ فِي حَالٍ لَا يَجِبُ فِيهَا الْأَصْلُ وَبِالْجُمْلَةِ لَمَّا رَتَّبَ وُجُوبَ التَّيَمُّمِ عَلَى وُجُودِ الْحَدَثِ عِنْد فَقْدِ الْمَاءِ فُهِمَ أَنَّ وُجُوبَ التَّوَضُّؤِ بِالْمَاءِ مُرَتَّبٌ عَلَى الْحَدَثِ، وَثَانِيهِمَا أَنَّ الْعَمَلَ بِظَاهِرِ النَّصِّ مُتَعَذِّرٌ لِاقْتِضَائِهِ وُجُوبَ التَّوَضُّؤِ عِنْدَ كُلِّ قِيَامٍ وَفِي كُلِّ رَكْعَةٍ فَلَا يُتَصَوَّرُ أَدَاءُ الصَّلَاةِ فَلَا بُدَّ مِنْ إضْمَارٍ، أَيْ: إذَا قُمْتُمْ مِنْ مَضَاجِعِكُمْ أَوْ إذَا أَرَدْتُمْ الْقِيَامَ إلَى الصَّلَاةِ مُحَدِّثِينَ، وَالْقِيَامُ مِنْ الْمَضْجَعِ كِنَايَةٌ عَنْ التَّنَبُّهِ مِنْ النَّوْمِ، وَالنَّوْمُ دَلِيلُ الْحَدَثِ فَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ ذِكْرُ الْحَدَثِ بِطَرِيقِ دَلَالَةِ
لِقَوْلِهِ: فَإِنَّهُ يَحِلُّ الْقَضَاءُ وَهُوَ غَضْبَانُ عِنْدَ فَرَاغِ الْقَلْبِ فَمَا ذَكَرَ أَنَّ النَّصَّ قَائِمٌ فِي الْحَالَيْنِ وَلَا حُكْمَ لَهُ مَمْنُوعٌ أَمَّا حَالَ وُجُودِ الْوَصْفِ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ الْقَضَاءُ إلَّا بَعْدَ سُكُونِ النَّفْسِ عَنْ الْغَضَبِ كَمَا ذَكَرَ فِي الْمَتْنِ وَأَمَّا حَالَ عَدَمِ الْوَصْفِ وَهُوَ غَيْرُ مَذْكُورٍ فِي الْمَتْنِ فَعِنْدَنَا لَا دَلَالَةَ لِلنَّصِّ عَلَى عَدَمِ الْحُكْمِ عِنْدَ عَدَمِ الْوَصْفِ وَكَذَا عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِالْمَفْهُومِ؛ لِأَنَّ مِنْ شَرَائِطِ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ أَنْ لَا يَثْبُتُ التَّسَاوِي بَيْنَ الْمَنْطُوقِ وَالْمَسْكُوتِ وَقَدْ ذَكَرْتُمْ أَنَّ الْقَضَاءَ لَا يَحِلُّ عِنْدَ شَغْلِ الْقَلْبِ بِغَيْرِ الْغَضَبِ فَيَثْبُتُ التَّسَاوِي بَيْنَ الْمَنْطُوقِ وَالْمَسْكُوتِ فَلَمْ يُوجَدْ شَرْطُ صِحَّةِ
ــ
[التلويح]
النَّصِّ، وَأَمَّا عَلَى الثَّانِي فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْمُضْمَرِ وَإِطْلَاقُ دَلَالَةِ النَّصِّ عَلَيْهِ إمَّا لُغَوِيٌّ بِمَعْنَى أَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْ النَّصِّ أَوْ هُوَ مِنْ قَبِيلِ الْمُشَاكَلَةِ أَوْ التَّغْلِيبِ أَوْ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْقِيَامَ مِنْ الْمَضْجَعِ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى النَّوْمِ دَلَالَةً لَا عِبَارَةً وَهَذَا أَنْسَبُ فَإِنْ قِيلَ لِلْبَدَلِ حُكْمُ الْأَصْلِ فَكَانَتْ قَضِيَّةُ التَّرْتِيبِ أَنْ يُصَرِّحَ بِالْحَدَثِ فِي وُجُوبِ الْوُضُوءِ وَيُكْتَفَى بِالدَّلَالَةِ فِي وُجُوبِ التَّيَمُّمِ فَلَمَّا عُكِسَتْ أُجِيبُ بِوَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ أَنَّ الْمَاءَ مُطَهِّرٌ بِنَفْسِهِ فَإِيجَابُ اسْتِعْمَالِهِ دَلَّ عَلَى وُجُودِ النَّجَاسَةِ الْحُكْمِيَّةِ الْمُفْتَقِرَةِ إلَى إزَالَتِهَا بِخِلَافِ إيجَابِ اسْتِعْمَالِ التُّرَابِ فَإِنَّهُ مُلَوَّثٌ لَا يَقْتَضِي سَابِقَةَ حَدَثٍ فَصَرَّحَ مَعَهُ بِالْحَدَثِ الثَّانِي أَنَّ فِي تَرْكِ التَّصْرِيحِ بِالْحَدَثِ فِي نَصِّ الْوُضُوءِ إشَارَةً إلَى أَنَّ الْوُضُوءَ سُنَّةٌ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحْدِثًا نَظَرًا إلَى ظَاهِرِ إطْلَاقِ الْأَمْرِ وَتَحْقِيقُهُ أَنَّهُ قَدْ عُلِمَ بِدَلَالَةِ النَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ عَدَمُ وُجُوبِ الْوُضُوءِ عِنْدَ الْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ بِدُونِ الْحَدَثِ فَيُحْمَلُ عَلَى الْإِيجَابِ عِنْدَ الْحَدَثِ عَمَلًا بِحَقِيقَةِ الْأَمْرِ وَعَلَى النَّدْبِ عِنْدَ عَدَمِ الْحَدَثِ عَمَلًا بِظَاهِرِ إطْلَاقِهِ وَتَرَكَ هَذَا الْإِيمَاءَ فِي الْغُسْلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَنُّ لِكُلِّ صَلَاةٍ بَلْ لِلْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ فَصَرَّحَ مَعَهُ بِذِكْرِ الْحَدَثِ وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى مَا يَعْتَبِرُهُ الْبُلَغَاءُ فِي تَرْكِيبِهِمْ مِنْ الرُّمُوزِ لَا عَلَى أَنْ يَتَنَاوَلَ الْأَمْرَ لِلْمُحْدِثِ إيجَابًا وَلِغَيْرِهِ نَدْبَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُرَادُ مِنْ اللَّفْظِ مَعْنَيَاهُ الْمُخْتَلِفَانِ فَإِنْ قُلْت مَبْنَى هَذِهِ الْمَبَاحِثِ عَلَى أَنَّ سَبَبَ الْوُضُوءِ هُوَ الْحَدَثُ، وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي مَوْضِعِهِ أَنَّ سَبَبَهُ إرَادَةُ الصَّلَاةِ لَا الْحَدَثُ. قُلْتُ هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّقْدِيرِ أَيْ لَوْ سُلِّمَ أَنَّ الْعِلَّةَ هِيَ الْحَدَثُ فَهِيَ لَمْ تَثْبُتْ بِالدَّوَرَانِ عَلَى مَا ذَكَرْتُمْ، وَأَمَّا فِي الْحَدِيثِ فَلِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ انْتِفَاءَ حُكْمِ النَّصِّ وَهُوَ حُرْمَةُ الْقَضَاءِ مَعَ وُجُودِ الْوَصْفِ وَهُوَ الْغَضَبُ وَإِنَّمَا يَصِحُّ ذَلِكَ لَوْ وُجِدَ الْغَضَبُ بِدُونِ شَغْلِ الْقَلْبِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ كَيْفَ وَالْغَضْبَانُ صِيغَةُ مُبَالَغَةٍ بِمَعْنَى الْمُمْتَلِئِ غَضَبًا عَلَى مَا نُقِلَ عَنْ الزَّجَّاجِ فَلَا يُتَصَوَّرُ لَهُ فَرَاغُ الْقَلْبِ مَا دَامَ غَضْبَانَ وَبِهَذَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ وَهُوَ مَنْعُ قِيَامِ النَّصِّ فِي الْحَالَيْنِ مَعَ عَدَمِ حُكْمِهِ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ يَنْتَفِي بِانْتِفَاءِ الْبَعْضِ إلَّا أَنَّهُ تَعَرَّضَ فِي الشَّرْحِ لِحَالِ الْعَدَمِ أَيْضًا زِيَادَةً لِتَحْقِيقِ الْمَقْصُودِ يَعْنِي أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ مِنْ حُكْمِ هَذَا النَّصِّ حِلُّ الْقَضَاءِ عِنْدَ عَدَمِ الْغَضَبِ وَإِنَّمَا يَكُونَ كَذَلِكَ لَوْ تَحَقَّقَ شَرَائِطُ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ وَهُوَ