الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إذَا ذُكِرَ بَعْدَ الْمِائَةِ عَدَدٌ مُضَافٌ نَحْوَ مِائَةٍ، وَثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ فَإِنَّ الْأَخِيرَ بَيَانُ الْمِائَةِ بِالِاتِّفَاقِ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْمِائَةِ شَيْءٌ مِنْ الْمُقَدَّرَاتِ كَالدِّرْهَمِ وَالدِّينَارِ وَالْقَفِيزِ نَجْعَلُهُ بَيَانًا لِلْمِائَةِ قِيَاسًا عَلَى الْعَدَدِ، وَالْجَامِعُ كَوْنُهُمَا مُقَدَّرَيْنِ، فَإِذَا قَالَ لَهُ عَلَيَّ مِائَةٌ وَدِرْهَمٌ قُلْنَا الْمِائَةُ مِنْ الدَّرَاهِمِ قِيَاسًا عَلَى قَوْلِهِ عَلَيَّ مِائَةٌ وَثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ أَمَّا إذَا كَانَ بَعْدَ الْمِائَةِ شَيْءٌ مِمَّا هُوَ غَيْرُ مُقَدَّرٍ كَالْعَبْدِ وَالثَّوْب كَقَوْلِهِ لَهُ عَلَيَّ مِائَةٌ وَثَوْبٌ وَمِائَةٌ وَعَبْدٌ لَا نَجْعَلُهُ بَيَانًا لِلْمِائَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الرُّكْنُ الثَّالِثُ فِي الْإِجْمَاعِ، وَهُوَ اتِّفَاقُ الْمُجْتَهِدِينَ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ عليه الصلاة والسلام فِي عَصْرٍ عَلَى حُكْمٍ شَرْعِيٍّ) بَعْضُ الْعُلَمَاءِ قَيَّدُوا الْإِجْمَاعَ بِالْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ، وَبَعْضُهُمْ قَالُوا عَلَى أَمْرٍ حَتَّى يَعُمَّ الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ وَغَيْرَهُ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَحْكَامَ إمَّا دِينِيَّةٌ، وَإِمَّا غَيْرُ دِينِيَّةٍ كَالْحُكْمِ بِأَنَّ السَّقَمُونْيَا مُسَهِّلٌ فَإِنْ وَقَعَ الِاتِّفَاقُ عَلَى مِثْلِ هَذَا أَوْ لَمْ يَقَعْ فَهُمَا سَوَاءٌ حَتَّى إنْ أَنْكَرَهُ أَحَدٌ لَا يَكُونُ كُفْرًا بَلْ يَكُونُ جَهْلًا بِهَذَا الْحُكْمِ سَوَاءٌ وَقَعَ الِاتِّفَاقُ أَوْ لَمْ يَقَعْ، أَمَّا الْأَحْكَامُ الدِّينِيَّةُ فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ شَرْعِيَّةً، أَوْ غَيْرَ شَرْعِيَّةٍ.
وَالْمُرَادُ بِالْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ مَا ذَكَرْتُ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ أَنَّهُ مَا لَا يُدْرَكُ لَوْلَا خِطَابُ الشَّارِعِ وَمَا لَيْسَ كَذَلِكَ فَإِدْرَاكُهُ إمَّا بِالْحِسِّ أَوْ بِالْعَقْلِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُفِيدُ الْيَقِينَ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْأَمْرُ أَمْرًا حِسِّيًّا مَاضِيًا
ــ
[التلويح]
وَدِرْهَمٌ أَوْ بِالْوَزْنِ مِثْلَ مِائَةٌ وَقَفِيزُ حِنْطَةٍ لِمُشَابَهَتِهِ الْعَدَدَ. بِخِلَافِ نَحْوِ لَهُ عَلَيَّ مِائَةٌ وَعَبْدٌ أَوْ ثَوْبٌ فَإِنَّ الثَّانِيَ لَا يَكُونُ بَيَانًا لِلْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُشْبِهُ الْعَدَدَ حَتَّى يَصْلُحَ قِيَاسَهُ عَلَى مِثْلِ لَهُ عَلَيَّ مِائَةٌ وَثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ مَعَ مَانِعٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّ تَفْسِيرَ الْمِائَةِ بِالْعَبْدِ أَوْ الثَّوْبِ لَا يُلَائِمُ لَفْظَ عَلَيَّ؛ لِأَنَّ مُوجِبَهُ الثُّبُوتُ فِي الذِّمَّةِ، وَمِثْلُ الْعَبْدِ وَالثَّوْبِ لَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ إلَّا فِي السَّلَمِ لِلضَّرُورَةِ فَلَا يُرْتَكَبُ إلَّا فِيمَا صُرِّحَ بِهِ كَالْمَعْطُوفِ دُونَ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَكْثُرُ كَثْرَةَ الْعَدَدِ حَتَّى يَسْتَحِقَّ التَّخْفِيفَ، فَإِنْ قِيلَ: الْقِيَاسُ لَيْسَ بِمُسْتَقِيمٍ؛ لِأَنَّ الْمُفَسِّرَ فِي مِثْلِ مِائَةٍ وَثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ هُوَ مُمَيِّزُ الْمَعْطُوفِ أَعْنِي: الْمُضَافَ إلَيْهِ لَا نَفْسَ الْمَعْطُوفِ عَلَى مَا زَعَمْتُمْ فِي مِائَةٍ وَدِرْهَمٍ قُلْنَا مَمْنُوعٌ بَلْ الْمُفَسِّرُ هُوَ الْمَعْطُوفُ بِمَعْنَى أَنَّ الْمَعْطُوفَ عَلَيْهِ يَكُونُ مِنْ جِنْسِ الْمَعْطُوفِ دِرْهَمًا كَانَ أَوْ دِينَارًا أَوْ غَيْرَهُمَا.
وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ قِيَاسٌ فِي اللُّغَةِ، وَإِنْ أُرِيدَ ابْتِنَاءُ الْحُكْمِ عَلَى الْقِيَاسِ الشَّرْعِيِّ لَمْ يَكُنْ مِنْ قَبِيلِ الْبَيَانِ، وَأَيْضًا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْعِلَّةَ هُوَ كَوْنُ الْمَعْطُوفِ مِنْ قَبِيلِ الْمُقَدَّرَاتِ بَلْ كَوْنُ الْعَطْفِ مُقْتَضِيًا لِلشَّرِكَةِ فِيمَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْمَعْطُوفُ، وَالْمَعْطُوفُ عَلَيْهِ كَالْجَزَاءِ، وَالشَّرْطِ فَكَذَا التَّفْسِيرُ فِي مِائَةٍ وَثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ بِخِلَافِ مِائَةٍ وَدِرْهَمٍ إذْ لَا إبْهَامَ فِي الْمَعْطُوفِ فَلَا احْتِيَاجَ إلَى التَّفْسِيرِ
[الرُّكْنُ الثَّالِثُ فِي الْإِجْمَاعِ وَفِيهِ خَمْسَةُ أُمُورٍ]
[الْأَمْرُ الْأَوَّلُ رُكْنُ الْإِجْمَاعِ]
(قَوْلُهُ: الرُّكْنُ الثَّالِثُ فِي الْإِجْمَاعِ) هُوَ فِي اللُّغَةِ الْعَزْمُ يُقَالُ: أَجْمَعَ فُلَانٌ عَلَى كَذَا أَيْ: عَزَمَ، وَالِاتِّفَاقُ يُقَالُ أَجْمَعَ الْقَوْمُ عَلَى كَذَا أَيْ: اتَّفَقُوا، وَفِي الِاصْطِلَاحِ: اتِّفَاقُ الْمُجْتَهِدِينَ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ عليه الصلاة والسلام فِي عَصْرٍ عَلَى حُكْمٍ شَرْعِيٍّ، وَالْمُرَادُ بِالِاتِّفَاقِ
فَالْإِجْمَاعُ عَلَيْهِ يَكُونُ إخْبَارًا فَلَا يَكُونُ مِنْ قِسْمِ الْإِجْمَاعِ الْمَخْصُوصِ بِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ عليه الصلاة والسلام. وَلَا يُشْتَرَطُ لَهُ الِاجْتِهَادُ بَلْ يَكُونُ مِنْ قَبِيلِ الْإِخْبَارَاتِ، وَإِنْ كَانَ أَمْرًا حِسِّيًّا مُسْتَقْبَلًا كَأُمُورِ الْآخِرَةِ وَأَشْرَاطِ السَّاعَةِ مَثَلًا فَمَعْرِفَتُهُ لَا يُمْكِنُ إلَّا بِالنَّقْلِ عَنْ مُخْبِرٍ صَادِقٍ يُوقَفُ عَلَى الْمُغَيَّبَاتِ كَالنَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام مَثَلًا فَإِجْمَاعُهُمْ عَلَى ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ إجْمَاعٌ عَلَى ذَلِكَ الْأَمْرِ الْمُسْتَقْبَلِ لَا يُعْتَبَرُ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ لَكِنْ يُعْتَبَرُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَنْقُولٌ عَمَّنْ يُوقَفُ عَلَى الْغَيْبِ فَرَجَعَ إلَى الْأَمْرِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَحْسُوسًا مَاضِيًا، وَإِنْ كَانَ أَمْرًا يُدْرَكُ بِالْعَقْلِ فَالْعَقْلُ يُفِيدُ الْيَقِينَ، فَالدَّلِيلُ هُوَ الْعَقْلُ لَا الْإِجْمَاعُ بِخِلَافِ الشَّرْعِيَّاتِ فَإِنَّ مُسْتَنَدَ الْإِجْمَاعِ لَا يَكُونُ قَطْعِيًّا ثُمَّ الْإِجْمَاعُ يُفِيدُهَا قَطْعِيَّةً.
(فَالْبَحْثُ هُنَا فِي أُمُورٍ: الْأَوَّلِ: فِي رُكْنِهِ، وَهُوَ الِاتِّفَاقُ، وَالْعَزِيمَةُ فِيهِ أَنْ يَثْبُتَ ذَلِكَ إمَّا بِالتَّكَلُّمِ مِنْهُمْ أَوْ بِعَمَلِهِمْ بِهِ، وَالرُّخْصَةُ أَنْ يَتَكَلَّمَ الْبَعْضُ أَوْ يَعْمَلَ بِهِ، وَيَسْكُتَ الْبَاقِي بَعْدَ بُلُوغِ ذَلِكَ إلَيْهِمْ وَمُضِيِّ مُدَّةِ التَّأَمُّلِ، وَعِنْدَ الْبَعْضِ لَا يَثْبُتُ بِالسُّكُوتِ؛ لِأَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه شَاوَرَ الصَّحَابَةَ فِي مَالٍ فَضَلَ عِنْدَهُ وَعَلِيٌّ رضي الله عنه سَاكِتٌ حَتَّى سَأَلَهُ فَرَوَى حَدِيثًا فِي قِسْمَةِ الْفَضْلِ) لَمَّا شَاوَرَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - الصَّحَابَةَ فِي ذَلِكَ أَشَارَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ بِتَأْخِيرِ الْقِسْمَةِ وَالْإِمْسَاكِ إلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ وَعَلِيٌّ رضي الله عنه
ــ
[التلويح]
الِاشْتِرَاكُ فِي الِاعْتِقَادِ أَوْ الْقَوْلِ أَوْ الْفِعْلِ، وَقُيِّدَ بِالْمُجْتَهِدِينَ إذْ لَا عِبْرَةَ بِاتِّفَاقِ الْعَوَامّ، وَعُرِّفَ فَاللَّامُ الِاسْتِغْرَاقِ احْتِرَازًا عَنْ اتِّفَاقِ بَعْضِ مُجْتَهِدِي عَصْرٍ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ عليه الصلاة والسلام عَنْ اتِّفَاقِ مُجْتَهِدِي الشَّرَائِعِ السَّالِفَةِ، وَقَوْلُهُ فِي عَصْرٍ حَالٌ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ مَعْنَاهُ زَمَانٌ مَا، قَلَّ أَوْ كَثُرَ.
وَفَائِدَتُهُ الِاحْتِرَازُ عَمَّا يَرِدُ عَلَى مَنْ تَرَكَ هَذَا الْقَيْدَ مِنْ لُزُومِ عَدَمِ انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ إلَى آخِرِ الزَّمَانِ إذْ لَا يَتَحَقَّقُ اتِّفَاقُ جَمِيعِ الْمُجْتَهِدِينَ إلَّا حِينَئِذٍ وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَنْ تَرَكَهُ إنَّمَا تَرَكَهُ لِوُضُوحِهِ لَكِنَّ التَّصْرِيحَ بِهِ أَنْسَبُ بِالتَّعْرِيفَاتِ، وَأَطْلَقَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ الْأَمْرَ لِيَعُمَّ الشَّرْعِيَّ وَغَيْرَهُ حَتَّى يَجِبُ اتِّبَاعُ إجْمَاعِ آرَاءِ الْمُجْتَهِدِينَ فِي أَمْرِ الْحُرُوبِ وَنَحْوِهَا، وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ تَارِكَ الِاتِّبَاعِ إنْ أَثِمَ فَهُوَ أَمْرٌ شَرْعِيٌّ، وَإِلَّا فَلَا مَعْنَى لِلْوُجُوبِ وَالْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - خَصَّهُ بِالشَّرْعِ زَعْمًا مِنْهُ أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ لِلْإِجْمَاعِ فِي الْأُمُورِ الدُّنْيَوِيَّةِ، وَالدِّينِيَّةِ الْغَيْرِ الشَّرْعِيَّةِ وَفِيمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْبَيَانِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْعَقْلِيَّ قَدْ يَكُونُ ظَنِّيًّا فَبِالْإِجْمَاعِ يَصِيرُ قَطْعِيًّا كَمَا فِي تَفْضِيلِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم، وَكَثِيرٍ مِنْ الِاعْتِقَادِيَّات، وَأَيْضًا الْحِسِّيُّ الِاسْتِقْبَالِيُّ قَدْ يَكُونُ مِمَّا لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ الْمُخْبِرُ الصَّادِقُ بَلْ اسْتَنْبَطَهُ الْمُجْتَهِدُونَ مِنْ نُصُوصِهِ فَيُفِيدُ الْإِجْمَاعُ قَطْعِيَّتَهُ.
(قَوْلُهُ: فَالْبَحْث هُنَا فِي أُمُورٍ) رُكْنِهِ، وَأَهْلِهِ وَشَرْطِهِ، وَحُكْمِهِ، وَسَبَبِهِ أَعْنِي: السَّنَدَ، وَالنَّاقِلَ وَعَلَى هَذَا كَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ الْأَوَّلُ رُكْنُهُ إلَّا أَنَّهُ أَرَادَ بِالْبَحْثِ الْمَعْنَى الْجِنْسِيَّ فَكَأَنَّهُ قَالَ، وَالْأَبْحَاثُ هَاهُنَا فِي