الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإِلَّا، فَلَا، وَمَا لَيْسَ بِطَعْنٍ شَرْعًا فَمَذْكُورٌ فِي أُصُولِ الْبَزْدَوِيِّ فَإِنْ أَرَدْت فَعَلَيْكَ بِالْمُطَالَعَةِ فِيهِ.
(فَصْلٌ) فِي أَفْعَالِهِ عليه الصلاة والسلام
- فَمِنْهَا مَا يُقْتَدَى بِهِ وَهُوَ مُبَاحٌ وَمُسْتَحَبٌّ وَوَاجِبٌ، وَفَرْضٌ وَغَيْرُ الْمُقْتَدَى بِهِ، وَهُوَ إمَّا مَخْصُوصٌ بِهِ أَوْ زَلَّةٌ، وَهِيَ فِعْلُهُ مِنْ الصَّغَائِرِ يَفْعَلُهُ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ، وَلَا بُدَّ أَنْ يُنَبَّهَ عَلَيْهَا لِئَلَّا يُقْتَدَى بِهَا فَفِعْلُهُ الْمُطْلَقُ يُوجِبُ التَّوَقُّفَ عِنْدَ الْبَعْضِ لِلْجَهْلِ بِصِفَتِهِ، وَلَا تَحْصُلُ الْمُتَابَعَةُ إلَّا بِإِتْيَانِهِ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ، وَعِنْدَ الْبَعْضِ يَلْزَمُنَا اتِّبَاعُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} [النور: 63] أَيْ: فِعْلِهِ وَطَرِيقَتِهِ وَعِنْدَ الْكَرْخِيِّ يَثْبُتُ الْمُتَيَقَّنُ، وَهُوَ الْإِبَاحَةُ، وَلَا يَكُونُ لَنَا اتِّبَاعُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَخْصُوصًا بِهِ وَالْمُخْتَارُ عِنْدَنَا الْإِبَاحَةُ لَكِنْ يَكُونُ لَنَا اتِّبَاعُهُ؛ لِأَنَّهُ بُعِثَ لِيُقْتَدَى بِأَقْوَالِهِ، وَأَفْعَالِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِإِبْرَاهِيمَ عليه الصلاة والسلام {إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا} [البقرة: 124] وَذَلِكَ بِسَبَبِ النُّبُوَّةِ وَالْمَخْصُوصُ بِهِ نَادِرٌ.
(فَصْلٌ) فِي الْوَحْيِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ وَبَاطِنٌ أَمَّا الظَّاهِرُ فَثَلَاثَةٌ. الْأَوَّلُ: مَا ثَبَتَ بِلِسَانِ الْمَلَكِ فَوَقَعَ فِي سَمْعِهِ عليه الصلاة والسلام بَعْدَ عِلْمِهِ بِالْمُبَلِّغِ بِآيَةٍ قَاطِعَةٍ وَالْقُرْآنُ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ.
وَالثَّانِي: مَا وَضَحَ لَهُ بِإِشَارَةِ الْمَلَكِ مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ بِالْكَلَامِ كَمَا قَالَ عليه الصلاة والسلام «إنَّ رُوحَ الْقُدُسِ نَفَثَ فِي رَوْعِي أَنَّ نَفْسًا لَنْ تَمُوتَ - الْحَدِيثَ - حَتَّى تَسْتَكْمِلَ رِزْقَهَا فَاتَّقُوا اللَّهَ، وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ» .
الرَّوْعُ الْقَلْبُ (وَهَذَا يُسَمَّى خَاطِرَ الْمَلَكِ وَالثَّالِثُ مَا تَبَدَّى لِقَلْبِهِ بِلَا شُبْهَةٍ بِإِلْهَامِ اللَّهِ تَعَالَى إيَّاهُ بِأَنْ أَرَاهُ بِنُورٍ مِنْ عِنْدِهِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} [النساء: 105] وَكُلُّ ذَلِكَ حُجَّةٌ مُطْلَقًا بِخِلَافِ الْإِلْهَامِ لِلْأَوْلِيَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ حُجَّةً عَلَى غَيْرِهِ (وَأَمَّا الْبَاطِنُ فَمَا يُنَالُ بِالرَّأْيِ وَالِاجْتِهَادِ) وَفِيهِ خِلَافٌ فَعِنْدَ الْبَعْضِ حَظُّهُ الْوَحْيُ الظَّاهِرُ لَا غَيْرُ، وَإِنَّمَا الرَّأْيُ، وَهُوَ الْمُحْتَمِلُ لِلْخَطَأِ يَكُونُ لِغَيْرِهِ
ــ
[التلويح]
الْجَرْحِ وَمَوَاقِعِ الْخِلَافِ.
وَالْحَقُّ أَنَّ الْجَارِحَ إنْ كَانَ ثِقَةً بَصِيرًا بِأَسْبَابِ الْجَرْحِ وَمَوَاقِعِ الْخِلَافِ ضَابِطًا لِذَلِكَ يُقْبَلُ جَرْحُهُ الْمُبْهَمُ، وَإِلَّا، فَلَا.
(قَوْلُهُ: مَا لَيْسَ بِطَعْنٍ شَرْعًا) مِثْلُ رَكْضِ الْخَيْلِ، وَالْمُزَاحِ وَتَحَمُّلِ الْحَدِيثِ فِي الصِّغَرِ وَمِثْلُ الْإِرْسَالِ، وَالِاسْتِكْسَارِ مِنْ فُرُوعِ الْفِقْهِ، وَأَمْثَالِ ذَلِكَ
[فَصْلٌ فِي أَفْعَالِهِ عليه الصلاة والسلام]
(قَوْلُهُ: فَصْلٌ فِي أَفْعَالِهِ عليه الصلاة والسلام) يَعْنِي أَنَّ الْأَفْعَالَ الَّتِي لَمْ يَتَّضِحْ فِيهَا أَمْرُ الْجِبِلَّةِ كَالْقِيَامِ، وَالْقُعُودِ، وَالْأَكْلِ، وَالشُّرْبِ فَإِنَّ ذَلِكَ مُبَاحٌ لَهُ وَلِأُمَّتِهِ بِلَا خِلَافٍ فَيَكُونُ خَارِجًا عَنْ الْأَقْسَامِ أَوْ يَدْخُلُ فِي الْمُبَاحِ الَّذِي يُقْتَدَى بِهِ بِمَعْنَى أَنَّهُ يُبَاحُ لَنَا أَيْضًا فِعْلُهُ فَعَلَى هَذَا يَصِحُّ حَصْرُ غَيْرِ الْمُقْتَدَى بِهِ فِي الْمَخْصُوصِ، وَالزَّلَّةِ إذْ لَا يَجُوزُ مِنْهُ الْكَبَائِرُ، وَلَا الصَّغَائِرُ.
(قَوْلُهُ: وَوَاجِبٌ، وَفَرْضٌ) يَعْنِي أَنَّ فِعْلَهُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْنَا يَتَّصِفُ بِذَلِكَ بِأَنْ يُجْعَلَ الْوَتْرَ وَاجِبًا عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم لَا مُسْتَحَبًّا أَوْ فَرْضًا، وَإِلَّا فَالثَّابِتُ عِنْدَهُ بِدَلِيلٍ يَكُونُ قَطْعِيًّا لَا مَحَالَةَ حَتَّى إنَّ قِيَاسَهُ وَاجْتِهَادَهُ أَيْضًا قَطْعِيٌّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقَرَّرُ عَنْ الْخَطَأِ عَلَى مَا سَيَأْتِي.
(قَوْلُهُ: وَهُوَ فِعْلُهُ مِنْ
لِعَجْزِهِ عَنْ الْأَوَّلِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 4] وَعِنْدَ الْبَعْضِ لَهُ الْعَمَلُ بِهِمَا وَالْمُخْتَارُ عِنْدَنَا أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِانْتِظَارِ الْوَحْيِ ثُمَّ الْعَمَلِ بِالرَّأْيِ بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الِانْتِظَارِ لِعُمُومِ {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ} [الحشر: 2] وَلِحُكْمِ دَاوُد وَسُلَيْمَانَ - عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِالرَّأْيِ فِي نَفْشِ غَنَمِ الْقَوْمِ) يُقَالُ: نَفَشَتْ الْغَنَمُ وَالْإِبِلُ نُفُوشًا أَيْ: رَعَتْ لَيْلًا بِلَا رَاعٍ رُوِيَ أَنَّ غَنَمَ قَوْمٍ وَقَعَتْ لَيْلًا فِي زَرْعِ جَمَاعَةٍ فَأَفْسَدَتْهُ فَتَخَاصَمُوا عِنْدَ دَاوُد عليه الصلاة والسلام فَحَكَمَ دَاوُد بِالْغَنَمِ لِصَاحِبِ الْحَرْثِ فَقَالَ سُلَيْمَانُ عليه الصلاة والسلام، وَهُوَ ابْنُ إحْدَى عَشْرَةَ سَنَةً غَيْرُ هَذَا أَرْفَقُ بِالْفَرِيقَيْنِ فَقَالَ أَرَى أَنْ تُدْفَعَ الْغَنَمُ إلَى أَهْلِ الْحَرْثِ يَنْتَفِعُونَ بِأَلْبَانِهَا، وَأَوْلَادِهَا، وَأَصْوَافِهَا، وَالْحَرْثَ إلَى أَرْبَابِ الشَّاةِ يَقُومُونَ عَلَيْهِ حَتَّى يَعُودَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ أَفْسَدَتْهُ ثُمَّ يَتَرَادُّونَ فَقَالَ دَاوُد عليه الصلاة والسلام الْقَضَاءُ مَا قَضَيْت، وَأَمْضَى الْحُكْمَ بِذَلِكَ.
أَمَّا وَجْهُ حُكُومَةِ دَاوُد عليه الصلاة والسلام أَنَّ الضَّرَرَ وَقَعَ بِالْغَنَمِ فَسُلِّمَتْ إلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْعَبْدِ الْجَانِي، وَأَمَّا وَجْهُ حُكُومَةِ سُلَيْمَانَ عليه الصلاة والسلام أَنَّهُ جَعَلَ الِانْتِفَاعَ بِالْغَنَمِ بِإِزَاءِ مَا فَاتَ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِالْحَرْثِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَزُولَ مِلْكُ الْمَالِكِ عَنْ الْغَنَمِ وَأَوْجَبَ عَلَى صَاحِبِ الْغَنَمِ أَنْ يَعْمَلَ فِي الْحَرْثِ حَتَّى يَزُولَ الضَّرَرُ وَالنُّقْصَانُ.
(وَلِقَوْلِهِ: عليه الصلاة والسلام «أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أَبِيكِ دَيْنٌ فَقَضَيْتِهِ» الْحَدِيثُ) رُوِيَ «أَنَّ الْخَثْعَمِيَّةَ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ فَرِيضَةَ الْحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْتَمْسِكَ عَلَى الرَّاحِلَةِ فَيُجْزِينِي أَنْ أَحُجَّ عَنْهُ فَقَالَ عليه الصلاة والسلام أَرَأَيْتِ
ــ
[التلويح]
الصَّغَائِرِ) رَدٌّ لِمَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْمَشَايِخِ مِنْ أَنَّ زَلَّةَ الْأَنْبِيَاءِ هِيَ الزَّلَلُ مِنْ الْأَفْضَلِ إلَى الْفَاضِلِ وَمِنْ الْأَصْوَبِ إلَى الصَّوَابِ لَا عَنْ الْحَقِّ إلَى الْبَاطِلِ، وَعَنْ الطَّاعَةِ إلَى الْمَعْصِيَةِ لَكِنْ يُعَاتَبُونَ لِجَلَالَةِ قَدْرِهِمْ وَلِأَنَّ تَرْكَ الْأَفْضَلِ عَنْهُمْ بِمَنْزِلَةِ تَرْكِ الْوَاجِبِ عَنْ الْغَيْرِ.
(قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ) قَالَ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَمَّا الزَّلَّةُ، فَلَا يُوجَدُ فِيهَا الْقَصْدُ إلَى عَيْنِهَا وَلَكِنْ يُوجَدُ الْقَصْدُ إلَى أَصْلِ الْفِعْلِ؛ لِأَنَّهَا أُخِذَتْ مِنْ قَوْلِهِمْ زَلَّ الرَّجُلُ فِي الطِّينِ إذَا لَمْ يُوجَدْ الْقَصْدُ إلَى الْوُقُوعِ، وَلَا إلَى الثَّبَاتِ بَعْدَ الْوُقُوعِ وَلَكِنْ وُجِدَ الْقَصْدُ إلَى الْمَشْيِ فِي الطَّرِيقِ، وَإِنَّمَا يُؤَاخَذُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تَخْلُو عَنْ نَوْعِ تَقْصِيرٍ يُمْكِنُ لِلْمُكَلَّفِ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ عِنْدَ التَّثَبُّتِ، وَأَمَّا الْمَعْصِيَةُ حَقِيقَةً فَهِيَ فِعْلُ حَرَامٍ يُقْصَدُ إلَى نَفْسِهِ مَعَ الْعِلْمِ بِحُرْمَتِهِ.
(قَوْلُهُ: فَفِعْلُهُ الْمُطْلَقُ) أَيْ: الْخَالِي عَنْ قَرِينَةِ الْفَرْضِيَّةِ وَالْوُجُوبِ، وَالِاسْتِحْبَابِ، وَالْإِبَاحَةِ وَكَوْنِهِ زِلَّةً أَوْ سَهْوًا أَوْ مَخْصُوصًا بِالنَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام فِيهِ أَرْبَعَةُ مَذَاهِبَ حَاصِلَا الْأَوَّلَيْنِ الِاتِّفَاقُ عَلَى عَدَمِ الْجَزْمِ بِحُكْمِ ذَلِكَ الْفِعْلِ بِالنِّسْبَةِ إلَى النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام، وَالِاخْتِلَافُ فِي أَنَّهُ هَلْ يَلْزَمُنَا الِاتِّبَاعُ أَوْ يُتَوَقَّفُ فِي الِاتِّبَاعِ أَيْضًا، وَحَاصِلُ الْأَخِيرَيْنِ الِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّ حُكْمَهُ الْإِبَاحَةُ لِلنَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام -