الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مُتَعَدٍّ إلَى الْأُرْزِ وَغَيْرِهِ فَلَا فَائِدَةَ لَهُ إلَّا نَفْيَ الْحُكْمِ فِي الْجَصِّ لِعَدَمِ الْعِلَّةِ وَهِيَ لَا تُفِيدُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ قَدْ ثَبَتَ بِعِلَلٍ شَتَّى وَإِنْ تَعَدَّى إلَى مُخْتَلَفٍ فِيهِ يُقْبَلُ عِنْدَ أَهْلِ النَّظَرِ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ فَإِذَا ثَبَتَ أَحَدُهُمَا انْتَفَى الْآخَرُ لَا عِنْدَ الْفُقَهَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِصِحَّةِ أَحَدِهِمَا تَأْثِيرٌ فِي فَسَادِ الْآخَرِ.
(فَصْلٌ فِي دَفْعِ الْعِلَلِ الطَّرْدِيَّةِ)
لَمَّا عُرِفَ أَنَّ الْعِلَّةَ نَوْعَانِ إمَّا عِلَّةٌ مُؤَثِّرَةٌ وَهِيَ الْمُعْتَبَرَةُ عِنْدَنَا وَإِمَّا عِلَّةٌ تَثْبُتُ عِلِّيَّتُهَا بِالدَّوَرَانِ دُونَ التَّأْثِيرِ وَهِيَ الْمُعْتَبَرَةُ عِنْدَ الْبَعْضِ وَلَيْسَتْ بِمُعْتَبَرَةٍ عِنْدَنَا وَتُسَمَّى عِلَّةً طَرْدِيَّةً فَفِي هَذَا الْفَصْلِ تُذْكَرُ
الِاعْتِرَاضَاتُ الْوَارِدَةُ عَلَى الْقِيَاسِ بِالْعِلَّةِ الطَّرْدِيَّةِ
(وَهُوَ أَرْبَعَةٌ الْأَوَّلُ الْقَوْلُ بِمُوجَبِ الْعِلَّةِ وَهُوَ الْتِزَامُ مَا يَلْزَمُهُ الْمُعَلِّلُ مَعَ بَقَاءِ الْخِلَافِ وَهُوَ يُلْجِئُ الْمُعَلِّلَ إلَى الْعِلَّةِ الْمُؤَثِّرَةِ) أَيْ يَجْعَلُ الْمُعَلِّلَ مُضْطَرًّا إلَى الْقَوْلِ بِمَعْنًى مُؤَثِّرٍ يَرْفَعُ الْخِلَافَ وَلَا يَتَمَكَّنُ الْخَصْمُ مِنْ تَسْلِيمِهِ مَعَ بَقَاءِ الْخِلَافِ
(كَقَوْلِهِ: الْمَسْحُ رُكْنٌ فِي الْوُضُوءِ فَيُسَنُّ تَثْلِيثُهُ كَغَسْلِ الْوَجْهِ فَنَقُولُ يُسَنُّ عِنْدَنَا أَيْضًا لَكِنَّ الْفَرْضَ الْبَعْضُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: 6] وَهُوَ إمَّا رُبْعٌ أَوْ أَقَلُّ فَالِاسْتِيعَابُ تَثْلِيثٌ وَزِيَادَةٌ وَإِنْ غَيَّرَ فَقَالَ يُسَنُّ تَكْرَارُهُ يُمْنَعُ ذَلِكَ فِي الْأَصْلِ بَلْ الْمَسْنُونُ فِي الرُّكْنِ التَّكْمِيلُ كَمَا فِي أَرْكَانِ
ــ
[التلويح]
وَقَعَ الِاتِّفَاقُ عَلَى فَسَادِ أَحَدِهِمَا لَا بِعَيْنِهِ لِمَعْنًى فِيهِ لَا لِصِحَّةِ الْآخَرِ بَلْ كُلٌّ مِنْ الصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ يَفْتَقِرُ إلَى مَعْنًى يُوجِبُهُ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ عَدَمَ تَأْثِيرِ صِحَّةِ أَحَدِهِمَا فِي فَسَادِ الْآخَرِ لَا يُنَافِي فَسَادَ أَحَدِهِمَا عِنْدَ صِحَّةِ الْآخَرَ لَا يُقَالُ كُلٌّ مِنْهُمَا يَحْتَمِلُ الصِّحَّةَ وَالْفَسَادَ إذْ الْكَلَامُ فِيمَا يُثْبِتُ عِلِّيَّتَهُ ظَنًّا لَا قَطْعًا؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَا نَعْنِي بِفَسَادِ الْعِلِّيَّةِ إلَى هَذَا وَهُوَ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ الظَّنُّ بِالْعِلِّيَّةِ مَا لَمْ يُرَجَّحْ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ أَحَدُهُمَا، وَلَا أَوْلَوِيَّةَ بِدُونِ التَّرْجِيحِ.
[فَصْلٌ فِي دَفْعِ الْعِلَلِ الطَّرْدِيَّةِ]
[الِاعْتِرَاضَاتُ الْوَارِدَةُ عَلَى الْقِيَاسِ بِالْعِلَّةِ الطَّرْدِيَّةِ]
(قَوْلُهُ: فَصْلٌ) فِي الِاعْتِرَاضَاتِ الَّتِي تُورَدُ عَلَى الْقِيَاسَاتِ الَّتِي لَا يَظْهَرُ تَأْثِيرُ عِلَلِهَا بَلْ يُكْتَفَى فِيهَا بِمُجَرَّدِ دَوْرَانِ الْحُكْمِ مَعَ الْعِلَّةِ إمَّا وُجُودًا فَقَطْ وَإِمَّا وُجُودًا وَعَدَمًا وَيَنْبَغِي أَنْ يُرَادَ بِالطَّرْدِيَّةِ هَاهُنَا مَا لَيْسَتْ بِمُؤَثِّرَةٍ لِتَعُمَّ الْمُنَاسِبَ وَالْمُلَائِمَ فَيَصِحُّ الْحَصْرُ فِي الْمُؤَثِّرَةِ وَالطَّرْدِيَّةِ وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنْ إيرَادِ الْفَصْلَيْنِ اخْتِصَاصَ كُلٍّ مِنْ الْفَصْلَيْنِ بِنَوْعٍ مِنْ الْعِلَلِ فَإِنَّ الْكَلَامَ صَرِيحٌ فِي اشْتِرَاكِهِمَا فِي الْمُمَانَعَةِ وَالْمُنَاقَضَةِ وَفَسَادِ الْوَضْعِ، وَلَا يَخْفَى جَرَيَانُ الْمُعَارَضَةِ فِي الطَّرْدِيَّةِ بَلْ هِيَ أَظْهَرُ وَأَسْهَلُ نَعَمْ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يُوهِمُ اخْتِصَاصَ الْقَوْلِ بِالْمُوجِبِ بِالْعِلَلِ الطَّرْدِيَّةِ حَيْثُ قَالَ وَهُوَ يُلْجِئُ الْمُعَلِّلَ إلَى الْعِلَّةِ الْمُؤَثِّرَةِ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ حَاصِلَ الْقَوْلِ بِالْمُوجِبِ دَعْوَى الْمُعْتَرِضِ أَنَّ الْمُعَلِّلَ نَصَبَ الدَّلِيلَ فِي غَيْرِ مَحَلِّ النِّزَاعِ وَهَذَا مِمَّا لَا اخْتِصَاصَ لَهُ بِالطَّرْدِيَّةِ.
(قَوْلُهُ: وَهُوَ) أَيْ الْقَوْلُ بِمُوجِبِ الْعِلَّةِ الْتِزَامُ السَّائِلِ مَا يَلْزَمُهُ الْمُعَلِّلُ بِتَعْلِيلِهِ مَعَ بَقَاءِ النِّزَاعِ فِي الْحُكْمِ الْمَقْصُودِ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ هُوَ تَسْلِيمُ مَا اتَّخَذَهُ الْمُسْتَدِلُّ حُكْمًا لِدَلِيلِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُ الْحُكْمِ
الصَّلَاةِ بِالْإِطَالَةِ لَكِنَّ الْغُسْلَ لَمَّا اسْتَوْعَبَ الْمَحَلَّ لَا يُمْكِنُ التَّكْمِيلُ إلَّا بِالتَّكْرَارِ وَهُنَا الْمَحَلُّ مُتَّسَعٌ) أَيْ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ الْمَحَلُّ وَهُوَ الرَّأْسُ مُتَّسَعٌ يُمْكِنُ الْإِكْمَالُ بِدُونِ التَّكْرَارِ (عَلَى أَنَّ التَّكْرَارَ رُبَّمَا يَصِيرُ غُسْلًا فَيَلْزَمُ تَغْيِيرُ الْمَشْرُوعِ فَالِاعْتِرَاضُ عَلَى التَّقْدِيرِ الْأَوَّلِ قَوْلٌ بِمُوجِبِ الْعِلَّةِ وَعَلَى تَقْدِيرِ التَّغْيِيرِ مُمَانَعَةٌ) فَالْحَاصِلُ أَنْ نَقُولَ إنْ أَرَدْتُمْ بِالتَّثْلِيثِ جَعْلَهُ ثَلَاثَةَ أَمْثَالِ الْفَرْضِ فَنَحْنُ قَائِلُونَ بِهِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيعَابَ تَثْلِيثٌ وَزِيَادَةٌ، وَإِنْ أَرَدْتُمْ بِالتَّثْلِيثِ التَّكْرَارَ ثَلَاثَةَ مَرَّاتٍ نَمْنَعُ هَذَا فِي الْأَصْلِ أَيْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الرُّكْنِيَّةَ تُوجِبُ هَذَا بَلْ الرُّكْنِيَّةُ تُوجِبُ الْإِكْمَالَ كَمَا فِي أَرْكَانِ الصَّلَاةِ فَالِاعْتِرَاضُ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يُرَادَ بِالتَّثْلِيثِ جَعْلُهُ ثَلَاثَ أَمْثَالِ
ــ
[التلويح]
الْمُتَنَازَعِ فِيهِ وَيَقَعُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ الْأَوَّلُ أَنْ يَلْزَمَ الْمُعَلِّلُ بِتَعْلِيلِهِ مَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ مَحَلُّ النِّزَاعِ أَوْ مُلَازِمُهُ مَعَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مَحَلَّ النِّزَاعِ، وَلَا مُلَازِمَهُ إمَّا بِصَرِيحِ عِبَارَةِ الْمُعَلِّلِ كَمَا إذَا قَالَ الْقَتْلُ بِالْمُثْقَلِ قَتْلٌ بِمَا يَقْتُلُ غَالِبًا فَلَا يُنَافِي الْقِصَاصَ كَالْقَتْلِ بِالْحَرْقِ فَيُجَابُ بِأَنَّ النِّزَاعَ لَيْسَ فِي عَدَمِ الْمُنَافَاةِ بَلْ فِي إيجَابِ الْقِصَاصِ وَإِمَّا بِحَمْلِ الْمُعْتَرِضِ عِبَارَتَهُ عَلَى مَا لَيْسَ بِمُرَادِهِ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ تَثْلِيثِ الْمَسْحِ وَتَعْيِينِ النِّيَّةِ فَإِنَّ الْمُعَلِّلَ يُرِيدُ بِالتَّثْلِيثِ إصَابَةَ الْمَاءِ مَحَلَّ الْفَرْضِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَبِالتَّعْيِينِ تَعْيِينًا قَصْدِيًّا مِنْ جِهَةِ الصَّائِمِ، وَالسَّائِلُ يَحْمِلُ التَّثْلِيثَ عَلَى جَعْلِهِ ثَلَاثَةَ أَمْثَالِ الْفَرْضِ وَالتَّعْيِينُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ بِقَصْدِ الصَّائِمِ أَوْ مُعَيَّنًا بِتَعْيِينِ الشَّارِعِ حَتَّى لَوْ صَرَّحَ الْمُعَلِّلُ بِمُرَادِهِ لَمْ يَكُنْ الْقَوْلُ بِالْمُوجِبِ بَلْ تَتَعَيَّنُ الْمُمَانَعَةُ وَالثَّانِي أَنْ يَلْزَمَ الْمُعَلِّلُ بِتَعْلِيلِهِ إبْطَالَ مَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ مَأْخَذُ الْخَصْمِ كَمَا إذَا قَالَ فِي السَّرِقَةِ: أَخْذُ مَالِ الْغَيْرِ بِلَا اعْتِقَادِ إبَاحَةٍ وَتَأْوِيلٍ فَيُوجِبُ الضَّمَانَ كَالْغَصْبِ فَيُقَالُ نَعَمْ إلَّا أَنَّ اسْتِيفَاءَ الْحَدِّ بِمَنْزِلَةِ الْإِبْرَاءِ فِي إسْقَاطِ الضَّمَانِ. وَالثَّالِثُ أَنْ يَسْكُتَ الْمُعَلِّلُ عَنْ بَعْضِ الْمُقَدِّمَاتِ لِشُهْرَتِهِ فَالسَّائِلُ يُسَلِّمُ الْمُقَدِّمَةَ الْمَذْكُورَةَ وَيَبْقَى النِّزَاعُ فِي الْمَطْلُوبِ لِلنِّزَاعِ فِي الْمُقَدِّمَةِ الْمَطْوِيَّةِ وَرُبَّمَا يَحْمِلُ الْمُقَدِّمَةَ الْمَطْوِيَّةَ عَلَى مَا يُنْتِجُ مَعَ الْمُقَدِّمَةِ الْمَذْكُورَةِ نَقِيضَ حُكْمَ الْمُعَلِّلِ فَيَصِيرُ قَلْبًا كَمَا فِي مَسْأَلَةِ غَسْلِ الْمِرْفَقِ فَإِنَّ الْمُعَلِّلَ يُرِيدُ أَنَّ الْغَايَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي الْآيَةِ غَايَةٌ لِلْغَسْلِ وَالْغَايَةُ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ الْمُغَيَّا فَلَا تَدْخُلُ الْمَرْفِقُ فِي الْغُسْلِ وَالسَّائِلُ يُرِيدُ أَنَّهَا غَايَةٌ لِلْإِسْقَاطِ فَلَا تَدْخُلُ فِي الْإِسْقَاطِ فَتَبْقَى دَاخِلَةً فِي الْغُسْلِ فَلَوْ صَرَّحَ بِالْمُقَدِّمَةِ الْمَطْوِيَّةِ لَتَعَيَّنَ مَنْعُهَا ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْمِثَالَ لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ الْقِيَاسِ فَضْلًا عَنْ أَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ طَرْدِيَّةً وَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَنْ أَنَّ الِاعْتِرَاضَاتِ لَا تَخُصُّ الْقِيَاسَ بَلْ تَعُمُّ الْأَدِلَّةَ فَإِنْ قُلْت كَيْفَ يَكُونُ هَذَا الْمِثَالُ مِنْ الْقَوْلِ بِالْمُوجِبِ وَالْمُعَلِّلُ إنَّمَا يَلْزَمُ عَدَمُ دُخُولِ الْمِرْفَقِ تَحْتَ الْغَسْلِ وَالسَّائِلُ لَا يَلْتَزِمُ ذَلِكَ؟ قُلْتُ: الْمُعْتَبَرُ فِي الْقَوْلِ بِالْمُوجِبِ الْتِزَامُ مَا يَلْزَمُهُ الْمُعَلِّلُ بِتَعْلِيلِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُعَلِّلٌ، وَهُوَ هَاهُنَا لَا يَلْزَمُ إلَّا عَدَمُ دُخُولِ الْمِرْفَقِ تَحْتَ مَا هُوَ غَايَةٌ لَهُ، وَقَدْ الْتَزَمَهُ السَّائِلُ فَظَهَرَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْمُصَنِّفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَوْ أَوْرَدَ مَكَانَ مَسْأَلَةِ تَعْيِينِ النِّيَّةِ مَسْأَلَةَ ضَمَانِ السَّرِقَةِ أَوْ نَحْوِهَا لِيَكُونَ تَنْبِيهًا عَلَى الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ لَكَانَ أَنْسَبَ.
(قَوْلُهُ فَالِاسْتِيعَابُ تَثْلِيثٌ وَزِيَادَةٌ)
الْفَرْضِ يَكُونُ قَوْلًا بِمُوجِبِ الْعِلَّةِ وَعَلَى تَقْدِيرِ التَّغْيِيرِ وَهُوَ أَنْ يُرَادَ بِالتَّثْلِيثِ التَّكْرَارُ فَالِاعْتِرَاضُ مُمَانَعَةٌ
(وَكَقَوْلِهِ: صَوْمُ رَمَضَانَ صَوْمُ فَرْضٍ فَلَا يَتَأَدَّى إلَّا بِتَعْيِينِ النِّيَّةِ فَنُسَلِّمُ مُوجِبَهُ لَكِنَّ الْإِطْلَاقَ تَعْيِينٌ وَكَقَوْلِهِ: الْمِرْفَقُ لَا يَدْخُلُ فِي الْغَسْلِ؛ لِأَنَّ الْغَايَةَ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ الْمُغَيَّا قُلْنَا نَعَمْ لَكِنَّهَا غَايَةٌ لِلْإِسْقَاطِ فَلَا تَدْخُلُ تَحْتَهُ، الثَّانِي الْمُمَانَعَةُ وَهِيَ إمَّا فِي الْوَصْفِ) أَيْ تَمْنَعُ وُجُودَ الْوَصْفِ الَّذِي يَدَّعِي الْمُعَلِّلُ عِلِّيَّتَهُ فِي الْفَرْعِ
(كَقَوْلِهِ فِي مَسْأَلَةِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ: عُقُوبَةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْجِمَاعِ فَلَا تَجِبُ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ كَحَدِّ الزِّنَا فَلَا نُسَلِّمُ تَعَلُّقَهَا بِالْجِمَاعِ بَلْ هِيَ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْفِطْرِ
ــ
[التلويح]
لِأَنَّ التَّثْلِيثَ ضَمُّ الْمِثْلَيْنِ وَفِي الِاسْتِيعَابِ ضَمُّ ثَلَاثَةِ الْأَمْثَالِ إنْ قَدَّرَ مَحَلَّ الْفَرْضِ بِالرُّبْعِ أَوْ أَكْثَرَ إنْ قَدَّرَ بِأَقَلَّ مِنْ الرُّبْعِ وَاتِّحَادُ الْمَحَلِّ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ التَّثْلِيثِ بَلْ مِنْ ضَرُورَةِ التَّكْرَارِ وَالنَّصُّ الْوَارِدُ فِي الرُّكْنِ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى سُنِّيَّةِ الْإِكْمَالِ دُونَ التَّكْرَارِ، وَهُوَ حَاصِلٌ بِالْإِطَالَةِ كَمَا فِي الْقِرَاءَةِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ بِخِلَافِ الْغَسْلِ فَإِنَّ تَكْمِيلَهُ بِالْإِطَالَةِ يَقَعُ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْفَرْضِ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّكْرَارِ، وَأَمَّا الْمَسْحُ فَمَحَلُّهُ الرَّأْسُ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ مَوْضِعٍ دُونَ مَوْضِعٍ وَهُوَ مُتَّسَعٌ يَزِيدُ عَلَى مِقْدَارِ الْفَرْضِ فَيُمْكِنُ تَكْمِيلُهُ فِي مَحَلِّ الْفَرْضِ بِالْإِطَالَةِ وَالِاسْتِيعَابِ (قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّ التَّكْرَارَ بِمَا يَصِيرُ غُسْلًا) زِيَادَةُ تَوْضِيحٍ وَتَحْقِيقٍ لِكَوْنِ الْمَسْنُونِ هُوَ التَّكْمِيلَ بِالْإِطَالَةِ دُونَ التَّكْرَارِ وَلَيْسَ بِاعْتِرَاضٍ آخَرَ عَلَى هَذَا الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنَاسِبُ الْمَقَامَ.
(قَوْلُهُ: الثَّانِي الْمُمَانَعَةُ) وَهِيَ مَنْعُ ثُبُوتِ الْوَصْفِ فِي الْأَصْلِ أَوْ الْفَرْعِ أَوْ مَنْعُ الْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ أَوْ الْفَرْعِ أَوْ مَنْعُ صَلَاحِيَّةِ الْوَصْفِ لِلْحُكْمِ أَوْ مَنْعُ نِسْبَةِ الْحُكْمِ إلَى الْوَصْفِ فَإِنْ قِيلَ التَّعْلِيلُ إنَّمَا هُوَ لِإِثْبَاتِ الْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ فَمَنْعُ الْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ يَكُونُ مَنْعًا لِلْمَدْلُولِ مِنْ غَيْرِ قَدْحٍ فِي الدَّلِيلِ فَلَا يَكُونُ مُوَجَّهًا قُلْنَا الْمُرَادُ مَنْعُ إمْكَانِ ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ فَيَكُونُ مَنْعًا لِتَحَقُّقِ شَرَائِطِ الْقِيَاسِ إذْ مِنْ شَرْطِ الْقِيَاسِ إمْكَانُ ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ أَمَّا مَنْعُ ثُبُوتِ الْوَصْفِ فِي الْأَصْلِ فَكَمَا يُقَالُ مَسْحُ الرَّأْسِ طَهَارَةُ مَسْحٍ فَيُسَنُّ تَثْلِيثُهُ كَالِاسْتِنْجَاءِ فَيُعْتَرَضُ بِأَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ لَيْسَ طَهَارَةَ مَسْحٍ بَلْ طَهَارَةٌ عَنْ النَّجَاسَةِ الْحَقِيقِيَّةِ، وَأَمَّا فِي الْفَرْعِ فَكَمَا يُقَالُ كَفَّارَةُ الْإِفْطَارِ عُقُوبَةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْجِمَاعِ فَلَا تَجِبُ بِالْأَكْلِ كَحَدِّ الزِّنَا فَيُقَالُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهَا عُقُوبَةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْجِمَاعِ بَلْ بِنَفْسِ الْإِفْطَارِ عَلَى وَجْهٍ يَكُونُ جِنَايَةً مُتَكَامِلَةً فَالْأَصْلُ حَدُّ الزِّنَا، وَالْفَرْعُ كَفَّارَةُ الصَّوْمِ، وَالْحُكْمُ عَدَمُ الْوُجُوبِ بِالْأَكْلِ، وَالْوَصْفُ الْعُقُوبَةُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْجِمَاعِ، وَقَدْ مَنَعَ السَّائِلُ صَدَقَةً عَلَى كَفَّارَةِ الصَّوْمِ فَظَهَرَ فَسَادُ مَا يُقَالُ إنَّ هَذَا مَنْعٌ لِنِسْبَةِ الْحُكْمِ إلَى الْوَصْفِ بِمَعْنَى أَنَّ وُجُوبَ الْكَفَّارَةِ لَا يَتَعَلَّقُ بِالْجِمَاعِ بَلْ بِالْإِفْطَارِ وَكَمَا يُقَالُ بَيْعُ التُّفَّاحَةِ بِالتُّفَّاحَتَيْنِ بَيْعُ مَطْعُومٍ بِمَطْعُومٍ مُجَازَفَةً فَيَحْرُمُ كَبَيْعِ الصُّبْرَةِ بِالصُّبَرِ مُجَازَفَةً فَيُقَالُ إنْ أَرَدْتُمْ الْمُجَازَفَةَ مُطْلَقًا أَوْ فِي الصِّفَةِ أَوْ فِي
وَكَقَوْلِهِ فِي بَيْعِ التُّفَّاحَةِ بِالتُّفَّاحَتَيْنِ: إنَّهُ بَيْعُ مَطْعُومٍ بِمَطْعُومٍ مُجَازَفَةً فَيَحْرُمُ كَالصُّبَرِ بِالصُّبَرِ فَنَقُولُ إنْ أَرَادَ الْمُجَازَفَةَ بِالْوَصْفِ أَوْ بِالذَّاتِ بِحَسَبِ الْأَجْزَاءِ فَهِيَ جَائِزَةٌ لِجَوَازِ الْجَيِّدِ بِالرَّدِيءِ) هَذَا دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْمُجَازَفَةِ بِالْوَصْفِ
(وَلِلْجَوَازِ عِنْدَ تَفَاوُتِ الْأَجْزَاءِ) هَذَا دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْمُجَازَفَةِ بِالذَّاتِ بِحَسَبِ الْأَجْزَاءِ
(وَإِنْ أَرَادَهَا) أَيْ الْمُجَازَفَةَ
(بِحَسَبِ الْمِعْيَارِ فَتَخْتَصُّ بِمَا يَدْخُلُ فِيهِ) أَيْ فِي الْمِعْيَارِ
(وَأَمَّا فِي الْحُكْمِ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ: وَهِيَ إمَّا فِي الْوَصْفِ
(كَمَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إنْ ادَّعَيْت حُرْمَةً تَنْتَهِي بِالْمُسَاوَاةِ لَا نُسَلِّمُ إمْكَانَهَا فِي الْفَرْعِ وَإِنْ ادَّعَيْتَهَا غَيْرَ
ــ
[التلويح]
الذَّاتِ بِحَسَبِ الْأَجْزَاءِ فَلَا نُسَلِّمُ تَعَلُّقَ الْحُرْمَةِ بِهَا فَإِنَّ بَيْعَ الْجَيِّدِ بِالرَّدِيءِ جَائِزٌ، وَكَذَا بَيْعُ الْقَفِيزِ بِالْقَفِيزِ مَعَ كَوْنِ عَدَدِ حَبَّاتِ أَحَدِهِمَا أَكْثَرَ وَإِنْ أَرَدْتُمْ الْمُجَازَفَةَ بِحَسَبِ الْمِعْيَارِ فَلَا نُسَلِّمُ ثُبُوتَهَا فِي الْفَرْعِ أَعْنِي بَيْعَ التُّفَّاحَةِ بِالتُّفَّاحَتَيْنِ فَإِنَّهَا لَا تَدْخُلُ تَحْتَ الْكَيْلِ وَالْمِعْيَارِ فَمَنْعُ الْوَصْفِ فِي الْفَرْعِ فِي الْمِثَالِ الْأَوَّلِ مُتَعَيِّنٌ وَفِي الثَّانِي مَبْنِيٌّ عَلَى أَحَدِ التَّقَادِيرِ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ ادَّعَيْتهَا) أَيْ وَإِنْ ادَّعَيْت حُرْمَةً غَيْرَ مُتَنَاهِيَةٍ بِالْمُسَاوَاةِ فَلَا نُسَلِّمُ ثُبُوتَ الْحُكْمِ فِي بَيْعِ الصُّبْرَةِ بِالصُّبَرِ مُجَازَفَةً فَإِنَّهُمَا إذَا كِيلَا وَلَمْ يَفْضُلْ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ عَادَ الْعَقْدُ إلَى الْجَوَازِ فَإِنْ قِيلَ الْمُرَادُ مُطْلَقُ الْحُرْمَةِ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ التَّنَاهِي وَعَدَمِهِ أُجِيبُ بِأَنَّ شَرْطَ الْقِيَاسِ تَمَاثُلُ الْحُكْمَيْنِ وَالثَّابِتُ فِي الْأَصْلِ هُوَ أَحَدُ نَوْعَيْ الْحُرْمَةِ الْمُطْلَقَةِ أَعْنِي الْمُتَنَاهِيَ بِالْمُسَاوَاةِ وَهُوَ غَيْرُ مُمْكِنٍ فِي الْفَرْعِ.
(قَوْلُهُ: الثَّالِثُ فَسَادُ الْوَضْعِ) وَهُوَ أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَى الْعِلَّةِ نَقِيضُ مَا تَقْتَضِيهِ وَهُوَ يُبْطِلُ الْعِلَّةَ بِالْكُلِّيَّةِ بِمَنْزِلَةِ فَسَادِ الْأَدَاءِ فِي الشَّهَادَةِ إذْ الشَّيْءُ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ النَّقِيضَانِ فَلَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ بِتَغْيِيرِ الْكَلَامِ بِخِلَافِ الْمُنَاقَضَةِ فَإِنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُحْتَرَزُ عَنْ وُرُودِهَا بِأَنْ يُفَسِّرَ الْكَلَامَ نَوْعَ تَفْسِيرٍ وَبِغَيْرِ أَدْنَى تَغْيِيرٍ كَمَا يُقَالُ الْوُضُوءُ طَهَارَةٌ كَالتَّيَمُّمِ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ النِّيَّةُ فَيُنْقَضُ بِتَطْهِيرِ الْخَبَثِ فَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُمَا تَطْهِيرَانِ حُكْمِيَّانِ فَلَا يَرِدُ النَّقْضُ بِتَطْهِيرِ الْخَبَثِ وَالْمُرَادُ بِالِاحْتِرَازِ عَنْ وُرُودِ الْمُنَاقَضَةِ أَنْ يُسَاقَ الْكَلَامُ بِحَيْثُ لَا يَصِحُّ أَنْ يُورَدَ عَلَيْهِ الْمُنَاقَضَةُ وَإِلَّا فَدَفْعُ الْمُنَاقَضَةِ بَعْدَ إيرَادِهَا يُمْكِنُ بِوُجُوهٍ أُخَرَ سِوَى تَغْيِيرِ الْكَلَامِ عَلَى مَا سَبَقَ.
(قَوْلُهُ: وَلَا بَقَاءُ النِّكَاحِ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ لِإِيجَابِ الْفُرْقَةِ وَعَدَلَ عَنْ الْبَاءِ إلَى لَفْظٍ مَعَ حَيْثُ لَمْ يَقُلْ ارْتِدَادَ أَحَدِهِمَا لِظُهُورِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَقُولُ بِأَنَّ عِلَّةَ بَقَاءِ النِّكَاحِ هِيَ الِارْتِدَادُ بَلْ يَقُولُ إنَّ الِارْتِدَادَ لَا يَقْطَعُ النِّكَاحَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَعَدَمُ كَوْنِ الشَّيْءِ قَاطِعًا لِلشَّيْءِ لَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَهُ عِلَّةً لِبَقَائِهِ وَحِينَ صَرَّحَ فِي الشَّرْحِ بِأَنَّ الشَّافِعِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - جَعَلَ الرِّدَّةَ عِلَّةً لِبَقَاءِ النِّكَاحِ فَسَّرَهُ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَجْعَلُهَا قَاطِعَةً لِلنِّكَاحِ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّهُ لَا تَعْلِيلَ حِينَئِذٍ فَلَا فَسَادَ وَضْعٍ نَعَمْ لَوْ قِيلَ النِّكَاحُ مَبْنِيٌّ عَلَى
مُتَنَاهِيَةٍ لَا نُسَلِّمُ فِي الصُّبْرَةِ) فَقَوْلُهُ كَمَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ إشَارَةٌ إلَى مَسْأَلَةِ بَيْعِ التُّفَّاحَةِ بِالتُّفَّاحَتَيْنِ فَالْمُمَانَعَةُ فِي الْحُكْمِ أَنْ يَمْنَعَ ثُبُوتَ الْحُكْمِ الَّذِي يَكُونُ الْوَصْفُ عِلَّةً لَهُ فِي الْفَرْعِ قَوْلُهُ لَا نُسَلِّمُ إمْكَانَهَا فِي الْفَرْعِ إشَارَةٌ إلَى هَذَا أَوْ نَمْنَعُ ثُبُوتَ الْحُكْمِ الَّذِي يَدَّعِيهِ الْمُعَلِّلُ بِالْوَصْفِ الْمَذْكُورِ فِي الْأَصْلِ وَقَوْلُهُ لَا نُسَلِّمُ فِي الصُّبْرَةِ إشَارَةٌ إلَى هَذَا (وَكَقَوْلِهِ: صَوْمُ فَرْضٍ فَلَا يَصِحُّ إلَّا بِتَعْيِينِ النِّيَّةِ كَالْقَضَاءِ فَنَقُولُ أَبْعَدَ التَّعَيُّنِ فَلَا نُسَلِّمُ فِي الْأَصْلِ أَوْ قَبْلِهِ فَلَا نُسَلِّمُ فِي الْفَرْعِ) أَيْ إنْ ادَّعَيْتُمْ أَنَّ الصَّوْمَ لَا يَصِحُّ إلَّا بِتَعْيِينِ النِّيَّةِ بَعْدَ صَيْرُورَتِهِ مُتَعَيِّنًا فَلَا نُسَلِّمُ هَذَا فِي الْقَضَاءِ وَإِنْ ادَّعَيْتُمْ أَنَّ الصَّوْمَ لَا يَصِحُّ إلَّا بِتَعْيِينِ النِّيَّةِ قَبْلَ صَيْرُورَتِهِ مُتَعَيَّنًا فَلَا نُسَلِّمُ هَذَا فِي الْمُتَنَازَعِ فِيهِ؛ لِأَنَّ تَعْيِينَ النِّيَّةَ قَبْلَ صَيْرُورَتِهِ مُتَعَيِّنًا مُمْتَنِعٌ فِي الْمُتَنَازَعِ فِيهِ لِأَنَّ الصَّوْمَ مُتَعَيَّنٌ فِي الْمُتَنَازَعُ بِتَعْيِينِ الشَّارِعِ فَلَا تَكُونُ صِحَّةُ الصَّوْمِ فِي الْمُتَنَازَعِ مَوْقُوفَةً عَلَى تَعْيِينِ النِّيَّةِ قَبْلَ صَيْرُورَتِهِ مُتَعَيَّنًا؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ تَكُونُ صِحَّةُ صَوْمِ رَمَضَانَ مُمْتَنِعَةٌ وَهَذَا بَاطِلٌ
(وَأَمَّا فِي صَلَاحِ الْوَصْفِ لِلْحُكْمِ فَإِنَّ الطَّرْدَ بَاطِلٌ عِنْدَنَا كَمَا مَرَّ وَأَمَّا فِي نِسْبَةِ الْحُكْمِ إلَى الْوَصْفِ كَقَوْلِهِ فِي الْأَخِ: لَا يُعْتِقُ عَلَى أَخِيهِ لِعَدَمِ الْبَعْضِيَّةِ كَابْنِ الْعَمِّ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْعِلَّةَ فِي الْأَصْلِ هَذَا) أَيْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ عِلَّةَ عَدَمِ عِتْقِ ابْنِ الْعَمِّ هِيَ عَدَمُ الْبَعْضِيَّةِ فَإِنَّ عَدَمَ الْبَعْضِيَّةِ لَا يُوجِبُ عَدَمَ الْعِتْقِ لِجَوَازِ أَنْ تُوجَدَ عِلَّةٌ أُخْرَى لِلْعِتْقِ بَلْ إنَّمَا لَمْ يُعْتَقْ
ــ
[التلويح]
الْعِصْمَةِ، وَالرِّدَّةُ قَاطِعَةٌ لَهَا فَتَكُونُ مُنَافِيَةً لِلنِّكَاحِ، وَلَا بَقَاءَ لِلشَّيْءِ مَعَ الْمُنَافِي، لَكَانَ اسْتِدْلَالًا بِرَأْسِهِ عَلَى بُطْلَانِ بَقَاءِ النِّكَاحِ مَعَ الِارْتِدَادِ لَكِنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِمَقْصُودِ الْمُقَامِ إذْ لَيْسَ هَاهُنَا بَيَانُ أَنَّ الْخَصْمَ قَدْ رَتَّبَ عَلَى الْعِلَّةِ نَقِيضَ مَا تَقْتَضِيهِ، وَكَذَا مَسْأَلَةُ الْحَجِّ بِنِيَّةِ النَّقْلِ فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - ذَهَبَ إلَى أَنَّهُ يَقَعُ عَنْ الْفَرْضِ كَمَا إذَا حَجَّ بِنِيَّةٍ مُطْلَقَةٍ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ النِّيَّةِ الْعِبَادَةُ الَّتِي تَتَنَوَّعُ إلَى الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ تَنْصَرِفُ إلَى النَّفْلِ كَمَا فِي الصَّلَاةِ وَصَوْمِ غَيْرِ رَمَضَانَ فَإِذَا اسْتَحَقَّ الْمُطْلَقَ لِلْفَرْضِ دَلَّ عَلَى اسْتِحْقَاقِ نِيَّةِ النَّفْلِ لِلْفَرْضِ وَلَيْسَ فِي هَذَا فَسَادُ الْوَضْعِ بِمَعْنَى أَنَّهُ رَتَّبَ عَلَى الْعِلَّةِ نَقِيضَ مَا تَقْتَضِيهِ بَلْ بِمَعْنَى أَنَّ فِيهِ حَمْلَ الْمُقَيَّدِ عَلَى الْمُقَيَّدِ عَلَى الْمُطْلَقِ وَهَذَا مَا لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ وَإِنَّمَا وَقَعَ الْخِلَافُ فِي حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ نَعَمْ ذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ فَسَادَ الْوَضْعِ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا كَوْنُ الْقِيَاسِ عَلَى خِلَافِ مُقْتَضَى الْأَدِلَّةِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَثَانِيهِمَا كَوْنُ الْوَصْفِ مُشْعِرًا بِخِلَافِ الْحُكْمِ الَّذِي رُبِطَ بِهِ كَمَا يُذْكَرُ وَصْفٌ مُشْعِرٌ بِالتَّغْلِيظِ فِي رَوْمِ التَّخْفِيفِ وَبِالْعَكْسِ، وَلَا خَفَاءَ فِي أَنَّ الْمِثَالَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ مِنْ النَّوْعِ الْأَوَّلِ
(قَوْلُهُ: الْمَطْعُومُ شَيْءٌ ذُو خَطَرٍ) إذْ يَتَعَلَّقُ بِهِ قِوَامُ النَّفْسِ وَبَقَاءُ الشَّخْصِ كَالنِّكَاحِ يَتَعَلَّقُ بِهِ بَقَاءُ النَّوْعِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ خَطَرَ الْمَطْعُومِ بِمَعْنَى كَثْرَةِ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ بِالْإِطْلَاقِ وَالتَّوْسِعَةِ أَنْسَبُ مِنْهُ بِالتَّحْرِيمِ وَالتَّضْيِيقِ، وَلِهَذَا كَانَ طَرِيقُ الْوُصُولِ إلَى الْمَاءِ وَالْهَوَاءِ أَيْسَرَ لِكَوْنِ الْحَاجَةِ إلَيْهِمَا أَكْثَرَ فَفِي تَرْتِيبِ اشْتِرَاطِ التَّقَابُضِ فِي تَمْلِيكِ الْمَطْعُومِ عَلَى كَوْنِهِ ذَا خَطَرٍ فَسَادُ الْوَضْعِ؛ لِأَنَّهُ نَقِيضُ مَا يَقْتَضِيهِ
ابْنُ الْعَمِّ لِعَدَمِ الْقَرَابَةِ الْمَحْرَمِيَّةِ
(وَكَقَوْلِهِ: لَا يَثْبُتُ النِّكَاحُ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ كَالْحَدِّ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْعِلَّةَ فِي الْحَدِّ عَدَمُ الْمَالِيَّةِ وَكَذَا فِي كُلِّ مَوْضِعٍ يُسْتَدَلُّ بِالْعَدَمِ عَلَى الْعَدَمِ) فَإِنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَقُولَ عَدَمُ تِلْكَ الْعِلَّةِ لَا يُوجِبُ عَدَمَ الْحُكْمِ فَإِنَّ الْحُكْمَ يُمْكِنُ أَنْ يَثْبُتَ بِعِلَّةٍ أُخْرَى
(الثَّالِثُ فَسَادُ الْوَضْعِ وَقَدْ مَرَّ تَفْسِيرُهُ وَهُوَ فَوْقَ الْمُنَاقَضَةِ إذْ يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهَا بِتَغْيِيرِ الْكَلَامِ أَمَّا هُوَ فَيُبْطِلُ الْعِلَّةَ أَصْلًا) فَإِنَّ الْمُعَلِّلَ إذَا تَمَسَّكَ بِالْعِلَّةِ الطَّرْدِيَّةِ وَيَرِدُ عَلَيْهَا مُنَاقَضَةٌ فَرُبَّمَا يُغَيِّرُ الْكَلَامَ وَيَجْعَلُ عِلَّتَهُ مُؤْثِرَةً فَحِينَئِذٍ تَنْدَفِعُ الْمُنَاقَضَةُ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْمُنَاقَضَةِ فِي قَوْلِهِ: الْوُضُوءُ وَالتَّيَمُّمُ طَهَارَتَانِ أَمَّا فَسَادُ الْوَضْعِ فَإِنَّهُ يُبْطِلُ الْعِلَّةَ بِكُلِّيَّتِهَا إذْ لَا يَنْدَفِعُ بِتَغْيِيرِ الْكَلَامِ
(كَتَعْلِيلِهِ لِإِيجَابِ الْفُرْقَةِ بِإِسْلَامِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ) أَيْ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ الذِّمِّيَّيْنِ إذَا أَسْلَمَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بَانَتْ فِي الْحَالِ وَبَعْدَ الدُّخُولِ بَانَتْ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَقْرَاءٍ فَقَدْ جَعَلَ الْإِسْلَامَ عِلَّةً لِإِيجَابِ الْفُرْقَةِ وَعِنْدَنَا يُعْرَضُ الْإِسْلَامُ عَلَى الْآخَرِ فَإِنْ أَسْلَمَ فَهِيَ لَهُ وَإِنْ أَبَى يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا فِي الْحَالِ سَوَاءٌ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ أَوْ قَبْلَهُ
(وَلِإِبْقَاءِ النِّكَاحِ مَعَ ارْتِدَادِ أَحَدِهِمَا) أَيْ إذَا ارْتَدَّ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ قَبْلَ الدُّخُولِ بَانَتْ فِي الْحَالِ وَبَعْدَ الدُّخُولِ بَانَتْ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَقْرَاءٍ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَيَجْعَلُ الرِّدَّةَ عِلَّةً لِبَقَاءِ النِّكَاحِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَجْعَلُهَا قَاطِعَةً لِلنِّكَاحِ وَعِنْدَنَا تَبِينُ فِي الْحَالِ سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ
ــ
[التلويح]
مِنْ التَّوْسِعَةِ وَالتَّيْسِيرِ.
(قَوْلُهُ الْوُضُوءُ وَالتَّيَمُّمُ طَهَارَتَانِ) نُقِلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِي الْوُضُوءِ أَنَّ الْوُضُوءَ وَالتَّيَمُّمَ طَهَارَتَا صَلَاةٍ فَكَيْفَ افْتَرَقَتَا وَلَمَّا كَانَ وَاضِحًا بَيَّنَّا أَنَّ مُرَادَهُ بِإِنْكَارِ الِافْتِرَاقِ وُجُوبُ اسْتِوَائِهِمَا فِي اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَنُوقِضَ بِتَطْهِيرِ الْبَدَنِ وَالثَّوْبِ عَنْ النَّجَاسَةِ الْحَقِيقِيَّةِ فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ النِّيَّةُ فَلَا بُدَّ فِي التَّقَصِّي عَنْ الْمُنَاقَضَةِ بِأَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ بِهِمَا تَطْهِيرٌ حُكْمِيٌّ أَيْ تَعَبُّدِيٌّ غَيْرُ مَعْقُولِ الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ مَعْنَى التَّطْهِيرِ إزَالَةُ النَّجَاسَةِ وَلَيْسَ عَلَى أَعْضَاءِ الْمُتَوَضِّئِ نَجَاسَةٌ تُزَالُ وَلِهَذَا لَا يَتَنَجَّسُ الْمَاءُ بِمُلَاقَاتِهِ وَإِنَّمَا عَلَيْهِ أَمْرٌ مُقَدَّرٌ اعْتَبَرَهُ الشَّارِعُ مَانِعًا لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ عِنْدَ عَدَمِ الْعُذْرِ وَحَكَمَ بِأَنَّ الْوُضُوءَ يَرْفَعُهُ فَتُشْتَرَطُ النِّيَّةُ تَحْقِيقًا لِمَعْنَى التَّعَبُّدِ بِخِلَافِ تَطْهِيرِ الْخَبَثِ فَإِنَّهُ حَقِيقِيٌّ لِمَا فِيهِ مِنْ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ بِالْمَاءِ سَوَاءٌ نَوَى أَوْ لَمْ يَنْوِ فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ: إنْ أَرَدْتُمْ أَنَّ نَفْسَ التَّطْهِيرِ أَيْ رَفْعَ الْحَدَثِ وَإِزَالَتَهُ بِالْمَاءِ حُكْمِيٌّ غَيْرُ مَعْقُولٍ فَمَمْنُوعٌ كَيْفَ وَالْمَاءُ مُطَهِّرٌ بِطَبْعِهِ كَمَا أَنَّهُ مُرْوٍ، وَقَدْ خَلَقَهُ اللَّهُ آلَةً لِلطَّهَارَةِ فِي أَصْلِهِ فَيَحْصُلُ بِهِ إزَالَةُ النَّجَاسَةِ حَقِيقِيَّةً كَانَتْ أَوْ حُكْمِيَّةً نَوَى أَوْ لَمْ يَنْوِ بِخِلَافِ التُّرَابِ فَإِنَّهُ فِي نَفْسِهِ مُلَوَّثٌ لَا يَصِيرُ مُطَهِّرًا إلَّا بِالْقَصْدِ وَالنِّيَّةِ وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنَّ الْوُضُوءَ تَطْهِيرٌ حُكْمِيٌّ بِمَعْنَى أَنَّهُ إزَالَةُ نَجَاسَةٍ حُكْمِيَّةٍ حَكَمَ بِهَا الشَّارِعُ فِي حَقِّ جَوَازِ
بَعْدَهُ ثُمَّ فِي الْمَتْنِ يُقِيمُ الدَّلِيلَ عَلَى أَنَّ تَعْلِيلَهُ مَقْرُونٌ بِفَسَادِ الْوَضْعِ بِقَوْلِهِ:
(فَإِنَّ الْإِسْلَامَ لَا يَصْلُحُ قَاطِعًا لِلنِّعْمَةِ، وَالرِّدَّةُ لَا تَصْلُحُ عَفْوًا وَكَقَوْلِهِ: إذَا حَجَّ بِإِطْلَاقِ النِّيَّةِ يَقَعُ عَنْ الْفَرْضِ فَكَذَا بِنِيَّةِ النَّفْلِ فَإِنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ حَمَلُوا الْمُطْلَقَ عَلَى الْمُقَيَّدِ فَأَمَّا هَذَا فَحَمَلَ الْمُقَيَّدَ عَلَى الْمُطْلَقِ وَهُوَ بَاطِلٌ وَكَقَوْلِهِ: الْمَطْعُومُ شَيْءٌ ذُو خَطَرٍ فَيُشْتَرَطُ لِتَمَلُّكِهِ شَرْطٌ زَائِدٌ) وَهُوَ التَّقَابُضُ
(كَالنِّكَاحِ) فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ لَهُ الشُّهُودُ
(فَيُقَالُ مَا كَانَ الْحَاجَةُ إلَيْهِ أَكْثَرُ جَعَلَهُ اللَّهُ أَوْسَعَ. الرَّابِعُ الْمُنَاقَضَةُ وَهِيَ تُلْجِئُ أَهْلَ الطَّرْدِ إلَى الْمُؤَثِّرَةِ كَقَوْلِهِ: الْوُضُوءُ وَالتَّيَمُّمُ طَهَارَتَانِ فَيَسْتَوِيَانِ فِي النِّيَّةِ فَيُنْتَقَضُ بِتَطْهِيرِ الْخَبَثِ فَيُضْطَرُّ إلَى أَنْ يَقُولَ الْوُضُوءُ تَطْهِيرٌ حُكْمِيٌّ كَالتَّيَمُّمِ بِخِلَافِ تَطْهِيرِ الْخَبَثِ فَنَقُولُ نَعَمْ) أَيْ الْوُضُوءُ تَطْهِيرٌ حُكْمِيٌّ
(بِمَعْنَى: النَّجَاسَةُ حُكْمِيَّةٌ، أَيْ حَكَمَ الشَّرْعُ بِالنَّجَاسَةِ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ فَجَعَلَهَا كَالْحَقِيقَةِ فَيُزِيلُهَا الْمَاءُ كَمَا يُزِيلُ الْحَقِيقِيَّةَ فَهِيَ غَيْرُ مَعْقُولَةٍ) الضَّمِيرُ يَرْجِعُ إلَى النَّجَاسَةِ وَهَذَا الْجَوَابُ هُوَ الَّذِي أَحَالَهُ فِي فَصْلِ شَرَائِطِ الْقِيَاسِ إلَى فَصْلِ الْمُنَاقَضَةِ
(لَكِنَّ تَطْهِيرَهَا بِالْمَاءِ مَعْقُولٌ بِخِلَافِ التُّرَابِ فَلَا يُحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي التَّطْهِيرِ فَيَحْصُلُ الطَّهَارَةُ سَوَاءٌ نَوَى أَوْ لَمْ يَنْوِ
(بَلْ فِي صَيْرُورَتِهِ قُرْبَةً) أَيْ يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ فِي صَيْرُورَةِ الْوُضُوءِ قُرْبَةً
(وَالصَّلَاةُ تَسْتَغْنِي عَنْهَا) أَيْ عَنْ صَيْرُورَةِ الْوُضُوءِ قُرْبَةً كَمَا فِي سَائِرِ
ــ
[التلويح]
الصَّلَاةِ بِمَعْنَى أَنَّهَا مَانِعَةٌ لَهُ كَالنَّجَاسَةِ الْحَقِيقِيَّةِ فَمُسَلَّمٌ لَكِنَّهُ لَا يُوجِبُ اشْتِرَاطَ النِّيَّةِ فِي رَفْعِهَا وَإِزَالَتِهَا بِالْمَاءِ الَّذِي خُلِقَ طَهُورًا فَإِنَّهُ أَمْرٌ مَعْقُولٌ وَلَمَّا كَانَ لَهُمْ فِي اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ طَرِيقَةٌ أُخْرَى وَهِيَ أَنَّ الْوُضُوءَ قُرْبَةٌ أَيْ عِبَادَةٌ لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْظِيمِ الرَّبِّ بِامْتِثَالِ الْأَمْرِ وَمِنْ اسْتِحْقَاقِ الثَّوَابِ بِدَلَالَةِ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «الْوُضُوءُ عَلَى الْوُضُوءِ نُورٌ عَلَى نُورٍ» وَكُلُّ قُرْبَةٍ فَهِيَ مُفْتَقِرَةٌ إلَى النِّيَّةِ تَحْقِيقًا لِمَعْنَى الْإِخْلَاصِ وَقَصْدِ التَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَتَمْيِيزًا لِلْعِبَادَةِ عَلَى الْعَادَةِ أَشَارَ إلَى الْجَوَابِ بِأَنَّهُ إنْ أُرِيدَ: كُلُّ وُضُوءٍ قُرْبَةٌ، فَهُوَ مَمْنُوعٌ فَإِنَّهُ مِنْ الْوُضُوءِ مَا هُوَ مِفْتَاحٌ لِلصَّلَاةِ فَقَطْ بِمَنْزِلَةِ غَسْلِ الْبَدَنِ عَنْ الْخَبَثِ وَإِنْ أُرِيدَ الْبَعْضُ فَلَا نِزَاعَ فِي أَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَى النِّيَّةِ فَإِنَّ الْوُضُوءَ لَا يَصِيرُ قُرْبَةً بِدُونِ النِّيَّةِ لَكِنَّ صِحَّةَ الصَّلَاةِ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى وُضُوءٍ هُوَ قُرْبَةٌ بَلْ عَلَى تَطْهِيرِ الْأَعْضَاءِ الْمَخْصُوصَةِ عَنْ الْحَدَثِ لِيَصِيرَ الْعَبْدُ بِهِ أَهْلًا لِلْقِيَامِ بَيْنَ يَدَيْ الرَّبِّ فَإِنْ قُلْت هُوَ مَأْمُورٌ بِالْغُسْلِ وَهُوَ فِعْلٌ اخْتِيَارِيٌّ مَسْبُوقٌ بِالْقَصْدِ فَلَا يَحْصُلُ الِامْتِثَالُ بِالِانْغِسَالِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ مِنْهُ وَأَيْضًا قَوْلُنَا إذَا أَرَدْتَ الدُّخُولَ عَلَى الْأَمِيرِ فَتَأَهَّبْ، مَعْنَاهُ تَأَهَّبْ لَهُ فَيَكُونُ مَعْنَى الْآيَةِ إذَا أَرَدْتُمْ الْقِيَامَ إلَى الصَّلَاةِ فَتَوَضَّئُوا لِذَلِكَ قُلْتُ لَا كَلَامَ فِي أَنَّ الْإِتْيَانَ بِالْوُضُوءِ الْمَأْمُورِ بِهِ لَا يَحْصُلُ بِدُونِ النِّيَّةِ لَكِنَّ صِحَّةَ
شَرَائِطِ الصَّلَاةِ بَلْ تَحْتَاجُ إلَى كَوْنِ الْوُضُوءِ طَهَارَةً وَأَمَّا الْمَسْحُ فَمُلْحَقٌ بِالْغَسْلِ تَيْسِيرًا جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ هُوَ أَنَّكُمْ قُلْتُمْ إنَّ الْغَسْلَ تَطْهِيرٌ مَعْقُولٌ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ لَكِنَّ مَسْحَ الرَّأْسِ تَطْهِيرٌ غَيْرُ مَعْقُولٍ فَيَجِبُ أَنْ يَحْتَاجَ إلَى النِّيَّةِ كَالتَّيَمُّمِ فَأَجَابَ بِأَنَّ مَسْحَ الرَّأْسِ مُلْحَقٌ بِالْغَسْلِ وَوَظِيفَةُ الرَّأْسِ كَانَتْ هِيَ الْغَسْلُ لَكِنْ لِدَفْعِ الْحَرَجِ اقْتَصَرَ عَلَى الْمَسْحِ فَيَكُونُ خَلَفًا عَنْ الْغَسْلِ فَاعْتُبِرَ فِيهِ أَحْكَامُ الْأَصْلِ
(فَإِنْ قِيلَ غَسْلُ الْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعَةِ غَيْرُ مَعْقُولٍ) هَذَا إشْكَالٌ عَلَى قَوْلِهِ: لَكِنَّ تَطْهِيرَهَا بِالْمَاءِ مَعْقُولٌ
(قُلْنَا لَمَّا اتَّصَفَ الْبَدَنُ بِهَا اقْتَصَرَ عَلَى غَسْلِ الْأَطْرَافِ فِي الْمُعْتَادِ دَفْعًا لِلْحَرَجِ وَأَقَرَّ عَلَى الْأَصْلِ فِي غَيْرِ الْمُعْتَادِ كَالْمَنِيِّ وَالْحَيْضِ) أَيْ لَمَّا اتَّصَفَ الْبَدَنُ بِالنَّجَاسَةِ بِحُكْمِ الشَّرْعِ وَجَبَ غَسْلُ جَمِيعِ الْبَدَنِ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمَّا حَكَمَ بِسِرَايَةِ النَّجَاسَةِ وَلَيْسَ بَعْضُ الْأَعْضَاءِ أَوْلَى بِالسِّرَايَةِ مِنْ الْبَعْضِ وَجَبَ غَسْلُ جَمِيعِ الْبَدَنِ لَكِنْ سَقَطَ الْبَعْضُ فِي الْمُعْتَادِ دَفْعًا لِلْحَرَجِ وَبَقِيَ غَسْلُ الْأَطْرَافِ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي هِيَ أُمَّهَاتُ الْأَعْضَاءِ فَلَا يَكُونُ غَسْلُ الْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعَةِ غَيْرَ مَعْقُولٍ فَلَا تَجِبُ النِّيَّةُ وَاعْلَمْ أَنَّ الْإِمَامَ
ــ
[التلويح]
الصَّلَاةِ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْوُضُوءَ غَيْرُ مَقْصُودٍ وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ حُصُولُ الطَّهَارَةِ وَهِيَ تَحْصُلُ بِالْمَأْمُورِ بِهِ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ مُطَهِّرٌ بِالطَّبْعِ بِخِلَافِ التُّرَابِ فَلَا يَصِيرُ مُطَهِّرًا إلَّا بِالشَّرْطِ الَّذِي وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ وَهُوَ كَوْنُهُ لِلصَّلَاةِ كَذَا فِي مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَقَالَ فِي الْأَسْرَارِ إنَّ كَثِيرًا مِنْ مَشَايِخِنَا يَظُنُّونَ أَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ الْوُضُوءُ يَتَأَدَّى بِغَيْرِ نِيَّةٍ وَذَلِكَ غَلَطٌ فَإِنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ عِبَادَةٌ وَالْوُضُوءُ بِغَيْرِ النِّيَّةِ لَيْسَ بِعِبَادَةٍ لَكِنَّ الْعِبَادَةَ مَتَى لَمْ تَكُنْ مَقْصُودَةً سَقَطَتْ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِدُونِ الْعِبَادَةِ كَالسَّعْيِ إلَى الْجُمُعَةِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ التَّمَكُّنُ مِنْ الْجُمُعَةِ بِالْحُصُولِ فِي الْمَسْجِدِ فَإِنْ قِيلَ فَيَنْبَغِي أَنْ تُشْتَرَطَ النِّيَّةُ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ؛ لِأَنَّ التَّطْهِيرَ بِمُجَرَّدِ الْإِصَابَةِ غَيْرُ مَعْقُولٌ أُجِيبُ مِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ أَنَّ الطَّهَارَةَ طَهَارَةُ غَسْلٍ فَأُلْحِقَ الْجُزْءُ بِالْكُلِّ وَالْقَلِيلُ بِالْكَثِيرِ وَخُصَّ الرَّأْسُ بِذَلِكَ لِمَا فِي غَسْلِهِ مِنْ الْحَرَجِ. الثَّانِي أَنَّ الْمَسْحَ خَلَفٌ عَنْ الْغَسْلِ دَفْعًا لِلْحَرَجِ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ حُكْمُ الْأَصْلِ وَهُوَ الِاسْتِغْنَاءُ عَنْ النِّيَّةِ. الثَّالِثُ أَنَّ الْإِصَابَةَ جُعِلَتْ بِمَنْزِلَةِ الْإِسَالَةِ فِي إزَالَةِ الْحَدَثِ وَإِفَادَةِ التَّطْهِيرِ لِمَا فِي الْمُزِيلِ مِنْ الْقُوَّةِ لِكَوْنِهِ مُطَهِّرًا طَبْعًا وَفِي النَّجَاسَةِ مِنْ الضَّعْفِ لِكَوْنِهَا حُكْمِيَّةً بِخِلَافِ الْخَبَثِ فَإِنَّهُ نَجَاسَةٌ حَقِيقِيَّةٌ عَيْنِيَّةٌ وَخَصَّ الرَّأْسَ بِذَلِكَ تَيْسِيرًا وَدَفْعًا لِلْحَرَجِ. فَإِنْ قِيلَ هَبْ أَنَّ تَطْهِيرَ النَّجَاسَةِ الْحُكْمِيَّةِ بِالْمَاءِ مَعْقُولٌ لَكِنَّهُ لَا يُفِيدُ اسْتِغْنَاءَ الْوُضُوءِ عَنْ النِّيَّةِ؛ لِأَنَّ الْوُضُوءَ عِبَارَةٌ عَنْ غَسْلِ الْأَعْضَاءِ الثَّلَاثَةِ مَعَ مَسْحِ الرَّأْسِ وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِغَسْلِ الْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعَةِ عَلَى طَرِيقَةِ التَّغْلِيبِ، وَهَذَا غَيْرُ
فَخْرَ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - ذَكَرَ أَنَّ تَغَيُّرَ وَصْفِ مَحَلِّ الْغَسْلِ مِنْ الطَّهَارَةِ إلَى الْخَبَثِ غَيْرُ مَعْقُولٍ وَقَوْلُهُ فِي التَّنْقِيحِ فَهِيَ غَيْرُ مَعْقُولَةٍ إشَارَةٌ إلَى هَذَا وَيُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ غَيْرَ مَعْقُولٍ لَا يَصِحُّ قِيَاسُ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ عَلَى السَّبِيلَيْنِ فِي هَذَا الْحُكْمِ وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ أَنَّ مُؤَثِّرِيَّةَ خُرُوجِ النَّجَاسَةِ فِي زَوَالِ الطَّهَارَةِ أَمْرٌ مَعْقُولٌ فَعَلَى تَقْدِيرِ الْهِدَايَةِ لَا يَرِدُ هَذَا الْإِشْكَالُ لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ إشْكَالٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ هَذَا الْحُكْمُ مَعْقُولًا يَنْبَغِي أَنْ يُقَاسَ سَائِرُ الْمَائِعَاتِ عَلَى الْمَاءِ فِي تَطْهِيرِ الْحَدَثِ كَمَا قَدْ قِيسَ فِي تَطْهِيرِ الْخَبَثِ. وَجَوَابُهُ أَنَّهُ إنَّمَا قِيسَ فِي الْخَبَثِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا قَالِعَةٌ لَا بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا
ــ
[التلويح]
مَعْقُولٍ؛ لِأَنَّ الْمُتَّصِفَ بِالنَّجَاسَةِ الْحُكْمِيَّةِ أَعْنِي بِالْحَدَثِ جَمِيعُ الْبَدَنِ بِحُكْمِ الشَّرْعِ فَإِزَالَتُهَا وَالتَّطَهُّرُ مِنْهَا بِغَسْلِ الْأَعْضَاءِ الَّذِي هُوَ أَقَلُّ الْبَدَنِ خُصُوصًا الَّذِي هُوَ غَيْرُ مَا تَخْرُجُ عَنْهُ النَّجَاسَةُ الْحَقِيقِيَّةُ الْمُؤَثِّرَةُ فِي ثُبُوتِ النَّجَاسَةِ الْحُكْمِيَّةِ لَيْسَتْ بِمَعْقُولَةٍ فَيَجِبُ أَنْ لَا تَحْصُلَ بِدُونِ النِّيَّةِ كَالتَّيَمُّمِ أُجِيبُ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى الْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعَةِ غَيْرُ مَعْقُولٍ فَإِنَّ دَفْعَ الْحَرَجِ إسْقَاطُ بَاقِي الْأَعْضَاءِ فِي الْحَدَثِ الَّذِي يُعْتَادُ تَكَرُّرُهُ وَيَكْثُرُ وُقُوعُهُ وَالِاكْتِفَاءُ بِالْأَعْضَاءِ الَّتِي هِيَ بِمَنْزِلَةِ حُدُودِ الْأَعْضَاءِ وَنِهَايَتِهَا طُولًا وَعَرْضًا أَوْ بِمَنْزِلَةِ أُصُولِهَا وَأُمَّهَاتِهَا لِكَوْنِهَا مَجْمَعَ الْحَوَاسِّ وَمَظْهَرَ الْأَفْعَالِ مَعَ أَنَّهَا مَظِنَّةٌ لِإِصَابَةِ النَّجَسِ وَمَئِنَّةٌ لِسُهُولَةِ الْغُسْلِ أَمْرٌ مَعْقُولُ الشَّأْنِ مَقْبُولُ الْأَذْهَانِ فَيُسْتَغْنَى عَنْ النِّيَّةِ وَاحْتِرَازٌ بِالْمُعْتَادِ عَمَّا يُوجِبُ الْغُسْلَ كَالْمَنِيِّ وَالْحَيْضِ فَإِنَّهُ قَلِيلُ الْوُقُوعِ فَلَا حَرَجَ فِي غَسْلِ جَمِيعِ الْبَدَنِ عَلَى مَا هُوَ الْأَصْلُ فَلَا يُكْتَفَى بِالْبَعْضِ.
(قَوْلُهُ: وَاعْلَمْ) حَاصِلُ هَذَا الْكَلَامِ بَيَانُ الْمُنَافَاةِ بَيْنَ كَلَامَيْ فَخْرِ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَصَاحِبِ الْهِدَايَةِ فِي هَذَا الْمُقَامِ وَإِيرَادُ الْإِشْكَالِ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْكَلَامَيْنِ ثُمَّ دَفْعُ الْمُنَافَاةِ وَحَلُّ الْإِشْكَالِ، أَمَّا الْمُنَافَاةُ فَلِأَنَّهُ ذَكَرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ تَغَيُّرَ وَصْفِ مَحَلِّ الْغُسْلِ وَانْتِقَالَهُ مِنْ الطَّهَارَةِ إلَى الْخَبَثِ غَيْرُ مَعْقُولٍ وَذَكَرَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ أَنَّ تَأْثِيرَ خُرُوجِ النَّجَاسَةِ فِي زَوَالِ الطَّهَارَةِ مَعْقُولٌ، وَأَمَّا وُرُودُ الْإِشْكَالِ عَلَى كَلَامِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَلِأَنَّهُ يُوجِبُ أَنْ لَا يَصِحُّ قِيَاسُ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ عَلَى السَّبِيلَيْنِ فِي الْحُكْمِ بِكَوْنِ الْخَارِجِ النَّجَسِ مِنْهُ سَبَبًا لِلْحَدَثِ؛ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ الْقِيَاسِ أَنْ يَكُونَ حُكْمُ الْأَصْلِ مَعْقُولَ الْمَعْنَى، وَأَمَّا عَلَى كَلَامِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ فَلَا يُوجِبُ صِحَّةَ قِيَاسِ سَائِرِ الْمَائِعَاتِ عَلَى الْمَاءِ فِي رَفْعِ الْحَدَثِ كَمَا يَصِحُّ قِيَاسُهَا عَلَيْهِ فِي رَفْعِ الْخَبَثِ إذْ لَا مَانِعَ سِوَى عَدَمِ مَعْقُولِيَّةِ النَّصِّ، وَأَمَّا وَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ وَدَفْعُ الْمُنَافَاةِ فَهُوَ أَنَّ مُرَادَ فَخْرِ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِعَدَمِ مَعْقُولِيَّةِ زَوَالِ الطَّهَارَةِ عَنْ مَحَلِّ الْغُسْلِ أَنَّ الْعَقْلَ لَا يَسْتَقِلُّ بِإِدْرَاكِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ وُرُودِ الشَّرْعِ إذَا لَا يُعْقَلُ أَنَّ تَنَجُّسَ الْيَدِ أَوْ الْوَجْهِ بِخُرُوجِ النَّجَاسَةِ مِنْ السَّبِيلَيْنِ، وَمُرَادُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ بِمَعْقُولِيَّةِ أَنَّ الشَّارِعَ لَمَّا حَكَمَ
مُطَهِّرَةٌ فَلَا يُقَاسُ فِي الْحَدَثِ وَاعْلَمْ أَنَّهُ يُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بَيْنَ قَوْلِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَصَاحِبِ الْهِدَايَةِ أَنَّ مُرَادَ فَخْرِ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِكَوْنِهِ غَيْرَ مَعْقُولٍ أَنَّ الْعَقْلَ لَا يَسْتَقِلُّ بِدَرْكِهِ، وَمُرَادَ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ بِكَوْنِهِ مَعْقُولًا أَنَّهُ إذَا عَلِمَ أَنَّ هَذَا الْوَصْفَ قَدْ وُجِدَ وَأَنَّ الشَّرْعَ قَدْ حَكَمَ بِهَذَا الْحُكْمِ يَحْكُمُ الْعَقْلُ بِأَنَّ هَذَا الْحُكْمَ إنَّمَا هُوَ لِأَجْلِ هَذَا الْوَصْفِ، وَشَرْطُ صِحَّةِ الْقِيَاسِ كَوْنُ الْحُكْمِ مَعْقُولًا بِهَذَا الْمَعْنَى وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ الْأَوَّلِ فَانْدَفَعَ عَنْ قَوْلِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْإِشْكَالِ وَهُوَ أَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ لَا يَصِحَّ
ــ
[التلويح]
بِزَوَالِ الطَّهَارَةِ عَنْ الْبَدَنِ عِنْدَ خُرُوجِ النَّجَسِ مِنْ السَّبِيلَيْنِ أَدْرَكَ الْعَقْلُ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ إنَّمَا هُوَ لِأَجْلِ هَذَا الْوَصْفِ وَأَنَّهُ لَيْسَ بِتَعَبُّدٍ مَحْضٍ لَا يَقِفُ الْعَقْلُ عَنْ سَبَبِهِ، وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ عَدَمِ اسْتِقْلَالِ الْعَقْلِ بِدَرْكِ شَيْءٍ، وَبَيْنَ إدْرَاكِهِ إيَّاهُ بِمَعُونَةِ الشَّرْعِ وَبَعْدَ وُرُودِهِ، وَأَمَّا حَلُّ الْإِشْكَالَيْنِ فَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْقِيَاسِ هُوَ الْمَعْقُولِيَّةُ بِمَعْنَى أَنْ يُدْرِكَ الْعَقْلُ تَرَتُّبَ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ أَعَمَّ مِنْ أَنْ يَسْتَقِلَّ بِذَلِكَ أَوْ يَتَوَقَّفَ عَلَى وُرُودِ الشَّرْعِ وَهَذَا حَاصِلٌ فِي زَوَالِ الطَّهَارَةِ بِخُرُوجِ النَّجَسِ مِنْ السَّبِيلَيْنِ فَيَصِحُّ قِيَاسُ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ وَفِي الثَّانِي أَنَّ قِيَاسَ الْمَائِعَاتِ عَلَى الْمَاءِ فِي رَفْعِ الْخَبَثِ إنَّمَا يَصِحُّ بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا قَالِعَةٌ مُزِيلَةٌ بِمَنْزِلَةِ الْمَاءِ وَهَذَا لَا يُوجَدُ فِي الْحَدَثِ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ مُقَدَّرٌ لَا يُتَصَوَّرُ قَلْعُهُ لَا بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا مُطَهِّرَةٌ لِلْمَحَلِّ أَيْ مُغَيِّرَةٌ لَهُ مِنْ النَّجَاسَةِ إلَى الطَّهَارَةِ حَتَّى يَصِحَّ قِيَاسُ الْمَائِعَاتِ عَلَى الْمَاءِ فِي تَطْهِيرِ الْمَحَلِّ عَنْ النَّجَاسَةِ الْحُكْمِيَّةِ وَتَحْقِيقُ ذَلِكَ أَنَّ النَّصَّ الَّذِي جَعَلَ الْمَاءَ مُطَهِّرًا عَنْ الْحَدَثِ غَيْرُ مَعْقُولٍ إذْ لَيْسَ فِي أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ عَيْنُ النَّجَاسَةِ لِتُزَالَ، وَإِذْ لَا إزَالَةَ حَقِيقَةً وَعَقْلًا فَلَا تَعْدِيَةَ إلَى سَائِرِ الْمَائِعَاتِ بِخِلَافِ الْخَبَثِ فَإِنَّ إزَالَتَهُ بِالْمَاءِ أَمْرٌ مَعْقُولٌ فَيَتَعَدَّى إلَى سَائِرِ الْمَائِعَاتِ بِجَامِعِ الْقَلْعِ وَالْإِزَالَةِ الْحِسِّيَّةِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا يُنَاقِضُ مَا سَبَقَ مِنْ أَنَّ تَطْهِيرَ النَّجَاسَةِ الْحُكْمِيَّةِ وَإِزَالَتَهَا بِالْمَاءِ مَعْقُولٌ وَلِهَذَا لَمْ يَحْتَجْ إلَى النِّيَّةِ لَا يُقَالُ تَطْهِيرُ النَّجَاسَةِ الْحُكْمِيَّةِ مَعْقُولٌ فِي الْخَبَثِ وَالْحَدَثِ إلَّا أَنَّ الْعِلَّةَ فِي الْخَبَثِ هِيَ الْقَلْعُ الْمَوْجُودُ فِي الْمَاءِ وَغَيْرِهِ فَيَصِحُّ الْقِيَاسُ وَفِي الْحَدَثِ هِيَ التَّطْهِيرُ لَا الْقَلْعُ وَهُوَ لَا يُوجَدُ فِي غَيْرِ الْمَاءِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ التَّطْهِيرُ وَهُوَ الْحُكْمُ لَا الْعِلَّةُ تَطْهِيرُ الْحَدَثِ إنْ كَانَ مَعْقُولَ الْمَعْنَى فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْمَعْنَى هُوَ كَوْنُ الْمَاءِ مُزِيلًا يَلْزَمُ صِحَّةُ قِيَاسِ الْمَائِعَاتِ الْأُخَرِ كَمَا فِي الْخُبْثِ وَإِنْ كَانَ وَصْفًا غَيْرَهُ يَجِبُ أَنْ يُبَيَّنَ حَتَّى يُنْظَرَ أَنَّهُ هَلْ يُوجَدُ فِي سَائِرِ الْمَائِعَاتِ أَمْ لَا عَلَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُوجَدْ فِيهَا يَلْزَمُ التَّعْلِيلُ بِالْعِلَّةِ الْقَاصِرَةِ، ثُمَّ هَاهُنَا نَظَرٌ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي وَجْهِ التَّوْفِيقِ بَعِيدٌ جِدًّا؛ لِأَنَّ فَخْرَ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنَّمَا أَوْرَدَ الْكَلَامَ الْمَذْكُورَ فِي
قِيَاسُ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ عَلَى السَّبِيلَيْنِ
(وَفِي هَذَا الْفَصْلِ فُرُوعٌ أُخَرُ طَوَيْتهَا مَخَافَةَ التَّطْوِيلِ) .
(فَصْلٌ فِي الِانْتِقَالِ) أَيْ الِانْتِقَالُ مِنْ كَلَامٍ إلَى آخَرَ
(وَهُوَ إنَّمَا يَكُونُ قَبْلَ أَنْ يَتِمَّ إثْبَاتُ الْحُكْمِ الْأَوَّلِ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَنْتَقِلَ إلَى عِلَّةٍ أُخْرَى لِإِثْبَاتِ عِلَّتِهِ أَوْ لِإِثْبَاتِ الْحُكْمِ الْأَوَّلِ
ــ
[التلويح]
مَعْرِضِ الْجَوَابِ عَنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ إنَّ الْوُضُوءَ تَطْهِيرٌ حُكْمِيٌّ لَا يُعْقَلُ مَعْنَاهُ فَيَجِبُ أَنْ يُشْتَرَطَ فِيهِ النِّيَّةُ كَالتَّيَمُّمِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ التَّطْهِيرَ بِالْمَاءِ مَعْقُولٌ؛ لِأَنَّهُ مُطَهِّرٌ بِطَبْعِهِ وَإِنَّمَا نَعْنِي بِالنَّصِّ الَّذِي لَا يُعْقَلُ وَصْفَ مَحَلِّ الْغُسْلِ مِنْ الطَّهَارَةِ إلَى الْخَبَثِ يَعْنِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّصِّ الْغَيْرِ الْمَعْقُولِ فِي بَابِ الْوُضُوءِ هُوَ النَّصُّ الدَّالُّ عَلَى تَغَيُّرِ الْمَحَلِّ مِنْ الطَّهَارَةِ إلَى النَّجَاسَةِ لَا النَّصُّ الدَّالُّ عَلَى حُصُولِ الطَّهَارَةِ بِاسْتِعْمَالِ الْمَاءِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَإِنَّمَا يُغَيَّرُ بِالنَّصِّ أَيْ أَنَّ الثَّابِتَ بِالنَّصِّ الْغَيْرِ الْمَعْقُولِ هُوَ تَغَيُّرُ الْمَحَلِّ مِنْ الطَّهَارَةِ إلَى النَّجَاسَةِ وَالْمَقْصُودُ وَاحِدٌ، وَلَا خَفَاءَ فِي أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْقِيَاسِ هُوَ الْمَعْقُولِيَّةُ بِمَعْنَى أَنْ يُدْرِكَ الْعَقْلُ مَعْنَى الْحُكْمِ الْمَنْصُوصِ وَعِلَّتِهِ وَأَنَّهُ لَا مَعْنَى فِي الْمَقَامِ لِذِكْرِ اسْتِقْلَالِ الْعَقْلِ بِدَرْكِ الْحُكْمِ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ عِبَارَةَ الْهِدَايَةِ هِيَ أَنَّ خُرُوجَ النَّجَاسَةِ مُؤَثِّرٌ فِي زَوَالِ الطَّهَارَةِ وَهَذَا الْقَدْرُ فِي الْأَصْلِ أَيْ السَّبِيلَيْنِ مَعْقُولٌ وَالِاقْتِصَارُ عَلَى الْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعَةِ غَيْرُ مَعْقُولٍ لَكِنَّهُ يَتَعَدَّى ضَرُورَةَ تَعَدِّي الْأَوَّلِ وَهَذَا لَا يُنَافِي أَنْ يَكُونَ اتِّصَافُ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ بِالنَّجَاسَةِ غَيْرُ مَعْقُولٍ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بَلْ لَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ وَهَذَا الْقَدْرُ إشَارَةً إلَى أَنَّ الْمَعْقُولَ هَاهُنَا هُوَ مُجَرَّدُ تَأْثِيرِ خُرُوجِ النَّجَاسَةِ فِي زَوَالِ الطَّهَارَة لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ التَّنَافِي لَا سِرَايَةِ النَّجَاسَةِ إلَى جَمِيعِ الْبَدَنِ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْبَعْضُ مِنْ أَنَّ اتِّصَافَ جَمِيعِ الْبَدَنِ بِالنَّجَاسَةِ مَعْقُولٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الصِّفَةَ إذَا ثَبَتَتْ فِي ذَاتٍ كَانَ الْمُتَّصِفُ بِهَا جَمِيعَ الذَّاتِ كَمَا فِي السَّمِيعِ وَالْبَصِيرِ وَإِنَّمَا لَمْ يَنْجَسْ الْمَاءُ بِمُلَاقَاةِ الْجُنُبِ أَوْ الْمُحْدِثِ لِمَكَانِ الضَّرُورَةِ وَالْحَاجَةِ بَلْ السَّرَيَانُ إلَى جَمِيعِ الْبَدَنِ مَبْنِيٌّ عَلَى حُكْمِ الشَّارِعِ بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْقِلَ مَعْنَاهُ وَلِهَذَا لَمْ يَتَّصِفْ بِالنَّجَاسَةِ الْحَقِيقِيَّةِ جَمِيعُ الْبَدَنِ حَيْثُ لَمْ يَحْكُمْ الشَّارِعُ بِذَلِكَ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ اتَّصَفَ الْبَدَنُ بِالنَّجَاسَةِ بِحُكْمِ الشَّرْعِ.
وَأَمَّا ثَالِثًا فَلِأَنَّ هَاهُنَا حُكْمَيْنِ أَحَدُهُمَا زَوَالُ الطَّهَارَةِ بِخُرُوجِ النَّجَسِ مِنْ السَّبِيلَيْنِ وَالثَّانِي زَوَالُ الْحَدَثِ بِغَسْلِ الْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعَةِ فَحِينَ ذَهَبَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ إلَى أَنَّ الْأَوَّلَ مَعْقُولٌ دُونَ الثَّانِي حَتَّى جَازَ إلْحَاقُ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ بِالسَّبِيلَيْنِ وَلَمْ يَجُزْ إلْحَاقُ سَائِرِ الْمَانِعَاتِ بِالْمَاءِ لَمْ يَرِدْ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الْإِشْكَالَيْنِ، وَإِنَّمَا كَانَ يَرِدُ عَلَيْهِ الْإِشْكَالُ بِزَوَالِ الْحَدَثِ الثَّابِتِ بِخُرُوجِ النَّجَسِ