الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَمِلْكُ بَدَلِ الْمَغْصُوبِ عِلَّةٌ لِمِلْكِ الْمَغْصُوبِ وَحِلُّ الْإِتْلَافِ لِإِحْيَاءِ الْمُهْجَةِ لَا يُنَافِي عِصْمَةَ الْمَالِ كَمَا فِي الْمَخْمَصَةِ فَيَضْمَنُ الْجَمَلَ الصَّائِلَ فَنُوقِضَ بِالْمُسْتَحَاضَةِ وَالْمُدَبَّرِ وَمَالِ الْبَاغِي فَأَجَابُوا فِي الْأَوَّلِينَ بِالْمَانِعِ لَكِنَّ هَذَا تَخْصِيصُ الْعِلَّةِ وَنَحْنُ لَا نَقُولُ بِهِ وَفِي الثَّالِثِ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ حِلَّ الْإِتْلَافِ يُنَافِي الْعِصْمَةَ فِي مَالِ الْبَاغِي بَلْ إنَّمَا انْتَفَتْ بِالْبَغْيِ) أَوْرَدَ الْإِمَامُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِلدَّفْعِ بِالْحُكْمِ ثَلَاثَةَ أَمْثِلَةٍ: أَحَدُهَا خُرُوجُ النَّجَاسَةِ عِلَّةٌ لِلِانْتِقَاضِ فَنُوقِضَ بِالْمُسْتَحَاضَةِ أَنَّ خُرُوجَ النَّجَاسَةِ مَوْجُودٌ فِيهَا بِدُونِ الِانْتِقَاضِ، وَثَانِيهَا أَنَّ مِلْكَ بَدَلِ الْمَغْصُوبِ عِلَّةٌ لِمِلْكِ الْمَغْصُوبِ فَنُوقِضَ بِالْمُدَبَّرِ فَأَجَابَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الصُّورَتَيْنِ بِأَنَّهُ إنَّمَا تَخَلَّفَ الْحُكْمُ فِي الصُّورَتَيْنِ بِالْمَانِعِ فَأَقُولُ هَذَا الْجَوَابَ لَيْسَ دَفْعًا بِالْحُكْمِ بَلْ هُوَ تَخْصِيصُ الْعِلَّةِ وَنَحْنُ لَا نَقُولُ بِهِ وَثَالِثُهَا أَنَّ حِلَّ الْإِتْلَافِ لِإِحْيَاءِ الْمُهْجَةِ لَا يُنَافِي الْعِصْمَةَ كَمَا فِي الْمَخْمَصَةِ فَإِنَّهُ إنْ أَكَلَ مَالَ الْغَيْرِ فِي الْمَخْمَصَةِ لِإِحْيَاءِ الْمُهْجَةِ يَجِبُ الضَّمَانُ فَيُضْمَنُ الْجَمَلُ الصَّائِلُ فَنُوقِضَ بِمَالِ الْبَاغِي أَنَّ الْعَادِلَ إذَا أَتْلَفَ مَالَ الْبَاغِي حَالَ الْقِتَالِ لِإِحْيَاءِ الْمُهْجَةِ لَا يَجِبُ الضَّمَانُ فَعُلِمَ أَنَّ حِلَّ الْإِتْلَافِ لِإِحْيَاءِ الْمُهْجَةِ يُنَافِي الْعِصْمَةَ فَأَجَابَ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ حِلَّ الْإِتْلَافِ يُنَافِي الْعِصْمَةَ فِي مَالِ الْبَاغِي فَإِنَّ عِصْمَةَ مَالِ الْبَاغِي لَمْ تَنْتَفِ بِحِلِّ الْإِتْلَافِ بَلْ بِالْبَغْيِ فَأَقُولُ
ــ
[التلويح]
فِي صُورَةِ الِاسْتِحْسَانِ لِمَانِعٍ وَعَمِلَ بِهِ فِي غَيْرِهَا لِعَدَمِ الْمَانِعِ فَيَكُونُ بَاطِلًا لِمَا سَيَأْتِي مِنْ إبْطَالِ تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّهُ لَيْسَ مِنْ تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ؛ لِأَنَّ انْعِدَامَ الْحُكْمِ فِي صُورَةِ الِاسْتِحْسَانِ إنَّمَا هُوَ لِانْعِدَامِ الْعِلَّةِ مَثَلًا مُوجِبُ نَجَاسَةِ سُؤْرِ سِبَاعِ الْوَحْشِ هُوَ الرُّطُوبَةُ النَّجِسَةُ فِي الْآلَةِ الشَّارِبَةِ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ فِي سِبَاعِ الطَّيْرِ فَانْتَفَى الْحُكْمُ لِذَلِكَ وَهَذَا مَعْنَى تَرْكِ الْقِيَاسِ الْجَلِيِّ الضَّعِيفِ الْأَثَرِ بِدَلِيلٍ قَوِيٍّ هُوَ قِيَاسٌ خَفِيٌّ قَوِيُّ الْأَثَرِ فَلَا يَكُونَ مِنْ تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ فِي شَيْءٍ.
[فَصْلٌ فِي دَفْعِ الْعِلَلِ الْمُؤَثِّرَةِ]
[النَّقْضُ]
[وَدَفْعُ النَّقْض بِأَرْبَعِ طُرُقٍ]
(قَوْلُهُ: فَصْلٌ فِي دَفْعِ الْعِلَلِ الْمُؤَثِّرَةِ) أَيْ الِاعْتِرَاضَاتُ الَّتِي تُورِدُ عَلَيْهَا وَفِي دَفْعِ تِلْكَ الِاعْتِرَاضَاتِ أَيْ الْجَوَابُ عَنْهَا، وَالْمَذْكُورُ هَاهُنَا سِتَّةٌ وَهِيَ النَّقْضُ وَفَسَادُ الْوَضْعِ وَعَدَمُ الِانْعِكَاسِ وَالْفَرْقُ وَالْمُمَانَعَةُ وَالْمُعَارَضَةُ وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الْمُنَاقَضَةَ اعْتِرَاضٌ صَحِيحٌ عَلَى كُلِّ تَعْلِيلٍ فَلَا بُدَّ مِنْ دَفْعِهِ وَيَذْكُرُ فِيهِ أَرْبَعَةَ طُرُقٍ: الْأَوَّلُ الدَّفْعُ بِالْوَصْفِ وَهُوَ مَنْعُ وُجُودِ الْعِلَّةِ فِي صُورَةِ النَّقْضِ وَالثَّانِي الدَّفْعُ بِمَعْنَى الْوَصْفِ وَهُوَ مَنْعُ وُجُودِ الْمَعْنَى الَّذِي صَارَتْ الْعِلَّةُ عِلَّةً لِأَجْلِهِ وَالثَّالِثُ الدَّفْعُ بِالْحُكْمِ وَهُوَ مَنْعُ تَخَلُّفِ الْحُكْمِ عَنْ الْعِلَّةِ فِي صُورَةِ النَّقْضِ وَالرَّابِعُ الدَّفْعُ بِالْغَرَضِ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ الْغَرَضُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ فَكَمَا أَنَّ الْعِلَّةَ مَوْجُودَةٌ فِي الصُّورَتَيْنِ فَكَذَا الْحُكْمُ وَكَمَا أَنَّ ظُهُورَ الْحُكْمِ قَدْ يَتَأَخَّرُ فِي الْفَرْعِ فَكَذَا فِي الْأَصْلِ فَالتَّسْوِيَةُ حَاصِلَةٌ بِكُلِّ حَالٍ.
(قَوْلُهُ فَنُوقِضَ بِالْقَلِيلِ) يَعْنِي لَوْ كَانَ النَّجَسُ
الظَّاهِرُ أَنَّ الْحُكْمَ الْمُدَّعَى فِي الْجَمَلِ الصَّائِلِ وُجُوبُ الضَّمَانِ وَبَقَاءُ الْعِصْمَةِ فَحِينَئِذٍ لَا تَكُونُ هَذِهِ الصُّورَةُ نَظِيرًا لِلدَّفْعِ بِالْحُكْمِ بَلْ حَاصِلُ هَذَا الْمِثَالِ أَنَّ الْمُعَلِّلَ ادَّعَى حُكْمًا أَصْلِيًّا وَهُوَ الْعِصْمَةُ مَثَلًا فَإِنَّ الْأَصْلَ فِي أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ الْعِصْمَةُ وَهِيَ لَا تَرْتَفِعُ إلَّا بِعَارِضٍ وَلَيْسَ فِي الْمُتَنَازَعِ فِيهِ وَهُوَ الْجَمَلُ الصَّائِلُ إلَّا عَارِضٌ وَاحِدٌ وَهُوَ حِلُّ الْإِتْلَافِ وَقَدْ ثَبَتَ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْمَخْمَصَةِ أَنَّ حِلَّ الْإِتْلَافِ لَا يَصْلُحُ رَافِعًا لِلْعِصْمَةِ فَتَبْقَى الْعِصْمَةُ فِي الْجَمَلِ الصَّائِلِ فَيَجِبُ الضَّمَانُ فَنُوقِضَ بِمَالِ الْبَاغِي أَنَّ حِلَّ الْإِتْلَافِ رَافِعٌ لِلْعِصْمَةِ فِي مَالِ الْبَاغِي فَأَجَابَ بِأَنَّ رَافِعَ الْعِصْمَةِ فِي مَالِ الْبَاغِي لَيْسَ حِلَّ الْإِتْلَافِ بَلْ الرَّافِعُ هُوَ الْبَغْيُ فَهَذَا لَا يَكُونُ دَفْعًا بِالْحُكْمِ بَلْ بَيَانُ أَنَّ عِلَّةَ الْحُكْمِ وَهُوَ ارْتِفَاعُ الْعِصْمَةِ فِي صُورَةِ النَّقْضِ شَيْءٌ آخَرُ هَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ: (وَالضَّابِطُ الْمُنْتَزَعُ مِنْ هَذِهِ الصُّورَةِ أَنَّ الْمُعَلِّلَ إذَا ادَّعَى حُكْمًا أَصْلِيًّا لَا يَرْتَفِعُ إلَّا بِعَارِضٍ كَالْعِصْمَةِ هُنَا وَلَيْسَ فِي الْمُتَنَازَعِ فِيهِ إلَّا عَارِضٌ وَاحِدٌ وَهُوَ حِلُّ الْإِتْلَافِ وَأُثْبِتَ بِالْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا الْعَارِضَ لَا يَرْفَعُهُ كَمَا فِي الْمَخْمَصَةِ فَنُوقِضَ بِصُورَةٍ كَمَالِ الْبَاغِي مَثَلًا فَأَجَابَ بِأَنَّ الرَّافِعَ شَيْءٌ آخَرُ فَهَذَا بَيَانُ أَنَّ عِلَّةَ الْحُكْمِ فِي صُورَةِ النَّقْضِ شَيْءٌ آخَرُ) وَيُمْكِنُ أَنْ يَتَكَلَّفَ فِي أَنْ تَصِيرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ نَظِيرًا لِلدَّفْعِ بِالْحُكْمِ وَوَجْهُهُ أَنْ يُرَادَ بِالْحُكْمِ عِنْدَ مُنَافَاةِ حِلِّ الْإِتْلَافِ الْعِصْمَةُ، وَهَذَا الْحُكْمُ ثَابِتٌ فِي الْجَمَلِ الصَّائِلِ قِيَاسًا عَلَى الْمَخْمَصَةِ فَنُوقِضَ بِمَالِ الْبَاغِي أَنَّ حِلَّ الْإِتْلَافِ ثَابِتٌ فِيهِ وَعَدَمُ مُنَافَاتِهِ الْعِصْمَةَ غَيْرُ ثَابِتٌ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ فِيهِ مُنَافَاةُ حِلِّ الْإِتْلَافِ
ــ
[التلويح]
الْخَارِجُ مِنْ بَدَنِ الْإِنْسَانِ حَدَثًا لَكَانَ الْقَلِيلُ الَّذِي لَمْ يَسِلْ مِنْ رَأْسِ الْجُرْحِ حَدَثًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَيُجَابُ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ خَارِجٌ فَإِنَّ الْخُرُوجَ هُوَ الِانْتِقَالُ مِنْ مَكَان بَاطِنٍ إلَى مَكَان ظَاهِرٍ وَلَمْ يُوجَدُ ذَلِكَ عِنْدَ عَدَمِ السَّيَلَانِ بَلْ ظَهَرَتْ النَّجَاسَةُ لِزَوَالِ الْجِلْدَةِ السَّاتِرَةِ لَهَا بِخِلَافِ السَّبِيلَيْنِ فَإِنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ ظُهُورُ الْقَلِيلِ إلَّا بِالْخُرُوجِ.
(قَوْلُهُ هُوَ) أَيْ الْمَعْنَى الَّذِي صَارَتْ الْعِلَّةُ عِلَّةً لِأَجْلِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْعِلَّةِ كَالثَّابِتِ بِدَلَالَةِ النَّصِّ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَنْصُوصِ بِمَعْنَى أَنَّ الْوَصْفَ بِوَاسِطَةِ مَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ يَدُلُّ عَلَى مَعْنًى آخَرَ هُوَ مُؤَثِّرٌ فِي الْحُكْمِ فَإِنَّ كَوْنَ الْمَسْحِ تَطْهِيرًا حُكْمِيًّا غَيْرُ مَعْقُولِ الْمَعْنَى ثَابِتٌ بِاسْمِ الْمَسْحِ لُغَةً؛ لِأَنَّهُ الْإِصَابَةُ وَهِيَ تُنْبِئُ عَنْ التَّخْفِيفِ دُونَ التَّطْهِيرِ الْحَقِيقِيِّ فَلَا يُسَنُّ فِيهِ التَّثْلِيثُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا شُرِعَ لِتَوْكِيدِ تَطْهِيرٍ مَعْقُولٍ كَالْغُسْلِ فَلَا يُفِيدُ فِي الْمَسْحِ وَيُفِيدُ فِي الِاسْتِنْجَاءِ؛ لِأَنَّ التَّطْهِيرَ فِيهِ مَعْقُولٌ إذْ هُوَ إزَالَةُ عَيْنِ النَّجَاسَةِ وَلِهَذَا كَانَ الْغُسْلُ فِيهِ أَفْضَلَ وَفِي التَّثْلِيثِ تَوْكِيدٌ لِذَلِكَ وَمَبْنَى هَذَا الْكَلَامِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِعَدَمِ سُنِّيَّةِ التَّثْلِيثِ كَرَاهِيَتَهُ لِيَكُونَ حُكْمًا شَرْعِيًّا فَيُعَلَّلُ.
(قَوْلُهُ: فَأَجَابَ فِي الْأَوَّلَيْنِ بِالْمَانِعِ) وَهُوَ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ الْعُذْرُ وَدَفْعُ الْحَرَجِ وَفِي الْمُدَبَّرِ النَّظَرُ لَهُ وَعَدَمُ قَابِلِيَّتِهِ لِلْمَمْلُوكِيَّةِ بَقِيَ أَنَّ خُرُوجَ دَمِ الِاسْتِحَاضَةِ حَدَثٌ إلَّا أَنَّهُ تَأَخَّرَ حُكْمُهُ إلَى مَا بَعْدِ خُرُوجِ الْوَقْتِ وَلِهَذَا يَلْزَمُهَا الطَّهَارَةُ لِصَلَاةٍ أُخْرَى بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ بِأَنَّهُ بِذَلِكَ الْحَدَثِ إذَا خَرَجَ الْوَقْتُ لَيْسَ بِحَدَثٍ
الْعِصْمَةَ فَأَجَابَ بِأَنَّ مُنَافَاةَ حِلِّ الْإِتْلَافِ الْعِصْمَةَ غَيْرُ ثَابِتَةٍ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْعِصْمَةَ لَمْ تَنْتَفِ فِي مَالِ الْبَاغِي بِحِلِّ الْإِتْلَافِ بَلْ إنَّمَا انْتَفَتْ لِلْبَغْيِ هَذَا غَايَةُ التَّكَلُّفِ وَمَعَ هَذَا لَا يُوجَدُ النَّقْضُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ؛ لِأَنَّ النَّقْضَ وُجُودُ الْعِلَّةِ مَعَ تَخَلُّفِ الْحُكْمِ، وَحِلُّ الْإِتْلَافِ لِإِحْيَاءِ الْمُهْجَةِ لَيْسَ عِلَّةً لِعَدَمِ مُنَافَاتِهِ الْعِصْمَةَ لِثُبُوتِ حِلِّ الْإِتْلَافِ فِي مَالِ الْبَاغِي مَعَ الْمُنَافَاةِ فَلَا يَكُونُ نَقْضًا فَلِأَجْلِ هَذِهِ الْفَسَادَاتِ فِي الْأَمْثِلَةِ الثَّلَاثَةِ أَوْرَدَ مَثَلًا آخَرَ فِي الْمَتْنِ فَقَالَ
(وَأَنَا أُورِدُ لِلدَّفْعِ بِالْحُكْمِ مِثَالًا وَهُوَ الْقِيَامُ إلَى الصَّلَاةِ مَعَ خُرُوجِ النَّجَاسَةِ عِلَّةٌ لِوُجُوبِ الْوُضُوءِ فَيَجِبُ فِي غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ فَنُوقِضَ بِالتَّيَمُّمِ) أَيْ فِي صُورَةِ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَاءِ يُوجَدُ الْقِيَامُ إلَى الصَّلَاةِ مَعَ خُرُوجِ النَّجَاسَةِ وَمَعَ ذَلِكَ لَا يُوجِبُ الْوُضُوءَ
(فَيُمْنَعُ عَدَمُ وُجُوبِ الْوُضُوءِ فِيهِ بَلْ الْوُضُوءُ وَاجِبٌ لَكِنَّ التَّيَمُّمَ خَلَفٌ عَنْهُ) مَعْنَاهُ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ عَدَمَ وُجُوبِ الْوُضُوءِ فِي صُوَرِ عَدَمِ الْمَاءِ بَلْ الْوُضُوءُ وَاجِبٌ لَكِنَّ التَّيَمُّمَ خَلَفٌ عَنْهُ الرَّابِعُ: الدَّفْعُ بِالْغَرَضِ نَحْوُ: خَارِجٍ نَجِسٍ فَيَكُونُ نَاقِضًا فَنُوقِضَ بِالِاسْتِحَاضَةِ فَنَقُولُ الْغَرَضُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ السَّبِيلَيْنِ وَغَيْرِهِمَا فَإِنَّهُ حَدَثَ ثَمَّةَ لَكِنْ إذَا اسْتَمَرَّ يَصِيرُ عَفْوًا فَكَذَلِكَ هُنَا.
(ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ إنْ تَيَسَّرَ الدَّفْعُ) أَيْ دَفْعُ النَّقْضِ
(بِهَذِهِ الطُّرُقِ فِيهَا وَإِلَّا فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فِي صُورَةِ النَّقْضِ مَانِعٌ فَقَدْ بَطَلَتْ الْعِلَّةُ
ــ
[التلويح]
إجْمَاعًا، وَكَذَا مِلْكُ بَدَلِ الْمَغْصُوبِ سَبَبٌ لِمِلْكِ الْمَغْصُوبِ أَعْنِي الْمُدَبَّرَ كَمَا فِي الْبَيْعِ حَتَّى لَوْ جَمَعَ فِي الْبَيْعِ بَيْنَ قِنٍّ وَمُدَبَّرٍ صَحَّ فِي الْقِنِّ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ بِخِلَافِ الْجَمْعِ بَيْنَ قِنٍّ وَحُرٍّ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِي الْمُدَبَّرِ لِلْمَانِعِ أَوْرَدَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هَذَيْنِ الْمِثَالَيْنِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ اقْتِدَاءً بِصَاحِبِ التَّقْوِيمِ وَقَالَ فِي شَرْحِهِ إنَّ هَذَا الْوَجْهَ لَا يَسْلَمُ عَنْ الْقَوْلِ بِتَخْصِيصِ الْعِلَّةِ.
(قَوْلُهُ: وَالضَّابِطُ) حَاصِلُ هَذَا التَّقْرِيرِ أَنَّ الْحُكْمَ الْمُدَعَّى وُجُوبُ الضَّمَانِ وَالْعِلَّةُ حِلُّ الْإِتْلَافِ وَالْأَصْلُ صُورَةُ الْمَخْمَصَةِ وَالْفَرْعُ صُورَةُ الْجَمَلِ الصَّائِلِ وَالنَّقْضُ هُوَ مَالُ الْبَاغِي وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا جِهَةَ لِمَنْعِ انْتِفَاءِ الْحُكْمِ فِيهِ إذْ لَا نِزَاعَ فِي عَدَمِ وُجُوبِ الضَّمَانِ فِيهِ فَلَا تَكُونُ هَذِهِ الصُّورَةُ نَظِيرًا لِلدَّفْعِ بِالْحُكْمِ وَأَيْضًا حِلُّ الْإِتْلَافِ لَا يُلَائِمُ وُجُوبَ الضَّمَانِ فَضْلًا عَنْ التَّأْثِيرِ وَحَاصِلُ التَّقْرِيرِ الثَّانِي وَهُوَ أَنْ يُجْعَلَ نَظِيرًا لِدَفْعِ الْحُكْمِ أَنَّ الْحُكْمَ هُوَ عَدَمُ مُنَافَاةِ حِلِّ الْإِتْلَافِ لِبَقَاءِ الْعِصْمَةِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا تَسْقُطُ عِصْمَةُ الْجَمَلِ الصَّائِلِ بِإِبَاحَةِ قَتْلِهِ لِإِبْقَاءِ رُوحِ الْمَصُولِ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْمَخْمَصَةِ، وَالْعِلَّةُ حِلُّ الْإِتْلَافِ فَنُوقِضَ بِمَالِ الْبَاغِي حَيْثُ وُجِدَتْ الْعِلَّةُ وَهِيَ حِلُّ الْإِتْلَافِ مَعَ عَدَمِ الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ عَدَمُ الْمُنَافَاةِ ضَرُورَةَ تَحَقُّقِ الْمُنَافَاةِ إذْ قَدْ سَقَطَتْ الْعِصْمَةُ وَلَمْ يَجِبْ الضَّمَانُ عَلَى الْمُتْلِفِ فَأَجَابَ بِمَنْعِ انْتِفَاءِ الْحُكْمِ فِي صُورَةِ النَّقْضِ أَيْ لَا نُسَلِّمُ تَحَقُّقَ مُنَافَاةِ حِلِّ الْإِتْلَافِ لِبَقَاءِ الْعِصْمَةِ فِي مَالِ الْبَاغِي بَلْ عَدَمُ الْمُنَافَاةِ مُتَحَقِّقٌ
وَإِنْ وُجِدَ الْمَانِعُ فَلَا لَكِنْ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يَقُولُونَ الْعِلَّةُ تُوجِبُ هَذَا لَكِنْ تَخَلُّفُ الْحُكْمِ لِمَانِعٍ فَهَذَا تَخْصِيصُ الْعِلَّةِ وَنَحْنُ لَا نَقُولُ بِهِ بَلْ نَقُولُ إنَّمَا عَدَمُ الْحُكْمِ لِعَدَمِ مَا هُوَ وَالْعِلَّةُ حَقِيقَةٌ فَنَجْعَلُ عَدَمَ الْمَانِعِ جُزْءًا لِلْعِلَّةِ أَوْ شَرْطًا لَهَا لَهُمْ فِي جَوَازِ تَخْصِيصِ الْقِيَاسِ عَلَى الْأَدِلَّةِ اللَّفْظِيَّةِ وَالثَّابِتِ بِالِاسْتِحْسَانِ)
عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ الْقِيَاسُ عَلَى الْأَدِلَّةِ اللَّفْظِيَّةِ) فَإِنَّهُ مَخْصُوصٌ عَنْ الْقِيَاسِ وَلِأَنَّ التَّخَلُّفَ قَدْ يَكُونُ لِفَسَادِ الْعِلَّةِ وَقَدْ يَكُونُ لِمَانِعٍ كَمَا فِي الْعِلَلِ الْعَقْلِيَّةِ وَذَكَرُوا أَنَّ جُمْلَةَ مَا يُوجِبُ عَدَمَ الْحُكْمِ خَمْسَةٌ الْمَسْطُورُ فِي كُتُبِنَا أَنَّهُ ذَكَرَ الْقَائِلُونَ بِتَخْصِيصِ الْعِلَّةِ أَنَّ الْمَوَانِعَ خَمْسَةٌ لَكِنِّي عَدَلْتُ عَنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ لِمَا سَيَأْتِي
(مَانِعٌ مِنْ انْعِقَادِ الْعِلَّةِ كَانْقِطَاعِ الْوَتَرِ فِي الرَّمْيِ وَكَبَيْعِ الْحُرِّ أَوْ مِنْ تَمَامِهَا كَمَا إذَا حَالَ شَيْءٌ فَلَمْ يُصِبْ السَّهْمُ وَكَبَيْعِ مَا لَا يَمْلِكُهُ أَوْ مِنْ ابْتِدَاءِ
ــ
[التلويح]
إلَّا أَنَّ الْعِصْمَةَ انْتَفَتْ بِالْبَغْيِ وَعَدَمُ الْمُنَافَاةِ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ لَا يُوجِبُ التَّلَازُمَ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَمْتَنِعَ مَعَ وُجُودِ أَحَدِهِمَا انْتِفَاءُ الْآخَرِ بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ، وَاعْتَرَضَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِأَنَّ حِلَّ الْإِتْلَافِ لَيْسَ عِلَّةً لِعَدَمِ الْمُنَافَاةِ حَتَّى يَكُونَ تَحَقُّقُهُ فِي مَالِ الْبَاغِي مَعَ الْمُنَافَاةِ نَقْضًا وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُلَائِمُ عَدَمَ الْمُنَافَاةِ وَعَدَمَ سُقُوطِ الْعِصْمَةِ فَضْلًا عَنْ تَأْثِيرِهِ فِيهِ وَالْجَوَابُ أَنَّ التَّمْثِيلَ إنَّمَا هُوَ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يُجْعَلَ حِلُّ الْإِتْلَافِ عِلَّةً مُؤْثِرَةً وَيَكْفِي فِي التَّمْثِيلِ الْفَرْضُ وَالتَّقْدِيرُ.
(قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ) أَيْ الْخَارِجَ النَّجِسَ حَدَثٌ فِي السَّبِيلَيْنِ لَكِنْ إذَا اسْتَمَرَّ الْخَارِجُ كَمَا فِي الِاسْتِحَاضَةِ وَسَلَسِ الْبَوْلِ صَارَ عَفْوًا وَسَقَطَ حُكْمُ الْحَدَثِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ ضَرُورَةَ تَوَجُّهُ الْخِطَابِ بِأَدَاءِ الصَّلَاةِ فَكَذَا هَاهُنَا أَيْ فِي غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ يَكُونُ حَدَثًا وَيَصِيرُ عِنْدَ الِاسْتِمْرَارِ عَفْوًا كَمَا فِي الرُّعَافِ الدَّائِمِ وَهَذَا رَاجِعٌ إلَى مَنْعِ انْتِفَاءِ الْحُكْمِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّاقِضَ يَدَّعِي أَمْرَيْنِ ثُبُوتَ الْعِلَّةِ وَانْتِفَاءَ الْحُكْمِ فَلَا يَصِحُّ دَفْعُهُ إلَّا بِمَنْعِ أَحَدِهِمَا.
(قَوْلُهُ: ثُمَّ اعْلَمْ) ذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّ النَّقْضَ غَيْرُ مَسْمُوعٍ عَلَى الْعِلَلِ الْمُؤَثِّرَةِ؛ لِأَنَّ التَّأْثِيرَ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ فَلَا تُتَصَوَّرُ الْمُنَاقَضَةُ فِيهِ وَجَوَابُهُ أَنَّ ثُبُوتَ التَّأْثِيرِ قَدْ يَكُونُ ظَنِّيًّا فَيَصِحُّ الِاعْتِرَاضُ بِالنَّقْضِ وَحِينَئِذٍ إنْ انْدَفَعَ بِأَحَدِ الطُّرُقِ الْمَذْكُورَةِ فَقَدْ تَمَّ التَّعْلِيلُ وَإِلَّا فَإِمَّا أَنْ يُوجَدَ فِي صُورَةِ النَّقْضِ مَانِعٌ مِنْ ثُبُوتِ الْحُكْمِ أَوْ لَا فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فَقَدْ بَطَلَ التَّعْلِيلُ لِامْتِنَاعِ تَخَلُّفِ الْحُكْمِ عَنْ الدَّلِيلِ مِنْ غَيْرِ مَانِعٍ وَإِنْ وُجِدَ مَانِعٌ لَمْ يَبْطُلْ التَّعْلِيلُ إمَّا قَوْلًا بِتَخْصِيصِ الْعِلَّةِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ وَذَلِكَ بِأَنْ تُوصَفُ الْعِلَّةُ بِالْعُمُومِ بِاعْتِبَارِ تَعَدُّدِ الْمُحَالِ ثُمَّ يَخْرُجُ بَعْضُ الْمُحَالِ عَنْ تَأْثِيرِ الْعِلَّةِ فِيهِ وَيَبْقَى التَّأْثِيرُ مُقْتَصِرًا عَلَى الْمُحَالِ الْآخَرِ، وَإِمَّا قَوْلًا بِأَنَّ عَدَمَ الْمَانِعِ جُزْءٌ لِلْعِلَّةِ أَوْ شَرْطٌ لَهَا فَيَكُونُ انْتِفَاءُ الْحُكْمِ فِي صُورَةِ النَّقْضِ مَبْنِيًّا عَلَى انْتِفَاءِ الْعِلَّةِ بِانْتِفَاءِ جُزْئِهَا أَوْ شَرْطِهَا وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَتَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -
الْحُكْمِ كَمَا إذَا أَصَابَ السَّهْمُ فَدَفَعَهُ الدِّرْعُ وَكَخِيَارِ الشَّرْطِ أَوْ مِنْ تَمَامِهِ كَمَا إذَا انْدَمَلَ بَعْدَ إخْرَاجِ السَّهْمِ وَالْمُدَاوَاةِ وَكَخِيَارِ الرُّؤْيَةِ أَوْ مِنْ لُزُومِهِ كَمَا إذَا خَرَجَ وَامْتَدَّ حَتَّى صَارَ طَبْعًا لَهُ وَأُمِنَ وَكَخِيَارِ الْعَيْبِ فَالتَّخْصِيصُ لَيْسَ فِي الْأَوَّلَيْنِ بَلْ فِي الثَّلَاثِ الْأُخَرِ) ؛ لِأَنَّ التَّخْصِيصَ أَنْ تُوجَدَ الْعِلَّةُ وَيَتَخَلَّفَ الْحُكْمُ لِمَانِعٍ فَالْمَانِعُ مَا يَمْنَعُ الْحُكْمَ بَعْدَ وُجُودِ الْعِلَّةِ فَفِي الْأَوَّلِيَّيْنِ مِنْ الصُّوَرِ الْخَمْسِ لَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ لَمْ تُوجَدُ فِيهِمَا وَفِي الثَّلَاثِ الْأُخَرِ الْعِلَّةُ مَوْجُودَةٌ وَالْحُكْمُ مُتَخَلِّفٌ لِمَانِعٍ فَتَخْصِيصُ الْعِلَّةِ مَقْصُورٌ عَلَى الثَّلَاثِ الْأُخَرِ فَلِهَذَا لَمْ يَقُلْ فِي الْمَتْنِ إنَّ الْمَوَانِعَ خَمْسَةٌ بَلْ قَالَ مَا يُوجِبُ عَدَمَ الْحُكْمِ خَمْسَةٌ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْخِيَارَاتِ أَنَّ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ قَدْ وُجِدَ السَّبَبُ وَهُوَ الْبَيْعُ وَالْخِيَارُ دَاخِلٌ عَلَى الْحُكْمِ وَهُوَ الْمِلْكُ عَلَى مَا عُرِفَ
ــ
[التلويح]
تَحَاشِيًا عَنْ الْقَوْلِ بِتَخْصِيصِ الْعِلَّةِ فَعَدَمُ الْمَانِعِ عِنْدَهُمْ شَرْطٌ لِعِلِّيَّةِ الْوَصْفِ وَعِنْدَ الْأَكْثَرِينَ لِظُهُورِ الْأَثَرِ عَنْ الْعِلَّةِ فَانْتِفَاءُ الْحُكْمِ فِي صُورَةِ النَّقْضِ عِنْدَهُمْ يَكُونُ مُسْتَنِدًا إلَى عَدَمِ الْعِلَّةِ وَعِنْدَ الْأَكْثَرِينَ إلَى وُجُودِ الْمَانِعِ وَهَذَا نِزَاعٌ قَلِيلُ الْجَدْوَى احْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِتَخْصِيصِ الْعِلَّةِ بِوُجُوهٍ: الْأَوَّلُ الْقِيَاسُ عَلَى أَنَّ الْأَدِلَّةَ اللَّفْظِيَّةَ فَكَمَا أَنَّ التَّخْصِيصَ لَا يَقْدَحُ فِي كَوْنِ الْعَامِّ حُجَّةً كَذَلِكَ النَّقْضُ لَا يَقْدَحُ فِي كَوْنِ الْوَصْفِ عِلَّةً وَالْجَامِعُ كَوْنُهُمَا مِنْ الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ أَوْ جَمْعُ الدَّلِيلَيْنِ الْمُتَعَارِضَيْنِ وَسِرُّهُ أَنَّ نِسْبَةَ الْعَامِّ إلَى أَفْرَادِهِ كَنِسْبَةِ الْعِلَّةِ إلَى مَوَارِدِهِ وَالنَّقْضُ لِمَانِعٍ مُعَارِضٍ لِلْعِلَّةِ يُشْبِهُ التَّخْصِيصَ بِمُخَصِّصٍ مَانِعٍ عَنْ ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي الْبَعْضِ. الثَّانِي أَنَّ الْعِلَّةَ فِي الْقِيَاسِ الْجَلِيِّ شَامِلَةٌ لِصُورَةِ الِاسْتِحْسَانِ، وَقَدْ انْعَدَمَ الْحُكْمُ فِيهَا لِمَانِعٍ هُوَ دَلِيلُ الِاسْتِحْسَانِ، وَلَا نَعْنِي بِتَخْصِيصِ الْعِلَّةِ إلَّا هَذَا الثَّالِثَ أَنَّ تَخَلُّفَ الْحُكْمِ عَنْ الْعِلَّةِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِفَسَادٍ فِي الْعِلَّةِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِمَانِعٍ مِنْ ثُبُوتِ الْحُكْمِ وَالْمُعَلِّلِ قَدْ بَيَّنَ أَنَّهُ لِمَانِعٍ فَيَجِبُ قَبُولُهُ؛ لِأَنَّهُ بَيَانُ أَحَدِ الْمُحْتَمَلَيْنِ وَهَذَا بِمَنْزِلَةِ الْعِلَلِ الْعَقْلِيَّةِ فَإِنَّ الْحُكْمَ قَدْ يَخْتَلِفُ عَنْهَا لِمَانِعٍ كَالْإِحْرَاقِ بِالنَّارِ عَنْ الْخَشَبِ الْمُلَطَّخِ بِالطَّلْقِ الْمَحْلُولِ.
(قَوْلُهُ: ذَكَرَ الْقَائِلُونَ بِتَخْصِيصِ الْعِلَّةِ) فِي هَذَا الْمَقَامِ أَقْسَامَ الْمَانِعِ وَهِيَ ثَلَاثَةٌ لَكِنَّهُمْ لَمَا أَخَذُوا فِي تَعْدَادِ الْمَوَانِعِ أَوْرَدُوا فِيهَا الْمَانِعَ مِنْ انْعِقَادِ الْعِلَّةِ وَمِنْ تَمَامِهَا وَإِنْ لَمْ يَكُونَا مِنْ قَبِيلِ الْمَانِعِ الْمُعْتَبَرِ فِي تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ وَهُوَ مَا يَمْنَعُ الْحُكْمَ بَعْدَ تَحَقُّقِ الْعِلَّةِ وَالْمُصَنِّفُ رحمه الله غَيَّرَ عِبَارَتَهُمْ وَعَبَّرَ عَنْ مَوَانِعِ الْحُكْمِ بِمُوجِبَاتِ عَدَمِ الْحُكْمِ لِيَشْمَلَ الْمَانِعَ عَنْ الْحُكْمِ وَعَنْ الْعِلَّةِ انْعِقَادًا أَوْ تَمَامًا، وَالْعُمْدَةُ فِي أَقْسَامِ الْمَانِعِ هُوَ الِاسْتِقْرَاءُ وَالْمَذْكُورُ فِي التَّقْوِيمِ أَرْبَعَةٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ بِحَيْثُ لَا يَحْدُثُ مَعَهُ شَيْءٌ مِنْ الْأَجْزَاءِ فَهُوَ الْمَانِعُ مِنْ الِابْتِدَاءِ أَوْ الِانْعِقَادِ وَإِلَّا فَهُوَ الْمَانِعُ مِنْ التَّمَامِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا فِي الْعِلَّةِ أَوْ الْحُكْمِ وَزَادَ بَعْضُهُمْ قِسْمًا خَامِسًا نَظَرًا إلَى أَنَّ لِلْحُكْمِ ابْتِدَاءً وَتَمَامًا وَدَوَامًا، وَلَا عِبْرَةَ بِالدَّوَامِ فِي
فِي فَصْلِ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ أَنَّ الْخِيَارَ يَثْبُتُ بِالضَّرُورَةِ فَدُخُولُهُ عَلَى الْحُكْمِ أَسْهَلُ مِنْ دُخُولِهِ عَلَى السَّبَبِ؛ لِأَنَّ دُخُولَهُ عَلَى السَّبَبِ يُوجِبُ الدُّخُولَ عَلَى الْمُسَبِّبِ وَالْحُكْمِ فَإِذَا كَانَ دَاخِلًا عَلَى الْحُكْمِ لَمْ يَكُنْ الْمِلْكُ ثَابِتًا، وَأَمَّا خِيَارُ الرُّؤْيَةِ فَإِنَّ الْبَيْعَ صَدَرَ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ فَأَوْجَبَ الْحُكْمَ وَهُوَ الْمِلْكُ لَكِنَّ الْمِلْكَ لَمْ يَتِمَّ لِعَدَمِ الرِّضَا بِالْحُكْمِ عِنْدَ عَدَمِ الرُّؤْيَةِ وَأَمَّا خِيَارُ الْعَيْبِ فَإِنَّهُ حَصَلَ السَّبَبُ وَالْحُكْمُ بِتَمَامِهِ لِتَمَامِ الرِّضَا بِالْحُكْمِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ وَجَدَ الرُّؤْيَةَ لَكِنْ عَلَى تَقْدِيرِ الْعَيْبِ يَتَضَرَّرُ الْمُشْتَرِي فَقُلْنَا بِعَدَمِ اللُّزُومِ عَلَى تَقْدِيرِ الْعَيْبِ فَلَا خِيَارَ الْعَيْبِ يَتَمَكَّنُ الْمُشْتَرِي مِنْ رَدِّ الْبَعْضِ؛ لِأَنَّهُ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ وَهُوَ بَعْدَ التَّمَامِ جَائِزٌ وَفِي خِيَارِ الرُّؤْيَةِ لَا يَتَمَكَّنُ؛ لِأَنَّهُ تَفْرِيقٌ قَبْلَ التَّمَامِ وَذَا لَا يَجُوزُ وَلَنَا أَنَّ التَّخْصِيصَ فِي الْأَلْفَاظِ مَجَازٌ فَيُخَصُّ بِهَا، وَتَرْكُ الْقِيَاسِ بِدَلِيلٍ أَقْوَى لَا يَكُونُ تَخْصِيصًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعِلَّةٍ حِينَئِذٍ وَلِأَنَّ الْعِلَّةَ فِي الْقِيَاسِ مَا يَلْزَمُ
ــ
[التلويح]
الْعِلَّةِ بَلْ التَّمَامُ كَافٍ كَخُرُوجِ النَّجَاسَةِ لِلْحَدَثِ ثُمَّ الْمَقْصُودُ هُوَ الْعِلَّةُ وَالْحُكْمُ الشَّرْعِيَّانِ، وَقَدْ أَضَافُوا إلَيْهَا الْحِسِّيَّيْنِ لِزِيَادَةِ التَّوْضِيحِ وَفِي كَوْنِ امْتِدَادِ الْجُرْحِ وَصَيْرُورَتِهِ بِمَنْزِلَةِ الطَّبْعِ مَانِعًا مِنْ لُزُومِ الْحُكْمِ نَظَرًا؛ لِأَنَّهُ إنْ أُرِيدَ بِالْحُكْمِ الْقَتْلُ وَهُوَ غَيْرُ ثَابِتٍ وَإِنْ أُرِيدَ الْجَرْحُ فَهُوَ لَازِمٌ عَلَى تَقْدِيرِ صَيْرُورَتِهِ بِمَنْزِلَةِ الطَّبْعِ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْحُكْمَ هُوَ الْجَرْحُ عَلَى وَجْهٍ يُفْضِي إلَى الْقَتْلِ لِعَدَمِ مُقَاوَمَةِ الْمُرْمَى فَالِانْدِمَالُ مَانِعٌ مِنْ تَمَامِ الْحُكْمِ لِحُصُولِ الْمُقَاوَمَةِ، وَأَمَّا بَقَاءُ الْجُرْحِ وَكَوْنُ الْمَجْرُوحِ صَاحِبَ فِرَاشٍ فَلَا يَمْنَعُهُ لِتَحَقُّقِ عَدَمِ الْمُقَاوَمَةِ إلَّا أَنَّهُ مَا دَامَ حَيًّا يَحْتَمِلُ أَنْ يَزُولَ عَدَمُ الْمُقَاوَمَةِ بِالِانْدِمَالِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَصِيرَ لَازِمًا بِإِفْضَائِهِ إلَى الْقَتْلِ فَإِذَا صَارَ طَبْعًا فَقَدْ مَنَعَ ذَلِكَ إفْضَاءَهُ إلَى الْقَتْلِ وَكَانَ مَانِعًا لُزُومَ الْحُكْمِ ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّهُ تَمْثِيلٌ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّسَامُحِ وَإِلَّا فَالرَّمْيُ عِلَّةٌ لِلْمُضِيِّ وَالْمُضِيُّ لِلْإِصَابَةِ وَالْإِصَابَةُ لِلْجِرَاحَةِ وَالْجِرَاحَةُ لِسَيَلَانِ الدَّمِ وَهُوَ لِزُهُوقِ الرُّوح.
(قَوْلُهُ: وَلَنَا أَنَّ التَّخْصِيصَ) أَجَابَ عَنْ الِاحْتِجَاجِ الْأَوَّلِ بِأَنَّ التَّخْصِيصَ مِنْ الْأَحْكَامِ الَّتِي لَا يُمْكِنُ تَعْدِيَتُهَا مِنْ الْأَصْلِ أَعْنِيَ الْأَدِلَّةَ اللَّفْظِيَّةَ إلَى الْفَرْعِ أَعْنِي الْعِلَلَ؛ لِأَنَّ التَّخْصِيصَ مَلْزُومٌ لِلْمَجَازِ وَالْمَجَازُ مِنْ خَوَاصِّ اللَّفْظِ وَاخْتِصَاصِ اللَّازِمِ بِالشَّيْءِ يُوجِبُ اخْتِصَاصَ الْمَلْزُومِ بِهِ وَإِلَّا لَزِمَ وُجُودُ الْمَلْزُومِ بِدُونِ اللَّازِمِ وَهُوَ مُحَالٌ، وَرُبَّمَا يُعْتَرَضُ عَلَيْهِ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ التَّخْصِيصَ مُطْلَقًا مَلْزُومٌ لِلْمَجَازِ بَلْ التَّخْصِيصُ فِي الْأَلْفَاظِ كَذَلِكَ وَمَعْنَى تَعْدِيَةِ الْحُكْمِ إثْبَاتُ مِثْلِهِ فِي صُورَةِ الْفَرْعِ فَيَثْبُتُ فِي الْعِلَلِ تَخْصِيصٌ بِبَعْضِ الْمَوَارِدِ كَتَخْصِيصِ الْأَلْفَاظِ بِبَعْضِ الْأَفْرَادِ وَيَتَّصِفُ اللَّفْظُ بِالْمَجَازِ ضَرُورَةَ اسْتِعْمَالِهِ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ وَيَمْتَنِعُ اتِّصَافُ الْعِلَّةِ بِهِ إذْ لَيْسَ مِنْ شَأْنِهَا الِاتِّصَافُ بِالْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ.
وَعَنْ الِاحْتِجَاجِ الثَّانِي بِأَنَّ إثْبَاتَ الْحُكْمِ بِطَرِيقِ الِاسْتِحْسَانِ تَرْكٌ لِلْقِيَاسِ بِدَلِيلٍ أَقْوَى مِنْهُ وَهُوَ لَيْسَ مِنْ تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ بِمَعْنَى انْتِفَاءِ الْحُكْمِ الْمَانِعِ مِنْ تَحَقُّقِ الْعِلَّةِ
مِنْ وُجُودِهِ وُجُودُ الْحُكْمِ لِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ عَلَى وُجُوبِ التَّعْدِيَةِ إذَا عُلِمَ وُجُودُ الْعِلَّةِ فِي الْفَرْعِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدِهِمْ بِعَدَمِ الْمَانِعِ مَعَ أَنَّ هَذَا التَّقْيِيدَ وَاجِبٌ فَعُلِمَ أَنَّ عَدَمَ الْمَانِعِ حَاصِلٌ عِنْدَ وُجُودِ الْعِلَّةِ فَهُوَ إمَّا رُكْنُهَا أَوْ شَرْطُهَا أَيْ عَدَمُ الْمَانِعِ إمَّا رُكْنُ الْعِلَّةِ أَوْ شَرْطُهَا
(فَإِذَا وُجِدَ الْمَانِعُ فَقَدْ عُدِمَ الْعِلَّةُ ثُمَّ عَدَمُهَا قَدْ يَكُونُ لِزِيَادَةِ وَصْفٍ كَمَا أَنَّ الْبَيْعَ الْمُطْلَقَ عِلَّةٌ لِلْمِلْكِ فَإِذَا زِيدَ الْخِيَارُ فَقَدْ عَدِمَتْ أَوْ لِنُقْصَانِهِ كَالْخَارِجِ النَّجِسِ مَعَ عَدَمِ الْحَرَجِ عِلَّةٌ لِلِانْتِقَاضِ، وَهَذَا مَعْدُومٌ فِي الْمَعْذُورِ وَمِنْهُ فَسَادُ الْوَضْعِ وَهُوَ أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَى الْعِلَّةِ نَقِيضُ مَا تَقْتَضِيهِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ
ــ
[التلويح]
لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْقِيَاسَ بَلْ الْوَصْفُ فِيهِ لَيْسَ بِعِلَّةٍ عِنْدَ وُجُودِ الْمُعَارِضِ الْأَقْوَى لِمَا سَبَقَ مِنْ أَنَّ شَرْطَ الْقِيَاسِ أَنْ لَا يُعَارِضَهُ دَلِيلٌ أَقْوَى مِنْهُ فَانْتِفَاءُ الْحُكْمِ فِي صُورَةِ الْقِيَاسِ مَبْنِيٌّ عَلَى عَدَمِ الْعِلَّةِ لَا عَلَى تَحَقُّقِ الْمَانِعِ مَعَ وُجُودِ الْعِلَّةِ وَثَانِيهِمَا أَنَّ الْعِلَّةَ فِي الْقِيَاسِ مَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ وُجُودُ الْحُكْمِ بِدَلِيلِ الْإِجْمَاعِ عَلَى وُجُوبِ تَعْدِيَةِ الْحُكْمِ إلَى كُلِّ صُورَةٍ تُوجَدُ فِيهَا الْعِلَّةُ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِعَدَمِ الْمَانِعِ فَكُلُّ مَا لَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ وُجُودُ الْحُكْمِ بَلْ يَتَخَلَّفُ عَنْهُ وَلَوْ لِمَانِعٍ يَكُونُ عِلَّةً، وَلَمَّا كَانَ هَذَا الْوَجْهُ صَالِحًا؛ لَأَنْ يُجْعَلَ دَلِيلًا مُسْتَقِلًّا عَلَى بُطْلَانِ تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ مَعَ أَنَّ هَذَا التَّقْيِيدَ وَاجِبٌ إلَى آخِرِهِ وَتَقْرِيرُهُ أَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى وُجُوبِ التَّعْدِيَةِ عِنْدَ الْعِلْمِ بِوُجُودِ الْعِلَّةِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ مِنْهُمْ لِلتَّقْيِيدِ بِعَدَمِ الْمَانِعِ مَعَ أَنَّهُ مَعْلُومٌ قَطْعًا أَنْ لَا تَعْدِيَةَ عِنْدَ وُجُودِ الْمَانِعِ فَعُلِمَ مِنْ تَرْكِهِمْ التَّقْيِيدَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعِلَّةِ مَا يَسْتَجْمِعُ جَمِيعَ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ التَّعْدِيَةُ أَنَّهُ عَدَمُ مَانِعٍ وَغَيْرُهُ عَلَى أَنَّهُ شَطْرٌ لِلْعِلَّةِ أَوْ شَرْطٌ لَهَا فَعِنْدَ وُجُودِ الْمَانِعِ تَكُونُ الْعِلَّةُ مَعْدُومَةً لِانْعِدَامِ رُكْنِهَا أَوْ شَرْطِهَا وَهَاهُنَا نَظَرٌ وَهُوَ أَنَّ غَلَبَةَ الظَّنِّ تَكْفِي فِي الْعِلِّيَّةِ سَوَاءٌ اسْتَلْزَمَتْ الْحُكْمَ أَمْ لَا، وَلَا نُسَلِّمُ الْإِجْمَاعَ عَلَى وُجُوبِ التَّعْدِيَةِ مُطْلَقًا بَلْ بِشَرَائِطَ وَقُيُودٍ كَثِيرَةٍ، وَمِنْهَا عَدَمُ الْمَانِعِ وَأَيْضًا كَثِيرًا مَا يَقَعُ الْإِطْلَاقُ اعْتِمَادًا عَلَى الْعِلْمِ بِالتَّقْيِيدِ كَمَا فِي قَوْلِهِمْ الْعَمَلُ بِالْعُمُومِ وَاجِبٌ وَالْمُرَادُ عِنْدَ عَدَمِ الْمُخَصَّصِ.
(قَوْلُهُ ثُمَّ عَدَمُهَا) أَيْ عَدَمُ الْعِلَّةِ قَدْ يَكُونُ لِزِيَادَةِ وَصْفٍ عَلَى مَا جُعِلَ عِلَّةً بِأَنْ تَكُونَ عَلِيَّتُهُ مَشْرُوطَةً بِعَدَمِ ذَلِكَ الْوَصْفِ فَيَنْتَفِي بِوُجُودِهِ كَالْبَيْعِ الْمُطْلَقِ أَيْ غَيْرِ الْمُقَيَّدِ بِشَرْطِ عِلَّةٍ لِلْمِلْكِ فَإِذَا زِيدَ عَلَيْهِ الْخِيَارُ لَمْ يَبْقَ مُطْلَقًا فَلَمْ يَكُنْ عِلَّةً وَالْمُرَادُ بِالْمُطْلَقِ هَاهُنَا مَا يُقَابِلُ الْمُقَيَّدَ بِالشَّرْطِ وَنَحْوِهِ لَا الْمَشْرُوطِ بِالْإِطْلَاقِ فَإِنَّهُ لَا وُجُودَ لَهُ أَصْلًا، وَلَا الْمَعْنَى الْكُلِّيُّ الَّذِي لَا يُوجَدُ إلَّا فِي ضِمْنِ الْجُزْئِيَّاتِ فَإِنَّهُ صَادِقٌ عَلَى الْبَيْعِ بِالْخِيَارِ، وَقَدْ يَكُونُ بِنُقْصَانِ وَصْفٍ هُوَ مِنْ جُمْلَةِ أَرْكَانِ الْعِلَّةِ أَوْ شَرَائِطِهَا فَيَنْتَفِي الْكُلُّ بِانْتِفَاءِ جُزْئِهِ أَوْ شَرْطِهِ كَالْخَارِجِ النَّجَسِ فَإِنَّهُ مَعَ عَدَمِ الْحَرَجِ عِلَّةٌ لِانْتِقَاضِ الْوُضُوءِ فَعِنْدَ وُجُودِ الْحَرَجِ لَا يَكُونُ عِلَّةً كَمَا فِي الْمُسْتَحَاضَةِ.
(قَوْلُهُ: وَمِنْهُ)
مَا ثَبَتَ تَأْثِيرُهُ شَرْعًا لَا يُمْكِنُ فِيهِ فَسَادُ الْوَضْعِ وَمَا ثَبَتَ فَسَادُ وَضْعِهِ عَلَى عَدَمِ تَأْثِيرِهِ شَرْعًا وَسَيَأْتِي مِثَالُهُ وَمِنْهُ عَدَمُ الْعِلَّةِ مَعَ وُجُودِ الْحُكْمِ وَهَذَا لَا يُقْدَحُ لِاحْتِمَالِ وُجُودِهِ بِعِلَّةٍ أُخْرَى وَمِنْهُ الْفَرْقُ قَالُوا هُوَ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ غَصَبَ مَنْصِبَ الْمُعَلِّلِ وَهَذَا نِزَاعٌ جَدَلِيٌّ وَلِأَنَّهُ إذَا ثَبَتَ عِلِّيَّةُ الْمُشْتَرَكِ لَا يَضُرُّهُ الْفَارِقُ لَكِنْ إذَا أَثْبُتَ فِي الْفَرْعِ مَانِعًا يَضُرُّهُ وَكُلُّ كَلَامٍ صَحِيحٍ فِي الْأَصْلِ إذَا أُورِدَ عَلَى سَبِيلِ الْفَرْقِ لَا يُقْبَلُ فَيَنْبَغِي أَنْ يُورَدَ عَلَى سَبِيلِ الْمُمَانَعَةِ حَتَّى يُقْبَلَ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إعْتَاقُ الرَّاهِنِ تَصَرُّفٌ يُبْطِلُ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ) هَذَا تَعْلِيمٌ يَنْفَعُ فِي الْمُنَاظَرَاتِ وَهُوَ أَنَّ كُلَّ كَلَامٍ يَكُونُ فِي نَفْسِهِ صَحِيحًا أَيْ يَكُونُ فِي الْحَقِيقَةِ مَنَعَا لِلْعِلَّةِ
ــ
[التلويح]
أَيْ وَمِنْ دَفْعِ الْعِلَلِ الْمُؤَثِّرَةِ فَسَادُ الْوَضْعِ كَمَا يُقَالُ التَّيَمُّمُ مَسْحٌ فَيُسَنُّ فِيهِ التَّثْلِيثُ كَالِاسْتِنْجَاءِ فَيُعْتَرَضُ بِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ اعْتِبَارُ الْمَسْحِ فِي كَرَاهَةِ التَّكْرَارِ كَالْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ وَهَذَا إنَّمَا يُسْمَعُ قَبْلَ ثُبُوتِ تَأْثِيرِ الْعِلَّةِ وَإِلَّا فَيَمْتَنِعُ مِنْ الشَّارِعِ اعْتِبَارُ الْوَصْفِ فِي الشَّيْءِ وَنَقِيضِهِ (قَوْلُهُ: وَمِنْهُ) أَيْ وَمِنْ دَفْعِ الْعِلَلِ الْمُؤَثِّرَةِ عَدَمُ الِانْعِكَاسِ وَهُوَ أَنْ يُوجَدَ الْحُكْمُ، وَلَا تُوجَدُ الْعِلَّةُ وَهَذَا لَا يَقْدَحُ فِي الْعِلِّيَّةِ لِجَوَازِ أَنْ يَثْبُتَ الْحُكْمُ بِعِلَلٍ شَتَّى كَالْمِلْكِ بِالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالْإِرْثِ كَمَا فِي الْعِلَلِ الْعَقْلِيَّةِ فَإِنَّ نَوْعَ الْحَرَارَةِ يَحْصُلُ بِالنَّارِ وَالشَّمْسِ وَالْحَرَكَةِ نَعَمْ يَمْتَنِعُ تَوَارُدُ الْعِلَلِ الْمُسْتَقِلَّةِ عَلَى مَعْلُولٍ وَاحِدٍ بِالشَّخْصِ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهَا مُحْتَاجًا إلَيْهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ عِلَّةٌ وَمُسْتَغْنًى عَنْهُ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْآخَرَ عِلَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ فِي الْعِلَلِ الشَّرْعِيَّةِ إذْ لَيْسَ مَعْنَى تَأْثِيرِهَا الْإِيجَادَ، وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْمُتَوَضِّئَ إذَا حَصَلَ مِنْهُ الْبَوْلُ وَالْغَائِطُ وَالرُّعَافُ وَنَحْوُ ذَلِكَ حَصَلَ حَدَثُهُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَسْبَابِ.
(قَوْلُهُ وَمِنْهُ الْفَرْقُ) وَهُوَ أَنْ يَتَبَيَّنَ فِي الْأَصْلِ وَصْفٌ لَهُ مُدْخَلٌ فِي الْعِلِّيَّةِ لَا يُوجَدُ فِي الْفَرْعِ فَيَكُونَ حَاصِلُهُ مَنْعَ عِلِّيَّةِ الْوَصْفِ وَادِّعَاءَ أَنَّ الْعِلَّةَ هِيَ الْوَصْفُ مَعَ شَيْءٍ آخَرَ وَهُوَ مَقْبُولٌ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ النَّظَرِ، وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهُ يُقْبَلُ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ غَصَبَ مَنْصِبَ الْمُعَلَّلِ إذْ السَّائِلُ جَاهِلٌ مُسْتَرْشِدٌ فِي مَوْقِفِ الْإِنْكَارِ فَإِذَا اُدُّعِيَ عَلَيْهِ شَيْءٌ آخَرُ وَقَفَ مَوْقِفَ الدَّعْوَى، وَهَذَا بِخِلَافِ الْمُعَارَضَةِ فَإِنَّهَا إنَّمَا تَكُونُ بَعْدَ تَمَامِ الدَّلِيلِ فَالْمُعَارِضُ حِينَئِذٍ لَا يَبْقَى سَائِلًا بَلْ يَصِيرُ مُدَّعِيًا ابْتِدَاءً، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ نِزَاعٌ جَدَلِيٌّ يَقْصِدُونَ بِهِ عَدَمَ وُقُوعِ الْخَبْطِ فِي الْبَحْثِ وَإِلَّا فَهُوَ غَيْرُ نَافِعٍ فِي إظْهَارِ الصَّوَابِ.
وَثَانِيهِمَا أَنَّ الْمُعَلَّلَ بَعْدَمَا أُثْبِتَ كَوْنُ الْوَصْفِ الْمُشْتَرَكِ عِلَّةَ لُزُومِ ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ ضَرُورَةَ ثُبُوتِ الْعِلَّةِ فِيهِ سَوَاءٌ وُجِدَ الْفَارِقُ أَوْ لَمْ يُوجَدْ؛ لِأَنَّ غَايَةَ الْأَمْرِ أَنَّ الْمُعْتَرِضَ يُثْبِتُ فِي الْأَصْلِ عِلِّيَّةَ وَصْفٍ لَا يُوجَدُ فِي الْفَرْعِ وَهَذَا لَا يُنَافِي عِلِّيَّةَ الْوَصْفِ الْمُشْتَرَكِ الْمُوجِبِ لِلتَّعْدِيَةِ نَعَمْ لَوْ أُثْبِتَ الْفَارِقُ عَلَى وَجْهٍ يَمْنَعُ ثُبُوتَ الْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ كَانَ قَادِحًا إلَّا أَنَّهُ لَا يَكُونُ