الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(عَلَى الطَّوَافِ، وَالْفَاتِحَةُ وَتَعْدِيلُ الْأَرْكَانِ عَلَى سَبِيلِ الْفَرْضِيَّةِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ) يَرْجِعُ إلَى الْكُلِّ (وَالْإِيمَانُ عَلَى الرَّقَبَةِ بِالْقِيَاسِ) أَيْ: لَا يُزَادُ قَيْدُ الْإِيمَانِ عَلَى الرَّقَبَةِ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ بِالْقِيَاسِ عَلَى كَفَّارَةِ الْقَتْلِ. (يَرِدُ هُنَا أَنَّكُمْ زِدْتُمْ الْفَاتِحَةَ وَالتَّعْدِيلَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ حَتَّى وَجَبَا، وَإِنَّمَا لَمْ تَثْبُتْ الْفَرْضِيَّةُ؛ لِأَنَّهَا لَا تَثْبُتُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ عِنْدَكُمْ) فَإِنَّ الْفَرْضَ عِنْدَكُمْ مَا ثَبَتَ لُزُومُهُ بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ وَالْوَاجِبُ مَا ثَبَتَ لُزُومُهُ بِدَلِيلٍ ظَنِّيٍّ فَقَدْ زِدْتُمْ عَلَى الْكِتَابِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ مَا يُمْكِنُ أَنْ يُزَادَ بِهِ وَهُوَ الْوُجُوبُ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّا لَمْ نَزِدْ الْفَاتِحَةَ وَالتَّعْدِيلَ عَلَى وَجْهٍ يَلْزَمُ مِنْهُ نَسْخُ الْكِتَابِ؛ لِأَنَّا لَمْ نَقُلْ بِعَدَمِ إجْزَاءِ الْأَصْلِ لَوْلَا الْفَاتِحَةُ وَالتَّعْدِيلُ حَتَّى يَلْزَمَ النَّسْخُ حِينَئِذٍ بَلْ قُلْنَا بِالْوُجُوبِ فَقَطْ.
بِمَعْنَى أَنَّهُ يَأْثَمُ تَارِكُهُمَا، وَفِي هَذَا الْمَعْنَى لَا يَلْزَمُ نَسْخُ الْكِتَابِ أَصْلًا وَلَا يُمْكِنُ مِثْلُ هَذَا فِي الْوُضُوءِ حَتَّى تَكُونَ النِّيَّةُ، وَالتَّرْتِيبُ وَاجِبَيْنِ فِي الْوُضُوءِ؛ لِأَنَّ الْوُضُوءَ لَيْسَ عِبَادَةً مَقْصُودَةً بَلْ هُوَ شَرْطٌ لِلصَّلَاةِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ مِنْ أَجْزَائِهِ وَاجِبًا لِعَيْنِهِ بِمَعْنَى أَنَّهُ يَأْثَمُ تَارِكُهُ بَلْ لِأَجْلِ الصَّلَاةِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ إلَّا بِهِ فَإِنْ قُلْنَا بِوُجُوبِ النِّيَّةِ وَالتَّرْتِيبِ فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ إلَّا بِهِمَا فَيَلْزَمُ مِنْ وُجُوبِهِمَا عَدَمُ إجْزَاءِ الصَّلَاةِ الَّتِي هِيَ الْأَصْلُ، وَهَذَا سِرُّ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - جَعَلَ فِي الصَّلَاةِ وَاجِبَاتٍ وَلَمْ
ــ
[التلويح]
كَوْنُهَا قُرْآنًا وَاجِبٌ مِنْ حَيْثُ خُصُوصِيَّةُ الْفَاتِحَةِ، وَعِنْدَ تَغَايُرِ الْحَيْثِيَّتَيْنِ لَا مُنَافَاةَ.
(قَوْلُهُ: بَلْ هُوَ شَرْطٌ لِلصَّلَاةِ) يَعْنِي: أَنَّ الْكَلَامَ فِي كَوْنِ الْوُضُوءِ مِفْتَاحًا لِلصَّلَاةِ، وَأَمَّا كَوْنُهُ قُرْبَةً فَيَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ بِلَا خِلَافٍ إذْ بِهَا تَتَمَيَّزُ الْعِبَادَةُ عَنْ الْعَادَةِ فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ النِّيَّةُ، وَالتَّرْتِيبُ وَاجِبَيْنِ فِي الْوُضُوءِ عَلَى قَصْدِ الْقُرْبَةِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَكُونَ قُرْبَةً بِدُونِهِمَا.
(قَوْلُهُ: بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ إلَّا بِهِ) لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا بِمَعْنَى أَنْ يَكُونَ الْمُصَلِّي آثِمًا بِاعْتِبَارِ تَرْكِهِ النِّيَّةَ، أَوْ التَّرْتِيبَ فِي الْوُضُوءِ مَعَ صِحَّةِ صَلَاتِهِ كَمَا فِي تَرْكِ الْفَاتِحَةِ وَحِينَئِذٍ لَا يَلْزَمُ النَّسْخُ.
(قَوْلُهُ: فَيَلْزَمُ مِنْ وُجُوبِهِمَا عَدَمُ إجْزَاءِ الصَّلَاةِ الَّتِي هِيَ الْأَصْلُ) الْأَنْسَبُ أَنْ يُفَسِّرَ الْأَصْلَ بِغَسْلِ الْأَعْضَاءِ الثَّلَاثَةِ وَمَسْحِ الرَّأْسِ، وَمَعْنَى عَدَمِ إجْزَائِهِ كَوْنُهُ غَيْرُ كَافٍ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَصْلِ فِي هَذَا الْمَقَامِ هُوَ الْمَزِيدُ عَلَيْهِ الَّذِي تَرْفَعُ الزِّيَادَةُ أَجْزَاءَهُ.
(قَوْلُهُ: وَلَمْ يَجْعَلْ تِلْكَ) أَيْ: الْوَاجِبَاتِ بِمَعْنَى أَنَّهُ يَأْثَمُ تَارِكُهَا فِي الْوُضُوءِ، وَإِلَّا فَلَا خَفَاءَ فِي أَنَّ غَسْلَ الْمِرْفَقِ، وَمِقْدَارَ الرُّبُعِ فِي الْمَسْحِ وَاجِبٌ بِمَعْنَى اللَّازِمِ بِدَلِيلٍ ظَنِّيٍّ بِحَيْثُ لَا يَكْفُرُ جَاحِدُهُ.
(قَوْلُهُ: أَصْلُهُ ثَابِتٌ) اقْتِبَاسٌ لَطِيفٌ بِتَغْيِيرٍ يَسِيرٍ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ لُطْفِ الْإِبْهَامِ، وَذَلِكَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - اسْمُ أَبِيهِ ثَابِتٌ كَمَا أَنَّ قَوَاعِدَ فِقْهِهِ، وَأُصُولِهِ ثَابِتَةٌ مُحْكَمَةٌ وَنَتَائِجُ فِكْرِهِ عَالِيَةٌ مُشْتَهِرَةٌ كَفُرُوعِ فِقْهِهِ.
[فَصْلٌ فِي بَيَانِ الضَّرُورَةِ]
(قَوْلُهُ لِلشَّرِكَةِ فِي صَدْرِ الْكَلَامِ) وَهُوَ عَقْدُ
يَجْعَلْ تِلْكَ فِي الْوُضُوءِ فَلِلَّهِ دَرُّهُ مَا أَدَقَّ نَظَرَهُ فِي أَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ الْغَرَّاءِ، وَهُوَ الَّذِي أَصْلُهُ ثَابِتٌ وَفُرُوعُهُ فِي السَّمَاءِ.
(فَصْلٌ فِي بَيَانِ الضَّرُورَةِ، وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ: الْأَوَّلُ: مَا هُوَ فِي حُكْمِ الْمَنْطُوقِ مِثْلُ قَوْله تَعَالَى {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ} [النساء: 11] يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْبَاقِيَ لِلْأَبِ، وَكَذَا نَصِيبُ الْمُضَارِبِ) أَيْ: إذَا بَيَّنَ تَعَيَّنَ الْبَاقِي لِرَبِّ الْمَالِ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا. (وَكَذَا نَصِيبُ رَبِّ الْمَالِ اسْتِحْسَانًا لِلشَّرِكَةِ فِي صَدْرِ الْكَلَامِ) أَيْ: إذَا بَيَّنَ تَعَيَّنَ الْبَاقِي لِلْمُضَارِبِ اسْتِحْسَانًا لَا قِيَاسًا؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ الرِّبْحَ بِالشَّرْطِ، وَلَمْ يُوجَدْ بِخِلَافِ رَبِّ الْمَالِ فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ بِدُونِهِ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ نَمَاءُ مِلْكِهِ فَيَكُونُ لَهُ حَتَّى إذَا فَسَدَتْ الْمُضَارَبَةُ يَكُونُ كُلُّ الرِّبْحِ لِلْمَالِكِ، وَلِلْمُضَارِبِ أَجْرُ عَمَلِهِ هَذَا هُوَ وَجْهُ الْقِيَاسِ.
وَأَمَّا وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ فَمَذْكُورٌ فِي الْمَتْنِ، (وَالثَّانِي: مَا ثَبَتَ بِدَلَالَةِ حَالَ الْمُتَكَلِّمِ كَسُكُوتِ صَاحِبِ الشَّرْعِ عَنْ تَغْيِيرِ أَمْرٍ يُعَايِنُهُ يَدُلُّ عَلَى حَقِّيَّتِهِ وَكَذَا السُّكُوتُ فِي مَوْضِعِ الْحَاجَةِ كَسُكُوتِ الصَّحَابَةِ عَنْ تَقْوِيمِ مَنْفَعَةِ الْبَدَنِ فِي وَلَدِ الْمَغْرُورِ) رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - حَكَمَ فِيمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً فَاسْتَوْلَدَهَا ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ بِرَدِّ الْجَارِيَةِ عَلَى الْمُسْتَحِقِّ، وَرَدِّ قِيمَةِ الْوَلَدِ وَالْعُقْرِ، وَكَانَ شَاوَرَ عَلِيًّا رضي الله عنه وَاشْتُهِرَ فِي الصَّحَابَةِ وَلَمْ يَرُدَّهُ أَحَدٌ وَلَمْ يَقْضِ بِرَدِّ قِيمَةِ الْمَنَافِعِ، وَلَوْ كَانَتْ وَاجِبَةً لَمَا حَلَّ الْإِعْرَاضُ عَنْهُ
ــ
[التلويح]
الْمُضَارَبَةِ فَإِنَّهُ تَنْصِيصٌ عَلَى الشَّرِكَةِ فِي الرِّبْحِ وَبَيَانُ نَصِيبِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ فِي الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ بَيَانٌ لِنَصِيبِ الْآخَرِ فَإِذَا قَالَ عَلَيَّ إنَّ لِي نِصْفَ الرِّبْحِ فَكَأَنَّهُ قَالَ، وَلَك مَا بَقِيَ فَهُوَ فِي حُكْمِ الْمَنْطُوقِ.
(وَقَوْلُهُ: بِدَلَالَةِ حَالِ الْمُتَكَلِّمِ) أَيْ: الَّذِي مِنْ شَأْنِهِ التَّكَلُّمُ فِي الْحَادِثَةِ كَالشَّارِعِ، وَالْمُجْتَهِدِ، وَصَاحِبِ الْحَادِثَةِ.
(قَوْلُهُ: وَكَذَا السُّكُوتُ فِي مَوْضِعِ الْحَاجَةِ) كَانَ الْأَنْسَبُ أَنْ يُقَدِّمَ ذَلِكَ وَيَجْعَلَ سُكُوتَ صَاحِبِ الشَّرْعِ وَسُكُوتَ الصَّحَابَةِ وَسُكُوتَ الْبِكْرِ مِنْ أَمْثِلَتِهِ، فَإِنَّ الْأَمْرَ الَّذِي يُعَايِنُهُ الشَّارِعُ لَوْ لَمْ يَكُنْ حَقًّا لَاحْتِيجَ إلَى تَغْيِيرِهِ ضَرُورَةَ أَنَّ الشَّارِعَ لَا يَسْكُتُ عَنْ تَغْيِيرِ الْبَاطِلِ.
(قَوْلُهُ: وَكَذَا سُكُوتُ الْبِكْرِ الْبَالِغَةِ جُعِلَ بَيَانًا لِحَالِهَا الَّتِي تُوجِبُ الْحَيَاءَ) وَهِيَ الْإِجَازَةُ الْمُنْبِئَةُ عَنْ الرَّغْبَةِ فِي الرِّجَالِ، وَعِبَارَةُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ سُكُوتَ الْبِكْرِ فِي النِّكَاحِ جُعِلَ بَيَانًا لِحَالِهَا الَّتِي تُوجِبُ ذَلِكَ أَيْ: السُّكُوتَ وَهِيَ أَيْ: تِلْكَ الْحَالَةُ هِيَ الْحَيَاءُ، وَالْمَقْصُودُ أَنَّ السُّكُوتَ جُعِلَ بَيَانًا لِلْحَيَاءِ عَنْ التَّكَلُّمِ بِمَا حَصَلَ لَهَا مِنْ الرِّضَا، وَالْإِجَازَةِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ جُعِلَ بَيَانًا لِحَالٍ يُوجِبُ ذَلِكَ أَيْ: كَوْنَهُ بَيَانًا وَهِيَ الْحَيَاءُ فَجُعِلَ سُكُوتُهَا دَلِيلًا عَلَى مَا يَمْنَعُ الْحَيَاءَ مِنْ التَّكَلُّمِ بِهِ وَهُوَ الْإِجَازَةُ، وَالصَّوَابُ أَنَّ اللَّازِمَ فِي قَوْلِهِ لِحَالِهَا لَيْسَتْ صِلَةً لِلْبَيَانِ، وَإِنَّمَا هُوَ تَعْلِيلٌ إذْ الْمَعْنَى جُعِلَ السُّكُوتُ بَيَانًا لِلرِّضَا؛ لِأَجْلِ حَالٍ فِي الْبِكْرِ يُوجِبُ السُّكُوتَ وَهِيَ الْحَيَاءُ عَنْ إظْهَارِ الرَّغْبَةِ فِي الرِّجَالِ وَمَعْنَى عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -
بَعْدَمَا رُفِعَتْ إلَيْهِ الْقَضِيَّةُ، وَطُلِبَ مِنْهُ الْقَضَاءُ بِمَا لِلْمَوْلَى عَلَيْهِ.
(وَكَذَا سُكُوتُ الْبِكْرِ الْبَالِغَةِ جُعِلَ بَيَانًا لِحَالِهَا الَّتِي تُوجِبُ الْحَيَاءَ، وَكَذَا النُّكُولُ وَطَلَبَ مِنْهُ الْقَضَاءَ بِمَا لِلْمَوْلَى جُعِلَ بَيَانًا) أَيْ: جُعِلَ إقْرَارُ الْحَالِ فِي النَّاكِلِ، وَهُوَ أَنَّهُ امْتَنَعَ عَنْ أَدَاءِ مَا لَزِمَهُ، وَهُوَ الْيَمِينُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا فَيَدُلُّ ذَلِكَ الِامْتِنَاعُ عَلَى إقْرَارِهِ بِالْمُدَّعَى؛ لِأَنَّهُ لَا يُظَنُّ بِالْمُسْلِمِ الِامْتِنَاعُ عَمَّا هُوَ لَازِمٌ عَلَيْهِ إلَّا إذَا كَانَ مُحِقًّا فِي الِامْتِنَاعِ، وَذَلِكَ بِأَنْ تَكُونَ الْيَمِينُ كَاذِبَةً إنْ حَلَفَ وَلَا تَكُونُ كَاذِبَةً إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُدَّعِي مُحِقًّا فِي دَعْوَاهُ.
(وَالثَّالِثُ مَا جُعِلَ بَيَانًا لِضَرُورَةِ دَفْعِ الْغُرُورِ كَالْمَوْلَى يَسْكُتُ حِينَ يَرَى عَبْدَهُ يَبِيعُ، وَيَشْتَرِي يَكُونُ إذْنًا) دَفْعًا لِلْغُرُورِ عَنْ النَّاسِ. (وَكَذَا سُكُوتُ الشَّفِيعِ) جُعِلَ تَسْلِيمًا؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يُجْعَلْ تَسْلِيمٌ فَإِنْ امْتَنَعَ الْمُشْتَرِي عَنْ التَّصَرُّفِ يَكُونُ ذَلِكَ ضَرَرًا لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَمْتَنِعْ وَتَصَرَّفَ ثُمَّ يَنْقُضُ الشَّفِيعُ تَصَرُّفَهُ يَتَضَرَّرُ الْمُشْتَرِي أَيْضًا.
(وَالرَّابِعُ مَا ثَبَتَ لِضَرُورَةِ الْكَلَامِ نَحْوَ لَهُ عَلَيَّ مِائَةٌ وَدِرْهَمٌ وَمِائَةٌ، وَدِينَارٌ وَمِائَةٌ وَقَفِيزُ حِنْطَةٍ يَكُونُ الْآخَرُ بَيَانًا لِلْأَوَّلِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْمِائَةُ مُجْمَلَةٌ عَلَيْهِ بَيَانُهَا كَمَا فِي مِائَةٍ وَثَوْبٍ وَمِائَةٍ وَشَاةٍ، لَنَا أَنَّ حَذْفَ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ فِي الْعَدَدِ مُتَعَارَفٌ لِلْخِفَّةِ نَحْوَ بِعْت بِمِائَةٍ وَعَشَرَةِ دَرَاهِمَ، وَنَظَائِرُهَا فَيُحْمَلُ عَلَى ذَلِكَ فِيمَا هُوَ مُقَدَّرٌ بِخِلَافِ الْعَبْدِ وَالثَّوْبِ عَلَى أَنَّهُمَا لَا يَثْبُتَانِ فِي الذِّمَّةِ) .
فَقَوْلُهُ فَيُحْمَلُ عَلَى ذَلِكَ أَيْ: حَذْفُ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ
ــ
[التلويح]
أَنَّهُ جُعِلَ بَيَانًا لِلْإِجَازَةِ؛ لِأَجْلِ حَالِهَا الْمُوجِبَةِ لِلْحَيَاءِ، وَهِيَ الرَّغْبَةُ فِي الرِّجَالِ.
(قَوْلُهُ: وَكَذَا النُّكُولُ) جُعِلَ بَيَانًا لِثُبُوتِ الْحَقِّ عَلَيْهِ، وَإِقْرَارِهِ بِهِ؛ لِأَجْلِ حَالٍ فِي النَّاكِلِ، وَهَذَا هُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا نَحْنُ بِصَدَدِهِ مِنْ أَنَّ الْبَيَانَ يَثْبُتُ بِدَلَالَةِ حَالِ الْمُتَكَلِّمِ.
(قَوْلُهُ: كَالْمَوْلَى يَسْكُتُ حِينَ يَرَى عَبْدَهُ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي يَكُونُ إذْنًا) فَإِنْ قِيلَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ سُكُوتُهُ لِفَرْطِ الْغَيْظِ، وَعَدَمِ الِالْتِفَاتِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ مَحْجُورٌ شَرْعًا قُلْتُ: يَتَرَجَّحُ جَانِبُ الرِّضَا بِدَلَالَةِ الْعُرْفِ، وَالْعَادَةِ فِي أَنَّ مَنْ لَا يَرْضَى بِتَصَرُّفِ الْعَبْدِ يُظْهِرُ النَّهْيَ وَيَرِدُ عَلَيْهِ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ هَذَا الْقِسْمَ مُنْدَرِجٌ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي أَعْنِي: ثُبُوتَ الْبَيَانِ بِدَلَالَةِ حَالَ الْمُتَكَلِّمِ.
(قَوْلُهُ: وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْمِائَةُ مُجْمَلَةٌ) يَعْنِي: أَنَّ عَطْفَ الدِّرْهَمِ عَلَيْهَا لَيْسَ بَيَانًا وَتَفْسِيرًا لَهَا؛ لِأَنَّ مَبْنَى الْعَطْفِ عَلَى التَّغَايُرِ وَمَبْنَى التَّفْسِيرِ عَلَى الِاتِّحَادِ.
(قَوْلُهُ: لَنَا) اسْتَدَلَّ عَلَى كَوْنِ الْمَعْطُوفِ بَيَانًا لِلْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ فِي مِثْلِ لَهُ عَلَيَّ مِائَةٌ وَدِرْهَمٌ بِأَنْ حَذَفَ الْمَعْطُوفَ عَلَيْهِ أَيْ: حَذْفُ تَمْيِيزِهِ وَتَفْسِيرِهِ مُتَعَارَفٌ فِي الْعَدَدِ إذَا عُطِفَ عَلَيْهِ عَدَدٌ مُفَسِّرٌ مِثْلُ مِائَةٌ وَثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ حَتَّى إنَّ ذِكْرَهُ يُسْتَهْجَنُ فِي الْعَرَبِيَّةِ فَيُعَدُّ تَكْرَارًا، فَصُورَةُ عَطْفِ غَيْرِ الْعَدَدِ أَيْضًا يُحْمَلُ عَلَى ذَلِكَ أَيْ: عَلَى حَذْفِ مُفَسِّرِ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ بِقَرِينَةِ الْمَعْطُوفِ فِيمَا إذَا كَانَ الْمَعْطُوفُ مُقَدَّرًا بِالْعَدَدِ مِثْلَ مِائَةٌ