الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَلَى ظَنِّ أَنَّ الْقِصَاصَ لِكُلِّ وَاحِدٍ عَلَى الْكَمَالِ فَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ الِاجْتِهَادِ) فَإِنَّ عِنْدَ الْبَعْضِ لَا يَسْقُطُ الْقِصَاصُ فَصَارَ هَذَا شُبْهَةً فِي دَرْءِ الْقِصَاصِ عَنْ قَاتِلِ الْقَاتِلِ (وَكَذَا الْمُحْتَجِمُ إذَا ظَنَّ أَنَّهُ أَفْطَرَ، فَأَكَلَ عَمْدًا فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ عليه الصلاة والسلام «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ» صَارَ شُبْهَةً فِي دَرْءِ الْكَفَّارَةِ إذْ هَذِهِ الْكَفَّارَةُ مِمَّا يَنْدَرِئُ بِالشُّبْهَةِ وَكَذَا الْقِصَاصُ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ (وَمَنْ زَنَى بِجَارِيَةِ امْرَأَتِهِ أَوْ وَالِدِهِ بِظَنِّ أَنَّهَا تَحِلُّ لَهُ لَا يُحَدُّ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ الِاشْتِبَاهِ فَتَصِيرُ شُبْهَةً فِي دَرْءِ الْحَدِّ) حَتَّى يَنْدَرِئَ الْحَدُّ بِهَذِهِ الشُّبْهَةِ (إلَّا فِي النَّسَبِ، وَالْعِدَّةِ) أَيْ: لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ وَالْعِدَّةُ بِهَذِهِ الشُّبْهَةِ، وَإِنْ كَانَا يَثْبُتَانِ بِالْوَطْءِ بِشُبْهَةٍ. (وَكَذَا حَرْبِيٌّ أَسْلَمَ فَدَخَلَ دَارَنَا فَشَرِبَ خَمْرًا جَاهِلًا بِالْحُرْمَةِ) أَيْ: لَا يُحَدُّ؛ لِأَنَّ جَهْلَهُ يَكُونُ شُبْهَةً (لَا إنْ زَنَى هُوَ) أَيْ: زَنَى حَرْبِيٌّ أَسْلَمَ حَيْثُ يُحَدُّ؛ لِأَنَّ جَهْلَهُ فِي حُرْمَةِ الزِّنَا لَا يَكُونُ شُبْهَةً؛ لِأَنَّ الزِّنَا حَرَامٌ فِي جَمِيعِ الْأَدْيَانِ (أَوْ شَرِبَ ذِمِّيٌّ أَسْلَمَ) أَيْ: يَجِبُ الْحَدُّ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْخَمْرِ شَائِعَةٌ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَالذِّمِّيُّ سَاكِنٌ فِيهَا فَلَا يُعْذَرُ بِالْجَهْلِ بِحُرْمَةِ الْخَمْرِ فَلَا يَصِيرُ شُبْهَةً فِي دَرْءِ الْحَدِّ (، وَأَمَّا جَهْلٌ يَصْلُحُ عُذْرًا) هَذَا هُوَ النَّوْعُ الرَّابِعُ مِنْ الْجَهْلِ (كَجَهْلِ مُسْلِمٍ لَمْ يُهَاجِرْ بِالشَّرَائِعِ وَكَذَا إذَا نَزَلَ خِطَابٌ، وَلَمْ يَنْتَشِرْ بَعْدَ فِي دَارِنَا كَمَا فِي قِصَّةِ أَهْلِ قُبَاءَ) فَإِنَّهُمْ إذْ بَلَغَهُمْ تَحْوِيلُ الْقِبْلَةِ وَكَانُوا فِي الصَّلَاةِ اسْتَدَارُوا إلَى الْكَعْبَةِ فَاسْتَحْسَنَ رَسُولُ اللَّهِ عليه الصلاة والسلام
ــ
[التلويح]
فَاحِشٍ لَمْ يَصِحَّ النِّكَاحُ أَصْلًا، وَإِنَّمَا صَرَّحَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ اُشْتُهِرَ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ نَقْلًا عَنْ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ يَصِحُّ النِّكَاحُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَكِنْ يَكُونُ لَهَا الْفَسْخُ، وَهَكَذَا أَوْرَدَهُ فِي شَرْحِهِ لِلْوِقَايَةِ، وَلَا يُوجَدُ لَهُ رِوَايَةٌ أَصْلًا.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّ طَلَبَ الْعِلْمِ وَاجِبٌ عَلَيْهَا) أَيْ: عَلَى الْبِكْرِ، وَتَقْرِيرُ الْقَوْمِ أَنَّ جَهْلَ الْبِكْرِ بِالْخِيَارِ لَيْسَ بِعُذْرٍ لِاشْتِهَارِ الْعِلْمِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، وَعَدَمِ الْمَانِعِ مِنْ التَّعَلُّمِ فِي جَانِبِهَا بِخِلَافِ الْأَمَةِ فَإِنَّ اشْتِغَالَهَا بِخِدْمَةِ السَّيِّدِ مَانِعٌ، وَعَلَى هَذَا الْإِيرَادِ الِاعْتِرَاضُ بِأَنَّ الْبِكْرَ قَبْلَ الْبُلُوغِ لَمْ تُكَلَّفْ بِالشَّرَائِعِ لَا سِيَّمَا بِالْمَسَائِلِ الْخَفِيَّةِ.
(قَوْلُهُ: حَتَّى يُشْتَرَطَ لِلْقَضَاءِ ثَمَّةَ) أَيْ: فِي فَسْخِ الْبِكْرِ بَعْدَ الْبُلُوغِ لَا هُنَا أَيْ: لَا فِي فَسْخِ الْمُعْتَقَةِ؛ لِأَنَّ فَسْخَ الْبِكْرِ لِلْإِلْزَامِ عَلَى الْغَيْرِ، وَتَوَهُّمِ تَرْكِ النَّظَرِ مِنْ الْوَلِيِّ، وَهُوَ غَيْرُ مُتَيَقَّنٍ فَلَا يَتِمُّ إلَّا بِالْقَضَاءِ حَتَّى لَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الْفَسْخِ قَبْلَ الْقَضَاءِ يَرِثُهُ الْآخَرُ، وَفَسْخُ الْمُعْتَقَةِ يَثْبُتُ بِنَفْسِ الْخِيَارِ؛ لِأَنَّهُ لِدَفْعِ زِيَادَةِ الْمِلْكِ، وَلَا سَبِيلَ إلَيْهِ إلَّا بِدَفْعِ أَصْلِ الْمِلْكِ فَلَا يَفْتَقِرُ إلَى الْقَضَاءِ، وَتَحْقِيقُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَرْأَةَ تُبْطِلُ حَقًّا مُشْتَرَكًا لِدَفْعِ زِيَادَةِ حَقٍّ عَلَيْهَا، وَالزَّوْجُ يُثْبِتُ زِيَادَةَ حَقٍّ عَلَيْهَا لِاسْتِيفَاءِ حَقٍّ مُشْتَرَكٍ فَلِهَذَا جَعَلْنَا الدَّفْعَ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ قَصْدًا، وَإِبْطَالَ الْمِلْكِ ضِمْنًا، وَفِي حَقِّ الزَّوْجِ زِيَادَةُ الْمِلْكِ أَصْلًا، وَاسْتِيفَاءً ضِمْنًا
[السُّكْرُ]
. (قَوْلُهُ: وَمِنْهَا) أَيْ:، وَمِنْ الْعَوَارِضِ
وَكَانُوا يَقُولُونَ كَيْفَ صَلَاتُنَا إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ قَبْلَ عِلْمِنَا بِالتَّحْوِيلِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [البقرة: 143] أَيْ: صَلَاتَكُمْ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ (وَقِصَّةُ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ)«لَمَّا نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ قَالَ الصَّحَابَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَكَيْفَ بِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ مَاتُوا وَهُمْ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ، وَيَأْكُلُونَ مَالَ الْمَيْسِرِ أَيْ: بَعْدَ التَّحْرِيمِ قَبْلَ بُلُوغِ الْخِطَابِ إلَيْهِمْ؟ فَنَزَلَ قَوْله تَعَالَى {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا} [المائدة: 93] » (فَأَمَّا إذَا انْتَشَرَ التَّبْلِيغُ فِي دِيَارِنَا فَقَدْ تَمَّ التَّبْلِيغُ فَمَنْ جَهِلَ هُنَا يَكُونُ لِتَقْصِيرِهِ كَمَنْ لَمْ يَطْلُبْ الْمَاءَ فِي الْعُمْرَانَاتِ فَتَيَمَّمَ وَكَانَ الْمَاءُ مَوْجُودًا لَا يَصِحُّ، وَكَذَا الْجَهْلُ بِأَنَّهُ وَكِيلٌ أَوْ مَأْذُونٌ) أَيْ: يَكُونُ عُذْرًا (حَتَّى إنْ تَصَرَّفَ لَا يَصِحُّ) أَيْ: مِنْ الْمُوَكِّلِ فَإِنَّ شِرَاءَ الْوَكِيلِ قَبْلَ الْعِلْمِ بِالْوَكَالَةِ يَقَعُ عَنْ الْوَكِيلِ وَلَوْ بَاعَ مَالَ الْمُوَكِّلِ قَبْلَ الْعِلْمِ بِالْوَكَالَةِ يَتَوَقَّفُ كَبَيْعِ الْفُضُولِيِّ (وَكَذَا جَهْلُ الْوَكِيلِ بِالْعَزْلِ، وَالْمَأْذُونِ بِالْحَجْرِ وَالْمَوْلَى بِجِنَايَةِ الْعَبْدِ الْجَانِي، وَالشَّفِيعِ بِالْبَيْعِ وَالْأَمَةِ الْمَنْكُوحَةِ بِالْإِعْتَاقِ أَوْ بِالْخِيَارِ وَالْبَكْرِ بِالنِّكَاحِ لَا بِالْخِيَارِ) أَيْ: جَهْلُ الْوَكِيلِ بِالْعَزْلِ وَجَهْلُ الْمَأْذُونِ بِالْحَجْرِ عُذْرٌ حَتَّى إنْ تَصَرَّفَا قَبْلَ الْعِلْمِ بِالْعَزْلِ وَالْحَجْرِ يَصِحُّ تَصَرُّفُهُمَا
ــ
[التلويح]
الْمُكْتَسَبَةِ السُّكْرُ، وَهِيَ حَالَةٌ تَعْرِضُ لِلْإِنْسَانِ مِنْ امْتِلَاءِ دِمَاغِهِ مِنْ الْأَبْخِرَةِ الْمُتَصَاعِدَةِ إلَيْهِ، فَيَتَعَطَّلُ مَعَهُ عَقْلُهُ الْمُمَيِّزُ بَيْنَ الْأُمُورِ الْحَسَنَةِ، وَالْقَبِيحَةِ، وَالسُّكْرُ حَرَامٌ إجْمَاعًا إلَّا أَنَّ الطَّرِيقَ الْمُفْضِيَ إلَيْهِ قَدْ يَكُونُ مُبَاحًا كَسُكْرِ الْمُضْطَرِّ إلَى شُرْبِ الْخَمْرِ، وَالسُّكْرُ الْحَاصِلُ مِنْ الْأَدْوِيَةِ، وَالْأَغْذِيَةِ الْمُتَّخَذَةِ مِنْ غَيْرِ الْعِنَبِ، وَالْغِذَاءُ مَا يَنْفَعِلُ عَنْ الطَّبِيعَةِ فَتَنْصَرِفُ فِيهِ، وَتُحِيلُهُ إلَى مُشَابَهَةِ الْمُتَغَذِّي، فَيَصِيرُ جُزْءًا مِنْهُ، وَبَدَلًا عَمَّا يَتَحَلَّلُ، وَالدَّوَاءُ مَا يَكُونُ فِيهِ كَيْفِيَّةٌ خَارِجَةٌ عَنْ الِاعْتِدَالِ بِهَا تَنْفَعِلُ الطَّبِيعَةُ عَنْهُ، وَتَعْجِزُ عَنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ، وَقَدْ يَكُونُ مَحْظُورًا كَالسُّكْرِ الْحَاصِلِ مِنْ الْخَمْرِ الَّتِي يَحْرُمُ قَلِيلُهَا وَكَثِيرُهَا أَوْ مِنْ الْمُثَلَّثِ، وَهُوَ عَصِيرُ الْعِنَبِ إذَا طُبِخَ حَتَّى ذَهَبَ ثُلُثَاهُ ثُمَّ رُقِّقَ بِالْمَاءِ، وَتُرِكَ حَتَّى اشْتَدَّ يَحِلُّ شُرْبُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي يُوسُفَ لِاسْتِمْرَاءِ الطَّعَامِ، وَالتَّقَوِّي عَلَى قِيَامِ اللَّيَالِي، وَصِيَامِ الْأَيَّامِ، وَأَمَّا عَلَى قَصْدِ السُّكْرِ فَلَا حَتَّى لَوْ سَكِرَ مِنْهُ يُحَدُّ اتِّفَاقًا، وَأَمَّا نَقِيعُ الزَّبِيبِ، وَهُوَ الْمَاءُ الَّذِي أُلْقِيَ فِيهِ الزَّبِيبُ لِيُخْرِجَ مِنْهُ حَلَاوَتَهُ فَإِنْ لَمْ يُطْبَخْ حَتَّى اشْتَدَّ، وَغَلَا، وَقَذَفَ بِالزَّبَدِ فَهُوَ حَرَامٌ، وَإِنْ طُبِخَ أَدْنَى طَبْخٍ يَحِلُّ شُرْبُ الْقَلِيلِ مِنْهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ.
(قَوْلُهُ: حَتَّى الطَّلَاقِ، وَالْعَتَاقِ) صَرَّحَ بِذَلِكَ نَفْيًا لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ الرَّجُلَ إذَا كَانَ عَالِمًا بِفِعْلِ الْبَنْجِ، فَأَكَلَهُ يَصِحُّ طَلَاقُهُ، وَعَتَاقُهُ.
(قَوْلُهُ: فَهَذَا خِطَابٌ مُتَعَلِّقٌ بِحَالَةِ السُّكْرِ) لَيْسَ الْمُرَادُ أَنْ قَوْله تَعَالَى {وَأَنْتُمْ سُكَارَى} [النساء: 43] قَيْدٌ لِلْخِطَابِ أَعْنِي: لَا تَقْرَبُوا حَتَّى يَلْزَمَ أَنْ يَكُونَ الْخِطَابُ فِي حَالَةِ سُكْرِهِمْ بَلْ هُوَ قَيْدٌ لِمَا تَعَلَّقَ بِهِ خِطَابُ الْمَنْعِ
وَكَذَا جَهْلُ الْمَوْلَى بِجِنَايَةِ الْعَبْدِ الْجَانِي عُذْرٌ حَتَّى لَوْ بَاعَ الْعَبْدَ الْجَانِيَ قَبْلَ الْعِلْمِ بِالْجِنَايَةِ لَا يَكُونُ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ وَكَذَا جَهْلُ الشَّفِيعِ بِالْبَيْعِ حَتَّى لَوْ بَاعَ الشَّفِيعُ الدَّارَ الْمَشْفُوعَ بِهَا بَعْدَ مَا بِيعَتْ دَارٌ بِجَنْبِهَا لَكِنْ قَبْلَ عِلْمِهِ بِبَيْعِهَا لَا يَكُونُ مُسَلِّمًا لِلشُّفْعَةِ، وَالْأَمَةُ الْمَنْكُوحَةُ إذَا جَهِلَتْ أَنَّ الْمَوْلَى أَعْتَقَهَا فَسَكَتَتْ عَنْ فَسْخِ النِّكَاحِ فَجَهْلُهَا عُذْرٌ حَتَّى لَا يَبْطُلَ خِيَارُهَا، وَكَذَا إذَا عَلِمَتْ بِالْإِعْتَاقِ، وَلَكِنْ جَهِلَتْ أَنَّ لَهَا خِيَارَ الْعِتْقِ فَجَهْلُهَا عُذْرٌ حَتَّى لَا يَبْطُلَ خِيَارُهَا وَإِذَا بَلَغَتْ الْبِكْرُ الَّتِي زَوَّجَهَا غَيْرُ الْأَبِ، وَالْجَدِّ جَاهِلَةً بِالنِّكَاحِ فَسَكَتَتْ فَجَهْلُهَا عُذْرٌ فَلَا يَكُونُ سُكُوتُهَا رِضًى أَمَّا إذَا عَلِمَتْ بِالنِّكَاحِ وَجَهِلَتْ بِأَنَّ لَهَا الْخِيَارَ لَا يَكُونُ جَهْلُهَا عُذْرًا حَتَّى يَبْطُلَ خِيَارُهَا إذْ جَهْلُهَا بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ لَيْسَ بِعُذْرٍ (لِأَنَّ الدَّلِيلَ مَشْهُورٌ فِي حَقِّهَا) ؛ لِأَنَّ طَلَبَ الْعِلْمِ وَاجِبٌ عَلَيْهَا فَدَلَائِلُ الشَّرْعِ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ مَشْهُورَةً فِي حَقِّهَا فَبِالْجَهْلِ لَا تُعْذَرُ (وَفِي حَقِّ الْأَمَةِ مَخْفِيٌّ) ؛ لِأَنَّ خِدْمَةَ الْمَوْلَى تُشْغِلُهَا عَنْ التَّعَلُّمِ فَالدَّلِيلُ مَخْفِيٌّ فِي حَقِّهَا فَتُعْذَرُ بِالْجَهْلِ (وَلِأَنَّ الْبِكْرَ تُرِيدُ إلْزَامَ الْفَسْخِ وَالْأَمَةَ تُرِيدُ دَفْعَ زِيَادَةِ الْمِلْكِ) ، هَذَا فَرْقٌ آخَرُ بَيْنَ الْبِكْرِ وَالْأَمَةِ فِي أَنَّ الْأَمَةَ تُعْذَرُ بِالْجَهْلِ لَا الْبِكْرَ، وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الْبِكْرَ تُرِيدُ إلْزَامَ الْفَسْخِ عَلَى الزَّوْجِ وَالْمُعْتَقَةَ
ــ
[التلويح]
وَتَحْقِيقُ ذَلِكَ أَنَّ الْحَالَ فِي مِثْلِ، صَلِّ، وَأَنْتَ صَالِحٌ أَوْ لَا تُصَلِّ، وَأَنْتَ سَكْرَانُ لَيْسَ قَيْدًا لِلْأَمْرِ، وَالنَّهْيِ بَلْ لِلْمَأْمُورِ بِهِ، وَالْمَنْهِيِّ عَنْهُ بِمَعْنَى أَطْلُبُ مِنْكَ صَلَاةً مَقْرُونَةً بِالصَّحْوِ، وَكُفَّ النَّفْسَ عَنْ الصَّلَاةِ الْمَقْرُونَةِ بِالسُّكْرِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعَامِلَ فِي الْحَالِ هُوَ فِعْلُ الْمَذْكُورِ لَا فِعْلُ الطَّلَبِ فَقَوْلُهُ تَعَالَى {غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ} [المائدة: 1] فِيمَنْ جَعَلَهُ حَالًا مِنْ قَوْلِهِ {أَوْفُوا} [المائدة: 1] يَكُونُ قَيْدًا لِلْإِيفَاءِ لَا لِطَلَبِهِ حَتَّى يَلْزَمَ عَدَمُ وُجُوبِ الْإِيفَاءِ عِنْدَ كَوْنِهِمْ مُحِلِّينَ لِلصَّيْدِ أَيْ: مُعْتَرِضِينَ لَهُ فِي الْإِحْرَامِ فَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ خُوطِبُوا فِي حَالَةِ الصَّحْوِ بِأَنْ لَا يَقْرَبُوا الصَّلَاةَ حَالَةَ السُّكْرِ، فَيَلْزَمُ كَوْنُهُمْ مُخَاطَبِينَ أَيْ: مُكَلَّفِينَ بِذَلِكَ حَالَ السُّكْرِ فَلَا يَكُونُ السُّكْرُ مُنَافِيًا لِتَعَلُّقِ الْخِطَابِ، وَوُجُوبِ الِانْتِهَاءِ فَالسُّكْرُ مِنْ الشَّرَابِ الْمُحَرَّمِ أَوْ الْمُثَلَّثِ لَا يُبْطِلُ أَهْلِيَّةَ الْخِطَابِ أَصْلًا لِتَحَقُّقِ الْعَقْلِ، وَالْبُلُوغِ إلَّا أَنَّهُ يَمْنَعُ اسْتِعْمَالَ الْعَقْلِ بِوَاسِطَةِ غَلَبَةِ السُّرُورِ، فَيَلْزَمُهُ جَمِيعُ التَّكَالِيفِ مِنْ الصَّلَاةِ، وَالصَّوْمِ، وَغَيْرِهِمَا، وَإِنْ كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْأَدَاءِ، وَلَا يَصِحُّ مِنْهُ الْأَدَاءُ، وَتَصِحُّ عِبَارَاتُهُ فِي الطَّلَاقِ، وَالْعَتَاقِ، وَالْبَيْعِ، وَالْإِقْرَارِ وَتَزْوِيجِ الصِّغَارِ، وَالتَّزَوُّجِ، وَالْإِقْرَاضِ، وَالِاسْتِقْرَاضِ، وَسَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ سَوَاءٌ شَرِبَ مُكْرَهًا أَوْ طَائِعًا، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَبْنَى الْخِطَابِ عَلَى اعْتِدَالِ الْحَالِ، وَقَدْ أُقِيمَ الْبُلُوغُ عَنْ الْعَقْلِ مَقَامَهُ تَيْسِيرًا، وَبِالسُّكْرِ لَا يَفُوتُ إلَّا قُدْرَةُ فَهْمِ الْخِطَابِ بِسَبَبٍ هُوَ مَعْصِيَةٌ فَيُجْعَلُ فِي حُكْمِ الْمَوْجُودِ زَجْرًا لَهُ، وَيَبْقَى التَّكْلِيفُ مُتَوَجِّهًا فِي حَقِّ الْإِثْمِ، وَوُجُوبِ الْقَضَاءِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ كَالنَّوْمِ فَإِنَّهُ يَصْلُحُ عُذْرًا دَفْعًا لِلْحَرَجِ.
(قَوْلُهُ: وَإِذَا أَسْلَمَ) أَيْ:
تُرِيدُ بِالْفَسْخِ دَفْعَ زِيَادَةِ الْمِلْكِ فَإِنَّ طَلَاقَ الْأَمَةِ ثِنْتَانِ، وَطَلَاقَ الْحُرَّةِ ثَلَاثَةٌ، وَالْجَهْلُ عَدَمٌ أَصْلِيٌّ يَصْلُحُ لِلدَّفْعِ لَا لِلْإِلْزَامِ، وَهَذَا الْفَرْقُ أَحْسَنُ مِنْ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْبِكْرَ قَبْلَ الْبُلُوغِ لَمْ تُكَلَّفْ بِالشَّرَائِعِ لَا سِيَّمَا فِي الْمَسَائِلِ الَّتِي لَا يَعْرِفُهَا إلَّا أَحْذَقُ الْفُقَهَاءِ حَتَّى يُشْتَرَطَ الْقَضَاءُ ثَمَّةَ لَا هُنَا تَفْرِيعٌ عَلَى أَنَّ فَسْخَ النِّكَاحِ بِخِيَارِ الْبُلُوغِ إلْزَامٌ ضَرُورَةً وَبِخِيَارِ الْعِتْقِ دَفْعُ ضَرَرٍ.
(وَمِنْهَا السُّكْرُ هُوَ وَإِمَّا بِطَرِيقٍ مُبَاحٍ كَسُكْرِ الْمُضْطَرِّ، وَالسُّكْرُ بِدَوَاءٍ، كَالْبَنْجِ، وَالْأَفْيُونِ) وَبِمَا يُتَّخَذُ مِنْ الْحِنْطَةِ أَوْ الشَّعِيرِ أَوْ الْعَسَلِ وَهُوَ كَالْإِغْمَاءِ (يَمْنَعُ صِحَّةَ جَمِيعِ التَّصَرُّفَاتِ حَتَّى الطَّلَاقِ، وَالْعَتَاقِ وَأَمَّا بِطَرِيقٍ مَحْظُورٍ كَالسُّكْرِ مِنْ شَرَابٍ مُحَرَّمٍ أَوْ مُثَلَّثٍ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَحِلُّ) أَيْ: الْمُثَلَّثُ (بِشَرْطِ أَنْ لَا يُسْكِرَ فَالسُّكْرُ بِهِ يَصِيرُ كَالسُّكْرِ بِالْمُحَرَّمِ فَيُحَدُّ بِهِ) أَيْ: بِالسُّكْرِ مِنْ الْمُثَلَّثِ (وَهُوَ) أَيْ: الْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ السُّكْرِ، وَهُوَ السُّكْرُ بِشَرَابٍ مُحَرَّمٍ أَوْ بِالْمُثَلَّثِ (لَا يُنَافِي الْخِطَابَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} [النساء: 43] فَهَذَا خِطَابٌ مُتَعَلِّقٌ بِحَالِ السُّكْرِ فَهُوَ لَا يُبْطِلُ الْأَهْلِيَّةَ أَصْلًا، فَيَلْزَمُهُ كُلُّ الْأَحْكَامِ، وَتَصِحُّ عِبَارَاتُهُ وَإِنَّمَا يَنْعَدِمُ بِهِ الْقَصْدُ حَتَّى إنْ تَكَلَّمَ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ لَا يَرْتَدُّ اسْتِحْسَانًا لِعَدَمِ رُكْنِهِ وَهُوَ الْقَصْدُ كَمَا إذَا أَرَادَ أَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي، وَأَنَا عَبْدُك فَجَرَى عَلَى لِسَانِهِ عَكْسُهُ لَا يَرْتَدُّ وَإِذَا أَسْلَمَ يَصِحُّ كَالْمُكْرَهِ وَإِذَا أَقَرَّ بِمَا يَحْتَمِلُ الرُّجُوعَ كَالزِّنَا، وَشُرْبِ الْخَمْرِ لَا يُحَدُّ حَتَّى يَصْحُوَ فَيُقِرَّ؛ لِأَنَّ السُّكْرَ دَلِيلُ الرُّجُوعِ، وَإِذَا أَقَرَّ بِمَا لَا يَحْتَمِلُهُ كَالْقِصَاصِ وَالْقَذْفِ
ــ
[التلويح]
السَّكْرَانُ إنْ أَسْلَمَ يَصِحُّ تَرْجِيحًا لِجَانِبِ الْإِيمَانِ، وَكَوْنِ الْأَصْلِ هُوَ الِاعْتِقَادُ فَلَوْ تَكَلَّمَ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ لَا يَرْتَدُّ؛ لِأَنَّ الِاعْتِقَادَ لَا يَرْتَفِعُ إلَّا بِالْقَصْدِ إلَى تَبَدُّلِهِ أَوْ بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ ظَاهِرًا وَهُوَ التَّكَلُّمُ فِي حَالَةٍ يُعْتَبَرُ فِيهَا الْقَصْدُ، وَهِيَ حَالَةُ الصَّحْوِ، وَهَذَا كَالْمُكْرَهِ يَصِحُّ إسْلَامُهُ، وَلَا يَصِحُّ ارْتِدَادُهُ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ السُّكْرَ دَلِيلُهُ الرُّجُوعُ) إذْ السَّكْرَانُ لَا يَسْتَقِرُّ عَلَى أَمْرٍ فَيُقَامُ مَقَامَ الرُّجُوعِ؛ لِأَنَّ حُقُوقَ اللَّهِ تَعَالَى مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمُسَاهَلَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ بِمَا لَا يَحْتَمِلُ الرُّجُوعَ كَالْقِصَاصِ، وَالْقَذْفِ أَوْ بَاشَرَ سَبَبَ الْحَدِّ بِأَنْ زَنَى أَوْ قَذَفَ فِي حَالَةِ السُّكْرِ فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْحَدُّ أَمَّا فِي الْإِقْرَارِ بِمَا لَا يَحْتَمِلُ الرُّجُوعَ فَلِأَنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِصَرِيحِ الرُّجُوعِ فَكَيْفَ بِدَلِيلِهِ، وَأَمَّا فِي الْمُبَاشَرَةِ فَلِأَنَّهُ مُعَايِنٌ، فَلَا أَثَرَ لِدَلِيلِ الرُّجُوعِ لَكِنْ يُتَوَقَّفُ فِي إقَامَةِ الْحَدِّ إلَى الصَّحْوِ لِيَحْصُلَ الِانْزِجَارُ فَإِنْ قُلْت: السُّكْرُ مُوجِبٌ لِلْحَدِّ فَإِذَا تَحَقَّقَ أَنَّهُ سَكْرَانُ فَمَا مَعْنَى إقْرَارِهِ بِالشُّرْبِ، ثُمَّ تَوَقُّفِ وُجُوبُ الْحَدِّ عَلَى إقْرَارِهِ فِي الصَّحْوِ قُلْت: السُّكْرُ قَدْ يَكُونُ مِنْ غَيْرِ الشَّرَابِ الْمُحَرَّمِ أَوْ الْمُثَلَّثِ وَالسُّكْرُ مِنْهُمَا قَدْ يَكُونُ بِالشُّرْبِ كُرْهًا أَوْ اضْطِرَارًا، فَيَتَوَقَّفُ الْحَدُّ عَلَى إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ أَوْ الْإِقْرَارِ بِأَنَّهُ شَرِبَ الشَّرَابَ الْمُحَرَّمَ أَوْ الْمُثَلَّثَ طَوْعًا فَيُشْتَرَطُ الْإِقْرَارُ حَالَ الصَّحْوِ.
(قَوْلُهُ: وَزَادَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) يَعْنِي: اعْتَبَرَ فِي حَقِّ وُجُوبِ الْحَدِّ السُّكْرَ بِمَعْنَى زَوَالِ الْعَقْلِ بِحَيْثُ لَا يُمَيِّزُ بَيْنَ الْأَشْيَاءِ، وَلَا يَعْرِفُ الْأَرْضَ مِنْ السَّمَاءِ إذْ لَوْ مَيَّزَ فَفِي السُّكْرِ نُقْصَانٌ، وَفِي النُّقْصَانِ شُبْهَةُ الْعَدَمِ