المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[الأمور التي ذكرت في ترجيح القياس] - التلويح على التوضيح لمتن التنقيح - جـ ٢

[السعد التفتازاني - المحبوبي صدر الشريعة الأصغر]

فهرس الكتاب

- ‌(الرُّكْنُ الثَّانِي فِي السُّنَّةِ

- ‌[فَصْلٌ اتِّصَالُ الْخَبَرِ] [

- ‌التَّوَاتُرُ يُوجِبُ عِلْمَ الْيَقِينِ]

- ‌[فَصْلٌ] الرَّاوِي إمَّا مَعْرُوفٌ بِالرِّوَايَةِ وَإِمَّا مَجْهُولٌ

- ‌[فَصْلٌ شَرَائِطُ الرَّاوِي]

- ‌[فَصْلٌ فِي انْقِطَاعِ الْحَدِيثِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَحَلِّ الْخَبَرِ]

- ‌[فَصْلٌ] فِي كَيْفِيَّةِ السَّمَاعِ وَالضَّبْطِ وَالتَّبْلِيغِ

- ‌(فَصْلٌ) فِي الطَّعْنِ

- ‌(فَصْلٌ) فِي أَفْعَالِهِ عليه الصلاة والسلام

- ‌[فَصْلٌ فِي الْوَحْيِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَبَاطِنٌ]

- ‌[فَصْلٌ فِي شَرَائِعِ مَنْ قَبْلَنَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَقْلِيدِ الصَّحَابِيِّ]

- ‌[بَابُ الْبَيَانِ]

- ‌(فَصْلٌ فِي الِاسْتِثْنَاءِ)

- ‌[مَسْأَلَةٌ شَرْطُ الِاسْتِثْنَاءِ]

- ‌(مَسْأَلَةٌ الِاسْتِثْنَاءُ مُتَّصِلٌ، وَمُنْقَطِعٌ

- ‌(مَسْأَلَةٌ الِاسْتِثْنَاءُ الْمُسْتَغْرَقُ

- ‌[مَسْأَلَةٌ الِاسْتِثْنَاءُ إذَا تَعَقَّبَ الْجُمَلَ الْمَعْطُوفَةَ]

- ‌(فَصْلٌ) فِي بَيَانِ التَّبْدِيلِ

- ‌[بَيَانُ النَّاسِخِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ كَوْنُ النَّاسِخِ أَشَقَّ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ الضَّرُورَةِ]

- ‌[الرُّكْنُ الثَّالِثُ فِي الْإِجْمَاعِ وَفِيهِ خَمْسَةُ أُمُورٍ]

- ‌[الْأَمْرُ الْأَوَّلُ رُكْنُ الْإِجْمَاعِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ إذَا اخْتَلَفَتْ الصَّحَابَةُ فِي قَوْلَيْنِ]

- ‌[الْأَمْرُ الثَّانِي أَهْلِيَّةُ مَنْ يَنْعَقِدُ بِهِ الْإِجْمَاعُ]

- ‌[الْأَمْرُ الثَّالِثُ شُرُوطُ الْإِجْمَاعِ]

- ‌[الْأَمْرُ الرَّابِعُ حُكْمُ الْإِجْمَاعِ]

- ‌[الْإِجْمَاعُ عَلَى مَرَاتِبَ]

- ‌[الْأَمْرُ الْخَامِسُ سَنَدُ الْإِجْمَاعِ]

- ‌[الرُّكْنُ الرَّابِعُ الْقِيَاسُ]

- ‌[الْقِيَاسُ يُفِيدُ غَلَبَةَ الظَّنِّ]

- ‌[فَصْلٌ فِي شُرُوطِ الْقِيَاسِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْعِلَّةِ]

- ‌[تَعْرِيفِ الْعِلَّةِ]

- ‌[أَبْحَاثٌ فِي الْعِلَّة]

- ‌[الْأَوَّلُ الْأَصْلُ فِي النُّصُوصِ عَدَمُ التَّعْلِيلِ]

- ‌[الثَّانِي كَوْنُ الْعِلَّة وَصْفًا لَازِمًا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ التَّعْلِيلُ بِالْعِلَّةِ الْقَاصِرَةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ التَّعْلِيلُ بِعِلَّةٍ اُخْتُلِفَ فِي وُجُودِهَا فِي الْفَرْعِ أَوْ الْأَصْلِ]

- ‌[الثَّالِثُ تُعْرَفُ الْعِلَّةُ بِأُمُورٍ]

- ‌[الْأَوَّلُ وَالثَّانِي النَّصُّ وَالْإِجْمَاعُ]

- ‌[الثَّالِثُ الْمُنَاسَبَةُ]

- ‌(فَصْلٌ: لَا يَجُوزُ التَّعْلِيلُ لِإِثْبَاتِ الْعِلَّةِ

- ‌[فَصْلٌ الْقِيَاسُ جَلِيٌّ وَخَفِيٌّ]

- ‌ لِلْقِيَاسِ الْخَفِيِّ(قِسْمَيْنِ:

- ‌[فَصْلٌ فِي دَفْعِ الْعِلَلِ الْمُؤَثِّرَةِ]

- ‌[النَّقْضُ]

- ‌[وَدَفْعُ النَّقْض بِأَرْبَعِ طُرُقٍ]

- ‌[الْمُمَانَعَةُ]

- ‌الْمُعَارَضَةِ

- ‌(فَصْلٌ فِي دَفْعِ الْعِلَلِ الطَّرْدِيَّةِ)

- ‌ الِاعْتِرَاضَاتُ الْوَارِدَةُ عَلَى الْقِيَاسِ بِالْعِلَّةِ الطَّرْدِيَّةِ

- ‌[فَصْلٌ فِي الِانْتِقَالِ مِنْ كَلَامٍ إلَى آخَرَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْحُجَجِ الْفَاسِدَةِ]

- ‌[التَّعْلِيلُ بِالنَّفْيِ]

- ‌(بَابُ) الْمُعَارَضَةِ وَالتَّرْجِيحِ

- ‌[فَصْلٌ مَا يَقَعُ بِهِ التَّرْجِيحُ]

- ‌[الْأُمُور الَّتِي ذُكِرَتْ فِي تَرْجِيحِ الْقِيَاسِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ إذَا تَعَارَضَ وُجُوهُ التَّرْجِيحِ]

- ‌[فَصْلٌ مِنْ التَّرَاجِيحِ الْفَاسِدَةِ التَّرْجِيحُ بِغَلَبَةِ الْأَشْبَاهِ]

- ‌[بَابُ الِاجْتِهَادِ]

- ‌[الْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ الْكِتَابِ فِي الْحُكْمِ وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَبْوَابٍ]

- ‌[بَابٌ فِي الْحُكْمِ وَهُوَ قِسْمَانِ]

- ‌[الْقَسْم الْأَوَّل أَنْ لَا يَكُونَ حُكْمًا بِتَعَلُّقِ شَيْءٍ بِشَيْءٍ آخَرَ أَوْ يَكُونَ كَالْحُكْمِ]

- ‌[الْقَسْم الثَّانِي مِنْ الْحُكْمِ وَهُوَ الَّذِي يَكُونُ حُكْمًا بِتَعَلُّقِ شَيْءٍ بِشَيْءٍ آخَرَ]

- ‌[بَابُ الْمَحْكُوم بِهِ]

- ‌[بَابُ الْمَحْكُوم عَلَيْهِ]

- ‌[فَصْلٌ الْأَهْلِيَّةُ ضَرْبَانِ أَهْلِيَّةُ وُجُوبٍ وَأَهْلِيَّةُ أَدَاءً]

- ‌[فَصْلٌ الْأُمُورُ الْمُعْتَرِضَةُ عَلَى الْأَهْلِيَّةِ]

- ‌[الْعَوَارِضُ السَّمَاوِيَّةُ]

- ‌[الْجُنُونُ]

- ‌[الصِّغَرُ]

- ‌[الْعَتَهُ]

- ‌[النِّسْيَانُ]

- ‌[النَّوْمُ]

- ‌ الْإِغْمَاءُ)

- ‌[الرِّقُّ]

- ‌[الْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ]

- ‌[الْمَرَضُ]

- ‌[الْمَوْتُ]

- ‌[الْعَوَارِضُ الْمُكْتَسَبَةُ]

- ‌[الْعَوَارِضُ الْمُكْتَسَبَةُ مِنْ نَفْسِهِ]

- ‌[الْجَهْلُ]

- ‌[السُّكْرُ]

- ‌ الْهَزْلُ

- ‌[السَّفَهُ]

- ‌ السَّفَرُ

- ‌[الْخَطَأُ]

- ‌[الْعَوَارِضُ الْمُكْتَسَبَةُ مِنْ غَيْرِهِ]

- ‌[الْإِكْرَاهُ وَهُوَ إمَّا مُلْجِئٌ أَوْ غَيْرُ مُلْجِئٍ]

الفصل: ‌[الأمور التي ذكرت في ترجيح القياس]

الْمَاءِ وَالْآخَرُ بِطَهَارَتِهِ فَإِنْ تَمَسَّكَ بِظَاهِرِ الْحَالِ فَإِخْبَارُ النَّجَاسَةِ أَوْلَى وَإِنْ تَمَسَّكَ بِالدَّلِيلِ كَانَ مِثْلَ الْإِثْبَاتِ. (وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ يَتَفَرَّعُ الشَّهَادَةُ عَلَى النَّفْيِ) .

(وَأَمَّا فِي الْقِيَاسِ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ: فَفِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَمَعْنَاهُ إذَا تَعَارَضَ قِيَاسَانِ (فَلَا يُحْمَلُ عَلَى النَّسْخِ. وَقَوْلُ الصَّحَابِيِّ فِيمَا يُدْرَكُ بِالْقِيَاسِ كَالْقِيَاسِ فَيَأْخُذُ بِأَيِّهِمَا شَاءَ) مِنْ الْقِيَاسَيْنِ، وَكَذَا يَأْخُذُ بِأَيِّهِمَا شَاءَ مِنْ قَوْلِ الصَّحَابِيِّ وَالْقِيَاسِ (بَعْدَ شَهَادَةِ قَلْبِهِ، وَلَا يَسْقُطَانِ بِالتَّعَارُضِ كَمَا يَسْقُطُ النَّصَّانِ حَتَّى يُعْمَلَ بَعْدَهُ بِظَاهِرِ الْحَالِ إذْ فِي الْأَوَّلِ) أَيْ فِي تَعَارُضِ النَّصَّيْنِ (إنَّمَا يَقَعُ التَّعَارُضُ لِلْجَهْلِ الْمَحْضِ بِالنَّاسِخِ مِنْهُمَا، فَلَا يَصِحُّ عَمَلُهُ بِأَحَدِهِمَا مَعَ الْجَهْلِ وَهُنَا) أَيْ فِي الْقِيَاسَيْنِ (لَيْسَ) أَيْ التَّعَارُضُ (لِجَهْلٍ مَحْضٍ؛ لِأَنَّهُ) أَيْ الْمُجْتَهِدَ، وَهُوَ لَمْ يُذْكَرْ لَفْظًا بَلْ دَلَالَةً (فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الِاجْتِهَادَيْنِ مُصِيبٌ بِالنَّظَرِ إلَى الدَّلِيلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُصِيبًا بِالنَّظَرِ إلَى الْمَدْلُولِ عَلَى مَا يَأْتِي فَكُلُّ وَاحِدٍ دَلِيلٌ لَهُ فِي حَقِّ الْعَمَلِ) .

(فَصْلٌ مَا يَقَعُ بِهِ التَّرْجِيحُ فَعَلَيْك اسْتِخْرَاجُهُ مِنْ مَبَاحِثِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مَتْنًا وَسَنَدًا) أَمَّا الْمَتْنُ فَكَتَرْجِيحِ النَّصِّ عَلَى الظَّاهِرِ وَالْمُفَسَّرِ عَلَى

ــ

[التلويح]

وَالْحُكْمِ وَالْأَمْرِ الْخَارِجِ وَالْمُرَادُ بِالْمَتْنِ مَا يَتَضَمَّنُهُ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ مِنْ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْعَامِّ وَالْخَاصِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَبِالسَّنَدِ الْإِخْبَارُ عَنْ طَرِيقِ الْمَتْنِ مِنْ تَوَاتُرٍ وَمَشْهُورٍ وَآحَادٍ مَقْبُولٍ أَوْ مَرْدُودٍ فَالْأَوَّلُ كَتَرْجِيحِ النَّصِّ عَلَى الظَّاهِرِ وَالْمُفَسَّرِ عَلَى الْمُجْمَلِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَالثَّانِي يَقَعُ فِي الرَّاوِي كَالتَّرْجِيحِ بِفِقْهِ الرَّاوِي، وَفِي الرِّوَايَةِ كَتَرْجِيحِ الْمَشْهُورِ عَلَى الْآحَادِ، وَفِي الْمَرْوِيِّ كَتَرْجِيحِ الْمَسْمُوعِ مِنْ النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام عَلَى مَا يَحْتَمِلُ السَّمَاعَ كَمَا إذَا قَالَ أَحَدُهُمَا سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ الْآخَرُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَفِي الْمَرْوِيِّ عَنْهُ كَتَرْجِيحِ مَا لَمْ يَثْبُتْ إنْكَارٌ لِرِوَايَتِهِ عَلَى مَا ثَبَتَ. وَالثَّالِثُ كَتَرْجِيحِ الْحَظْرِ عَلَى الْإِبَاحَةِ. وَالرَّابِعُ كَتَرْجِيحِ مَا يُوَافِقُ الْقِيَاسَ عَلَى مَا لَا يُوَافِقُهُ وَلِكُلٍّ مِنْ ذَلِكَ تَفَاصِيلُ مَذْكُورَةٌ فِي مَوْضِعِهَا

[الْأُمُور الَّتِي ذُكِرَتْ فِي تَرْجِيحِ الْقِيَاسِ]

وَأَمَّا الْقِيَاسُ فَيَقَعُ فِيهِ التَّرْجِيحُ بِحَسَبِ أَصْلِهِ، أَوْ فَرْعِهِ، أَوْ عِلَّتِهِ، أَوْ أَمْرٍ خَارِجٍ عَنْهُ وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ يُطْلَبُ مِنْ أُصُولِ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَقَدْ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هَاهُنَا إلَى بَعْضِ مَا يَقَعُ بِهِ التَّرْجِيحُ بِحَسَبِ الْعِلَّةِ كَتَرْجِيحِ قِيَاسٍ عُرِفَ عِلِّيَّةُ الْوَصْفِ فِيهِ بِالنَّصِّ الصَّرِيحِ عَلَى مَا عُرِفَ عِلِّيَّتُهُ بِالْإِيمَاءِ ثُمَّ فِي الْإِيمَاءِ يُرَجَّحُ مَا يُفِيدُ ظَنًّا أَغْلَبَ وَأَقْرَبَ إلَى الْقَطْعِ عَلَى غَيْرِهِ وَمَا عُرِفَ بِالْإِيمَاءِ مُطْلَقًا يُرَجَّحُ عَلَى مَا عُرِفَ بِالْمُنَاسَبَةِ لِمَا فِيهَا مِنْ الِاخْتِلَافِ وَلِأَنَّ الشَّارِعَ أَوْلَى بِتَعْلِيلِ الْأَحْكَامِ، ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ الرَّاجِحَ تَأْثِيرُ الْعَيْنِ، ثُمَّ النَّوْعِ، ثُمَّ الْجِنْسِ الْقَرِيبِ، ثُمَّ الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ، وَأَنَّ اعْتِبَارَ شَأْنِ الْحُكْمِ لِكَوْنِهِ الْمَقْصُودَ أَوْلَى وَأَهَمَّ مِنْ اعْتِبَارِ شَأْنِ الْعِلَّةِ وَيُرَجَّحُ تَأْثِيرُ جِنْسِ الْعِلَّةِ فِي نَوْعِ الْحُكْمِ عَلَى تَأْثِيرِ نَوْعِ الْعِلَّةِ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ، وَعِنْدَ التَّرْكِيبِ

ص: 221

النَّصِّ وَالْمُحْكَمِ عَلَى الْمُفَسَّرِ وَالْحَقِيقَةِ عَلَى الْمَجَازِ وَالصَّرِيحِ عَلَى الْكِنَايَةِ وَالْعِبَارَةِ عَلَى الْإِشَارَةِ وَالْإِشَارَةِ عَلَى الدَّلَالَةِ وَالدَّلَالَةِ عَلَى الِاقْتِضَاءِ، وَأَمَّا السَّنَدُ فَكَتَرْجِيحِ الْمَشْهُورِ عَلَى خَبَرِ الْوَاحِدِ وَالتَّرْجِيحِ بِفِقْهِ الرَّاوِي وَبِكَوْنِهِ مَعْرُوفًا بِالرِّوَايَةِ (وَالْقِيَاسِ) عَطْفٌ عَلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَمَا عُرِفَ عِلِّيَّتُهُ نَصًّا صَرِيحًا أَوْلَى مِمَّا عُرِفَ إيمَاءً وَمَا عُرِفَ إيمَاءً فَبَعْضُهُ أَوْلَى مِنْ الْبَعْضِ ثُمَّ مَا عُرِفَ إيمَاءً أَوْلَى مِمَّا عُرِفَ بِالْمُنَاسَبَةِ وَأَيْضًا مَا عُرِفَ بِالْإِجْمَاعِ تَأْثِيرُ نَوْعِهِ فِي نَوْعِهِ أَوْلَى مِمَّا عُرِفَ بِالْإِجْمَاعِ تَأْثِيرُ الْجِنْسِ فِي النَّوْعِ، وَهَذَا أَوْلَى مِنْ عَكْسِهِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا أَوْلَى مِنْ الْجِنْسِ فِي الْجِنْسِ ثُمَّ الْجِنْسُ الْقَرِيبُ فِي الْجِنْسِ الْقَرِيبِ أَوْلَى مِنْ غَيْرِ الْقَرِيبِ ثُمَّ الْمُرَكَّبُ مِنْ هَذِهِ الْأَقْسَامِ أَوْلَى مِنْ الْمُفْرَدِ وَأَقْسَامُ الْمُرَكَّبَاتِ بَعْضُهَا أَوْلَى مِنْ بَعْضٍ، وَمَنْ أَتْقَنَ الْمَبَاحِثَ السَّابِقَةَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ.

(وَاَلَّذِي ذَكَرُوا فِي تَرْجِيحِ الْقِيَاسِ أَرْبَعَةُ أُمُورٍ: الْأَوَّلُ قُوَّةٌ لَا أَثَرٌ) أَيْ قُوَّةُ التَّأْثِيرِ كَمَا مَرَّ فِي الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ وَكَمَا فِي مَسْأَلَةِ طَوْلِ الْحُرَّةِ فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ: يَرِقُّ مَاؤُهُ مَعَ غُنْيَةٍ عَنْهُ، فَلَا يَجُوزُ كَاَلَّذِي تَحْتَهُ حُرَّةٌ وَقُلْنَا هَذَا نِكَاحٌ يَمْلِكُهُ الْعَبْدُ بِإِذْنِ مَوْلَاهُ إذَا دَفَعَ إلَيْهِ مَهْرًا يَصْلُحُ لِلْحُرَّةِ وَلِلْأَمَةِ

ــ

[التلويح]

مَا يَتَرَكَّبُ مِنْ رَاجِحَيْنِ يُقَدَّمُ عَلَى الْمُرَكَّبِ مِنْ مَرْجُوحَيْنِ، أَوْ مُسَاوٍ وَمَرْجُوحٍ كَتَقْدِيمِ الْمُرَكَّبِ مِنْ تَأْثِيرِ النَّوْعِ فِي النَّوْعِ وَالْجِنْسِ الْقَرِيبِ فِي النَّوْعِ عَلَى الْمُرَكَّبِ مِنْ تَأْثِيرِ النَّوْعِ فِي الْجِنْسِ الْقَرِيبِ وَالْجِنْسِ الْقَرِيبِ فِي النَّوْعِ. وَفِي الْمُرَكَّبَيْنِ اللَّذَيْنِ يَشْتَمِلُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى رَاجِحٍ وَمَرْجُوحٍ يُقَدَّمُ مَا يَكُونُ الرَّاجِحُ مِنْهُ فِي جَانِبِ الْحُكْمِ عَلَى مَا يَكُونُ فِي جَانِبِ الْعِلَّةِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ: وَأَقْسَامُ الْمُرَكَّبَاتِ بَعْضُهَا أَوْلَى مِنْ بَعْضٍ وَكُلُّ ذَلِكَ مِمَّا يَظْهَرُ بِالتَّأَمُّلِ فِي الْمَبَاحِثِ السَّابِقَةِ إلَّا أَنَّهُ قَدْ جَرَتْ عَادَةُ الْقَوْمِ بِذِكْرِ أُمُورٍ أَرْبَعَةٍ مِمَّا يَقَعُ بِهِ فِي تَرْجِيحِ الْقِيَاسِ وَهِيَ قُوَّةُ الْأَثَرِ وَقُوَّةُ الثَّبَاتِ عَلَى الْحُكْمِ وَكَثْرَةُ الْأُصُولِ وَالْعَكْسُ.

(قَوْلُهُ: كَمَا مَرَّ فِي الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ) مِنْ أَنَّ الِاسْتِحْسَانَ لِقُوَّةِ أَثَرِهِ يُقَدَّمُ عَلَى الْقِيَاسِ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرَ التَّأْثِيرِ إذْ الْعِبْرَةُ لِلتَّأْثِيرِ وَقُوَّتِهِ دُونَ الْوُضُوحِ، أَوْ الْخَفَاءِ؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ إنَّمَا صَارَ حُجَّةً بِالتَّأْثِيرِ فَالتَّفَاوُتُ فِيهِ يُوجِبُ التَّفَاوُتَ فِي الْقِيَاسِ، وَهَذَا بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ، فَإِنَّهَا لَمْ تَصِرْ حُجَّةً بِالْعَدَالَةِ لِتَخْتَلِفَ بِاخْتِلَافِهَا بَلْ بِالْوِلَايَةِ الثَّابِتَةِ بِالْحُرِّيَّةِ وَهِيَ مِمَّا لَا يَتَفَاوَتُ، وَإِنَّمَا اُشْتُرِطَ الْعَدَالَةُ لِظُهُورِ جَانِبِ الصِّدْقِ، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ الْعَدَالَةَ مِمَّا لَا يَخْتَلِفُ بِالشِّدَّةِ وَالضَّعْفِ؛ لِأَنَّهُ إنْ انْزَجَرَ عَنْ جَمِيعِ مَا يَعْتَقِدُ فِيهِ الْحُرْمَةَ فَعَدْلٌ وَإِلَّا فَلَا.

(قَوْلُهُ: وَكَمَا فِي مَسْأَلَةِ طَوْلِ الْحُرَّةِ) أَيْ الْغِنَى وَالْقُدْرَةِ عَلَى تَزَوُّجِ الْحُرَّةِ وَالْأَصْلُ الطَّوْلُ عَلَى الْحُرَّةِ أَيْ الْفَضْلُ فَاتَّسَعَ فِيهِ بِحَذْفِ حَرْفِ الصِّلَةِ، ثُمَّ أُضِيفَ إضَافَةَ الْمَصْدَرِ إلَى الْمَفْعُولِ فَالْحُرُّ الَّذِي لَهُ طَوْلُ الْحُرَّةِ لَا يَجُوزُ لَهُ تَزَوُّجُ الْأَمَةِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قِيَاسًا عَلَى الَّذِي تَحْتَهُ

ص: 222

(وَقَالَ تَزَوَّجْ مَنْ شِئْت فَيَمْلِكُهُ الْحُرُّ، وَهَذَا أَقْوَى أَثَرًا) أَيْ قِيَاسُنَا أَقْوَى تَأْثِيرًا مِنْ قِيَاسِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (إذْ زِيَادَةُ مَحَلِّ حِلِّ الْعَبْدِ عَلَى حِلِّ الْحُرِّ قَلْبُ الْمَشْرُوعِ) وَتَضْيِيعُ الْمَاءِ بِالْعَزْلِ بِإِذْنِ الْحُرَّةِ يَجُوزُ فَالْإِرْقَاقُ دُونَهُ؛ لِأَنَّ فِي الْأَوَّلِ تَضْيِيعَ الْأَصْلِ وَفِي الثَّانِي تَضْيِيعَ الْوَصْفِ، وَهُوَ الْحُرِّيَّةُ وَنِكَاحُ الْأَمَةِ لِمَنْ لَهُ سُرِّيَّةٌ جَائِزٌ مَعَ وُجُودِ مَا ذُكِرَ مِنْ الْعِلَّةِ وَكَمَا فِي نِكَاحِ الْأَمَةِ الْكِتَابِيَّةِ فَإِنَّهُ يَقُولُ: الرِّقُّ مِنْ الْمَوَانِعِ، وَكَذَا الْكُفْرُ، فَإِذَا اجْتَمَعَا يَصِيرُ كَالْكُفْرِ

ــ

[التلويح]

حُرَّةٌ بِجَامِعِ إرْقَاقِ الْمَاءِ مَعَ الِاسْتِغْنَاءِ وَالْإِرْقَاقُ بِمَنْزِلَةِ الْإِهْلَاكِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ طَوْلُ الْحُرَّةِ وَخَشِيَ الْعَنَتَ أَيْ الْوُقُوعَ فِي الزِّنَا، فَإِنَّهُ لَا غُنْيَةَ عَنْ الْإِرْقَاقِ فَيَجُوزُ وَبِخِلَافِ مَا إذَا قَدَرَ الْعَبْدُ عَلَى نِكَاحِ الْحُرَّةِ فَتَزَوَّجَ أَمَةً، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِإِرْقَاقٍ لِلْمَاءِ بَلْ امْتِنَاعٌ عَنْ تَحْصِيلِ صِفَةِ الْحُرِّيَّةِ، وَهُوَ لَيْسَ بِحَرَامٍ وَبِخِلَافِ مَا إذَا تَزَوَّجَ حُرَّةً عَلَى أَمَةٍ فَإِنَّهُ يَبْقَى نِكَاحُ الْأَمَةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِإِرْقَاقٍ ابْتِدَاءً بَلْ بَقَاءٌ عَلَيْهِ وَهُوَ لَا يَحْرُمُ كَالرِّقِّ يَبْقَى مَعَ الْإِسْلَامِ إذْ لَيْسَ لِلْبَقَاءِ هَاهُنَا حُكْمُ الِابْتِدَاءِ وَقُلْنَا نِكَاحُ الْأَمَةِ مَعَ طَوْلِ الْحُرَّةِ نِكَاحٌ يَمْلِكُهُ الْعَبْدُ فَيَمْلِكُهُ الْحُرُّ كَسَائِرِ الْأَنْكِحَةِ الَّتِي يَمْلِكُهَا الْعَبْدُ، وَهَذَا أَقْوَى تَأْثِيرًا مِنْ الْإِرْقَاقِ مَعَ الِاسْتِغْنَاءِ؛ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ أَثَرُهَا فِي الْإِطْلَاقِ وَالِاتِّسَاعِ فِي بَابِ النِّكَاحِ الَّذِي هُوَ مِنْ النِّعَمِ وَالرِّقُّ مِنْ أَوْصَافِ النُّقْصَانِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ أَثَرُهُ فِي الْمَنْعِ وَالتَّضْيِيقِ فَاتِّسَاعُ الْحِلِّ الَّذِي هُوَ مِنْ بَابِ الْكَرَامَةِ لِلْعَبْدِ وَتَضْيِيقُهُ عَلَى الْحُرِّ بِأَنْ لَا يَجُوزَ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ مَعَ طَوْلِ الْحُرَّةِ قَلَبَ الْمَشْرُوعَ وَعَكَسَ الْمَعْقُولَ؛ لِأَنَّ مَا ثَبَتَ بِطَرِيقِ الْكَرَامَةِ يَزْدَادُ بِزِيَادَةِ الشَّرَفِ وَلِهَذَا جَازَ لِمَنْ كَانَ أَفْضَلَ الْبَشَرِ مَا فَوْقَ الْأَرْبَعِ وَرُبَّمَا يُجَابُ بِأَنَّ هَذَا التَّضْيِيقَ مِنْ بَابِ الْكَرَامَةِ حَيْثُ مَنَعَ الشَّرِيفَ مِنْ تَزَوُّجِ الْخَسِيسِ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ مَظِنَّةِ الْإِرْقَاقِ وَذَلِكَ كَمَا جَازَ نِكَاحُ الْمَجُوسِيَّةِ لِلْكَافِرِ دُونَ الْمُسْلِمِ.

(قَوْلُهُ: وَتَضْيِيعُ الْمَاءِ) إشَارَةٌ إلَى وَجْهَيْ ضَعْفٍ فِي قِيَاسِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: الْأَوَّلُ أَنَّ الْإِرْقَاقَ الَّذِي هُوَ إهْلَاكٌ حُكْمًا دُونَ تَضْيِيعِ الْمَاءِ بِالْعَزْلِ؛ لِأَنَّهُ إتْلَافٌ حَقِيقَةً إذْ فِي الْإِرْقَاقِ إنَّمَا تَزُولُ صِفَةُ الْحُرِّيَّةِ مَعَ أَنَّهُ أَمْرٌ رُبَّمَا يُرْجَى زَوَالُهُ بِالْعِتْقِ، وَفِي الْعَزْلِ يَفُوتُ أَصْلُ الْوَلَدِ، فَإِذَا جَازَ هَذَا فَالْإِرْقَاقُ أَوْلَى.

فَإِنْ قِيلَ: هَذَا امْتِنَاعٌ عَنْ اكْتِسَابِ سَبَبِ الْوُجُودِ، وَفِي الْإِرْقَاقِ مُبَاشَرَةُ السَّبَبِ عَلَى وَجْهٍ يُفْضِي إلَى الْإِهْلَاكِ قُلْنَا فِي التَّزَوُّجِ أَيْضًا امْتِنَاعٌ عَنْ إيجَابِ صِفَةِ الْحُرِّيَّةِ إذْ الْمَاءُ لَا يُوصَفُ بِالرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ بَلْ هُوَ قَابِلٌ لَأَنْ يُوجَدَ مِنْهُ الرَّقِيقُ وَالْحُرُّ فَتَزَوُّجُ الْأَمَةِ امْتِنَاعٌ عَنْ مُبَاشَرَةِ سَبَبِ وُجُودِ الْحُرِّيَّةِ فَحِينَ يُخْلَقُ يُخْلَقُ رَقِيقًا إلَّا أَنَّهُ يَنْتَقِلُ مِنْ الْحُرِّيَّةِ إلَى الرِّقِّيَّةِ وَمَعْنَى الْعُقُوبَةِ وَالْإِهْلَاكِ إنَّمَا هُوَ فِي إرْقَاقِ الْحُرِّ.

الثَّانِي: إنَّ وَصْفَ إرْقَاقِ الْمَاءِ مَعَ الِاسْتِغْنَاءِ غَيْرُ مُطَّرِدٍ لِوُجُودِهِ فِيمَنْ لَهُ سُرِّيَّةٌ، أَوْ أُمُّ وَلَدٍ مَعَ جَوَازِ نِكَاحِ الْأَمَةِ لَهُ. وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْحُرَّ لَوْ كَانَ قَادِرًا عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَ

ص: 223

بِلَا كِتَابٍ، فَلَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ وَلِأَنَّ الضَّرُورَةَ تَرْتَفِعُ بِإِحْلَالِ الْأَمَةِ الْمُسْلِمَةِ وَقُلْنَا هُوَ نِكَاحٌ يَمْلِكُهُ الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ فَكَذَا الْحُرُّ الْمُسْلِمُ عَلَى مَا مَرَّ.

وَأَيْضًا هُوَ دِينٌ يَصِحُّ مَعَهُ لِلْحُرِّ الْمُسْلِمِ نِكَاحُ الْحُرَّةِ (فَكَذَا يَصِحُّ لِلْحُرِّ نِكَاحُ الْأَمَةِ) أَيْ دِينُ الْكِتَابِيَّةِ دِينٌ يَصِحُّ مَعَهُ لِلْحُرِّ الْمُسْلِمِ نِكَاحُ الْحُرَّةِ الَّتِي هِيَ عَلَى هَذَا الدِّينِ فَكَذَا يَصِحُّ لِلْحُرِّ الْمُسْلِمِ نِكَاحُ الْأَمَةِ الَّتِي هِيَ عَلَى هَذَا الدِّينِ (فَهَذَا أَقْوَى أَثَرًا؛ لِأَنَّ الرِّقَّ مُنَصِّفٌ لَا مُحَرِّمٌ) كَمَا فِي الطَّلَاقِ وَالْعِدَّةِ وَالْقَسَمِ وَالْحُدُودِ؛ لِأَنَّ الرَّقِيقَ لَهُ شَبَهٌ بِالْحَيَوَانَاتِ وَالْجَمَادَاتِ بِوَاسِطَةِ الْكُفْرِ، فَمِنْ هَذَا الشَّبَهِ قُلْنَا إنَّهُ مَالٌ ثُمَّ لَهُ شَبَهٌ بِالْحُرِّ مِنْ حَيْثُ الذَّاتِ فَأَوْجَبَ هَذَانِ الشَّبَهَانِ التَّنْصِيفَ فِي اسْتِحْقَاقِ النِّعَمِ الَّتِي تَخْتَصُّ بِالْإِنْسَانِ.

(فَطَرَفُ الرِّجَالِ يَقْبَلُ الْعَدَدَ بِأَنْ يَحِلَّ لِلْحُرِّ أَرْبَعٌ وَلِلْعَبْدِ ثِنْتَانِ لَا طَرَفُ النِّسَاءِ فَيَنْتَصِفُ بِاعْتِبَارِ الْأَحْوَالِ فَتَحِلُّ الْأَمَةُ مُقَدَّمَةً عَلَى الْحُرَّةِ لَا مُؤَخَّرَةً، فَأَمَّا فِي الْمُقَارَنَةِ فَقَدْ غَلَبَتْ الْحُرْمَةُ كَمَا فِي الطَّلَاقِ وَالْقُرْءِ) أَيْ لَمَّا كَانَ الرِّقُّ مُنَصِّفًا وَطَرَفُ الرِّجَالِ يَقْبَلُ التَّنْصِيفَ بِالْعَدَدِ فِي حِلِّ النِّكَاحِ بِأَنْ يَحِلَّ لِلْعَبْدِ ثِنْتَانِ وَلِلْحُرِّ أَرْبَعٌ أَمَّا طَرَفُ النِّسَاءِ، فَلَا

ــ

[التلويح]

أَمَةً لَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَكَيْفَ إذَا كَانَ لَهُ سُرِّيَّةٌ، أَوْ أُمُّ وَلَدٍ.

(قَوْلُهُ: وَكَمَا فِي نِكَاحِ الْأَمَةِ الْكِتَابِيَّةِ) ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قِيَاسًا عَلَى نِكَاحِ الْمَجُوسِيَّةِ وَعَلَى مَا إذَا كَانَ تَحْتَهُ حُرَّةٌ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ لِلرِّقِّ أَثَرًا فِي تَحْرِيمِ النِّكَاحِ فِي الْجُمْلَةِ كَمَا فِي نِكَاحِ الْأَمَةِ عَلَى الْحُرَّةِ، وَكَذَا لِلْكُفْرِ كَمَا فِي نِكَاحِ الْحَرْبِيَّةِ لِلْمُسْلِمِ، فَإِذَا اجْتَمَعَ الرِّقُّ وَالْكُفْرُ يَقْوَى الْمَنْعُ كَكُفْرِ الْمَجُوسِيَّةِ، فَلَمْ يَحِلَّ لِلْمُسْلِمِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِمَا مَرَّ مِنْ إرْقَاقِ الْمَاءِ مَعَ الِاسْتِغْنَاءِ إذْ الضَّرُورَةُ قَدْ ارْتَفَعَتْ بِجَوَازِ نِكَاحِ الْأَمَةِ الْمُسْلِمَةِ الَّتِي هِيَ أَطْهَرُ مِنْ الْكَافِرَةِ، وَعِنْدَنَا يَجُوزُ قِيَاسًا عَلَى الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ وَعَلَى الْحُرَّةِ الْكِتَابِيَّةِ، وَهَذَانِ الْقِيَاسَانِ قَوِيَّانِ تَأْثِيرًا أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِمَا سَبَقَ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ أَثَرَ الرِّقِّ إنَّمَا هُوَ فِي التَّنْصِيفِ دُونَ التَّحْرِيمِ.

فَإِنْ قُلْت: هَذَا لَا يَسْتَقِيمُ فِي الْمَرْأَةِ، فَإِنَّ حِلَّهَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْمَمْلُوكِيَّةِ وَالرِّقُّ يَزِيدُ فِيهَا أَلَا يُرَى أَنَّهَا قَبْلَ الِاسْتِرْقَاقِ لَمْ تَحِلَّ إلَّا بِالنِّكَاحِ وَبَعْدَهُ حَلَّتْ بِمِلْكِ النِّكَاحِ وَمِلْكِ الْيَمِينِ جَمِيعًا.

قُلْت: حِلُّ النِّكَاحِ نِعْمَةٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَيَنْتَصِفُ بِرِقِّهَا كَمَا يَنْتَصِفُ بِرِقِّهِ وَحِلُّ الْوَطْءِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ إنَّمَا هُوَ بِطَرِيقِ الْعُقُوبَةِ دُونَ الْكَرَامَةِ وَلِهَذَا لَا تُطَالِبُهُ بِالْوَطْءِ، وَلَا تَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ شَيْئًا.

(قَوْلُهُ: فَأَمَّا فِي الْمُقَارَنَةِ، فَقَدْ غَلَبَتْ الْحُرْمَةُ) فَإِنْ قِيلَ: لَا حَاجَةَ إلَى ذَلِكَ لِإِمْكَانِ حَقِيقَةِ التَّنْصِيفِ بِأَنْ يُقَالَ: لِنِكَاحِ الْأَمَةِ حَالَتَانِ: حَالَةُ الِانْفِرَادِ عَنْ الْحُرَّةِ وَذَلِكَ بِالسَّبْقِ وَحَالَةُ الِانْضِمَامِ وَذَلِكَ بِالْمُقَارَنَةِ، أَوْ التَّأَخُّرِ فَحَلَّتْ فِي إحْدَى الْحَالَتَيْنِ فَقَطْ تَحْقِيقًا لِلتَّنْصِيفِ قُلْنَا الْمُقَارَنَةُ وَالتَّأَخُّرُ حَالَتَانِ مُخْتَلِفَتَانِ مُتَعَدِّدَتَانِ حَقِيقَةً لَا تَصِيرَانِ وَاحِدَةً بِمُجَرَّدِ التَّعْبِيرِ عَنْهُمَا

ص: 224

يَقْبَلُ التَّنْصِيفَ بِالْعَدَدِ؛ لِأَنَّ الْحُرَّةَ لَا يَحِلُّ لَهَا إلَّا زَوْجٌ وَاحِدٌ، فَلَا يُمْكِنُ تَنْصِيفُ الزَّوْجِ الْوَاحِدِ فَاعْتَبَرْنَا التَّنْصِيفَ بِالْأَحْوَالِ بِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مُتَقَدِّمَةً عَلَى الْحُرَّةِ يَصِحُّ نِكَاحُهَا وَإِنْ كَانَتْ مُتَأَخِّرَةً لَا يَصِحُّ وَإِنْ كَانَتْ مُقَارِنَةً لَا يَصِحُّ أَيْضًا تَغْلِيبًا لِلْحُرْمَةِ كَمَا فِي الطَّلَاقِ وَالْأَقْرَاءِ فَثَبَتَ بِهَذَا أَنَّ كُلَّ نِكَاحٍ يَصِحُّ لِلْحُرَّةِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ لِلْأَمَةِ الْكِتَابِيَّةِ إذَا لَمْ تَكُنْ مُتَأَخِّرَةً عَنْ الْحُرَّةِ، أَوْ مُقَارِنَةً لَهَا فَيَصِحُّ لِلْحُرِّ الْمُسْلِمِ نِكَاحُ الْأَمَةِ الْكِتَابِيَّةِ إذَا لَمْ تَكُنْ عَلَى الْحُرَّةِ.

وَقَوْلُهُ: كَمَا فِي الطَّلَاقِ فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ كَوْنَ طَلَاقِ الْأَمَةِ اثْنَيْنِ لَيْسَ تَغْلِيبَ الْحُرْمَةِ بَلْ تَغْلِيبَ الْحِلِّ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ إذَا كَانَ مَالِكًا لِلطَّلْقَتَيْنِ عَلَيْهَا فَإِنَّ الْحِلّ يَكُونُ أَكْثَرَ مِمَّا كَانَ مَالِكًا لِلطَّلْقَةِ الْوَاحِدَةِ ثُمَّ عَطَفَ عَلَى قَوْلِهِ: وَكَمَا فِي نِكَاحِ الْأَمَةِ الْكِتَابِيَّةِ قَوْلَهُ: (وَكَمَا فِي مَسْحِ الرَّأْسِ إنَّ الْمَسْحَ فِي التَّخْفِيفِ أَقْوَى أَثَرًا مِنْ الرُّكْنِ فِي التَّثْلِيثِ وَالثَّانِي قُوَّةُ ثَبَاتِهِ عَلَى الْحُكْمِ وَالْمُرَادُ مِنْهُ كَثْرَةُ اعْتِبَارِ الشَّارِعِ هَذَا الْوَصْفَ فِي هَذَا الْحُكْمِ كَالْمَسْحِ فِي التَّخْفِيفِ فِي كُلِّ تَطْهِيرٍ غَيْرِ مَعْقُولٍ كَالتَّيَمُّمِ وَمَسْحِ الْخُفِّ وَالْجَبِيرَةِ وَالْجَوْرَبِ بِخِلَافِ الرُّكْنِ فَإِنَّ الرُّكْنِيَّةَ لَا تُوجِبُ التَّكْرَارَ كَمَا فِي أَرْكَانِ الصَّلَاةِ بَلْ الْإِكْمَالَ وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ) أَيْ بِالْإِكْمَالِ، وَهُوَ الِاسْتِيعَابُ.

(وَكَقَوْلِنَا فِي صَوْمِ رَمَضَانَ إنَّهُ مُتَعَيِّنٌ، فَلَا يَجِبُ التَّعْيِينُ، وَهَذَا الْوَصْفُ اعْتَبَرَهُ الشَّارِعُ فِي

ــ

[التلويح]

بِالِانْضِمَامِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَوْلِ بِالتَّثْلِيثِ، ثُمَّ إلْحَاقُ الْمُقَارَنَةِ بِالتَّأَخُّرِ تَغْلِيبًا لِلْحُرْمَةِ احْتِيَاطًا كَمَا جَعَلَ نِصْفَ الطَّلَاقِ وَاحِدًا مُتَكَامِلًا حَيْثُ جَعَلَ طَلَاقَ الْأَمَةِ ثِنْتَيْنِ لَا وَاحِدَةً احْتِيَاطًا؛ لِأَنَّ الْحِلَّ كَانَ ثَابِتًا بِيَقِينٍ، فَلَا يَزُولُ إلَّا بَعْدَ التَّيَقُّنِ بِنِصْفِ التَّطْلِيقَاتِ الثَّلَاثِ وَذَلِكَ فِي الثِّنْتَيْنِ دُونَ الْوَاحِدَةِ فَالتَّشْبِيهُ بِالطَّلَاقِ إنَّمَا هُوَ فِي مُجَرَّدِ تَكْمِيلِ النِّصْفِ بِالْوَاحِدَةِ وَجَعَلَ نِصْفَ الثَّلَاثَةِ اثْنَيْنِ لَا فِي جَعْلِ طَلَاقِ الْأَمَةِ ثِنْتَيْنِ تَغْلِيبًا لِلْحُرْمَةِ حَتَّى يَرِدَ الِاعْتِرَاضُ بِأَنَّ هَذَا تَغْلِيبٌ لِلْحِلِّ دُونَ الْحُرْمَةِ وَسَيَجِيءُ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ زِيَادَةُ تَحْقِيقٍ فِي فَصْلِ الْعَوَارِضِ.

(قَوْلُهُ: وَكَمَا فِي مَسْحِ الرَّأْسِ) يَعْنِي عَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِ تَأْثِيرِ الرُّكْنِيَّةِ فِي التَّثْلِيثِ فَتَأْثِيرُ الْمَسْحِ فِي التَّخْفِيفِ أَقْوَى مِنْهُ؛ لِأَنَّ الِاكْتِفَاءَ بِالْمَسْحِ خُصُوصًا مَسْحَ بَعْضِ الْمَحَلِّ مَعَ إمْكَانِ الْغَسْلِ، أَوْ مَسْحَ الْكُلِّ لَيْسَ إلَّا لِلتَّخْفِيفِ، وَأَمَّا التَّثْلِيثُ، فَقَدْ يُوجَدُ بِدُونِ الرُّكْنِيَّةِ كَمَا فِي الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ وَبِالْعَكْسِ كَمَا فِي أَرْكَانِ الصَّلَاةِ.

(قَوْلُهُ: وَالْإِيمَانِ) هُوَ فِي أَكْثَرِ نُسَخِ أُصُولِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ يَعْنِي لَا يُشْتَرَطُ نِيَّةُ التَّعْيِينِ فِي الْإِيمَانِ بِاَللَّهِ تَعَالَى بِأَنْ يُعَيِّنَ أَنَّهُ يُؤَدِّي الْفَرْضَ مَعَ أَنَّهُ أَقْوَى الْفُرُوضِ بَلْ عَلَى أَيْ وَجْهٍ يَأْتِي بِهِ يَقَعُ عَنْ الْفَرْضِ لِكَوْنِهِ مُتَعَيِّنًا غَيْرَ مُتَنَوِّعٍ إلَى فَرْضٍ وَنَفْلٍ وَتَصْحِيحُ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَقَعَ عَلَى الْأَيْمَانِ بِالْفَتْحِ جَمْعِ يَمِينٍ.

(قَوْلُهُ: وَنَحْوِهَا) كَتَصَدُّقِ النِّصَابِ عَلَى الْفَقِيرِ بِدُونِ نِيَّةِ الزَّكَاةِ وَكَإِطْلَاقِ النِّيَّةِ فِي الْحَجِّ.

(قَوْلُهُ: تَحْقِيقًا لِلْجَبْرِ

ص: 225

الْوَدَائِعِ وَالْمَغْصُوبِ وَرَدِّ الْمَبِيعِ بَيْعًا فَاسِدًا وَالْأَيْمَانِ وَنَحْوِهَا) فَإِنَّ رَدَّ الْوَدِيعَةِ وَالْمَغْصُوبِ مُتَعَيِّنٌ عَلَيْهِ، فَلَا يَجِبُ أَنْ يُعَيَّنَ أَنَّ هَذَا الرَّدَّ رَدُّ الْوَدِيعَةِ وَالْمَغْصُوبِ، وَكَذَا لَا يَجِبُ التَّعْيِينُ فِي رَدِّ الْمَبِيعِ بَيْعًا فَاسِدًا، وَكَذَا فِي الْأَيْمَانِ أَنَّ الْبِرَّ وَاجِبٌ عَلَيْهِ مُتَعَيِّنًا، فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّعْيِينُ أَنَّهُ فَعَلَهُ لِأَجْلِ الْبِرِّ.

(وَكَمَنَافِعِ الْغَصْبِ فَإِنَّهُ يَقُولُ: مَا يُضْمَنُ بِالْعَقْدِ يُضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ تَحْقِيقًا لِلْجَبْرِ بِالْمِثْلِ تَقْرِيبًا وَإِنْ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ، فَهُوَ عَلَى الْمُعْتَدِي) أَيْ إنْ كَانَ الْمِثْلُ التَّقْرِيبِيُّ، وَهُوَ الضَّمَانُ مُمَاثِلًا فِي الْحَقِيقَةِ لِتِلْكَ الْمَنَافِعِ، فَهُوَ الْمَطْلُوبُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُمَاثِلًا فِي الْحَقِيقَةِ يَكُونُ الْمِثْلُ التَّقْرِيبِيُّ أَفْضَلَ مِنْ تِلْكَ الْمَنَافِعِ؛ لِأَنَّ الْأَعْيَانَ الْبَاقِيَةَ خَيْرٌ مِنْ الْأَعْرَاضِ الْغَيْرِ بَاقِيَةٍ، وَهَذَا الْفَضْلُ عَلَى الْمُتَعَدِّي أَوْلَى مِنْ إهْدَارِ حَقِّ الْمَظْلُومِ اللَّازِمِ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ وُجُوبِ الضَّمَانِ (وَلِأَنَّ إهْدَارَ الْوَصْفِ أَسْهَلُ مِنْ إهْدَارِ الْأَصْلِ) يَعْنِي إنْ أَوْجَبْنَا الضَّمَانَ لَا يَلْزَمُ إلَّا إهْدَارُ كَوْنِ الْمُمَاثَلَةِ تَامَّةً وَإِنْ لَمْ نُوجِبْ الضَّمَانَ يَلْزَمُ إهْدَارُ حَقِّ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ فِي الْمِثْلِ بِالْكُلِّيَّةِ فِي الْأَصْلِ وَالْوَصْفِ فَالْأَوَّلُ أَسْهَلُ مِنْ هَذَا.

(قُلْنَا التَّقْيِيدُ بِالْمِثْلِ وَاجِبٌ فِي كُلِّ بَابٍ كَالْأَمْوَالِ كُلِّهَا وَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَنَحْوِهِمَا وَوَضْعُ الضَّمَانِ عَنْ الْمَعْصُومِ جَائِزٌ فِي الْجُمْلَةِ) أَيْ عَدَمُ إيجَابِ الضَّمَانِ فِي إتْلَافِ الْمَالِ الْمَعْصُومِ جَائِزٌ فِي الْجُمْلَةِ (كَإِتْلَافِ الْعَادِلِ مَالَ الْبَاغِي وَالْحَرْبِيِّ مَالَ الْمُسْلِمِ وَالْفَضْلُ عَلَى الْمُتَعَدِّي غَيْرُ مَشْرُوعٍ أَصْلًا) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] .

ــ

[التلويح]

وَبِالْمِثْلِ تَقْرِيبًا) وَذَلِكَ أَنَّ الْمَنْفَعَةَ مَالٌ كَالْعَيْنِ وَالتَّفَاوُتُ الْحَاصِلُ بِالْعَيْنِيَّةِ وَالْعَرَضِيَّةِ مَجْبُورٌ بِكَثْرَةِ الْأَجْزَاءِ فِي جَانِبِ الْمَنْفَعَةِ لِظُهُورِ أَنَّ مَنْفَعَةَ شَهْرٍ وَاحِدٍ أَكْثَرُ أَجْزَاءً مِنْ دِرْهَمٍ وَاحِدٍ فَاسْتَوَيَا قِيمَةً وَبَقِيَ التَّفَاوُتُ فِيمَا وَرَاءَ الْقِيمَةِ بِمَنْزِلَةِ التَّفَاوُتِ فِي الْحِنْطَةِ مِنْ حَيْثُ الْحَبَّاتُ وَاللَّوْنُ، وَهَذَا مَعْنَى الْمِثْلِ تَقْرِيبًا.

(قَوْلُهُ: وَيَلْزَمُ مِنْهُ نِسْبَةُ الْجَوْرِ ابْتِدَاءً إلَى صَاحِبِ الشَّرْعِ) لِأَنَّهُ الَّذِي يُوجِبُ الْأَحْكَامَ حَقِيقَةً، وَلَا حَاجَةَ إلَى أَنْ يُقَالَ: إنَّ الضَّمَانَ يَجِبُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي، وَهُوَ نَائِبُ الشَّارِعِ.

(قَوْلُهُ: وَالثَّالِثُ) التَّرْجِيحُ بِكَثْرَةِ الْأُصُولِ الَّتِي يُوجَدُ فِيهَا جِنْسُ الْوَصْفِ، أَوْ نَوْعُهُ كَتَأْثِيرِ وَصْفِ الْمَسْحِ فِي التَّخْفِيفِ يُوجَدُ فِي التَّيَمُّمِ وَمَسْحِ الْخُفِّ وَالْجَبِيرَةِ فَيُرَجَّحُ عَلَى تَأْثِيرِ وَصْفِ الرُّكْنِيَّةِ فِي التَّثْلِيثِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْغُسْلِ فَقَطْ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ كَثْرَةَ الْأُصُولِ تُوجِبُ زِيَادَةَ تَوْكِيدٍ وَلُزُومَ الْحُكْمِ بِذَلِكَ الْوَصْفِ فَيَحْدُثُ فِيهِ قُوَّةٌ مُرَجِّحَةٌ كَمَا يَحْصُلُ لِلْخَبَرِ بِكَثْرَةِ الرُّوَاةِ قُوَّةٌ وَزِيَادَةُ اتِّصَالٍ فَيَصِيرُ مَشْهُورًا مَعَ أَنَّ الْحُجَّةَ هُوَ الْخَبَرُ لَا كَثْرَةُ الرُّوَاةِ.

(قَوْلُهُ: وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ الثَّانِي) أَيْ قُوَّةُ ثَبَاتِ الْوَصْفِ عَلَى الْحُكْمِ؛ لِأَنَّهَا تَكُونُ بِلُزُومِ الْوَصْفِ لِلْحُكْمِ بِأَنْ يُوجَدَ فِي صُوَرٍ كَثِيرَةٍ بَلْ التَّحْقِيقُ أَنَّ الثَّلَاثَةَ رَاجِعَةٌ إلَى قُوَّةِ التَّأْثِيرِ لَكِنَّ شِدَّةَ الْأَثَرِ بِالنَّظَرِ إلَى الْوَصْفِ وَقُوَّةَ الثَّبَاتِ بِالنَّظَرِ إلَى الْحُكْمِ وَكَثْرَةَ الْأُصُولِ بِالنَّظَرِ

ص: 226

(وَيَلْزَمُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ إيجَابِ الْفَضْلِ عَلَى الْمُتَعَدِّي (نِسْبَةُ الْجَوْرِ ابْتِدَاءً إلَى صَاحِبِ الشَّرْعِ) الْمُرَادُ مِنْ الِابْتِدَاءِ أَنْ يَكُونَ بِلَا وَاسِطَةِ فِعْلِ الْعَبْدِ وَفِيهِ احْتِرَازٌ عَنْ إيجَابِ الْقِيمَةِ فِيمَا لَا مِثْلَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ قِيمَةُ عَدْلٍ، وَهُوَ مَعْلُومٌ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَالتَّفَاوُتُ إنَّمَا يَقَعُ لِعَجْزِنَا عَنْ مَعْرِفَةِ ذَلِكَ الْوَاجِبِ فَإِنْ وَقَعَ فِيهِ جَوْرٌ، فَهُوَ مَنْسُوبٌ إلَى الْعَبْدِ أَمَّا فِي مَسْأَلَتِنَا فِي التَّفَاوُتِ فِي نَفْسِ ذَلِكَ الْوَاجِبِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ الْمُتَقَوِّمَ لَا يُمَاثِلُ الْمَنْفَعَةَ، فَلَوْ وَجَبَ يَكُونُ التَّفَاوُتُ مُضَافًا إلَى الشَّارِعِ وَذَا لَا يَجُوزُ.

(أَمَّا عَدَمُ الضَّمَانِ فَمُضَافٌ إلَى عَجْزِنَا عَنْ الدَّرْكِ) أَيْ إنْ قُلْنَا بِعَدَمِ الضَّمَانِ فَإِنَّمَا نَقُولُ بِهِ لِعَجْزِنَا عَنْ دَرْكِ الْمِثْلِ فَإِنْ وَقَعَ جَوْرٌ يَكُونُ مَنْسُوبًا إلَيْنَا لَا إلَى الشَّارِعِ فَهَذَا أَوْلَى ثُمَّ أَجَابَ عَنْ قَوْلِهِ: وَلِأَنَّ إهْدَارَ الْوَصْفِ أَسْهَلُ إلَخْ بِقَوْلِهِ: (وَلِأَنَّ الْوَصْفَ وَإِنْ قَلَّ فَائِتٌ أَصْلًا بِلَا بَدَلٍ وَالْأَصْلُ وَإِنْ عَظُمَ فَائِتٌ إلَى ضَمَانٍ فِي دَارِ الْجَزَاءِ فَكَانَ هَذَا تَأْخِيرًا وَالْأَوَّلُ إبْطَالًا) وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الْوَصْفَ، وَهُوَ كَوْنُ الْمُمَاثَلَةِ تَامَّةً يَفُوتُ عَلَى تَقْدِيرِ وُجُوبِ الضَّمَانِ بِلَا بَدَلٍ، وَالْأَصْلُ وَهُوَ حَقُّ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ فِي الْمِثْلِ يَفُوتُ إلَى بَدَلٍ يَصِلُ إلَيْهِ فِي دَارِ الْجَزَاءِ فَهَذَا الْفَوْتُ تَأْخِيرٌ وَالْأَوَّلُ وَهُوَ فَوْتُ الْوَصْفِ إبْطَالٌ فَالتَّأْخِيرُ أَوْلَى.

(وَضَمَانُ الْعَقْدِ قَدْ يَثْبُتُ بِالتَّرَاضِي مَعَ عَدَمِ الْمُمَاثَلَةِ) جَوَابٌ عَنْ قِيَاسِ الشَّافِعِيِّ

ــ

[التلويح]

إلَى الْأَصْلِ، فَلَا اخْتِلَافَ إلَّا بِحَسَبِ الِاعْتِبَارِ وَلِهَذَا قَالَ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَا مِنْ نَوْعٍ مِنْ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ إذَا قَرَّرْته فِي مَسْأَلَةٍ إلَّا وَتَبَيَّنَ بِهِ إمْكَانُ تَقْرِيرِ النَّوْعَيْنِ الْآخَرَيْنِ فِيهِ وَقَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْحَاشِيَةِ إذَا كَانَ التَّأْثِيرُ بِحَسَبِ اعْتِبَارِ الشَّارِعِ جِنْسَ الْوَصْفِ، أَوْ نَوْعَهُ فِي نَوْعِ الْحُكْمِ، فَهُوَ مُسْتَلْزِمٌ لِشَهَادَةِ الْأَصْلِ فَقُوَّةُ الثَّبَاتِ حِينَئِذٍ يَسْتَلْزِمُ كَثْرَةَ شَهَادَةِ الْأَصْلِ، وَإِذَا كَانَ بِحَسَبِ اعْتِبَارِ جِنْسِ الْوَصْفِ، أَوْ نَوْعِهِ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ، أَوْ نَوْعِهِ فَأَحَدُهُمَا لَا يَسْتَلْزِمُ الْآخَرَ فَبَيْنَهَا عُمُومٌ مِنْ وَجْهٍ وَلِذَا قَالَ هُوَ قَرِيبٌ مِنْ الثَّانِي.

(قَوْلُهُ: وَالرَّابِعُ الْعَكْسُ) مَعْنَى الِاطِّرَادِ فِي الْعِلَّةِ أَنَّهُ كُلَّمَا وُجِدَتْ الْعِلَّةُ وُجِدَ الْحُكْمُ وَمَعْنَى الِانْعِكَاسِ أَنَّهُ كُلَّمَا انْتَفَتْ الْعِلَّةُ انْتَفَى الْحُكْمُ كَمَا فِي الْحَدِّ وَالْمَحْدُودِ، وَهَذَا اصْطِلَاحٌ مُتَعَارَفٌ وَالْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بَيَّنَ الْمُنَاسَبَةَ فِيهِ بِأَنَّهُ لَازِمٌ لِلْعَكْسِ الْمُتَفَاهَمِ بِحَسَبِ الْعُرْفِ الْعَامِّ حَيْثُ يَقُولُونَ: كُلُّ إنْسَانٍ ضَاحِكٌ وَبِالْعَكْسِ أَيْ كُلُّ ضَاحِكٍ إنْسَانٌ فَقَوْلُنَا كُلَّمَا انْتَفَى الْوَصْفُ انْتَفَى الْحُكْمُ لَازِمٌ لِقَوْلِنَا كُلَّمَا وُجِدَ الْحُكْمُ وُجِدَ الْوَصْفُ لِأَنَّ انْتِفَاءَ اللَّازِمِ مُسْتَلْزِمٌ لِانْتِفَاءِ الْمَلْزُومِ وَهُوَ عَكْسٌ عُرْفِيٌّ لِقَوْلِنَا كُلَّمَا وُجِدَ الْوَصْفُ وُجِدَ الْحُكْمُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَكْسًا مَنْطِقِيًّا.

(قَوْلُهُ: مَبِيعُ عَيْنٍ) أَيْ مُتَعَيِّنٍ، فَلَا يُشْتَرَطُ قَبْضُهُ. الْوَصْفُ هُوَ تَعَيُّنُ الْمَبِيعِ وَالْحُكْمُ عَدَمُ اشْتِرَاطِ قَبْضِهِ، وَهُوَ مُنْتَفٍ عِنْدَ انْتِفَاءِ الْوَصْفِ حَيْثُ يُشْتَرَطُ الْقَبْضُ فِي بَيْعِ الدِّرْهَمِ بِالدِّرْهَمِ، وَفِي السَّلَمِ لِئَلَّا يَلْزَمَ بَيْعُ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الصَّرْفِ هُوَ النُّقُودُ وَهِيَ لَا تَتَعَيَّنُ فِي الْعُقُودِ فَكَانَ

ص: 227