الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فِي عُرْفِ النُّظَّارِ وَأَمَّا قِصَّةُ الْخَلِيلِ فَإِنَّ الْحُجَّةَ الْأُولَى) وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ} [البقرة: 258]
(كَانَتْ مَلْزُومَةً وَاللَّعِينُ عَارَضَهُ بِأَمْرٍ بَاطِلٍ) وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ} [البقرة: 258]
(فَالْخَلِيلُ عليه السلام لَمَّا خَافَ الِاشْتِبَاهَ وَالتَّلْبِيسَ عَلَى الْقَوْمِ انْتَقَلَ إلَى الْعِلَّةِ الَّتِي لَا يَكُونُ فِيهَا اشْتِبَاهٌ أَصْلًا وَالثَّالِثُ كَقَوْلِنَا الْكِتَابَةُ عَقْدٌ يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ بِالْإِقَالَةِ فَلَا تَمْنَعُ الصَّرْفَ إلَى الْكَفَّارَةِ) أَيْ إنْ أَعْتَقَ الْمُكَاتِبَ بِنِيَّةِ الْكَفَّارَةِ يَجُوزُ
(كَالْبَيْعِ بِالْخِيَارِ وَالْإِجَارَةِ) أَيْ بَاعَ عَبْدًا بِشَرْطِ الْخِيَارِ يَجُوزُ إعْتَاقُهُ بِنِيَّةِ الْكَفَّارَةِ، وَكَذَا إذَا آجَرَ عَبْدًا ثُمَّ أَعْتَقَهُ بِنِيَّةِ الْكَفَّارَةِ
(فَإِنْ قِيلَ عِنْدِي لَا يَمْنَعُ هَذَا الْعَقْدُ بَلْ نُقْصَانُ الرِّقِّ) أَيْ نُقْصَانُ الرِّقِّ يَمْنَعُ الصَّرْفَ إلَى الْكَفَّارَةِ عِنْدِي
(فَنَقُولُ الرِّقُّ لَمْ يَنْقُصْ وَنُثْبِتْ هَذَا) أَيْ عَدَمَ نُقْصَانِ الرِّقِّ
(بِعِلَّةٍ أُخْرَى) وَهِيَ قَوْلُهُ الْكِتَابَةُ عَقْدٌ يَحْتَمِل الْفَسْخَ فَيَجُوزُ صَرْفُهُ إلَى الْكَفَّارَةِ كَمَا نَقُولُ
ــ
[التلويح]
نُورًا عَلَى نُورٍ وَإِضَاءَةً غِبَّ إضَاءَةٍ وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يُجْعَلْ انْتِقَالُهُ خُلُوًّا عَنْ تَأْكِيدٍ لِلْأَوَّلِ وَتَوْضِيحٍ وَتَبْكِيتٍ لِلْخَصْمِ وَتَفْضِيحٍ كَأَنَّهُ قَالَ الْمُرَادُ بِالْإِحْيَاءِ إعَادَةُ الرُّوحِ إلَى الْبَدَنِ فَالشَّمْسُ بِمَنْزِلَةِ رُوحِ الْعَالَمِ لِإِضَاءَتِهِ بِهَا وَإِظْلَامِهِ بِغُرُوبِهَا فَإِنْ كُنْت تَقْدِرُ عَلَى إحْيَاءِ الْمَوْتَى فَأَعِدْ رُوحَ الْعَالَمِ إلَيْهِ بِأَنْ تَأْتِيَ الشَّمْسُ مِنْ جَانِبِ الْمَغْرِبِ.
[فَصْلٌ فِي الْحُجَجِ الْفَاسِدَةِ]
(قَوْلُهُ: فَصْلٌ) عَقَّبَ مَبَاحِثَ الْأَدِلَّةِ الصَّحِيحَةِ بِالْأَدِلَّةِ الْفَاسِدَةِ الَّتِي يَحْتَجُّ بِهَا الْبَعْضُ فِي إثْبَاتِ الْأَحْكَامِ لِيَتَبَيَّنَ فَسَادُهَا لِيَظْهَرَ انْحِصَارُ الْأَدِلَّةِ الصَّحِيحَةِ فِي الْأَرْبَعَةِ وَهَذَا غَيْرُ التَّمَسُّكَاتِ الْفَاسِدَةِ؛ لِأَنَّهَا تَمَسُّكٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ لَكِنْ بِطَرِيقٍ فَاسِدَةٍ غَيْرِ صَالِحَةٍ لِلتَّمَسُّكِ فَمِنْ الْحُجَجِ الْفَاسِدَةِ الِاسْتِصْحَابُ وَهُوَ الْحُكْمُ بِبَقَاءِ أَمْرٍ كَانَ فِي الزَّمَانِ الْأَوَّلِ وَلَمْ يُظَنَّ عَدَمُهُ وَهُوَ حُجَّةٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي كُلِّ شَيْءٍ أَيْ كُلِّ أَمْرٍ نَفْيًا كَانَ أَوْ إثْبَاتًا ثَبَتَ وُجُودُهُ أَيْ تَحَقُّقُهُ بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ ثُمَّ وَقَعَ الشَّكُّ فِي بَقَائِهِ أَيْ لَمْ يَقَعْ ظَنٌّ بِعَدَمِهِ وَعِنْدَنَا حُجَّةٌ لِلدَّفْعِ دُونَ الْإِثْبَاتِ فَإِنْ قِيلَ إنْ قَامَ دَلِيلٌ عَلَى كَوْنِهِ حُجَّةً لَزِمَ شُمُولُ الْوُجُودِ أَعْنِي كَوْنَهُ حُجَّةً لِلْإِثْبَاتِ وَالدَّفْعِ وَإِلَّا لَزِمَ شُمُولُ الْعَدَمِ أُجِيبُ بِأَنَّ مَعْنَى الدَّفْعِ أَنْ لَا يَثْبُتَ حُكْمٌ وَعَدَمُ الْحُكْمِ مُسْتَنِدٌ إلَى عَدَمِ دَلِيلِهِ فَالْأَصْلُ فِي الْعَدَمِ الِاسْتِمْرَارُ حَتَّى يَظْهَرَ دَلِيلُ الْوُجُودِ وَذَكَرَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ مَا يُحَقِّقُ وُجُودَهُ أَوْ عَدَمَهُ فِي زَمَانٍ وَلَمْ يُظَنَّ مُعَارِضٌ يُزِيلُهُ فَإِنَّ لُزُومَ ظَنِّ بَقَائِهِ أَمْرٌ ضَرُورِيٌّ وَلِهَذَا يُرَاسِلُ الْعُقَلَاءُ أَهَالِيهِمْ وَبِلَادَهُمْ رُبَّمَا كَانُوا يُشَافِقُونَهُمْ وَيُرْسِلُونَ الْوَدَائِعَ وَالْهَدَايَا وَيُعَامِلُونَ بِمَا يَقْتَضِي زَمَانًا مِنْ التِّجَارَاتِ وَالْقُرُوضِ وَالدُّيُونِ وَالْآخَرُونَ اسْتَبْعَدُوا دَعْوَى الضَّرُورَةِ فِي مَحَلِّ الْخِلَافِ فَتَمَسَّكُوا بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الِاسْتِصْحَابَ لَوْ لَمْ يَكُنْ حُجَّةً لَمَا وَقَعَ الْجَزْمُ بَلْ الظَّنُّ بِبَقَاءِ الشَّرَائِعِ لِاحْتِمَالِ طَرَيَانِ النَّاسِخِ، وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ لِلْقَطْعِ بِبَقَاءِ شَرْعِ عِيسَى عليه الصلاة والسلام -
الْكِتَابَةُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَلَا تُوجِبُ نُقْصَانًا فِي الرِّقِّ
(وَإِنْ أَثْبَتْنَاهُ بِالْعِلَّةِ الْأُولَى فَهُوَ نَظِيرُ الرَّابِعِ كَمَا نَقُولُ احْتِمَالُهُ الْفَسْخَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الرِّقَّ لَمْ يَنْقُصْ وَكِلَاهُمَا صَحِيحَانِ وَالرَّابِعُ أَحَقُّ)
(؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ الَّتِي أَوْرَدَهَا تَكُونُ تَامَّةً فِي قَطْعِ الشُّبُهَاتِ بِلَا احْتِيَاجٍ إلَى شَيْءٍ آخَرَ، وَإِنْ انْتَقَلَ إلَى حُكْمٍ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ أَوْ إلَى عِلَّةٍ لِإِثْبَاتِ حُكْمٍ كَذَلِكَ فَهُوَ بَاطِلٌ) .
(فَصْلٌ فِي الْحُجَجِ الْفَاسِدَةِ) الِاسْتِصْحَابُ حُجَّةٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي كُلِّ شَيْءٍ ثَبَتَ وُجُودُهُ بِدَلِيلٍ ثُمَّ وَقَعَ الشَّكُّ فِي بَقَائِهِ وَعِنْدَنَا حُجَّةٌ لِلدَّفْعِ لَا لِلْإِثْبَاتِ لَهُ أَنَّ بَقَاءَ الشَّرَائِعِ بِالِاسْتِصْحَابِ وَلِأَنَّهُ إذَا تَيَقَّنَ بِالْوُضُوءِ ثُمَّ شَكَّ فِي الْحَدَثِ يَحْكُمُ بِالْوُضُوءِ وَفِي الْعَكْسِ بِالْحَدَثِ. إذَا شَهِدُوا أَنَّهُ كَانَ مِلْكًا لِلْمُدَّعِي فَإِنَّهُ حُجَّةٌ عِنْدَهُ وَلَنَا أَنَّ الدَّلِيلَ الْمُوجِبَ لَا يَدُلُّ عَلَى الْبَقَاءِ وَهَذَا ظَاهِرٌ فَبَقَاءُ
ــ
[التلويح]
إلَى زَمَنِ نَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم وَبَقَاءِ شَرْعِهِ أَبَدًا. وَثَانِيهِمَا الْإِجْمَاعُ عَلَى اعْتِبَارِ الِاسْتِصْحَابِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْفُرُوعِ مِثْلُ بَقَاءِ الْوُضُوءِ وَالْحَدَثِ وَالْمِلْكِيَّةِ وَالزَّوْجِيَّةِ فِيمَا إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ وَوَقَعَ الشَّكُّ فِي طَرَيَانِ الضِّدِّ وَأُجِيبُ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَوْلَا الِاسْتِصْحَابُ لَمَا حَصَلَ الْجَزْمُ بِبَقَاءِ الشَّرَائِعِ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَحْصُلَ الْجَزْمُ بِبَقَائِهَا وَالْقَطْعُ بِعَدَمِ نَسْخِهَا بِدَلِيلٍ آخَرَ وَهُوَ فِي شَرِيعَةِ عِيسَى عليه السلام تَوَاتُرُ نَقْلِهَا وَتَوَاطُؤُ جَمِيعِ قَوْمِهِ عَلَى الْعَمَلِ بِهَا إلَى زَمَنِ نَبِيِّنَا عليه الصلاة والسلام وَفِي شَرِيعَةِ نَبِيِّنَا عليه الصلاة والسلام الْأَحَادِيثُ الدَّالَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَا نَسْخَ لِشَرِيعَتِهِ فَإِنْ قِيلَ هَذَا إنَّمَا يَصِحُّ فِيمَا بَعْدَ وَفَاتِهِ عليه الصلاة والسلام، وَأَمَّا الدَّلِيلُ عَلَى بَقَاءِ الْحُكْمِ وَعَدَمِ انْتِسَاخِهِ فِي حَالِ حَيَاتِهِ فَهُوَ الِاسْتِصْحَابُ لَا غَيْرُ قُلْنَا قَدْ سَبَقَ فِي بَحْثِ النَّسْخِ أَنَّ النَّصَّ يَدُلُّ عَلَى شَرْعِيَّةٍ مُوجِبَةٍ قَطْعًا إلَى زَمَانِ نُزُولِ النَّاسِخِ وَعَدَمُ بَيَانِ النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام لِلنَّاسِخِ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ نُزُولِهِ إذْ لَوْ نَزَلَ لَبَيَّنَهُ قَطْعًا لِوُجُوبِ التَّبْلِيغِ وَالتَّبْيِينِ عَلَيْهِ وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ الْفُرُوعَ الْمَذْكُورَةَ لَيْسَتْ مَبْنِيَّةً عَلَى الِاسْتِصْحَابِ بَلْ عَلَى أَنَّ الْوُضُوءَ وَالْبَيْعَ وَالنِّكَاحَ وَنَحْوَ ذَلِكَ يُوجِبُ أَحْكَامًا مُمْتَدَّةً إلَى زَمَانِ ظُهُورِ الْمُنَاقِضِ كَجَوَازِ الصَّلَاةِ وَحِلِّ الِانْتِفَاعِ وَالْوَطْءِ وَذَلِكَ بِحَسَبِ وَضْعِ الشَّارِعِ فَبَقَاءُ هَذِهِ الْأَحْكَامُ مُسْتَنِدَةٌ إلَى تَحَقُّقِ هَذِهِ الْأَفْعَالِ مَعَ عَدَمِ ظُهُورِ الْمُنَاقِضِ لَا إلَى كَوْنِ الْأَصْلِ فِيهَا هُوَ الْبَقَاءُ مَا لَمْ يَظْهَرْ الْمُزِيلُ وَالْمُنَافِي عَلَى مَا هُوَ قَضِيَّةُ الِاسْتِصْحَابِ وَهَذَا مَا يُقَالُ إنَّ الِاسْتِصْحَابَ حُجَّةٌ لِإِبْقَاءِ مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ لَا لِإِثْبَاتِ مَا لَمْ يَكُنْ، وَلَا لِلْإِلْزَامِ عَلَى الْغَيْرِ وَاسْتَدَلَّ عَلَى أَنَّ الِاسْتِصْحَابَ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً لِلْإِثْبَاتِ بِأَنَّ الدَّلِيلَ الْمُوجِبَ لِلْحُكْمِ لَا يَدُلُّ عَلَى الْبَقَاءِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ ضَرُورَةَ أَنَّ بَقَاءَ الشَّيْءِ غَيْرُ وُجُودِهِ؛ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ اسْتِمْرَارِ الْوُجُودِ بَعْدَ الْحُدُوثِ وَرُبَّمَا يَكُونُ الشَّيْءُ مُوجِبًا لِحُدُوثِ الشَّيْءِ دُونَ اسْتِمْرَارِهِ وَاعْتَرَضَ بِأَنَّهُ إنْ أُرِيدَ عَدَمُ الدَّلَالَةِ بِطَرِيقِ الْقَطْعِ فَلَا نِزَاعَ