المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الْمَالِ (وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَتَوَقَّفُ - التلويح على التوضيح لمتن التنقيح - جـ ٢

[السعد التفتازاني - المحبوبي صدر الشريعة الأصغر]

فهرس الكتاب

- ‌(الرُّكْنُ الثَّانِي فِي السُّنَّةِ

- ‌[فَصْلٌ اتِّصَالُ الْخَبَرِ] [

- ‌التَّوَاتُرُ يُوجِبُ عِلْمَ الْيَقِينِ]

- ‌[فَصْلٌ] الرَّاوِي إمَّا مَعْرُوفٌ بِالرِّوَايَةِ وَإِمَّا مَجْهُولٌ

- ‌[فَصْلٌ شَرَائِطُ الرَّاوِي]

- ‌[فَصْلٌ فِي انْقِطَاعِ الْحَدِيثِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَحَلِّ الْخَبَرِ]

- ‌[فَصْلٌ] فِي كَيْفِيَّةِ السَّمَاعِ وَالضَّبْطِ وَالتَّبْلِيغِ

- ‌(فَصْلٌ) فِي الطَّعْنِ

- ‌(فَصْلٌ) فِي أَفْعَالِهِ عليه الصلاة والسلام

- ‌[فَصْلٌ فِي الْوَحْيِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَبَاطِنٌ]

- ‌[فَصْلٌ فِي شَرَائِعِ مَنْ قَبْلَنَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَقْلِيدِ الصَّحَابِيِّ]

- ‌[بَابُ الْبَيَانِ]

- ‌(فَصْلٌ فِي الِاسْتِثْنَاءِ)

- ‌[مَسْأَلَةٌ شَرْطُ الِاسْتِثْنَاءِ]

- ‌(مَسْأَلَةٌ الِاسْتِثْنَاءُ مُتَّصِلٌ، وَمُنْقَطِعٌ

- ‌(مَسْأَلَةٌ الِاسْتِثْنَاءُ الْمُسْتَغْرَقُ

- ‌[مَسْأَلَةٌ الِاسْتِثْنَاءُ إذَا تَعَقَّبَ الْجُمَلَ الْمَعْطُوفَةَ]

- ‌(فَصْلٌ) فِي بَيَانِ التَّبْدِيلِ

- ‌[بَيَانُ النَّاسِخِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ كَوْنُ النَّاسِخِ أَشَقَّ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ الضَّرُورَةِ]

- ‌[الرُّكْنُ الثَّالِثُ فِي الْإِجْمَاعِ وَفِيهِ خَمْسَةُ أُمُورٍ]

- ‌[الْأَمْرُ الْأَوَّلُ رُكْنُ الْإِجْمَاعِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ إذَا اخْتَلَفَتْ الصَّحَابَةُ فِي قَوْلَيْنِ]

- ‌[الْأَمْرُ الثَّانِي أَهْلِيَّةُ مَنْ يَنْعَقِدُ بِهِ الْإِجْمَاعُ]

- ‌[الْأَمْرُ الثَّالِثُ شُرُوطُ الْإِجْمَاعِ]

- ‌[الْأَمْرُ الرَّابِعُ حُكْمُ الْإِجْمَاعِ]

- ‌[الْإِجْمَاعُ عَلَى مَرَاتِبَ]

- ‌[الْأَمْرُ الْخَامِسُ سَنَدُ الْإِجْمَاعِ]

- ‌[الرُّكْنُ الرَّابِعُ الْقِيَاسُ]

- ‌[الْقِيَاسُ يُفِيدُ غَلَبَةَ الظَّنِّ]

- ‌[فَصْلٌ فِي شُرُوطِ الْقِيَاسِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْعِلَّةِ]

- ‌[تَعْرِيفِ الْعِلَّةِ]

- ‌[أَبْحَاثٌ فِي الْعِلَّة]

- ‌[الْأَوَّلُ الْأَصْلُ فِي النُّصُوصِ عَدَمُ التَّعْلِيلِ]

- ‌[الثَّانِي كَوْنُ الْعِلَّة وَصْفًا لَازِمًا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ التَّعْلِيلُ بِالْعِلَّةِ الْقَاصِرَةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ التَّعْلِيلُ بِعِلَّةٍ اُخْتُلِفَ فِي وُجُودِهَا فِي الْفَرْعِ أَوْ الْأَصْلِ]

- ‌[الثَّالِثُ تُعْرَفُ الْعِلَّةُ بِأُمُورٍ]

- ‌[الْأَوَّلُ وَالثَّانِي النَّصُّ وَالْإِجْمَاعُ]

- ‌[الثَّالِثُ الْمُنَاسَبَةُ]

- ‌(فَصْلٌ: لَا يَجُوزُ التَّعْلِيلُ لِإِثْبَاتِ الْعِلَّةِ

- ‌[فَصْلٌ الْقِيَاسُ جَلِيٌّ وَخَفِيٌّ]

- ‌ لِلْقِيَاسِ الْخَفِيِّ(قِسْمَيْنِ:

- ‌[فَصْلٌ فِي دَفْعِ الْعِلَلِ الْمُؤَثِّرَةِ]

- ‌[النَّقْضُ]

- ‌[وَدَفْعُ النَّقْض بِأَرْبَعِ طُرُقٍ]

- ‌[الْمُمَانَعَةُ]

- ‌الْمُعَارَضَةِ

- ‌(فَصْلٌ فِي دَفْعِ الْعِلَلِ الطَّرْدِيَّةِ)

- ‌ الِاعْتِرَاضَاتُ الْوَارِدَةُ عَلَى الْقِيَاسِ بِالْعِلَّةِ الطَّرْدِيَّةِ

- ‌[فَصْلٌ فِي الِانْتِقَالِ مِنْ كَلَامٍ إلَى آخَرَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْحُجَجِ الْفَاسِدَةِ]

- ‌[التَّعْلِيلُ بِالنَّفْيِ]

- ‌(بَابُ) الْمُعَارَضَةِ وَالتَّرْجِيحِ

- ‌[فَصْلٌ مَا يَقَعُ بِهِ التَّرْجِيحُ]

- ‌[الْأُمُور الَّتِي ذُكِرَتْ فِي تَرْجِيحِ الْقِيَاسِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ إذَا تَعَارَضَ وُجُوهُ التَّرْجِيحِ]

- ‌[فَصْلٌ مِنْ التَّرَاجِيحِ الْفَاسِدَةِ التَّرْجِيحُ بِغَلَبَةِ الْأَشْبَاهِ]

- ‌[بَابُ الِاجْتِهَادِ]

- ‌[الْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ الْكِتَابِ فِي الْحُكْمِ وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَبْوَابٍ]

- ‌[بَابٌ فِي الْحُكْمِ وَهُوَ قِسْمَانِ]

- ‌[الْقَسْم الْأَوَّل أَنْ لَا يَكُونَ حُكْمًا بِتَعَلُّقِ شَيْءٍ بِشَيْءٍ آخَرَ أَوْ يَكُونَ كَالْحُكْمِ]

- ‌[الْقَسْم الثَّانِي مِنْ الْحُكْمِ وَهُوَ الَّذِي يَكُونُ حُكْمًا بِتَعَلُّقِ شَيْءٍ بِشَيْءٍ آخَرَ]

- ‌[بَابُ الْمَحْكُوم بِهِ]

- ‌[بَابُ الْمَحْكُوم عَلَيْهِ]

- ‌[فَصْلٌ الْأَهْلِيَّةُ ضَرْبَانِ أَهْلِيَّةُ وُجُوبٍ وَأَهْلِيَّةُ أَدَاءً]

- ‌[فَصْلٌ الْأُمُورُ الْمُعْتَرِضَةُ عَلَى الْأَهْلِيَّةِ]

- ‌[الْعَوَارِضُ السَّمَاوِيَّةُ]

- ‌[الْجُنُونُ]

- ‌[الصِّغَرُ]

- ‌[الْعَتَهُ]

- ‌[النِّسْيَانُ]

- ‌[النَّوْمُ]

- ‌ الْإِغْمَاءُ)

- ‌[الرِّقُّ]

- ‌[الْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ]

- ‌[الْمَرَضُ]

- ‌[الْمَوْتُ]

- ‌[الْعَوَارِضُ الْمُكْتَسَبَةُ]

- ‌[الْعَوَارِضُ الْمُكْتَسَبَةُ مِنْ نَفْسِهِ]

- ‌[الْجَهْلُ]

- ‌[السُّكْرُ]

- ‌ الْهَزْلُ

- ‌[السَّفَهُ]

- ‌ السَّفَرُ

- ‌[الْخَطَأُ]

- ‌[الْعَوَارِضُ الْمُكْتَسَبَةُ مِنْ غَيْرِهِ]

- ‌[الْإِكْرَاهُ وَهُوَ إمَّا مُلْجِئٌ أَوْ غَيْرُ مُلْجِئٍ]

الفصل: الْمَالِ (وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَتَوَقَّفُ

الْمَالِ (وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَتَوَقَّفُ عَلَى مَشِيئَتِهَا وَأَمَّا تَسْلِيمُ الشُّفْعَةِ فَقَبْلَ طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ يَكُونُ كَالسُّكُوتِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا اشْتَغَلَ بِالْهَزْلِ عَنْ طَلَبِ الشُّفْعَةِ فَقَدْ سَكَتَ عَنْ الطَّلَبِ فَتُطْلَبُ الشُّفْعَةُ، وَبَعْدَهُ التَّسْلِيمُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ مَا يَبْطُلُ بِالْخِيَارِ) حَتَّى لَوْ قَالَ: سَلَّمْت الشُّفْعَةَ عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ يَبْطُلُ التَّسْلِيمُ وَيَكُونُ طَلَبُ الشُّفْعَةِ بَاقِيًا (وَكَذَا الْإِبْرَاءُ) أَيْ: يَبْطُلُ إبْرَاءُ الْغَرِيمِ هَازِلًا كَمَا يَبْطُلُ الْإِبْرَاءُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ (وَأَمَّا الْإِخْبَارَاتُ فَالْهَزْلُ يُبْطِلُهَا سَوَاءٌ كَانَ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ يَعْتَمِدُ صِحَّةَ الْمُخْبَرِ بِهِ، أَلَا يُرَى بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ مُكْرَهًا بَاطِلٌ فَكَذَا هَازِلًا، وَأَمَّا الِاعْتِقَادَاتُ فَالْهَزْلُ بِالرِّدَّةِ كُفْرٌ؛ لِأَنَّهُ اسْتِخْفَافٌ، فَيَكُونُ مُرْتَدًّا بِعَيْنِ الْهَزْلِ لَا بِمَا هَزَلَ بِهِ) أَيْ: لَيْسَ كُفْرُهُ بِسَبَبِ مَا هَزَلَ بِهِ وَهُوَ اعْتِقَادُ مَعْنَى كَلِمَةِ الْكُفْرِ الَّتِي تَكَلَّمَ بِهَا هَازِلًا، فَإِنَّهُ غَيْرُ مُعْتَقِدٍ مَعْنَاهَا بَلْ كُفْرُهُ بِعَيْنِ الْهَزْلِ فَإِنَّهُ اسْتِخْفَافٌ

ــ

[التلويح]

يَبْطُلُ الْإِقْرَارُ بِالطَّلَاقِ، وَالْعَتَاقِ مُكْرَهًا كَذَلِكَ يَبْطُلُ الْإِقْرَارُ بِهِمَا هَازِلًا؛ لِأَنَّ الْهَزْلَ دَلِيلُ الْكَذِبِ كَالْإِكْرَاهِ حَتَّى لَوْ أَجَازَ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الْإِجَازَةَ إنَّمَا تَلْحَقُ شَيْئًا مُنْعَقِدًا يَحْتَمِلُ الصِّحَّةَ، وَالْبُطْلَانُ بِالْإِجَازَةِ لَا يُصَيِّرُ الْكَذِبَ صِدْقًا، وَهَذَا بِخِلَافِ إنْشَاءِ الطَّلَاقِ، وَالْعَتَاقِ، وَنَحْوِهِمَا مِمَّا لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ فَإِنَّهُ لَا أَثَرَ فِيهِ لِلْهَزْلِ عَلَى مَا سَبَقَ.

(قَوْلُهُ: فَيَكُونُ) أَيْ: الْهَازِلُ بِالرِّدَّةِ مُرْتَدًّا بِنَفْسِ الْهَزْلِ لَا بِمَا هَزَلَ بِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الِاسْتِخْفَافِ بِالدِّينِ، وَهُوَ مِنْ أَمَارَاتِ تَبَدُّلِ الِاعْتِقَادِ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى حِكَايَةِ {إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ} [التوبة: 65] الْآيَةَ، وَفِي هَذَا جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ إنَّ الِارْتِدَادَ إنَّمَا يَكُونُ بِتَبَدُّلِ الِاعْتِقَادِ، وَالْهَزْلُ يُنَافِيهِ لِعَدَمِ الرِّضَا بِالْحُكْمِ.

(قَوْلُهُ: تَرْجِيحًا لِجَانِبِ الْإِيمَانِ) يَعْنِي: أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْإِنْسَانِ هُوَ التَّصْدِيقُ، وَالِاعْتِقَادُ

[السَّفَهُ]

. (قَوْلُهُ: وَمِنْهَا) أَيْ: مِنْ الْعَوَارِضِ الْمُكْتَسَبَةِ السَّفَهُ فَإِنَّ السَّفِيهَ بِاخْتِيَارِهِ يَعْمَلُ عَلَى خِلَافِ مُوجِبِ الْعَقْلِ مَعَ بَقَاءِ الْعَقْلِ فَلَا يَكُونُ سَمَاوِيًّا، وَعَلَى ظَاهِرِ تَفْسِيرِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَكُونُ كُلُّ فَاسِقٍ سَفِيهًا؛ لِأَنَّ مُوجِبَ الْعَقْلِ أَنْ لَا يُخَالِفَ الشَّرْعَ لِلْأَدِلَّةِ الْقَائِمَةِ عَلَى وُجُوبِ اتِّبَاعِهِ، وَفَسَّرَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِالْخِفَّةِ الْبَاعِثَةِ عَلَى الْعَمَلِ بِخِلَافِ مُوجِبِ الْعَقْلِ تَنْبِيهًا عَلَى الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ، وَاللُّغَوِيِّ فَإِنَّ السَّفَهَ فِي اللُّغَةِ هُوَ الْخِفَّةُ، وَالْحَرَكَةُ، وَمِنْهُ زِمَامٌ سَفِيهٌ، وَتَخْصِيصًا لَهُ بِمَا هُوَ مُصْطَلَحُ الْفُقَهَاءِ مِنْ السَّفَهِ الَّذِي يُبْتَنَى عَلَيْهِ مَنْعُ الْمَالِ، وَوُجُوبُ الْحَجْرِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ.

(قَوْلُهُ: لِأَنَّ التَّبْذِيرَ أَصْلُهُ مَشْرُوعٌ) التَّبْذِيرُ هُوَ تَفْرِيقُ الْمَالِ عَلَى وَجْهِ الْإِسْرَافِ أَيْ: مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ، وَالْمُرَادُ بِأَصْلِ التَّبْذِيرِ نَفْسُ تَفْرِيقِ الْمَالِ.

(قَوْلُهُ: وَأَجْمَعُوا عَلَى مَنْعِ مَالِهِ) يَعْنِي: إذَا بَلَغَ الصَّبِيُّ سَفِيهًا يُمْنَعُ عَنْهُ مَالُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا} [النساء: 5] أَيْ: لَا تُؤْتُوا الْمُبَذِّرِينَ أَمْوَالَهُمْ الَّذِينَ يُنْفِقُونَهَا فِيمَا لَا يَنْبَغِي، وَإِضَافَةُ الْأَمْوَالِ إلَى الْأَوْلِيَاءِ عَلَى

ص: 380

بِالدِّينِ، وَهُوَ كُفْرٌ نَعُوذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى مِنْهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ} [التوبة: 65] {لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة: 66](وَأَمَّا الْإِسْلَامُ هَازِلًا، فَيَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ إنْشَاءٌ لَا يَحْتَمِلُ حُكْمُهُ الرَّدَّ، وَالتَّرَاخِيَ) تَرْجِيحًا لِجَانِبِ الْإِيمَانِ كَمَا فِي الْإِكْرَاهِ.

(وَمِنْهَا السَّفَهُ) وَهُوَ خِفَّةٌ تَعْتَرِي الْإِنْسَانَ فَتَبْعَثُهُ عَلَى الْعَمَلِ بِخِلَافِ مُوجِبِ الْعَقْلِ، وَقَالَ الْإِمَامُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هُوَ الْعَمَلُ بِخِلَافِ مُوجِبِ الشَّرْعِ مِنْ وَجْهٍ، وَاتِّبَاعِ الْهَوَى، وَخِلَافُ دَلَالَةِ الْعَقْلِ، وَإِنَّمَا قَالَ مِنْ وَجْهٍ؛ لِأَنَّ التَّبْذِيرَ أَصْلُهُ مَشْرُوعٌ وَهُوَ الْبِرُّ، وَالْإِحْسَانُ إلَّا أَنَّ الْإِسْرَافَ حَرَامٌ وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ بَيْنَ السَّفَهِ وَالْعَتَهِ فَإِنَّ الْمَعْتُوهَ يُشَابِهُ الْمَجْنُونَ فِي بَعْضِ أَفْعَالِهِ، وَأَقْوَالِهِ بِخِلَافِ السَّفِيهِ فَإِنَّهُ لَا يُشَابِهُ الْمَجْنُونَ لَكِنْ تَعْتَرِيهِ خِفَّةٌ إمَّا فَرَحًا، وَإِمَّا غَضَبًا فَيُتَابِعُ مُقْتَضَاهَا فِي الْأُمُورِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ وَرَوِيَّةٍ فِي عَوَاقِبِهَا لِيَقِفَ عَلَى أَنَّ عَوَاقِبَهَا مَحْمُودَةٌ أَوْ وَخِيمَةٌ أَيْ: مَذْمُومَةٌ (وَهُوَ لَا يُنَافِي الْأَهْلِيَّةَ، وَلَا شَيْئًا مِنْ الْأَحْكَامِ وَأَجْمَعُوا عَلَى مَنْعِ مَالِهِ عَنْهُ فِي أَوَّلِ الْبُلُوغِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} [النساء: 5] ثُمَّ عَلَّقَ الْإِيتَاءَ بِإِينَاسِ رُشْدٍ مُنْكَرٍ لَا يَنْفَكُّ سِنُّ الْجِدِّيَّةِ عَنْ مِثْلِهِ إلَّا نَادِرًا، فَيَسْقُطُ حِينَئِذٍ الْمَنْعُ) وَهِيَ خَمْسٌ، وَعِشْرُونَ سَنَةً؛ لِأَنَّ أَقَلَّ مُدَّةِ الْبُلُوغِ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَنَةً وَأَقَلُّ مُدَّةِ الْحَمْلِ نِصْفُ سَنَةٍ، فَيَكُونُ أَقَلُّ سِنٍّ يُمْكِنُ أَنْ يَصِيرَ الْمَرْءُ فِيهِ جَدًّا

ــ

[التلويح]

مَعْنَى أَنَّهَا مِنْ جِنْسِ مَا يُقِيمُ بِهِ النَّاسُ مَعَايِشَهُمْ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء: 29] ؛ وَلِأَنَّهُمْ الْمُتَصَرِّفُونَ فِيهَا الْقَوَّامُونَ عَلَيْهَا، ثُمَّ عَلَّقَ إيتَاءَ الْأَمْوَالِ إيَّاهُمْ بِإِينَاسِ رُشْدٍ، وَصَلَاحٍ مِنْهُمْ عَلَى وَجْهِ التَّنْكِيرِ الْمُفِيدِ لِلتَّقْلِيلِ حَيْثُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا} [النساء: 6] أَيْ: إنْ عَرَفْتُمْ، وَرَأَيْتُمْ فِيهِمْ صَلَاحًا فِي الْعَقْلِ، وَحِفْظًا لِلْمَالِ {فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 6] ، فَأَقَامَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - السَّبَبَ الظَّاهِرَ لِلرُّشْدِ، وَهُوَ أَنْ يَبْلُغَ سِنَّ الْجُدُودَةِ، فَإِنَّهُ لَا يَنْفَكُّ عَنْ الرُّشْدِ إلَّا نَادِرًا مَقَامَ الرُّشْدِ عَلَى مَا هُوَ الْمُتَعَارَفُ فِي الشَّرْعِ مِنْ تَعَلُّقِ الْأَحْكَامِ بِالْغَالِبِ فَقَالَ يُدْفَعُ إلَيْهِ الْمَالُ بَعْدَ خَمْسٍ، وَعِشْرِينَ سَنَةً أُونِسَ مِنْهُ الرُّشْدُ أَوْ لَمْ يُؤْنَسْ، وَهُمَا تَمَسَّكَا بِظَاهِرِ الْآيَةِ فَقَالَا لَا يُدْفَعُ إلَيْهِ الْمَالُ مَا لَمْ يُؤْنَسْ مِنْهُ الرُّشْدُ، ثُمَّ بَعْدَ الْإِجْمَاعِ عَلَى مَنْعِ مَالِ مَنْ بَلَغَ سَفِيهًا اخْتَلَفُوا فِي حَجْرِ مَنْ صَارَ سَفِيهًا بَعْدَ الْبُلُوغِ فَجَوَّزَهُ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى تَمَسُّكًا بِوُجُوهٍ: الْأَوَّلُ، هَذَا الْحَجْرُ بِطَرِيقِ النَّظَرِ دُونَ الْعُقُوبَةِ وَالزَّجْرِ وَالسَّفِيهُ وَإِنْ لَمْ يَسْتَحِقَّ النَّظَرَ لَهُ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ فَاسِقٌ لَكِنْ يَسْتَحِقُّ النَّظَرَ مِنْ جِهَةِ دِينِهِ، وَمِنْ جِهَةِ أَنَّهُ مُسْلِمٌ، وَلِهَذَا جَازَ عَفْوُ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْآخِرَةِ عَنْ صَاحِبِ الْكَبِيرَةِ، وَإِنْ لَمْ يَتُبْ، وَحَسُنَ عَفْوُ الْوَلِيِّ، وَالْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا عَنْ الْقِصَاصِ، وَالْجِنَايَاتِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُسْلِمَ حَالَ السَّفَهِ يَفْتَقِرُ إلَى النَّظَرِ لَهُ فَيُحْجَرُ. الثَّانِي، الْقِيَاسُ عَلَى مَنْعِ الْمَالِ فَإِنَّهُ إنَّمَا مُنِعَ عَنْهُ لِيَبْقَى مِلْكُهُ، وَلَا يَزُولُ بِالْإِتْلَافِ فَلَا بُدَّ مِنْ مَنْعِ نَفَاذِ التَّصَرُّفَاتِ، وَإِلَّا لَأُبْطِلَ مِلْكُهُ بِإِتْلَافِهِ بِالتَّصَرُّفَاتِ، وَلَمْ يَكُنْ الْمَوْلَى فِي الْحِفْظِ إلَّا

ص: 381

خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً (وَاخْتَلَفُوا فِي السَّفِيهِ فَعِنْدَهُمَا يُحْجَرُ) : الْحَجْرُ هُوَ مَنْعُ نَفَاذِ التَّصَرُّفَاتِ الْقَوْلِيَّةِ (لِأَنَّ النَّظَرَ وَاجِبٌ حَقًّا لَهُ لِدِينِهِ فَإِنَّ الْعَفْوَ عَنْ صَاحِبِ الْكَبِيرَةِ حَسَنٌ، وَإِنْ أَصَرَّ عَلَيْهَا) كَالْقَتْلِ عَمْدًا فَإِنَّ الْعَفْوَ عَنْ الْقِصَاصِ فِيهِ حَسَنٌ فَغَايَةُ فِعْلِ السَّفِيهِ ارْتِكَابُ الْكَبِيرَةِ وَمُرْتَكِبُ الْكَبِيرَةِ إذَا كَانَ مُؤْمِنًا يَسْتَحِقُّ النَّظَرَ إلَيْهِ (وَقِيَاسًا) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ حَقًّا لَهُ (عَلَى مَنْعِ الْمَالِ وَأَيْضًا صِحَّةُ الْعِبَارَةِ لِأَجْلِ النَّفْعِ فَإِذَا صَارَتْ ضَرَرًا يَجِبُ دَفْعُهَا، وَأَيْضًا حَقًّا لِلْمُسْلِمِينَ) فَإِنَّ السُّفَهَاءَ إذَا لَمْ يُحْجَرُوا أَسْرَفُوا فَتُرَكَّبُ عَلَيْهِمْ الدُّيُونُ فَتَضِيعُ أَمْوَالُ الْمُسْلِمِينَ فِي ذِمَّتِهِمْ: مِثْلُ أَنْ يَشْتَرِيَ جَارِيَةً بِأَلْفِ دِينَارٍ وَلَا فَلْسَ لَهُ فَيُعْتِقُهَا فِي الْحَالِ كَمَا فَعَلَهُ وَاحِدٌ مِنْ ظُرَفَاءِ طَلَبَةِ الْعِلْمِ فِي بُخَارَى، وَقِصَّتُهُ أَنَّهُ دَخَلَ ذَاتَ يَوْمٍ فِي سُوقِ النَّخَّاسِينَ فَعَشِقَ جَارِيَةً بَلَغَتْ فِي الْحُسْنِ غَايَتَهُ، فَعَجَزَ عَنْ مُكَابَدَةِ شَدَائِدِ هَجْرِهَا، وَكَانَ فِي الْفَقْرِ وَالْمَتْرَبَةِ بِحَيْثُ لَمْ يَمْلِكْ قُوتَ يَوْمِهِ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَمْلِكَ مَالًا يَجْعَلُهُ ذَرِيعَةً إلَى مُوَاصَلَتِهَا فَاسْتَعَارَ مِنْ بَعْضِ

ــ

[التلويح]

الْكُلْفَةُ، وَالْمُؤْنَةُ الثَّالِثُ أَنَّهُ إنَّمَا صَحَّحَ عِبَارَاتِ الْعَاقِلِ، وَجَوَّزَ تَصَرُّفَاتِهِ لِيَكُونَ نَفْعًا لَهُ بِتَحْصِيلِ الْمَطَالِبِ فَإِذَا صَارَ ذَلِكَ ضَرَرًا عَلَيْهِ كَانَ نَفْعُهُ فِي الْحَجْرِ، فَيَجِبُ. الرَّابِعُ أَنَّ فِي الْحَجْرِ دَفْعَ الضَّرَرِ عَنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ فَإِنَّ السَّفِيهَ بِإِتْلَافِهِ، وَإِسْرَافِهِ يَصِيرُ مَطِيَّةً لِدُيُونِ النَّاسِ، وَمَظِنَّةً لِوُجُوبِ النَّفَقَةِ عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، فَيَصِيرُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَبَالًا، وَعَلَى بَيْتِ مَالِهِمْ عِيَالًا كَمَا حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَإِنَّهُ، وَإِنْ كَانَ حَذَاقَةً، وَاحْتِيَالًا فِي الْوُصُولِ إلَى الْمَقْصُودِ لَكِنَّهُ سَفَهٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّ مَنْ لَا يَمْلِكُ فَلْسًا قَدْ أَعْتَقَ جَارِيَةً بِأَلْفِ دِينَارٍ.

(قَوْلُهُ: دَخَلَ فِي سُوقِ النَّخَّاسِينَ) لَفْظَةُ فِي زَائِدَةٌ، وَالْمُكَابَدَةُ الْمُقَاسَاةُ، وَالتَّلْبِيسُ التَّخْلِيطُ، وَإِخْفَاءُ الْأَمْرِ عَلَى الْغَيْرِ، وَالتَّطْرِيقُ أَنْ يَمْشِيَ أَمَامَ الرَّجُلِ، وَيُقَالُ: طَرَقُوا، وَذَلِكَ عَادَةُ الْكِبَارِ، وَالنُّمْرُقَةُ وِسَادَةٌ صَغِيرَةٌ، وَالْعُثْنُونُ شُعَيْرَاتٌ طِوَالٌ تَحْتَ حَنَكِ الْبَعِيرِ يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ اللِّحْيَةِ، وَفِي قَوْلِهِ عَرَفَ فُنُونَهُ إيهَامٌ أَيْ: فُنُونَ الْحِيَلِ، وَالتَّزْوِيرِ أَوْ الْعُلُومِ الَّتِي مِنْ جُمْلَتِهَا الْفِقْهُ الَّذِي يُعْرَفُ بِهِ هَذَا الْحُكْمُ، وَكَذَا فِي قَوْلِهِ: يَنْتِفُ عُثْنُونَهُ يَحْتَمِلُ عَوْدَ الضَّمِيرِ إلَى الْبَائِعِ، وَالْمُشْتَرِي، وَلَمَّا كَانَ هَاهُنَا مَظِنَّةُ الِاعْتِرَاضِ بِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لِحَجْرِ الْإِنْسَانِ عَنْ التَّصَرُّفِ فِي مِلْكِهِ بِنَاءً عَلَى ضَرَرِ غَيْرِهِ أَجَابَ بِأَنَّهُ جَائِزٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - كَمَا فِي اسْتِحْدَاثِ الطَّاحُونِ لِلْأُجْرَةِ، وَنَصْبِ الْمِنْوَالِ لِاسْتِخْرَاجِ الْإِبْرَيْسَمِ مِنْ الْفَلِيقِ، وَأَمْثَالِ ذَلِكَ مِمَّا يَكُونُ لِلْجِيرَانِ ضَرَرٌ بَيِّنٌ فَلَهُمْ الْمَنْعُ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ بَلْ مِنْ قَبِيلِ الْحَجْرِ لِدَفْعِ ضَرَرِ الْعَامَّةِ فَإِنَّهُ مَشْرُوعٌ بِالْإِجْمَاعِ كَحَجْرِ الْمُفْتِي الْمَاجِنِ، وَالطَّبِيبِ الْجَاهِلِ، وَالْمُكَارِي الْمُفْلِسِ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَجُوزُ حَجْرُ السَّفِيهِ؛ لِأَنَّهُ حُرٌّ مُخَاطَبٌ إذْ الْخِطَابُ بِالْأَهْلِيَّةِ، وَهِيَ بِالتَّمْيِيزِ، وَالسَّفَهُ لَا يُوجِبُ نُقْصَانًا فِيهِ بَلْ

ص: 382

خِلَّانِهِ ثِيَابًا نَفِيسَةً، وَبَغْلَةً لَا يَرْكَبُهَا إلَّا أَعَاظِمُ الْمُلُوكِ فَلَبِسَ لِبَاسَ التَّلْبِيسِ وَرَكِبَ الْبَغْلَةَ، وَشُرَكَاءُ دَرْسِهِ يَمْشُونَ فِي رِكَابِهِ مُطْرِقِينَ حَتَّى دَخَلَ السُّوقَ فَظَنَّ التُّجَّارُ أَنَّهُ حَاكِمُ بُخَارَى الْمُلَقَّبُ بِصَدْرِ جهان فَجَلَسَ عَلَى نُمْرُقَةٍ، وَدَعَا صَاحِبَ الْجَارِيَةِ، وَسَاوَمَهَا فَاشْتَرَاهُ بِأَلْفِ دِينَارٍ، وَأَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا فِي الْمَجْلِسِ بِحَضْرَةِ الْعُدُولِ فَرَجَعَ إلَى مَنْزِلِهِ مُمْتَلِئًا بَهْجَةً وَسُرُورًا وَرَدَّ الْعَوَارِيَّ إلَى أَهْلِهَا فَلَمَّا جَاءَ الْبَائِعُ لِتَقَاضِي الثَّمَنِ لَقِيَ الْمُشْتَرِيَ وَعَرَفَ فُنُونَهُ، فَأَخَذَ يَنْتِفُ عُثْنُونَهُ (وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِنْسَانَ يُمْنَعُ عَنْ التَّصَرُّفِ فِي مِلْكِهِ بِمَا يَضُرُّ جَارَهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يُحْجَرُ؛ لِأَنَّ السَّفَهَ لَمَّا كَانَ مُكَابَرَةً وَتَرْكًا لِلْوَاجِبِ عَنْ عِلْمٍ) أَيْ: صَادِرًا عَنْ عِلْمٍ، وَمَعْرِفَةٍ (لَمْ يَكُنْ سَبَبًا لِلنَّظَرِ وَمَا ذُكِرَ

ــ

[التلويح]

عَدَمُ عَمَلٍ بِهِ مُكَابَرَةً، وَتَرْكًا لِلْوَاجِبِ، وَلِهَذَا يُخَاطَبُ بِحُقُوقِ الشَّرْعِ، وَيُحْبَسُ فِي دُيُونِ الْعِبَادِ، وَتَصِحُّ عِبَارَاتُهُ فِي الطَّلَاقِ، وَالْعَتَاقِ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْعُقُوبَاتُ الَّتِي تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ مَعَ أَنَّ ضَرَرَ النَّفْسِ أَشَدُّ مِنْ ضَرَرِ الْمَالِ فَتَصَرُّفُهُ يَكُونُ صَادِرًا عَنْ أَهْلِهِ فِي مَحَلِّهِ فَلَا يُمْنَعُ، وَأَمَّا مَا تَمَسَّكَا بِهِ فَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ عَدَمَ فِعْلِهِ بِمُوجِبِ الْعَقْلِ لَمَّا كَانَ مُكَابَرَةً لَمْ يَسْتَحِقَّ النَّظَرَ لَهُ كَمَنْ قَصَّرَ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى مَجَانَةً أَوْ سَفَهًا لَا يَسْتَحِقُّ وَضْعَ الْخِطَابِ عَنْهُ نَظَرًا لَهُ وَلَوْ سَلِمَ فَالنَّظَرُ لَهُ لِدَيْنِهِ جَائِزٌ لَا وَاجِبٌ كَالْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْحَجْرِ فَإِنْ قِيلَ: فِي تَرْكِ الْحَجْرِ ضَرَرٌ بِالْمُسْلِمِ مِنْ غَيْرِ نَفْعٍ لِأَحَدٍ، فَيَجِبُ الْحَجْرُ بِخِلَافِ الْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ فَإِنَّ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةً أُجِيبَ بِأَنَّ فِي حَجْرِ السَّفِيهِ أَيْضًا ضَرَرًا هُوَ إبْطَالُ أَهْلِيَّتِهِ، وَإِلْحَاقُهُ بِالْبَهَائِمِ بِخِلَافِ مَنْعِ الْمَالِ بِالنَّصِّ، وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ كَوْنَ الْحُكْمِ فِي مَنْعِ الْمَالِ مَعْقُولَ الْمَعْنَى، وَلَوْ سُلِّمَ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْحَجْرُ عَنْ الْمَالِ عُقُوبَةً، وَزَجْرًا عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُ الْمَشَايِخِ فَإِنَّ سَبَبَهُ، وَهُوَ مُكَابَرَةُ الْعَقْلِ، وَمُخَالَفَةُ الشَّرْعِ جِنَايَةٌ، وَالْحُكْمُ، وَهُوَ مَنْعُ الْمَالِ صَالِحٌ لِلْعُقُوبَةِ، وَجَازَ تَفْوِيضُهُ إلَى الْأَوْلِيَاءِ دُونَ الْأَئِمَّةِ لِكَوْنِهِ عُقُوبَةَ تَعْزِيرٍ، وَتَأْدِيبٍ، وَلَا مَدْخَلَ لِلْقِيَاسِ فِي الْعُقُوبَاتِ، وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّ الْحُكْمَ مَعْقُولٌ، وَأَنَّ الْحَجْرَ نَظَرٌ لَا عُقُوبَةٌ فَلَا نُسَلِّمُ صِحَّةَ الْقِيَاسِ فَإِنَّ مَنْعَ الْيَدِ عَنْ الْمَالِ إبْطَالُ نِعْمَةٍ زَائِدَةٍ، وَإِلْحَاقٌ لِلسَّفِيهِ بِالْفُقَرَاءِ بِخِلَافِ الْحَجْرِ فَإِنَّهُ إبْطَالُ نِعْمَةٍ أَصْلِيَّةٍ هِيَ الْعِبَارَةُ، وَالْأَهْلِيَّةُ إذْ بِهَا يَمْتَازُ الْإِنْسَانُ عَنْ سَائِرِ أَنْوَاعِ الْحَيَوَانِ فَفِيهِ ضَرَرٌ عَظِيمٌ، وَتَفْوِيتٌ لِنِعْمَةٍ عَظِيمَةٍ، وَإِلْحَاقٌ لَهُ بِالْبَهَائِمِ، وَفِي تَرْكِ الْجَوَابِ عَنْ الْوَجْهَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ مَيْلٌ مَا إلَى اخْتِيَارِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى.

(قَوْلُهُ: ثُمَّ إذَا كَانَ الْحَجْرُ) يَعْنِي: حَجْرَ السَّفِيهِ عِنْدَهُمَا لَمَّا كَانَ بِطَرِيقِ النَّظَرِ لَهُ، وَهَذَا يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ الْأَحْكَامِ لَزِمَ أَنْ يَلْحَقَ فِي كُلِّ صُورَةٍ بِمَنْ يَكُونُ الْإِلْحَاقُ بِهِ أَنْظَرَ لَهُ، وَأَلْيَقَ بِحَالِهِ

ص: 383

مِنْ النَّظَرِ حَقًّا لَهُ فَذَلِكَ جَائِزٌ لَا وَاجِبٌ كَمَا فِي صَاحِبِ الْكَبِيرَةِ وَإِنَّمَا يَحْسُنُ) أَيْ: حَجْرُ السَّفِيهِ بِطَرِيقِ النَّظَرِ (إذَا لَمْ يَتَضَمَّنْ ضَرَرًا فَوْقَهُ وَهُوَ إهْدَارُ الْأَهْلِيَّةِ وَالْعِبَارَةِ، وَالْأَهْلِيَّةُ نِعْمَةٌ أَهْلِيَّةٌ، وَالْيَدُ زَائِدَةٌ، فَيَبْطُلُ قِيَاسُ الْحَجْرِ عَلَى مَنْعِ الْمَالِ ثُمَّ إذَا كَانَ الْحَجْرُ بِطَرِيقِ النَّظَرِ) أَيْ: عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى (يَلْحَقُ فِي كُلِّ حُكْمٍ إلَى مَنْ كَانَ فِي إلْحَاقِهِ إلَيْهِ نَظَرٌ مِنْ الصَّبِيِّ وَالْمَرِيضِ، وَالْمُكْرَهِ) أَيْ: الْمَحْجُورِ بِسَبَبِ السَّفَهِ عِنْدَهُمَا إنْ وَلَدَتْ جَارِيَتُهُ فَادَّعَاهُ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ، وَكَانَ الْوَلَدُ حُرًّا لَا سَبِيلَ عَلَيْهِ، وَالْجَارِيَةُ أُمُّ وَلَدٍ لَهُ، وَإِنْ مَاتَ كَانَتْ حُرَّةً؛ لِأَنَّ تَوْفِيرَ النَّظَرِ كَانَ فِي إلْحَاقِهِ بِالْمُصْلَحِ فِي حُكْمِ الِاسْتِيلَادِ، فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ لِإِبْقَاءِ نَسْلِهِ وَصِيَانَةِ مَائِهِ وَيَلْحَقُ فِي هَذَا الْحُكْمِ بِالْمَرِيضِ فَإِنَّ الْمَرِيضَ الْمَدْيُونَ إذَا ادَّعَى نَسَبَ وَلَدِ جَارِيَتِهِ يَكُونُ فِي ذَلِكَ كَالصَّحِيحِ حَتَّى يُعْتَقَ مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ بِمَوْتِهِ، وَلَا تَسْعَى هِيَ، وَلَا وَلَدُهَا؛ لِأَنَّ حَاجَتَهُ مُتَقَدِّمَةٌ عَلَى حَقِّ غُرَمَائِهِ وَلَوْ اشْتَرَى هَذَا الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ ابْنَهُ وَهُوَ

ــ

[التلويح]

فَفِي الِاسْتِيلَادِ يُجْعَلُ كَالْمَرِيضِ حَتَّى يَثْبُتَ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْهُ، وَفِي مِلْكِ ابْنِهِ بِالشِّرَاءِ، وَالْقَبْضِ يُجْعَلُ كَالْمُكْرَهِ حَتَّى يُعْتَقَ الِابْنُ، وَفِي لُزُومِ الثَّمَنِ أَوْ الْقِيمَةِ فِي مَالِ الْمَحْجُورِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ يُجْعَلُ كَالصَّبِيِّ حَتَّى لَا يَلْزَمَهُ ذَلِكَ فَإِنْ قِيلَ: فَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ سِعَايَةُ الْعَبْدِ لِلْمَحْجُورِ نَظَرًا لَهُ أُجِيبَ بِأَنَّ الْغُنْمَ بِالْغُرْمِ كَمَا أَنَّ الْغُرْمَ بِالْغُنْمِ فَإِذَا لَمْ يَجِبْ عَلَى الْمَحْجُورِ شَيْءٌ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ شَيْءٌ، وَكَانَتْ سِعَايَةُ الْغُلَامِ فِي قِيمَتِهِ لِلْبَائِعِ.

(قَوْلُهُ: وَهَذَا الْحَجْرُ) يَعْنِي: الْحَجْرَ الْمُخْتَلَفَ فِيهِ الَّذِي يَكُونُ لِلْمُكَلَّفِ عَنْ التَّصَرُّفَاتِ فِي مَالِهِ نَظَرًا لَهُ قَدْ يَكُونُ بِسَبَبٍ فِي ذَاتِهِ كَالسَّفَهِ، وَقَدْ يَكُونُ بِسَبَبٍ خَارِجٍ كَالدَّيْنِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَخَافَ زَوَالَ قَابِلِيَّةِ الْمَالِ لِلصَّرْفِ إلَى الدُّيُونِ أَوْ يُمْنَعُ الْمَدْيُونُ عَنْ التَّصَرُّفِ فَالْأَوَّلُ أَيْ: الْحَجْرُ بِسَبَبِ السَّفَهِ يَحْصُلُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ بِنَفْسِ السَّفَهِ، وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى قَضَاءِ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الصِّبَا، وَالْجُنُونِ، وَالْعَتَهِ فِي ثُبُوتِ الْحَجْرِ بِهِ نَظَرًا لِلسَّفِيهِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَتَوَقَّفُ عَلَى أَنْ يَحْجُرَهُ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ النَّظَرِ بِإِبْقَاءِ الْمِلْكِ، وَالضَّرَرِ بِإِهْدَارِ عِبَارَتِهِ فَلَا بُدَّ فِي تَرْجِيحِ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ مِنْ الْقَضَاءِ، وَالثَّانِي أَنَّ حَجْرَ الْمَدْيُونِ خَوْفًا مِنْ تَلْجِئَةٍ يَتَوَقَّفُ عَلَى قَضَاءِ الْقَاضِي اتِّفَاقًا بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ لِأَجْلِ النَّظَرِ لِلْغُرَمَاءِ، فَيَتَوَقَّفُ عَلَى طَلَبِهِمْ، وَيَتِمُّ بِالْقَضَاءِ، وَالثَّالِثُ، وَهُوَ حَجْرُ الْمَدْيُونِ لِامْتِنَاعِهِ عَنْ صَرْفِ الْمَالِ إلَى الدَّيْنِ يَكُونُ بِأَنْ يَبِيعَ الْقَاضِي أَمْوَالَهُ عُرُوضًا كَانَتْ أَوْ عَقَارًا لِمَا رُوِيَ «أَنَّ مُعَاذًا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - رَكِبَتْهُ الدُّيُونُ فَبَاعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَالَهُ، وَقَسَمَ ثَمَنَهُ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ بِالْحِصَصِ» ، وَلِأَنَّ بَيْعَ مَالِهِ لِقَضَاءِ دَيْنِهِ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ، وَهُوَ مِمَّا يَجْرِي فِيهِ النِّيَابَةُ، فَيَنُوبُ الْقَاضِي مَنَابَهُ كَمَا إذَا أَسْلَمَ عَبْدُ الذِّمِّيِّ، وَأَبَى الذِّمِّيُّ أَنْ يَبِيعَهُ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَبِيعُهُ، وَلَمَّا كَانَ هَذَا الْحَجْرُ فِي أَمْرٍ خَاصٍّ قَالَ

ص: 384