الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حوران، واجتمعت نمير على مسلمة وبايعوه، فدخل على السفيانى وقبض عليه وقيده، وقبض على رؤساء بنى أميّة فبايعوه، وأدنى القيسية وجعلهم خاصته، فلما عوفى محمد بن بيهس عاد إلى دمشق فحصرها، فسلمها إليه القيسية، وهرب مسلمة والسفيانى فى زى النساء إلى المزة، وذلك فى المحرم سنة ثمان وتسعين ومائة، وغلب ابن بيهس على دمشق، إلى أن قدم عبد الله ابن طاهر دمشق ودخل إلى مصر وعاد إلى دمشق فأخذ ابن بيهس معه إلى العراق فمات بها.
وحج بالناس عامل مكة داود بن عيسى.
ودخلت سنة ست وتسعين ومائة
.
فى هذه السنة استعمل الأمين على الشام عبد الملك بن صالح بن على:
فسار إليها فتوفى بالرقة قبل وصوله إلى الشام. وفيها خلع الأمين وبويع للمأمون، ثم عاد الأمين إلى الخلافة، على ما نذكره إلى شاء الله تعالى.
ودخلت سنة سبع وتسعين ومائة
.
فى هذه السنة حجّ بالناس العباس بن موسى بن عيسى، وجّهه طاهر بأمر المأمون. وفيها سار المؤتمن بن الرشيد ومنصور بن المهدى إلى المأمون بخراسان، فوجّه المأمون أخاه المؤتمن إلى جرجان.
ودخلت سنة ثمان وتسعين ومائة
.
ذكر أخبار الأمين والمأمون وما كان بينهما من الفتن والاختلاف وما أفضى إليه الأمر من قتل الأمين
كان ابتداء الخلف بينهما فى سنة ثلاث وتسعين ومائة عند وفاة الرشيد، وكان سبب ذلك أن الرشيد كان قد أشهد عليه فى سفرته التى مات فيها: أن
جميع ما فى عسكره من مال ومتاع ورقيق وكراع وغير ذلك للمأمون، وأخذ له البيعة على جميع من فى عسكره، فعظم ذلك على الأمين، ثم بلغه شدة «1» مرض الرشيد، فأرسل بكر بن المعتمر وكتب معه كتبا وجعلها فى قوائم صناديق المطبخ، وألبسها جلود البقر، وقال: لا تظهرنّ أمير المؤمنين ولا غيره عليها، فإذا مات فادفع الكتب إلى أربابها، فقدم بكر إلى طوس فبلغ الرشيد قدومه، فأحضره وسأله عن موجب قدومه، قال: بعثنى الأمين لآتيه بخبرك، قال: فهل معك كتاب؟ قال: لا، فأمر بتفتيش ما معه فلم يصيبوا شيئا، فأمر به فضرب فما أقرّ، ثم أمر الفضل بن الربيع بتقريره، فإن أقرّ وإلا ضرب عنقه، ثم مات الرشيد فأخرج بكر «2» الكتب التى معه، وهى كتاب إلى المأمون يأمره بترك الجزع، وأخذ البيعة على الناس «3» لأخيهما المؤتمن، فلم يكن المأمون حاضرا وكان بمرو، وكتاب إلى أخيه صالح يأمره بتسيير العسكر واستصحاب ما فيه، وأن يتصرف هو ومن معه برأى الفضل بن الربيع، وكتاب إلى الفضل بالحفظ والاحتياط على الحرم والأموال وغير ذلك، وأقرّ كل من كان على عمل من الأعمال على عمله، من صاحب شرط «4» وحجابة وحرس، فلما قرءوا الكتب تشاور القواد فى اللحاق بالمأمون أو الأمين، فقال الفضل بن الربيع: لا أدع ملكا حاضرا لآخر ما أدرى ما يكون من أمره، ثم أمر الناس بالرحيل فرحلوا، محبة منهم لأهليهم ووطنهم وتركوا العهود التى كانت أخذت عليهم للمأمون، فلما بلغ المأمون ذلك جمع من كان عنده من القوّاد، وفيهم ذو الرئا ستين الفضل بن سهل، وهو أعظمهم قدرا عنده وأخصّهم به، واستشارهم فأشاروا عليه أن يلحقهم جريدة فى ألفى فارس ويردهم، فخلى به ذو
الرئاستين وقال: إن فعلت ما أشار به هؤلاء جعلوك هديّة إلى أخيك ولكن الرأى أن تكتب إليهم كتابا مع رسول من عندك، تذكّرهم البيعة وتسألهم الوفاء وتحذرهم الحنث، ففعل ووجّه سهل بن صاعد «1» ونوفلا الخادم، فلحقا الجند والفضل بنيسابور، فأوصلا الفضل كتابه فقال: إنما أنا واحد من الجند، وشدّ عبد الرحمن بن جبلة على سهل بالرمح ليطعنه، فأمّره على جنبه وقال: قل لصاحبك لو كنت حاضرا لوضعته فيك، وسبّ المأمون فرجعا إليه بالخبر فقال ذو الرئاستين: أعداء استرحت منهم، وقال له: اصبر وأنا أضمن لك الخلافة، فقال المأمون: قد فعلت وجعلت الأمر إليك فقم به، قال ذو الرئاستين: والله لأصدقنّك، إن عبد الله بن مالك ومن معه من القواد قاموا لك بالأمر كانوا أنفع لك منّى، برياستهم المشهورة وبما عندهم من القوّة، فمن قام بالأمر كنت خادما له حتى تباع أملك وترى رأيك، وقام ذو الرئاستين فأتاهم فى منازلهم، وذكر لهم البيعة وما يجب عليهم من الوفاء، قال: فكأنى جئتهم بجيفة على طبق، فقال بعضهم:
هذا لا يحل وأخرجه «2» ، وقال بعضهم: ومن الذى يدخل بين أمير المؤمنين وأخيه؟ قال: فجئت وأخبرته فقال: قم بالأمر، فأشار عليه أن يبعث إلى الفقهاء، ويدعوهم إلى الحق والعمل به وإحياء السنة وردّ المظالم، وأن تجلس على الصوف وتكرم القوّاد، ففعل ذلك ووضع عن خراسان ربع الخراج، فحسن ذلك عند أهلها وقالوا: ابن اختنا وابن عم نبيّنا صلى الله عليه وسلم، ثم كتب المأمون إلى الأمين وعظّمه.
ولما قدم الفضل بن الربيع العراق- وقد نكث عهد المأمون- علم أنّ المأمون، إن أفضت إليه الخلافة وهو حىّ، لم يبق عليه، فسعى فى إغراء الأمين وحثّه على خلع المأمون، والبيعة لابنه موسى بولاية العهد- ولم يكن
ذلك فى عزم الأمين، فلم يزل الفضل يصغّر أمر المأمون عنده ويزيّن له خلعه، ووافقه على ذلك على بن عيسى «1» بن ماهان والسندى وغيرهما، فرجع الأمين إلى قولهم وجمع القوّاد لذلك، فنهاه عبد الله بن خازم وأبى القواد ذلك، وربما ساعده قوم، فلما بلغ إلى خزيمة بن خازم قال له: يا أمير المؤمنين، لم ينصحك من كذبك، ولم يغشك من صدقك، لا تجرئ القواد على الخلع فيخلعوك، ولا تحملهم على نكث العهد فينكثوا عهدك وبيعتك، فإنّ الغادر مخذول، والناكث مفلول، فأقبل الأمين على علىّ ابن ماهان فتبسّم وقال: لكنّ شيخ هذه الدعوة وناب «2» هذه الدولة لا يخالف على إمامه، ولا يوهن طاعته ثم رفعه إلى موضع لم يرفعه إليه قبلها.
وألحّ الأمين فى خلع المأمون، فأوّل ما فعل أن كتب إلى جميع العمال بالدعاء بالإمرة لابنه موسى بعد الدعاء للمأمون والمؤتمن، فلما بلغ ذلك المأمون، وأن الأمين عزل المؤتمن عما كان بيده، أسقط الأمين من الطّرز وقطع البريد عنه، وكان رافع بن الليث بن نصر بن سيّار- لمّا بلغه حسن سيرة المأمون- طلب الأمان منه فأمّنه، فحضر عنده.
قال: ثم كتب الأمين إلى المأمون يستقدمه ويسأله أن يقدّم ابنه موسى على نفسه، وأرسل إليه أربعة «3» فى الرسالة- منهم العباس بن موسى بن عيسى، فلما أتوه امتنع من ذلك، فقال له العباس بن موسى: ما عليك أيها الأمير من ذلك؟ وقد فعله جدى عيسى بن موسى وخلع فما ضرّه ذلك، فصاح به ذو الرئاستين: فقال اسكت فإنّ جدّك كان أسيرا بين أيديهم، وهذا بين أخواله وشيعته، ثم قاموا «4» فخلى ذو الرئاستين بالعباس بن