الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أمير المؤمنين، قد مات أمير المؤمنين المتوكل، فجلس المنتصر وأمر بالباب الذى فيه المتوكل فأغلق وأغلقت الأبواب، وبعث إلى وصيف يأمره باحضار المعتز والمؤيد عن رسالة المتوكل.
وأما كيفية قتل المتوكل
فإنّه لما خرج المنتصر وأحضرت المائدة وأكل المتوكل والندماء ورفعت المائدة دخل بغا الصغير الشرابى إلى المجلس، وأمر الندماء بالانصراف إلى حجرهم، فقال له الفتح: ليس هذا وقت انصرافهم، فقال: إنّ أمير المؤمنين أمرنى إذا جاوز السبعة ألا أترك أحدا- وقد شرب أربعة عشر رطلا، وحرم أمير المؤمنين خلف الستارة، فأخرجهم ولم يبق إلا الفتح وعثعث وأربعة من خدم الخاصة وأبو أحمد بن المتوكل، وكان بغا قد أغلق سائر الأبواب إلا باب الشط، ومنه دخل القوم الذين قتلوه، فلما دخلوا بصربهم أبو أحمد فقال: ما هذا يا سفّل!! وإذا سيوف مسلّلة، فرفع المتوكل رأسه فرآهم فقال: يا بغا ما هذا؟ قال: هؤلاء رجال النوبة فرجعوا إلى ورائهم، فقال لهم بغا: يا سفّل أنتم مقتولون لا محالة فموتوا كراما فرجعوا، فابتدره بغلون «1» وضربه على كتفه وأذنه فقدّه، فقال: مهلا- قطع الله يديك، وأراد الوثوب به، واستقبله بيده فضربها فأبانها، وشركه «2» باغر، فقال الفتح: ويلكم!! أمير المؤمنين، ورمى بنفسه على المتوكل فبعجوه بسيوفهم، فصاح الموت وتنحّى فقتلوه، وكان معهم خمسة من ولد وصيف.
قال: ولما قتلوا المتوكل والفتح خرجوا إلى المنتصر فسلّموا عليه بالخلافة، وقاموا على رأس زرافة بالسيوف وقالوا: تبايع فبايع، وأرسل
المنتصر إلى وصيف أن الفتح قتل أبى فقتلته، فأحضر فى وجوه أصحابك فحضروا وبايعوه، وكان عبيد الله بن يحيى فى حجرته وبين يديه جعفر بن حامد، فلما علم بقتل المتوكل خرج فيمن معه وكسر ثلاثة أبواب، وخرج إلى الشط وركب فى زورق فأتى منزل المعتز فسأل عنه فلم يصادفه، فقال: إنّا لله وإنا إليه راجعون- قتل نفسه وقتلنى، واجتمع إلى عبيد الله أصحابه فى غداة يوم الأربعاء، فكانوا زهاء عشرة آلاف وقيل ثلاثة عشر ألفا، فقالوا: إنما اصطنعتنا لمثل هذا اليوم، فمرنا بأمرك واذن لنا أن نميل على القوم فنقتل المنتصر ومن معه، فأبى ذلك وقال: إنّ المعتز فى أيديهم.
وحكى عن على بن يحيى قال «1» : كنت أقرأ على المتوكل قبل قتله بأيام «2» كتابا من كتب الملاحم، فوقفت على موضع فيه أن الخليفة العاشر من بنى العباس يقتل فى مجلسه فتوقفت عن القراءة فقال: مالك؟ قلت خير، قال: لا بدّ أن تقرأ فقرأت فوجم لذلك، وقال: يا ليت شعرى من هذا الشقى المقتول «3» ؟! فقلت: أخوك الواثق هو العاشر وما كل هذا يضح، قال: وكيف يكون العاشر؟ فذكرت الخلفاء وعددت منهم إبراهيم ابن المهدى فطابت نفسه.
قال: وفسّر علىّ يوما مناما فقال: رأيت دابّة تكلّمنى والله لو كانت بين ألف دابّة ميّزتها، فجرى على خاطرى قوله تعالى وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ «4»
، ثم قلت: الدابّة عجماء لا
تتكلّم، يدل على أن الله يفتح عليك ما لم يقدر غيرك على فتحه، فلما كان بعد شهر أهديت له هدايا فرأى فيها دابّة، فقال لى: هذه والله تلك الدابّة، فقتل بعد أيام.
وقال أبو الوارث قاضى نصيبين «1» : رأيت فى النوم قائلا يقول:
يا نائم العين فى جثمان يقظان
…
ما بال عينك لا تبكى بتهتان
أما رأيت صروف الدهر ما فعلت
…
بالهاشمى وبالفتح بن خاقان «2»
فأتى البريد بعد ثلاثة أيام بقتلهما. قال وكان عمره نحوا من أربعين سنة، ومدة خلافته أربع عشرة سنة وتسعة أشهر وتسعة أيام «3» ، ولما مات دفن بالقصر الجعفرى، وصلّى عليه ابنه المنتصر. وكان مربوعا أسمر خفيف العارضين نحيفا «4» ، ونقش خاتمه: على إلاهى اتكالى. أولاده: المنتصر وموسى الأحدب والمعز والمعتز والمؤيد وطلحة الموفق وإسماعيل والمعتمد وغيرهم. وزراؤه: محمد بن عبد الملك الزيات ثم محمد بن الفضل الجرجرائى ثم عبيد الله بن يحيى بن خاقان. حجّابه: وصيف التركى ثم محمد ابن عاصم ثم يعقوب بن قوصرة ثم المرزبان ثم إبراهيم بن الحسن بن سهل وغيره. قضاته: أحمد بن أبى دؤاد ثم يحيى بن أكثم ثم جعفر بن عبد الواحد العباسى. الأمراء بمصر: هرثمة بن النضر «5» من قبل إيتاخ ثم ابنه حاتم ثم على بن يحيى الأرمنى ثم ردّت مصر إلى محمد المنتصر، فاستخلف