الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
موسى، واستماله ووعده إمرة الموسم ومواضع، فأجاب إلى بيعة المأمون وسماه بالإمام، وكان يكتب إليهم بالأخبار من بغداد، ورجع الرسل إلى الأمين وأخبروه بامتناع المأمون، وبعث المأمون ثقة من عنده إلى الحدّ، يمنع من الدخول إلى بلاده إلا مع ثقة من ناحيته، وضبط الطرق بثقاة أصحابه.
قال: وألحّ الفضل بن الربيع فى قطع خطبة المأمون، وأغرى الأمين بحربه، فأجابه إلى ذلك وبايع لولده موسى، وجعله فى حجر على بن عيسى بن ماهان، وجعل على شرطه محمد بن عيسى بن نهيك، وعلى حرسه عثمان بن عيسى بن نهيك، وعلى رسائله على بن صالح صاحب المصلى، وأسقط خطبة المأمون فى سنة خمس وتسعين ومائة، وبايع لولده موسى فى صفر وقيل فى ربيع الأول، وأرسل إلى الكعبة فأتى بالكتابين اللذين وضعهما الرشيد ببيعة الأمين والمأمون، فمزّقهما الفضل بن الربيع.
ذكر محاربة على بن عيسى بن ماهان وطاهر
قال: ثم أمر الأمين على بن عيسى بن ماهان بالمسير لحرب المأمون، وكان سبب مسيره دون غيره أنّ ذا الرئاستين كان له عين عند الفضل بن الربيع، يرجع الفضل إلى قوله ورأيه، فكتب ذو الرئاستين إلى ذلك الرجل أن يشير بانفاذ ابن ماهان لحربهم، وكان مقصده أن ابن ماهان- لمّا ولى خراسان أيام الرشيد أساء السيرة فى أهلها فظلمهم «1» - فبغضه أهل خراسان، فأراد ذو الرئاستين أن يزداد أهل خراسان جدا فى قتال الأمين وأصحابه بسببه، فأشار ذلك الرجل بابن ماهان فأمره الأمين بالمسير؛ وقيل كان سببه أنّ عليّا قال للأمين: إنّ أهل خراسان كتبوا إليه يذكرون أنّه «2» إن
قصدهم أطاعوه وانقادوا له، وإن كان غيره فلا، فأمره بالمسير وأقطعه كور الجبل كلها نهاوند وهمذان وقمّ وأصفهان وغير ذلك- حربها وخراجها، وأعطاه الأموال وحكّمه فى الخزائن، وجهّز معه خمسين ألف فارس، وكتب إلى أبى دلف القاسم بن عيسى بن إدريس العجلى «1» وهلال بن عبد الله الحضرمى بالانضمام إليه، وأمدّه بالأموال والرجال شيئا بعد شىء، وخرج فى شعبان سنة خمس وتسعين ومائة، وركب الأمين يشيّعه ومعه القوّاد والجنود، وأوصاه إن قاتله المأمون يحرص على أسره.
قال: وكان المأمون- لمّا بلغه ما فعله الأمين من خلعه وتمزيق كتب البيعة- أرسل طاهر بن الحسين بن مصعب بن رزيق بن أسعد «2» الخزاعى أميرا، وضمّ إليه جماعة من قوّاده وأجناده، فسار مجدا نحو الرى فنزلها ووضع المسالح والمراصد. قال: وسار ابن ماهان فلقيته القوافل عند جلولاء، فسألهم فقالوا إن طاهرا مقيم بالرى، يعرض أصحابه والأمداد تأتيه من خراسان، فجعل يسير وهو لا يعبأ بطاهر ويستقله ولا يستعد له، فقيل له فى ذلك فقال: مثل طاهر لا يستعدّ له، وإنّ حاله تؤول إلى أمرين: إما أن يتحصّن بالرى فيسلمه أهلها، وإما أن يرجع ويتركها إذا قربت خيلنا منه؛ قال: فلما دنا من الرى خرج طاهر منها، فى أقل من أربعة آلاف فارس وعسكر على خمسة فراسخ، فأتاه أحمد بن هشام وكان على شرطته فقال له: إن أتانا على بن عيسى؟ فقال: أنا عامل أمير المؤمنين فأقررنا له بذلك، فليس لنا أن نحاربه. فقال طاهر: لم يأتنى فى ذلك
شىء، فقال: دعنى وما أريد، فقال: افعل، فصعد المنبر فخلع الأمين ودعا للمأمون بالخلافة، وساروا وأقبل ابن ماهان وقد عبّأ أصحابه، وعبّأ عشر رايات مع كل راية ألف رجل، وقدّمها راية راية وجعل بين كل رايتين غلوة سهم، وعبّأ طاهر أصحابه كراديس، وسار بهم يحرّضهم ويوصيهم، وهرب من أصحاب طاهر نفر إلى علىّ، فجلد بعضهم وأهان الباقين، فكان ذلك مما ألب من بقى على قتاله، وزحف الناس بعضهم لبعض، فقال أحمد بن هشام لطاهر: ألا تذكّر على بن عيسى البيعة التى أخذها علينا هو للمأمون؟ قال: أفعل- فأخذ البيعة وعلّقها على رمح، وقام بين الصفين وطلب الأمان، فأمّنه علىّ بن عيسى، فقال له: ألا تتقى الله!! أليس هذه نسخة البيعة التى أخذتها أنت خاصة علينا؟؟ اتق الله فقد بلغت باب قبرك! فقال علىّ: من أتانى به فله ألف درهم، فسنمه أصحاب أحمد ثم وثب أهل الرى وأغلقوا باب المدينة، فقال طاهر لأصحابه:
اشتغلوا بمن أمامكم عمّن خلفكم، فإنّه لا ينجيكم إلا الجد والصدق، ثم التقوا واقتتلوا قتالا شديدا، فانهزمت ميسرة طاهر هزيمة منكرة، وزالت ميمنته عن موضعها، فقال طاهر: اجعلوا جدّكم وبأسكم على القلب، واحملوا حملة خارجية، فحملوا على أول رايات القلب فهزموها، فرجعت الرايات بعضها على بعض وانتهت الهزيمة إلى علىّ، فجعل ينادى أصحابه:
الكرّة بعد الفرّة، فرماه رجل من أصحاب طاهر بسهم فقتله، وحمل رأسه إلى طاهر، وحملت جثّته إليه فألقى فى بئر، وأعتق طاهر من كان عنده من غلمانه شكرا لله تعالى، وتمت الهزيمة ووضع أصحاب طاهر فيهم السيوف، وتبعوهم فرسخين وواقفوهم فيها اثنتى عشرة مرّة، كل مرّة يكسر عسكر الأمين، وأصحاب طاهر يقتلون ويأسرون حتى حال بينهم الليل، وغنموا غنيمة عظيمة، ونادى أصحاب طاهر: من ألقى سلاحه فهو آمن،