الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أخرجوه؛ وجاء توفيل- ملك الروم- فأحاط بعجيف فسيّر المأمون إليه الجنود فارتحل ملك الروم قبل موافاتهم. وخرج أهل لؤلؤة إلى عجيف بأمان.
وحجّ بالناس فى هذه السنة سليمان بن عبد الله بن سليمان بن على.
ودخلت سنة ثمانى عشرة ومائتين
ذكر المحنة بالقرآن المجيد
فى هذه السنة كتب المأمون إلى إسحاق بن إبراهيم ببغداد فى امتحان القضاة والفقهاء «1» والمحدّثين بالقرآن، فمن أقرّ أنه مخلوق محدث خلى سبيله، ومن أبى أعلمه به ليأمر فيه برأيه، وطوّل كتابه بإقامة الدليل على خلق القرآن وكان الكتاب فى شهر ربيع الأول، وأمره بإنفاذ سبعة نفر منهم محمد بن سعد كاتب الواقدى «2» ، وأبو مسلم مستملى يزيد بن هارون، ويحيى بن معين وأبو خيثمة زهير بن حرب، وإسماعيل بن أبى مسعود، وأحمد الدّورقى. فأشخصوا إليه فأمتحنهم وسألهم عن القرآن، فأجابوا جميعا أن القرآن مخلوق فأعادهم إلى بغداد، وأحضرهم إسحاق بن إبراهيم داره وشهر قولهم بحضرة المشايخ من أهل الحديث. فأقروا بذلك فخلّى سبيلهم، وورد كتاب المأمون بعد ذلك إلى إسحاق بن إبراهيم بامتحان القضاة والفقهاء.
فأحضر أبا حسّان الزيادى، وبشر بن الوليد الكندى، وعلى بن أبى مقاتل «3» ، والفضل بن غانم، والذيّال بن الهيثم «4» وسجّادة، والقواريرى، وأحمد بن حنبل، وقتيبة، وسعدويه الواسطى، وعلى بن الجعد، وإسحاق بن أبى إسرائيل، وابن الهرش، وابن عليّة الأكبر،
ويحيى بن عبد الرحمن العمرى، وشيخا آخر من ولد عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه- كان قاضى الرقة، وأبا نصر التمّار، وأبا معمر القطيعى، ومحمد بن حاتم بن ميمون، ومحمد بن نوح المضروب، وابن الفرّخان، وجماعة منهم النّضر بن شميل، وابن على بن عاصم، وأبو العوّام البزّاز، وابن شجاع، وعبد الرحمن بن إسحاق، فأدخلوا جميعا على إسحاق فقرأ عليهم كتاب المأمون مرتين حتى فهموه، ثم قال لبشر بن الوليد: ما تقول فى القرآن؟ فقال: قد عرف أمير المؤمنين مقالتى غير مرّة، قال: قد تجدّد من كتاب أمير المؤمنين ما ترى، قال: أقول القرآن كلام الله، قال: لم أسألك عن هذا، أمخلوق هو؟ قال: الله خالق كل شىء، قال: والقرآن شىء؟
قال: نعم، قال: فمخلوق هو؟ قال: ليس بخالق، قال: ليس عن هذا سألتك- أمخلوق هو؟ قال: ما أحسن غير ما قلت لك، وقد استعهدت أمير المؤمنين ألا أتكلّم فيه، وليس عندى غير ما قلت لك، فأخذ إسحاق رقعة فقرأها عليه، فقال: أشهد أنّ لا إله إلا الله أحد فرد، لم يكن قبله شىء ولا يشبهه شىء من خلقه، فى معنى من المعانى ووجه من الوجوه، قال للكاتب: اكتب ما قال. ثم قال لعلى بن أبى مقاتل: ما تقول؟ قال: قد سمعت كلامى فى هذا لأمير المؤمنين غير مرّة، وما عندى غيره، فامتحنه بالرقعة فأقرّ بما فيها، ثم قال له: القرآن مخلوق؟ قال:
القرآن كلام الله، قال: لم أسألك عن هذا، قال: القرآن كلام الله، فإن أمرنا أمير المؤمنين بشىء سمعناه وأطعنا، فقال للكاتب اكتب مقالته؛ ثم قال للذيّال نحوا من مقالته لعلى بن أبى مقاتل، فقال مثل ذلك؛ ثم قال لأبى حسّان الزيادى: ما عندك؟ قال: سل عمّا شئت، فقرأ عليه الرقعة فأقرّ بما فيها، قال: ومن لم يقل هذا القول فهو كافر، فقال له: القرآن مخلوق؟ قال: القرآن كلام الله، والله خالق كل شىء، وأمير المؤمنين إمامنا، وبسببه سمعنا عامّة العلم، وقد سمع ما لم نسمع، وعلم ما لم نعلم،
وقلّده الله أمرنا فصار يقيم حجّتنا وصلواتنا، ونؤدى إليه زكاة أموالنا، ونجاهد معه، ونرى إمامته، فإن أمرنا ائتمرنا وإن نهانا انتهينا، قال:
والقرآن مخلوق؟ فأعاد مقالته، قال إسحاق فإن هذه مقالة أمير المؤمنين، فقال: قد تكون مقالته ولا يأمر بها الناس، وإن أخبرتنى أن أمير المؤمنين أمرك أن أقول، قلت ما أمرتنى به، فإنّك الثقة فيما أبلغتنى عنه، قال: ما أمرنى أن أبلغك شيئا، فقال أبو حسّان: وما عندى إلا السمع والطاعة، فأمرنى أأتمر، فقال: ما أمرنى أن آمركم، وإنما أمرنى أن أمتحنكم؛ ثم قال لأحمد بن حنبل: ما تقول فى القرآن؟ قال: كلام الله، قال:
أمخلوق هو؟ قال: هو كلام الله ما أزيد عليها، فامتحنه بالرقعة، فلما أتى إلى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ
وأمسك عن لا يشبهه شىء من خلقه فى معنى من المعانى ولا وجه من الوجوه فاعرض عليه ابن البكّاء الأصغر فقال: أصلحك الله- إنه يقول سميع من أذن، بصير من عين، فقال إسحاق لأحمد: ما معنى قولك سميع بصير؟ قال: كما وصف نفسه، قال: فما معناه؟ قال: لا أدرى- هو كما وصف نفسه، ثم دعاهم رجلا رجلا- كلهم يقول القرآن كلام الله إلا قتيبة، وعبيد الله «1» ابن محمد بن الحسن، وابن عليّة الأكبر، وابن البكّاء، وعبد المنعم بن إدريس ابن بنت وهب بن منبّه، والمظفّر بن مرجّا، ورجلا من ولد عمر بن الخطاب قاضى الرقة، وابن الأحمر، فأمّا ابن البكّاء فإنّه قال: القرآن مجعول لقوله عز وجل إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا «2»
، والقرآن محدث لقوله عز وجل ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ «3»
، قال إسحاق: فالمجعول مخلوق، قال: نعم، قال: والقرآن مخلوق «4» قال:
لا أقول مخلوق ولكنّه مجعول، فكتب مقالته ومقالات القوم ووجّهها إلى المأمون، فأجاب المأمون يذمّهم ويذكر كلا منهم ويعيبه ويقع فيه بشىء، وأمره أن يحضر بشر بن الوليد وإبراهيم بن المهدى ويمتحنهما، فإن أجابا وإلا ضرب أعناقهما، وأما من سواهما فمن أجاب إلى القول بخلق القرآن، وإلا حملهم موثقين بالحديد إلى عسكره مع نفر يحفظونهم، فأحضرهم إسحاق وأعلمهم بما أمر المأمون فأجاب القوم كلهم إلا أربعة نفر: منهم أحمد بن حنبل، وسجّادة، والقواريرى، ومحمد بن نوح المضروب، فأمر بهم إسحاق فشدّوا فى الحديد، فلما كان الغد دعاهم فى الحديد وأعاد عليهم المحنة، فأجاب سجّادة والقواريرى، وأصرّ أحمد بن حنبل ومحمد بن نوح على قولهما، فشدّوا فى الحديد ووجّههما إلى طرسوس، وكتب إلى المأمون بتأويل القوم فيما أجابوه، فأجابه المأمون أنّه بلغنى عن بشر بن الوليد أنّه تناول الآية التى أنزلها الله عز وجل فى عمّار بن ياسر إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ «1»
فقد أخطأ التأويل، إنما عنى الله تعالى بهذه الآية من كان معتقدا للإيمان مظهرا للشرك، وأما من كان معتقدا للشرك مظهرا للإيمان فليس هذا له، فأشخصهم جميعهم إلى طرسوس ليقيموا بها إلى أن يخرج أمير المؤمنين من بلاد الروم، فأحضرهم إسحاق وسيرهم جميعا الى العسكر وهم: أبو حسان الزيادى، وبشر بن الوليد، والفضل بن غانم، وعلى ابن أبى مقاتل، والذيّال بن الهيثم، ويحيى بن عبد الرحمن العمرى، وعلى بن الجعد، وأبو العوّام، وسجّادة، والقواريرى، وابن الحسن بن على بن عاصم، وإسحاق بن أبى اسرائيل، والنضر بن شميل: وأبو نصر التمّار، وسعدويه الواسطى، ومحمد بن حاتم بن ميمون، وأبو معمر بن الهرش، وابن الفرخان، وأحمد بن شجاع، وأبو هارون ابن البكّاء، فلما صاروا إلى الرقة بلغهم موت المأمون فرجعوا إلى بغداد.